كتاب / للمسافرين والمتزوجين
عبدالوهاب الرهيبي
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{([1])}اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{([2]).
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{([3]).([4]).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: قال ربكم جل وعلا: }وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{([5]).
وقال رسولكم r : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»([6]).
فالزواج في الإسلام شرَّعه الله، وحث عليه رسوله r لحكم سامية وغايات نبيلة وفوائد جليلة منها؛ الاستخلاف في الأرض وعمارتها ومجاراة للفطرة التي خلق عليها الإنسان وإشباعا للغريزة الجنسية بما أحلَّ الله.
وكذلك لغض البصر وتحصين الفرج والابتعاد عن العلاقات الشاذة وبقاء النوع الإنساني ولتكثير النسل ولتحصل المباهاة والمكاثرة التي وعد رسولنا r بها.
كما أن الزواج سكن للنفس, وراحة للجسم وطمأنينة للقلب, وهو سبب لكثرة الرزق والغنى قال سبحانه وتعالى: }وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{([7]).
وقال المصطفى r : «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب يريد الأداء والناكح يريد العفاف»([8]).
أيها الإخوة في الله: مادام أن الزواج أمر شرعه الله وبينه رسوله r فهو عبادة نتقرب بها إلى الله جل وعلا ونهتدي بهدي رسوله r في ضوابطها وكل ما يتعلق بها.
قال تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{([9]).
لذا فيجب أن تكون مراسم الزواج ابتداء من الخِطبة إلى آخر لحظة في حياة الزوجين ـ يجب أن تكون ـ منضبطة بضوابط الإسلام وهذا وجوب لا استحباب؛ لقوله سبحانه وتعالى: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا{([10]).
وحذر من خالف أمر نبيه r فقال سبحانه: }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{([11]).
وقال سبحانه: }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{([12]).
أيها المسلمون: إذا عُلم هذا, فكم نسمع وكم نرى من المنكرات التي وقع فيها بعض المسلمين ـ هداهم الله ـ قبل الزواج أو أثناءه أو بعده؛ فمنهم من وقع في المعصية لجهله وهو غير معذور بالجهل في هذا الزمن الذي انتشر فيه العلم وكثر العلماء والله سبحانه وتعالى يقول: }فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{([13]). ومنهم من وقع في المعصية لضعف إيمانه وتقليده لغيره، إلى غير ذلك من الأسباب فنسأل الله الحماية من الذنوب والآثام.
أيها الإخوة في الله:
إن ما نحن بصدد الحديث عنه فتنة وقع فيها كثير من المسلمين ألا وهي فتنة السفر إلى الخارج سواء إلى بلاد تكثر فيها المنكرات أو بلاد الكفار في الغرب أو الشرق، والسفر إلى الخارج يختلف فيه الناس حسب حاجاتهم ورغباتهم فمنهم من يسافر للدعوة ومنهم من يسافر للعلم ومنهم من يسافر للتجارة ومنهم من يسافر للعلاج ومنهم من يسافر للنزهة والتسلية, وحديثنا سيقتصر على سفر الشباب بعد زواجهم إلى الخارج بنسائهم لقضاء فترة ما بعد الزواج. وهذه الفترة- أي ما بعد الزواج- ابتدع لها الناس اسما قبيحا؟ هو (شهر العسل) وهذا الاسم نقل إلينا من بلاد الكفر, فأصبحنا نردده شبابا وشيبا رجالا ونساء بلا معرفة لمعناه أو لسبب تسميته, واستمعوا إلى سبب تسميته بهذا الاسم وهو أنه (كان الشباب في أمريكا قديما يخطف أحدهم بنتا ويذهب بها إلى الغابة ويجلسان هناك فترة يمارسان فيها علاقة غير مشروعة، وكانوا يضطرون في فترة إقامتهم تلك في الغابة إلى الاعتماد على عسل النحل المتوافر فيها ولذلك سمي هذا السفر بشهر العسل) ([14]).
ونحن نقول للزوج ولزوجته هل العلاقة التي بينكما غير مشروعة حتى تقلدان الكفار بهذه التسمية؟! الجواب طبعا: لا.. إذا اربؤوا بأنفسكما عن هذه التسمية القبيحة والسبب الأقبح.
ولعلي في حديثي عن السفر أذكر بعض القصص التي حدثت لبعض الفتيات اللاتي تربين في بيوت صالحة أو بيوت محافظة ولكنهن ابتلين بأزواج فتنوا بالسفر إلى الخارج معتقدين جهلا أن السفر إلى الخارج من مقومات الزواج الناجح أو لأسباب سيرد ذكرها فيما بعد كما سترد قصص لبعض المتزوجين من غير المسافرين ومواقف بعض الآباء والأمهات من سفر أبنائهم وبناتهم للخارج وهذه القصص تكرر حدوثها في أكثر من بلد وفي أكثر من أسرة.
وثمة مبرر آخر لذكر القصص وهو أننا نعرف المراحل التي مر بها السفر ابتداء من نية السفر وانتهاء بعودة العروسين إلى أهلهما بسلام متلطخين بكثير من الوزر والآثام.
فنبدأ مستمدين العون والتوفيق من الله جل شأنه داعينه سبحانه أن يسدد خطانا ويصلح مقصدنا ومغزانا وقد عنونت هذه القصص بعنوان:
تعليق