رد: يوجـين يونسكو - تأليف : كلود ابسـتادو
يونسكو والنقد
لن نستطيع أن نقدّم هنا جميع الآراء والأحكام المتعلّقة بمسرح يونسكو... تبيّن المراجع وفرة -وغالباً نوعية- النقد. لكن لن يكون جهداً ضائعاً إذا ما تابعنا، عاماً بعد عام، ردود الفعل على هذا الكاتب الجديد: معارضة غير مبررة لمسرح مخالف للمألوف، وتراجعات عن بعض الآراء. كان لابدّ من الانتظار حوالي عشر سنوات لكي نجني ثمرة ذلك الجهد المستمر لتفسير وتوضيح تلك المؤلفات.
1 - اكتشاف مؤلف مجهول:
كانت ردود الفعل على العروض الأولى في سنوات 1950-1953)، سطحية على وجه الخصوص. تحدّث معظم النقّاد عن الفضيحة والعار، وبعضهم، وهم نادرون طبعاً، عبّروا عن حماسهم وتأييدهم.
جان بابتيسيت جينيه الفيجارو 13 آيار 1950).
ما أروع الشجاعة الفائقة التي أبداها أولئك الذين، دون أي خلل، حفظوا وأحسنوا تأويل وتجسيد النص الفريد الغريب من نوعه عند يونسكو، بعد أن تساموا به. فما الذي يمنعهم من أن يسلّطوا أضواء النهار الجديد الذي تتكشف فيه أبعاد موليير وفيتراك من خلال اكتشافهم للعالم الجديد بكل مافيه من عبق مذهل؟!...
بالانتظار، إنهم يسلبون المسرح بعض مشاهديه...
جابرييل مارسيل لينوفيل ليتيرير 5 آذار 1953).
خليط متنافر تلك هي الكلمة التي ترد على الذهن بعد مشاهدة مسرحية يونسكو "ضحايا الواجب". تبدأ بداية ساخرة، ناشزة طبعاً [....] لكن يفسد كل شيء بسرعة...
روبير كمب لوموند 28 شباط 1953).
أبدأ بالقول إنه فيما يتعلّق بمعرفة الإنسان والأخلاق والميتافيزيكيا فكل ما قدّمه المؤلف السيد أوجين يونسكو يساوي الصفر تماماً. كما أن مسرحيته سواء كانت رصينة أو ساخرة، تقليدية أم تهكمية، تعتمد على الفرويدية، على الوعي وماتحت الوعي، على الخير والشر، وألغاز أخرى. إنّها تصنع من هذه الموضوعات النبيلة السامية خليطاً مرعباً، مكرراً، "مرهقاً" من شدّة الاندفاع.
1 - ثور اداموف آر 17 أيار 1952).
لماذا هذه اللهجة الفظة التي تنمّ عن الاحتقار التي استخدمها النقّاد في حديثهم عن "الكراسي"؟. بعد التفكير يظهر تفسير واحد وهو أنّ مسرحية يونسكو اكتشفت شيئاً ما لا يرغب المرء في الاعتراف به، وهذا يعني، بكلمتين، الشيخوخة الحقيقية التي لا علاقة لها بالعمر، والتي تمثّل، عند مستوى معين من الوعي، حالة من الحياة الإنسانية. يتلهّى المرء بعلم الجمال، بينما يخشى في الحقيقة صورة عجز يجعل الوجود الإنساني يرتد إلى مرحلة الولادة دون أن يطرأ عليه أي تطوّر من المهد إلى اللحد. أمّا والحالة هذه، فإن يونسكو اكتشف هذه الصورة المرعبة في نفسه وجعلنا نكتشفها بدورنا بواسطة وسائل مسرحية ملائمة.
ألان روب -غرييه كريتيك 1953).
أن يتحقق الإضحاك فذلك لا نقاش فيه، بل يمكن أن يُقال إن أفضل مافي أية مسرحية هو ما يُضحكنا أكثر. لكن من المستحيل مع ذلك أن نفسر هذه الفقرات لتنضوي تحت عناوين، رغم أهمية هذه العناوين، المضحك والهزلي والساخر. بل على العكس،ربما لم يكن الضحك هنا سوى وسيلة، وسيلة لإخراجنا من عاداتنا الثقافية الحكيمة.
المنهجية الديكارتية)، ترد هذه الصفة كثيراً في النص، في اللحظات غير المتوقعة)، وسيلة تنقلنا إلى عالم أغنى حيث يحوي الأسبوع يومي ثلاثاء، حيث يجب عدم الخلط بين ينبوع وينبوع، حيث تضع سيدة المنزل، بكل جدّية، خمسين فنجان شاي على الطاولة من أجل ثلاثة أشخاص فقط.
