(بانوراما) أبرز الأحداث السياسية عام 2019م

 31 ديسمبر، 2019

عَامَ الرَّمَادة.. وحصاد التّغيير

نهاية نظام الإنقاذ.. وبداية عهدٍ جديدٍ أبرز الملامح

صُعُود “حميدتي” كلاعبٍ سياسي.. ومُحاكمة الرئيس السابق

بانوراما: نجدة بشارة

العام2019 م، لم يكن من الأعوام العادية في السودان.. حيث شهد تقلُّبات وتحوُّلات قاسية في الطقس السياسي، دفعت بنجوم سياسية من الصفوف الخلفية ليكونوا قادة وصُنّاعاً للتغيير، وأفلت في ذات الوقت الأحزاب التي لطالما ظلّت تتصدّر الخطوط الأمامية، فمن كان يظن أو يتوقع.. حتى من أدهى السياسيين والخُبراء أو المراقبين أو حتى العرافين والمنجمين، أن يشهد العام 2019 م تمرداً من الشعب السوداني.. وتحوُّله في لحظة غضبٍ إلى عود ثقاب، أشعل الشارع وقاد ثورته ليهدي للعالم بأثره مدرسة جديدة للتغيير، بعد انقلابه على سنوات الاستكانة والصبر.. وعلى نظام الإقامة الدائمة.. إلى التحرر والانعتاق.. منهياً وصاية ثلاثين عاماً…

الرمادة

كانت بدايات العام أشبه بعام الرمادة الشهير، والذي سُمي كذلك نسبة لأنّ الأرض أصبحت سوداء من الجدب.. وفي وصف للحافظ ابن كثير: (إن عمر بن الخطاب في عام الرمادة، نزل المدينة ذات ليلة فلم يجد أحداً يضحك بالطرقات، ولا يتحدّث الناس على العادة، فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: يا أمير المؤمنين، الناس في هَمٍّ وضيقٍ فهم لا يتحدثون ولا يضحكون).. وهنا كان حال الشعب السوداني خلال بداية العام، حيث عَــــــــــمّ الحُزن والسواد لرحيل الشهداء، فمنذ أن تفجّرت الاحتجاجات والكثير من الأسر احتسبت أبناءها وبعضهم مازالوا في عدّاد المفقودين.. ولعلّ ليلة فض الاعتصام (مجزرة القيادة) الثالث من يونيو، سيظل الحدث الأكثر قسوةً لهذا العام، حيث شهد مقتل أكثر من مئة شخص وجرح المئات، ثم حمل منتصف العام عاصفة التغيير الحقيقية.. بتشكيل الحكومة الانتقالية ليكون الحصاد السياسي المُنتظر.

سُقُوط الإنقاذ

عشيّة العاشر من أبريل عام 2019، تمّت إزاحة الرئيس السابق البشير من السلطة بواسطة الجيش السوداني، الذي أعلن عن سُقُوط نظامه إثر احتجاجات شعبية عمّت أنحاء السودان واعتصمت قرب القيادة العامة للجيش، لم يستمر الاعتصام أياماً قلائل، حتى تسلم الجيش بقيادة الفريق أحمد عوض بن عوف والذي كان وزيراً للدفاع ونائب الرئيس بالحكومة والبرلمان، وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر، تلتها فترة انتقالية مدّتها سنتان، كما تم أيضاً تعليق العمل بالدستور، وفرض حظر التجوال من الساعة 10 مساءً إلى الساعة 4 صباحاً، كما أمرَ بفضّ الاعتصامات الاحتجاجية؛ وتم إطلاق جميع السجناء السياسيين، بمن فيهم قادة الاحتجاج المُناهضين للبشير، لكن تجمُّع المهنيين السودانيين الذي قاد الشارع وكان الأب الشرعي للثورة رفض حينها البيان الانقلابي ودعا المُحتجين لمواصلة اعتصامهم أمام القيادة حتى أعلن الفريق أول أحمد عوض بن عوف تنحِّيه وتنازُله عن رئاسة المجلس العسكري للفريق عبد الفتاح البرهان.

الاعتقالات

كان الحدث الأبرز عَقِبَ سُقُوط الإنقاذ، اعتقال القيادات السياسية، بدايةً بالتحفظ على الرئيس السابق عمر البشير، الذي نُقل إلى سجن كوبر وشقيقيه، ألقت السلطات الجديدة القبض على عددٍ من قيادات حزب المؤتمر الوطني منهم عوض الجاز مساعد البشير، عطا المنان، علي عثمان محمد طه النائب الأول للرئيس سابقاً والرجل الثاني في الحركة الإسلامية، عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع الأسبق ووالي الخرطوم الأسبق، د. إبراهيم أحمد عمر رئيس المجلس الوطني والرئيس السابق لمجلس شورى الحركة الإسلامية، إضَافَةً إلى أحمد هارون ومأمون حمّيدة.

