Image result for ‫الفنان التشكيلي المصري ابراهيم العطار ‬‎            10105682691530703674

قرن من التشكيل المصري

  القاهرة ــ ابراهيم فرغلي:

يرتبط مصطلح ‘الفن المصري الحديث’ بحركة الفن التشكيلي المصري التي ظهرت بشائرها في بدايات القرن الماضي على يد رواد أمثال (محمود سعيد ومحمد ناجي ومختار وراغب عياد) وغيرهم ممن تتلمذوا على يد الفنانين الاجانب·
ورغم مرور نحو قرن على نشأة حركة الفن التشكيلي الحديث في مصر لم يصدر حتى الآن توثيق كامل لهذه الحركة باستثناء كتابات مجموعة من المؤرخين المهتمين أهمهم: مختار العطار وصبحي الشاروني، بالاضافة الى جهد المفكر والناقد الراحل بدر الدين ابوغازي وبعض اسهامات الفنان عز الدين نجيب والناقد سمير غريب· وبعض الكتابات عن هؤلاء الفنانين، وخاصة الرواد، ووصولا إلى الجيل الثالث ممثلا في (حامد ندا وعبدالهادي الجزار) وغيرهما، ثم الجيل الرابع الذي يمثله فنانون مثل فاروق حسني واحمد فؤاد سليم وعادل السيوي وغيرهم·
من هنا تأتي الأهمية الكبيرة للكتاب الصادر حديثا بالانجليزية عن دار نشر الجامعة الاميركية بالقاهرة بعنوان ‘الفن المصري الحديث’ من تأليف ليليان كارنوك·
الكتاب يعد دراسة وافية وموثقة للفن المصري الحديث منذ عام 1910 حتى عام ،2003 ولم تكتف المؤلفة بالفنانين حتى الجيل الرابع بل وصلت الى الجيل الخامس اي جيل الشباب واغلبهم من مواليد ستينيات وسبعينيات القرن الماضي·
ومؤلفة الكتاب فنانة حصلت على اجازتها الجامعية في الفنون والاتصالات من الجامعة البريطانية بكولومبيا، وهي كندية ولدت في مصر وتعيش الآن في كندا وحققت نجاحا كبيرا في عملها كفنانة تشكيلية·
تقسم الكاتبة مراحل الحركة التشكيلية المصرية الى ثلاث مراحل: الاولى مرحلة ما قبل ثورة 1952 ، والثانية من الثورة حتى الثمانينيات، والثالثة من التسعينيات التي شهدت الكثير من الجدل بسبب دخول الوان جديدة من الاعمال الفنية مثل الاعمال التركيبية التي شجعها ‘صالون الشباب’ او اشكال فنية اهتم بها الشباب مثل التصوير الفوتوغرافي والفيديو آرت·
مفتاح الفن
وتقول: ‘ان جيل الرواد كان يعاني قضية استمر الجدل حولها طويلا وهي كيفية استخدام فن مستورد بقواعده واصوله من الغرب ثم انتاج منتج فني يعبر عن الهوية والذات· وترى في تعبير الفنان ثروت البحر عن هذه الاشكالية نموذجا للقضية، حيث يقول: لا حاجة للقول انني لست وحدي الذي مر بهذه الخبرة التي أرغب في التعبير عنها، لكني فقط أضيف خبرة إسهامي كفنان يشعر ان طريقه يمتد في عالم له ثلاثة ابعاد: الفرعوني والعربي والعالمي والذي يتنفس الهواء من هذه الرئات الثلاث· وفي البداية، حاولت عبثا ان أتتبع ايقاعهم في آن واحد ثم أدركت ان كلا منهم له طريقته الخاصة في التنفس والضحك والبكاء، فقررت ان اتنفس وفقا لطبيعتي الخاصة وأن أعبر عن نفسي بإيقاع تنفسي، سعيدا اذا حملني هذا التنفس الى الماضي او المستقبل او سمح لي باستقبال اللحظة الراهنة محملة بالماضي او بالمستقبل’·
وتشير الكاتبة الى أن البحث عن التوازن بين ماض يعد إرثا خاصا وجهود التخلص من أعبائه يمثل مفتاحا للفن الحديث في مصر، وهذا ما يتجسد خلال مرحلة انتقال مصر من العصر الملكي الى العصر الجمهوري بعد ثورة يوليو ·1952
