مسرح الطفل وسيلة فعالة للتعليم والتثقيف
زهرة الشرق
د. هانم العيسوي
منذ القرن الـ 16 اهتمت المجتمعات الأوروبية وبالتالي البلدان العربية بأدب الأطفال، وازداد الاهتمام به في القرن العشرين وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وأخذ منحى أكثر فاعلية بعد إعلان حقوق الطفل في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1976، وتتفاوت أهمية الطفولة بين مجتمع وآخر، ولكن من المتفق عليه أنّ من يهتمّ بطفولة مجتمعه يكون معنيًّا بالمستقبل بوصفه أحد متطلبات التنمية المستدامة، ولعلّ ترتيب مسرح الأطفال بسلم الأجناس الأدبية الأخرى من حيث تأثيره على الأطفال هو الأكثر أهمية لدى أدباء الأطفال والمؤسسات المعنية بالطفولة، التي يرجّح فيها وجود مسرح للطفل، في المدارس والأندية ومؤسسات المجتمع المدني، ولعل المسرح يزرع في نفوس الأطفال أنوار المعرفة والعلم والتربية منذ القديم، حيث خصّ المسرح اليوناني القديم الأطفال بعروض مسرحية تهم شؤونهم، ومنها ما تعلق بالمأساة وملاحم البطولة التي ورثوهها عن القدماء، وكما اشتغل القدماء على تشييد مسرحًا معماريًّا اهتموا بعمارة شخصية الطفل وروحه بما يعد استجابة للقيم الإنسانية الرفيعة.
إن مسرح الأطفال لاقى من الدول والمجتمعات الكثير من الاهتمام والعناية، وقد ذكر أنّ: “في العصر الحديث أخذ مسرح الأطفال طابعًا جديدًا، ولم يعد المسرح وسيلة للتسلية والترفيه فحسب، بل أصبح وسيلة فعالة للتعليم والتثقيف، ونشر الأفكار، وصار يستخدم أداة فاعلة في مساعدة المعلمين في تدريس كثير من المواد العلمية والمنهاجية، ونقلها إلى الأطفال بأسلوب يعتمد عنصري التشويق والتبسيط بما يعود بالنفع والفائدة على الأطفال في مراحل طفولتهم المختلف”، ولعلّه عبّر عن مآسي الطفولة الناتجة عن الصراعات المجتمعية والثقافية والسياسية العنيفة والمتواترة، التي لا يمكن إخفاء فاعليتها عن أطفال اليوم، أطفال ما بعد جيل الألفية الذين ليسوا بحاجة أحد ليستقبلوا المعلومات المصورة، فهم يأخذونها عن طريق وسائل التواصل وشبكة الإنترنت المفعمة بالأخبار وقصص العنف والاعتداء على إنسانية الإنسان، حتى بدا الواقع أكثر درامية مما يقدّم على خشبات المسارح، وقد ذكر شاعر الأطفال عبده الزراع: “من ناحية مساهمة التقنيات الحديثة في الثقافة العربية، فلا شك أنها، وخاصة الفايسبوك، ساهمت بشكل كبير في انتشار المعرفة، وتقريب المسافات بين المبدعين، وإطلاعهم على إبداعات بعضهم البعض، فقد قرّب الفايسبوك المسافات وقطع الحواجز واختصر الأزمنة”.
لا بد من تفعيل دور الأطفال وتحفيزهم على كتابة النصوص المسرحية وإخراجها والإسهام بعرضها على الخشبة تمثيلًا
ولعل شاشات وسائط التكنولوجيا المعاصرة من ألعاب وأفلام عنف، تتسبب في تنامي سلوك جامح لدى الأطفال، مما يجعلنا نرجح عودة المؤسسات للاهتمام بالمسرح المدرسي ومسرح الطفولة الذي قد يعيد التوازن لسلوك الأطفال أمام هذا الاجتياح للوسائط الإلكترونية.
