الأمن الغذائي وواقع الإنتاج الزراعي في سورية في لقاء مع الدكتور دارم طباع
ن-ج
شؤون محلية
الاثنين: 5-9-2011
تؤكد الدراسات الإحصائية أن عدد سكان العالم سيبلغ في نهاية العام الحالي سبعة مليارات نسمة ليرتفع إلى تسعة مليارات في العام 2045، وهذا يعني

أن العالم سيضطر إلى مضاعفة الإنتاج الغذائي مرتين،بشقيه النباتي والحيواني،لتغطية الاحتياجات السكانية المتزايدة.‏

وقد يعتقد البعض أن الأزمة التي يعيشها العالم اليوم في تأمين الغذاء تنحصر في دول أفريقيا التي اجتاحتها موجة الجفاف وبعض الدول الأخرى الفقيرة،لكن الحقيقة أن هذه الأزمة قد تطال جميع دول العالم،حيث يتراجع الإنتاج الزراعي تحت تأثير عوامل عدة أهمها التغيير المناخي والأمراض الجديدة التي تهدد الأصناف المحسنة.‏

للحديث حول هذا الموضوع التقينا الدكتور دارم طباع أستاذ الصحة العامة في كلية الطب البيطري بجامعة البعث وعضو منظمة الصحة العالمية وكان لنا معه هذا الحوار:‏

د.دارم… يعيش العالم حالياً ثورة الإنتاج الزراعي والحيواني وفق تقنيات حديثة في تطوير الإنتاج وتحسينه وزيادة الإنتاجية،باستخدام أنظمة وقاية مكثفة،برأيكم ما هو انعكاس هذه الإنتاجية على الصحة العامة للبشر وعلى الإنتاج الزراعي المستقبلي؟‏

لقد أعتقد الناس في القرن الماضي أن الثورة الزراعية الخضراء التي استطاعت أن تساهم في تكثيف الإنتاج الزراعي، وتحسين منتجات نباتية وحيوانية قادرة على إنتاج كميات مضاعفة من الغذاء في وحدة المساحة المحددة، وفق تكنولوجيا عالية تعتمد على نظام انتاجي دقيق ونظام وقاية مكثف يعتمد على استخدام الكثير من الكيماويات التي باتت اليوم مصدر قلق كبير للبشرية،نظراً لآثارها الجانبية وخصوصاً إحداثها للأمراض المزمنة الخطيرة على المدى البعيد، مما بدأت آثاره تظهر مع بدايات القرن الحالي،بحيث بدأ الإنسان من جديد يفكر بالعودة إلى نظم الإنتاج التقليدي للأصول الوارثية المحلية التي دجنها عبر عشرات الآلاف من السنين والتي طورها المزارعون والمربون بعناء،كسلالات الماشية والدواجن والمحاصيل الغذائية الملائمة على نحو أمثل للخصوصيات البيئية والمناخية لكل منطقة.‏

لكن الواقع الحالي للسلة الغذائية خطير جداً في العالم،فقد تعودنا في معظم نظم إنتاجنا على السلالات المحسنة من أصناف الخضروات والفواكه والدواجن واللحوم وغيرها كمحاصيل واسعة التكيف وعالية الإنتاجية،مع العلم أن الإنتاجية العالية لهذه الأصناف جعلتها أضعف جينياً من السلالات المحلية الأصلية،فهي تحتاج إلى الأسمدة الكيميائية والمبيدات السامة الباهظة الثمن والأعلاف المكلفة والرعاية الدوائية للعيش في بيئات صنعية،وهذا ما أدى إلى اختفاء آلاف الأصناف المتوازنة عبر التاريخ.‏

وماذا عن الواقع الإنتاجي الزراعي بشقيه النباتي والحيواني في سورية؟‏

لقد كانت سورية وعبر التاريخ ومنذ أكثر من تسعة آلاف سنة قبل المركز الأول لإنتاج الغذاء في العالم, حيث تم فيها تدجين واستئناس معظم أنواع الحبوب والحيوانات واشتهرت هذه المنطقة بتنوع خضرواتها وفاكهتها ووفرة إنتاجها من الحبوب, لدرجة أنه أطلق عليها مستودع الغذاء للإمبراطورية الرومانية, ولا نجد كتاباً يؤرخ لبلاد الشام إلا ونعثر فيه على وصف رائع لهذا التنوع الزراعي الذي أذهل كل من زارها منذ بدايات التاريخ حتى القرن.‏

