“عدنان البني”… دراسات علمية عمادها التنقيب

كنان متري

مؤرخ وباحث وعالم آثار كبير، ارتبط اسمه بمدينة “تدمر” وبالاكتشافات الأثرية فيها وفي الكثير من المناطق السورية الأخرى.

إنه الباحث الراحل الدكتور “عدنان البني”، المولود في “حمص” عام /1926/، والذي تحدث عنه الدكتور “علي القيم” معاون وزير الثقافة في كتابه “آثاري على دروب الحضارة” بعد رحيله بقوله: «رحل الإنسان المبدع الخلاقّ، رحل الرائد الذي أمضى من حياته أكثر من نصف قرن، في خدمة آثار وتراث وطنه وأمته العربية، كان يعمل بجد وإخلاص وحب، ينقب، يكتشف، يرمم، يدرس يكتب وينشر، إنها الرسالة النبيلة، التي لا تدانيها رسالة».

وأضاف: «عرفت الأستاذ الكبير، منذ أول صباح يوم عملت فيه في المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1970، كان هامة كبيرة وكانت تفصلني عنه في بدايات عملي، مسافات علمية ووظيفية كبيرة، ومع ذلك لم يشعرني في يوم من الأيام بأنه الأستاذ وأنا التلميذ، شاركت معه بالتنقيب والمسح والكشف الأثري في “الجزيرة السورية”، و”تدمر”، وترميم الجامع الأموي الكبير بدمشق، وفي ندوات ومؤتمرات علمية وآثارية عديدة، وفي جلسات الود والسمر، وكان في هذه العلاقة الأخوية المستمرة، مثال المحب، الصادق الصدوق المدرك لأبعاد الصداقة والزمالة والهم المشترك.

وهو لم يتعب يوماً من التجوال في دواخل المعرفة والعلم والثقافة والبحث الأثري والتاريخي، كان دائماً صاحب رسالة يحارب من أجلها ومن أجل عظمة الحضارة والإنسان في سورية الخالدة، فلقد نذر نفسه من أجل تراث أمته العربية، ورافق تأسيس المشهد الأثري الحضاري في وطننا منذ بدايات إشراقته في عصرنا الحديث والمعاصر».

وعن بدايات حياة الدكتور “البني” الشخصية يذكر د. “القيم” في كتابه: «درس “عدنان البني” في ابتدائيات وثانويات “حمص” الرسمية حتى عام 1945 وكان يمتاز بميوله الأدبية والفنية فنال مرةّ جائزة القصة القصيرة ومرةّ أخرى جائزة الترجمة عن الفرنسية في مسابقتين نظمتهما الثانوية الأرثوذكسية في “حمص”.

وفي العام الدراسي 1946 انتسب للجامعة الأميركية في “بيروت” لإتقان الإنكليزية استعداداً لدراسة التاريخ، لكنه نجح في مسابقة اختيار طلاب المعهد العالي للمعلمين في سورية عام 1947، ونال في عام 1952 إجازة في الآداب- قسم التاريخ- ودبلوماً في التربية والتعليم وأهلية التعليم الثانوي، وكان خلال دراسته في الجامعة السورية أمين سر الندوة الثقافية التي ضمتّ حوالي مئة وخمسين طالباً وطالبة بينهم نخبة من العلامة الدكتور “عدنان البني”الأدباء المعروفين حالياً، وأصدر مع زملائه أعضاء الندوة مجلة “صدى الندوة”.

ووفق درجات النجاح عيُن في مدينته مدرساً للاجتماعيات واللغات الأجنبية في ثانوية البنات.

وفي ظروف صعبة مرت على البلاد تمت عمليات نقل سياسية في عام 1952 شملت العديد من المدرسين في طول البلاد وعرضها. وكان من نصيبه النقل إلى محافظة “السويداء” وصادق هناك عدداً وافراً من أبرز الأدباء والكتاّب، وانتخب أميناً لسر نقابة المدرسين في المحافظة».

وعن دخول د. “البني” مديرية الآثار وترؤسه مديرية التنقيب كتب د. “القيم”: «وفي عام 1954 كان أستاذه في الجامعة المرحوم الدكتور سليم عادل عبد الحق يعيد تكوين مديرية الآثار العامة وكان من الذين اختارهم للعمل معه، وأسند إليهّ مديرية التنقيب والدراسات الأثرية التي قام بعبئها حتى نهاية عام 1998.