إن مجالات الاستقبال المتاحة للطفل عن طريق المسرح تجعل الوصول إلى تمثّل الأطفال للأهداف السامية هو الأكثر قدرة من وسائل المعرفة المختلفة، ولعل استخدام التقنيات المسرحية لتطويع المسرح المدرسي على شكل تمثيل وتقديم الأطفال أنفسهم مشاهد تمثيلية ودرامية في الفصول والقاعات وساحات المدارس، على أن لا ينعدم فيها اللعب والحصول على المتعة، وقد ورد في هذا الخصوص: “ليس المقصود بأهمية المسرح الجانب الفكري فقط؛ لأن اللعب من أهم النشاطات الإنسانية عند الطفل، والمسرح عند الطفل من الممكن أن يصبح لعبة محببة، وقد اصطلح على أن تكون مسرحية الطفل مجموعة من الألعاب (ألعاب إيهامية، وألعاب التظاهر، وألعاب الدراما الاجتماعية.. وغيرها) والنظرة التربوية ترى في اللعب نوعًا من الفنون يمزج فيه الخيال بالواقع، كما أن اللعب نوعًا من التنفيس عن طاقة الطفل الذي يدفع الصغير لحب الحياة والاستمتاع بها، وهو ما يدفع إلى الانتماء والسلوك السوي”، ويسهم اللعب في تقليل وتخفيف أساليب التعليم المباشر والتقريري، الذي يركّز على مهارتي الحفظ والتذكر لوحدهما، مما يشعر الأطفال بسأم وملل من الدروس والمعلمين معًا.
ومن الأساليب التي وردت في فعاليات وأنشطة المسرح المدرسي:
استباق الدروس التي تلقى في فصول الدراسة بمشاهد تمثيلية، وتحقيق الأهداف السلوكية الرئيسة قبل الدخول إلى حصة الدرس الذي يغني التلميذ بالمعلومات اللازمة لصقل فكره بما ينسجم مع العلوم الحديثة.
خلق حالات من التفاعلات من خلال فضاءات مفتوحة داخل تجسيدات حيّة بالاشتراك بين المعلم والتلميذ لكسر حواجز الرهبة الناتج عن الفارق في السن والخبرة.
اعتماد أسلوب الحكايات الشعبية والفولكلوروالأماكن المفتوحة في عمليات المسرحة لتخليق عروض مسرحية تتضمن المناهج المدرسية المتضمنة أهدافًا سلوكية حسية وقيمية ومعرفية وإدراكية.
مسرحة عروض المسرح المدرسي أمام أهالي التلاميذ وجمهور أوسع، لتعم الفائدة، ولنحصل على مسرح منتج.
تشجيع الأطفال على التدرب والتمثيل والمسرحة في مؤسسات غير مدارسهم، حتى يتحول المسرح المدرسي إلى فاعلية من فعاليات الفرق المسرحية المحترفة، كما هو في موطن المسرح في الدول الغربية.
توظيف الدمى وخيال الظل بحسب الفئة العمرية، للارتقاء بمخيلة الطفل نحو عوالم غير مألوفة.
وهناك من يميز بين المسرح المدرسي الذي ينفذه تلاميذ متطوعون على سبيل الهواية، مع معلميهم أيضًا، ومسرح الطفل الذي يختص به فرق مسرحية محترفة ينتجون عروضًا مختصة بموضوعات خاصة بالطفولة، يعرضونها على مسارح كما يحدث في عروض الكبار.
المسرح هو مكان تقدم عليه رؤى مستقبلية للمجتمع، ولعلّ تصنيف الفئات العمرية للأطفال، يستهدف التنوّع في الموضوعات وعدم الخلط في درجة نمو واهتمامات كلّ فئة عمرية، وليس من حدود فاصلة؛ إذ يلحظ أنّ الكبار يهتمّون ببرامج الأطفال ومسرح الطفل، كما الصغار، وربما أن الكثير من برامج الكبار وعروضهم المسرحية تستحوذ على قبول الأطفال، بل مفيدة لهم، لا سيما في زمننا الراهن، ومن المفيد أن ينظر إلى النوع والكيف في عروض مسرح الأطفال لأنّ: “الدعاية الحقيقية لإرساء حركة مسرحية خاصة بالطفل ليس بتكاثر العروض الموجهة للطفل أعدادًا كل سنة، بل بالاهتمام بأبواب البحث: نصًّأ وأداءً وإخراجًا، ليصل مسرح الطفل إلى نتائج جديدة تثري حركة المسرح وتطور من اتجاهه” .
من الممكن أن يحلق المربي أو أديب الأطفال أو المسرحي في مسرح الطفولة مع أخيلة الأطفال والانفتاح نحو عوالم متخيلة لزيادة قدراتهم العقلية وتحقيق أهداف تنويرية، وهذا يتطلب الإبداع في استنباط التقنيات المسرحية الجديدة وتوظيف الوسائل البصرية والسمعية الحديثة، وعدم الاقتصار على الأداء التمثيلي، إضافة إلى التجريب في المسرح التفاعلي بين فريق مسرحي متكامل مكوّن من المخرج والممثلين والفنيين، بين الصغار والكبار، أساتذة وتلاميذ، الأهالي وأبنائهم، فريق مسرحي يتكامل مع جمهور مسرحي يحمل في سلوكه طقوسا مسرحية مقتبسة من أحضان البيئة الشعبية، بهدف تخليق أنساق ثقافية إيجابية في المجتمع، تختلف عما هو كائن فيه من عيوب نسقية، على ما كنا عليه سابقًا.
