259027_Large_20140813100056_11

 

طلعت حرب – مؤسس الاقتصاد المصري الحديث

الكاتب: اسلام عمرو

طلعت_حربلكل مجال في مجالات الحياة العامة في العالم والعلمية أيضاً هناك الكثير من الأشخاص الذين تركوا بصمة قوية في دولهم بل والعالم أيضاً ولمصر باع طويل في هذا الأمر للتاُثير على نطاق الدولة والعالم أيضاً.

مؤخراً هناك مشكلة إقتصادية تعصف بمصر ولها تأثير على الكثير من النواحي من الحياة اليومية للشعب المصري، فلذلك يجب مراجعة الخطوات التي أُتخذت ومعرفة أماكن ومواطن المشاكل التي تواجه الإقتصاد المصري وأيضاً الرجوع إلى الوراء للبحث عن حلول كثيرة. ومن أهم الأشخاص الإقتصاديين والعباقرة الماليين هو “طلعن حرب باشا” الذي يعتبر الأب الروحي للإقتصاد المصري المعاصر في القرن الماضي.

محمد طلعت حسن محمد حرب، اقتصادي مصري وعضوا بمجلس الشيوخ ومؤسس بنك مصر ومجموعة شركاته ولد في 25 نوفمبر 1867 بمنطقة قصر الشوق في حي الجمالية وفي رحاب مسجد الحسين، وكان والده موظفاً بمصلحة السكك الحديدية الحكومية. يعتبر من أعلام الاقتصاد في العصر الحديث في مصر. تخرج من مدرسة الحقوق عام 1889 والتحق للعمل كمترجم بالقسم القضائي “بالدائرة السنية”، الجهة الرسمية لإدارة شؤون وأملاك الخديوي بسبب دقة في العمل ووفائة. ثم أصبح رئيسا لإدارة المحاسبات ثم مديراً لمكتب المنازعات حتى أصبح مديراً لقلم القضايا. و في عام 1905 انتقل ليعمل مديراً لشركة كوم إمبو للغزل بمركزها الرئيسي بالقاهرة .

حفظ طلعت حرب القرآن في طفولته بالكتاب، ثم التحق بمدرسة التوفيقية الثانوية بالقاهرة.والتحق بمدرسة الحقوق الخديوية في أغسطس 1885، وحصل على شهادة مدرسة الحقوق في 1889. ثورة أحمد عرابي الذي واجه بها الخديوي توفيق كان لها التأثير القوي في تعزيز روح الوطنية والإنتماء للوطن والشعور لتنمية ومساعدة الوطن. وقد اتجه طلعت حرب إلى دراسة العلوم الاقتصادية كما عكف على النهل من العلوم والآداب فدرس اللغة الفرنسية وأتقنها وتواصل مع كافة التيارات العلمية والثقافية وامتزج بالكثير من أقطابها.

كان طلعت حرب شخصية شديدة الحيوية والديناميكية ينهض مبكراً ويبدأ العمل في السادسة صباحا ويصدر التعليمات إلى رجاله وظل يعمل لمدة خمس سنوات لمدة 15 ساعة يوميا وبدون مقابل. وقد استفاد طلعت حرب كثيراً عندما ارتبط في بداية حياته بعلاقة وثيقة مع عمر باشا سلطان مما أكسبه الكثير من الخبرات الاقتصادية والإدارية وفي اتصاله بالحركة الوطنية أيام الخديوي عباس حلمي الثاني.

كان طلعت حرب متعدد المواهب. ولولا إخلاصه وتفرغه لدعم ومساندة ثورته الاقتصادية لأصبح واحدا من كبار المفكرين والكتاب العرب حيث بدأ حياته بتأليف الكتب خاصة وهو يمتلك الموهبة والأسلوب الجميل والفكر القوى وقد اشتغل بالصحافة وكانت له آثار صحفية وأدبية بارزة، كما كانت له معاركة الفكرية الكبيرة والمؤثرة حيث خالف اجتهادات قاسم أمين في قضية تحرير المرأة حيث كان طلعت حرب محافظا في أفكاره ويقدس تقاليد الآباء والأجداد مع ميل إلى التجديد والاقتباس من كل ما يفيد وينفع من مخترعات الأوروبيين وأفكارهم، ومن هنا بدأت رحلته مع تنشيط وتأسيس الإقتصاد المصري المعاصر.

 في عام1911  قدم طلعت حرب رؤيته الفكرية واجتهاداته النظرية عن كيفية إحداث ثورته الثقافية وذلك من خلال كتابه “علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك للمصريين”. في عام1912  قدم طلعت حرب كتابه “قناة السويس” وذلك لتفنيد دعاوي إنجلترا وفرنسا لتمديد عقد احتكار القناة لمدة 40 سنة أخرى بعد الـ 99 سنة التي تنتهي في عام1968 ، وقد نجحت حملة طلعت في القضاء على هذا المخطط الاستعماري في مهده.

