_جدارية الموْت_15

وضعوا النّعْشَ أَخيراً على الأرض، واستقرّ بي المقامُ، وأحضر الهواءُ لي بقايا الغبار الذي أثارته أقدامُ المشيّعين، المبخرةُ وُضِعتْ جانب رأسي، دارتْ سحبُ البخورِ المتوهّجِ حولَ جثمانيَ الملْقى على أُمّنا الأَرض، التحَفْتُ بغطاءٍ كثيفٍ ولزجٍ من رائحة البخور، رائحةُ البخور هي ثعلب العطور بأَسْرها، يمارسُ رقصتهُ البهلوانيةَ حولي يودّعني كما يليقُ بالملوك، يأْخذني بعيداً عن الحضور، يروي لي حكايا المعابد القديمة، ويهمسُ لي بأَسرارِ المؤمنين المختبئين في الكهوف بعيداً عن أعْينُ الفضوليين ورجال البلاط الملكي، يهتكُ سرّ الكهنة الذين يتآمرون على فرعون، ويَسْعى بي بين مطعمِ الطّير ومجاوز الرّيح، ما أجملهما إلهين قبل أن يغادرا الصّفا ومَرْوَة، نشوَةُ البخورِ تثيرُ حفيظةَ النساءِ الأَكْبر سناً والأكْثر خبرةً، فيهدرُ شلالُ عويلهنَّ من السماء هابطاً بقسوةٍ تتحطّمُ أَمواجهُ على جثماني، بكاء الصّبايا ترتفعُ وتيرته الخجولة شيئاً فشيئاً، المشهدُ الصوتيّ كأَنه أوبرا، يالله كم أَنا سعيدٌ بالموت، أَحدهم شعرَ بسعادتي فنهقَ كالحمارِ:
_ لم يكن هناك حاجةٌ لخروج النساء الى المقبرة.
ويحكَ من قال لك أني أحتاج في هذه اللحظات للواعظينَ أمثالك، من شدّة غضبي تململتُ في الكفن، ظنوا أن الأرضَ غير مستويةٍ، فتمّ نقلي قليلاً بحثاً عن أَرضٍ مستويةٍ، وتابعوا ماورثوه من اجراءات مقيته، وعادَ لي صهيلُ البخور ممتزجاً بأغاني النادباتِ فهدأت روحي فوقَ الجميع تتأَمّلُ اللوحة، وَردتْني إشارةٌ على صفحتي أَنّ راما جاموخة شاركتني بصورة، بأصابع تختلط باللهفة قمت بتحديث صفحتي ورحت أَنتظر الشّابكة، فسطعت صورةٌ لشجرة تتلون بالأَحمر البرتقالي في أَوّلَ الخريف، فتنهدتُ في موتي وكتبت لها:
_ شكراً صديقتي، يبدو أَنه أَوان الخريف …
فأجابتني:
_ من قال لك هذا؟! إنّهُ المهرجان …
هلْ تفهّمتْ أَنّ موتي كان مهرجاناً؟!!
كان البخور لا يزالُ يرقص، يغتصبُ جثّتي التي تخشّبت أحْياناً ويتمنّع كالعذراى اذا هبّ النسيم، سلامٌ داخلي سيطر على موتي بشكلٍ مطلق، وأيقنت أنه لا مجال للعودة ، وعقدت العزم على دخول قبري دون أدنى احتجاج، لن أقوم بأي شيء يزعجكم بعد الآن لكن انزلوني بروية وهدوء، حذاري القبر ضيق جداً لماذا لم تكلفوا أنفسكم مغبة توسيعه قليلاً؟ أم انكم تتركون في الارض فسحة لموتكم، في هذه اللحظة أذكر أني حضرت من رحم أنثى، وهذا انا راحل الى رحم أنثى، وقبري رغم ضيقه أشعر أنه مهبل ترابي رطب ولذيذ، يأخذني بحنو وامتنان، ويرحل بي الى الموت.