أثر الانفتاح
وترى كارنوك ان التغيرات المتلاحقة السريعة التي شهدها المجتمع المصري بين فترة الثورة وصولا الى حرب 1973 وما تلاها من انفتاح اقتصادي أثرت على الحركة الفنية والاوضاع الثقافية بشكل عام·
وتقول: ‘بسبب المتغيرات العديدة التي تمت في تلك الفترة الزمنية القصيرة، ركزت على اختيار مجموعة من التقاليد والصدمات التي احدثتها مؤسسة قوامها مثقفون وفنانون وموظفون أداروا الحركة الفنية في مصر خلال مرحلتين سياسيتين فارقتين هما مرحلة الثورة، ومرحلة الانتفاح بعد حرب اكتوبر ·’1973
وتضيف: ان الثقافة ‘المؤسسة’ ليست ظاهرة جديدة في تاريخ الفن المصري فبالنظر الى ان مصر هي أقدم أمة في التاريخ فإن ذلك قد تحقق بفضل إدارة اقتصادية مركزية، وفق نظام هرمي عرف بأنه النموذج الاول لكل نظم البيروقراطية الادارية التي عرفها العالم لاحقا، وقد ظل هذا النظام يلعب دورا اساسيا في نمط الحياة والتقاليد الفنية على مدى آلاف السنين·
وأوضحت ان المؤسسة الثقافية المسؤولة عن الفنون عانت هذا التناقض الكبير بين الظروف الطبيعية غير الخاضعة للقوانين والمفترضة في اداء الفنان بشكل عام ودوره الوظيفي في المؤسسة الثقافية والفنية بشكل خاص، وهو التناقض بين الحس الفطري اللازم لأداء الفنون والبناء الاداري الخاضع لقواعد هذا البناء او ما يسمى البيروقراطية·وترى ان تأثير ذلك بشكل عام هو ربط ما يحدث في الحركة الفنية بما تخطط له الادارة البيروقراطية، وهذا ما جعل الكثير من الفنانين يرون ان السبيل لتحقيق اهدافهم الفنية هو الوصول الى قمة الهرم!
روافد أخرى
وتلفت الانتباه الى روافد اخرى للحركة الفنية في مصر قوامها الفن الشعبي الذي أنتجه أهل سيناء والنوبة وسيوة، بالاضافة الى الفنانين الاجانب من الارمن واليونانيين والايطاليين والفرنسيين واليهود المصريين والشوام الذين عاشوا في مصر لسنوات طويلة وتأثروا بها، وظهر ذلك في أعمالهم الفنية وظلت هويتهم مشتتة بين البلاد التي ينتمون اليها والبلد الذي عاشوا فيه·وتقول ان عام 1921 شهد تأسيس جماعة الفنون الجميلة في مصر، وفي 1923 تأسست جماعة أصدقاء الفنون ثم تأسست في عام 1927 جماعة أطلقت على نفسها اسم’ فمْمٍىوك فٌ وهي الجماعة التي قادها الفنان محمود مختار وضمت مجموعة اخرى من الفنانين الاجانب والمصريين منهم (محمود سعيد وراغب عياد ومحمود ناجي)، وأقامت اول معارضها في العام نفسه وحضرته مجموعة كبيرة من الصحفيين والكتاب الذين كانوا ينتمون الى جماعة أصدقاء الفنون تحت إشراف الدكتور محمد حسين هيكل المسؤول عن تحرير صحيفة ‘السياسة’·وأوضحت ان الحركة الفنية في تلك المرحلة التزمت بقواعد الحركة الحداثية والليبرالية التي سادت مصر آنذاك ونادت بحرية الفكر وتحرر المرأة وغيرها·وتتوقف عند اربعة من الفنانين المصريين الرواد لتستعرض اعمالهم الفنية ومسيرتهم منذ بدايتهم وهم: المثال محمود مختار والفنانون محمود سعيد ومحمد ناجي وراغب عياد·
الجيل الثاني والسوريالية
