1 – البطريرك بولس مسعـد 1806-1890

كان البطريرك بولس مسعد محطة هامّة في تاريخ البطريركية المارونية . فهو رجل التقوى ورجل التعصّب في آ ن ؛ جمع بين عمق الثقافة التاريخية والاصول الفلاّ حية وارادة السلطة التي ترفض ان يكون لها حدود في مجالي الدين والسياسة . هذه السلطة كانت في خطوطها العامّة مزيجا مركبا . فهي من جهة تتحسس مع الفلاّحين “والشركاء“ ، حاسمة مسألة استقلالها – ان لم يكن معاداتها – للمؤسسة الاقطاعية لكن في موازاة ذلك كانت ترفض مقولات الحرية والارادة الشعبية . محاولة ان تفرض شرعيتها الدينية كقيادة للطائفة المارونية عصام خليفة أُرسِل الطالب الماروني المتفوّق في دراسته بولس مسعد الى رومة، حيث انهى علومه في مدرسة انتشار الايمان سنة 1826وعُرف عنه التقى والذكاء. ولما عاد الى لبنان، رسمه البطريرك يوسف حبيش أسقفًا سنة 1841 وجعله نائبا له. وعند وفاة البطريرك الحبيشي سنة 1845 وقف الاقطاعيون بوجه انتخابه للسدّة البطريركية حيث استخدم مشايخ آل الخازن وآل حبيش نفوذهم لتأمين انتخاب المطران يوسف الخازن. وبعد مضي عشر سنوات، شغر الكرسي البطريركي مجددا بوفاة البطريرك الخازني سنة 1854. عندها اجتمع الاساقفة الموارنة في بكركي وانتخبوا بالصوت الحيّ وباجماع الرأي، بولس مسعد، بطريركا على كرسي انطاكية؛ ففقدت بذلك اسرتا المشايخ في المنطقة السيطرة التي كانت لهما على تنظيم الكنيسة المارونية حتى ذلك الوقت . ويذكر كتاب الرهبنة المارونية 5 :467 بعض ملامح شخصية البطريرك مسعد الفذة فيقول عنه انه كان” متوقّد الفؤاد، صحيح الفكر ، ثاقب الرأي ، طويل الباع في علوم كثيرة ولا سيما في التاريخ، خبيرا بفنون السياسة، حكيماً متدبّراً لا يأتي الا ما استطاع اليه سبيلا. ويضيف المؤرخ رشيد الشرتوني الى تلك الاوصاف ” أنه كان من البارعين في الحق القانوني في تواريخ الطوائف الشرقية6 :95″. وقد عدّه بعض المؤرخين المعاصرين ورجال الدين الموارنة من عظماء البطاركة الموارنة الثلاثة بعد القديس يوحنا مارون هم بالاضافة الى شخصه، البطريرك اسطفان الدويهي والبطريرك يوسف اسطفان 7 : 28 . توفي البطريرك مسعد في العام 1890 بعد أن أمضى في السدّة البطريركية حوالي اربعة عقود كانت اطول حبرية منذ القرن التاسع عشر؛ وقد شهدت فتنة 1860 بين الدروز والموارنة وقيام متصرّفية جبل لبنان. وهو اول بطريرك ماروني يزور عاصمة الدولة العثمانية سنة 1867حيث تمّ اول لقاء بينه وبين السلطان عبد العزيز. كما لبّى البطريرك مسعد دعوة بابا رومة للمشاركة في احتفالات ذكرى مرور 1800 سنة على وفاة القديسين بطرس وبولس فيكون بذلك ثاني بطريرك ماروني يزور رومة منذ ان زارها البطريرك ارميا العمشيتي في القرن الثالث عشر. بعد ذلك انتقل الى باريس حيث استقبله الامبراطور نابليون الثالث واكرم وفادته . بادر البطريرك مسعد بعد انتخابه في 12 تشرين الثاني 1854 الى عقد “المجمع البلدي” في بكركي سنة 1856 في سبيل تنظيم وتحديث شؤون الطائفة المارونية ومراجعة اعمال المجمع اللبناني الذي انعقد قبل قرن ونيّف في سنة 1736. وقد شهدت الكنيسة المارونية في القرن التاسع عشر نهضة عامرة سمحت لها ان تتحرر شيئا فشيئا من نفوذ الاقطاعيين وتدخلاتهم في شؤونها الداخلية. فقد بدأ التحالف بين الكنيسة ورجال الاقطاع في التصدّع مع نموّ استقلال الكنيسة الاقتصادي والمالي في هذا القرن إذ أضحت الكنيسة المارونية أكبر مالك للأرض مما زاد في مداخيلها واصبحت قادرة وحدها على تحمّل نفقات ادارتها والاستغناء اذا لزم الامرعن مساعدة هؤلاء. وصارت هي المؤهلة لقيادة الموارنة وذات التأثير الكبيرعلى الشعبالذي التفّ حول مؤسسته الدينية الصاعدة وهذا ما حمل السلطنة الى التحول التدريجي للتعامل معها مباشرة في مجمل شؤون جبل لبنان والطائفة المارونية[1]. وقوي نفوذ البطريركية المارونية في مجالات الاقتصاد والسياسة والقضاء [2] خاصة بعد أن جاءت قوانين المجمع اللبناني السابق داعمة لسلطة البطريرك الماروني، بمنحه دون سواه الصلاحيات الواسعة في ميادين التربية والتعليم . وبدأ دور الاقطاعيين والمناصب بالتراجع، لافتقار معظم هؤلاء الى العلم بالمقارنة مع امراء الكنيسة المارونية الاكفّاء والراغبين في بناء لبنان جديد وتنظيم شؤون الموارنة[3] . وقد دخل البطريرك مسعد معترك المسؤولية الروحية والزمنية منذ توليه نيابة البطريرك حبيش سنة 1841. وامضى بقية القرن التاسع عشر في سدّة المسؤولية وذلك في فترة تاريخية دقيقة وصعبة مرّ بها لبنان منذ قيامه . وقد زادت التجارب المتراكمة في صقل حكمته. فقاد السفينة طوال هذا الوقت رغم المصاعب الجمة التي واجهته داخل الطائفة بدراية وحكمة شهد له بها ابناء ذلك العصر حتى اوصل لبنان الى