جدارية الموْت_16

كأنّكَ أخي تشدّني الى صدركِ بقسوةٍ، أوَ تظنُّ أَنك قادرٌ على إعادتي، أوَ تستطيعُ بنحيبكَ أن تجعلني أتراجعُ عن موتي، مدّدني على جانبي الأيمن ، لا تخشى عليّ أن القبر ضيقٌ، فهذه مسألةٌ لم تعدْ تعنيني، جسدي صخرةٌ مجهولة الأَبعاد، لماذا ترتعشُ أصابعكَ وأنت تملأُ فمي وعيني بالتراب؟!!! اعذرني لم أسمعكَ وأنت تنحني وتهمسُ في أُذني بعض الكلمات، أشكركَ لأنك تقف حافياً في سريري، كأني أسمع صرير مزاليجَ صدئة تُفتحُ على العدم، تمتزجُ رائحةُ التراب الذكرية مع صهيل البخور الأنثوي، فأشعر بلحظة نشوةٍ غادرة تطعن روحي، وتسقطُ قطعة من سماءٍ ليست بعيدة بين عيني، قطعةٌ ساخنةٌ كأنها معدنٌ مصهور، وتدور بي بلا وجود، وتحملني الى الهباء، قبري يفقدُ تمايزهُ عمّا حوله ، كأن الأرض كلها أَضحت سرير الأبدية، يتلعثمُ رجلٌ ببعض الأحاجي المبهمةِ، لا يسمعه أحد، يهيلون التراب كلما ازدرد لعابه مرتعباً من حقيقة الموت، يروي كل ما حفظه عن أسلافه من ابتكارات تليق بهذه اللحظات، الضوء تحولَ الى همسة وسط عاصفة، همسة ذائبة كقطرة من الشّمعِ المنصهر، مرآة الأبد تلمعُ في عينيّ تذهلني ، فأسقط وتتناثرُ روحي وتذوب أثناء سقوط تشوبهُ شبهة التّحليق، ويلتصق الصمت الدّبق المدوّي بحوافِّ الصورة، أَبي العجوزُ يقفُ كأَنّه يسقطُ بي ، ويمدُ يده المتجعّدة للمعزّين، في أَولِ المملكةِ أدوّنُ الغيابَ كأَيقونةٍ، في الموتِ لا مجال لإعادةِ النّظر، الموتُ حلٌ لمسائلَ مبهمةٍ، وفرصةٌ لإعادةِ التّوازن في العبثِ الذي أقْلَقهُ وجودنا، عبثٌ مزقهُ حضوركِ المباغتُ، أعدُّ أصوات الإنفجارات وأحاول التّمييز بين صوت قذيفةِ الهاون ، وبين صوتِ قذيفةِ الآر بي جي، وأداعبك بصوتٍ أصفرَ:
_ نلْتقي بعدَ القذيفةِ الثّلاثين ، إذا قدّرَ لنا أَنْ نكونَ من النّاجين…
_ لا أحبّ دعاباتك الصفراء، أين أَنت أسمعُ لهاثك كأَنّه صفيرُ رصاصةٍ ؟!!
_ ليس الآن ، أنا في المشْفى، وسطَ حقيقةٍ لا أتمكن من فهمِ مفرداتها، لا أعرف عدد الجرحى، ولم أعدْ أعرفُ من أنا…
_ هلْ أنْتَ بخير…؟
_ لم أَعد على يقين ….
وحدهُ الموتُ بقيَ خارجَ دائرة رغباتنا ومطالبنا، حالةٌ بهيميّةٌ، لمْ تخضعْ لأيّ قمعٍ اجتماعيٍ، ولم يتناولها تطوّرنا عبرَ الدهْرِ، فبقيَ الموتى متشابهونَ من قديمِ الأزلِ، يخلعونَ عباءةَ الحياةِ ويندسّون في حضنِ الموتِ بكاملِ عريهم، الموتى شعراءُ الخسران، إباحيّونَ حتى النخاع، متمرّدون لا يخضعونَ إلا لقانون الغياب، يفتقدونَ الدّروبَ ولهفةَ العبورِ، وتزْربُ من محاجرِ عيونهم شهْوةَ الوصول، الموتى حرّاسُ اليأْسِ، وبطاقةُ عودةٍ إلى جذرِ الدُّوار، ونواةُ الخلْقِ، أَنا الميّتُ قبلَ أَن أَتعلّم النطق بلغةٍ صنعتها من ريشِ غراب، ووزعتُ الأنثى على عباراتها بحرقةِ عاشقٍ، كما توزّعُ إشارات التّرقيم على أَقانيم جسدكِ المشتعلِ رغبةً وتوْق… والموشّى بحروب الردّة….!!!

