ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-13- نوري عبدالدائم
**************************

الدعاية و الإعلان في المسرح الليبي ..
بقلم /أحمد الغماري

يقف المرء عاجزا مكتوف الأيدي أمام موضوع لا تتوفر له مصادر و لا مراجع يستند عليها لدراسته, خاصة عندما يتعلق الأمر بالفنون البصرية ,و ما يخص منها الملصق بالذات , وعلى الأخص الملصق المسرحي , الذي يعتبر أقل انتشارا بين الناس من الملصق السينمائي , و كما هو معروف بأن الجانب الإعلاني والدعائي من مهامه إبلاغ الجمهور عن مواعيد وأماكن العرض المسرحي
والدعاية له .إلا أن الملصق يبقى من أهم هذه الوسائل الدعائية والإعلانية ,
و النافدة الأولى التي يطل منها المشاهد على أحداث و شخصيات العمل المسرحي ويكون عامل جدب أو تنفير , ما حدا بالفرق المسرحية و المسارح أن تتخذه بعين الاعتبار و تفرش له المساحة الكبرى على جدرانها و تؤكل أمر تنفيذه لأفضل المصممين والفنانين المختصين في هذا المجال , الذين استخدموا أفضل التقنيات
وأحدثها من اجل إظهاره بالمظهر الجذاب لعين المشاهد, فظهر الملصق الورقي الذي يوزع على جدران الشوارع و الملصق الجداري الذي يرسم على القماش أو الخشب والمعروف في بعض الأماكن باسم( الأفيش) وينصب على أوجهات دور العرض بألوانه الزاهية و بمساحات كبيرة , إلى جانب الوسائل الأخرى التي استغلت لغرض الدعاية والإعلان فكان النداء و العزف الموسيقي الارتجالي في الشوارع و الميادين كإحدى هذه الوسائل التي اعتمد عليها كما ظهرت طرق أخرى تمثلت في (مواقف طريفة للإعلان )التي لا تخلو من روح الدعابة و الترفيه في تجسيدها ,

و في نظرة إلى الخلف لكي نبحث عن الإشكال التي اتخذتها الدعاية و الإعلان للعروض المسرحية في بلادنا , و طبعا حسب ما توفر من نماذج للملصقات و ما سمعته من بعض الفنانين والأخوة المهتمين بالحركة المسرحية عن هذا الأمر , نجد أن الدعاية قد اتخذت ثلاث أشكال رئيسية واستخدمت في أوقات و ظروف مختلفة و بإمكانيات فرضتها معطيات كل زمن مرت به , إلا أنني ارغب في بادئ الأمر أن أسلط الضوء على احدى هذه الوسائل التي وصفتها سابقا – بالمواقف الطريفة للإعلان – والتي تعبر عن سعي بعض المسرحين لجذب المشاهد البسيط لعروضهم المسرحية , خاصة لو علمنا بان الوعي الفني لدى المواطن في تلك الفترة _ النصف الأول من القرن العشرين _ لم يتبلور بعد كما هو الحال اليوم ما دعاهم للالتجاء لهذه الحيل الطريفة’ التي اعتمدوا فيها خلق (مواقف تمثلية) حيه للمواطن في الشارع لإعلامه بالعرض المسرحي و دعوته إليه , و عرف على الفنان “مختار الأسود”قيامه بهذه المواقف الذي يذكرها فيقول:
… بأنني مارست هذه الحيل بنفسي في إحدى المرات عندما ارتديت فيها ملابس شرطي المرور وبدأت بإيقاف السيارات المارة , و كان السائقون يعتقدون بأنني شرطي أريد أن اخالفهم لارتكابهم مخالفة مرورية ألا أنني أقابلهم بابتسامه و أقول لهم (لا تنزعج فأنت مدعوا إلى المسرحية التي ستعرض اليوم أو غدا …في المكان الفلاني) وأقدم لهم مخالفة هي في الحقيقة دعوة للحضور مسرحيتنا التي سنقدمها …ومن المواقف المشابهة التي قام بها الفنان”مختار الأسود”و أصدقائه ذات مرة عندما شيعوا جنازة افتراضية في أزقة المدينة القديمة و ساروا بها على اعتبار أنها جنازة لأحد المتوفين من سكان المدينة الأمر الذي جعل المواطنين يسيرون وراء الجنازة حتى وصلوا أمام باب مسرح (البوليتياما) الموجود حاليا بسوق الترك و الذي يسمى اليوم- بدار عرض النصر- عندئذ وقف قائلا لهم بان لا توجد جنازة بل هو يدعوهم للمسرحية التي ستعرضها (فرقة خرجي مكتب الفنون
والصنايع) إلا أن الفنان “مختار الأسود” لم يتوقف عند هذه الحيل و المواقف الطريفة بل نوع في أشكالها و طرقها – فطبع ذات مرة الإعلانات على الأكياس الورقية التي يباع فيها الخبز و الفاكهة بحيث تصل إلى كل بيت عندما يقوم أب الأسرة بشراء حاجات أسرته من السوق. إلا أن هذه الوسيلة الطريفة قد رافقتها وسيلة أخرى يمكن أن نطلق عليها اليوم (بالدعاية الصوتية) والتي عرفها الليبيين (بالتبريح) أي النداء في الأزقة و الميادين من اجل إعلام الناس عن حدث ما .
وذكر الفنان ” مختار الأسود” بان الفرق المسرحية كانت تؤكل أمر إعلاناتها لأحد (البراحة) و كان هناك شخصا يدعى ” النطاح “يقوم بهذه المهمة لبعض المسرحيات بحيث يجوب الشوارع مناديا بعبارات سلسة تعودت عليها أذان الناس بهذه الكلمات( ألتوب ألتوب ألتوب … تسمعوا ألا الخير أن شاء الله و الحاضر يعلم الغايب … أبناء الفرقة الفلانية عندهم تمثيلية في مساء اليوم في السينما الفلانية … و يلعبوا فيها فلان وفلان و فلان … راهي تفوتكم تعالوا كأنكم بتضحكوا) مستعينا بآلة إيقاعية (كالبندير او الدنقة) أو أي آلة أخرى محدث بها تنغيما بين العبارات و الإيقاعات , و يضيف الفنان”محمد بن محمود”في هذا الإطار بان بعض الفرق المسرحية كانت تكلف أفراداً من أعضائها أو أشخاصا من خارجها أحيانا للإعلان وذلك بان يصطحبوا عربة وآلات موسيقية و يجوبون بها الشوارع بالعزف و الغناء ملفتين قدر الإمكان انتباه المارة إليهم لإعلامهم عن موعد و مكان العرض, و يذكر الفنان “محمد بن محمود”- بان هذه العملية لم تكن مقتصرة على المعلنين بل أن الممثلين أنفسهم أحيانا ينزلون إلى الشارع قبل العرض بملابسهم التنكرية ليجلبوا انتباه المارة ويضيف الأستاذ “سعيد المزوغي”إلى هذا بان المساجد باعتبارها مكانا لتجمع و خاصة في صلاة الجمعة, حيث جرت العادة أن يتخذها الناس كأحد وسائل الإعلان عن حدث أو أمر ما (فيقوم احد المعلنين بعد صلاة الجمعة و يطلب من المصلين الانتباه إليه و بعدها يبلغهم عن وجود مسرحية في المكان والموعد الفلاني ,ويحدث هذا عدة عندما تكون المسرحية ذات طابع إسلامي أو قومي ) إلا أن المعايش للفترة الأولى أو حتى الفترة التالية للحركة المسرحية يعرف جيدا بان الدخل و الدعم المادي للفرق المسرحية لم يكن ليسمح لها بالصرف على الجانب الدعائي و الإعلاني بالشكل المطلوب , بل إن الفنان”محمد بن محمود” ذكر بان عروضهم المسرحية التي كانوا يقدمونها في مناطق خارج طرابلس كالخمس أو الزاوية مثلا, كانت تقبل فيها غلال أو الثمار الموسمية مقابل ثمن تذكرة الدخول مراعين في ذلك الظروف المادية