الأمير” كتاب صدر قبل ٥٠٠ سنة ويُطبّق اليوم

NEWS ROOM September 17,2020
عبير شوربا
حين نستعيد اليوم قراء كتاب ” الأمير” يذهلنا هذا التطابق الكبير بين ما جاء فيه من نصائج ثعلبية جائرة للحاكم حيال شعبه، وما يمارسه الكثير من حكّام العالم اليوم من أميركا حتى العالم النامي، فالاساليب هي نفسها حتى لو تم تجميلها بمساحيق الديمقراطية او الحريات.
“من الخير أن تتظاهرَ بالرحمة، وحفظِ الوعد، والشعورِ الإنسانيِّ النبيل، والإخلاصِ، والتديّن، وأن تكون فعلًا متّصفًا بها. ولكنْ عليك أن تعدَّ نفسَكَ، عندما تقتضي الضرورةُ، لتكون متّصفًا بعكسها”. هذه إحدى نصائح الكاتب والدبلوماسي الإيطالي نيقولو مكيافيلي (1496-1527)، في كتابه “The Prince””الأمير”، الى حاكم فلورينسيا الجديد لورينزو دي مديشي لخطب وده. وهي تعكس لنا رؤيته السياسية الواقعية، التي يزيد عمرها على 5 قرون.
تكمن أهمية الكتاب، والذي ترجمه خيري حماد الى العربية والممتد على343 صفحة، في انه يغوص في نظريات الحكم والإمارة، فيرشد القادة والزعماء والملوك الى الطرق الناجعة للتحكم بالبلاد الموروثة أو الملكيات الجديدة، وكيفية إدارة الامارات الدينية والمدنية، ويعرض السمات التي يتوجب على الامير التحلي او التظاهر بها كي يحكم شعبه وجيشه ويخشاه الصديق قبل العدو…
رغم خروج آرائه عن الاخلاق والاديان إلا ان “الأمير” اعتُبر من جواهر الفكر العالمي مع بزوغ عصر النهضة وسطوع فلاسفة الأنوار (روسو، هيغل…)، مما جعله يُدرّس في الجامعات بعد ان تعرّض للقدح والنقد ما يقارب الثلاثة قرون. وأصبح بمثابة الدليل لكل دكتاتور. قيل إن نابليون ،هتلر، لينين، ستالين، وغيرهم … كانوا يتخذونه مرجعًا لسياساتهم. وكان موسوليني قد وضع رسالته للدكتوراه حوله وأطلق عليه اسم “ملازم رجل الحكم” ولقب ماكيافيلي ب “الامين العظيم”.
الكاتب يُعتبر رجل الحداثة الاول بحسب نقاده في القرن الماضي. ذلك أنه مهّد للعلمانية، إذ دعا لتجاوز الفكر الديني في زمن القرون الوسطى حيث طغت سيطرة الكنيسة على معظم مفاصل الحكم. اسس مكيافيلي لأولى الخطوات العلمية الحقيقية نحو القومية الاوروبية والإيطالية بالخصوص. لم يهتم بالسلام لكنه أراد السلامة لمدينته التي يمكن ان تتحقق بواسطة أمير، يستطيع ان يفرض على دويلات المدن، الانصهار في دولة قومية.
في هذا الإطار، يُظهر لنا نزعته للوحدة من خلال اختيار الحاكم الذي “يُمكّن ايطاليا في النهاية من العثور على محررها، وليس في وسعي ان أصف ما سيلقاه هذا المحرر المنقذ من حب في جميع المقاطعات التي عانت الويلات تحت نير الغزوات الأجنبية…حتى يتاح لنا تحت رايتكم الخفاقة، ان نرتفع بوطننا”.
” الأمير”، الذي لم ينشر إلا بعد خمس سنوات من وفاة كاتبه، ومنه اشتُقَّ مصطلحُ “المكيافيلليّة،” المرادفُ لمبدأ “الغاية تبرِّر الوسيلة”، لم يقتصر على توجيه الحاكم الناجح للتحلي بالصفات المتناقضة بل تعداها ليختار له أقبحها وأشنعها في عصر انعدام الاستقرار والانقلابات، والغدر…
يؤكد الكاتب على ضرورة ان يتحلى الامير بالإنصاف والشدة معاً، الطيبة الآنية والحيلة المستدامة، البطش، النكث بالعهود عند الضرورة، ان يلجأ للاحتلال بالقوة والكفاءة وان لم تتوفر فمن خلال مساعدة الآخرين او حسن الطالع ولا ضير من توسل النذالة عند الحاجة. ولا بأس ان “ان يستخدم المصانعة والرياء حيث يرى استخدامها نافعاً”. فيطلب منه أن يتمرس في فنون القتال والحرب و ” ألا يفكر أو يدرس سواها…إذ هي الفن الوحيد الذي يحتاج اليه كل من يتولى القيادة”. ويقول بهذا الصدد:” ان الحرب أمر لا يمكن تجنبه وانما في الامكان تأجيله، وغالبا ما يكون هذا التأجيل في صالح الجانب الاخر”.

