155358_2015_09_03_09_34_29

     “محمد الفاضل”.. علّامة القانون السوري

 

نورس محمد علي

الخميس 03 أيلول 2015

الدريكيش

 

عاش حياة بسيطة عنوانها الوفاء لمبادئه وبيئته وقيمه الأخلاقية والعلمية والإنسانية، أسس لبيئة محلية قوامها الحقوقيون، ارتقى شهيداً للعلم في كنف جامعة التي كان رئيساً لها.

تكبير الصورة

درس الدكتور “محمد الفاضل” الابتدائية في قرية “بيت شباط”، منطلقاً من بيئته الفقيرة التي لم يترفع عن الفخر بها يوماً، وهذا بحسب حديث صديقه المحامي “جميل عثمان”؛ الذي التقته مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 20 آب 2015، ويقول: «أصبحت مقرباً منه بعد أن أنهيت دراسة الحقوق التي شجعني عليها كما بقية أبناء القرية، وكنت أتردد إلى منزله كثيراً، وهو ما جعلني على صلة مباشرة بحياته الشخصية، فأدركتها بلسان حاله الذي كان يصرح به دوماً ويقول: “كنت أقصد مدرستي بثياب شبه مهترئة وحذاء تكسوه الخيوط التي تحيكها والدتي”، فلم ينكر يوماً انتماءه إلى طبقته الفقيرة، ولم يتعالَ يوماً على أبناء جلدته، بل كان متواضعاً ويحب الفقراء، وتجلى ذلك باستقبال جميع من يقصدون منزله من محافظته، خلال إقامته في العاصمة “دمشق”، وشهدتُ الكثير من الحالات التي قدم فيها المساعدة والنصح والمحبة كلٌّ بحسب طلبه.

كان له أثر إيجابي في البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها بتواضعه، وأذكر أنه حينما استشهد نتيجة اغتياله في حرم جامعة “دمشق”، حمل طلابه الحقوقيون القادمون من مختلف المناطق والمحافظات جثمانه من القرية حتى “الجبانة” بلباس المحاماة الرسمي، وآثروا أن يكونوا حاملين له لطبيعة علاقتهم به ومحبتهم له».

ويتابع: «شجع أبناء قريته على دراسة الحقوق، وأسس لبيئة مجتمعية أغلب أبنائها حقوقيون، وكانت له مقولة شهيرة في هذا المجال وهي: “إن الحقوقي كما جوكر الشدة “الورق” له مكان وصلاحية وأساس في أي دائرة ووظيفة حكومية”. وعلى هذا التشجيع انقلب بعض الناجحين في الثانوية العامة من مختلف الفروع الأكاديمية إلى دراسة الحقوق، ومنهم من درسها بعد تخرجه في كليات التاريخ والجغرافية وغيرها، حتى إن عدد الحقوقيين في القرية وصل إلى خمسين خريجاً نتيجة ذلك».

كان “الفاضل”

تكبير الصورة
المحامي جميل عثمان

محباً للتراث المجتمعي والبيئي في القرية والمدينة التي خرج منها، وعن هذا يقول المحامي “جميل”: «لم يتكبر يوماً على بيئته المجتمعية حتى عندما أصبح عميداً لكلية الحقوق وبعدها وزيراً للعدل، وهذا لمسته شخصياً منه كما بقية أبناء القرية؛ ففي كل زيارة له يسأل في بداية الأمر عن أحوال القرية ومواسم زيتونها وتينها وعنبها، ويستذكر بعض العادات التي كانت تمارس من قبل الشباب كالسباحة في “عين داوود”، وهي برأيي إشارة إلى تمتين أواصر المحبة والعلاقات الاجتماعية بين أبناء القرية».

وعن أبرز مواقفه المهنية يقول: «جاهد وكافح من أجل العلم والمعرفة والتضحية لهما، وتجلى هذا بنضاله من أجل القومية العربية، حيث تبرع عام 1967 بالذهاب إلى “اليونان” والمرافعة عن مجموعة من الشباب الفلسطينيين اتهموا حينها بخطف طائرة».

عين الدكتور “محمد الفاضل” مستشاراً قانونياً في “اللاذقية”، وكان له موقف مهني تجاه محبته للتحصيل العلمي، وهنا قال المحامي “جميل”: «أذكر حادثة سمعتها منه، وهي أن مسابقة جرت للحصول على شهادة الدكتوراه، حيث تقدم لها وحصل على الدرجة الأعلى، وحينها لأسباب مجهولة آثر المعنيون بالأمر أخذ صاحب المرتبة الثانية بدلاً من الأولى، فتقدم نتيجة ذلك بدعوى قضائية عليهم وربحها، فتقدم للحصول على الدكتوراه وحصل عليها بجدارة من “فرنسا”».

