الدكتور نديم معلا محمد… لابد من إعادة التبشير بالمسرح

 
الدكتور نديم معلا محمد… لابد من إعادة التبشير بالمسرح‏

 

الدكتور نديم معلا محمد من الأصوات النقدية الهامة في المشهد المسرحي العربي،‏‏ كان من مؤسسي المعهد العالي للفنون المسرحية مع نخبة من الأساتذة، وأول رئيس لقسم النقد والأدب المسرحي، شارك في العديد من الندوات الفكرية المرافقة للمهرجانات المسرحية كما أنه نشر مجموعة أبحاث وكتب في النقد المسرحي منها مقالات نقدية في العرض المسرحيوالجدران الأربعة، والأدب المسرحي في سورية وقضايا مسرحية ولغة العرض المسرحي ووجوه واتجاهات في المسرح، فضلاً عن ترجماته في النقد والسينما.‏‏‏‏

يعتبر كتابه لغة العرض المسرحي منهجاً أكاديمياً نقدياً يدرّس في بعض الجامعات والمعاهد المسرحية في الدول العربية، كما أنه درّس في جامعة ليبيا والمعهد المسرحي في الكويت لسنوات طويلة وهو الآن رئيس قسم الدراسات المسرحية في المعهد العالي.‏‏‏‏

1ـ ما الذي دفعك لاختيار دراسة علوم المسرح علماً كنت طالباً في الأدب الانكليزي في جامعة دمشق؟‏‏‏‏

ـ لم أكن في يوم ما بعيداً عن الأدب، وقد نشرت مقالات وخواطر أدبية وقصائد في جريدة العروبة الحمصية وفي مجلة الينبوع الجديد وهي مجلة خاصة صدرت في الستينيات، وأنا على مقاعد الدراسة في المرحلة الثانوية، وكنت أيضاً قريباً من بعض النوادي الفنية التي كانت منتشرة بكثرة في حمص في تلك المرحلة، لذلك اخترت أن أدرس هذا الاختصاص، وقد تعمقت علاقتي بالمسرح حتى أثناء دراستي في قسم اللغة الإنكليزية، وأتيحت لي إمكانية قراءة نصوص مسرحية باللغة العربية، وهكذا جاء التخصص في النقد المسرحي ليتوج هذه المحاولات كلها، ولا أخفي أنني كنت في الوقت نفسه أميل إلى قراءة الرواية والشعر.‏‏‏‏

 كان هناك بعض الذين درسوا المسرح في مصر، لكنهم كانوا قلة، والأهم من ذلك أنهم انصرفوا إلى مجالات أخرى، ولم يكن المسؤولون في ذلك الوقت في مديرية المسارح والموسيقى يشجعون دراسة مثل هذا الاختصاص، بل إن علي عقلة عرسان وكان مديراً للمسارح والموسيقى،استهجن أن يكون في المديرية من درس النقد باعتبار أن المديرية في ذلك الوقت لم تكن تقدم أكثر من عرض أو عرضين في الموسم الواحد، ” فهل يحتاج هذان العرضان إلى ناقد؟ “، وكأن الزمن لا يتحرك إلى الأمام، وكأن كل شيء باق في مكانه.‏‏‏‏

فمن نافل القول إن كل شيء سيتغير وأنه لابد من أن يفتح المعهد، ولابد أيضاً من أن يزداد عدد العروض، ببساطة شديدة/ يبدو أن بعضاً منا يدير ظهره للمستقبل، وهذه علة لم يشف منها حتى هذه الأيام.‏‏‏‏

2ـ أما زال المسرح حاجة اجتماعية؟‏‏‏‏

ـ يجب أن نعترف بأن المسرح كحاجة اجتماعية قد تراجع بسبب تضافر عوامل عديدة وبسبب جملة من المتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. كان الكتاب والفيلم والعرض المسرحي والصحيفة مصدراً أساسياً من مصادر الثقافة، أما الآن فإننا نجد تقهقراً سافراً للثقافة ولدورها وخاصة بعد بروز دور وسائل الإعلام «الميديا»، وقد أصبحت الحياة أعقد بكثير مما كانت عليه، فلكي يذهب الإنسان إلى عرض مسرحي عليه أن يفكر بالوسيلة التي تقله وبالكلفة المادية أيضاً، ناهيك عن بعد المسافات بين مكان العرض والمنزل، ربما أصبح المتلقي في وضع مختلف، وربما أيضاً أصبح يفضل البقاء في البيت ومشاهدة التلفزيون أو المسلسلات والبرامج الحوارية «السياسية والثقافية»، كل شيء أصبح في المنزل حتى الفيلم، إن محطات الفضائيات تعرض كماً هائلاً من الأفلام، يضاف إلى ذلك أن ما يسمى بالحاجة الاجتماعية تضاءلت هي الأخرى لأن القراءة وهي المصدر الأساسللثقافة وللشعور بالحاجة للفن تراجعت أيضاً وأصبحت هزيلة، الذين يقرأون هذه الأيام قلة من الناس، والذين يحتاجون الفن هم قلة أيضاً، والذين كانوا يبحثون عن الآخر أياً كان هذا الآخر صديق أو زميل أو كاتب أو إنسان عادي أصبحوا يفضلون العزلة. ويلاحظ ازدياد العزلة بين الناس هذه الأيام، هناك بعض من التوحد وشيء من التوحد يسم في العلاقات بين الأفراد، وكأن الآخر صار كما يقول سارتر هو الجحيم.‏‏‏‏

