“الموال الحلبي”.. انقطاع لغة الحديث

 

إسماعيل النجم

الاثنين 12 أيار 2014

حلب

 

لم ينتشر في “حلب” ضرب من الشعر الشعبي الغنائي مثلما انتشر الموال، فإذا سلطن النغم انقطعت لغة الحديث وسيطر الحوار بالمواويل، ويحاول كل “صوّيت” أن يأتي بمعان في الوصف والغزل والمديح.

تكبير الصورة

مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 6 أيار 2014 الشاعر “خالد الفرج” المهتم بالتراث الشعبي، فتحدث عن الموال بالقول: «الموال قالب غنائي له أصوله وقواعده، وهو زجل يقترب من القصيدة حيناً ويبتعد أحياناً ليكون فناً غنائياً شعبياً خالصاً، وكلمة موال متحولة عن “مواليّ” أي سادتي وأولياء نعمتي، “والموالي” جمع “مولى”».

وأضاف: «يرى بعض الباحثين أن غناء “المواليّا” سابق لنكبة البرامكة وقد عرف في أواخر العصر الأموي، فكان عمال البناء والفلاحون يغنون وهم يعملون لإثارة الهمّة وينهون مقاطع الغناء بقولهم: “يا موالي؛ أي يا سادتي، وكان الفلاحون من الأرقاء».

وتحدث الباحث في التراث الغنائي “عبد الفتاح قلعه جي” عن الموال الحلبي بالقول: «درج الحلبيون على أن يبدؤوا أشطر الموال بعبارة: “يابا” كأنها مفتاح موسيقي ومدخل إلى الجملة اللغوية والموسيقية للشطرة، إذ يضع الصويّت يده على خده ويصدح بها ملوناً في النغم، ويختم المقطع الغانئي أيضاً بعبارة: “يا.. يا.. يا.. با” وهي نداء الأب واستبدال يا مواليا بنداء الأب هو ما اقتضاه انتقال الموال من العبيد إلى الأحرار، والانتقال من المجتمع القبلي إلى المجتمع الأسري، حيث تعتبر الأسرة هي المؤسسة المستقلة الأولى، ويعتبر الأب فيها هو الرمز الكبير والمقدس للعائلة.

ويشير السيد “زياد الأشرم” المهتم بالتراث الحلبي بالقول:

تكبير الصورة
الباحث عبد الفتاح قلعه جي

«لم يتخل الصويّتة الحلبيون عن عبارة: (ياليل – ياليلي – ليلي – ليل) متوجين بها الموال، بل إنهم كثيراً ما يفردونها وحدها بتلاوينها اللفظية في حركة غنائية مستقلة، مهما يكن فإن هذا الفن من الشعر الشعبي الغنائي انتقل من الشرق إلى الشام فسمي “البغدادي” وسماه أهل “حلب” “الشرقاوي”، وعم عن الموال حتى طغى على الفنون الأخرى وصار أكثر سيرورة وانتشاراً يتغناه الحلبي، وهو يعمل في بستانه يزرع ويسقي ويجني، أو في شغله وهو يعمل، أو في ورشات البناء وهو على المرقاة يرفع العمائر».

ويبين “الأشرم” بالقول: «حقق الموال الحلبي شهرة بالغة نظراً لطريقة غنائه وترتيب جمله وأسلوب استخدام المقام فيه؛ فيعتبر الأكثر تداولاً وتميزاً ورمزاً وشعاراً لمدينة “حلب”، وقد سمي بأسماء كثيرة منها: السبعاوي، والنعماني، والبغدادي».

ويتابع “قلعه جي”: «درجت العادة على تقسيم الموال بعدد أشطره وقد عرف منه ثلاثة: “الأربعاوي، والخمساوي، والسبعاوي”، أما الموال الأربعاوي فهو الشكل الأول للموال لا عرجة فيه، تتغير فيه القافية في الشطر الثالث فقط، يحتمل الإعراب واللحن، مؤلف من بيتين من البحر البسيط أشطرهما مقفاة ولذا سمي بالموال الأربعاوي ومنه:

“عني تسليت وأسياف الجفا سليت

عني تخليت في قلبي غصص خليت

قتلي استحليت قيد الهجر ما حليت

في

تكبير الصورة
كتاب دراسات ونصوص في الشعر الغنائي

القلب حليت مري بالوصال حليت”».

ويضيف: «أما الموال “الخمساوي” فيعرف بالأعرج، حيث تقفى الأشطر الثلاثة الأولى بقافية واحدة، ثم تتغير في الشطر الرابع وتعود إلى التطابق في الخامس، ومما نظمه الحلبيون وغنوه في “الخمساوي”:

“الدهر إن جاد يمنى يرد يسراها

عالدوم تلقي يسرا حال يسراها

دأبه يهين السبه والدون يسراها

والوغد علا واخفض للرفيع جناب

كم نوب أدعى الشهم بقيود يسراها”».

وبين “قلعة جي” بالقول: «يعرف الموال بالبغدادي والنعماني أما أهل حلب فيسمونه بـ”الشرقاوي” تلفظ القاف جيماً مصرية، والسبعاوي يتألف من سبعة أشطر الثلاثة الأولى بقافية واحدة وتسمى المطلع، والثلاثة الأخرى بقافية أخرى، الشطر السادس منها أو الثلاثة معاً يدعى العرجة، ثم يأتي الشطر السابع مطابقاً في قافيته للأشطر الثلاثة الأولى ويدعى الطباق».

لقد تفنن شعراء “حلب” الشعبيون في نظم الشرقاوي حتى بلغ على أيديهم غاية الكمال والبيان، وألزموا أنفسهم بما لا يلزم في الصنعة البديعة، ومن شروطه الجناس التام في قوافيه، هذا ما ختم به “قلعه جي”، وأضاف: اشتهر منه ثلاثة أنواع، وهي: “العادي”: وغالباً ما تتحقق فيه شروط الجناس السابق، حيث يقول:

“كيف اصطباري بلاكم سارت أحبابي

وبكيت لما تليت جواد يا احبابي

لما نووا عالسفر هاج البكا احبابي

أبات منهان ارقب لبنات

تكبير الصورة
الشاعر خالد الفرج

النعش

من دنية الما دعتني بي سرور ونعش

ناديت روضوا بنا ياحاملين النعش

حتى أودع عزيز الدار واحبابي”.

والنوع الثاني يسمى “المحبوب”: «وهو أن تحبك أشطر الموال بحرف واحد يبتدئ به الشاعر كل شطر ويكون حرف الروي، وغالباً ما يستعمل المحبوك في بناء الروضة».

يقول الشاعر الشعبي الحلبي في مدح الرسول:

“دأبك بمدح النبي، زيد المديح وجود

دروة المساكين حادي كل فخر وجود

داعي الخلق للهدى شرف ونار وجود

داني على دينه موتي وحياتي برد

دوم الكرم شيمته ما يوم قاصد برد

داءك إذا ما شفى وظماك منه برد

دونك وبحر السخا املا الروايا وجود”.

 

من almooftah

اترك تعليقاً