غياب القاعدة الجماهيرية أبرز العقبات
نقاشات حول دور المهرجانات في أيام الشارقة المسرحية
الشارقة غيث خوري:

ضمن فعاليات الملتقى الفكري المصاحب لأيام الشارقة المسرحية، عقدت صباح أمس في فندق الهوليداي إنترناشيونال، ندوة بعنوان «مهرجانات المسرح العربي في أفق عقدها الخامس.. أي دور وأي حضور؟»، شارك فيها المسرحيون: عبدالله ملك «البحرين»، ناصر عبدالمنعم «مصر»، فاضل سوداني «العراق»، كامل الباشا «فلسطين»، محمد الضمور «الأردن»، وأدارها سعيد السيابي من سلطنة عُمان.
تناولت الندوة دور ظاهرة المهرجانات المسرحية في الوطن العربي، وحضورها وتأثيرها في الحراك المسرحي العربي، وما هو واقعها اليوم بعد مرور خمسة عقود على انطلاقتها.
رصد عبد المنعم ظاهرة المهرجانات المسرحية من حيث استمراريتها، حيث يمكن تصنيفها بشكل عام، إلى مهرجانات تحمل صفة الاستقرار سنوات طويلة، التي لم تتأثر بمجموع العوامل الاقتصادية والسياسية في الوطن العربي، مثل مهرجان قرطاج، ومهرجان بياجير في الجزائر، ومهرجان المسرح الحر في الأردن، والمهرجان الأكاديمي في الكويت، ومهرجانات متعثرة وغير منتظمة بفعل العوامل السياسية والاقتصادية، بحيث تتوقف حيناً وتعود، تبعاً للظروف المحيطة، وبعد أن تتعامل مع المعوقات التي تسببت بتوقفها، وأخيراً مهرجانات تظهر لدورة واحدة أو دورتين ثم تختفي تماماً، لأن استمرارها غالباً ما يكون مرهوناً بالدعم الحكومي أو الخاص.