الاستقرار بفضل مساهمته الفاعلة في تثبيت نظام المتصرفية. فتعلق به الشعب والاكليروس وكبار الاقطاعيين وعمّ السلام وخيّم الامن على البلاد . ولم تكن تلك نهاية المطاف، فقد عُرف عنه انه كان يسعى الى تحقيق استقلال لبنان التامّ ضمن حدوده الطبيعية كما تثبت الوثيقة (1)التي وجدت بين اوراق البطريرك في محفوظاته والتي تظهرمدى ما كان يحلم به ويخطط له في ذلك الوقت المبكر. وفيها تصميم على اقامة وطن قومي للنصارى على الاراضي اللبنانية كافة والى ربط هذه الدولة حضاريا بدولة فرنسا وضمانتها [4]. ”فالبطريرك بولس مسعد، بوعيه التاريخي وثقافته الموسوعية ، كان مدركا لمجمل هذه الامور. وبالتالي فانها قد اثرّت بشكل مباشر او غير مباشر على سلوكه الديني والاجتماعي. بل على مسار فكره التاريخي… ومن المُسلَّّم به عند اغلب الدارسين ان البطريرك مسعد ، من الوجهة التاريخية لم يكن رئيسا روحيا فحسب ، بل كان في اغلب الاحيان رئيسا روحيا ومدنيا 2 :39 “. تجلّت العلاقة التي اقامها البطريرك مع السلطنة العثمانية، حين استقبله السلطان العثماني عبد العزيز سنة 1869 في اسطنبول استقبال الملوك العظام. وجرى تقليده ارفع الاوسمة، ومنحه امتيازات اضافية، لابناء وطنه لبنان. لا سيما عندما حققت السلطنة طلبه باعفاء شيعة لبنان من التجنيد الاجباري وقد توجّه اليه بقوله:” نحن في عهد سلام في ظل عرشكم السامي، يا صاحب الجلالة، إنما ينقصنا شيء واحد، وهو ان فريقاً من اللبنانيين، وهم أبناؤكم المسلمون ملتزمون دون أبناء المسيحية بالخدمة العسكرية، فألتمس إعفاءهم من هذه الخدمة حتى تسود المساواة والمحبة بين الجميع، ويتفق أبناء لبنان على الدعاء لتأييد عرشكم، فأنا أعتبر كل اللبنانيين أولادي وكلنا لخدمة جلالتكم” فاستجاب السلطان لطلبه مندهشا من حكمته ومحبته لجميع ابناء وطنه[5] وقد واصل البطريرك ايضا سيرة اسلافه في اقامة افضل العلاقات مع فرنسة . ولما قام بزيارة تلك البلاد استقبله استقبالا بالغ الحفاوة والتكريم الامبراطور نابليون الثالث . وكما ربح الموارنة من صداقة فرنسا فقد دفعوا ايضا ثمنا غاليا للمحافظة على هذه الصداقة. فبين اعوام 1840 و1860خسر الموارنة مساعدة انكلترا عدوّة فرنسة اللدودة في ذلك الوقت التي انحازت الى الدروز في الحروب الاهلية التي شبّت بين المسيحيين والدروز. وامدّتهم بالخدمات السياسيّة والدبلوماسية والاعلامية، وزودتهم بالسلاح. اما عن علاقات البطريركية المارونية مع البابوية الرومانية . فلم تكن احسن من ذلك في اي وقت مضى. ومن اهم ما حصل ، انه بعد ان طال الجدل لمدة قرن من الزمن حول تنفيذ بعض مقررات المجمع اللبناني الذي انعقد في سنة 1736 برعاية القاصد الرسولي السمعاني. ولم يكن قد جرى تنفيذ بعض بنوده الى ذلك الوقت .وكان قد شارك في المداولات والمفاوضات الجارية بين البطريركية ورومة حتى ذلك التاريخ عدد من البطاركة المتعاقبين على السدّة واكثر من قاصد رسولي. تمكن البطريرك مسعد من حسم الامرسنة 1885 بقبوله باسم الموارنة بجميع مندرجات المجمع [6] وهو لم يكفّ عن الدفاع عن حقوق طائفته وعن ابداء حرصه الكامل على استقلالية الكنيسة المارونية المشرقية والحفاظ على تقاليدها التاريخية. اما على الصعيد الداخلي، وكان الكيان والمصير يمرّان في ايامه بأدق المراحل واخطرها. فمن سقوط الامارة. الى الحكم العثماني المباشر. الى محاولة التقسيم في القائمقاميتين. الى فترات اشتعال الحروب الاهلية الرهيبة بين الدروز والمسيحيين خلال عقدين متواصلين 1840و1860، الى الثورة الفلاحية على الظلم الاقطاعي في القائمقامية المسيحية وامتداد لهيبها الى المسيحيين الموجودين في المنطقة التابعة للقائمقامية الدرزية. حتى مرحلة احتضار النظام الاقطاعي وموته باعلان المتصرّفية. فانّ البطريرك مسعد، طوال هذه الفترة لعب دورا رياديا حاسما في مجريات الأحداث. فقاد السفينة اللبنانية الى شاطىء الامان . متحملا الضغوطات الداخلية والخارجية المختلفة، ومستعينا بحنكته في تصريف الامور، وبحكمته في ادارة دفة السفينة المتارجحة في بحر الانقسامات المارونية والتي عُرف بها الموارنة ابّان الحوادث والمحن. وقد تعرّض البطريرك مسعد آنذاك الى توجيه التهم اليه. فاتهمه الفلاحون الثائرون بالانحياز الى المقاطعجية، كما اتهمه في الوقت عينه المشايخ الاقطاعيون بمساعدة الثورة الفلاحية ضدّهم. وقد وصلت نقمة الفريقين المتخاصمين الى حدّ التهويل على شخص البطريرك وتهديده [7] ولكن تهمة الانحياز الى اي من الفريقين قد سقطت مع الايام، وتبيّن ان مقام البطريركية، وهو مركز القيادة الروحية والزمنية للموارنة، منذ زمن البطريرك القائد يوحنا مارون، هو لكافّة ابناء الطائفة . وان البطريرك هو الاب العطوف والعادل بين جميع ابنائه دون اي استثناء. ومجرّد شكوى الفريقين المتخاصمين معا من مواقف البطريرك ابلغ دليل على صحة ذلك . وفيما كان اكثر الموارنة وهم يؤلفون شعبا طُُبِع على التعلق بالحرية والكرامة ولكنه لا يخلوتحت وطأة الاحداث الداهمة من روح التمرّد والمخاصمة. كان البطريرك مسعد يخطّط ويعمل لبناء وطن المستقبل لجميع ابناء لبنان وثيقة رقم1. وقد تحقق حلم الاستقلال الناجز اثناء الحربين العالميتين في القرن العشرين . البطريرك بولس مسعـد. شعاره خدمة الشعب والكنيسة والوطن. البطريرك بولس مسعـد. شعاره خدمة الشعب والكنيسة والوطن. 