وتتناول في فصل تال الجيل الثاني من رواد الحركة التشكيلية الذين عاصروا مرحلة الحرب العالمية الثانية وما شهده العالم من تغيرات تأثروا بها بشدة وأسسوا ‘جماعة الفن والحرية’ وأنتجوا أغزر انتاج الحركة الفنية المصرية في مجال السوريالية التي كانت قد شاعت في العالم آنذاك، ومنهم: كامل التلمساني ورمسيس يونان ويوسف كمال وفؤاد كامل وانضم لها بعض رواد الجيل الاول ايضا مثل محمود سعيد· ولهذا شاعت الاعمال السوريالية لدى هذا الجيل ولكنها كانت في اطار حركة ثقافية شاملة، فقد تضامن بعض الكتاب والشعراء مع الحركة ومنهم رائد الشعر السوريالي جورج حنين، كما كان كمال الملاخ احد سبعة وثلاثين شخصا وقعوا بيان تأسيس ‘جماعة الفن والحرية’· ومن بين المقولات التي رددتها جماعة الفن والحرية انذاك: ‘من الشائع القول ان الفن الحديث اصبح عالميا على اعتبار ان الغزو العسكري يصحبه غزو ثقافي للدول المستعمرة بهدف تدمير تقاليدها وفنونها، ومع ذلك فعلينا ان ندرك ان الفن الاوروبي الحديث هو نفسه كان قد تأثر بالفنون الآسيوية والافريقية قبل ان يتأثر اي فنان شرقي او افريقي بالفن الاوروبي، وبالتالي فالغزو الثقافي ليس هو القضية وانما القضية هي طبيعة التلقي والاستجابة الثقافية والتي يتم التعبير عنها في كسر الاطر الخاصة بالتقاليد الوطنية في إطار ميراث الثقافة الدولي’·
الجيل الثالث رفض الأيديولوجيا وطلق الجدل
في رصدها للملامح العامة للجيل الثالث من الفنانين تتوقف عند نموذجين وهما عبد الهادي الجزار ’25-‘1965 وحامد ندا ‘1924-·’1990
وترى المؤلفة ان هذا الجيل على خلاف الجيل الأسبق لم يكن طرفا في اي جدل إيديولوجي او سياسي اي انهم لم ينشغلوا بالتنظير لأفكار سياسية او ايديولوجية ومحاولة تطبيقها فنيا، وإنما كانوا مشغولين بالعلاقة بين الفن والجمهور، اي على مستوى التلقي، كما أنهم على مستوى أعمالهم لجأوا للشعب وبحثوا عن المصادر ذات الصلة بكل ما هو مصري ليس في الطبيعة وإنما بالبحث عن السلوكيات الشعبية التي تعكس الاوضاع الاجتماعية ومظاهر الفقر والمرض ومشاعر الخوف واسبابها والبحث عن روابط لهذه المشاعر من التراث الشعبي والفولكلور·
وتتوقف كارنوك في كتابها عند الفنان عبدالهادي الجزار، وتشير الى تطوره الفني متأثرا بمدرسة الشارع ‘وتعني بها ملاحظاته الشخصية من الناس في شوارع وأزقة ‘حي السيدة زينب’ الذي انتقل ليعيش به مع اهله خلال صباه وشبابه، وتلقي الضوء على مرحلة تأثر فيها بالتقنيات والتكنولوجيا الغربية وهو ما أثر على أعمال قليلة له منها لوحته الشهيرة المعروفة باسم ‘السد العالي’، لكن في المرحلة الاخيرة من حياته اهتم برصد التاريخ الفرعوني وأساطيره وخاصة تصوير العلاقة بين الموت والحياة·
أما الفنان حامد ندا تأثر في بداياته مثل الكثيرين من رموز الفن والثقافة من جيل الستينيات في مصر بالواقعية الاشتراكية، حيث صور ملامح الاجواء الدينية الشعبية مثل الدراويش ومع مرور الوقت واهتمامه بدراسة علم النفس بدأ يبرر العناصر الداخلية والنفسية وانعكاساتها الظاهرية في اللوحات، وقطع شوطا كبيرا في وقت قياسي مما حقق له في عام 1954 فرصة أن يكون واحدا من تسعة فنانين مصريين عرضت أعمالهم في باريس·
فنانو الثورة