ومنذ 1960أصبح عضواً في مجلس الآثار وبقي عضوا فًيه حتى تركه العمل في الآثار، ومنذ عام 1959 كلُف بالتدريس في كلية الآداب “بجامعة دمشق” ودون انقطاع تقريباً حتى عام 1999/2000، ودرّس التاريخ والآثار، ومنذ عام 1983 وحتى عام 2000 كانت له ساعات تدريسيّة في مادتي التنقيب والكتابات القديمة في دبلوم التأهيل والتخصص بالآثار.

وعمل على التنقيب الأثري طوال ثمانية عشر موسماً في مواقع “تدمر” و”رأس ابن هاني” و”تل سيانو” و”تل الكزل” وغيرها، كما نظم دورات تدريبية للعاملين في المديرية العامة للآثار والمتاحف. وخلال عمله الوظيفي حصل على شهادة دكتوراه دولة في التاريخ وشهادة دكتوراه دولة في الآثار.

وفي يوم 21/10/2008 انتقل عالم الآثار الباحث الدكتور “عدنان البني إلى رحمته تعالى في منزله “بدمشق”».

ومن أبرز المؤهلات العلمية التي يحملها الدكتور “البني”: دكتور دولة في الآثار من”جامعة السوربون” “بباريس”، دكتور دولة في التاريخ من الجامعة اليسوعية “ببيروت”، دكتور فخري في الآداب من “جامعة سانت ايتيين” في فرنسا.

وكان عضو مجلس الآثار في سورية، وهيئة تحرير مجلة “الحوليات السورية” منذ عام 1960 وحتى عام 1998، وعضو اتحاد الكتاّب العرب منذ عام 1983 حتى وفاته، وعضو هيئة تحرير مجلة “التراث العربي” حتى عام 2000، وعضو مراسل في الأكاديمية البريطانية.

وللدكتور “عدنان البني” أكثر من عشرين كتاباً من وسام إمبراطور اليابان تتسلمه “نولا عدنان البني” تكريماً لوالدها الراحلمؤلفاته نذكر منها: كتاب “الفن التدمري” الصادر عام 1962 عن “المجلس الأعلى لرعاية الآداب والعلوم الاجتماعية”، وكتاب “التنقيب الأثري الحديث” الصادر عام 1976 عن وزارة الثقافة، وكتاب “تدمر، أثرياً، تاريخياً” عام 1979 بالاشتراك مع الأستاذ خالد الأسعد، طبع حتى الآن طبعات كثيرة منه بالفرنسية، والإنكليزية، والألمانية، واليابانية، والإيطالية، وله كتاب عن “أبولودور الدمشقي” صادر عن وزارة الثقافة. وله عدد من المؤلفات الأخرى نذكر منها “الكتابات الأثرية”، “المدخل إلى تاريخ الشرق القديم”، “المدخل إلى عالم الكتابات القديمة”.

وله حوالي مئتي بحث ومقالة ومحاضرة في الآثار والتاريخ نشرت له بالعربية والفرنسية والإنكليزية في المجلات العلمية العربية والأجنبية، وفي عدد من الموسوعات العربية والأجنبية وله مقابلات في التلفزيون والإذاعة والصحافة، وبعض المواد العلمية للسينما والتلفزيون.

وقد نال الدكتور “البني” عدداً من الأوسمة وميداليات التكريم منها: وسام “أوانج ناساو” الهولندي برتبة” كوماندور”، ووسام جوقة الشرف الفرنسي برتبة ضابط، ووسام الاستحقاق الإيطالي برتبة ضابط، ووسام “دانبروغ” الدنمركي برتبة فارس، وميدالية “الكوليج دوفرانس” الفرنسية، وميدالية “شليمان” من أكاديمية العلوم ببرلين.

وفي عام 1990 قدم له علماء الآثار المنقبون في سورية مؤلفاً تكريمياً باسم “بعث الماضي، تقدير مشترك لعدنان البني” نشر في “ليدن” بهولندا، وفي عام 1994 نال جائزة الاتحاد الأوروبي من جامعة “البندقية” عن مؤلف في المنحوتات التدمرية بالمشاركة مع العالمة البولونية “آنا سادورسكا”.

وقد كرّم من قبل جمعية البحوث والدراسات في اتحاد الكتاّب العرب بتاريخ 7 كانون الثاني 1999، وكرّ م من قبل جامعة دمشق في 20 آذار 2000، وبتاريخ 6/8/2009 أقامت السفارة اليابانية “بدمشق” حفل تكريم للراحل “البني” في المتحف الوطني بدمشق، وذلك بتكليف من إمبراطور اليابان تكريماً لعطاءات “البني” وإنجازاته في خدمة العلم والثقافة وتم منح أسرته وساماً رفيعاً من إمبراطور اليابان.

