شكلت وجه الماضي في «زايد التراثي»
البر والبحر والواحة.. حكايات من زمن الأجداد

توافد الزوار على فعاليات مهرجان الشيخ زايد التراثي (تصوير وليد أبو حمزة)
تاريخ النشر: الأحد 03 ديسمبر 2017

أشرف جمعة (أبوظبي)

البر والبحر والواحة، بيئات إماراتية شكلت وجه الحياة في الماضي، تطل في مهرجان الشيخ زايد التراثي بثراء مفرداتها وتفاصيلها وأسرارها الغنية بالحكايات لتروي سيرة عطرة مرت في دهاليز الزمان، لكنها لا تزال تكتنز عوالم الموروث الشعبي الأصيل، إذ تستعيد الذاكرة حيوية الحرف الإماراتية في تلك البيئات الزاخرة بالجمال والكفاح عبر ورش حية تفاعلية تغمر الجمهور بتفاصيل الغوص عن اللؤلؤ وحكايات المراكب القديمة إبراز مهارة الحرفيين الاستفادة من النخلة ومدى القدرة على مواصلة تشكيل واحة المنتوجات التقليدية بطريقة يدوية بما يعبر عن لوحة تتناغم فيها ظلال الماضي مع أضواء الحاضر، من 1 ديسمبر حتى 27 يناير المقبل في منطقة الوثبة بأبوظبي.

ويحظى المهرجان برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وبدعم من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومتابعة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة.

سف الخوص

في منطقة الحرف الإماراتية بالمهرجان كانت الحرف التقليدية تكتسي بطابع الموروث والجمهور يتابع بكثافة كل الورش الحية التي يديرها مجموعة من الحرفيين المهرة، وتقول آمنة يوسف النعيمي التي تحفظ الكثير من المعلومات عن حرفة «سف الخوص»: سف الخوص من الأشغال النسوية، حيث ينظف الخوص ويشرخ، وكل كمية من سف الخوص تأخذ لوناً مختلفاً عن الآخر ثم تنقع أعواد الخوص في الماء لتليينها وتسهيل جدلها إذ تجدل النسوة من هذا الخوص جدائل يتم تشكليها مع بعضها بعضاً، ومن ثم تشذب وتقص الزوائد منها لتصبح جاهزة لكي يتم استخدامها في صناعة العديد من الأدوات بطريقة يدوية متقنة، وتشير إلى أن سف الخوص حرفة قديمة تعتمد على نسج خوص النخلة لصناعة بعض الأدوات التقليدية التي كانت موجودة في البيئة الإماراتية قديماً مثل والحصير والسلال والجفير والسرود والمهفة، وهي المروحة اليدوية فضلاً عن أنه تصنع من الخوص أوعية توضع فيها التمور ولها غطاء يسمى المكبة على شكل مخروطي يتم استخدامه لحفظ الطعام.

حياكة الكرخانة

اعتادت الإماراتية في الماضي حياكة ملابسها وملابس الصغار والأسرة بكاملها إذ كانت تستخدم ماكينة خياطة تقليدية. وفي منطقة الحرف الإماراتية كانت هدى محمد تعمل بحيوية من أجل حياكة الملابس بالطرق التقليدية، مبينة أن المرأة الإماراتية درجت في الماضي على أن تخيط ملابس الرجال والأسرة من خلال «الكرخانة» التي اشتهرت في البيئة المحلية قديماً، لافتة إلى أن النساء كن يستخدمن الكرخانة في تفصيل الملابس في البيوت الإماراتية وتطريزها، حيث إن معظم البيوت كانت لديها هذه الآلة وبعض النساء كن يتخذن منها مهنة.

وتوضح أن قياس القماش كان بـ «الذراع والشبر والغتر» فأدوات القياس لم تكن موجودة، ولذا كانت الخياطة تستخدم اليد والذراع في تحديد مقاسات الطول والعرض، وتؤكد أن المهرجان يحتفي بالحرف الإماراتية وهو سر نجاحه نظراً لأن الجمهور ينظر للموروث الشعبي المحلي باهتمام.

