مهرجانا أبوظبي ودبي نافذة السينما العربية على العالم
مهرجانا أبوظبي ودبي يسعيان إلى المساهمة في دعم صناعة السينما العربية عبر صندوقي ‘سند’ و’أنجاز’.
العرب نديم جرجوره
‘باستردو’.. فيلم لجيل شاب مهووس بقوة الصورة في التعبير

لا شكّ أن مهرجاني أبوظبي ودبي السينمائيين باتا المساحة المطلوبة للاطّلاع على كل جديد عربي ممكن.. فهما، في دوراتهما السنوية المُقامة في شهري أكتوبر وديسمبر، لا يكتفيان باختيار “أفضل” الإنتاجات السينمائية العربية الحديثة التي يُمكن الحصول عليها فقط، لأنهما يسعيان أيضا إلى دعم صناعة السينما العربية عبر صندوقي “سند” و“إنجاز”.

من هنا، يُمكن القول إن كل مراجعة نقدية لواقع الحال السينمائي العربي محتاجة إلى استعادة هذين المهرجانين الإماراتيين الدوليين والـ”أيام” البيروتية، بهدف قراءة المشهد الإنتاجي، انطلاقا من صناعة الأفلام أولا، التي تليها أنماط مختلفة للصناعة السينمائية العربية المتكاملة: المهرجانات، الكتب، الصالات السينمائية. فهذه كلّها لا تقل أهمية عن صناعة الأفلام، ولا تختلف عنها في مواجهتها تحدّيات وأزمات ومصاعب. وصناعتها يُفترض بها أن تتكامل وعمليات الإنتاج الفيلميّ، بهدف تطوير العالم السينمائي كلّه، لأن كل طرف منها جزء أساسي في عملية البناء والتطوير. ذلك أن سؤال المهرجانات العربية مثلا بات اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، لأن الهوّة تزداد عمقا بين مهرجانات عريقة باتت مريضة سريريا (قرطاج التونسي والقاهرة المصري ودمشق السوري، وهذان الأخيران معطّلان حاليا بسبب الراهن المأساوي في البلدين)، وأخرى حديثة تفوّقت عليها وعلى نفسها في آن واحد، في تطوير أدوات اشتغالاتها، على الرغم من خلل وارتباكات قابلة للحلّ (مراكش المغربي، والـ”أيام” البيروتية، وأبوظبي ودبي الإماراتيان).

المشاركة في دعم مشاريع سينمائية أمر ملحّ، لأن عمليات الإنتاج السينمائي العربي لا تزال محتاجة إلى كل دعم مالي ممكن، في ظلّ تفاقم “الشحّ” المالي المحلي، مع أن صندوقي “سند” و“إنجاز”، بالإضافة إلى المساهمة القطرية عبر “مؤسّسة الدوحة للأفلام”، لم تصل إلى مرتبة الإنتاج المطلق، وإن بلغت قيمة منح عديدة أرقاما لا بأس بها في صناعة الفيلم (مئة ألف دولار أميركي مثلا)، تساعد على التقدّم ولو خطوات قليلة إلى الأمام في عملية تحقيق المشاريع هذه.

في عام 2013، طُرح سؤال المهرجانات السينمائية العربية مجدّدا، انطلاقا من ملاحظة أن السبب الجوهري لهذا “الموت السريري” الخاص بمهرجانات عربية تقليدية كامن في الاهتراء الداخلي الذي أصاب بناها الأساسية، وليس فقط بسبب الأحوال العامة الراهنة في تلك البلدان الثلاثة، وكامن أيضا في آلية الترجمة الفعلية لمفاهيمها “التقدّمية” في زمن التبدلات القاسية والصعبة، التي يرزح تحت وطأتها عالم عربي مرتبك وقلق، وفي الجانبين التنظيمي والإداري منذ أعوام عديدة سابقة لـ”الحدث العربي”. في المقابل، احتفل مهرجان دبي في عام 2013 بدورته العاشرة، محاولا تأكيد مقولاته المتعلّقة بكيفية دعم السينما العربية، وبكيفية تفعيل التواصل بين الثقافات والحضارات عبر السينما. بينما يكافح مهرجان أبوظبي -أقام دورته السابعة في العام نفسه- من أجل تركيز حضوره الثقافي والجغرافي والفني، مُشدّدا على ضرورة حماية التلاقي الإبداعي الدولي من أيّ وهن أو خلل أو تراجع.