- قضية مسرح جديد:
بدءاً من عامي 1953-1954)، راح النقاد يبررون أحكامهم، عادوا إلى الوراء عدة سنوات وصار بمقدورهم أن يقارنوا بين عشرات المسرحيات والتمثيليات القصيرة. رغم ذلك بقيت أحكامهم عدائية أكثر من كونها متسامحة، شاملة، تحاول فهم هذا المسرح الجديد. دُرِست قضية يونسكو وكانت مآخذ النقاد عليه جهله لعلم النفس، وعدم معرفته لقواعد المسرح وافتقاره للأسلوب. كما اتهموا مسرحه أيضاً بالترويج للايديولوجية البرجوازية، على نقيض ذلك، أبرز المدافعون عنه الجدّة والقوة الساخرة، الغرابة والجرأة والفكاهة وأصالة أشكال التعبير.
روبير كمب لوموند 18 تشرين الأول 1955).
السيد يونسكو شاب من صنف الفريد جارّي، لم يخفِ أبداً أنّه مكتوب عليه أن يقدّم "مساهمته المتواضعة في هدم مسرح محدّد"[.....]. يمثل يونسكو في نظر مجموعة صغيرة، صغيرة جداً، "محرّراً".. إنه بوليفار(1) المسرح... فليحتفظ بوهمه الجميل. إنه فضولية تافهة في مسرح اليوم[....].
لو كان طبّق بجديّة مواهبه الأكيدة في الكتابة لأنتج أشياء لها قيمتها. لكن مسرحيتي "اللوحة" و"جاك" اللتين شاهدناهما منذ برهة ماهما سوى ذباب لآكل الذباب إضاعة وقت). الحوار ثقيل، رديء، من صنف ثانٍ كما يقول اللحّام.
رولان بارت المسرح الشعبي. العدد 18، الأول من آذار، 1956).
ليست الطليعة أبداً سوى طريقة لتمجيد الموت البرجوازي إذ أن موتها ينتمي إلى البرجوازية أيضاً. لكنّ الطليعة عاجزة عن الذهاب أبعد من ذلك وكأنها لا تستطيع أن تدرك النهاية الفاجعة التي تعبّر عنها، مثل لحظة انتاش البذور، ومثل الانتقال من مجتمع مغلق إلىمجتمع مفتوح [....].
بما أن الطليعة تعيش على البرجوازية وتعبر عن ممتلكاتها، فمن المؤسف أن تساير تطورها. يخيّل لنا أننا نشهد موتها ببطء، وسواء أكانت البرجوازية تعيد توظيف استثماراتها كاملة في تلك الطليعة، سينتهي بها الحال إلى حضور الأمسيات التي تعرض فيها مسرحيات بيكيت واوديبرتي وغداً ستعرض مسرحيات يونسكو الذي تأقلم سريعاً مع نقد الإنسانيين) وسواء أكان الكاتب الطليعي، وقد أقرّ بوجود مضمون سياسي للمسرح، يتخلّى بالتدريج عن التأكيد الجمالي البحت وهذه هي حالة اداموف بلا شك)، ليندفع على طريق الواقعية الجديدة.
برنارد دور المسرح الشعبي. العدد 18. آذار 1956).
أن يرفض المشاهد إذ لا يمكن الحديث عن الجمهور)- هذا المشاهد الفردي، بديل المؤلف- أو يقبل مسرح الرعب هذا، ليس لاختياره، في الحقيقة، أية أهمية، إذ، في النهاية، لاشيء قد حدث. لقد ألغى هذا المسرح العالم لكن بطريقة خيالية وهمية، ولهذا السبب فإن هذا المسرح هو الذي ألغى نفسه، أنكر نفسه بنفسه.
كينث تاينان الا وبسرفر 22 حزيران 1958).
لقد خلق السيد يونسكو عالماً من الرجال الآليين الروبوت)، المتوحدين يتبادلون فيما بينهم حوارات شبيهة بحوارات "حكايات" الأطفال، حوارات مضحكة أحياناً،ذات إيحاء أحياناً أخرى، وغالباً لا تكون هذه ولا تلك فتسبّب آنذاك سأماً عظيماً.. مسرحيات يونسكو تشبه حكايات الكلاب الناطقة، لا يستطيع المرء سماعها مرتين [....] يحقق السيد يونسكو حقاً "انطلاقاً للواقعية"، لكنه انطلاق نحو أي شيء؟ نحو طريق مسدود، ربما كان مزيناً بزخارف تلطيخية(2) على الجدران: أو بجرس يدعونا المؤلف على قرعاته الحزينة أن نلحظ انعدام الهواء أو، وهو الأفضل، يدعونا إلىنزهة طويلة في القطار الشبح، المملوء بالجماجم والأقنعة الشمعية التي تعوي وتصرخ... لكننا ندخل بعد ذلك إلى الواقع اليومي حيث الضوضاء بالرعب الأشد.