_جدارية الموْت_17

الموت صقيعٌ فولاذيٌ ، يتصلبُ وسطَ بؤرةٍ ملساءَ كعينِ أفعى ، باردٌ كنصلِ سكينٍ حادّة ، لمْ يردْ في مدوّنتهِ ايُّ ذكرٍ للنار ، أو حتّى كيفيةُ اختلاقها ، أو توهّمها ، بذرة ُ النار احتكاك ، والأرواحُ هيولى تختلطُ بها مفرداتُ الغربةِ مع الوجعِ ، تغيب ُ الأنثى فتسقطُ ضمائرنا الحاضرة.
لأَنّ دربَ الوجع مبهمٌ يفتح الموتى خرائطَ الصّمت ، ويسّاقطون كحباتِ مطرٍ في عاصفة ، افتقدُ في الموتِ بعضَ المودّة ، وشيئاً من الخصوصية ، ويربكني هذا العري الكامل للفتنة ،فأهمسُ بين يديكِ :
ارفعي سقفَ السّماءِ قليلاً
إنّي أختنق…
دعِ نجمتي تعبرُ أكثر عمقاً…

الموتُ حادثٌ عرضيٌ بالنسبة للأَحْياء، نسقطُ في بئرهِ على حين غرّة ، ونغيب في عتمتهِ المخمليّةِ المقيتةِ ، وسْطَ ذهولٍ لا يمكن فكَّ طلاسمهِ ، كأنَّ الريح عيناك تدمدمُ في شجرةِ الصّفصاف ، تنظرين في عمْقِ عينيَّ متنهدةً :
حلّق بنجمتكِ
أكثرْ
واعبرْني
فأنا لا تكتملُ سمائي
الا بهذا العبور العميق…
البكاءُ خلاصةُ الحياة ونشْوتها، الفعلُ الوحيدُ الذي يتوق اليه الموتى ، ولا تستطيعُ ارتكابهُ عيونٌ من تراب ، إذا لم تتمكن من البكاء لابدّ أنْ تبحثَ عن اسمكَ في سجلّ الواردِ للعدم .

_جدارية الموْت_18

بصمتٍ…..، طلبتْ مني أن يكون رحيلي صامتاً، لم ترغبْ أن يكونَ لموتي صوتُ العاصفة، أردْتُ أن أشْرحَ لها أنّ الصمتَ قاسٍ، لكنّ الوقتَ كان قصيراً جداً.
الموتُ ارْتجالُ الأَرْواحِ لأَشكالِ العَدَمْ، ومحاولة أخيرة لإكمالِ العباراتِ الناقصةِ بيننا، الموتُ بئرٌ جافة في صحراءِ النّدم، يهزّني بشدّةٍ، وبعضٌ من تأَوّهات أنثى تعرّتْ من خفرِها وهمستْ:
– خذني اليكْ ، تكتمل أنوثتي إذا حضرتني راغباً.
يهزُّني الموتُ بشدّةٍ، فيأخذني الوهمُ أَنّي أرتعشُ من اللذة، وأُباشرُ طقوسَ رحيلٍ صامتٍ نحو الهباءْ.
في الموتِ أشعرُ بالحنين لعشراتِ الوحوشِ التي كانت تتجولُ تحتَ جلدي، يحضُرُني للتو ثعلبٌ جائعٌ يعْوي على تخومِ أنثى تلوّنها الشهوةُ بأَلْوان البرتقال، يحلّقُ نسرٌ في بؤبؤِ عينيَّ لينقضَّ على مفاتنها، وعندَ عانتِها الرّطبةُ بالسكّرِ اللزجِ تموء قطّةٌ وتُخْفي مخالبها في أَعماقِ روحي، فتستكينُ الأنثى وتُشْرِعُ بابَ اللهفةِ، تغمضُ عينيها كفريسةٍ عاجزةٍ سلّمتْ عنقها لذئبٍ لن يرْحمَ ضعفها، يَلْعقُ نشوتها التي سالت على شفتيّ، وباحَتْ بعطرِ ترقصُ نارُ الشّبقِ في أَزقّته الضّيقة، فقدتُ رباطة جأْشي وهمستُ :
– ارفعي سقف السماءِ أكثرْ
ورحتُ أَتأمّلُها وهي تسقطُ في الدّوارِ اللذيذ، أُحاولُ أن أحفظَ في أعماقي صورةُ جفنها وهوَ يرِتعشُ، تنتابني القشعريرةُ فأَتَوهّمُ بأني لا زلتُ على قيدِ الحياة.
بواسطة ‏حماد الحسن‏
_جدارية الموْت_19