أما مهرجان مراكش، فمستمرّ في تثبيت فعل تواصليّ حقيقي بين الانتاجات السينمائية الأجنبية والعربية. بينما اكتفت الـ”أيام” البيروتية (دورة سابعة لها في العام 2013) باستكمال مشروعها الأساسي: عرض مجموعة من أبرز الإنتاجات السينمائية العربية. هذا يعني أن المهرجانات الحديثة واكبت التحوّل الحاصل في صناعة السينما العربية الجديدة، لأن الغالبية الساحقة من هذه الأفلام لم تعد تهتمّ بما كانت تهتم به المهرجانات التقليدية، ولم تعد تأبه بالجماعات وأسئلتها. ولأنها انتبهت إلى سؤال الفرد وحكايته، وإلى معنى الصورة السينمائية في البوح والتعبير، وإلى مغزى العلاقة الفنية بين الشكل والمضمون. لهذا كلّه، واكبت المهرجانات الحديثة التطوّر الدرامي الجمالي البصري، ورافقت الحراك الإبداعي الجديد والمثير لسجالات نقدية مختلفة.
لا تستقيم المراجعة النقدية للعام السينمائي العربي 2013 من دون التوقّف عند واقع الصالات المنتشرة في العالم العربي. فالغالبية الساحقة منها، الممتدة على الجغرافيا العربية كلّها تقريبا باستثناء بعض دول الخليج العربي، مُصابة بوهن فظيع على مستوى التجهيزات: مقاعد، آلات عرض، شاشة، ديكورات، حميمية طقوس المُشاهدة.
أما الصالات الحديثة المُجهّزة بأحدث ابتكارات المخيّلة التقنية والعلمية في هذا المجال، خصوصا تلك المعروفة بـ”صالات VIP” -مقاعد مريحة على غرار درجة الأعمال أو الدرجة الأولى في الطائرات مثلا-، فتعاني خللا على مستوى نوعية الأفلام المختارة، وتحديدا بالنسبة إلى علاقتها بالانتاجات السينمائية المحلية.

مهرجان مراكش مستمر في تثبيت فعل تواصليّ حقيقي بين الانتاجات السينمائية الأجنبية والعربية

هذا كلّه لا يُلغي القيمة المهمّة جدا لعدد من الأفلام الروائية والوثائقية العربية المُنتجة إما في عام 2012 وقد عُرضت في العام التالي له، وإما في عام 2013.

جيل سينمائي شبابي مفتون ببهاء الصورة، يذهب إلى أسئلة حميمية وذاتية وإلى حكايات فردية كي يرسم، بالصوت والصورة السينمائيين، أجمل اللوحات الفيلمية. ولا يتردّد في الاستعانة بأقلّ الميزانيات الممكنة وبأفضل التقنيات الموجودة، كي يُطلق مشروعه السينمائي، أو كي يُكمل ما بدأه في الأعوام القليلة الفائتة. جيل شبابي مهووس بقوّة الصورة في التعبير، وبمخيّلة متفتّحة على الاحتمالات كلّها، وببراعة في استخدام التقنيات في معالجة أحسن وأجمل للمواضيع المختارة بعناية. الأمثلة عديدة: هالة لطفي “الخروج للنهار”، نادين خان “هرج ومرج”، نجيب بلقاضي “بستاردو” من تونس، هشام لعسري “هم الكلاب” من المغرب، وغيرهم كثيرون..

هذه نماذج لا تلغي غيرها من الاشتغالات، المشترك بينها كامن في ثلاث مسائل أساسية: الحكاية الفردية مدخل إلى عوالم إنسانية عديدة. اللغة السينمائية أساسية في مقاربة الحكايات ومعالجتها بصريا. الجيل الشبابي الذي أنجز هذه الأعمال محصَّن، سينمائيا، بثقافة ووعي معرفي ومخيّلة ناضجة، ومرتكز على أدوات سينمائية حديثة في اشتغالاته.

من almooftah

اترك تعليقاً