مرهج محمد: 2019/12/29

اعتمد المخرج ياسر دريباتي على تدرّج الإضاءة وحركة شخصيتين (مؤتزتين بالأبيض) يتماوجان تماوج الكثيب، لينتهي بنا إلى مبتدا عرضه المسرحي «تانغو» بأن يتقابل (كرسيّان) وللكرسيين دلالتهما، خاصةً، وقد انجلت الصورة عن امرأتين، تروى القصة كلّها وتنقل على لسانيهما، امرأتان تجمعهما المقادير في (خرابة) منها يطلّ المخرج إلى عالم خارجي مملوء بالمتناقضات والتعديات والأمراض الخُلقية التي لا تقيم للقانون وزناً، يطلّ عبر ضجة (زمامير) تشي بعناد سائقيها وتعكس حجم (الأنا) الظاهرة والمركونة، تختصرها ليلى: (ماحدا عم يرضى يبعّد للتاني)… امرأتان متناقضتان في (خرابة)؛ إحداهما ترقص بكامل فاقع الأحمر ناقص التردّي وما يستحضره ذلك من قشورٍ هي لبابٌ عند المنقادين بحبائل «رغائب» الشهوات، والمرأة الأخرى في الجانب المتطرّف القصي الآخر تصلّي صلاةً لا تعرف منها إلّا طقوسها الصورية، ولا تستخدم فيها شيئاً من العقل، بل يشدّها الوهم إلى قشورٍ أخرى.. واحدةٌ تقف في أقصى حدود الانفلات من الضوابط شكلاً ومضموناً، صراخاً وهمساً، حركات وإيماءات، حتى لتكاد تبرز نيوبَ الشبق في كلّها وجزئها، في نظراتها وحركاتها وطريقة تدخينها (التعبيرية)..في خضم هذا الرقص المسرحي التعبيري، وأخرى تقبع على النقيض المتطرّف الآخر، تعتقد أنّ التديّن مجرّد تعاويذ وطلاسم وقمع، وانشغالٌ «فتْوَوِيٌّ» بعيوب الآخرين ونسيان أو تناسي وتجاهل عيوب (الأنا)..
لكلٍّ منهما زوج تحاكيان بقصتيهما النتيجة وإن كانت متناقضة، لكنّ المخرج أراد أن يوسّع البيكار ويكشف عن زيف المقنّعين بالقيم الأخلاقية والدينية، والقيم والدين والأخلاق منهم براء.. ولكن أليس من الفطنة أن يضيف المشاهد الواعي شخصيةً مسرحيةً ثالثة، تكون ضالّتَهُ البهيّة، وشخصيته المثالية؟
وأين تقع هذه الشخصية بالنسبة للحديَّتين المتطرّفتين اللتين وإن اتحدتا في نهاية المطاف، إلّا أنّ اتحادهما لا يعني شيئاً إن لم يعنِ ريشةً بارعةً للمتلقي البارع، ريشةً راسمةً في مخيلته الإنسانية من تلقاء نقاء الفطرة، معالمَ تلك الشخصية (الثالثة)، على مبدأ التوازن الموضوعي الذي يراه القلب و«الحِجى»: ( خيرُ الأمور أوسطُها). ظهرت في المسرحية عباراتٌ ذات تكثيف متقن ومدلولات اتخذت من الاستعارة معطفاً،معظمُها بالمحكيّة، مثل: ( رغم كل حيونتو بينغسل ألف زوم عن أبو مونس تبعك)،( لعّاية، صهريج فذلكة)، ( مين بدّو يليّفك)، (راقصة يعني رقّاصة) (إنت ما بترقصي إنتِ بتطيري) (أبو مونس ضحك عليك ولمّ شمل مافي) (أما أنتم فتفتون على قدر مصالحكم) (التقرّب إلى الله بطريقتنا: بالموسيقا بالحب…) (متعهّد أموات وتعازي).. (هربت من رائحة الموت إلى هذه الخرابة) (ساحة الرقص لاتُترك خاوية– زوربا-). هذا غيضٌ من فيض، والنصيحةُ يقدّمُها حكيمُ المعرّة أبوالعلاء، ولكن،على طبقٍ من بصيرة: فخذِ الذي قال اللبيبُ وعشْ به ِ ودعِ الغواةَ كذوبَها وجَهولَها

من almooftah

اترك تعليقاً