مسرح يونسكو لاذع، جارح، مهيّج، لكنه يبقى تسلية هامشية ولم يأخذ مكانه في هذه المسيرة الكبيرة والادّعاء أنه كذلك لا يقدّم خدمة لا ليونسكو ولا للمسرح عموماً.
كينث تاينان الاوبسرفر 6 تموز 1958).
لقد بقيالسيد يونسكو) أسير التكعيبية. كان التكعيبيون يلجأون إلى تشويه الأشكال ليحققوا اكتشافات في مجال طبيعة الواقع الموضوعي. يعتقد السيد يونسكو أن لتشويهاته قيمة أعظم وأهمية أكبر من العالم الخارجي الذي يحاول تقديمه [....].
الخطر الذي يهدد يونسكو هو أن يسجن نفسه في قاعة المرايا هذه، المعروفة في الفلسفة باسم الأحادية(3) . الفن يعيش على الحياة مثلما يعيش النقد على الفن. لقد حطّم السيد يونسكو ومؤيدوه هذه العلاقة وعزلوا أنفسهم وراحوا يطمحون إلى نوعٍ من الجمودية الهادئة التي تقاوم كل تجديد.
جاك لومارشان مقدمة مسرح يونسكو 1954).
ليس هذا المسرح مسرحاً سيكولوجياً ولا رمزياً ولا اجتماعياً ولا شعرياً ولا سريالياً. إنّه مسرح لم تتحدد وصفته بعد، مسرح لم يأخذ مكانه في أي قسم من أقسام المسرح الجاهزة إنه مسرح/ على القياس) لكنني أشعر تماماً أن أمري سينكشف إذا لم أجد تسمية لهذا المسرح.
إنه بالنسبة لي مسرح مغامرات إذا ما أخذنا كلمة مغامرات بالمعنى الذي نفهمه عندما نقول رواية مغامرات. إنه مسرح فروسية لا يخضع للمنطق مثل مغامرات "فانتوماس" غير حقيقي مثل رواية جزيرة الكنز، لا عقلاني مثل رواية الفرسان الثلاثة، لكن هذا المسرح، مثله مثل تلك الروايات، شاعري، ساخر، مثير. إنه ينتهك قواعد اللعبة، وأنا أعرف ذلك. إنّه مع ذلك... نقيض المسرح الذي يتستر على العيوب/نقيض المسرح.
اندريه بروتون دفاتر الفصول 1955).
مرة أخرى تُعرض مسرحية جديدة ليونسكو على مسرح لاهو شيث المغروس في قلب باريس القديمة، وهودواتها الصاخبة التي تجتذب لها صخب المدينة كله، وكما كنّا في عزّ طفولتنا رحنا نهيء أنفسنا إلى مشاهدتها، وهي تتمايل بانعطافاتها الواسعة، وتقفز فوق نفسها كما لو أنها تستسلم، بلا مقاومة، إلى نبضات قلوبنا.
جان انوي الفيجارو 23 نيسان 1956).
عن مسرحية الكراسي) أعتقد تماماً أن هذه المسرحية أفضل مسرحيات سترندبرغ لأنّها مسرحيةسوداء "على طريقة موليير" وأحياناً تكون مضحكة جداً، كما أنّها مسرحية مخيفة، غريبة، موجعة، صحيحة دائماً، كلاسيكية -عدا تلك الحركة الطليعية البالية التي لم أحبها عند نهاية المسرحية...
انهيار التحالفات.
تغيّر موقف النقاد بشكل ملموس منذ مسرحيتي قاتل بلا أجر والكركدن.. وافق بعض الأنصار الأوائل على تطوّر يونسكو لكن آخرين، رغم سرورهم لنجاح المؤلف، تحسّروا على المسرحيات الساخرة المدمّرة التي كتبها في بداية حياته الأدبية. اتهموا "الرجل العظيم" بالرمزية والنزعة الإنسانية وربما اتهموه بالانتهازية. علىعكس ذلك فإن بعض الذين سخطوا عليه عام 1950. مدحوا المسرحيات الجديدة وصفقوا لها. أخذ النقاد "الملتزمون على يونسكو عدم اهتمامه بالمشاكل الراهنة.
جان سيلز الآداب الجديدة 4 آذار 1959).
لم يخلق يونسكو فقط شكلاً مسرحياً تغتني فيه الشخصيات واللغة والديكور والاكسسوار باكتسابها وظيفة جديدة، بل خلق مُشاهداً أيضاً.