كاجوجة تراثية

التلي من الحرف القديمة في الإمارات وتوارثتها الأجيال ولا يزال الكثير من الحرفيين في الدولة يتقنون هذه الحرفة التي تصنع على الكاجوجة، ومن ضمن الحرفيات اللواتي لهن باع طويل في هذا المجال والتي اتخذت لنفسها موقعاً خاصاً وسط الحرفيات في الحي الإماراتي زليخة الهاشمي التي تبين أن خيوط التلي تستخدم منذ القدم في تطريز الملابس، لافتة إلى أنه من أشغال الزينة المعروفة في الإمارات والحصرية في الوقت نفسه، مشيرة إلى أنه عادة يستخدم لتزيين ملابس النساء عند أكمام الثوب ورقبته، وتوضح أنه في أثناء عمل الكاجوجة تستعمل فستة بكرات من خيوط الحرير الصافي والخوص الذي يضفي الأناقة على الملابس النسائية التي تتزين بالتلي ويصبح لها شكل متميز، وترى أن المهرجان علامة فارقة في الحفاظ على ماهية الموروث الشعبي الإماراتي الأصيل والذي يتفاعل مع موروثات شعبية عريقة في هذا الحدث الكبير.

حرفة السدو

على آلة يدوية تشبه النول استخدمتها المرأة الإماراتية قديماً لصناعة النسيج بأشكال هندسية وألوان متعددة، كانت تجلس سعدية الراشدي وتستخدمها لصناعات، وتذكر أن السدو يستخدم في نسج وغزل القطن والصوف كون السدو من أهم الحرف اليدوية الشعبية الإماراتية المشهورة، إذ تستخدم خيوط الصوف الملونة لكي تمنح المنتج طولاً وعرضاً بوساطة «المدرة» لحياكة قطع جاهزة عديدة كالبساط أو الأغطية، وتشير إلى أن السدو من تعتمد على مواد خام من وبر الإبل وشعر الماعز والقطن، وأنه ينسج منه بيوت الشعر في الماضي، وتذكر أن المهرجان يشجع على الحفاظ على الحرف التقليدية التي لها تاريخ عريق في دولة الإمارات.

صناعة السفن

السفن القديمة كانت تؤدي دورها في البحر بمنتهى الدقة، وعن هذه الصناعة يبين علي محمد آل علي أن صناعة مراكب الصيد القديمة ازدهرت في الإمارات لمكانة البحر عند المواطنين، فهي مصدر الرزق والعمل ودليل حركة التنقل في السفر والتجارة، وقد اشتهرت آنذاك مهنة صيد الأسماك، وكذلك الغوص عن واللؤلؤ.

ويبين أن صانع السفن كان يعرف بـ «الجلاف» وصناعتها بـ «الكلفات»، حيث يعمل على تثبيت المسامير والزيت والقار، كما أطلق اسم «الوشار» على عملية بناء تلك السفن وهو لفظ اشتق من كلمة «المنشار» الذي يحمل دلالة على العمل نفسه، ويلفت إلى أنه يستخدم أدوات الماضي البدائية داخل المهرجان، موضحاً أن يستمتع بهذا العمل منذ سنوات طويلة.

خيوط الغزل

ويذكر أحمد محمد الحمادي الذي يعمل منذ سنوات طويلة في صناعة «الليخ»، أنه يصنع من خيوط الغزل بحيث توضع بعض «الكرب» التي هي عبارة عن قطع صغيرة من عصي النخيل بحجم اليد وتربط في الشباك وتكون المسافة بين الكربة الأولى والثانية متراً ونصف المتر، ويشير إلى أنه لكي يكون «الليخ» مستقيماً تحت قاع البحر توضع مجموعة من الصخور وتشبك «الليخ» بالحبال وتكون المسافة بين الصخرة الولي والثانية ثلاثة أمتار وطول «الليخ» كاملاً يصل إلى مائتي متر، ويبين الحمادي أن هذه المهنة تحتاج إلى مهارات خاصة واختلاط بأهل البحر وأنه يعمل في البحر، ويشير إلى أن المهرجان أعطى فرصة كبيرة للزوار للتعرف إلى الكثير من مفردات الموروث الشعبي الإماراتي الأصيل.