مؤلفات الدكتور “الفاضل” كانت قريبة من متلقيها، أوضح “عثمان” بالقول: «تميزت كتاباته بالسلاسة والسهولة على محبي العلم، وباللغة العربية الفصحى، كما تميزت بعدم وجود الركاكة، وهي أمور حببت الطلاب بمواده ومؤلفاته القانونية، أتقن اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وعرّب بعض المراجع القانونية الغربية، لأنه مؤمن بأهمية الترجمة والاطلاع على التجارب القانونية لإصلاح القانون وإنتاج الأفضل، فالترجمة باب واسع للمعرفة».

وفي لقاء مع نقيب محامي “طرطوس” المحامي “محمد كناج” يقول: «الدكتور “محمد الفاضل” كان

تكبير الصورة
المحامي محمد كناج

طالب علم عاش فقيراً ومات شهيداً، من بيئة فقيرة لم يتعالَ عليها يوماً، وأسس لمهنة العمل الإنساني بما كان يتحدث به من أخلاقيات العمل، وكيف يجب نصرة المظلوم على الظالم مهما كانت الصعوبات».

ويتابع: «ألف الدكتور “الفاضل” العديد من الكتب العلمية المنهجية الفكرية الخاصة بالقانون، وأذكر منها: “المبادئ العامة في قانون العقوبات”، و”الجرائم الواقعة على أمن الدولة”، و”الجرائم الواقعة على الأشخاص”، و”الوجيز في أصول المحاكمات الجزائية”.

وكان محاضراً محبوباً من قبل جامعة الدول العربية، ويقدم محاضرات مستمرة فيها، ومنها ما ألقي لطلاب معهد الدراسات العربية العالية في مقر الجامعة في القاهرة، ولأهميتها طبعت ونشرت على نفقة المعهد، إضافة إلى أنه في ختام كل مؤلف له يكتب: “وقل ربي زدني علماً”، لأنه مؤمن بأهمية العلم وضرورة التحصيل العلمي المستمر».

أما المحامي “أنس الفاضل” ابن شقيق الشهيد الدكتور “محمد الفاضل” فيقول: «ولد الشهيد الدكتور “محمد الفاضل” في قرية “عين الجاش” التابعة لمدينة “الدريكيش” في محافظة “طرطوس”، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدارس المنطقة، وتعليمه الإعدادي والثانوي في مدارس “طرابلس” و”حلب”، التحق بـ”جامعة دمشق” وحصل منها على الإجازة في الحقوق عام 1942، وتابع تعليمه العالي في “فرنسا”، فحصل من جامعة “باريس” على دبلوم معهد العلوم الجنائية، وعلى دبلوم معهد القانون المقارن، ودبلوم معهد الدراسات الدولية العليا، ومن بعدها على درجة الدكتوراه في القانون عام 1949.

عُيّن مدرساً في كلية الحقوق، ورقيّ إلى أستاذ مساعد فأستاذ، وأصبح رئيساً لقسم القانون الجنائي وأصول المحاكمات الجزائية، فعميداً لكلية الحقوق ومن بعدها رئيساً لـ”جامعة دمشق”، وإلى جانب عمله الأكاديمي مارس المحاماة، حتى إنه عين وزيراً للعدل عام 1966، وتجاوز نشاطه العلمي حدود عمله أستاذاً ومحامياً، فشارك في عضوية عدد كبير من المجالس والجمعيات ومراكز البحوث العلمية العربية والأجنبية.

كما مثّل “سورية” في عدد كبير من المؤتمرات العلمية والدولية العربية والأجنبية، وكان رئيساً وعضواً في وفد الجمهورية وممثلاً لـ”جامعة دمشق”، وتميز بحضور لافت وكان وجوده إضافة حقيقية إلى كل الفعاليات التي شارك بها».

ويضيف: «مُنِح “الفاضل” جائزة الدولة التشجيعية على إنتاجه العلمي، عن كتابه “الجرائم الواقعة على أمن الدولة”، ومنح وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، ووسام التربية الممتاز من “المملكة الأردنية الهاشمية”، ومُنِح وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، ولُقِّبَ بـ”علّامة القانون” ومفخرة سورية في مجال الحقوق».

اغتيل الشهيد “محمد الفاضل” رمياً بالرصاص في حرم “جامعة دمشق”؛ صبيحة يوم الثلاثاء في 22 شباط 1977.

 

من almooftah

اترك تعليقاً