​​​​​
ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-61 – نوري عبدالدائم
*****************​​​​*********************​​​

“تراجيديا السيف الخشبى ”
والنشاط الخلاق لفرقة الجيل الصاعد

بقلم / فوزي البشتي

“تراجيديا السيف الخشبى ” هي واحدة من الأعمال المسرحية المبكرة والمتميزة التي كتبها فنان من المغرب اختطفه
الموت قبل أن يقول كلمته كاملة … والذين تتابعوا أعمال ” محمد مسكين ” واجتهاداته المسرحية ، كانت فجيعتهم
كبيرة بوفاته ، لأن قدراته المسرحية وإمكانياته الكبيرة وعشقه للمسرح كان أكبر من سنوات عمره القصير .
“فرقة الجيل الصاعد ” التي قدمت خلال الموسم المسرحى الماضي مجموعة من العروض المسرحية الجادة ، وأقامت
مهرجان الفنان ” مختار عوبة ” الذي قدمت خلاله عروض مسرحية لمجموعة من الفرق المسرحية غطت أكثر من أسبوعين ،
هذه الفرقة الجادة والمثابرة اختارت أن تقدم ” لمحمد مسكين ” مسرحيته ” تراجيديا السيف الخشبى ” التي سبق
أن قدمت في إطار المهرجان الوطنى لمسرح الهواة الذي أقيم في ربيع 1987 بمدينة ” آسفى ” المغربية ،وقد قدمتها
فرقة المسرح العمالى بمدينة وجدة ، بإخراج ” يحيى بودلال ” ، وكانت ” فرقة الجيل الصاعد ” قد شاركت بها ضمن
فعاليات ” مهرجان محمد مسكين ” المسرحى الذي أقيم تخليدا لذاكراه ، بمدينة ( وجدة ) المغربية ، أواخر العام
الماضي ، وقد عادت فرقة ” الجيل الصاعد ” وقدمتها باخراج عبد الله الزروق في ساحة مسرح الكشاف لجمهور تابعها
باهتمام وتقدير طيلة أيام عرضها ، خلال المدة القليلة الماضية .
” السفر إلى السراب”
عندما يصطدم وطننا العربي الكبير بكل تناقضاته وتقلصاته ، بواقعه بحثا عن تلك القوانين الموضوعية التي تحكم
مسيره ،والتي يمكن له أن يكتشف بها طريق المستقبل ، فيبرز الحلم أملا طموحا في غزو هذا المستقبل المجهول ،
ولأن الحلم منطقيا وسيكولوجيا لابد ان يكون صورة مضخمة أو مثالية من هذا الواقع تحمل كل تشابكات الماضي
البعيد والكامن في اللاوعي ، فإنه بالضرورة لا يستطيع أن ينفصل عن نبض هذا الإنسان العربي الحالم بالمستقبل
القادم .
ومسرحنا العربي اليوم يجهد ذاته بحثا في أعماق لا وعي الإنسان العربي مفتشا عن خصائص تكوينه ، مفجراً تلك الآلام
التي صنعته ، ويكبتها حتى ل يتصادم معها يوميا ، مؤكدا عن الانسان العربي الحالى ليس إلا محصلة ” سيكولوجية ”
واجتمعية وفكرية لتراث حضاري ضخم ،ولن يستطيع هذا الانسان العربي أن يغزو غده القادم إلا بتسلحه بموقف علمى
جاد من تراثه وواقعه ومستقبله وبتلك الخيوط الدقيقة الموصلة بين هذه الأزمنة الثلاثة .
والكاتب المغربي ” محمد مسكين ” وهو يضع موهبته ” حتى وفاته ” على طريق البحث عن نمط جديد لمسرحية عربية
تؤصل وجودها في تراث الثقافة الشعبية ،وتشيد دعائم وملامح أبطالها من داخلها ، فيقدم لنا في مسرحيته ”
تراجيديا السيف الخشبي” محاولة لتشكيل بطل قومى ويستدعى من التراث كل الملابسات التي كونته ، عارضا إياه من
الداخل مزيلاً عنه كل الغلالات الإسطورية التي طرحها الإنسان العربي عليه هروبا من واقع مر وإحباط قائم ، بخلق
بدائل اسطورية تحقق في الفعل الدرامي ما يعجز هذا الإنسان عن تحقيقه في الواقع العملى .
