المريض النفسي مش مجنون..

من زينة البسط 28 نوفمبر 2019م

أعلم أنني تحدثت عن هذا الموضوع من قبل، وأنّ حملات التوعية عن الأمراض النفسيّة قد ازدادت في الآونة الأخيرة.. ولكن لفتتني مشاركة أحد الأصدقاء منذ بضعة أيام منشوراً ساخراً على الفايسبوك يتناول فيه أحد السياسيين في لبنان ويقارنه بالمريض النفسي، بغية إهانته والسخرية منه.. وردّة الفعل الضاحكة الساخرة والمؤيدة للمنشور.

أعتقد أن العديد منّا ما يزال غير مدرك أن المريض النفسي إنسان ”مش أخوت“، والعبارة ”مريض نفسي“ ليست إهانة أو قلة اعتبار لشخص يعاني، قد يكون أنا أو أنت أو أحد أقاربك أو إخوتك أو أصدقائك.. هذا الشخص يعاني ويعيش جحيماً لا نملك أدنى فكرة عنه، ويخوض حروباً قاسية باردة لا أنا ولا أنت نعلمها، منها على نفسه ضدّ أفكاره وعقله في رأسه، ومنها على مجتمعه الّذي لا يزال يعايره بمرضه واختلافه عنا، ويرفض الاعتراف بمعاناته بل ويسخّفها ويستهزئ بها، فيضطرّ إلى إخفائها والمعاناة بصمت..

أيجوز أن نعاير مريض السرطان بمرضه ونتنمّر عليه، فنقول له بسخرية ”لا تذهب عند طبيبك؟ لا تأخذ هذه الأدوية فهي ستخرّب عقلك وجسدك، تقرّب من ربك فالسرطان سببه بعدك عن الله، لا تنم فتعب العلاج الكيميائي ليس بشيء؟“ كلا، كذلك المرض النفسي، فالمصاب لم يختر الإصابه به وليس سعيداً بمعاناته أيضاً…

هل نقول للمتوفي بالسرطان ”لو حارب أكثر أو صلّى أكثر لكان قد نجا، أو لمَ لم يفكر بنا حين مات أو نلوم عائلته؟“ كلا، فلمَ نلوم المنتحر عند وفاته.

المكتئب ليس بكسول أو متشائم أو انطوائي، المصاب بالأنوريكسيا (مرض فقدان الشهية) لا يكره الطعام، وهو يقدّر النعمة التي يمتلكها على طاولته، ويعلم أنّ غيره يشتهي فتات الخبز.. الذي أنهى حياته لم يقرر فجأة الذهاب بعيداً وليس بأناني وكافر وضعيف، المصاب بالوسواس القهري ليس معقداً ونظيفاً زيادة عن اللزوم، المصاب باضطراب ثنائي القطب ليس مزاجياً وصعب المراس، ونوبات الهلع ليست عبارة عن دقات قلب سريعة وحسب…

خلاصة القول أنّ المرض النفسي كالسرطان إذا جاز التعبير، يفتك بالعقل والجسد سوياً، فيقضي على فريسته ببطء.. الطبيب النفسي ليس كما يصورونه ”دكتور المجانين النصاب المحتال“، بل هو طبيب درس ونال إجازته ليزاول مهنته الطبية تماماً مثل طبيب الأورام السرطانية، والمصاب به لا يختلف عنا جميعاً، بل هو بحاجة للمتابعة النفسية وفي حالات معينة إلى أدوية محددة تساعده ”ولا تدمره“، وهو حتماً قادراً على امتلاك حياة اجتماعية وإنشاء ورعاية عائلة.

حبّذا لو ندعمه ونقف إلى جانبه ونسأله عن حاله بدلاً من التنمر عليه والسخرية منه.. علّنا نتقبل المختلفين عنا في يوم قريب.

تدقيق لغوي: عباس حاج حسن.

من almooftah

اترك تعليقاً