الموت صخبٌ ، يتلونُ كعين ثعلبٍ مذعورٍ ، يدورُ بي ويرتفعُ كأنهُ مسلةٌ مصريةٌ مصقولةٌ، تهوي وتسقطُ في المدى، ترْتطمُ بجدرانِ الوجعِ النّحاسية ، ويذهبُ بي الى نجومِ الشّمال ، بناتُ نعشٍ يرقصنَ باكياتٍ حولَ اللحدِ ، تعودُ اليَّ صورةُ أمي تقلّبُ فنجانَ القهوةِ بيدها وتجهدُ في فكِّ رموزه ، تنظرُ في عينيَّ بزيتونها وتؤكدُ لي أنهُ عند أوّلِ مفترقٍ تنتظرني أنثى بلونِ الياسمين ، كم كنتِ يا أمّاه تعشقين الياسمين ؟!!!
ها أنذا أغيب في الأبيض، لم أعدْ بحاجةٍ لقراءةِ الفنجان، فالدروبُ هنا لا مفارقَ لها، دمعكِ يرسم طقوسَ حزنٍ بلونِ القهوة، ونشيجكِ لا يزال يبحثُ عن صندوقٍ مقفلٍ ألقيتِ به في النّهرِ خوفاً من فرعون، ولا يزال صدى صوتك يردّدُ في الغيب:
حمداً لله بنيّ أنّكَ قتلتَ بالرصاص وأحضروك لي كاملاً …
الحزنُ أهم اختراعات الأحياء ، يقطرُ من مسام جلودهم طالما هي تنعمُ بالرطوبةِ ، ولا تعرفهُ جلودٌ أضحت غباراً يصوغ مفردات الريح ، أُمّاهُ أَشْكو اليكِ توْقي أَنْ أَتوسّدَ فحْذَكِ وأَنام ، متعبٌ من نوميَ الدّبقِ في سريرٍ من تراب، أعتذرُ لأنّي خذلْتكِ ، في مدوّنةِ الموتِ أفقدُ كلَّ طموحٍ، الموتى جبناءُ يا أمّي، حتى قبري رغمَ ضيقهِ لا أفكّرُ باستبدالهِ ، هلْ تذكرينَ يا أمي كم كنتُ احبُّ الشرفات؟!!!الموتى جبناءُ لا يثقونَ بالزمن ، ولا يذهلهم الا صوت الريح تعصفُ بقاعات قبورهم ، الموتى لا يثقون بانثى ليس لها شرفات….