2 علاقة البطريرك بالثورة الفلاحية عندما ثار الفلاحون الموارنة في كسروان على المشايخ الاقطاعيين[8]من آل الخازن وآل حبيش بسبب الظلم الأقطاعي المتفاقم وطردوهم الى خارج كسروان. شعر البطريرك بالغمّ وحاق به الحزن والشجن والقلق والاضطراب بداعي ما التحق بالمشايخ من الاهانة والاضرار. فعقد اجتماعا تداول خلاله الاساقفة في هذا الموضوع أُقِرّ بنهايته تدارك خطورة ما حدث. وجرى الاتصال بالفريقين، في مسعى للتوفيق بينهما واقتراح حلٍِّ عليهما وهو ان يجري الاتفاق مع المشايخ على ان ينتخبوا مأمورا واحدا دون سواه ليتعاطى الاحكام. أما باقي الخازنيين فلا يكون لهم سلطة على العامّة. ولما عرض ذلك على المشايخ أبوا قبوله 8:344 رغم اصرار البطريرك على هذا العرض بسبب تخوفه من اتساع رقعة الحوادث بين الفريقين، واستغلال الاتراك الفرصة لادخال العساكر العثمانية الى كسروان. وعندما تردد على مسامعه ما جرى في اجتماع الاهالي الثائرين وتنصيبهم وكلاء للقرايا . ساءه ذلك “وطلب البعض منهم وأخذ يحذّرهم وينصحهم ليقنعهم بالكفّ عن هذه الاعمال “8 : 328 [9] فاتّهمه الفلاحون بتأييد خصومهم ” . وفي تقرير للقنصل الفرنسي في هذا الصدد نراه يلقي بالملامة على الاقطاعيين وعلى مواقفهم المتصلّبة فيقول ان البطريرك مسعد ومطارنته كان بوسعهم تهدئة الحال في البداية لولا غطرسة المشايخ، الذين لم يقدروا ابعاد الخطر الداهم. فرفضوا التراجع عن تعنّتهم في تنفيذ اي مطلب للفلاحين لامتصاص نقمتهم. وفي كتابه ” ثورة وفتنة ” يذكر المؤلف ان طانيوس شاهين كان يتحايل على المشايخ ليطردهم من كسروان مدعيا :”بأنهم ارادوا قتله ، واحيانا يقول، انهم كبسوه في بيته واطلقوا عليه الرصاص. واحيانا يسند قوله الى قول السيد البطريرك بولس مسعد مع ان غبطته كان يعارض هذا العمل لان الكل رعيتّه. وكان قصد طانيوس شاهين هو ان يضع العداوة بين المشايخ والاهالي 9 : 84 وقد حمل على بعض رجال الدين واتهمهم بالوقوف وراء الثورة . ساعد نجاح الفلاحين الثائرين في كسروان ونجحت دعايتهم في نشر الهياج في سائر لبنان [10] . فساد الهيجان بين فلاحي المناطق التي تقع في شمال كسروان وانتقلت الاضطرابات حتى منطقة اللاذقية. ورفض الفلاحون العلويون في ناحية صافيتا دفع الضرائب للسلطات التركية فيما بين عامي 1858- 1859 ثم امتد الهياج الى القائمقامية الدرزية “فأصبح المسيحيون حسب قول شاهد عيان – يضيقون ذرعا بتبعيتهم التي لا تطاق للمشايخ الدروز الذين يستثمرونهم دون شفقة. في نهاية عام 1859 أخذت المفاوضات بين المتمرّدين والبطرك تدور في حلقة مفرغة وفشلت بهذا محاولات كبار رجال الدين لوضع الحركة تحت اشرافهم، والا`ذى من هذا ان الحركة كانت آخذة في التوسّع. وربما كان هذا ما جعل رجال الدين يفكرون بتوريث نار العداء من جديد بين الدروز والموارنة لاستغلال الفرصة واثارة الصدامات ودفع فلاحي كسروان للاشتراك فيها[11]!.. وتحت عنوان معبّر “مصالح ودور الاكليروس” يفيد د. توما 17) انه من الجهل الفاضح عدم تحسس دور الاكليروس الخفي في طبقتيه الدنيا والعليا في مجرى تلك الاحداث لا سيما البطريرك والاساقفة . وذلك لرغبتهم في ممارسة السلطة الزمنية والروحية معا كما كان يجري في سابق الايام . خاصة وان نفوذهم في اواسط القرن التاسع عشر كان قد قوي في صفوف الرعية. وقد اوحوا بان التعرض الى سلطة الاقطاع ، لا يحمّل من قام به اي خطيئة بل هو حق وواجب. ويستشهد بما قاله العقيقي 9 :77-80 والحتوني، 8 : 333-340 . بان انضمام الاكليروس الى الحركة ، يفسره حسن التنظيم والتراتبية والانسجام والفعالية في قيام الثورة الفلاحية ضد الاقطاع منذ مراحلها الاولى . وثيقة رقم 2 وثيقة رقم 2 وبعد ان يعدد المؤرخ اسباب تفوّق الاكليروس على الاقطاعيين وكذلك تأثير قنصلية فرنسة في مجرى الاحداث لصالح الامير بشيراحمد وتهديد المشايخ للبطريرك بالتحول الى مذهب البروتستان البريطاني. ويثير ايضا سببا محتملا لانحياز البطريرك مسعد ضد الاقطاع. وهو ان البطريرك وهو من عائلة ” مسعد “ اي من اسرة آل المشروقي[12] التي كانت تطمح في