ومن المفيد الاشتغال في المدارس على إقامة الدورات وورشات العمل للتدريب على الكتابة السردية، ومنها المسرحية، والإخراج والتمثيل، والتعريف بالسيناريو والمونتاج والمكساج والديكور والإضاءة وغير ذلك، مما يسهم في خلق بيئة مناسبة لإنتاج عروض مسرحية في المدارس وغيرها.
ومن المفيد تدريب الأطفال على تمثيل المونودراما بعد أن يكتب الطفل سيناريو مسرحيًا مستمدًا من حياته الخاصة، مع بناء تخييل لما يمكن أن تكون المشاهد أو المواقف التي يكتبها، حتّى لو كانت مشاهد قصيرة، فليس في ذلك مشكلة، إذ تتطور الأفكار المحدودة وتتضامن مع بعضها بعضًا؛ لتتشكل قصصًا مناسبة لمسرحتها على خشبات المسارح.
ومن الطبيعي أن ينقسم المسرح المدرسي إلى مراحل دراسية متعددة، وتنتظم عروضه في مواقع متوعة، فالحلقة الأولى من فصول المدارس الابتدائية تختلف موضوعاتها وأدواتها وتقنياتها عن الحلقة الثانية، وتختلفان عما تتطلبه المدارس المتوسطة أو حتى الثانوية، ولكن مهما تنوعت التصنيفات في الموضوعات والتقنيات إلّا أن المسرح المدرسي يعمل على فكرة أساسية مضمونها تنمية المهارات الأدائية والحياتية الإنسانية وتقوية ذائقة الطفل الفنية المسرحية، إضافة إلى أنّه يثير التنافسية بين الأطفال، ويحسّن من توظيف أدواتهم التعبيرية والسلوكية والجمالية، كما يعمل المسرح المدرسي على تأكيد سمات الشخصية للطفل، يجعله واثقًا من نفسه محترمًا رغباته، ويخفف من حدة الصراعات العنيفة التي يعيشها المجتمع.
ولا بد من التركيز على تقديم استراتيجية للمسرح المدرسي في وطننا العربي انطلاقًا من مصر، التي كانت مركز إشعاع لتكوين ثقافة عربية إسلامية فاعلة على المستوى الكونيّ، تنطلق من الدفاع عن مشروعية المسرح، الذي ينتج الفكر المنفتح على الخير والحرية والسلام، والمنتصر للتعدد الثقافي في المجتمعات والمثاقفة بين الشعوب، وهذا يحتاج إلى تكاتف الجهود بين السلطات السياسية والسلطة الثقافية، بما يضمن أن تبقى الثقافة هي الموجّهة لمسارات السياسة في المجتمع وليس العكس الذي ابتليت امتنا به.
وفي هذا الصدد ورد أنّ: “يعقوب الشاروني رائد أدب الأطفال، أشار إلى الكثير من الإشكاليات التي تعاني منها العروض المسرحية، ومنها عدم الاهتمام بالمشكلات والقضايا الحقيقية التي يعاني منها الأطفال، وعدم الاهتمام بتسجيل العروض المسرحية لتوثيقها للرجوع إليها والاستفادة منها، وعدم اهتمام المدارس بمسرحة المناهج رغم أهميتها في تبسيط المناهج الدراسية، كما أشار إلى ضرورة الاهتمام بالمسرح المدرسي لأنه يمكن أن يكون بداية انطلاق حقيقي للممثل، وقدم مثالا على ذلك زكي طليمات الرائد المسرحي الذي كان أول رئيس للمسرح المدرسي ثم أصبح رئيس فرقة مسرحية كبيرة قدمت جيلًا كبيرًا من الرواد، كما طالب بأهمية أن يتم زيادة الميزانية المخصصة للطفل من خلال الثقافة الجماهيرية، وذلك حتى يتم إنتاج أعمال جيدة للأطفال، ثم عرض مجموعة من المشكلات والقضايا الخاصة بالطفل التي يجب أن يهتم بها كتاب المسرح، ومنها: مشكلة التسرب من التعليم، الفجوة بين الكبير والصغير، تدخل الكبار في مشكلات الصغار، تدخل الصغار في مشكلات الكبار، لحل المشكلات الأسرية. كما عرض الكثير من النماذج المسرحية العالمية وما تقدمه للطفل من قيم، وأشار إلى أهمية أن يتم تقديم هذه العروض بعد تمصيرها، وتقديمها في القالب القيمي والأخلاقي الذي يناسب المجتمع المصري”.
