يسرني أن أقدم لكم هنا نتاج جهد جماعي مشترك في مشروع ثقافي قامت به مجموعة عمل ضمت الدكتور حسان عباس والدكتورة حنان قصاب حسن والمحامية دعد موسى. اختارت المجموعة النصوص وقمت أنا بتقديم الصور المرافقة لها. كان من ثمار هذا المشروع كتاب بعنوان “أنا، أنت، هم: نصوص من المخزون الثقافي العربي وصور من الحياة اليومية” أخرجه محمد الذهبي ونشر في دمشق عام 2004

‏عند منعطف الشارع ستلاقيها، في نفس المكان تماما. ستقبلها كأي عاشق في هذه المدينة، ستقول: -اشتقت لك...
- وأنا..
ثم حين تمضيان ستهمس لها: أحبك..
فتجيب بنفس الطريقة.
وقبل أن تصلا المقهى المعتاد ستقول لها: لن ندخل..إنني..إنني أريدك..
- وأنا كذلك...
وعندها ستضغط بقوة وبرقة بنفس الآن على يدها العذبة. لكن كل ما يحدث الآن أنك تضغط على أصابع يدك الأخرى، وأنت تمضي إلى غرفتك الصغيرة، الضيقة، كأي وحيد تماما في هذه المدينة.

جميل حتمل، حين لا بلاد‏
‏المجرم 
على قارعة الطريق قعد شاب مستعطياً. فتى قوي الجسم أضعفه الجوع فجلس في منعطف الشارع مادّاً يده نحو العابرين متسوّلاً مستغيثاً بالمحسنين، مردّداً آيات انكساره، شاكياً آلام جوعه. خيّم الليل وقد يبست شفتاه وكل لسانٌه ولم تزل يده فارغةً مثل جوفه. فقام إِذ ذاك وذهب إِلى خارج المدينة وجلس بين الأشجار وبكى بكاءً مرّاً. ثم رفع نحو السماء عينين يغشاهما الدمع وقال والجوع يلقّنه: ياربّ قد ذهبتٌ إِلى الموسر أطلب عملا، فطردتٌ لرثاثة أثوابي، وطرقت باب المدرسة، فمنعت لفراغ يدي، ورُمتٌ الاستخدام ولو بكفاف يومي، فأُبعدت لسوء طالعي. وأخيرا سعيت متسولاً، فرآني عبادك يارب وقالوا هذا قوي نشيط والإِحسان لا يجوز على ابن التواني والكسل. قد ولدتني أمي بإِرادتك يارب، وأنا كائن الآن بكيانك، فلماذا يمنع الناس الخبز عني وأنا طالب باسمك؟ 
في تلك الأثناء تغيرت سحنة الرجل اليائس، فانتصب وقد لمعت عيناه كالشهب ثم اقتضب من الأغصان اليابسة نبوتاً ضخماً وأشار به نحو المدينة وصرخ قائلاً : طلبت الحياة بعرق الجبين فلم أجدها، فسوف أحصل عليها بقوة ساعدي. وسألت باسم المحبة فلم يسمعني الإِنسان ‘ فسأطلبه باسم الشّر وأستزيد منه ...
مرت الأيام والشاب يقطع الأعناق من أجل الحصول على العقود، ويهدم هياكل الأرواح إِن تصدّت لمطامعه. فنمت ثروته وعم بطشه وصار محبوباً من لصوص القوم ومخيفاً لعقلائهم. ثم انتدبه الأمير وكيلاً عنه في تلك المدينة شأن الأمراء بانتقاء ممثليهم.
كذا يبتدع الإِنسان من المسكين سفاحاً باستمساكه، ومن ابن السلام قاتلاً بقساوته.

جبران خليل جبران – المجموعة الكاملة‏

 

المجرم
على قارعة الطريق قعد شاب مستعطياً. فتى قوي الجسم أضعفه الجوع فجلس في منعطف الشارع مادّاً يده نحو العابرين متسوّلاً مستغيثاً بالمحسنين، مردّداً آيات انكساره، شاكياً آلام جوعه. خيّم الليل وقد يبست شفتاه وكل لسانٌه ولم تزل يده فارغةً مثل جوفه. فقام إِذ ذاك وذهب إِلى خارج المدينة وجلس بين الأشجار وبكى بكاءً مرّاً. ثم رفع نحو السماء عينين يغشاهما الدمع وقال والجوع يلقّنه: ياربّ قد ذهبتٌ إِلى الموسر أطلب عملا، فطردتٌ لرثاثة أثوابي، وطرقت باب المدرسة، فمنعت لفراغ يدي، ورُمتٌ الاستخدام ولو بكفاف يومي، فأُبعدت لسوء طالعي. وأخيرا سعيت متسولاً، فرآني عبادك يارب وقالوا هذا قوي نشيط والإِحسان لا يجوز على ابن التواني والكسل. قد ولدتني أمي بإِرادتك يارب، وأنا كائن الآن بكيانك، فلماذا يمنع الناس الخبز عني وأنا طالب باسمك؟
في تلك الأثناء تغيرت سحنة الرجل اليائس، فانتصب وقد لمعت عيناه كالشهب ثم اقتضب من الأغصان اليابسة نبوتاً ضخماً وأشار به نحو المدينة وصرخ قائلاً : طلبت الحياة بعرق الجبين فلم أجدها، فسوف أحصل عليها بقوة ساعدي. وسألت باسم المحبة فلم يسمعني الإِنسان ‘ فسأطلبه باسم الشّر وأستزيد منه …
مرت الأيام والشاب يقطع الأعناق من أجل الحصول على العقود، ويهدم هياكل الأرواح إِن تصدّت لمطامعه. فنمت ثروته وعم بطشه وصار محبوباً من لصوص القوم ومخيفاً لعقلائهم. ثم انتدبه الأمير وكيلاً عنه في تلك المدينة شأن الأمراء بانتقاء ممثليهم.
كذا يبتدع الإِنسان من المسكين سفاحاً باستمساكه، ومن ابن السلام قاتلاً بقساوته.

جبران خليل جبران – المجموعة الكاملة

 

عند منعطف الشارع ستلاقيها، في نفس المكان تماما. ستقبلها كأي عاشق في هذه المدينة، ستقول: -اشتقت لك…
– وأنا..
ثم حين تمضيان ستهمس لها: أحبك..
فتجيب بنفس الطريقة.
وقبل أن تصلا المقهى المعتاد ستقول لها: لن ندخل..إنني..إنني أريدك..
– وأنا كذلك…
وعندها ستضغط بقوة وبرقة بنفس الآن على يدها العذبة. لكن كل ما يحدث الآن أنك تضغط على أصابع يدك الأخرى، وأنت تمضي إلى غرفتك الصغيرة، الضيقة، كأي وحيد تماما في هذه المدينة.

جميل حتمل، حين لا بلاد

 

 

من almooftah

اترك تعليقاً