 بعد أن أعلن طلعت حرب عن فكرته في ضرورة إنشاء بنك للمصريين انعقد المؤتمر الوطني عام 1911  للنظر في مشكلات مصر الاجتماعية وقرر المجتمعون تنفيذ فكرة حرب في إنشاء بنك مصر وقد تعطلت عملية إنشاء البنك بسبب الحرب العالمية الأولى انفجرت ثورة 1919 بقيادة التي تحرك فيها الشعب المصري ضد المستعمر الإنجليزي بسبب نفي سعد زغلول باشا زعيم الأمة وزعيم حسب الوفد. وأثناء الثورة دعا طلعت حرب أبناء مصر إلى الكفاح ضد سيطرة الأجانب الاقتصادية على المقدرات المصرية وتعود فكرة إنشاء بنك مصر وينجح طلعت حرب في إنشاء البنك عام 1920 حيث تم الاحتفال بتأسيسه مساء الجمعة 7 مايو في دار الأوبرا السلطانية المصرية. كان قد تم قبل ذلك عقد تأسيس الشركة بين ثمانية من المائة والستة والعشرون مساهماً جميعهم مصريون، وحرر بصفه عرفيه في 8 مارس سنه 1920 – أي بعد سنة على نشوب الثورة المصرية – ثم سجل في 3 إبريل – أي بعد أقل من شهر وهؤلاء الثمانية هم: أحمد مدحت يكن باشا، يوسف اصلان قطاوي باشا، محمد طلعت بك، عبد العظيم المصري بك، الدكتور فؤاد سلطان، عبد الحميد السيوفي أفندي، إسكندر مسيحة أفندي، عباس بسيوني الخطيب أفندي، ويمثلون الأديان الثلاثة·

 بعد عامين فقط من إنشاء بنك مصر، قام طلعت حرب عام 1922 م بإنشاء أول مطبعة مصرية ليدعم الفكر والأدب ويقوي المقاومة الوطنية حيث كان يؤكد على أهمية أن تكون القراءة بأيدينا وليس بيد الأجنبي. بعد إنشاء المطبعة توالت الشركات المصرية التي ينشئها البنك مثل شركة مصر للنقل البري التي قامت بشراء أول حافلات لنقل الركاب، كما قامت الشركة بشراء الشاحنات الكبيرة لنقل البضائع من الموانئ كما أنشأ البنك شركة مصر للنقل النهري ثم شركة مصر للغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية واستقدم طلعت حرب خبراء هذه الصناعة من بلجيكا وأرسل بعثات العمال والفنيين للتدريب في الخارج. كما أقام مصنعا لحلج القطن ببني سويف، وأنشأ البنك مخازن (شون) لجمع القطن في كل محافظات مصر.

 تواصلت عطاءات طلعت حرب فأنشأ شركات مصر للملاحة البحرية، ومصر لأعمال الاسمنت المسلح، ومصر للصباغة، ومصر للمناجم والمحاجر، ومصر لتجارة وتصنيع الزيوت، ومصر للمستحضرات الطبية، ومصر للألبان والتغذية، ومصر للكيمياويات، ومصر للفنادق، ومصر للتأمين، كما أنشأ طلعت حرب شركة بيع المصنوعات المصرية لتنافس الشركات الأجنبية بنزايون – صيدناوي وغيرهم. صدر في 27 مايو 1932 مرسوم ملكي بإنشاء شركة مصر للطيران كأول شركة طيران في الشرق الأوسط، وقد بدأت الشركة بطائرتين. وكان أول خط من القاهرة إلى محافظة الأسكندرية ثم إلى محافظة مرسى مطروح، وكان الخط الثاني من القاهرة إلى أسوان. في عام 1934، بدأ أول خط خارجي للشركة من القاهرة إلى القدس.

 كان طلعت حرب يؤمن بأن تجديد الاقتصاد في مصر في بلد زراعي متخلف لن يتم إلا إذا ازدهرت الثقافة واستنارت العقول بالأفكار الجديدة والثقافة الرفيعة، وكان يؤمن أيضا بأن الثقافة استثمار كبير. لذلك في عام 1930 أنشأ شركة ترقية التمثيل العربي وأقام لها مسرح الأزبكية الذي سمي المسرح القومي بعد ذلك.

الثقافة التي تمتع بها طلعت حرب وحبه لها كانت الحافز الأساسي إلى التفكير في انشاء ستديو مصري، في عام 1925 أنشأ شركة مصر للتمثيل والسينما “ستديو مصر”، ووضع حجر الأساس للبناء في 7 مارس عام 1934، وفي الثاني عشر من أكتوبر عام 1935 أي منذ ستين عاما تم افتتاحه في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة.

 في عام 1933 انطلقت أول بعثة سينمائية إلى الخارج وتتكون من أربعة أفراد هم: “أحمد بدرخان و موريس كساب” لدراسة الإخراج في مدينة بارسي عاصمة فارنسا، و”محمد عبدالعظيم” لدراسة التصوير في برلين، وتبعهم “حسن مراد” لدراسة فنون إعداد الجرائد السينمائية في فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وانضم إليهم بعد ذلك المصريون الذين يدرسون السينما بالخارج على نفقتهم الخاصة ومنهم المخرجين نيازي مصطفى ومصطفى والي، وقد عين الممثل المعروف في ذلك الوقت “أحمد سالم” أول مدير للاستديو. بدأ ستديو مصر بإنتاج أول أفلامه بقصة مصرية هي “وداد” بطولة أم كلثوم وأحمد علام، واخراج الألماني “فريتز كرامب”، وقد مثل الفيلم مصر لأول مرة في مهرجان فينيسيا الدولي (1936). وكان من الرؤساء الفخريين للنادي الأهلي المصري الذي أُنشئ عام 1907 على يد سعد زغلول باشا.

 رحل عن عالمنا الرجل الاقتصادي الوطني الكبير الذي حفر إسمه من نور إلى الأبد في 13 أغسطس 1941.

من almooftah

اترك تعليقاً