ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

مصطفى رعدون

صور من قلب القلعة ( 2 ) ،،،

على السور الشرقي للقلعة ، ثمة منزل من حجر وطين ، يستند للسور الأساسي ، ويطل بإتجاه الغرب ،ملاصق لعلية الماري ( احد ابراج القلعة الرئيسية ) من جهة الجنوب ، مكون من غرفتين غمس كبيرتين ، بأقواسهما المصلبة الجميلة ، والمطينين بتراب المحفارة ، والمبيضين بكلس مغارة الحوارة ، يفصل بينهما نول طيني صنع من تراب المحفارة المخلوط بالتبن ، يتسع لمونة السنة من الحنطة ، وله جزء خاص بالبرغل ، وكل منهما له فتحة بالأسفل ، تسدها يد خشبية ، ويوجد فتحة صغيرة بين النول والجدار تمررشخص واحد بشكل جانبي للغرفة الأخرى ،
ولكل غرفة عتبة داخل الباب منخفضة عن باقي البيت ، كانت بمثابة حمام البيت ،
وامام هاتين الغرفتين فسحة كبيرة مصبوبة كمتنفس للدار يتوسطها روزنا تفتح وقت الحاجة ، وتحتهما قبو ضخم بحجمهما مقنطر كذلك ، يتسع لدواب الفدان وقن للدجاجات ، وبقرة وبعض الخراف وكمية التبن التي توضع مونة عن سنة كاملة ، ويعلو باب القبو حجارة على شكل قوس ، وله درفتان خشبيتان قويتان بمفتاح نحاسي بطول ( فتر ) ، كان يعلق خلف باب البيت على مسمار ناتئ بالجدار ، بجانب جرة الماء الكبيرة التي تحتل مكانا محددا كبراد للبيت ومخزن للماء المنقول على الرؤوس من عين العمارة بالخلاقين النحاسية ،
أما في الغرفة الرئيسية ، ثمة موقد طيني جميل ( تفية ) له نقرة لإشعال النار بالأسفل ( شومنيه ) ، ومدخنة مطمورة بالجدار الى السطح ، وحفرة تتجمع بها صفة النار ، وهيكل طيني يمكن أن يوضع عليه قدر النحاس ، يستعمل للطبخ على النار ، وفوقه أوجاق طيني بأرفف مشغولة بعناية ولضوء الكاز مكانة خاصة في وسطه ، وفتحات توضع بها بعض الأشياء المنزلية للإستخدام المباشر ،
وكانت المادة الرئيسية لإشعال النار عيدان الحطب من قش القطن وكساح الكروم بالإضافة الى قرافيش ( الجللي ) المصنوعة من روث الحيوانات المخلوط مع التبن ، وقد كان وقتها لكل بيت ( مشتاية ) خاصةفي أطراف البيدر ، ولها موسم لصنعها ، ومن ثم توضع في القبو مونة لأيام حاجتها ،
اما في صدر البيت ثمة رف طيني طويل مزدوج ، وله فتحات منتظمة ، جميل المنظر وعلى الأخص ان أواني البيت من صواني وصحون وكؤوس وغير ذلك ، كلها معروضة عليه بشكل منتظم وجميل ،
وعلى سطح البيت كانت ( المدحرجانة ) الحجرية التي تستخدم لرص السطح قبل مواسم المطر ،
ان لهذا البيت ذكريات جميلة لدي ، منذ الطفولة ، إنه بيت عمي ( حسن علي الرعدون ) وبيت ( عمتي زهدة ) رحمهما الله ، واذكر يوما كنت عندهم وقد وصل موكب من النوق يحمل شلول التبن من على البيدر ، على شكل سلسلة من الجمال ، يقودها احدهم وهو يركب على حمار ، وهذه الجمال كانت لبيت ( الصغير ) من كفرزيتا ، تأتي في المواسم والبيادر لنقل الحب والتبن الى البيوت ، والأجمل ، رأيتهم كيف ينقلون شلول التبن تباعا ، الى الساحة امام البيت ، وينزلونه من الروزنا الى القبو فيمتلئ قبو التبن حتى السقف ،
كان ذلك المنزل نموذجا لبيوت القلعة من الداخل والخارج ، ونموذجا لتقسيماتها للإستخدام ،
رحم الله أصحابه الطيبين جدا ، ورحم جلسات السمر على الموقد المذكور شتاءا ، والقصص المتبادلة حولها ، فقد كانت مرحلة من العمر بسيطة بأدواتها ، ومفرداتها ، وحوائجها ، ولكنها غنية بقيمهم وأخلاقهم وسلوكهم الطيب ، وعلاقاتهم الودودة الى أبعد الحدود ،،،
مصطفى رعدون ،،

من almooftah

اترك تعليقاً