وتنفيذا لما أشار إليه الشاروني يقتضي إيمان وزارة التربية والتعليم والمؤسسات التربوية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسساته باستنهاض المشروع الحضاري المرتكز على اعتبار المسرح ليس مناسبة مؤقته، بل هو فعاليات دائمة، في كل ما هو ثقافي ومعرفي وتربوي وسلوكي وتذوقي، وأن تكون لديهم سياسات تحمل صفات الديمومة والجدية، إن كان داخل المدارس أو خارجها بتحفيز وتشجيع الفرق المسرحية على بناء حالة وعي جديد، وأن يتوازى هذا العمل مع رحلات علمية دورية للأطفال، يقومون من خلالها بمسرحة أفكارهم وسلوكهم في الطبيعة وبين آثار أسلافهم، ولدى مجتمعات مغايرة للمجتمعات التي ولدوا ونشأوا فيها، وأن يتطوعوا في عمليات إنتاج وحضور المسرحيات، وأن يحولوا المسرح إلى حياة نمطية، وأن يكون هناك انتظام سنوي في مشاهدة العروض المسرحية، أو المشاركة فيها.
إن مسرح الطفل أو مسرح المدراس ينشط من خيال الطفل ويعيد حيويته الذهنية، ومن المؤكد أن تدريب المعلمين في ورش مسرحية متخصصة وجدية يساعد في تأسيس تقاليد مجتمعية ترتبط بالمسرح. وأيضًا الابتعاد عن فرض قيود على نصوص مسرح الطفل المدرسي، خاصة التي ينتجها الأطفال بأنفسهم، حتى لو كانت لا تخدم القيم السائدة، والثقافة المنتشرة.
إن التأكيد على قيمة الإنسان، يستدعي من العاملين في مسرح الطفل أن يولوا مشكلات أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أهمية، وأن يحققوا مبدأ اندماجهم مع التلاميذ والطلبة في الورشات والدورات والعروض المسرحية من دون تصنيفات تُبطل فاعلية المسرح.
كما من الأهمية أن تقدّم البحوث والدراسات الرصينة، التي ترتكز على دراسات ميدانية، وإحصاءات واستبيانات دقيقة، من دون الاعتماد على المؤتمرات، التي تبقى توصياتها مكررة من دون أن تجد دروبًا لتحقيقها، ولا بد أن تتحول الدراسات إلى خطط عمل مستقبلية لاستكتشاف كل ما هو جديد في المسرح لضمان التفاعل الحر بين الطفل والطالب والمسرح، واستشراف المستقبل، ومحاولة الابتعاد عن التصنيفات والعمل على بناء العلاقات الاجتماعية بما يخدم الفكر الجديد المستمد من لحظات التحضر الإنساني الراهنة.
إن رصد المشكلات وتحديد الظواهر في المجتمع التي تعيق نمو الأطفال نموًا طبيعيًا، يستدعي من القائمين على المسرح أن يحترفوا في تقديم الخبرات والمعارف على أسس من المفاهيم المنهاجية العلمية، والوصول إلى تكامل بين أسلوبي التربية والمعرفة والسلوك السوي والذائقة الجمالية والمتعة، بحيث ينير دروب النجاح للطفل ويجعل من الطفولة مشروعًا مستقبليًا ضامنًا فعل أمته في حركة التاريخ، التي لن تتوقف؛ طالما هي تهدف إلى العدالة والمساواة والحق والحرية.
إنّ الاهتمام بالطفولة يأتي في الحضيض دومًا في بلداننا العربية قياسًا على مقاييس وضعتها مؤسسات طفلية عالمية؛ إذ لا يكتسب معظم الملتحقين بالمدارس المهارات الأساسية الضرورية للنجاح في حياتهم المستقبلية، التي تحتاج إلى تفعيل الوسائط الفنية، ومنها المسرح الذي تراجعت نشاطاته وإهماله في معظم البلدان النامية ومنها مصر، ولعل في نتائج الاستطلاعات والدراسات ما يشي بتراجع قدرات الطفل، حيث ورد أنّه لم يتسن لنحو 75% من الطلاب الإجابة عن عمليات حسابية بسيطة للغاية، أما مهارات القراءة والكتابة؛ فهي لا تزال منخفضة للغاية.
