طه خليل:لاأكتب قصيدتي على وقع حوافر الخيل


حوارمحمد قاسم الخليل

تعود التجربة الاولى للشاعر طه خليل الى منتصف التسعينات وهو يكتب بصمت ودون ضجيج.

 

قدم الشاعر طه خليل من مدينة القامشلي , ليدرس اللغة العربية في جامعة دمشق , وفي بداية التسعينات سافر الى سويسرا للعمل في المجال الاعلامي للصليب الاحمر الدولي.‏

صدرت مجموعته الشعرية الاولى بعنوان (قبل فوات الاوان) عام 1998 و(ملك اعمى) عام 1999 , ثم (اينما ذهبت) عام 2004 وله رواية ترجمت للالمانية ونشرت في سويسرا عنوانها (دفتر صديقي) نالت جائزة (ايزلس اور) مع جائزة مادية في تشرين الثاني عام 1998‏

وخلال وجوده في سويسرا كان عضوا في الهيئة الاعلامية في مهرجان فرايبورغ السينمائي لسينما الجنوب (العالم الثالث) من 1994-,1997 وهو مهرجان سنوي , سبق ان عرضت فيه افلام سورية , ودرس اللغة الالمانية ثم في معهد لكيفية التعامل مع ضحايا الحروب.‏

وهو عضو شرف اتحاد الكتاب النمساويين , وعضو اتحاد كتاب السويسريين (فرع ببرن) حتى 1999 ويعمل حاليا على ترجمة كتاب شعري يضم مختارات من الشعر السويسري.‏

وقد التقينا الشاعر طه خليل خلال زيارته الاخيرة الى دمشق في حوار عن تجربته الشعرية والادبين السويسري والالماني.‏

>نلاحظ في مجموعتك الشعرية الاخيرة (أينما ذهبت) تدفقا في رسم الصور الشعرية ماذا تحدثنا عن هذا الجانب?‏

>>في هذه المجموعة بالذات (أينما ذهبت) اعتماد شبه تام على ذاكرة المكان لدي, واقصد المكان بمراحله الثلاث التي عشت فيها قرية صغيرة بالقرب من مدينة القامشلي ثم دمشق ثم سويسرا.‏

هذه المحطات الثلاث شكلت لدي ذاكرة مليئة بالصور والتجارب الحياتية قد تفوق عمري. ففي قريتي نشأت وانا اسمع واقرأ قصصا من التراث , لم يكن التلفزيون موجودا وقتها فذاكرتي تشبعت بالخيال , وفي دمشق صدمت بالمدينة وكأي شخص ريفي يدخل مدينة كبيرة.‏

وفي المرحلة الثالثة في سويسرا وهي الاهم ,تبدلت لدي كثير من القناعات والمقاييس الفكرية والجمالية , واقتربت شيئا فشيئا من المنطق والتأمل لما شاهدته وعشته هناك.‏

مثلا لم اشعر بجماليات كثيرة في بلدي الا عندما كنت هناك , وثم هنا لدينا من الخيالات والصور والمواضيع لاتحتاج لجهد كبير لتكون صورة جميلة ومبدعة , لكننا للاسف نسهى عنها عندما نرى غيرها.‏

فمثلا خلال كل فترة وجودي في سويسرا لم اشتم رائحة ما في الشوارع في حين هنا في دمشق تسير في شارع وتعرف ان هناك محلات لبيع القهوة او البهارات او للعطور,الامور لدينا هنا واضحة ومكشوفة وهناك خفية ومعلبة هذا خلق عندي نوعاً من الخيال.‏

>نجدك ايضا تميل الصور التركيبية , ماهي الاسس التي تنطلق منها لرسم هذه الصور?‏

>>ارى قصيدة النثر بعد ان تنازلت عن القافية والوزن , كان لها ان تحافظ على بدائل ,هذه البدائل قد تكون عند احدهم صورة سريالية او صورة مركبة.‏

انني لا انظر الى الشعر على انه مجرد إلهام هو صناعة ايضا , فانا اكتب قصيدتي اكثر من مرة , وهذا يعني انني اعمل عليها احذف واضيف , ولا اكتبها على وقع حوافر الخيل كما كان في الجاهلية , فالعقل والمنطق والتجربة لهم دور اساسي في القصيدة الحديثة.‏