وإذا توقفنا قليلا ، عند ذلك النموذج ” الفرد” الذي تسعى كافة أعمالنا المسرحية ” التي تستمد مادتها من
الثقافة الشعبية ” …على طرحه والتأكيد عليه ،وإذا حق لنا أن نتساءل ، إلى متى نظل نتعبد في محراب البطل
الأوحد ؟ وما هو دور قطاعاتنا الشعبية على المسرح ؟ فإن في إمكاننا أن نجد إجابة التساؤل الأول ،الذي حاولت
مسرحية ” تراجيديا السيف الخشبي ” أن تصوغ إشكالياته إلى حدٍ ما ، وان تعيد النظر في البطل الفرد ،والذي يحمل
قيما مثالية ، قد تتعارض مع واقع مخالف وإن وقعت من حيث لا تدري أو – من حيث هي تدرى – في خطأ استخدام مناهج
عصرية مخلوطة بأساليب شعبية ، أدت إلى ظهور نوع من عدم الفهم في مسير ومبتغى العمل ، فالمسرحية تبدأ بأن
تشيد معمارها على مستويات ثلاثة .
مستوى الحاضر المرئي أمامنا :– حيث تتواجد مجموعة من الممثلين تنصب ” “عربتها ” لتفرجنا على فنها وتستدعى من
الحواديث شخصيات العرض المسرحي.
مستوى التاريخ المتخيل ، وتدور أحداثه في أزمنة متداخلة وأبطاله ” عنترة بن شداد ” و” دون كيشوت” و” شهرزاد
” و” أوفيليا ” و”نابليون ” وغيرهم ، وكل هؤلاء يتداخلون في زمن مكثف وموحد ،ويظلون دائما خارج عصورهم
وأزمانهم ،وكأن المؤلف عندما يجمعهم في زمن واحد ، يريد أن يقول إن قضيتهم ذات ملامح واحدة وإن اختلف مسار
التاريخ .
مستوى الأسطورة لمتخيل :- وهو الذي تستدعى من داخله شخصية ” عنترة بن شداد ” بأتباعه وبعض مجزوءات عالمه
الأسطوري وإن حمله المؤلف الكثير من سمات الشخصية غير العربية وهي شخصية ” دون كيشوت ” ومحاربته لقوى خيالية
ورحلته وراء سراب لا ينقشع .
ويتداخل هذان المستويات الأخيران طوال عرض المسرحية ويتناوب الممثلون تقديم هذه الشخصيات المتداخلة ، دون
تحديد درامي لأي منهم ، بالإضافة إلى الدخول والخروج بين الشخصيات التاريخية المتخيلة والأسطورية والواقعية
،وإلى كم المفردات الشعبية التي استخدمها المخرج في العرض ، أدى إلى تخلخل العرض المسرحي الذي حمل بدوره
أفكاراً مخلخلة كانت نواة اهتزاز الرؤية بأكملها.
فإذا حاولنا أن نلتقط تلك الأفكار فسوف نجد بين أيدينا بعد تجاوز مشهد الافتتاح الذي نتعرف فيه على شخصيات
المسرحية عبر فرقة مسرحية جوالة ترحل نحو حلم مستحيل بزمن متداخل يلتقط شخصياته من أزمان متباعدة ومتناقضة
أيضا ، حيث يتبادلون الأدوار من عنترة إلى دون كيشوت إلى شهرزاد إلى زنوج أمريكا ورئيس أمريكا ،وكل هؤلاء
تتداخل شخصياتهم فيصبح الرمز التاريخي تجسيدا واقعيا ويتحول دون كيشوت إلى عنترة أو إلى ” أحمد العربي “الذي
ينهل من الكتب ويعشق المأساة العربية في بارات ” مليلية ” شربتها حتى الثمالة ، أنا من قرأ الأشعار وردد
الأناشيد ، آه على الأناشيد ، وعنترة بن شداد عاد ، أنا أحمد الفوارس الملقب بــ ” دون كيشوت “.
وتأتي شهرزاد ليبدأ السفر : ” سفرتنا ياسادتى الكرام تبدأ في سوق عربي ، والسوق حظيرة لكل الحكايا ، حظيرة
للرعب ، للموت للانكسار ، حظيرة للبسمة ، للحلم للميلاد ، عنوان سفرتنا هذه ” عنترة بن شداد يبحث عن عبلة في
هارلم “.
ولا ندرى لماذا ” هارلم ” ربما لأنه حي السود في أمريكا ، وعنترة أسود اللون إن صح كلام الأساطير وكتب التاريخ
،ولكن عنترة يرحل إلى ” هارلم ” لكي يأتي بمهر “عبلة ” هذه هي قضيته الأساسية ويذهب ” عنترة ” إلى هارلم ”
ليسكر ويلخبط كما يشاء ، ويعتقد أن ” هارلم ” مدينة أمريكية فيخاطبها هكذا ” ” هارلم … يا هارلم يا مدينة
الإنسان الصلصالى ، يا مدينة اللون الواحد ، يامدينة بلا فصول ، ياصاحبة العيون الليلية “.