وأضاف أن غياب قاعدة بيانات واضحة وخريطة لهذه المهرجانات، يجعل امتلاك نظرة شاملة وعميقة لواقع المسرح أمراً صعباً، ولكن يمكن أن نأخذ المهرجانات المستقرة وشبه المستقرة لنتحدث عنها، وفي هذا الصدد تنشأ مجموعة من التساؤلات، أولاً ما علاقة هذه المهرجانات بمدنها ومحيطها السكاني، وهل تنجح في اجتذابهم لعروض المهرجان لتجذر صلة المسرح بالمدينة وأهلها، أم أنها تظل ملتقى للمسرحيين العرب في فضاء ضيق؟ فكثيراً ما يصبح ضيوف المهرجان هم المشاركين والمتحدثين والحضور من دون خلق صلة مع المدينة التي تحتضن المهرجان جغرافياً، وتبتعد عنه ثقافياً واجتماعياً.
من جانبه، أكد فاضل سوداني ضرورة المكاشفة الصريحة حتى تتخلص المهرجانات من الملل والضجر الذي يحيط بها، متسائلاً هل هذه المهرجانات تحمل أي فائدة؟ وما دورها وتأثيرها في الفنان والجمهور؟ ومن الذي يتحمل مسؤولية عقود من المهرجانات التي تقام في مختلف الأقطار العربية، من دون فائدة؟
ويجيب أن غياب الجمهور عن حضور هذه المهرجانات يعود لأسباب متعددة، أهمها أن الضيوف يحضرون بالمئات فكيف سيجد الجمهور مكاناً لمشاهدة العروض، إضافة إلى أن الندوات التي تقام، مكررة تعاد فيها الأسئلة المواضيع نفسها، وبدل أن تخلق هذه المهرجانات تقاليد توعية جيدة وتأثيراً عميقاً، خلقت تقاليد مجاملة للمؤسسة والمنظمين، الأمر الذي أدى إلى غياب تشخيص الأسباب الحقيقية لضعف هذه الظاهرة المسرحية في هذا البلد أو ذاك، كما تتحمل المؤسسة الثقافية قسطاً كبيراً من المشكلة، مع غياب التقاليد الديمقراطية عنها، وعدم تقبلها الطروحات المسرحية الجريئة والعميقة.
وطرح مجموعة من الحلول التي تسهم في إنعاش المهرجانات وتقدمها، بدءاً بإيجاد الفنانين والنقاد المسرحيين الذين يمتلكون الرؤى البصرية الحقيقية، والذين يمتلكون العقل النقدي والأدوات النقدية التي تستطيع أن تؤشر على الأخطاء وترسم مستقبل المسرح. كما أن على المهرجانات أن تقبل بظاهرة التجريب والحداثة، ولا تنفر منها لأن التجريب هو محرك الخيال والدافع نحو عوالم لم تكتشف بعد. إضافة إلى دعوة الأساتذة المختصين للكتابة عن العروض وعدم الاكتفاء بالمقالات والتغطيات الصحفية العابرة والسريعة التي تناقش سطح الظاهرة ولا تحللها بعمق.
أما كامل باشا، فأكد أن الفن أياً كان شكله (مسرحاً أو سينما أو موسيقى) يجب أن يتحول إلى صناعة، تقدم منتجاً له ثمن، وتخضع لسوق المنافسة الحرة، وهذا الأمر لا يعني أن تصل إلى مستوى الإسفاف، فالأغنية السخيفة موجودة، والمسرح السطحي موجود على كل الأحوال، وما لم يتحول العمل الفني إلى منتج له ثمن، سوف نبقى عند السؤال المطروح نفسه: ما هي أهمية المهرجانات، وكيف نأتي بالجمهور إلى المهرجانات؟ لسبب بسيط أن العائد المادي للعمل المسرحي هو مصدر الدخل الأساسي للفنان، ومن دون توفره لا يمكن الحديث عن تطور المسرح وتقدمه، وقدراته على التواصل مع الناس.
وقال باشا: ليس دور الفنان المسرحي، أياً كان موقعه، أن ينشغل بالأمور التقنية والإدارية لإقامة العمل أو المهرجان، فمهمته الأولى والأخيرة هي إنتاج العمل المسرحي، وما تبقى من تسويق وتوثيق وبحث وإعداد للمشاركات الخارجية فهذه مسؤولية مراكز الأبحاث المتخصصة والهيئات الإدارية المختلفة.
وقال عبدالله ملك، إن مشاركات فرقنا المسرحية في الوقت الحالي ضمن المهرجانات، غالباً ما تهدف إلى حصد الجوائز أو استعراض القدرات الفنية، ولكن عندما شاركنا في مهرجان دمشق في مطلع السبعينات كان الهدف تعريف الجمهور في سوريا بثقافة وتاريخ ووعي وهموم الشارع الخليجي من خلال المسرح، وشتان بين هدف سام وآخر ذاتي، بين هدف خاص وآخر عام، بين عرض يتجلى فيه الممثل والمؤلف من خلال ديكور معبر ومخرج واع يوظف عناصر المسرح لخدمة مقولة النص، وبين عمل يستعرض فيه المخرج أدواته.
وأضاف أن مهرجاناتنا العربية أصبحت مملة، روتينية، سياحية ومادية، ولكي ننتشلها مما هي فيه علينا التخلص من الدخلاء وأشباه الفنانين والتوجه المباشر إلى الجمهور، وخلق متفرج وفنان يحترمان المسرح ويؤمنان بدوره الحقيقي، كما كان الحال في اغلب الدول العربية في الستينات والسبعينات، مستفيدين في الوقت نفسه من التطور والتكنولوجيا والتقنيات الحديثة.
وختم محمد الضمور الجلسة بالحديث عن التجربة الأردنية في المهرجانات، التي حققت الكثير من النجاحات ونهضت بالمسرح الأردني، وشكلت وعياً وحساً بأهمية المسرح وتقبل الكثيرين لدراسة المسرح، حتى أصبح معهد الدراسات المسرحية يخرج المئات من الدارسين، هذا الفعل دفع وزارة التربية لاستيعاب الخريجين وإيجاد الأماكن الملائمة لعملهم، ما خلق حلقات تكاملية بين جميع الهيئات الحكومية والخاصة، في سبيل إيجاد فعل مسرحي مؤثر على أرض الواقع. 

من almooftah

اترك تعليقاً