وعلى أي حال لايمكن أن افسر كل شيء يتعلق بقصيدة النثر باسلوبي في حوار فذلك يحتاج الى جهود نقاد , نفتقدهم للاسف ونبحث عنهم.‏

>هذا يعني انك تتوجه الى قارىء نخبوي?‏

>>لااكتب لقارىء كسول ,دائما لدي احساس وانا اكتب ان القارىء اكثر نباهة مني واكثر ادراكا لفهم الشعر , لهذا لم يخامرني شك في لحظة بأن مااكتب هو لنخبة بعينها ,رغم انني وفي نفس الوقت اكتفي بقارىء واحد في هذا العالم لو فهم هذا الكتاب وخلق عنده سؤالا وجوديا.‏

>في مجموعتك الأخيرة مواقف مما يجري في المنطقة من حروب و عولمة?‏

>>بشكل قطعي انا ضد الحرب كإنسان من أي جهة كانت , وفي الوقت الذي تضامنت مع ضحايا الابراج في نيويورك , كنت اتألم للقتلى من الفقراء في افغانستان او العراق الذين يقتلون وليس لهم ذنب في كل مايحدث في هذا العالم.‏

شعرت بألم شديد وانا اقرأ ذات مرة تحقيقا صحفيا كان يظهر ان هناك الالاف من الافغان سمعوا باحداث نيويورك بعد اكثر من عشرين يوما من وقوعها.‏

نحن نعيش الرعب من فرض مفاهيم وقيم بالقوة والقتل كما تفعل امريكا , وفي نفس الوقت اشعر بالرعب من سيارة تنفجر بعد لحظات وتقتل اناسا يمرون بالصدفة.‏

من هنا لست ضد العولمة قط , فنحن كبشرنحتاج بعضنا, هناك امراض تظهر على البشر في دول اسكندنافيا مثلا لايمكن معالجتها الا بنباتات تنبت عندنا في الشرق , وقد يكون العكس .العولمة بمفهومها الانساني والحضاري اروع مايمكن ان يحققه الانسان لكن مايخيف تحت مسمى العولمة تتم ابادة البشر وإقصاء ثقافتهم وحضاراتهم الغارقة في الجذور.‏

>كيف تم عملك في سويسرا?‏

>>حصلت محض الصدفة ان تزوجت من سويسرية كانت تأتي الى سورية لدراسة الادب العربي الحديث.‏

وكانت مرتبطة بعمل في بلدها , انتقلت معها وعملت هناك , وفي سويسرا ليس هناك مفهوم واضح كما لدينا عن الوطن فمثلا كلمة (هايمات) التي تعني الوطن في شق منها تعني ايضا المكان الذي ولدت فيه او المكان الذي احببت فيه وشكل من الاشكال اشعر بأنني ايضا ضمن هذه الهايمات .‏

>الم تجد صعوبة في التأقلم مع المجتمع السويسري المعروف بتشدده في قبول الاخر ضمنه?‏

>>المجتمع السويسري هو مجتمع في اغلبيته محافظ ومغلق على نفسه , لدرجة ان سويسرا ليست عضوا في الامم وليست في الاتحاد الاوروبي , فما بالك بقبول انسان شرقي.‏

لكن بسبب طبيعة المجتمع السويسري الفلاحي بشكل عام , من الصعوبة ان تكتشف العنصرية عند السويسري .‏

رغم انه في السنوات الاخيرة وللاسف ازدادت الاحزاب اليمينية العنصرية صار لها مؤيدون كثر في المجتمع السويسري.‏

مثلا يمكن أن يقول الماني اخرج من هنا .. المانيا للالمانيين في حين يختلف ذلك عند السويسري اذ يقول لك بدبلوماسية واكثر وجعا كأن يسألك شخص مستغربا كيف استطعت ان تتقن الالمانية بعد عشر سنوات.‏

