سيرة حياة سيلفيا بلاث.. موهبة استثنائية ونهاية مأساوية

ترجمة احمد الزبيدي

لم تعش الشاعرة سيلفيا بلاث حياة طويلة (1932 –1963) ومع ذلك فانها تعد من ايقونات الشعر الامريكي وكانت سيرة حياتها مصدرا للعديد من الدراسات والكتب التي تناولت مسيرتها الأبداعية

ورغم ان عالم اليوم يهيمن عليه نجوم الفن والرياضة، الذين تركز عليهم وسائل الإعلام .و ان هناك عدد قليل من الشعراء الذين يندرجون في فئة المشاهير. لكن الاستثناء من بينهم هي سيلفيا بلاث ، التي بدت ، بقصة شعرها الأشقر المثالية وابتسامتها العريضة وفساتينها ذات الخصر الضيق ، أقل شبهاً بالشعراء بل كانت قريبة الشبه من نجمة السينما دوريس داي.

واليوم ، أصبح الكثير منا على دراية باهم محطات حياتها: وفاة والدها المحبوب عندما كانت في الثامنة من العمر ؛ وطموحها الذي لم تكن تحده حدود والمثابرة غير العادية التي كانت تتميز بها (في صيف عام 1950 ، الذي سبق دخولها الجامعة وبعد أكثر من 50 رفضًا ، قبلت مجلة (سبعة عشر الخاصة بالمراهقين والشباب )نشر قصتها القصيرة “والصيف لن يأتي مرة أخرى”) ؛ ومحاولتها الانتحار وهي طالبة في كلية سميث ؛و حصولها على منحة للدراسة في جامعة كامبريدج ، حيث قابلت الشاعر الوسيم تيد هيوز (“اللص الأسود الخاص بي” ، كما كانت تسميه) ، والذي تزوجته بعد فترة قصيرة ؛ثم ولادة طفليهما فريدا ونيكولاس ؛ وتفاني الزوجين لفنهم وثقتهما بموهبتهما ، تلاها علاقة هيوز الغرامية مع أمراة تدعى آسيا ويفيل واخيرا انتحار سيلفيا بلاث في شباط 1963 وهي في سن الثلاثين خلال ما اشتهر بأبرد شتاء في لندن في ذلك القرن.

قد يعتقد المرء أنه لا يوجد الكثير لإضافته عن سيرة حياتها ، بسبب سيل من الكتب التي تناولت هذه الشاعرة – ماكتبته هي عن حياتها ،والكتب التي تناولت سيرتها الذاتية ، ،و الدراسات النقدية ،و الرسائل ، والمجلات ،و الروايات – التي تم نشرها منذ انتحارها (وهو الشيء الوحيد الذي يعرفه بعض الناس عنها). في السنوات القليلة الماضية وحدها ، تم نشر مجلدين ضخمين من مراسلاتها وقام بتحليلها مجموعة كاملة من النقاد ومع ذلك ، حينما يتساءل المرء عما إذا كان من الممكن أن يكون هناك أي شيء جديد يمكن قوله ، يصدر كتاب “المذنب الأحمر: الحياة القصيرة والابداع المتوهج لسيلفيا بلاث” من تأليف الباحثة هيذر كلارك ،( Red Comet: The Short Life and Blazing Art of Sylvia Plath by Heather Clark) ، بحجمه الضخم الذي يفوق الألف صفحة .

في الواقع ، فانه مع ما يعانيه إرث سيلفيا بلاث من عدم الاهتمام ،وسيرة حياتها التي تم تحليلها كثيرًا مع مرور الأجيال المتعاقبة ، وبعد ان أصبحت اعمالها الادبية أكثر بعدًا عن التيار الثقافي السائد ، يبدو الآن ان هذه هي لحظة مناسبة لإحياء قصة حياتها ومحاولة جمع كل عناصرها معًا ، بدون أجندة مسبقة ، ويمكن للمرء العودة ، على سبيل المثال ، الى كتاب “شهرة مريرة”الذي آلفته الشاعرة الأميركية آن ستيفنسون وصدر عام 1989وتناول سيرة حياة سلفيا بلاث ايضا.