3ـ تختلف مشاهدة العرض المسرحي على الخشبة عنه على التلفزيون؟‏‏‏‏

ـ بالتأكيد، العرض المسرحي الحي يختلف عن ذلك الذي يسجل ويعرض في التلفزيون، العرض المسرحي الحي يتحسس المتلقي أنفاس الممثل، يرى أمامه إنساناً من لحم ودم يتحرك، وبالتالي يكون التأثير أكثر من العرض المنقول وأياً كانت جودة التسجيل فإنه مختلف عن الأصل «العرضالمسرحي».‏‏‏‏

هذا ما يعرفه ويدركه معظم الناس، ولكن الوعي شيء والواقع شيء مختلف. لا يستطيع التلفزيون في حالة المسرح تحديداً أن يكون بديلاً للمسرح نفسه، وفي الوقت نفسه لا يمكن تجاهل حضور التلفزيون، لابد من إعادة التبشير بالمسرح ولابد من التفكير في آليات جديدة لتفعيل المسرح.‏‏‏‏

المشكلة أننا أتخمنا بالتنظير عن الفن في حين أن الفن يكاد يكون غير موجود في الواقع وأسوأ ما يمكن أن يصل إليه المرء هو أن يستعيض عن الحقيقة بالوهم، لسنا بحاجة إلى المزيد من الخطاب البلاغي والإنشائي لأنه خرّب حياتنا الثقافية على مدى سنوات طويلة.‏‏‏‏

4ـ ما هي الظروف التي يجعل المرء يعيش في عزلة أو عدم التواصل مع الآخر؟‏‏‏‏

ـ يبدو أن هناك أبعاداً نفسية للعزلة، ولعل على رأس هذه الأسباب خراب العلاقات الإنسانية وطغيان البراغماتية المتوحشة، ومعنى أن الإنسان لا يحتاج إلى الإنسان الآخر «بمن فيهم أصدقاء وأقارب» إلا إذا كان يريد شيئاً منه، أو يبحث عن منفعة، هذا ما قصدته بالبراغماتية المتوحشة، وفي ظني أن الرأسمالية المتوحشة هي التي أنتجت البراغماتية المتوحشة وقد يكون العكس صحيحاً.‏‏‏‏

العزلة التي عرفتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بخاصة كانت لها أسبابها الفلسفية العميقة، كانت جزءاً من موقف كوني، أما لدينا نحن فلا تشكل العزلة تلك البنية العميقة لأنها تختلف عن نظيرتها الأوروبية، فلم تنهر بعد لدينا منظومة القيم الأخلاقية والدينية، ثمة ما يمكن أن يدفع بالمنظومة الأخلاقية إلى الحضور بقوة مرة أخرى.‏‏‏‏

5ـ نحن متلقون سلبيون، نستهلك ونستورد ما ينتجه الآخر، ولا نكلف أنفسنا أن ننتج شيئاً يخصنا نحن؟‏‏‏‏

ـ من نافل القول إننا متخلفون ثقافياً وحضارياً من أن نخضع شئنا أم أبينا لتبعية لا نستطيع الفكاك منها، فمن المسرح إلى السينما إلى الرواية إلى القصة إلى القصيدة ثمة ما يمكن أن نعتبره مثالاً يحتذى للثقافة الغربية، ونحن كما هو معروف نقلد وفي بعض الأحيان نعيد إنتاج ما نتلقفه، لكننا وبسبب كون التخلف شامل «اقتصادي، ثقافي، تكنولوجي..» إننا متخلفون لكل شيء، لكن قد لا يكون ضرورياً أن نظل مجرد متلقين سلبيين بالمطلق، وربما علينا أن نعيد قراءة ثقافتنا وعلى ضوء هذه القراءة الجديدة يمكن أن ننتج ما هو جديد أو ما هو متطور أو ما له نكهة المحلية الخاصة بنا، هناك حالة استلاب كاملة أمام كل ما هو غربي للثقافة ويجب أن نعترف بذلك، لكن يؤسفني أن الشباب في هذه الأيام لا يعترفون إلا بما هو آت من أوروبا وأمريكا ويرفضون حتى مناقشة المحلي، وفي حالة كهذه لا يمكن أن نضع أقدامنا على الطريق، ولا يمكن بالتالي أن نصل إلى ما هو خاص بنا، لأن العولمة تفعل فعلها، ولكنها تكاد أن تقتلع الضعيف المتخلف من جذوره، فيقف وحيداً في الهواء. العولمة ليست شراً مطلقاً، فنحن ندين لها بكثير من الاستمتاع بمشاهدة أو قراءة أعمال أدبية وفنية كثيرة، ولنأخذ على سبيل المثال ما تقدمه أمريكا اللاتينية على مستوى الرواية والمسرح والسينما إنها تؤكد على «أناها» الخاصة من دون أن تغلق الأبواب في وجه الثقافة الأخرى، لنأخذ مثالاً آخر في السينما الإيرانية ورغم كل ما يقال عن الطابع الديني الذي يطبع الثقافة الإيرانية إلا أننا نشاهد أفلاماً لها ملامح إنسانية وفيها أسلوب راق.‏‏‏‏