فهو يعتقد بأنك كشرقي ليست لديك هذه القابلية او ان يسألك جارك في مقعد بالقطار الا تشعر بالبرد رغم انك ترتدي ثيابا ومعطفا مثله تماما السويسري يعتقد بشكل عام انه مختلف عن الاخر كل ماعدا سويسرا بالنسبة اليه غريب ولايطمئن اليه الماني فرنسي ايطالي.‏

>اذا كانت الامور بهذا الشكل كيف استطعت التأقلم والاستمرار?‏

>>الجانب الاخر والمهم برأيي في سويسرا انه مجتمع تعددي فهو لاينتمي الى قومية بعينها فهو روماني قديم الماني وفرنسي وايطالي , وكذلك لديهم اربع لغات مستخدمة في كل النواحي الحياتية ففي البرلمان السويسري مثلا ترى احدهم يطرح سؤالا باللغة الايطالية فيرد عليه الاخر بالفرنسية او الالمانية.‏

وعلى اوراق رسمية بما فيها النقود تكتب بثلاث لغات المانية ايطالية فرنسية , هذا الطيف المتعدد في سويسرا يساعد بطريقة او بأخرى لاندماج الاخر.‏

إن المجتمع السويسري مثله مثل كل المجتمعات الأوروبية,فيه مافيه من مثالب ومناقب,‏

لكن بشكل عام حالة الاطمئنان والامن التي يعيشها الاجنبي هناك هي اكبر من كل الدول الاوروبية الاخرى .‏

>علمنا انك التقيت الكاتب الالماني غونتر غراس ما هي انطباعاتك عنه?‏

>>بالاساس غونتر غراس فنان تشكيلي وخريج اكاديمية النحت وهو نحات مهم في المانيا وله معارف كبيرة وكثيرة في المانيا وخارجها , وفي الدرجة الثانية هو شاعر.‏

الملفت في شعرية غونتر غراس انه يكتب القصيدة المرسومة بمعنى هو يرسم لوحة بألوان الغواش ثم يكتب على اللوحة قصيدة ملونة , في الدرجة الثانية ربما بالصدفة هو روائي وحصل على جائزة نوبل بسبب رواياته.‏

>سؤالي عن غراس تمهيد لسؤال عن علاقته بقضايانا , فمن المعروف ان الصهاينة وقفوا ضده بسبب روايته طبل الصفيح?‏

>>غونتر غراس يعتبر اكثر كاتب اشكالية في المانيا بسبب نشاطاته السياسية وثقافته الرافضه لكثير من قيم الغرب الرأسمالي.‏

سأورد مثالاً عن رواية الاخيرة (حقل بعيد) هذه الرواية تأخذ التاريخ الالماني من مائة عام حتى زمن انهيار جدار برلين, احدثت هذه الرواية ضجة بسبب مواقفه من الوحدة الالمانية التي تمت كما يرى على عجالة.‏

وهناك ناقد الماني مشهور في الغرب تشارنسكي يعد مختصا بادب غراس ابدى استياء شديد من الرواية , وهذا الاستياء كان نابعا من النواحي الفكرية التي تضمنتها , وقد اجرت ذات مرة مجلة دير شبيغل حوارا مع الناقد تشارنسكي حول الرواية وكان الغلاف المجلة صورة تشارنسكي وهو يمزق الرواية.‏

وفي احدى لقاءاتي مع غونتر غراس سألته عن الصورة فأجابني بخبث وهو يبتسم (لست مستغربا فحرق وتمزيق الكتب هي من ضمن الحضارة الالمانية).‏

>باعتبارك قابلته نود ان نعرف مدى صحة قول من ادعى انه يمتلك حقوق نشر كتب غراس للترجمة الى العربية?‏

>>عندما قمت بترجمة كتابه الشعري (مفقودات لغير القراء) سألت غونتر غراس عن الموضوع فأبدى استغرابه وعدم علمه بالموضوع , وكان في الصالة التي التقينا فيها ناشر كتبه الالماني ستايدل وهو يمتلك كل حقوق النشر , سأله غراس إن كانت هناك دار نشر عربية ماقد اشترت حقوق النشر العربية , فأبدى استغرابه واجابني لا أساس لهذا الكلام من الصحة , وإذا كنت تود نشر الكتاب بالعربية فافعل ذلك.‏

من almooftah

اترك تعليقاً