وكما أوضحت كلارك ، الأستاذة في جامعة هدرسفيلد في إنجلترا ، في مقدمتها المؤثرة والمثيرة للجدل لهذا الكتاب ، فإنها تعتقد أن “حياة بلاث قد تم ربطها بحياة ما بعد الموت “وتم تصويرها على أنها” كاهنة شعرمجنونة لا تزال تعيش معنا “. ، تبذل كلارك جهدًا كبيراً للنظر الى حياة سيلفيا بلاث بوضوح بالاعتماد على مواد غير منشورة من قبل ، بما في ذلك بعض من يومياتها ومذكراتها ، ومقتنيات أرشيفية واسعة ، و “سجلات الشرطة والمحكمة والمستشفى التي لم يتم تفحصها سابقًا” ، وذلك لإنقاذها من الكليشيهات المختصرة والقراءات المشوهة لاعمالها بسبب مأساة نهايتها. وكتبت تقول : “انني آمل في كتابي هذا أن أحرر بلاث من التعميمات الثقافية التي احاطت بها خلال الخمسين سنة الماضية وأن أعيد لها مكانتها المناسبة كواحدة من أهم الكتاب الأمريكيين في القرن العشرين.”

وتحقيق هذا الهدف الأخير هو مهمة شاقة لكاتبة سيرة حياة شخصية معينة ،حين تقوم بها نيابة عن تلك الشخصية وأتصور أنه لن يتفق الجميع معها حتى بعد قراءة هذا الكتاب المفصل الذي تضمن بحوثها الدقيقة التي قامت بها بلا كلل. ومع ذلك ، لا يمكن إنكار القوة الفكرية للكتاب ، وكذلك ، بنفس الأهمية ، متعة قراءته وسلاسته. فالمؤلفة كلارك كاتبة موفقة وناقدة بارزة لشعر بلاث ، على الرغم من أنها تميل من حين لآخر نحو الإفراط في السخاء في تقييمها لصورة معينة أو فاعلية قصيدة معينة.

ثم يجب الاشارة من جديد ،الى انه سيكون من المستحيل لعمل ضخم وشامل مثل هذا العمل ألا يحوي بعض العيوب. على الرغم من الدراسات التفصيلية والضخمة التي تضمنها الكتاب ، وهو ما تتميز به اعمال كلارك عادة ، إلا أن هناك عددًا قليلاً من الفصول التي لم تكن موفقة فيها – لا سيما مناقشات أعمال بلاث المبكرة ، حيث لا يبدو أي من تلك الفصول مميزا بشكل خاص ، وكذلك الفصول التي تناولت علاقاتها العاطفية قبل تعرفها على الشاعر تيد هيوز الذي سيصبح فيما بعد زوجها. ومن المدهش أيضًا عدم رغبة كلارك الغريبة في الاستعانة بكتب صدرت سابقا ، مثل “زوجها ..قصة زواج هيوز وبلاث ” من تأليف الكاتبة الامريكية ديان مدلبروك (صدر عام 2003) ، والذي كان أول كتاب يبحث في قصة زواج سيلفيا بلاث مع هيوز والذي كان مناسبا لكليهما في البداية (وإن كان ضارًا لهما في النهاية) . ومع ذلك ، فإن كتاب “المذنب الأحمر” (العنوان مأخوذ من قصيدة لسيلفيا بلاث بعنوان “اللدغات”) لا ينقصه الإبهار ، حيث ياخذ القارئ داخل مجاهيل قصة رويت كثيرًا ولكنها غير مألوفة و مثيرة للاهتمام والتي غالبًا ما كانت موضوعًا لجدالات حادة .