وفي حفل تأبيني للراحل د. “البني” أقيم في “مكتبة الأسد” “بدمشق” في 22/12/2008 تحدثت “نولا البني” الابنة الوحيدة للراحل عن والدها بالقول: «كان أباً عطوفاً رحيماً مرحاً، تابع كل أمور أفراد العائلة بكل اللطف والود والمحبة، كان شغوفاً بالعلم والمعرفة، ولاسيما الآثار، فأصدر العديد من الكتب أغلبيتها حول “تدمر”، غلاف كتابه “تدمر، أثرياً، تاريخياً، سياحياً”ترجمت إلى اللغات الفرنسية، الإنكليزية، الألمانية واليابانية».

أما السيد “بشير زهدي” أمين المتحف الوطني “بدمشق” سابقاً فقال: «لقد كان “عدنان البني” متميزاً وله عدد كبير من المؤلفات والبحوث القيمة والدراسات الفريدة، وفي الواقع كان منقباً وباحثاً متميزاً، وكان زميلاً فاضلاً، وأعتقد أن وفاته فيها خسارة كبيرة للبحث العلمي والدراسات الأثرية العلمية، لقد كان أخاً للجميع، يحب الحياة والفرح».

السيد “خالد الأسعد” صديق الدكتور “البني” وأحد الذين شاركوه العمل في التنقيب الأثري بمدينة “تدمر” قال: «لقد رحل عنا “عدنان” وغيب الثرى جسده الطاهر، لكن أعماله وإنتاجه الفكري والأثري سيبقى للأجيال نبعاً صافياً يستقي منه الدارسون والباحثون والعاملون في مجال التاريخ والآثار وعلومه عطاءً غير محدود وصروحاً ناطقة بكل لسان في “تدمر” الخالدة، والجامع الأموي بدمشق، والجزيرة السورية، والفرات، و”حمص”، والساحل، و”حوران”».


