_148872235714

«الغرفة المضيئة» لرولان بارت … سحر الصورة الفوتوغرافية
الثلاثاء، ١٨ أبريل/ نيسان ٢٠١٧ – ياسر سلطان

أصدر المركز القومي المصري للترجمة أخيراً طبعة جديدة لكتاب رولان بارت «الغرفة المضيئة- تأملات في الفوتوغرافيا»؛ ترجمة هالة نمر ومراجعة أنور مغيث. يتناول الكتاب الصورة الفوتوغرافية من منظور تأملي، فلا يتطرق إليها من الناحية التاريخية أو التقنية إلا بالقدر الذي يتطلبه الحديث عن طبيعتها. يتتبع بارت في كتابه ملامح الصورة الفوتوغرافية مستقصياً أوجه سحرها وفتنتها، عارضاً لأهم الخصائص التي تميزها عن غيرها من وسائط المحاكاة والتمثيل الأخرى. يستهل رولان بارت كتابه المهدى إجلالاً لخيال سارتر؛ بالحديث عن تلك اللحظة الفارقة التي استرعت فيها الفوتوغرافيا انتباهه، حين وقعت بين يديه للمرة الأولى صورة فوتوغرافية قديمة لجيروم؛ الأخ الأصغر لنابليون؛ التقطت العام 1852، وكيف أنه أدرك حينها بدهشة لم يستطع التخفيف من حدتها- كما يقول- أنه ينظر إلى العيون التي رأت الإمبراطور، ومن تلك اللحظة استولت عليه رغبة وجودية حيال الفوتوغرافيا وفق تعبيره. يحاول بارت عبر عملية بحثه التأملية أن يضع توصيفاً مناسباً للفوتوغرافيا التي طالما شكلت منذ ظهورها ولعاً حضارياً وأسطورياً، بل ومميتاً في بعض الأحيان؛ «فمن أجل هذا الولع على سبيل المثل دفع بعض مناضلي كيمونة باريس حياتهم لشغفهم بأخذ أوضاع للتصوير على المتاريس: فحينما هزموا، وتعرف اليهم رجال الشرطة التابعون لـ «تيير» أطلق النار عليهم جميعاً تقريباً». وفي سبيله للاقتراب من توصيف قريب لطبيعتها، يعقد الكاتب مقارنة بين الفوتوغرافيا وأساليب التمثيل والمحاكاة الأخرى كفن التصوير الزيتي والسينما؛ مثلت هذه المقارنة أحد المسارات التي اتبعها بارت في كتابه من أجل الوصول إلى تعريف قريب للفوتوغرافيا. هو يرى أن الرسم والتصوير الزيتي لم يكن لهما كل هذا الانتشار كما الفوتوغرافيا، أضف إلى ذلك «أن الصورة المرسومة مهما بلغ قربها وتشابهها مع الأصل لا تعادل الصورة الفوتوغرافية»؛ بأي حال من الأحوال. يقول بارت: «ومما يثير الفضول أننا لم نفكر في اضطراب الحضارة الذي جاء به هذا الفعل الجديد، ذلك أن الصورة الفوتوغرافية هي حضوري أنا نفسي بوصفي آخر، هي انفصال مراوغ للوعي بالهوية». كان الناس قبل ظهور الفوتوغرافيا ينظرون إلى الفكرة القائلة برؤية الشخص لنفسه كنوع من الهلاوس التي تدخل في حيز الأسطورة؛ «ولكننا اليوم وكأننا نقمع الجنون العميق للفوتوغرافيا التي لا تستدعي إرثها الأسطوري إلا بذلك الانزعاج البسيط الذي ينتابني حين أنظر إلى نفسي على ورقة».

يؤمن بارت بأن مرجع الفوتوغرافيا ليس هو نفسه مرجع النظم الأخرى للتمثيل والمحاكاة، فهو لا يعتبر الشيء المحتمل وجوده مرجعاً فوتوغرافياً، فالمرجع الفوتوغرافي وفق رأيه هو الشيء الموجود بالضرورة الذي وضع أمام العدسة، والذي من دونه لما وجدت الفوتوغرافيا، كما أن التصوير الزيتي يمكنه أن يختلق الواقع من دون أن يراه، أما الفوتوغرافيا فهي لا تختلق واقعاً، فلا تستطيع في حالة الصورة الفوتوغرافية أن تنكر أبداً «أن ذلك الشيء كان هنا». وهو ينفي كذلك هذا الارتباط الذي يعنّ للبعض تخيله بين الصورة المرسومة والصورة الفوتوغرافية، كالاعتقاد الشائع بأن الرسامين هم الذين اخترعوا الفوتوغرافيا ووضعوا لها قواعدها؛ «أقول لا، بل هم الكيميائيون، لأن جوهر الصورة لم يكن ممكناً إلا من اليوم الذي سمح فيه ظرف علمي (وهو اكتشاف أن أملاح الفضة حساسة للضوء) بالتقاط وطبع الأشعة المضيئة الصادرة من مختلف الأشياء المنيرة بشكل متنوع».

لا يتطرق بارت إلى الحديث عن الصورة الفوتوغرافية كـ «فن» أو وسيلة لتوثيق الزمن أو الحدث، لكنه يحاول تلمس هذه المرجعيات المؤسسة لها، هذه الخصائص التي تميزها وتضفي عليها كل هذا الحضور. ومن بين هذه السمات التي تميز الفوتوغرافيا وفق رأيه هو الوضع الساكن للصورة، أياً كانت فترة دوام هذا الوضع أمام العدسة، حتى وإن كانت جزءاً من مليون من الثانية، وهو أمر يميزها عن السينما؛ «في الصورة هناك شيء ما قد تموضع أمام شباك الكاميرا وبقي كذلك إلى الأبد، ولكن في السينما، شيء ما قد مرَّ أمام هذه الفتحة الصغيرة نفسها. راح التموضع وانتفى بالاستمرار المتتالي للصور، إنها فينومينولوجيا أخرى، ومن ثم فن آخر يبدأ، رغم أنه مشتق من الفن الأول».

يحمل كتاب «الغرفة المضيئة» قيمة كبيرة- رغم الأخطاء الإخراجية في طباعته، فهو يأخذنا إلى مسارات أعمق في تأمل الصورة الفوتوغرافية متتبعاً أسباب عبقريتها وفرادتها ورهبتها. يتمثل جانب كبير من هذه الرهبة في ذلك الحضور السحري الذي يميز الصورة الفوتوغرافية، ذلك الحضور المزدوج للماضي والحاضر، الذي يجمد الزمن ويتيحه للآخرين، فالصورة هي زمن متوقف عند لحظة معينة لا يبارحها. يقول بارت: «أتذكر أنني احتفظت لوقت طويل بصورة قصصتها من مجلة تعرض سوقاً للعبيد، يقف سيد العبيد بقبعته، والعبيد في ملابس تكشف عوراتهم، جالسين. أكرر أنها صورة وليست رسماً، لأن رعبي وافتتاني الطفولي أتيا من هذا، من اليقين أن ذلك قد وجد».

من almooftah

اترك تعليقاً