قراقير البحر

وينظر سالم علي الحوسني إلى صناعة القراقير على أنها حرفة أهل البحر، مشيراً إلى أن القراقير عبارة عن أقفاص حديدية تصنع يدوياً ولها مدخل لمنع السمك من الهروب وتتنوع «القراقير» في الحجم بين كبير ومتوسط وصغير ويستغرق العمل في صناعة «القرقور» في المتوسط من يوم إلى يومين ويصل طول القرقور الواحد إلى نحو ربع المتر وعند إنزال القرقور إلى قاع البحر يربط بحبل قوي ليمكن الصياد من جذبه ورفعه من الماء.

ويؤكد الحوسني أن «القرقور» يصنع بطريقة يدوية وأنه الوسيلة الأفضل لصيد الأسماك والقراقير بطبيعتها كروية الشكل أو نصف كروية مصنوعة من الحديد المجلفن أو من جريد النخيل.

شباك الصيد

ويشعر يوسف عبدالرحمن آل بشر بالسعادة لاستمراره في العمل بحرفة صناعة شباك الصيد، مبيناً أن الصيد يكون عبر الشباك التي ترمى في البحر وتعود بالأسماك، ولها طرق تقليدية، موضحاً أن الشباك هي الأداة الأساسية لصيد الأسماك، ولهذا السبب اتخذت صناعته أهمية قصوى لدى الصيادين وسكان الشواطئ الذين اعتمدوا على البحر كمصدر للرزق والغذاء، ورغم تعدد أنواع الشباك بتعدد العقد واختلافها مثل «الهيال»، و«السالية» و«الياروف»، إلا أن صيادي الأسماك حرصوا على إتقان خياطتها بأنفسهم مستخدمين أدوات بسيطة تختصر بلوح خشبي بكرة، عصا خشبية وخيط.

أوراق الحنة

تبين نادية الشامسي أن الحنة الطبيعية لها فوائد صحية كبيرة، وهي لأفضل وقد عرفها الآباء والأجداد واستخدموها، مشيرة إلى أن الحناء هي نوع من الأشجار التي كانت تزرع في البيوت قديماً وكانت أوراقها تسحق حتى يصبح المسحوق ناعماً، ثم تضعه المرأة على شعرها أو يديها أو قدميها ليعطي لوناً أحمر بنيا، وتعد الحناء رمزاً لعناية المرأة الإماراتية وزينتها، وقد استخدمت الحناء في التجميل واستخراج العطور وصنعت منها المرأة مزيجاً بإضافات متنوعة توضع على الشعر لتلونه وتمنحه لمعاناً وحيوية كما استخدمت لتجميل اليدين والقدمين، ويعد التخضيب بالحناء من العادات العربية القديمة والمستحبة في الإمارات سواء في الأعياد والأعراس، والمحنية هي من تقوم بوضع الحناء للأطفال والنساء.

قرض البراقع

عتيجة المنصوري تعمل على تصميم وحياكة البرقع بنسقه القديم، حيث لا تزال الأمهات من سيدات الجيل الماضي يرتدين البرقع القديم من قماش كان يجلب من الهند وهو قماش الشيل وقماش ضوء الجافلة، وهو نسيج من بعض الألوان مثل الأحمر والأصفر والأخضر.

وتشير إلى أن المهرجان احتفى بالحرف التراثية في البيئات الإماراتية القديمة، مبينة أنها تشعر بالسعادة كونها تعرض عبر ورش حية للجيل الحالي كيفية صناعة البرقع القديم.

من almooftah

اترك تعليقاً