لبعض المواطنين في تلك المنطقة, وهذا يعطي مؤشرا واضحا على الحالة المادية التي تمر بها الفرق المسرحية ما جعلتها تهمل الجانب الدعائي في برنامجها ,وسبب ذلك تأخر ظهور الملصق المطبوع على جدران الشوارع وحتى إن ظهر فيظهر بشكل محتشم وبسيط ,وعوض عنه بالملصق اليدوي – إن صحت ألتسمية- الذي كان يرسم من قبل احد الرسامين في أحسن الأحوال أو يقوم مهندس الديكور في الفرقة برسمه أن رأى في نفسه الكفاءة للقيام بذلك و كان يوضع في أماكن محدودة بالمدينة ,إلا أن الملصق الورقي في اعتقادي يبقى الوسيلة الأكثر ملائمة وفاعلية للإعلان نظرا لسهولة توزيعه في أي مكان وإمكانية استخدامه في أكثر من فرصة تالية, و لهذا سألقي نظرة فيها شيء من التفحص على تاريخ صدوره و أشكاله التي اتخذها ,وهنا يأتي ألسؤال ليطرح نفسه متى كان ظهور أول ملصق و كيف كان تصميم الملصق في كل فترة من الفترات التي مر بها ؟؟ و لكي أجيب عن هذه الأسئلة توجب علي أتوجه إلى أهل الدرية و المهتمين بالشأن المسرحي لنسمع منهم الإجابة عن هذه الأسئلة. فكانت البداية مع الأستاذ “البصيري عبدالله ” الذي يذكر- بان صدور أول ملصق حائطي كان في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي-ويؤكد على ذلك الفنان “بشير المبروك” باعتبار – أن الفرقة الوطنية الطرابلسية للتمثيل و الموسيقى قد عرضت مسرحيات في تلك الإثناء بملصقاتها – لكن الفنان ” مختار الأسود” ينفي و يقول – بان صدوره في منتصف الخمسينيات- و يرى المخرج “عبد الله الزروق”- بان الملصق بمفهومه الحقيقي لم يلقى اهتماما في بادي الأمر و بدأ الاهتمام به فقط في أواخر الستينيات و بداية السبعينيات- و يقول الفنان “محمد بن محمود” – الملصق كان موجودا من فترة طويلة فكان يكتب و يرسم باليد و يوزع في الشوارع والأسواق- و على أي حال فان البحث و الفرز عن تاريخ صدور أول ملصق في بلادنا لهو أمر يحتاج إلى المزيد من التفحص و التروي من اجل إجابة تكون أكثر دقة و موضوعية..
ولننتقل الآن إلى النقطة التالية وهي شكل وتصميم الملصق الذي طرا عليه عبر الزمن العديد من التطورات,و لمعرفة هذا التطورات توجب علي الاطلاع على ما أمكنني الاطلاع عليه من ملصقات نجت من التلف و الضياع و أخرى هي حديثة العهد وتعتبر نماذج لا باس بها تعكس الفترة التي ظهرت فيها ,و كذلك ملصقات أكثر حداثه تحمل روح هذا العصر بما فيها من تقنيات الكمبيوتر والإخراج الحديث الذي بدأ يميز هذه الملصقات عن سابقاتها , و لكن أولا لنرجع لنلتمس طريقنا إلى أقدم الملصقات التي يمكن أن ننطلق منها لرسم ملامح الملصق و الكيفية التي كان عليها , ففي الملصق الذي رافق العرض المسرحي الذي قدمته الفرقة الوطنية للتمثيل و الموسيقى سنة 1946 م لراويات اجتماعية و إسكتشات هزلية من بطوله – الكوميدي -“محمد حمدي ” و رافقه في العرض الموسيقي المطرب ” محمد الفرجاني”, حيث ظهرت فيه صور شخصية لممثلين و عازفين وفي أسفل الصور كتبت أسمائهم و ظهر في أعلى الملصق اسم الفرقة بخط عريض و في الاسطر التي تلتها نشاهد التقديم و التعريف بالعمل المسرحي و على جانبي هذا التقديم تظهر