القرن التاسع عشر لان تنتقل الى طبقة النبلاء الارستقراطيين. وقد كانت كثيرة العدد غنية نافذة وتطمح الى الصعود (18 و 19 ). ويعتبر المؤرّخ ان احتمال مساهمة البطريرك في الحركة وارد نظرا لعدم تدخله بقوة لأيقافها فيقول “وقد تبين من اقتراحه التوفيقي بانتخاب شيخ واحد من قبل المشايخ انه يتعاطف مع قضية الفلاحين وهو الاقتراح الذي رفضه المشايخ وقبله الفلاحون 17 : 262-266 . ويستشهد بقول العقيقي عندما يقول” أخذت الحركة الفلاّحية تنمو شيئا فشيئا وتستقطب الانصار. واعتاد القادة على ممارسة السلطة[13] . عندما انهارت احلام الاكليروس وضعف نفوذهم 11 : 266 . وتجدر الاشارة هنا الى انه عندما تمّ طرد المشايخ من كسروان جرت محاولات من قبل الاقطاعيين للاستنجاد بالعساكر العثمانية ودفعها للدخول الى كسروان لاعادة القديم الى حاله. فتخوف البطريرك من تدخل العثمانيين لئلاّ يكون ذلك سابقة للتدخل العثماني. واستنجد بقنصل فرنسة الذي ضغط بدوره على خورشيد باشا لمنعه من التدخل. فتراجع هذا الاخير في اللحظة الاخيرة . وبعد تفاقم الوضع طُلب من سفير فرنسة “بونتيفوغليو” التدخل . يقول بونتيفوغليو:” طَلب مني المطارنة وغبطة البطريرك الماروني التدخل مباشرة في الموضوع . فقنصلية فرنسا كانت على الحياد منذ بدء الأحداث في كسروان، الامر الذي فسّره الفلاحون كمظهر رضى عما يحدث” وبعد ان يذكر القنصل الفرنسي انه عيّن السيد سان شافري من قبله، وهو الضليع في العربية والمطلع على شؤون الجبل، يجمل تقريره بالقول :” توصلت ابان هذين الشهرين الى التقريب بين المشايخ والفلاحين وكل شيء يسمح بالامل لان اتوصل الى حلحلة كاملة لدى زيارتي الاولى الى غبطة البطريرك الماروني العائد لتوّه الى مقرّه الشتوي، والذي يعاونني للوصول الى هذا الهدف بنصائحه وخبرته“2 :31 . بكركي مقرّ القيادة الزمنية والروحية في القرن التاسع عشر بكركي مقرّ القيادة الزمنية والروحية في القرن التاسع عشر 3 – علاقة البطريرك بالاقطاعيين ثار الشعب ضد المشايخ الاقطاعيين في وقت كان البطريرك موجودا في دير مار يوحنا مارون في بلاد البترون وعندما وردته اخبار ما يجري . عاد على وجه السرعة الى بكركي وقد بدت عليه ” امارات الغمّ والاضطراب من جرّاء هذه الحركة. وبادر الى عقد اجتماعات طارئة للتشاور مع سائر الاساقفة، وجرى البحث عن وجه يمكنهم اقناع الطرفين به 8 : 340 فاستقر الرأي على تدارك الحال والسعي لمصالحة الفريقين والتوفيق بينهما. وبوشرفورا بهذه المهمّة . وتطرّق الخازن[14] لمواقف البطريرك بولس مسعد من الحركة الفلاحية ، مشيدا بعطف البطريرك مسعد على العائلة الخازنية. ومفندا ما كتب وقيل من اشادة في مواقف طانيوس شاهين الثورية. اما سميليا نسكايا فقد جارت العقيقي في تقييم اسباب العصيان الكسرواني “ ان اسباب العصيان تعود لعدم المساواة الاجتماعية وسوء استعمال مشايخ آل الخازن للسلطة [15]وان كلا من ريشار ادواردز(15) وبوجولا(14)”يتميزان في كتابيهما عن تلك الاحداث بالانحياز . وقد عرف الاول بعدائيته للاكليروس وبتعاطفه مع الانكليز. ويعمل على فضح رجال الدين الموارنة وكأنهم هم الذين تسببوا بالعصيان ضد المشايخ بغرض الانفراد بالنفوذ بين السكان ” 11 :185 . وتضيف ان جوبلان ( 12 ) وهو كغالبية القوميين البورجوازيين اللبنانيين في القرن التاسع عشر، كان من محبذي السياسة الفرنسية، الامر الذي يجعله غير موضوعي في تقييمه لهذه السياسة. غير ان نظرته الى اسباب العصيان هي نظرة صحيحة. لأنه يعتبر انها نتيجة حتمية لارتقاء سكان لبنان من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية . وهو اول من لاحظ “التدرج في تطور الحركة الفلاحية في لبنان فكتب ان فلاحي كسروان نهضوا في البداية ضد سوء استعمال (آل الخازن) للسلطة ومن اجل الغاء الامتيازات الاقطاعية ، وفي سبيل المساواة السياسية والاجتماعية. واخيرا في سبيل توزيع الاراضي …وقد اخبر المشايخ، البطرك الماروني، بما حدث،آملين ان يستعمل البطريرك سلطته الدينية في صالحهم. ولكن البطريرك اقتصرعلى اجابتهم بانه انغمّ بسبب ما حدث وانه يخشى ان يؤدي الامر الى “اضطراب نظام الجبل” ودعا المشايخ الى التبصّر.11 : 199. وبعد مهاجمة غوسطا، طرد اهالي عجلتون وريفون ومزرعة كفردبيان والقرى الاخرى بقية المشايخ من قراهم. “واستجار قسم من الخازنيين برجال الدين واختبأوا في دير بكركي حيث يقيم البطرك الماروني وفي الدير الارمني الكاثوليكي في بزمار. فحاصر المتمرّدون الديرين ووجّهوا في الثالث من كانون الثاني رسالة الى البطرك بولس مسعد يطلبون فيها ابعاد المشايخ بسرعة والا فانهم سيهاجمون الدير . “9 : 169-170 . وبعد ان طرح باشا بيروت على بساط المناقشة العلاقات بين