إلزا تريوليه الآداب الفرنسية شباط 1960).
كم كانت دهشتي عظيمة أمام المقالات الأولى التي ظهرت! هل كان على بصري غشاوة؟ هل أخطأت الحكم؟ هل أُصيب نقاد اليسار بمرض خرتتة حاد؟ [.....] هاهم يقومون قيامة كركدن واحد ضد المسرحية، يحكمون عليها من وجهة نظر الكركدنات. حتى لا يؤخذوا علىحين غرّة ولا يجدوا أنفسهم خارج جماعة الجهابذة -الكركدنات.
روبير كمب لوموند آذار 1959).
أيتها الرمزية، هاهي ضرباتك! لقد سلبتِ من كاتب مسرحي أصيل، حاد الطبع جزءاً من قريحته وبريقه. "قاتل بلا أجر" مسرحية ذات وزن، وزن كبير، بالنسبة للحقائق التي تحملها وهي حقائق خفيفة راجع آراء الناقد نفسه عامي 1953-1955).
برتران بوارو- دلبش لوموند كانون الثاني 1960).
"لن أستسلم أبداً" هكذا صرح بطل مسرحية الكركدن في وجه محاولات الامتثاليةالخضوع للأعراف المقررة)؟ أمّا فيما يتعلق بالمؤلف فالاستسلام حقيقة واقعة، للأسف... لنتفق إذن. لقد كان موقفاً صحيحاً،مطلوباً، أن تكرّس باريس، ومعها أوروبا كلها، الشاعر الحقيقي الذي كتب المغنية الصلعاء. لكن إنساناً ورعاً من عصر الدياميس له الحق في أن يحزن لأن يونسكو بعد أن اكتشف تفاهة الابتذال سقط، وهو يتابع طريقه، في ابتذال التفاهة وفي الرمزية الوعظية التي كان يلعنها.
غي لوكليرك الاومانيتيه).
لقد أضاف يونسكو شيئاً إلى المسرح الفرنسي المعاصر: أضاف نقداً للغة والحياة المتعارف عليهما؟ وتصويراً لاستلاب الإنسان في المجتمع الحالي، وأسلوباً درامياً جديداً ومثيراً. كانت مسرحياته ذات الفصل الواحد ذات شحنة مملوءة تقدح وتصدم، أمّا مسرحياته ذات الفصول الثلاثة- الكركدن، قاتل بلا أجر- فهي ذات شحنة مفرغة(4) .
اندريه سيمون ايسبري. نيسان 1960).
يمتاز يونسكو بكثير من الظرافة وبمثلها من الإرادة الطيبة. على عكس المظاهر، لم يحاول أبداً أن يزعج أو يكدّر، ولكي يشكر هؤلاء السادة والسيدات الذين انتزعوه من مسارح الأقبية. تظاهر بالجدية مع نفسه ومعهم. إنّه يعمل مع أصحاب النزعة الإنسانية الشاملة، ضمن المشاعر الطيبة والأفكار العظيمة...
كيف حدث أن أول المخلصين له استقبلوه ببرودة واتهموا الرجل العظيم بالانتهازية؟
جيل ساندييه آر 21 كانون الأول 1966).
من المؤثر حتماً أن نرى يونسكو وهو ينظر إلى الموت على المسرح مثلما يفعل ذلك في الحياة. لكن هذا الملك الذي يرمز للشيطان، مثقل إلى حدٍ ما بالاستعارات والمجازات... إنه الإنسان، إنه الله، إنّه الإنسان - الإله، إنّه المسيح، إنه أوجين يونسكو، وهذا يعني الكثير. يتحسّر المرء على يوسويه، يتحسّر على شكسبير، يفكر المرء بما ترلنك، ويتحسّر على "الكراسي".
جان فينيو رون لاكروا شباط 1960).
لا مجال للخطأ هذه المرّة فيونسكو يكتب بلغة فرنسية! كما أن مسرحية الخرتيتالكركدن) عمل واضح تماماً، فيه رمزية شفافة، قويّة جداً، بحيث يمكن النفاذ إليها كما أنها ذات مضمون عظيم جداً بحيث يستطيع الجميع إدراك مغزاها.
جورج ليرمنييه غازيت دولوزان 12كانون الثاني 1963).
هذا الغنائي التهكمي، هذا التراجيدي الساخر، هذا المهرّج الميتافيزيكي، يأخذ منا أكثر مافي اللغة من إنسانية. مواضيعه هي مواضيعنا، وأولئك الذين مازالوا يتهمون يونسكو بالانغلاق والعمى، إذا ما وُجدوا، هم العميان حقاً.