الدعم السريع

لم يخفِ على حصيفٍ، الدور الكبير الذي لعبته قوات الدعم السريع وتحديداً القائد محمد حمدان دقلو “حميدتي”، الذي صعد نجمه كلاعبٍ أساسي في التغيير، وعن مواقفه القوية عندما انحاز للثُّوّار، حتى أنّ خبراءً أشاروا سابقاً إلى أنّ انحياز “حميدتي” للثورة عجّل بسقوط الإنقاذ، ثم كان دور قوات الدعم السريع في تأمين العاصمة طيلة الفترة التي أعقبت سقوط النظام حتى تكوين الحكومة الانتقالية، ورغم الاتهامات التي وُجِّهت لهذه القوات على خلفية فض الاعتصام، إلا أنّ التحقيقات لم تثبت حتى تورُّطها، وأشير بدلاً من ذلك لمليشيات النظام البائد، لتظل بصمة قوات الدعم السريع واضحة في التغيير.

صراع الأدوار

بعد هدوء المشهد السياسي واستلام المجلس العسكري لزمام الأمور، بدأت تدب وسط الأحزاب والتجمُّعات السياسية همهمات، سُرعان ما برزت للعلن، تُعلن عن دورها في الحراك الثوري وتُطالب بمقعدها في طاولة التفاوُض مع المجلس العسكري على السلطة الانتقالية، ونسبةً لأنّ تجمُّع المهنيين كان من التيارات البارزة إبان الاحتجاجات، فقد تكتّلت الأحزاب الشريكة بالثورة مثل حزب الأمة، الشيوعي، الاتحادي الديمقراطي، البعث، الناصري والحركات المُسلّحة، وتمدّد إلى أكثر من ثمانية عشر تياراً سياسياً، لتكوين كيان سُمي بإعلان قِوى الحُرية والتّغيير، الذي صعد حينها بالمشهد السياسي وجلس مُفاوضاً للمجلس العسكري لاستلام إدارة الفترة الانتقالية، وفيما يمضي الوقت، بدأت صراعات بين مُكوِّنات الحُرية والتّغيير نفسها حتى ظهر الحزب الشيوعي بمواقف مُتباينة ورافضة للجلوس مع العسكري للمُشاركة في الحكومة الانتقالية، حتى وصل بها المطاف لعدم اعترافها بالوثيقة الدستورية، ثم بدأت الحُرية والتّغيير نفسها تتململ من العسكري وتُطالبه جهراً بالذهاب إلى ثكناته وتسليم السُّلطة.

تحالُفات

ربما بدأت ملامح جديد تتبلور على الساحة السياسية في السودان، منذ تسلُّم رئيس الوزراء السوداني الجديد د. عبد الله حمدوك منصبه وظهر ذلك بعد إعلان حزب المؤتمر الشعبي مُعارضته الرسمية للحكومة الجديدة، ونادى بإسقاطها، كما انخرطت قِوى سِيَاسِيّة في هذا الاتّجاه بما فيها بعض القِوى التي تحمل السلاح، وظهر الكثير من التحالُفات الجديدة التي جاءت من تكتلات حزبية، لتكون كياناً واحداً ضد مُعارضة الحكومة الانتقالية.

حِرّاك المهدي

ظَلّ الإمام الصادق المهدي منذ سُقُوط النظام السابق وعلى مدار العام يقود حراكاً دؤوباً، ويُقدِّم فواتير النصح لتحالُفه تارة، ويتنبأ بفشل حكومة حمدوك تارةً أخرى، رغم إعلانه المُبكِّر عن زهده في المُشاركة بالحكومة الانتقالية حتى فاجأ حزبه، الساحة السياسية بالدفع بالواثق البرير أميناً عاماً للحزب وخلفاً لسارة نقد الله، إلا أن حزب الأمة لم يقل وهجه من الأحداث، وذلك حينما أبعدت نائب رئيس الحزب د. مريم الصادق المهدي من لجنة التفاوُض مع المجلس العسكري ضمن وفد الحرية والتغيير وتعيين د. إبراهيم الأمين بديلاً.

اتفاق ولكن !