الفلاحين والمشايخ في كسروان واسرع كبار رجال الدين الموارنة اثناء ذلك للتوسط في المفاوضات بين المشايخ والفلاحين[16]… دعا البطريرك مسعد قسما من الوكلاء واقترح عليهم تسوية العلاقات مع المشايخ على اساس الاعتراف بسلطة ثلاثة مأمورين ينتخبهم الخازنيون فاجاب المتمردون …ان هذه المسالة تنتظر حلها في بيروت وهم بالاضافة الى هذا يوكلون سلفا مهمة تمثيل مصالحهم للوكيل العام الذي يترتب على “غبطته” ان يتوّجه اليه.. ولم يسفر توجه البطرك الى طانيوس شاهين عن نجاح ؛ فقد رفض الوكيل العام الحضور…وبحث قضية المأمورين الثلاثة…وكان هذا الرفض الجريء يحمل توقيع طانيوس شاهين وثلاثين وكيلا معه 9 : 176- 176 و 11 : 214 . 4 – علاقة البطريرك بيوسف بك كرم[17] يقول العقيقي(9) ان البطريرك مسعـد كان وراء تكليف يوسف بك كرم الحضور الى ريفون وطرد شاهين من ذلك المكان:” طلع اليه من جونيه الى ريفون وصار اطلاق نار خفيف من دون اذية احد” حدثت مناوشات الفريقين في منطقة “المرجة” في قرية عشقوت. فانسحب شاهين ومن معه على اثرها ودخل كرم الى مدرسة ريفون “وأمر بنهب بيت طانيوس شاهين فنهبوه[18] … “ انتهت ولاية كرم في القائمقامية ليلة تنصيب داود باشا متصرفا على جبل لبنان في 4 تموز سنة 1861. وفي سبيل توطيد حكمه الجديد الذي لاقى معارضة قوية من طبقة الاقطاعيين . لجأ المتصرف الى الاستعانة بسلطة البطريركية المارونية والقناصل مرورا بفؤاد باشا للتأثير على الرافضين وخصوصا على يوسف كرم الذي خيّر بين القبول بالنظام الجديد او تعيينه في مركز تحت سلطة المتصرف او السجن او مغادرة البلاد[19] . وقد توجّه كل من البطريرك مسعد وفؤاد باشا في آن الى اهدن قادمين من الديمان لأقناعه بالقبول . فنزل يوسف كرم عند طلبهما، وقبل تعيينه قائمقاماعلى جزين [20]. ولكن كرم لم يلبث، بعد برهة وجيزة ان قدّم استقالته وقد تحزّب له كثير من الموارنة أي ان يكون هو لا سواه اما قائممقاما على كسروان واما بعد ثلاث سنوات من حكم داود باشا اميرا متوجا على لبنان. ولكن المصالح الدولية لم تساعده في تحقيق حلمه ؛ وقد استغل فؤاد باشا مناسبة وجود كرم في ضيافته في بيروت ليلقي القبض عليه وينفيه بعد ذلك الى خارج البلاد حيث استقر مدة في الاستانة ثم في مصر بانتظار نهاية ولاية داود باشا والعودة الى الوطن. وخلال مدة نفيه، عيّن اخوه مخايل محافظا على مقاطعة زغرتا- اهدن . [21] وبعد عودة كرم من منفاه الى لبنان سنة 1864 جمع المتصرّف المناصب والاساقفة في طاميش، وحذ ّرهم من حصول اي اخلال بالامن من قبل كرم وانصاره وحمّلهم مسؤولية حصول ذلك . عندها انتدب البطريرك ثلاثة اساقفة للاتصال بكرم الذي وقّع لهم تعهدا بالمحافظة على الوضع الراهن والتقيّد بالقوانين النافذة. ولكن فترة الهدوء لم تطل كثيرا فعندما استقدم داود باشا من الاستانة 1400 عسكري وفرقاطة حربية عثمانية لتشديد قبضته على الجبل اللبناني برزت النار مجددا من تحت الرماد اذ اقدم يوسف بك كرم على مقاومة داود باشا بضراوة وببطولة بلغت حدّ الخيال . ويبدو ان يوسف بك كرم كان يميل الى مبدأ فصل الدين عن الدولة ففي اتصال مع انصاره يقول كرم “يجب وضع حاجز بين السلطة الدينية الروحية الثابتة التي لا تتحول والسلطة السياسية التي تتبع سنة التطور طبقا للزمان والمكان [22] “17 : 323. وفي 29 ايلول 1876 اقترح انشاء مجلسٍ اعلى من الاساقفة والمدنيين لمساعدة البطريرك في ادارة شؤون الكنيسة المارونية . مراجع القسم التاسع التحول السياسي في تاريخ لبنان الحديث ،ايليا حريق ، الاهلية للنشر والتوزيع، بيروت،1982 :ص200-201 2 أبحاث في تاريخ لبنان المعاصر، عصام خليفة، دار الجيل بيروت1985 3 تاريخ الموارنة ومسيحيي الشرق عبر العصور ،عبدالله ابي عبدالله عدة اجزاء 4 المجمع اللبناني 1736، ترجمه عن اللاتينية (1820) المطران يوسف نجم،مط الارز، جونية 1900، 5 تاريخ الرهبنة المارونية،الاباتي بطرس فهد، ج7،مط.الكريم،جونيه،1968 6 سلسلة بطاركة الطائفة المارونية..،نشر رشيد الشرتوني،مط.الكاثوليكية ، 1902 7 الاصول التاريخية، نسيب وهيبه الخازن و الاب بولس مسعد، م3 عشقوت1958 8 نبذة تاريخية في المقاطعة الكسروانية،الخوري منصور طنوس الحتوني ،1855 اعاد نشرها يوسف ابراهيم يزبك 9 ثورة وفتنة في لبنان،انطون ضاهر العقيقي ،نشر يوسف يزبك،بيروت 1938 10 كسروان عبر التاريخ،الاب فيليب الخازن ،مط. التعاونية اللبنانية درعون ، 1970 11 الحركات الفلاحية في لبنان النصف الاول من القرن التاسع عشر، أ.