لا يخفى عن أحد عجز الحكومات عن وضع سياسات تكفل تخصيص موارد كافية لقطاع التعليم في البلدان العربية ومصر لتسهيل التعلم الجيد في المدارس، وتدريب الأطفال على تفعيل مهاراتهم العقلية المتعدّدة؛ حيث إن تنشئة الطفل تتطلب تنمية مواهبه وقدراته وشحذ ملكاته بالقصص والأناشيد والرسم والغناء والرقص، ولعلّ المسرح يجمع بين النشاطات الطفلية السابقة، لذلك كان الاهتمام به منذ بدايات ونشوء أدب الأطفال.
وإذا كان المسرح من الوسائل المناسبة للولوج بعالم الطفل، لأنّنا نستطيع إشراك الأطفال بفعل إنتاج الفاعليات التي تخصّهم، إلّا أنّه يحتاج إلى إمكانيات علمية ومادية ومجتمعيّة،…، والنظرة لواقع الطفولة وأدب الطفل ومسرح الطفولة، خاصة المسرح المدرسيّ في مصر تكشف للمتابع مقدار ضعفه، نتيجة أسباب متعددة من أهمها:
ضعف الإرادة السياسية التي تشجع على إقامة مسرح الأطفال والتنوع في فعالياته.
تقاعس القائمين على مؤسسات الطفولة وأدباء الأطفال على مواكبة ما ينتجه العالم المتحضر من أدب للأطفال موظّفين نتائج الثورات العلمية في بلدانهم ومجتمعاتهم، وحرمان ذلك في مجمتعاتنا مما يحرم الطفولة من العلم المعاصر وتداعياته العظيمة على حياتنا المعاصرة.
التباعد عن ثورة التكنولوجيا المعاصرة ونقص الخبرات، والافتقاد إلى التنظيم والمنهاجية والمؤسسية، والاستهانة بالأطفال.
أحوال الفقر والجهل السائدة في بيئات مجتمعية عديدة في أنحاء مصر كافة، وانعكاس ذلك على الأطفال، مما يعيق تطورهم وبناء شخصياتهم بشكل سوي.
سيادة مفاهيم أخلاقية وقيمية ومعرفية من القرون الوسطى، تتعلق بالمجتمع الأبوي الذي يستهين بالطفولة، ويحارب الأنوثة الخلّاقة لمصلحة الذكورية الخرقاء.
انتشار قيم الاستهلاك والنزعات المادية النفعية في المجتمع، وإهمال الجانب الروحي في المجتمع الذي يرى الطفولة عن طريق مفاهيم الكبار وقيمهم فحسب.
الموقف الخاطئ من المسرح، والفنون الأخرى كافة وتحريمها، واعتبار من يشتغل فيها من الممارسين للعيوب الأخلاقية، وبالتالي محاربة ممارسيها.
وبذلك لا بد من:
– ضرورة تيسيير عمل المؤسسات (منظمات المجتمع المدني، المؤسسات الحكومية، المنظمات الإقليمية والدولية) لاكتشاف مواهب الأطفال المصريين وفي العالم العربي، وترجمة الحكايات الشعبية والأساطير العالمية؛ بما يضمن تحقيق الاندماج بين الجماعات الإثنية والدينية والعلمانية العالمية المتنوعة، سعيًّا وراء تحقيق تنمية لها علاقة بالمستقبل الخالي من الأوغاد والفاسدين، وبذلك يكون مسرح الأطفال قد امتلك المادة الأولية في اختيار الموضوعات.
– الاهتمام بأدب الطفل وفق منظومة معرفية معاصرة تخضع لنتائج الثورات العلمية ومتفاعلة مع المثاقفة والتعدّد الثقافي، وترجمة الأدب الإنساني للغات الأخرى، والاهتمام بالوسائط الإعلامية والبصرية والسمعية ووسائط التواصل الاجتماعيّ والإنترنت وجعلها أساسًا في عملية بناء وعيّ طفوليّ عربي جديد في مصر والعالم العربي، وبالتالي ترتسم ملامح درب جديدة مستمدة من وعي جيل الطفولة المعاصر الذي يتسم بقدراته للحصول على المعلومات الدقيقة والواسعة في كافة مجالات العلوم والفنون والأدب، وبذلك لا بد من تفعيل دور الأطفال وتحفيزهم على كتابة النصوص المسرحية وإخراجها والإسهام بعرضها على الخشبة تمثيلًا.

من almooftah

اترك تعليقاً