كان توقُّع الوثيقة الدستورية بين قِوى الحُرية والتّغيير والمجلس العسكري الانتقالي في أغسطس، من الأحداث المهمة وأطلق عليها اسم (فرح السودان)، وأنهى الاتّفاق ما يقرب ثمانية أشهر من الاضطرابات وبرز فيها دور الوسيط الإثيوبي آبي أحمد في رأب الصدع بين الطرفين، وبينما أعرب السودانيون عن سعادتهم بهذه الاتفاقية، إلا أنّ القلق ظَلّ يُساروهم، خشيةً من أن يكون مصير هذا الاتفاق، بيد أنّ تكوين الحكومة الانتقالية كان من الأحداث الجِسَام وذلك للصِّراعات السِّياسيَّة التي ظَهَرَت مع بداية تقلُّد حمدوك رئيساً لمجلس الوزراء وشروعه في التمحيص والبحث عن حكومته الانتقالية.

مُناهضة المدنية

تكوين الحكومة الانتقالية وسيطرة التيار اليسارية على الحقائب الوزارية جعل التيارات الإسلامية تتوجّس من مفهوم المدنية، وبدأت تقود تحالُفات لمُناهضة الحكومة الانتقالية، فظهر تحالُف ما يُسمى بتيار نصرة الشريعة بقوة في السطح، وخرج في عدد من الاحتجاجات مُهدِّداً بإسقاط الحكومة الانتقالية، وتأجيج الشارع مجدداً، بإعلان أن الوثيقة الدستورية لم تهتم بالشريعة الإسلامية، في هذه الأثناء بدأ المؤتمر الوطني ينهض مجدداً ويعيد ترميم نفسه، ويُجاهر بعمله السياسي ويُعيِّن رئيساً جديداً للحزب بقيادة غندور.

حل المؤتمر الوطني

لكن الرياح لا تأتي عادةً بما تشتهي السفن، حينما صدر قرار بـ”تفكيك نظام الإنقاذ” ويقضي بحل حزب المؤتمر الوطني ومُصادرة أمواله، وتعليق النشاط السياسي لرموزه.

ترافق إقرار هذا القانون مع قانون إلغاء قانون النظام العام، الذي كان يحد كثيراً من حُريات النساء في مجالات التنقُّل والتجمُّع والعمل والدراسة والحياة الاجتماعية، وينص على استخدام عُقُوبة الجلد بحق المُخالفات منهن.

الإسلاميون في مُواجهة انقلاب 1989

صدار أوامر قبض في مُواجهة الإسلاميين الشركاء في انقلاب 1989م، وصدر أمر قبض في مُواجهة قيادة انقلاب الإنقاذ العسكريين والأحياء من المدنيين، واعتقل كل من الأمين العام للمؤتمر الشعبي علي الحاج محمد وإبراهيم السنوسي بتهمة الانقلاب على الشرعية وتقويض النظام الدستوري عام 1989م.

الحكم على البشير

كَانَ صُدُور الحكم على الرئيس المخلوع عمر حسن البشير من الأحداث التي ظلّت تجد الاهتمام والمُتابعة من قِبل الشعب السوداني منذ اتهامه في يونيو، وظلت المحاكم تنعقد بصورة دورية حتى صدر  مؤخراً الحكم عليه بالسجن لمدة عامين ومُصادرة أمواله بالعملة الأجنبية، وذلك بعد إدانته بتُهمة الفساد المالي والثراء الحرام.. ثم كان من الأحداث التي شغلت الرأي العام هروب زوجة الرئيس السابق وداد بابكر إلى جنوب السودان، وظَلّ الثُّوّار ينادون بتقديمها الفوري للعدالة قبل القبض عليها مُؤخّراً بتُهمة الفساد والثراء الحرام.

تفاوُض الحركات

من أبرز الأحداث التي شهدها العام 2019م، جلوس بعض الحركات التي ظلّت تقاطع طاولات الحكومة السودانية في عهد الإنقاذ، وبروزها كفصائل داعمة للسلام عقب سُقُوطه، وَلَعَلّ الحكومة الانتقالية بالسودان منذ توليها السُّلطة والمجلس العسكري من قبل، دخلا في مُفاوضات مع الحركات المسلحة التي ظلّت تُقاتل الحكومة لسنواتٍ في أكثر من محور جنوباً وغرباً، بيد أنّ خطوة الحكومة الانتقالية جاءت استجابةً لمطلب السلام الذي كان من بين مطالب الحِرَاك الشّعبي، وكان بنداً مهماً بالوثيقة الدستورية حتى وصلت مُؤخّراً إلى محطة جوبا جنوب السودان.

من almooftah

اترك تعليقاً