سميليانسكايا،تعريب عدنان جاموس،دار الفارابي ،1972 – La Question du Liban,M.JOUPLAIN(Paul Noujaim)2 edition 196112 13 الدروز والموارنة تحت الحكم التركي…،الكولونيل تشارلز تشرشل ، منشورات دار لحد خاطر،بيروت،1986 14Voyage a Constantinople …,Poujoulat Baptistin,Correspondance d’Orient,2tomes,Bruxelles,1841 15 La Syrie,Richard,Edwards,1840-1862, Paris,1862 16 Archives du Ministere des AffairesEtrangeres, Paris,Turquie, Correspondances politique des – Consuls,REG.No 12,p.4(au verso)7-1-1860 17 الريفيون والمؤسسات الاقطاعية …،توفيق توما ، منشورات الجامعة اللبنانية بيروت 1986 18 نبذة تاريخية عن بني المشروقي ، مسمد منصور مسعد، مط. سميا،بيروت 1950 19 المشروقيون في تاريخ لبنان تاريخ عائلات بني المشروقي ومشاهيرهم عبر التاريخى وحتى اليوم،انطون شعبان، بيروت ،2004، 20 Voyage en Palestine,Robinson George,Paris, 1838 21 لبنان ويوسف بك كرم ، اسطفان البشعلاني ، بيروت ، 1925 22 قلائد المرجان في تاريخ شمالي لبنان،بطرس بشاره كرم بيروت 1929 23 التعددية في لبنان،وليد فارس، منشورات جا معة الروح القدس،2007 24 الكيان اللبناني بين التصور والواقع ، كمال الصليبي ، نوفل ، بيروت 2000 [1] – ان هذا التغيير في موازين القوى ربما حمل الصدر الاعظم على الاعتراف بالامر الواقع الجديد من الدولة العثمانية بزعامة البطريرك حبيش على الطائفة:” حيث انكم بطرك الملّة المارونية، اصد قاء الدولة العليّة … فالملّة المذكورة لاجل راحة بالها وسريان امورها وخصوصياتها وتنظيمها ولتكميل ذلك بحسب مأموريتنا من طرف صاحب السلطنة ان نبلغكم بأن ما يتوقع الى الملة من الامور والمصالح راجعوا به حضرات والي ودفتردار صيدا اذا لزم اعراض خصوصيات ترسل لهذا الجانب.” (.تاريخ الكنيسةالانطاكية السريانية المارونية ، عبدالله جبرائيل ، ج 1-2 ، المطبعة اللبنانية، بعبدا 1900-1904 :ص764 [2] – سلطة تعيين قاضيين لفصل الدعاوى في حكومة الجبل 8 :309 وقد جرى تعيين القائم مقام حيدر اسماعيل اللمعي بعد عزل عمر باشا النمساوي طبقا لرأي البطريرك حبيش(8: 306). فمنذ مطلع القرن التاسع عشر أخذ دور الاقطاعيين يتناقص وبدأ دور البطريركية يتزايد بسبب جملة عوامل متشابكة يلمح الى بعضها د. عصام خليفة (2 :39) بقوله “ ان الخط الهمايوني أكد على ضرورة تخصيص “ايرادات معيّنة الى البطاركة ورؤساء الجماعات” ، كما نصّ على ضرورة ” ادارة المصالح الملّية المختصّة بجماعة المسيحيين وباقي التبعة غير المسلمة لحسن محافظة مجلس مركب من اعضاء منتخبة فيما بين رهبان كل جماعة وعوامها” هذه العوامل المتشابكة بالاضافة الى شخصية البطرك مسعد التي صقلتها في ثقافة عين ورقة وروما ، أمّنت الظروف المؤاتية ليمارس مواجهة تضعف المشايخ الخازنيين” . [3] ان العامل التاريخي الديمغرافي الذي ادّى الى انفصال جبل لبنان عن بقية البلاد العربية ابان الحكم العثماني ثم الى قيام الدولة اللبنانية هو خوف المسيحيين والموارنة خاصة من فقدان حريتهم ، وحرصهم على هذه الحرّية وعلى المساواة التامّة مع سائر المواطنين . انهم يخشون ان يعتبروا مواطنين من الدرجة الثانية (انحدارا من مفهوم “اهل الذمّة ” او ان تطغي عليهم الاكثرية الاسلامية سياسيا واجتماعيا وثقافيا … “يقول وليد فارس مما لا شك فيه ان الفتح العربي طرح مشكلة التعددية بكل جوانبها في الشرق عامة وفي لبنان خاصة . فاذا كان تاريخ لبنان يبدأ منذ ستة الاف سنة ، كما يؤكده المدافعون عن لبنانية لبنان ، فالحقيقة هي ان تاريخ لبنان ، كشعب وعى نفسه واراد السيادة والحرّية في الجبال ، منذ الفتح العربي . لم يكن للوعي القومي وجود قبل هذه الفترة في ناحية اسمها لبنان . لأن لبنان المسيحي قبل الفتح العربي ، كان مرتبطا بسوريا المسيحية وفلسطين المسيحية وسائر الشرق والغرب داخل دائرة الحضارة الواحدة . ولم يكن هنالك مجال لسكان لبنان ان تكون لهم قومية مميّزة لهم تفرّقهم عن باقي سكان المنطقة . ولكن تغيير ملامح المنطقة المحيطة بلبنان وفرض العروبة عليها ، فكّ الارتباط العضوي بين سكان لبنان المسيحيين وسائر المنطقة المعرّبة ، بحيث اصبح للمنطقة هوية حضارية معيّنة وللبنان هوية حضارية معيّنة . فالقومية اللبنانية لم تبرز الا مع ظهور عنصرين تاريخيين: اولا – الفرق الحضاري بين المسيحيين اللاجئين الى جبل لبنان ، وبين العرب المسلمين الذين سيطروا على السهول والسواحل . (التحضير البيئوي) اي الارضية التناقضية التي ينطلق منها التمايز بين المجموعتين ، وثانيا – العنصر الثاني هو الشعور التضامني لدى المسيحيين اللاجئين الذي انطلق من حالة الدفاع المستمرّة ضد الهجمات العربية المتواصلة على الجبل – الامّة . فاذا نظرنا الى تركيبة الشرق موضوعيا رأينا ان المجموعات التي تؤلّفه ، متمايزة حضاريا . فالمراقبة العلمية والشاملة تؤدي الى التأكيد على الطبيعة التعددية