الركابي عميد الروائيين العراقيين .. نافذة بسعة التاريخ

عطاء عبدالخالق الركابي يتكلل برواية ‘ليل علي بابا الحزين’ التي تنافس مع 15 رواية عربية ضمن أفضل الروايات التي صدرت لعام 2013.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: سلمان الواسطي

من يفتح باب الطلسم؟

حين تلتقي بعبد الخالق الركابي تشعر أنكَ تلتقي برائي مثقل بشخوص وتاريخ تراكمي مليء بالأبطال الذين خذلهم الزمن ونساء اللاتي يتسعن باتساع نافذة الحُلم أنهُ طاعن بالأمل والحزن والحُلم فأي رجل تجالس إذاً, هو ذلك الروائي المبدع عبد الخالق الركابي.

وعلى الرغم من أن بدايته كانت شعرية من خلال أول مجموعة أصدرها “موت بين البحر والصحراء” صدرت سنة 1976, إلا أنهُ أنتقل الى مضمار ومجال إبداعي آخر هو الرواية

ليكتبها بأسلوب الرائي الذي خبر الماضي وتكويناته وتجلياته, واستمر في إبداع شخوصها من نقاط الحبر الأسود في زمن كان الشعر سيدهُ, قبل عشرات السنين حين لم يجرأ أحد على كتابة الرواية في العراق إلا القلّة, بحرفية الكاتب وصبره الطويل في بلد غير مستقر يضج بالحروب ولسياط الجلاديين صدى يصم الأذان, لذلك كانت مثل هكذا بيئة ملائمة لخلق مئات الشعراء تمتلئ بهم القاعات والمدارس والجامعات العراقية وشوراع بغداد ومقاهيّها, وباقي مدن العراق.

في تلك الفترة لن يتجرأ أي مبدع ليكون كاتبا روائيا خصوصا لأن الجمهور كان أغلبه جمهورا مهيأ للشعر بشقيه الفصيح والعامي, حيثُ نجد هذا الزخم المرجعي في الشعر يستند لتاريخ عربي كبير, يبدأ بالمتنبي الكوفي وينتهي بالجواهري النجفي وقوفا عند السياب البصري والبياتي ابن الأزقة البغدادية.

لكن عبد الخالق الركابي كان يدرك بأنه الرائي الذي سيروي مأساة هذه الأرض وخصوبة حزنها وويلات شعبها المتكررة وهذه مسؤولية إنسانية وأخلاقية وإبداعية, هو خلق ليتفرد في زمن كان الكل يركض خلف لمعان وبروق الشعر وسهولة إنشاده في بلد مغري بجمهور يعشق الشعر, وشيبهم وشبابهم يرتجز الشعر (قال نزار قباني إذا كانت سماء سويسرا تمطر كل يوم خمس مائة ساعة رولكس, فإن سماء النجف تمطر كل يوم خمس مائة شاعر) لذلك كانت الأهوار في جنوب العراق عبارة عن سماء وماء وشعر يُنشد ويغنى.

إضافة الى أن الرواية تحتاج بيئة مستقرة ونفس مطمئنة لأن حالة الخلق فيها تحتاج الى فكر مسترخي لخلق درامية الحدث والحبكة التي تتوتر هنا وتستقر هناك, زائد أسلوب لغوي ينسجم مع الرؤى التي يعالج بها الكاتب أحداث روايته وشخوصها وموضوعها,

برز عبدالخالق الركابي واستمر بعطائه لسنوات لم تكن الرواية العربية أو العراقية تحتفي سوى بأسماء معدودة يتسيدها الروائي المصري المتمثل بأسماء (نجيب محفوظ, وتوفيق الحكيم, وسهيل أدريس, وأحسان عبد القدوس وغيرهم من الأسماء المهمة في مصر).

عبد الخالق الركابي ظهر في هذه الاجواء التي لا توفر البيئة والخلفية القوية التي يستند اليها الروائي حين تكون لهُ مرجعية تاريخية كما نجد ذلك في الشعر حيث الشعر كما يقال (ديوان العرب الأكبر) والرواية جنس أدبي جديد ظهر في الغرب الأوربي منذ القرن الثامن عشر, بينما كانت بداياتها في عالمنا العربي مطلع القرن العشرين بتحديد مصر.