جان - جاك غوتييه الفيجارو 7 كانون الأول 1966).
نعم، ها أنذا أقول وأكرر:"الملك يموت"، مسرحية إنسانية، مركزّة، جيدة التأليف، حسنة الكتابة، فيها شاعرية عظيمة، إنها عمل مؤثر موجع، إنها مضحكة أيضاً. إنها تراجيكوميديا شكسبيرية.
اذهبوا لمشاهدتها، إنّها تستحق العناء.
بيرنيرو دوبوادفر لينوفيل ليتيرير 7 نيسان 1966).
عن مسرحية العطش والجوع). عمل حرّ، غني، جميل، متحرر من جميع الايديولوجيات، على اتصال مباشر مع القلق العميق الذي يعانيه هذا القرن وتحمل المسرحية سماته؛ لكنّها تتجاوزه للضرورة الفكرية التي لا جدال فيها والتي تظهر في المسرحية. إنها دراما غريبة عظيمة يمكن الانتقال فيها بيسر من الهزلي إلى التراجيدي ومن اليومي إلى الأبدية.
رونيه سوريل الأزمنة الحديثة نيسان 1959).
عبثاً يفتش المرء في هذه المسرحيات عن علامة من علامات عصرنا.
هانز ماير المسرح الشعبي العدد 50، 1963).
فرد وحيد ومعه ميزته الخاصة: تهديد القلق والموت. صاحب ايديولوجية يراوده وهم أنه يحارب كل الايديولوجيات. مؤلف مسرحي ذو رسالة موجهة إلى شخص واحد. لكن هذه الشخصيات المتفرّدة كلها، المتباهية بحريتها، التي تتحدث وتكتب ضد حضارة الجماعة هي في الحقيقة تعبير عن حضارة الجماعة تلك.
محاولات تفسيرية:
بعدعشر سنوات من النضال و"الفشل المتعاظم" فرض يونسكو نفسه على الجمهور حوالي عام 1960. آنذاك بذل النقد جهداً مقبولاً لفهم مسرحياته وتفسيرها. حلّل النقد الفن المسرحي، والتنفيذ، وبنية الحدث، والشخصيات واستخدام الديكورات والاكسسوارات، كما وضّح النقد دلالات ذلك المسرح ومقاصده.
فيليب سوبو دفاتر الفصول 1959).
لا يلجأ يونسكو إلى الحيلة أبداً على عكس معظم المؤلفين المسرحيين. لم تكن تلك المهنة الشهيرة، ولا إيرادات المسرح ولا المهارات العظيمة حصنه المنيع أبداً. كان كل شيء يبدو بسيطاً جداً، واضحاً جداً بحيث يتساءل المرء إن كان المؤلف قد أقدم على ذلك عن قصد. مع ذلك لا نلحظ أبداً أي تراجع أو أية لحظة لا حركة فيها.
جورج دوفين الوبسرفر تموز 1959).
هل يكفي أن نقول أن على المسرح أن يهتم بالواقعية الاجتماعية لأن المشاكل الاجتماعية ذات أهمية عظمى؟ ليست المشاكل الاجتماعية هي المشاكل الوحيدة... ولماذا يجب على العقدة والغاية أن ترتديا الزي الإبسني؟ أبسبب الشيء الزهيد يقال عن يونسكو إنه مُضِلّ خطير؟ بحق السماء ليتنا نستبعد أبداً أولئك الذين يبتعدون عن الطريق العريض. لأنّ افتقادهم يوحي بأمر مزعج... لا. يجب على المسرح الحي أن يدفعنا إلى معرفة أنفسنا معرفة أفضل، وأن نعرف الآخرين، وأن نطرح من جديد مسألة المدارس الجديدة كلها. "الالتزام"، يعني أن نضع أنفسنا في موقف الكلب الذي يركض خلف ذيله.
بيير ايميه توشار أفانسين العدد 156، 1959).
يجب علينا أن ندرك جيداً أن الشباب المثقف قد اكتشف في عالم بيكيت ويونسكو) وجه الإنسان المعاصر؛ ويكفي النجاح العالمي لهذه الأعمال لدى جيل الشباب في شتى البلدان لينذر أولئك الذين يقهقهون ويرفضون هذا الحكم المبرم في قضية المغامرة الإنسانية.
جورج نوفو افانسين العدد 156، 1959):
تبدأ الشخصيات عموماً ببعدين فتتميز آنذاك بسطحية مضحكة لكن كلما تطورت المسرحية نراها تكتسب أبعاداً إضافية، أبعاداً تصل إلى أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر، ويرمينا المؤلف في الطبقات المتراكبة لحياة الشخصيات الداخلية يجب أن نقول: مسرح عرائسها الداخلي) كما لو كنا في علبة تتكشف أعماقها واحداً بعد آخر. في عالم يونسكو، يبدأ كل شيء طبيعياً وينتهي غرائبياً.