للمنطقة … نرى ان المنطقة شهدت تناقضا لا بل مواجهة بين قوميتين ، عربية اسلامية ومسيحية شرقية استوطنت في لبنان واصبحت لبنانية … هذا الواقع الذي افرزه التاريخ… تعددية حضارية تجسّدها تواجد قوميات مختلفة 22 : 33- 34 – 35 وثيقة رقم “1” جارور مسعد في بكركي. وثيقة رقم “1″ جارور مسعد في بكركي. [5] يوسف داغر،تاريخ البطاركة الموارنة ص:104 [6] اننا قابلون بكل خضوع ، حكمَ ” المجمع المقدس” ومستعدون للسلوك بمقتضاه من الان فصاعدا “ وكان البطريرك مسعد قد ناشد الكرسي الرسولي بقوله”ان لبنان بفضل حريته الكنسية المستقلّة ، بقي حتى الان ملجأ الكاثوليك في الشرق ، فلا تسمح نيافتكم بان ينهار هذا الملجأ الحصين “ [7] حاول بعضهم اغتيال البطريرك في مركزه في بكركي . ولكنهم وجدوا انفسهم مطوّقين بحوالي ثلاثة الاف من الفلاحين . وقد استدعى البطريرك يوسف بك كرم الذي فرق الجميع .17 :264 [8] كانت الطبقية الاجتماعية ذات طابع بسيط في مجتمع ريفي كجبل لبنان . فكان هنالك طبقتان : المشايخ والفلاحون . اما المشايخ فكانوا وجهاء القرية لا يتميزون بفضائل خاصة ولا بثروة كبرى وانما خرجوا من طبقة الفلاحين نفسها ….واما الفلاحون فكانوا اما ملاكين صغارا واما شركاء ….وكانت صناعة الحرير هي الصناعة الوحيدة في البلاد وعليها بني اقتصاد البلاد . 1. [9] اخذت الرعايا بالاجتماعات ليجدوا لهم طريقة يقون ذواتهم بها من هذه المظالم من دون معارضة الاحكام في شيء . فحصل اولا اجتماع في قرية عجلتون بين بعض الشبان وتحالفوا فيما بينهم على أ لاّ يخون احد ٌ الآخر وانه اذا تعدّى احد المشايخ على واحد منهم يكون الجميع مسعفين له حتى الدم “9 : 77 وتشكل اتحاد مشابه في قرية كفرذبيان كان يضم في البدء ثلاثة عشر رجلا وفي كلتا البلدتين الكسروانيتين تم انتخاب وكلاء لقيادة الانتفاضة الفلاحية وقد تمت الصلة بين القريتين . تقول نسكايا “وقد اخذت الاجتماعات تأخذ طابعا معاديا للمشايخ على عكس ما كانوا يتوقعونه منها ” . وان الاجتماعات التي تعددت في قرية زوق مكايل وريفون وعشقوت والقليعات والتي بادر فيها الفلاحون الى انتخاب وكلاء عنهم قد جرت في هذه الفترة بالذات. 11 : 194 . ففي الوقت الذي تم فيه بالذات العهد الذي اقسم بموجبه فلاحو عجلتون ومزرعة كفردبيان وريفون والقليعات وعشقوت وداريا وبقعاتا وبلّونه وجعيتا وغزير ( وقد انضمت اليها لاحقا قرى جونيه وفيطرون وميروبا) على توحيد اعمالهم والعمل كيد واحدة . وقد اخبروا البطرك الماروني بولس مسعد بامر هذا العهد ووجهوا اليه رسالة ذكروا فيها ان الخلاف الذي دبّ في اسرة آل الخازن حول القائمقامية قد اعدمهم “ الامن والراحة والسكينة” واشتكوا من عسف الاقطاعيين الذي لا يطاق ولكنهم ذكروا كذلك انه حبا بحفظ السلامة …حصل السكون منا اولا بان ذلك هو حادث وقتي ويعبر ويزول . “11 : 195 . [10]كان ولا شك لحركة كسروان اصداء واضحة في مناطق القائمقامية الدرزية . اذ ان المقاطعجيين الدروز تخوفوا من انتقال العدوى الى المسيحيين الموجودين تحت سيطرتهم . [11] في المناطق الدرزية كانت الطموحات السياسية المسيحية آخذة في التنامي حتى بأتت تضغط على الامتيازات التقليدية للمشايخ الدروز المحليين .وقد كان الكثيرون من هؤلاء يدينون بمبالغ كبيرة من المال لمتمولين مسيحيين استرهنوا منهم الكثير من املاكهم مقابل القروض التي قدموها لهم 24 : 152 [12] ان عائلة مسعد تنحدر من الجدّ المقدم شاهين المشروقي في جبة بشري . وانتقلت الى عشقوت كسروان في سنة 1650 8 : 82-83 . [13] عندما شعر البطريرك مسعد بتعاظم الخطر المحدق بنظام الجبل ، بادر الى دعوة شاهين الى الابتعاد عن كسروان . ولكن شاهين حضر الى بكركي على ظهر بغلته البيضاء محاطا ببعض أنصاره رافضا الاذعان لرأي البطريرك مصّرا على اكمال مهمّته واداء واجبه 17 : 269 [14] 10 : 57-175 [15] 11 :182 [16] جاءت الحلول تعكس موازين القوى الفعلية في الحركة ، فالاهالي لم يطرحوا منذ البدء مشروع سلطة شعبية تنبثق من الارادة العامة ل”الجمهور”، وانما كان برنامجهم يتصف، بشكل عام ، بالطابع الاصلاحي الذي يحاول ان يخفف من ظلم المشايخ من جهة، وان لا يخرج عن دائرة الوصاية من قبل الجهاز الاكليريكي من جهة ثانية . ولئن كان لدينا اكثر من برهان على ان البطريرك مسعد كان يعطف على الفئات الفلاّحية، من موقع حسّه الديني وأصوله الطبقية وثقافته الواسعة ، لكن مما لا شك فيه ان حدود هذا العطف لا يتعدى دائرة الاستمرار التقليدي لمفهوم السلطة الدينية الرافضة لكل شرعية قانونية عقلانية ترتكز على الانتخاب الشعبي وتتكيّف مع مسألة الفصل بين شؤون الدين وشؤون الدنيا . 