يربط مكيافيلي بين وجود وتطبيق القوانين الجيدة وتوفر القوة، فالأخيرة هي “نواة الدولة”. هو يثق بالسلاح فقط لأن الافتقار اليه يؤدي الى المهانة. حتى ان احترام الاصدقاء ودفع اي عدوان خارجي لا يتحقق إلا من خلال السلاح والقوة، “لأن النبي الأعزل فاشل”. والفضيلة عنده هي “فضيلةُ الأقوى”. لذلك على الأمير الحاذق أن يتقن تقليدَ الثعلب والأسد:” أن يكون ثعلبًا ليُميّز الفخاخَ، وأسدًا ليُرهب الذئابَ…”
بعد أن تعمق الكاتب بالطبيعة البشرية، يقدم لنا نظرته الشمولية للناس فيصورهم بأشد مظاهر السلبية، الدناءة، والأنانية. يقول مثلاً: ” انهم ناكرون للجميل، متقلبون، مراؤون، وشديدو الطمع وهم الى جانبك، طالما أنك تفيدهم، فيبذلون لك دمائهم، وحياتهم وأطفالهم” ولكن هؤلاء قد يثورون إذا اشتد عودهم لذلك فهو ينصح الحاكم “. بالتشديد على أن يكون مهاباً أكثر منه محبوباً ذلك ان الناس لا يترددون في الاساءة الى ذلك الذي يجعل نفسه محبوباً، بقدر ترددهم في الإساءة الى من يخافونه…”
يتطرق الكتاب الى دور الشعب في معادلة الحكم. فالعلاقة بين الأمير وشعبه هي الفيصل في منطق الدفاع إذا برز الخطر المحدق. لذلك يتحتم على الامير مراعاة ” أسبقية إرضاء الشعب ” حتى ان تعارضت مصالحهم والجيش، ف “لا بد ان يكون الشعب راضيا محبا ليأمن جانبه “. لكن حين يتعلق الامر بالشعوب المحتلة في الممالك الجديدة، فانه يقترح عدة خطط لإحكام القبضة عليها، أهمها: ” إبادة الأسرة الحاكمة السابقة، وعدم إحداث تبدل جوهري في قوانين هذه الممتلكات وضرائبها”.
يميز الكاتب بين نوعين من الشعوب، فهناك شعب لم يعتد العيش في الحرية وهو ” بطيء في العصيان” ومن السهل كسبه. أما النوع الاخر فهو الشعب الذي ينتمي الى جمهوريات تتميز بالحيوية والرغبة العنيفة بالثأر. وهذا يصعب التحكم فيها، و” أضمن سبيل هو اما تدمير هذه الجمهوريات تماما او الإقامة فيها”.
يشرح مكيافيلي قاعدة حاسمة للمنتصر وهي ان يخطط لجرائمه مرة واحدة كي تكون ” أقل تأثيراً…اما المزايا فيجب اعطاؤها جرعة جرعة حتى يستمتع بها المواطنون”، وانه “علينا اما ان نعطف على الناس او نقضي عليهم، اذ في وسعهم الثأر للإساءات الصغيرة اما الإساءات البالغة فهم أعجز أن يثأروا لها. لذا ان أردنا الإساءة لإنسان فيجب ان تكون هذه الإساءة على درجة بالغة لا تضطر بعدها الى التخوف من انتقامه”.
يبدو ان نيقولو مكيافيلي قد سبق عصره في كتابه “الامير”، حيث تتجلى بوضوح عبقريته في قدرته على النهوض من رحم العصور الوسطى واستشراف مفاهيم وأفكار كانت حجر الاساس لنظريات سياسية مغايرة لعصره كالنفعية السياسية وغيرها. هو صور الواقع السياسي كما هو وليس كما يجب ان يكون في المدينة الفاضلة او الخيال فناقض بذلك فلسفة القيم المعرفية والحق الإغريقية.
لعله كان محقاً بقوله:” إن الذي يتنكر لما يقع سعيا منه وراء ما يجب ان يقع، انما يتعلم ما يؤدي الى دماره”.
ولو طبقنا ما قاله على الكثير من القادة العرب اليوم، لأدركنا سبب استمرار تحكمهم برقاب الناس، فمعظمهم يطبق عن معرفة او جهل هذه النظريات المكيافيللية بامتياز.
الكاتب
عبير شوربا اعلامية-لبنان

الكاتب:عبير شوربا

الأمير by نيقولو مكيافيلي · OverDrive: eBooks, audiobooks and videos for  libraries

كتاب الامير\ميكافيلي‎ updated their... - كتاب الامير\ميكافيلي | Facebook

من almooftah

اترك تعليقاً