الشعر والمسرح تقارب في العبور الجمالي (مسرحية كفر ناعوم)
دار الشعر بمراكش ناقشت “مسرحة الشعر من القصيدة إلى المسرحية”، وآراء المتدخلين توقفت عند أسئلة مركزية في مقاربتها لفعل التلقي وأسئلة الكتابة الدرامية في علاقتها بالشعر.
الأربعاء 2018/10/24

يعتبر كتاب أرسطو “فن الشعر” أول الكتب التي قاربت الفن المسرحي، وقد يبدو للبعض أن في الأمر مفارقة، لكن أرسطو انطلق في التأسيس لقواعد جمالية في المسرح الذي كان أشهر كتاب نصوصه ممن استلهموا من نفسهم الشعري مثل أسخيليوس وسوفوكل ويوريبيدس وحتى شكسبير في القرون الوسطى والذي لم يخرج مسرحه بشكل جذري عن المسرح الأرسطي. ويعتبر الشعر الأب الشرعي للمسرح قبل أن يستقل هذا الأخير بنفسه. ولكن تبقى علاقة المسرح بالشعر علاقة جمالية راسخة وضرورية.

مراكش (المغرب) – نظمت “دار الشعر” بمراكش، بتنسيق مع فرقة “دوز تمسرح” بمراكش في إطار التوطين المسرحي لموسم 2018، الخميس 18 أكتوبر الجاري بالمكتبة الوسائطية المركز الثقافي الداوديات، وبحضور لفيف من الطلبة والباحثين والمبدعين، ندوة “مسرحة الشعر: من القصيدة إلى المسرحية”.

وعرفت الندوة مشاركة فعلية لكل من الشاعر والإعلامي ياسين عدنان، والناقدة الدكتورة زهرة إبراهيم، والفنان والمخرج أيوب العياسي. وتوقفت المداخلات عند محاولات لاستقصاء هذا الحوار والعبور الجمالي والإبداعي للشعر إلى عوالم فنية، وخصوصا المسرح.

روح الشعر

انفتحت الندوة على أسئلة راهنية اليوم، في محاولة لتملس هذا العبور الإبداعي والجمالي، انتهاء بمحاولة قراءة “مسرحة الشعر” في جوانبها الدراماتورجية والنقدية.

وتوقفت آراء المتدخلين عند أسئلة مركزية، في مقاربتها لفعل التلقي، وأسئلة الكتابة الدرامية في علاقتها بالشعر، انتهاء بالكتابة الثانية الركحية، والتي تسعى لفعل تحقق مسرحي لعوالم شعرية منفتحة على التجريب. هذا الأخير الذي يطرح، هو نفسه، سؤالا آخر يتمثل في قدرة المسرح على تمثل روح الشعر وعوالمه، للعبور إلى “فعل مسرحي” بقوة بصرية.

هناك قدرة كبيرة للمسرح على تمثل روح الشعر وعوالمه، كما للشعر أحيانا قدرة على إعطاء ملمح نص درامي

وقدم الشاعر ياسين عدنان، من خلال شهادة عميقة، رؤية من الداخل من خلال العودة للحظتين أساسيتين، ولاشتغال نصي لقصائده ومسرحتها.

وذكر عدنان عمل الفنانة لطيفة أحرار في مسرحية “كفر ناعوم” والعرض المسرحي “العابر” للمخرج أيوب العياسي، وكلاهما انشغل بالنص الشعري، ونقله إلى المسرح بحوافز ورؤية ذاتية مختلفة.

وسرد الشاعر عدنان لحظة ميلاد مسرحية “كفر ناعوم”، والتي استجاب من خلالها النص الشعري للبعض من انشغالات الفنانة حينها. فيما اختار المخرج أيوب العياسي مقاطع شعرية من “العابر” كي يحقق فعل التمسرح، بوعي “سينمائي” ودراماتورجي خاص.

تحدث المخرج أيوب العياسي، الشاعر والمسرحي والسينمائي، عن لحظات اختياره لنص العابر، ومن زاوية تقنية، اتجه إلى اعتباره نصا بأصوات متعددة، وهو ما استجاب لرؤيته المسرحية.

ومن هذه الزاوية، عاد المخرج إلى سرد تفاصيل انتقال النص الشعري إلى التحقق المسرحي، منوها بقدرة الشعر أحيانا على إعطاء ملمح نص درامي، حواري يمكن من الانتقال إلى التحقق المسرحي.

وصاحب “مسرحية “شظايا” سبق له أن خلق تراكمات مسرحية، عبر اشتغاله على نصوص الشاعر إدريس الملياني، وشعراء آخرين، كما سبق له أن نقل نص صلاح الوديع العريس إلى المسرح. ويعتبر أن الرهان على النص الشعري، ومسرحته، جزء من رهان جمالي خاص.

شحنة بصرية

 

تفاصيل انتقال النص الشعري إلى التحقق المسرحي
تفاصيل انتقال النص الشعري إلى التحقق المسرحي

 

أما الناقدة الدكتورة زهرة إبراهيم فقد قدمت ورقة وسمتها بـ”مسرحة القصيد حنين إلى جينيالوجيا الفعل الجمالي”، متوقفة عند شروط الاستحالة وممكنات التفاعل، منطلقة من أسئلة منهجية من قبيل: عم يبحث المسرح المعاصر في القصيدة؟ وهل نضب معين الكتابة المسرحية النثرية لنبحث عن فرشات درامية أو ما بعد درامية في القصيدة؟ وكيف نحترز من مسرحة القصيدة لأنها غواية مسالك شائكة غير مأمونة العواقب؟ وهل كل قصيدة قابلة لتصير منجزا ركحيا؟

وتعتبر الباحثة أن تفكيك العالم الغنائي وإعادة صياغة العالم الدرامي يتطلبان متدخلين ومخططات، من قبيل الشاعر والدراماتورج والمخرج والممثل.. ولكي نحمي القصيدة الممسرحة، تشير الباحثة إلى ضرورة تأسيس من الهوية الإبداعية للقصيدة الممسرحة قاعدة جمالية في شاعرية المسرح المعاصر.

وحاولت الندوة الاقتراب من هذا التلاقح بين جنسين ظلا مرتبطين منذ القدم. ورغم تباين سماتهما العامة وسياقات تداولهما، إلا أنهما قادران على التناغم في اتجاه خلق فاعلية إبداعية خصبة، وإعطاء المسرح تلك الشحنة البصرية والجمالية، والمؤثرة في فعل التلقي.

من almooftah

اترك تعليقاً