وتخصص الكاتبة فصلاً من كتابها للفنانين الذين ارتبطت أسماؤهم بفترة الثورة، وتتوقف عند بعض أبرز رموز هذه الفترة ممن تسنى لها الحصول على أعمالهم وتوثيقها للاستفادة بها في الكتاب ومنهم: انجي افلاطون وحامد عبدالله وتحية حليم، وحامد عويس وجمال السجيني الذي تميز بمجموعة من التماثيل البديعة، وجاذبية سري التي اهتمت في أعمالها بمجتمع الريف والأجواء الشعبية واستفادت من المدرسة التأثيرية في الكثير من هذه الأعمال، ويوسف سيدا ومحمد هجرسي وصلاح عبدالكريم الذي برع في النحت، خاصة في أعمال النحت باللحام لعمله على خامات معدنية أخذت تصميمات ذات طابع حداثي·
وتتناول الكاتبة بعض الأعمال التي خضعت لمدارس شديدة الحداثة في أوروبا وعرفت بالعبث وهي تعتمد على التجريد ومن بين هذه الأعمال بعض لوحات الفنان صلاح طاهر ”1911 الذي انتهج هذا الأسلوب بعد رحلة الى الولايات المتحدة في أواخر الخمسينات، واعتمد في هذه الأعمال على تكثيف مشاعره الداخلية العميقة ومحاولة ابرازها على اللوحة، وترى أن هذه الظاهرة التي تتناقض مع واقع الستينات قد تكون هروبا من الواقعية الاشتراكية والمناخ الأيديولوجي الذي ساد آنذاك والذي لعبت خلاله المؤسسة الثقافية -كالعادة- دورا في ترسيخ هذا الاتجاه ومحاولة توجيه الحركة الفنية في اتجاه تصوير انجازات الثورة، كما قد تكون نوعا من الاستجابة لتيار عالمي انطلق من أميركا وأثر في الكثير من الفنانين·
ومن المصريين الذين تأثروا بهذا التيار وأنجزوا فيه أعمالا عديدة الفنان منير كنعان وصالح رضا وسعيد العدوي، وكمال خليفة، وصبحي جرجس في فنون النحت الحديث·
فرادة السيوي
ومن التجارب الخاصة التي تتوقف عندها في الجيل الرابع من الفنانين المصريين تجارب صلاح عناني ورضا عبدالسلام وعادل السيوي ومحمد عبلة رغم التباين في تجربة كل منهم، فبينما يلتزم صلاح العناني بالأسلوب التعبيري الذي اشتهر به عبر مجموعة لوحات رسم فيها أجواء روايات نجيب محفوظ، تتابعت المراحل الفنية التي مر بها رضا عبد السلام باعتباره نموذجا لفناني جيل السبعينات حيث حاول التمرد على سابقيه·
لكنها تتوقف أمام الفنان عادل السيوي بوصفه صاحب تجربة فريدة على المستوى الفني ومستوى الفنان الذي قرر الافلات من نفس ‘المؤسسة’ الذي تسيطر على الحركة التشكيلية وأن يصبح فنانا مستقلا حرا تماما لا يعتمد الا على فنه، متمردا على كل أشكال الارتباط بالمؤسسة أو من ينتمي لها· وهو ما فعله منذ قرر التخلي عن دراسة الطب التي قطع بها شوطا طويلا والسفر الى ايطاليا للتعرف على مدارس الفن الحديثة، وتتوقف عند مراحله الفنية الأولى التي قدم فيها لمسات حداثية بدا فيها تأثره بالفنون العالمية وصولا الى مرحلة الوجوه التي اشتهر بها وأقام للوحاته حول الموضوع عدة معارض أثارت اهتماما كبيرا في العالم العربي·
وتصل الى جيل التسعينات حيث تتأمل اللمسات الحديثة في الأعمال التركيبية واللوحات الزيتية كما تتأمل دخول بعض الفنون الحديثة مثل الفيديو آرت واللمسات الحداثية التي طالت فنونا عريقة مثل النحت أو التصوير الفوتوغرافي كما في اعمال يوسف نبيل وهالة القوصي ونيرمين همام وحسن فان الذي عرف بأعماله في مجال الفيديو آرت في محاولة لدمج تقاليد السيناريو بتقاليد حركة الصوت والفن التشكيلي·

من almooftah

اترك تعليقاً