Salim Kharat الاتحاد العربي للثقافة

كلمات للعام الجديد 2021 ..
وفي الأدب ما يسقط على وطني بوصفه سردا وشعرا وحالات ،
ففي أخر يوم من ظهر الخميس 31 كانون اول 2020 اودعكم ونودع بعضنا بعضا ، متوجها اليكم بكل آلامي وآمالي وبمحبتي وتحياتي والأمل بالغد ان يكون افضل ، وصراع الحياة وازمات الأوطان والغربة ، فنحن في غربة لسنوات مضت ، حيث تظل تجربة الغربة هي أقسى التجارب الحياتية التي يمر بها الإنسان في حياته ووطنه المازوم ، بما تذيقه من عذابات وهم وحزن ، وبما تخلفه في نفسه من لوعة وشوق وحنين إلى الأهل والوطن والأصحاب ، وملاعب الطفولة والذكريات .
لذلك ومن بوابة الادب وتجربة الغربة في الشعر العربي بشكل عام هي رافد مهم ، لما لها من خصوصية تميزها ، ولارتباطها وخصوصيتها بواقع اجتماعي وسياسي للوطن المأزوم .
وقد طالعت ذلك في تجربة جديدة للشاعر محمد الشحات في ديوانه تحت عنوان : «سيعود من بلد بعيد» لوصف وتوصيف حالة الغربة التي يحياها ولده المهاجر ، وحالة الغربة التي يحياها الأب بعيدا عن ابنه ، وما يشعر به هذا الأب تجاه ولده ، من شوق وحنين ، وعذاب وألم روحي ، كلما نبش الأب في صندوق الذكريات ، واستعاد طفولة الابن بدقائقها وتفاصيلها وبراءتها الأولى ليقول :
«ما زلت أخفي عنك كل ملامحي
بعض اضطرابي .. رجفة تأتي وترحل ..
كلما حاولت أن انجو بها .. كانت تحاصرني عيونك .. فانزويت بغرفة ..
أخفيت في أركانها خطواتك الأولى ..
وأول ما نطقت به .. وأنت تركت في جنباتها بعضا من الأوراق .. كنت حملتها في سلتين .. حتى إذا ما ازداد شوقي
كنت أرحل في غيابك بين بين» .
وعن صورة الوطن ..:
يستذكر الشاعر الأب كل تفاصيل الماضي ، في محاولات منه لمواساة روحه ، في لوحات متتابعة عبر نصوص الديوان ، ملتمسا العزاء لقلبه الذي ينازعه الشوق إلى ولده ، راسمًا له صورة الوطن بكلمات ناعمة قاسية .. :
«ماذا حملت من اغترابك؟ ..هل تركت على الطريق .. من البحار إلى البحار
صدى حنينك للوطن؟ .. وطرقت ذاكرة الزمن .. بعض الفطائر في انتظارك.. وجه أمك لم يزل يستقبل الليلات ..
بحثا عنك في قصص الطفولة»
ويقول بالوطن .. :
«تركت بلادك ورحلت .. فهل أثلجت الصدر؟ .. وهل بدلت تقاليدك؟ .. هل أدركت بأن جذورك .. حين تشدك سوف تعود؟ .. هل أكلتك الغربة؟» .
اما عن الذاتي والاجتماعي ومساءلة الوطن عما آلت إليه أحواله حتى فكر أبناؤه في الهجرة ، وأكرهوا على الاغتراب ، فعلى الرغم من ذاتية وخصوصية التجربة الشعرية في هذا الديوان ، إلا أنه في الوقت ذاته بمثابة سيرة ذاتية لمجتمع متشظٍّ ، محاصر بين مطرقة الظرف السياسي ، وسندان الظرف الاجتماعي ، وكلاهما أقسى من الآخر حيث نقرأ ذلك في كلماته .. :
«وطن لا نعرفه .. يسكن خلف عيون الأطفال .. فلا تعبأ حين تراهم .. وتقاوم ما تعرفه .. عن وطن .. كان يظللنا فنهيم به .. ما عاد يتيح لنا .. أن نسكن في معطفه» .
اللغة وسماتها في الشعر ، حيث تبتعد لغة الشاعر عن اللغة النمطية المكرورة ، من خلال شاعرية اللفظة ، وإشارية المعنى ، وإيحائية الصورة الشعرية ، مكونة أفقا جماليا مختلفا في بعده الإنساني الذي هو أساس تجربة الشاعر في هذا الديوان ، منطبعة بطابع إنساني حتى في رصدها للتحولات الاجتماعية التي أدت إلى حالة الاغتراب الذي يحياه الأب/ الشاعر/ والابن/المغترب/ معا ، كنموذج مصغر من حالة الاغتراب المجتمعي الذي يعيشه أبناء هذا الوطن ليرسم الحالة قائلا .. :
«كل الموانئ لم تعد تزهو بنا .. فاخفض غناءك وارتحل خلفي .. ودعنا .. لا تودعنا وترحل .. علنا نطفو فتحملنا الرياح .. فنشتهي أن ننتهي .. سحبا .. ونصبح قطرة .. تمضي إلى وطني .. فتنبت زهرة .. أو سنبلات» .
لذلك فربما اختلفت مستويات اللغة لدى محمد الشحات في هذا الديوان تبعا لاختلاف حقول الرؤى وحقول الدلالة ، ولكنها في النهاية لغة سلسة ، بعيدة عن التعقيد المعجمي ، وبعيدة عن الغموض المجاني والرمزية التي تستعصي على الأفهام وبساطة الملمات ليقول .. :
«أنا من بلاد .. لها ما لها .. ولي أن أهيم بها .. كنت أخفيتها في دمي .. هنا حين تمضي .. سيعرفك العابرون .. ولن تتمكن من أن ترى .. في الوجوه سوى .. رجفة النازحين .. فأغلقت عيني على ما كنت أحمله من بلادي» .
هذا واقع الاوطان المأزومة بابنائها وشعبها ، وجدت في ان تعليقا وشرحا قد يكون وافيا ، وقد استطيع من خلاله وما عكسته مضامينه ، أن اصور جزىء ولو بسيط من حالة وطني وابناء شعبي .
كل عام وانتم بخير ، وعام قادم ليكون مطلبنا عام جديد بخيره وعطائه ، عام يحمل في طياته نهوض امة وشعب ووطن ، فالشرف حتما سيكتمل ، والضمير حتما سيصحو ، ورجالات حتما ستعود لهم نشامتهم ونخوتهم ومواقفهم في الدفاع عن اوطانهم ، والبداية حتما سترسم معالم النهاية .. .
د.سليم الخراط
دمشق شام الياسمين في 31 كانون اول 2020 .

من almooftah

اترك تعليقاً