أسماء العناصر البارزة في العمل المسرحي,إلا أن الغريب في الأمر ظهر بعد تلك الفترة من الزمن ملصق مسرحية (أهل الكهف) الذي طبع في سنة 1966م خلا تماما من أي صورة فوتوغرافية أو رسم يدوي وظهرت أسماء الممثلين و المؤلف و المخرج في توزيعا هندسي من الوسط و على الجانبين, و في أعلى الملصق كالعادة كتب اسم الفرقة و في صدره عنوان المسرحية و ظهرت في الأسفل أسماء الطاقم الفني وأسعار التذاكر للصفوف الأولى و التي تلتها و مواعيد ومكان العرض .. و استمر الحال على ما هو عليه في تصميم الملصق إلى منتصف السبعينيات دون أن يطرأ أي تغير, و خلت هذه الملصقات من أي لمسة فنية في تصميمه بحيث ظهرت كأنها إعلانات وظيفية أكثر منها ملصقات دعائية مما يدل على إن الذين قاموا على تنفيذها هم أشخاص ليسوا مختصين في هذا المجال, ولكن الملصق قد بدأ يأخذ طابعا مختلفا في تصميمه فظهرت ملصقات اعتمدت في تصميمها على الرسوم و الخطوط الدعائية, كما استمر ظهور الصور الشخصية للممثلين ألا أنها اكتفت بصور الإبطال و بعض الشخصيات الرئيسية , وما ميز هذه الملصقات عما سبقها من ملصقات الأربعينيات و الخمسينيات و الستينيات بأنها طبعت بالألوان و صورت برسومات أحيانا كانت كاريكاتيرية تعبر عن فكرة المسرحية في إجمالها ولكن الفترة من النصف الأخير من الثمانينات و إلى نهاية التسعينيات قد جاءت بملصقات حملت على صفحاتها صور فوتوغرافية تصور مشهدا من أحداث العمل المسرحي ,واستعمل الخط الدعائي بشكل جيد بحيث يضفي لمسة جمالية على الملصق,وأخيرا اتخذ الملصق منعطفا آخر في بداية الألفية الثالثة بسبب دخول الكمبيوتر مجالات الحياة و انتشار برامج التصميم و الدعاية ( اﻠﭭرفيك ديزاين) و بروز شباب يحسنون استعمال هذه التقنيات , فظهرت ملصقات تحمل على صفحاتها مشاهد أو أفكار تعبر عن العمل المسرحي و بتصميم بدا إخراجها يعكس روح العصر في شكله و تميزت ببساطة الشكل و اختفاء الصورة الشخصية الجامدة للممثل التي استبدلت بصورة حركية يعبر فيها الممثل عن الدور الذي يلعبه في العمل المسرحي اضف إلى هذا التأثيرات التي أتاحتها تقنية الكمبيوتر , هذه العناصر قد أعطت الملصق ثوبا جديد يمكن أن يقال عنه بأنه يجدب عين المشاهد و يستثير فضوله لمشاهدة العمل وهذا التطور في التصميم يواكب أيضا التطور الذي حدث في العمل المسرحي في كل جوانبه, و من يشاهد منا الملصق الذي قدمتة فرقة الأنوار لعملها (انتحار رائد الفضاء ) و الذي صور رواد الفضاء خارج الغلاف الجوي و تظهر الأرض خلفهم و هم يسبحون بجوار مركبتهم الفضائية , وأقول من يشاهد هذا الملصق سينجذب إليه و سيستهويه مشاهدة هذا العمل لان الصورة تستثير مخيلتنا , و هذا هو الدور الذي يجب أن يقوم به الملصق الجيد لصالح العمل المسرحي و هو دور مهم جدا لان الكثير من الإعمال المسرحية الجيدة نجد أن ملصقاتها لا ترتقي إلى مستواها الفني مما يؤثر بشكل مباشر و غير مباشر على العمل المسرحي ….. و الملصق و وسائل الدعاية الأخرى هي في الحقيقة العنصر الثالث في العمل المسرحي بعد الممثل و الطاقم الفني إن صح التعبير .

من almooftah

اترك تعليقاً