سعد فنصة Saad Fansa مع البروفسور عدنان البني- 1926- 2008 م,,
عدنان البني
عدنان البني من مواليد عام 1926م في حمص في سوريا توفي في 21 تشرين الأول 2008م حاصل على درجة دكتوراه دولة في التاريخ من جامعة القديس يوسف في لبنان (1977)، ودكتوراه دولة في الآثار من جامعة السوربون في باريس (1986).
عمله
عمل في عدة بعثات تنقيب وطنية ومشتركة في عدة مواقع أثرية سورية هامة: تدمر وابن هاني وسيانو، ودرّب خلالها العديد من الآثاريين. كما عمل مديراً للتنقيب والدراسات الأثرية في المديرية العامة للآثار والمتاحف منذ 1954 حتى 1996، ومحاضراً في كلية الآداب بجامعة دمشق منذ عام 1959، وعضواً في مجلس إدارة الآثار منذ عام 1960، وهو عضو في عدد من الجمعيات العلمية وعضو مراسل في الأكاديمية البريطانية. وكان عضواً فعالاً في كل من جمعية البحوث والدراسات، وهيئة تحرير مجلة التراث العربي، وهيئة تحرير مجلة الحوليات الأثرية السورية.
كتاباته
الفن التدمري – المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية 1962 طبعة ثانية 1972.
المدخل إلى تاريخ الشرق القديم – جامعة دمشق 1966- طبعة ثانية 1970- وطبعة ثالثة مزيدة وموسعة 1971.
التنقيب الأثري الحديث- وزارة الثقافة دمشق 1976.
الجزء الثاني عشر من مؤلف الكتابات التدمرية بالفرنسية (بالاشتراك مع خافييه تيسيدور) المعهد الفرنسي للآثار في بيروت 1975.
تدمر والتدمريون – وزارة الثقافة – دمشق 1978.
تدمر، أثرياً، تاريخياً بالاشتراك مع الأستاذ خالد الأسعد 1979، طبع حتى الآن ثلاث طبعات والعديد من الطبعات بالفرنسية والإنكليزية والألمانية واليابانية والإيطالية.
نساء على دروب تدمر- دار سومر- دمشق 1987.
معبد نبوفي تدمر بالفرنسية (ثلاثة أجزاء) جامعة السوربون في باريس 1986.
أبولودور الدمشقي – وزارة الثقافة- دمشق 1990.
جامع المنحوتات التدمرية بالفرنسية بالاشتراك مع آنا سادورسكا طبع في روما عام 1994ونال جائزة أوروبا للآثار للعام المذكور.
المدخل إلى عالم الكتابات القديمة.
علم الآثار والتنفيذ الأثري والكتابات الأثرية (أمال لدبلوم الآثار بجامعة دمشق)
أعمال التنقيب الأثري في رأس ابن هاني- أعد بالمشاركة – بيروت(1988).
عدنان البني.. أمثولة لاينهيها الرحيل
سناء هاشم
كان منقباً وباحثاً متميزاً, شغوفاً بالعلم والمعرفة, ولاسيما الآثار وقد كان موسوعة آثارية حية وثروة كبيرة للبحث العلمي والدراسات الأثرية العلمية والتراث, وكان رائداً في الحياة الأثرية والمتحفية, ويحب البحث عن المجد العربي السوري منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى وقتنا الحالي, ومنه تعلم الكثيرون ألف باء التنقيب والعمل الأثري في مواقع الأجداد هذا الباحث كان المنقب, المبدع, الخلاق, يعمل بجد وإخلاص وحب, عمل أكثر من نصف قرن في خدمة آثار وطنه سورية وأمته, هذه هي صفات الراحل الباحث الأثري والمؤرخ الأستاذ «عدنان البني»(1926-2008)م.
ولد الدكتور «عدنان البني» في حمص ويحمل شهادة دكتوراه دولة في التاريخ من جامعة القديس يوسف من لبنان ودكتوراه دولة في الآثار من جامعة السوربون بفرنسا ودكتوراه فخرية في الآداب من جامعة سان إتيان بفرنسا, عمل مديراً للتنقيب والدراسات الأثرية ومحاضراً في كلية الآداب بجامعة دمشق وعضواً بمجلس إدارة الآثار وفي عدد من الجمعيات العلمية كما عمل مراسلاً في الأكاديمية البريطانية وكان عضو جمعية البحوث والدراسات في هيئة تحرير مجلة التراث العربي وفي الكثير من الجمعيات العلمية. ‏
منحه إمبراطور اليابان «أكيهتو» وسام الأشعة المشرقة تقديراً لمساهمته في تقديم علم الآثار في اليابان حيث إنه كان مصدر عون ودعم لعلماء الآثار اليابانيين في عملهم في سورية, إضافة لهذا فقد نال العديد من الأوسمة والميداليات الأوروبية, كما قدم له مؤلف تقديري من علماء الآثار العاملين في سورية. ‏
له ما ينوف عن مئة بحث أثري أو تاريخي وبلغات عديدة في المجلات المختصة وبعض الموسوعات وفي وقائع الندوات العلمية والمؤتمرات ترك العديد من المؤلفات التي ترجمت إلى اللغات الفرنسية, الإنكليزية, الألمانية, واليابانية, ومنها: الفن التدمري- المدخل إلى تاريخ الشرق القديم- التنقيب الأثري الحديث- الجزء الثاني عشر من مؤلف الكتابات التدمرية بالفرنسية بالاشتراك مع خافييه تيسيدور- تدمر والتدمريون- تدمر, أثرياً, تاريخياً بالاشتراك مع الأستاذ خالد الأسعد-نساء على دروب تدمر- معبد نبو في تدمر- أبولودور الدمشقي- جامع المنحوتات التدمرية بالاشتراك مع آنا سادورسكا- المدخل إلى عالم الكتابات القديمة- علم الآثار والتنفيذ الأثري والكتابات الأثرية- أعمال التنقيب الأثري في رأس ابن هانئ. ‏
وقد ضربت شهرته الآفاق عربياً وعالمياً أمضى ستين عاماً بهذا المجال, وكان تركيزه الأساسي في التنقيب عن الآثار والبحث في التاريخ السوري القديم, كان دائماً حاملاً للهمين الوطني والثقافي وركز عليهما طوال عمره, فكانت اهتماماته مشتركة وطنية وثقافية. ‏
طوال حياته كرس جلّ اهتمامه للتنقيب والحفاظ على آثار سورية, وكان دائماً موضع تقدير واحترام من الأوساط الآثارية والأكاديمية في العالم, عقد صداقات علمية وأكاديمية واسعة, ووصل الأمر إلى درجة أن حوالي (30) عالماً من علماء الآثار أسهموا جميعاً في وضع مؤلف عنه تخليداً لذكراه وتقديراً لأهميته العلمية والآثارية وحضروا إلى «دمشق» خصيصاً وقدموا له هذا المؤلف احتفاء به وتقديراً لسعة إطلاعه في علم الآثار, كان مرجعاً للمعلومات فاهتمامه لم يكن يقتصر على الآثار في وطنه سورية والوطن العربي بل كان يحاول دائماً ايجاد تعاون أثري مع كافة علماء الآثار في العالم, ولم ينقطع عن تتبع النشرات التي ترده من علماء الآثار في كل يوم وكل لحظة حتى وهو على فراش المرض. ‏

من almooftah

اترك تعليقاً