6ـ لماذا تكبر الفجوة بين الأجيال؟‏‏‏‏

ـ الفجوة بين الأجيال حقيقة واقعة، ولابد للجديد في كثير من الأحيان من إزاحة أو محاولة إقصاء القديم على أساس أن حركة الحياة تمشي وفق هذا المسار، فالفجوة لابد من وجودها، بل لا يمكن تجاهلها، لكن على الجديد أن يحترم القديم، والقديم ليس كله سيئاً، إن شاعراً مثل ت. س. إليوت قال: إن الجديد لا يمكن أن يولد إلا إذا نهل من القديم، ومن ليس له قديم ليس له جديد.‏‏‏‏

ما الذي يمكن أن يفعله طرفا المعادلة إبداعياً على الأقل؟ على القديم ألا يستخف بالجديد ولا يتعالى عليه، وفي الوقت نفسه على الجديد أن يحترم القديم والاحترام ليس بمعنى التماهي بل بالقراءة والاطلاع، وبالسجال إذا لزم الأمر، بمعنى آخر لابد من جسر بين ضفتين، القديم يجب أن يساعد الجديد بخبرته التاريخية وباختباره للزمن، والجديد يجب أن يشق طريقه بعد أن يفحص القديم كموروث ثقافي وأخلاقي وفني.‏‏‏‏

بطاقة‏‏‏‏

 د. نديم معلا محمد‏‏‏‏

 مواليد 1949‏‏‏‏

 تخرج من المعهد الدولي للفنون المسرحية في موسكو 1974‏‏‏‏

 رئيس قسم المسرح المدرسي في وزارة التربية 1975‏‏‏‏

 مؤسس مهرجان المسرح المدرسي ومشرف على عدة دورات مسرحية.‏‏‏‏

 أستاذ في معهد الفنون المسرحية منذ افتتاحه 1977 قسم التمثيل.‏‏‏‏

 مؤسس لمجلة الحياة المسرحية مع سعد الله ونوس ونبيل الحفار 1977.‏‏‏‏

 نال الدكتوراه في النقد المسرحي 1983.‏‏‏‏

 من مؤسسي قسم الأدب والنقد المسرحي 1984 وكان أول رئيس له.‏‏‏‏

 أستاذ في كلية الفنون والإعلام في جامعة الفاتح في ليبيا 1989- 1992.‏‏‏‏

 أستاذ في المعهد العالي للمسرح في الكويت 1993- 2007‏‏‏‏

 أستاذ ورئيس قسم الدراسات المسرحية بدمشق منذ 2009 وحتى الآن.‏‏‏‏

 له عدد من الكتب الهامة في الدراسات المسرحية، أهمها: لغة العرض المسرحي، وجوه واتجاهات في المسرح.‏‏‏‏

 له عدد من الترجمات الهامة.‏‏‏‏
 
عبد الناصر حسو

ملحق الثورة الثقافي‏‏

العدد : 724 
الثلاثاء 18 / 1 / 2011 ‏‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدكتور (نديم معلا) فقيد المسرح السوري.. في ذمة الله – بقلم الناقد المصري د. سيد علي..

شارك ‏‎Ajaj Salim‎‏ ‏ألبوم‏ ‏‎Sayed Ali‎‏: ‏دكتور (نديم معلا) .. في ذمة الله !!

فقيد المسرح السوري…د- نديم معلا..
بقلم الناقد المصري د. سيد علي..







انتقل إلى رحمة الله د.نديم معلا أحد الأقلام الأكاديمية المرموقة في مجال البحث العلمي المسرحي ,, وبوفاته فقدت سورية أحد أعلامها من النقاد المسرحيين، وسيظل مكانه شاغراً لعقود طويلة حتى يأتي من يسد هذا الفراغ .. لقد عشت معه ثلاثة أعوام في الكويت عندما كنت معاراً في المعهد العالي للفنون المسرحية .. كانت أسعد أيام حياتي .. وهذه بعض كتبه التي أهداني إياها!! وعلى الرغم من تواصلي معه هاتفياً إلا أن آخر لقاء جمعني به كان عام 2008 في دمشق .. رحمك الله أخي الكبير الناقد العظيم (المرحوم نديم معلا)!!

من almooftah

اترك تعليقاً