قسمت كلارك كتابها إلى ثلاثة أجزاء ، تناول كل منها فترة طويلة من حياة بلاث وينقسم بدوره إلى عدة فصول بعناوين رائعة (“يا إيكاروس”) أو تشير الى فكرة الكتاب (“احد الفصول عنوانه ما هي مشكلته”). على الرغم من أن والد بلاث كان مشهورا – أو ربما كان سيئ السمعة – كما صورته في قصيدتها المميزة ، “أبي” كشخص سيء الحظ ومستبد ، تلك القصيدة التي وصفتها الناقدة هيلين فيندلر ذات مرة بأنها كتبت في “نوبة غضب طفولية ” ، فهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها بشكل شخصية مشوشة و مشوهة من خلال المشهد النفسي والشاعري لابنته.

. كما قد يتوقع المرء من كتاب شامل مثل هذا الكتاب ، فانه محشو بحكايات لا تضيء أو توسع فهمنا للعديد من جوانب حياة بلاث ، وليس أقلها الإحساس باليأس الذي عاشته في الأشهر التي تلت ترك هيوز لها من أجل عشيقته حيث باتت تعيش بمفردها مع طفلين صغيرين في شقة في منزل قديم في لندن. لا يمكن للمرء ، بالنظر إلى كل نواحي حياتها التي عرضها الكتاب، أن يتيقن من ان سيلفيا بلاث كانت شخصية محبوبة بشكل خاص ، ومثيرة للإعجاب من نواح كثيرة وشجاعة بشكل غير عادي كما قد يتصورها البعض. تصفها احدى صديقاتها المقربات بانها كانت تطارد أدباء مؤثرين مثل الشاعر والناقد أ. ألفاريز ، الذي كانت تربطه بها علاقة قصيرة يكشف عنها الكتاب. (اعترف ألفاريز بأنه كانت لديه علاقة وثيقة مع بلاث لكنه ادعى دائمًا أنها كانت أفلاطونية). بدا أن لديها عدد قليل من الأصدقاء وكانت تصرفاتها الأنانية تنفر منها أولئك الذين كانت تأمل أن يكونوا عونا لها. فالكاتبة دوريس ليسينغ ، على سبيل المثال ، التي أهدت روايتها “الدفتر الذهبي” “إلى تيد وسيلفيا” ، “رفضت” ان تستقبل بلاث مرة اخرى عندما زارتها قبل شهر أو نحو ذلك من انتحارها ، “فقد ازعجها مديح سيلفيا لنفسها بشكل مبالغ به وحماقتها ، وطلبت من الصديقة المشتركة التي اصطحبتها معها “ألا تحضر سيلفيا معها مرة اخرى”.

تعرض المؤلفة بأسلوبها المقنع رأيها الخاص حول العوامل التي أدت إلى ان تقرر بلاث قتل نفسها ، والتي تضمنت تناولها الأدوية المضادة للاكتئاب ومخاوف بلاث من دخول المستشفى وتلقي العلاج بالصدمات الكهربائية مرة أخرى (كما حدث في فترة سابقة. عندما حاولت الانتحار).

ومع ذلك ، يبقى لغزًا مفجعًا أن هذه المرأة المتقلبة المزاج (يبدو أن اكتئابها السريري الطويل قد تحول إلى اكتئاب ذهاني في أيامها الأخيرة) كانت قادرة أيضًا على إنتاج مجموعة من القصائد الشفافة الأخيرة في تلك الفترة القصيرة – قصائد مليئة بالغضب الشديد ولكنها تمتلك أيضًا سيطرة على المشاعر مذهلة للغاية. كانت بلاث نفسها تشعر ، أنها كتبت هذه القصائد “وهي على حافة الجنون” ، ولاحظت كلارك بذكاء أن “الحافة” ، آخر قصيدة كتبتها بلاث ، “تعطي انطباعًا غريبًا كما لو انها كتبتها بعد وفاتها”. ولكنها كانت تمتلك أيضًا “الإرادة الحديدية للعيش” ، حسب وصف سيلفيا بلاث لحالتها حينما زارتها احدى صديقاتها، ولكن الجميع كان يتمنى لو استمرت في امتلاك تلك الأرادة.

من almooftah

اترك تعليقاً