كلود روا فرانس - اوبسرفاتور 1959):
عذر يونسكو لرغبته في إيصال رسائل باعتزاز ومباهاة، كما يفعل موزعو البرقيات الصغار، هوأن بعض العقول النيّرة تعاملت معه في بداياته على أنه صبي وقح، وبما أن تلك العقول النيّرة لم تفهم ماذا كان يريد أن يقول استنتجت أنه لا يريد أن يقول أي شيء.
سيرج دوبروفسكي الضحك عند يونسكو. مجلة المجلة الفرنسية الجديدة. شباط 1960).
المسرح اللاعقلاني ليس مجرّد مسرح يهاجم أصنام العقلانية، التطور-نحو السعادة- بواسطة- العلم... إنّه في الدرجة الأولى مسرح وُجِدَ ليعبّر بالفعل عن اللاعقلاني. كان المسرح التقليدي متماسكاً لأن الإنسان الذي قدّمه كان متماسكاً، ومن وجهة النظر هذه فإن كتّاب اللا معقول، مثل كامو وسارتر، بقوا، في مسرحهم، كما في أسلوبهم، محافظين تماماً... التعبير الحقيقي عن اللامعقول يتطلب تفكيكاً كلياً مزدوجاً، تفكيك الشخصية وتفكيك اللغة[....].
تقدم مسرحية المغنية الصلعاء، مثلها مثل جميع مسرحيات يونسكو، عينات كاملة لما أسماه هيديجر "الثرثرة اليومية"، حيث يترسب العناء الإنساني في عبارات وأقوال مأثورة وأمثال نتعرّف عليها حال ورودها لأنّها زينة حديثنا اليومي. يوجد لدى يونسكو رقيب، وصاحب تصانيف لا يرحمان، يقذفان لنا مجموعة من الحماقات النموذجية [....].
مسرح يونسكو مسرح انطولوجي ويبدو أن المؤلف من أوائل المسرحيين الذين أخذوا على محمل الجدّ التأكيد القائل أن الفكر ليس منطقة للوجود بل على العكس إنه لا وجود له في وسط هذا العالم.
غي دومور آر. كانون الثاني 1960):
يجعلنا يونسكو نفكر بذلك الرجل الذي يبحث في عاصمة أجنبية عن غرض مفقود. أولئك الذين يعرفون مسرح يونسكو يعلمون جيداً أنه ماعاد يتذكر جيداً ذلك الغرض المفقود ولا إن كان قد فقده حقاً. لكنه يتابع بحثه حتى يضيَّع نفسه ثم يجدها من جديد. مسرحه هو قصة هذا البحث الذي ربما كان بلا جدوى. لكن من يدري؟
مارتان ايسلن مسرح اللا معقول 1961).
مجرّد عرض هذا الموقف اليائس وتقديم الفرصة للمشاهد لكي يواجهه، مفتوح العينين، يشكل بحدّ ذاته عملاً تطهيرياً تحريرياً. ألم يواجه أوديب ولير اليأس المطلق لا معقولية الشرط الإنساني؟ مع ذلك فإن مأساتيهما هما تجربتان محررتان منفذتان.
فيليب سينار يونسكو 1964):
مسرح يونسكو مجموعة تساؤلات حول الشرط الإنساني لأن الوساوس التي يطرحها تعبّر عن شعور بالانتظار منذ آلاف السنين لن يجاب عليه إلاّ في نهاية الزمان. ربما كان هذا المسرح مسرحاً لاهوتياً لكنه مُهدى إلى "العدم الكبير" كما أن العقائد التي يمجّدها هي الأساطير التي حاول قدر الإنسان دائماً أن يتعرّف على نفسه فيها.
سيمون بن موسي يونسكو 1966):
شخصيات محاصرة، تلك هي شخصيات يونسكو التي تحاصرها ذكرياتها ويحاصرها العالم. جميع الأشكال تصبح عوائق وعقبات، وجميع الأفكار تغدو متساوية، أي مربكة بالتالي. قتامة في اللغة: حصار داخل الأحاديث الدائرية، قتامة في المفردات التي صارت أشياء، قتامة في الأشياء التي تبني أمكنة محصورة، قتامة في البيوت، التي تتفتت وتغرق وتكتسي بالفطور وتتضاءل حتى تصبح في حجم القبر، بيوت "للخريف الأبدي". قتامة في الزمن الذي يدور مثل سلّم كهربائي لا يمكن للإنسان إلاّ أن يفقد توازنه، وأخيراً قتامة في الايديولوجيات العدوانية، المتشابكة، الباطلة.