2 : 56 [17] ان ال كرم يتحدّ رون من الصليبيين الذين اثروا البقاء في لبنان بعد هزيمتهم النهائية . واصبح احدهم “ابو كرم “ مقدما لجبة بشري في سنة 1624 . وقد سرت شائعات بين اللبنانيين في سنة 1860 قبل اقرار نظام المتصرّفية بان النية تتجه الى تعيين يوسف كرم اميرا على لبنان . ولمّا عاد فؤاد باشا من دمشق ، بادر الى تعيين يوسف بك كرم قائمقاما بالوكالة (18 تشرين الثاني 1860) مكان الامير بشير احمد الذي اقيل . وكان كرم مقاطعجيا على اقطاع اهدن-زغرتا . وله شعبية قوية بين الموارنة . وفي محاولة من الجنرال هوبول الفرنسي لجمع القائمقام الجديد مع طانيوس شاهين على رفض كرم الا ان يجرى اللقاء في مركز القائمقامية في جونية . ما زاد الجفاء بين شاهين وكرم . وكان في اصل الحملة على ريفون وهرب شاهين ونهب منزله . واعادة المشايخ المشردين الى ديارهم واتمام الجباية الى خزينة القائمقامية. 21 : 337- 342 [18] 9 : 135 [19] ) يقول بطرس كرم 22 : 206 في ترجمة مذكرة طبعت في رومية سنة 1876 ورفعها يوسف بك كرم الى الكنيسة المقدسة وفرنسا بحق المنسنيور مسعد بطريرك الموارنة الحالي22 : 179 “ ان المنسنيور مسعد كان يريد (كما يقال ) ان يحكم مدنيا فلذلك عمد الى تلك الغاية بذرائع خفية فبأقواله تارة وبسكوته تارة قد بعث الى سكان كسروان ان ينهضوا ضد حكامهم من بيت الخازن فهذه العائلة متصفة بالميل الى المسالمة وسبق لها ان ادّت خدمات كثيرة للكنيسة المارونية . فكان وجهاء الاهالي الذين يتداولون مرارا مع البطريرك يثيرون هياج الرعاع لكي يضبطوا ما هو ملك للشيوخ الخازنيين ويطردوهم من مساكنهم واحدا اثر واحد. وبمقتضى عادة البطاركة السابقين كان البطريرك يجري العقوبة الكنائسية من الدرجة الثانية على ابناء ملّته الذين يصدر منهم ذلك الاعتداء . فالبطريرك الحالي نكل عن الجري على سنّة اسلافه لا بل ظهر تجاه اللبنانيين جميعا انه راض كل الرضى عما اجراه اولئك المعتدون . فنمت بذلك روح النزاع بين الشيوخ والاهالي في ارجاء لبنان كلها.22 :184 وفي ص 205 يقول”سألني القاصد (الرسولي) ماذا تطلب وعلام تشكو المنسنيور مسعد فاجبته انني ارى في معاملة البطريرك حيفا عليّ واريد ان يلتئم مجلس قانوني فيقضي بيننا بموجب الشرائع . فبناء على طلبي الذي لا تخفى عدالته على احد وكان البعض ينسبون الي ّ غايات لا صحة لها أوصد القاصد باب مقابلته بوجهي…وفي ص 206 يقول” ان التدبير المقصود به ايقاعي تحت الضغط لم يصدر عن القاصد الرسولي منفردا به بل كان عملا اتفق عليه مع كل من البطريرك الماروني ومطران بيروت الماروني وقنصل فرنسا الجنرال وداود باشا …. ويقول في ص 213 “واغرب ما في هذه السياسة (البطرك) ان الفريق الاكبر من المطارين تقرر ان يكون مستقرّه في كسروان. وهويته من كسروان . وان البطريرك بالصعوبة القصوى يرضى ان يسم مطارنة للابرشيات غير الكسروانية حينما تترمّل لانه يسعى الى ان تنتخب مطرانا من كسروان …وفي ص 215 يقول كرم ” ان دير قنوبين الذي كان مقرا رسميا للبطاركة الموارنة … فسلف البطريرك مسعد اختار بدلا منه ديرا في كسروان اسمه دير بكركي وجاراه في اختياره هذا خافه المنسنيور مسعد ومنحه اسم مقر الكرسي البطريركي وكان هذا الدير مقرّا للراهبة المسماة هندية التي كانت برياء تتظاهر ان القداسة تملأ حياتها …وص217 “ قرروا نقل المقر البطريركي الى دير بكركي الذي شيّدته الراهبة هندية مدّعين انهم لا يأمنون ان تبقى حرّيتهم مضمونة في شمالي لبنان بل تقع تحت تهديد ويختم في ص 233 بالقول “ فمن خصوص الاضرار التي جناها علي المنسنيور مسعد وعلى رفاقي … لذلك سألتمس عاجلا او بعد هنيهة من الكرسي المقدّس ان يصدر امره بان تفحص دعواي بهذا الشأن ليجري القضاء بها على مقتضى الحق القانوني – ذلك الالتماس العادل الذي لا تستطيع رأفة الاب الاقدس ان ترفضه. انتهى . واننا بدورنا نترك للقارىء وللاجيال ان يحكموا على تلك العلاقة . 2. [20] ( بالاضافة الى يوسف بك كرم فقد عيّن المتصرّف داود باشا قائمقاما كل من : 1. الامير مجيد شهاب في كسروان 2. الامير حسن شهاب في الكورة 3. الامير عبدالله ابي اللمع في زحلة 4. الامير مراد ابي اللمع في المتن 5. الامير ملحم ارسلان في الشوف 6. الامير قيس شهاب في دير القمر* 3. * : في هذه التعيينات نلاحظ عودة اصحاب الامتيازات من الشباك بعد ان طردتهم الثورة الفلاحية من الباب (وثيقة رقم 3 ) [21] وفي يوم نفيه ، يذكر اسعد بولس في ” مذكراته ” وهو احد كبار االمعاونين الذين عملوا تحت قيادة يوسف بك كرم ،ان البطريرك والمتصرف قد تعرّضا لمحاولة اغتيال برصاص احد المهووسين المتعصبين الموارنة ، عندما كانا يقفان جنبا الى جنب في قصر يوسف كرم في اهدن . [22] عن سمعان الخازن ، كرم قائمقام ص 194-196 أض

من almooftah

اترك تعليقاً