ولعل أكبر مثال على هذا التنوع ما ذكره أبي البقاء عبد الله بن محمد البدري المصري الدمشقي في كتابه ((نزهة الأنام في محاسن الشام)) الذي ألفه في القرن التاسع الهجري, ما أورده من كنوز سورية من أصناف الفاكهة والخضار كالمشمش والإجاص , والكمثرى والتفاح والدراق والخوخ والرمان والعنب واللوز والسفرجل والتين, وغيرها الكثير من الأنواع ما يجعلنا نذهل بهذا التنوع الكبير في دمشق وحدها ولو قيس بما هو متوافر في ذلك الوقت بكامل سورية لأدركنا الكنوز الحقيقية التي تحويها هذه البقعة المقدسة من الأرض. في حين انحصرت سلتنا الغذائية اليوم على أصناف محددة لكل نوع لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ومعظمها تم تحسينه واستكثار بذاره في مراكز الغرب بحيث يصدر إلينا كبذور محسنة نستسهل زراعتها غير مدركين خطورة ذلك على المدى البعيد, عندما تنقرض أصنافنا المحلية فنصبح مستهلكين لما ينتجه الغرب, و لا ينطبق ذلك على الخضروات والفواكه والحبوب فقط, بل يتعداه إلى أصناف الدواجن والماشية, والمؤسف أن هذا التنوع الحيواني بدأ أيضاً بالانقراض بعد أن استسهل معظم الفلاحين تربية الدجاج المحسن في المداجن طمعاً بالربح السريع وحولوا أبقارهم المحلية المقاومة للأمراض وذات الاستهلاك المحدود للعلف إلى أبقار محسنة ذات إنتاج عالٍ على حساب خسائر أخرى في العلف المركز والأدوية ومشكلات التأقلم مع البيئات الغريبة عنها.‏

ما هي الإجراءات الوقائية لحماية إنتاجنا الغذائي؟‏

لقد أصبح من الضروري اليوم أن نهتم جدياً بحفظ الأصول الوراثية لكنوزنا الوطنية وإكثارها إذا أردنا أن نعيش في أمن غذائي , ولا يكفي أن يقوم المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) بحفظ الأصول الوراثية لحوالي 125000 مدخل زراعي لمحاصيل النجيليات والبقوليات الغذائية والعلفية-يرات ترشيد استهلاك الأغذية من خلال تعديل النظام الغذائي وعدم هدر الغذاء إطلاقاً, والتوازن في تناول المواد الغذائية وفق حاجة الجسم, فالأمن الغذائي اليوم هو الرهان الوحيد الذي علينا كسبه لنستطيع أن نتجاوز التحدي الكبير في حصول المجاعات البشرية.‏

عميد كلية الطب البيطري “سنحل مشكلات التدريب العملي”
التعليم العالي
قال الدكتور دارم طباع عميد كلية الطب البيطري بجامعة البعث أن الكلية “بصدد إنهاء تأسيس مزرعة الكلية التي أنجز منها حتى الآن ما يقارب 70٪، ويتوقع افتتاحها في بداية عام 2008، ويتم تأسيس مشفى طبي بيطري ضخم في منطقة الغاب بحماه تابع للكلية للهدف نفسه”.
وأشار د. طباع في معرض رده على مقال نشرته صحيفة البعث بعنوان «مرض مزمن في كلية البيطرة» يتناول مشكلة التدريب العملي لطلاب الكلية إلى أن “تزايد أعداد الطلاب الدارسين في الكلية يشكل مشكلة لنا بالنسبة للتدريب العملي، وهذا مرده عدم قدرتنا على تأمين نماذج حية كافية من الحيوانات المريضة تكفي لتدريب ثلاثمائة أو أربعمائة طالب، مما يجعلنا نستخدم أسطولاً كاملاً من العيادات المتنقلة وهو مكون من ثلاثة باصات وعيادتي إسعاف وأربع عيادات متنقلة تابعة لمشروع حماية الحيوان من أجل إجراء زيارات يومية للحقول والقرى، والبحث عن حالات مريضة في المناطق المحيطة بحماه لتغطية هذا الجانب”.
وأضاف د. طباع بأن الكلية تمتلك “أدوات عملية تدريسية متميزة تفوق قيمتها 300 مليون ليرة سورية ومخابر الكلية وأقسامها مجهزة بأحدث التجهيزات العالمية”، وطالب بضرورة “التمييز بين الاسم الحقيقي للكلية وهو كلية الطب البيطري، لأنها تدرس كافة العلوم الطبية البيطرية، وبين ما يطلق عليها أحياناً خطأ كلية البيطرة، وهو يعني كلية فقط لتنعيل حافر الخيل والعناية به”.
يشار إلى أنه أنجز مؤخرا في كلية الطب البيطري مشروع بناء القدرات وذلك بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا).
سيريانيوز
الدكتور دارم طباع،
مدير مشروع حماية الحيوان (سبانا) في سورية، أشرف مؤخرا على إعداد المعرض البيئي المتنقل «عالم الحيوان العجيب»، الذي تنظمه وزارة التربية السورية بالتعاون مع «سبانا»، وانطلق من مدينة حمص، ليتجول في جميع المحافظات السورية.

تكبير الصورة

من almooftah

اترك تعليقاً