روبير أبي راشد دفاتر رينو -بارّو عدد 53. 1966).
بينما كل شيء يدفع الكتّاب والفنانين للتمسك بصيغة نهائية محدّدة، بحجّة الوفاء لأنفسهم، يتقدم أوجين يونسكو إلى الأمام دون الاكتراث بأن يقدّم عن أعماله صورة متماسكة مُعدّة سلفاً. ما أطول الطريق الذي قطعه منذ المغنية الصلعاء، وما أكثر الموضوعات الجديدة التي اكتشفها! لا، ليس في الإمكان التحدث عن الإنكار والجحود في هذا المجال، بل عن قلق كامن خفي منذ بدايات هذا المسرح راح يعلن عن نفسه شيئاً فشيئاً بقوّة، ويتحد قليلاً قليلاً مع السخرية حتى سيطر عليها في بعض المواقع وأنارها بنور غير متوقّع [....].
هل تنكّر يونسكو لوجهات نظره الأولى، واعتنق أفكار الفن الملتزم؟ ليس بالشكل الكافي، فمغزى هذه المسرحية الكركدن) لا يرتبط بأية مواقف سياسية واضحة.
جان دوفينيو المسرح والمجتمع 1969):
استمرت تجربة "المسرح الجديد" عشر سنوات. طرأت تغيرات على هذه التجربة خلال تأكيدها لشرعيتها وصفتها الرسمية. فخسرت أحياناً مذاقها اللاذع وحيويتها [....] لقد تجاوز يونسكو سريعاً الاعتراض العنيف على اللغة الدارجة والمواقف المبتذلة التي كان يعمل بها، بلا شك، في متابعة رواية "بوفاروبيكوشيه"(5) ، لكن المسرحية الهزلية الفلسفية أخفت القلق في حالة الرضى العلني وتوغلت بطريقة مؤلمة إلى باطن الكاتب نفسه.
برتران بوارو -دلبش لوموند 24 كانون الثاني 1970):
بمناسبة انتخاب يونسكو عضواً في الأكاديمية الفرنسية).
حتى لو كانت مساهمته في الفن العالمي قد فقدت شيئاً من قوتها، إذ تحوّلت إلى تأملات بسيطة عن الموت، وارتدت إلى شكل من الإنسانية الكئيبة، حتى لو أن ابتكارات أخرى بدأت تبيّن أن ابتكاراته أصبحت عتيقة، فإن يونسكو سيبقى الكاتب الأول، إضافة إلى بيكيت، الذي أعاد صياغة لغة المسرح للتعبير عن المخاوف الكبيرة الجديدة، وهذا وحده يستحق الخلود.
مؤلف "الكراسي" في رداء أخضر؟ والخطأ الطبيعي المرتبط بالمعجم؟ رغم كل شيء فالأمر ليس مستهجناً أبداً....
(1) بوليفار: سيمون بوليفار، الجنرال الذي حاول تحرير وتوحيد أمريكا اللاتينية.
(2) تلطيخية: Tachisme: نزعة في الفن التجريدي للرسم باللطخات.
(3) الأحادية Solipsisme: مذهب يقرر أن الأنا وحده هو الموجود وأن الفكر لا يدرك سوى تصوّراته المنهل).
(4) شحنة مفرغة: مقذوفة متفجرة توضع حشوتها بحيث توجه إلى الأمام وهي بليغة التأثير على المدرعات.
(5) بوفار وبيكوشيه:Bouvard et pe`cuch ,et :رواية لم تكتمل كتبها جوستاف فلوبير ونشرت عام 1881 وهي قصة رجلين محدودي الذكاء يجرّبان شتى أنواع المهن لكنهما يفشلان بطريقة مضحكة.
1 - اكتشاف مؤلف مجهول:
كانت ردود الفعل على العروض الأولى في سنوات 1950-1953)، سطحية على وجه الخصوص. تحدّث معظم النقّاد عن الفضيحة والعار، وبعضهم، وهم نادرون طبعاً، عبّروا عن حماسهم وتأييدهم.
جان بابتيسيت جينيه الفيجارو 13 آيار 1950).
ما أروع الشجاعة الفائقة التي أبداها أولئك الذين، دون أي خلل، حفظوا وأحسنوا تأويل وتجسيد النص الفريد الغريب من نوعه عند يونسكو، بعد أن تساموا به. فما الذي يمنعهم من أن يسلّطوا أضواء النهار الجديد الذي تتكشف فيه أبعاد موليير وفيتراك من خلال اكتشافهم للعالم الجديد بكل مافيه من عبق مذهل؟!...
بالانتظار، إنهم يسلبون المسرح بعض مشاهديه...