جدارية الموْت_20

مثلُ بقيّةِ البشرِ في هذهِ البقْعةِ منَ الأَرضِ، كلَّ صباحٍ تموتُ في روحِهِ شتْلَةُ ورْدٍ، والعمرُ يُبشِّرُ بالتَّصَحّرِ، كأَنّهُ يَرْتَبطُ بمناخِ المنطقةِ، ينظرُ في المسافاتِ الصّفراءِ المُمْتَدّةِ ويَسْتغربُ كيفَ وردَ في التّاريخ أَنّ المسافرَ من دمشق الى بغداد كانَ يَظلّهُ الشجرُ طوالَ الرحْلةِ.
روحهُ باديةٌ ولا يتذكرُ وجوداً لأَيّ ماءٍ، خوفَهُ منَ المستقبلِ دفعهُ لتقديمِ استقالتهِ ، وَجفّفَ حقولَ أَحلامهِ واحداً تِلْوَ الآخرِ، لمْ يعدْ هناكَ أيُّ فرقٍ بينهُ وبينَ أبوابِ الحديدِ المتينةِ في منزلهِ، منزلهُ الذي أَضْحى بعدَ كلِّ هذهِ التحصينات سَجْنٌ بلا نافذةٍ يَعبرُ منها صوتُ حسون، وانتَشرتْ في زوايا المنزلِ رائحةُ رطوبةٍ جعلتْ منهُ أشبهُ بقبرٍ حُفِرَ بِرَويّةٍ عميقاً في واقعٍ صخريّ الملامح، وباعتبارهِ بلا أحلام يمتلكُ وقتَ فراغٍ هائلٍ، فبدأ بتوزيعِ غرفِ قبرهِ حسبَ الحجمِ، وأَضْيقُ هذهِ الغرفُ جعلها لنومهِ، كونَ النّائم يشبهُ الميتَ، خمسون عاماً كان يتدرّبُ فيها على الموتِ فأَتْقنهُ، ولمْ يعدْ هناكَ أيُّ فرقٍ بينهُ وبينَ الموتى، حتى أَصابعهُ بدأتْ تتساقطُ بسببِ الجفافِ من الشّهوات.
تتحركُ عيناهُ بقلقٍ في أرجاءِ الأُنثى ويتنهدُ بحسرةٍ، يدخلُ صباحاً قاعةِ عِطْرَها بصمتٍ جليلٍ، يَرْتجفُ بينَ فَخِذيها بقسوةٍ، فتغمضُ عيناها لتستمعَ لهديرِ البحرِ في أَعماقهِ، تضيعُ من بينِ يديهِ خطوطُ الضّوْءِ، كأنهُ أَعمى في لجّةِ الفِتْنةِ .
أُبادِرُها والسيفُ تطابقَ معَ غِمْدِهِ حدَّ التّرَفْ:
-افتحي عينيكِ لاتغمضي، أريدُ أَنْ أَتَجوّلَ في حقولِ الشّمْسِ…
تعضُّ شَفتها السّفلى وَترْضخُ لِرغباتي كلّها، وتؤكدُ لي :
-كأَنكَ الآن شخصٌ آخرٌ، مزدحمٌ بالحياةِ، وَشفتيكَ كنزُ الشّهوةِ…لاترحلْ … مابكَ ؟!!!
-لاشيءْ هيَ ناري تراوُدُني كأَفْعى تتراجعُ أمامَ عصاةِ وجعي ، وتحاوُلُ أنْ تَهربَ من بين أَصابعي ، لتنحشرَ في شقٍ صخريٍ، كما تراجعت أمام عصاة خالد بن سنان…
تشدُّهُ الأُنثى بلهفةٍ وخوفٍ ونشيجٌ مكتومٌ يصدرُ عنها:
– عميقاً أكثرْ … بعنفٍ…بعنفْ…
يغيبُ الاثنان عن واقعٍ ينزُّ قيْحاً ، لمْ يكنْ في هذا اليباب منْ حقيقةٍ يمكنُ احْتمالَها سوى هذا الالْتحام ، وبعضٌ منْ تنهداتٍ بلتمعُ في شروخِها صراخُ شهوةٍ مكتومْ، كانتْ تَتَمدّدُ كحقولِ القمحِ تحتَ ثِقَلِهِ الخجولِ، وراحَ يرْتادَها كما تفعلُ الرّيحُ ، وعلى طولِ المسافةِ بينَ دمشقَ وبغدادَ كان يعبرُ دربَ رحلتهِ تحتَ ظلالِ الأَشجارِ الرّطبةِِ، والشمسُ تلمعُ في عينيهِ كالدّنانيرِ الذهبيةِ، وجدولُ شهوةٍ لزجٍ وأَبْيضَ يتدفقُ في شقِّها يعيدُ لتربتِها حكاياتَ تاريخٍ مسرفٍ في الشغفِ والنّزقِ..

هامش: خالد بن سنان النبي الذي ضيّعهُ قومه ويحكى أن ناراً اندلعت من الأرض في حرة، فقرر ابن سنان أن يطفئها، فأخذ عصاه وتبعها يضربها، حتى زحمها في بئر أو شق في صخرة، ودخل معها…الخ من كتاب عبادة إيزيس وأوزوريس في مكة الجاهلية (زكريا أحمد)

من almooftah

اترك تعليقاً