“الشدية”.. الإيقاع الغنائي الملازم للمعارك

إسماعيل النجم

الجمعة 30 أيار 2014

مكتبة الأسد

تعدّ “الشدية” من أقدم ألوان الشعر الإيقاعي الغنائي لكونها ملازمة لحالة الحرب ومناخ المعركة، وغالباً ما تؤدى في أجواء تظاهرية أو استعراضية راقصة وكلماتها البسيطة تثير السحر في النفوس.

تكبير الصورة

مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 28 أيار 2014 أستاذ اللغة العربية “محمد الحمود” المهتم بالشعر الشعبي، الذي قال: «”الشدية” تلفظ بكسر الشين، والشدة اسم من الاشتداد، والشدة بفتح الشين الحملة في الحرب، والشد: العدو والتقوية والإيثاق، فهي من الشدة، وقديماً كانت رقصات الحرب في المعركة تؤدى بمصاحبة غناء إيقاع سريع هو “الشدية”، حيث تلتهب النفوس حماسة فهي بذلك تقوم بوظيفة تعبوية وتساهم في الإعداد النفسي للمقاتل، وتخلق جواً حماسياً يسيطر فيه عقل الجماعة على عقل الفرد فيدفع المتردد إلى التطوع للقتال».

وأشار الشاعر والباحث في التراث الشعبي “خالد الفرج” بالقول: «تحمل “الشدية” خطاً درامياً في بنائها سواء أكان طابعها القص أم الوصف أم الحوار، وتتألف “الشدية” من لازمة وعدد من المقاطع قابل للزيادة بالارتجال، وكل مقطع مؤلف من أربعة أشطر، الثلاثة الأولى بقافية موحدة تتبدل في كل مقطع، والرابع بقافية مغايرة، وتستعمل فيها أوزان موسيقية سريعة وخفيفة، وغالباً ما تكون على بحر المتدارك».

وأضاف: «نظمت “الشديات” في أغراض عديدة، منها: الحماسة، والغزل، والهجاء، والفخر، ومديح الشخصيات، كما تقدم بعض “الشديات” وصفاً لأشياء عديدة».

وإحدى “الشديات”

تكبير الصورة
الباحث “عبد الفتاح قلعه جي”

تصف غلاء الأسعار:

“الله يساعد الله يعين… الغلا طعمانا كتير

الله يهد الفرانة… شبعونا إهانة

كل العالم حيرانة… ما بقا عنا تدبير”.

ويبين الباحث “عبد الفتاح قلعه جي” في كتابه “دراسات ونصوص في الشعر الشعبي الغنائي”، بالقول: «في المعركة يؤدي المقاتلون أثناء المبارزة أو الاندفاع نحو العدو والالتحام به “الشديات”، ويقوم كورس النساء خلف المقاتلين بأداء “الشديات” التي تفعل بإيقاعاتها السريعة وكلماتها البسيطة كالسحر في النفوس، فيثبت المقاتلون ويندفعون نحو الموت في نفس راضية، وكان المبارز في أثناء تقدمه نحو خصمه ودورانه حوله والتحامه معه يرتجل الأبيات يحدو بها شاداً، ليزيل من نفسه عوامل الخوف، ويضعف من معنويات خصمه، فللإيقاع والكلمة تأثير نفسي كبير».

وأضاف: «”حلب” كغيرها من مدن الشام، عاشت نضالات طويلة مستمرة في تاريخها القديم والوسيط والحديث ضد الأكاديين، والحثيين، والميتانيين، والآشوريين، والبابليين، والإغريق، والرومان، والفرنسيين، وضد العدو الصهيوني، وكانت “الشديات” بمرافقة الدبكة تقوم بمهمة التحميس للقتال، وتمجيد الجندي، والتغني بالانتصارات حيث تقام الاحتفالات الشعبية في ساحات الأحياء والشوارع، وكانت أكثرها شهرة إلى عهد قريب:

“وإن هللت هللنالك… طقينا البارود قبالك

وإن هللت

تكبير الصورة
كتاب دراسات ونصوص في الشعر الشعبي

يا صبية… الواحد منا يقابل مية”.

وحين دخلت قوات الجنرال “ديغول” “حلب” كان من المشاهد الاحتفالية المألوفة أن ترى الرجال في الأعراس المعقودة، والصبيان في الأزقة يشدون مطالبين بالاستقلال، وهم يهددون الغازي بمرابطة القوات العربي في ضواحي باريس بقيادة عبد الرحمن الغافقي:

“هيه لنا هيه لنا… باريس مربط خيلنا

ديغول خبر دولتك… النصر لثوارنا”.

وحين نالت “سورية” استقلالها ماجت الشوارع باحتفالات النصر وانعقدت حلقات الدبكة، وردد الناس هذه “الشدية”:

“أول قولي واعتادي… صلوا على النبي الهادي

سورية تحيا بلادي… بلاد الهنا والأفراح

سورية تحيا رجالك… تهني بعز استقلالك”».

لم تقتصر “الشديات” على الحروب والمعارك، فللأعراس الحلبية شدياتها التي يرددها أصدقاء العريس أثناء نقل جهاز العروس إلى دار العرس، وهي:

“غنى البلبل مع الطير… الله يمسيكن بالخير

الله يتمم الأفراح… وياكم آضا المصباح

الله يمسيكن بالخير… يا عمار العمارة

جينا نخطب بنتكن… من حارة لحارة”.

ويتابع “قلعه جي” بالقول: «أغلب “الشديات” تأخذ شكل المونولوج، حيث يؤديها “الشاد” ويردد وراءه الكورس اللازمة بعد كل مقطع، لكن بعض الشديات خاصة في الأعراس الحلبية تأخذ شكل الديالوج، حيث يتبارى

تكبير الصورة
الشاعر والباحث خالد الفرج

ممثلان شادان في العد، ويردد الكورس وراءهما اللازمة على إيقاعات الطبل والزمر وحركة راقصي الدبكة، ويغدو المشهد مسرحاً حقيقياً غنياً بالدراما».

الكورس: “اسمعوا قول المعنى… عالسمر والبيض غنى

الأول: إن كنت بتمدح الأسمر… رتب ألفاظك واتفكر

أنا لفضلك بتشكر… إن رضيت عن المعنى

الثاني: وإن كنت بتمدح الأبيض… رتب ألفاظك وتريض

أنا بعمري ما بتعرض… وبجوابي ما بستنا

الأول: السمرا شفتا بالحارة… تشبه لشجرة الغارة

والبيضا شبه الحوارة… بالبراري كثير منا

الثاني: البيضا إن حطت باجاية… بلمع وجا متل لمراية

السمرا شبه الحفتاية… عند الرواس كتير منا”.

 

من almooftah

اترك تعليقاً