ويغضب عنترة لأنهم قدموا له خمرة مغشوشة وبدون “ميزة” أيضا ويكتب إنذار إلى الرئيس الأمريكي يتحول فيه الاحتجاج
على تقديم الخمرة بدون ” ميزة” إلى مطالبته له بضرورة النطق بالشهادتين “هكذا؟!” ومن أجل ذلك يتم القبض على
عنترة ، ويثقلون كاهله بالتهم ” جئت تزرع خطوات اليأس والكآبة في بلاد الحرية جئت لتتجسس”.
وينتهى المشهد الأول وعنترة يردد : ” أنا السيف الخشبى يعترف ان سيفى من صنوبر لبنان ، وصنوبر لبنان مرشوش
بالدم العربي مكسور بالريح الجنوبية … أنا ” دون كيشوت ” صاحب السيف المكسور “.
دون كيشوت يحارب بالكلمة
يتحرك هذه المشهد في سوق عربي ، يشخص سليمان دور الاسكافى سعدون ، دور العطار ، دون كيشوت دور شاعر في الأسواق
، حمدان دور الممثل الضائع بين الأقنعة وتتداخل شخصيات أخرى هكذا دون مبرر أو خط درامى ينسج الحدث ويبنيه
،ونعرف ان هذا الخليط العجيب من الشخصيات ، يسعى لتحقيق حلم العدالة الاجتماعية ولكن بالكلام فيقول دون كيشوت
: ” العشق شفاؤنا يا أبا السعد ، يجب أن نعشق ياحمدان ، نعشق كل العالم ، لأن العشق حب ، ويجب أن نحب ، إنه
أغنية ” قصيدة ، ترتسم مخرجا لبؤسنا ، فلنجعل شعار هذا العصر شعراً .
ويقول له سليمان : ” وهل سيخرجنا الشعر من الفقر بدون كيشوت ؟ فيجيبه دون كيشوت : ” الشعر ملجأنا انه يجفف
الدمع في المحاجر ويجعل الضروع الجافة تمطر خيراً ، الشعر مخرجنا من الفقر فلنغن شعرا” .
وعبر المسير المتقطع لشخصيات هذا المشهد ، تقدم لنا المسرحية حلم اليقظة الذي عاشته تلك الشخصيات المنعزلة
عن جماهيرها الباحثة فقط عن دور في تخليصها للحبيبة ..” أوفيليا ” أحيانا و” ليلي العامرية ” أو ” بلقيس ”
بعد أن كانت عبلة أحيانا أخرى وهكذا فإن ثرثرة هذه الشخصيات التي تتحرك في الفراغ ليست اختيارا لغزو العالم
بقيم مفتقدة بل هي سيطرة مرضية للبحث عن دور غير مطروح في الساحة ، ويصبح اللجوء إلى الحلم هو البديل للعمل
الثوري في الواقع الصاخب وخلال سير العمل تتأكد المقولة الأولى التي تبثها المسرحية ، وهي هزيمة الحلم أمام
الواقع وانكشاف الكذب أمام حقائق الحياة ،ولكن فجأة ينقلب العمل على ذاته ،ويدافع عن الحلم والأكذوبة وينادي
بضرورة الانغماس في الحلم ، لأن ذلك هو الأمل الوحيد للناس … مزايدة من خارج الفعل الدرامي ، أضافت للعمل
مزيدا من التخلخل ومزيدا من طرح التساؤلات .
عن ماذا يدافع هذا العمل المسرحي ؟ عن الحلم الذي يسعى المعتدى لسرقته من الشعب وحواديثه ؟ أم ضد الحلم الذي
صرعه الواقع ؟ وهل أصبح الحلم هو حاجة الناس في زمن القوة وأملها الوحيد ؟ أم العمل النضالى هة حاجتها
الأصيلة؟.
ان المشهد يحلق في فراغ ولا يصل إلا إلى السراب ، وهذه الخاتمة البائسة التي يبدأها سليمان بقوله : ” لأن
الكلمة إذا أحسن استعمالها تجلب الأموال .
فيجيبه أحمد : – ” قلت إننا شعب الكلمة ، ولأن الله خلق العالم والوجود بكلمة كن ، فكيف لا تخلق الدراهم بالكلمة
؟
وتتحرك العربة نحو المشهد الثالث دون أن تقول شيئا سوى ان تعيد تدوير اللعبة المسرحية في الفراغ ، حيث
الشخصيات الثائرة الحالمة بلا أقدام ثابتة على أرض الواقع أو متمردة هو جاء بلا قضية جماعية تؤمن بها .