بدأ عبد الخالق الركابي مسيرته الروائية برواية (نافذة بسعة الحلم) سنة 1977, أصدر بعدها رواية (من يفتح باب الطلسم) ورواية (مكابدات عبد العاشق) سنة 1982, ورواية (الرواق) سنة 1986واستمر متوهجا ومبدعا حتى ظفرت روايته (قبل أن يحلق الباشق) سنة 1990 بجائزة أفضل كتاب, وتلتها روايتهُ المشهورة (سابع أيام الخلق) سنة 1995 بجائزة أفضل رواية عراقية لتلك السنة, واختيرت كذلك من ضمن أفضل عشرين رواية عربية في القرن العشرين من قبل اتحاد الكتاب والأدباء العرب بدمشق, ورواية (أطراس الكلام) سنة 2002, تلتها رواية (سفر السرمدية) سنة 2003, واختير من ضمن افضل خمس روائيين لكتابة التاريخ العربي المعاصر على شكل روائي من خلال روايته المتميزة (مقامات إسماعيل الذبيح) التي انتهى منها سنة 2007, وأخيرا توج مسيرته الإبداعية عام 2013 برواية (ليل علي بابا الحزين) التي اختيرت ضمن الروايات العربية للمنافسة على جائزة بوكر العالمية للرواية العربية.

يشكل التاريخ بكل مداخلاته الانفعالية وأزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعصف برموزه وأبطاله وشخوصه, المادة التي يستلهم منها الروائي العراقي عبد الخالق الركابي أبطاله وملامح شخوصه وسيرتهم عاكسا ومعالجا ما يحدث من أحداث وأزمات وصراعات سياسية وفكرية واجتماعية واقتصادية على تلك الشخوص وأولئك الأبطال نجد ذلك في أغلب رواياته وأبطالها كان أهمها في رواية (مقامات إسماعيل الذبيح) التي عكس فيها مجريات التاريخ المعاصر في بطلها وشخوصها الآخرين مقتفيا في ذلك أثر الزمن التراكمي في السرد الروائي.

ولكن في أحد لقاءاته الصحفية يقول الروائي عبد الخالق الركابي (أن روايتيه “نافذة بسعة الحلم”, ورواية “من يفتح باب الطلسم” يبقيان من أفضل رواياته خلال الأربعين عاما من عمر الكتابة الروائية والقصصية لديه).. حيث في الرواية الأولى يستخدم الكثافة الزمنية حيث يمضي السرد الروائي في الرواية لنهار كامل بثلاثة مقاطع زمنية, الصباح, والظهيرة, والمساء, وما هذا النهار سوى هو عبارة عن زمن مكثف لحياة بطل الرواية والشخوص والأحداث التي تجري فيها, حيث يشكل الصباح زمن الطفولة للبطل, والظهيرة زمن الشباب وقوته, والمساء مأساة التي تحل بالبطل ونهايته.

بينما في الرواية الأخرى “من يفتح باب الطلسم” استخدم فيها الأسلوب الملحمي الذي يحتاج الى تحشيد طاقات بصرية وانفعالية كبيرة.

أن المتتبع لروايات عبد الخالق الركابي يجد فيها قراءة مرجعية للتاريخ ومن ثم إسقاط ذلك .

الاستنتاج والعبرة أو الحكمة من هذه القراءة على الواقع الحالي الذي تعيشه شخوص رواياته. يعطي النمط التاريخي لروايات الركابي الاشتغال في عمق الزمن التراكمي في شخصيات وأبطال رواياته وهذا ما نجدهُ في روايات (سابع أيام الخلق, ورواية مقامات إسماعيل الذبيح, ورواية سفر السرمدية).

ويستمر عطاء عميد الروائيين العراقيين عبد الخالق الركابي حتى يتكلل عطاؤهُ برواية “ليل علي بابا الحزين” التي تنافس مع خمس عشرة رواية عربية ضمن أفضل روايات التي صدرت لعام 2013, لهذا سيبقى الركابي رائد الرواية العراقية المعاصرة وأفضل من كتبها منذ أربعة عقود واستمر متوهجا الى الآن, ليشكل مصدرا ونافذة بسعة التاريخ العراقي والعربي لكل دارس وباحث مختص بالتاريخ والفن الروائي العربي.

سلمان الواسطي

ولاية أريزونا – الولايات المتحدة

من almooftah

اترك تعليقاً