الإخراج والتمثيل
مخرج هذا العرض هو الفنان ” عبد الله الزروق ” وهو من أبرز المخرجين الشبان في بلادنا ، فقد استطاع ان يقدم
مجموعة من المسرحيات عرف فيها باجتهاده وإصراره على الخلق والابتكار والتميز وهو في هذا العرض حاول ان يضع كل
إمكاناته وخبراته فنجح أحيانا وأفلت منه الزمام في أحيان أخرى ، وقد أحسن ” عبد الله الزروق ” في تكوين المنظور
المسرحي في المشهد الواحد مع الخط العام ، ودمجه بتناسق مع المشاهد الأخرى ضمن الرؤية الواقعية للنص والإخراج
، إلا أنه ليس من السهولة إيجاد عمل متكامل تماماً ضمن الظروف المتاحة لمحيطنا المسرحي العام ، حيث تظهر
الأخطاء التي لابد للمخرج من الوقوع فيها والمتأتية على الأخص من ضعف الإمكانيات المقدمة لمسارحنا ، سواء منها
ما يتعلق بالركح المسرحي وعدم صلاحية ما هو موجود منه لتقديم عمل مسرحي متكامل أو اختيار العناصر البشرية ،
وانتقاء الممثل الجيد للدور المناسب ، والشخوص النسائية على الأخص ، ومنها ما يتعلق بالإمكانيات المادية
المساعدة لعرض مسرحي جيد .
ورغم ضعف وفجاجة النص المسرحي فقد استطاع ” عبد الله الزروق ” أن يقود فريق العمل باقتدار ، بحيث أحكم قبضته
على حركة الممثلين فالحركة تحدث تعبيراً موازياً لسير الأحداث وقد استغل ساحة العرض المفتوحة ” محطة السيارات
التابعة لمسرح الكشاف ” استغلالاً علميا وحسنا ، وحافظ على توازن الإيقاع واستخدم الإضاءة بفهم وحسٍ مسرحي حيث
جاءت وكأنها ضمن شخوص العرض المسرحي .
لقد أرهق ط عبد الله الزروق ” نفسه وأجهد ممثليه ، وحاول أن يوجههم بخبرته وفهمه نحو التلاؤم مع أدوارهم في
مسرحية أقيمت أسسها على الخواء .
ورغم ما بذله عبد الله الزروق من جهد يستحق عليه الثناء فقد ارتبك الممثلون أحيانا وفقدوا حماسهم أحيانا أخرى
وأدوا أدوراهم بفتور ووهن وإحباط ، وكثيراً ما كانوا يتوقفون في الوسط تماماً فلاهم يعبرون عن تلك الشخوص بحيث
نقترب أو نبتعد عنها ، نتعاطف أو نأخذ منها موقفا ،ولاهم قدموا مسافة للتهريج لا تخضع إلا لمنطق التسلية ،
فالنص أساساً لا يسمح بتشكيل منطقة درامية تتخلق من خلالها الشخصية على خشبة المسرح وتدفع بالممثل إلى منطقة
الإبداع الفني ، لأن الشخصيات مرسومة بشكل هامشى سريع وبالتالي فقد اكتشف الممثلون أنهم مجرد مؤدين لكلمات ليس
لها ملامح إنسانية أو درامية ، إنما هي كلمات في المطلق ، فحاولوا الدخول إلى مناطق الملهاة فضاعفوا من مساحة
التهريج وطوحوا حتى بقايا هذه الكلمات .
تحية لفرقة الجيل الصاعد الرائدة ، وتحية للمخرج الفنان “عبد الله الزروق ” والتقدير لكل الفنانين الذين قاموا
بأدوارهم وبذلوا جهداً أعرف أن فيه المشقة والعنت وأخص بالتقدير الفنانة ” خدوجة صبري” لو أنقصت من أخطائها
في اللغة ومن وزنها أيضاً ، والتقدير كل التقدير للفنانين المتألقين دائما ” عبد الرزاق أبورونية ” و”عيسى
المعداني ” و” عبد الباسط أبوقندة ” و ” أحمد إبراهيم ” ومناظر ” علي البركي” البسيطة والمعبرة والموسيقا
التصويرية والالحان التي وضعها ” البدري الكلباش ” و” صالح الورفلى ” على الإدارة المسرحية الجيدة أما الصديق
الشاعر ” نصر الدين القاضى ” الذي لم يشر إلى اسمه ، فإنني أحييه على أشعاره الرائعة ، عسى أن تعوض هذه
التحية تجاهل مخرج العرض له .

من almooftah

اترك تعليقاً