جابرييل مارسيل لينوفيل ليتيرير 5 آذار 1953).
خليط متنافر تلك هي الكلمة التي ترد على الذهن بعد مشاهدة مسرحية يونسكو "ضحايا الواجب". تبدأ بداية ساخرة، ناشزة طبعاً [....] لكن يفسد كل شيء بسرعة...
روبير كمب لوموند 28 شباط 1953).
أبدأ بالقول إنه فيما يتعلّق بمعرفة الإنسان والأخلاق والميتافيزيكيا فكل ما قدّمه المؤلف السيد أوجين يونسكو يساوي الصفر تماماً. كما أن مسرحيته سواء كانت رصينة أو ساخرة، تقليدية أم تهكمية، تعتمد على الفرويدية، على الوعي وماتحت الوعي، على الخير والشر، وألغاز أخرى. إنّها تصنع من هذه الموضوعات النبيلة السامية خليطاً مرعباً، مكرراً، "مرهقاً" من شدّة الاندفاع.
1 - ثور اداموف آر 17 أيار 1952).
لماذا هذه اللهجة الفظة التي تنمّ عن الاحتقار التي استخدمها النقّاد في حديثهم عن "الكراسي"؟. بعد التفكير يظهر تفسير واحد وهو أنّ مسرحية يونسكو اكتشفت شيئاً ما لا يرغب المرء في الاعتراف به، وهذا يعني، بكلمتين، الشيخوخة الحقيقية التي لا علاقة لها بالعمر، والتي تمثّل، عند مستوى معين من الوعي، حالة من الحياة الإنسانية. يتلهّى المرء بعلم الجمال، بينما يخشى في الحقيقة صورة عجز يجعل الوجود الإنساني يرتد إلى مرحلة الولادة دون أن يطرأ عليه أي تطوّر من المهد إلى اللحد. أمّا والحالة هذه، فإن يونسكو اكتشف هذه الصورة المرعبة في نفسه وجعلنا نكتشفها بدورنا بواسطة وسائل مسرحية ملائمة.
ألان روب -غرييه كريتيك 1953).
أن يتحقق الإضحاك فذلك لا نقاش فيه، بل يمكن أن يُقال إن أفضل مافي أية مسرحية هو ما يُضحكنا أكثر. لكن من المستحيل مع ذلك أن نفسر هذه الفقرات لتنضوي تحت عناوين، رغم أهمية هذه العناوين، المضحك والهزلي والساخر. بل على العكس،ربما لم يكن الضحك هنا سوى وسيلة، وسيلة لإخراجنا من عاداتنا الثقافية الحكيمة.
المنهجية الديكارتية)، ترد هذه الصفة كثيراً في النص، في اللحظات غير المتوقعة)، وسيلة تنقلنا إلى عالم أغنى حيث يحوي الأسبوع يومي ثلاثاء، حيث يجب عدم الخلط بين ينبوع وينبوع، حيث تضع سيدة المنزل، بكل جدّية، خمسين فنجان شاي على الطاولة من أجل ثلاثة أشخاص فقط.
- قضية مسرح جديد:
بدءاً من عامي 1953-1954)، راح النقاد يبررون أحكامهم، عادوا إلى الوراء عدة سنوات وصار بمقدورهم أن يقارنوا بين عشرات المسرحيات والتمثيليات القصيرة. رغم ذلك بقيت أحكامهم عدائية أكثر من كونها متسامحة، شاملة، تحاول فهم هذا المسرح الجديد. دُرِست قضية يونسكو وكانت مآخذ النقاد عليه جهله لعلم النفس، وعدم معرفته لقواعد المسرح وافتقاره للأسلوب. كما اتهموا مسرحه أيضاً بالترويج للايديولوجية البرجوازية، على نقيض ذلك، أبرز المدافعون عنه الجدّة والقوة الساخرة، الغرابة والجرأة والفكاهة وأصالة أشكال التعبير.
روبير كمب لوموند 18 تشرين الأول 1955).
السيد يونسكو شاب من صنف الفريد جارّي، لم يخفِ أبداً أنّه مكتوب عليه أن يقدّم "مساهمته المتواضعة في هدم مسرح محدّد"[.....]. يمثل يونسكو في نظر مجموعة صغيرة، صغيرة جداً، "محرّراً".. إنه بوليفار(1) المسرح... فليحتفظ بوهمه الجميل. إنه فضولية تافهة في مسرح اليوم[....].
لو كان طبّق بجديّة مواهبه الأكيدة في الكتابة لأنتج أشياء لها قيمتها. لكن مسرحيتي "اللوحة" و"جاك" اللتين شاهدناهما منذ برهة ماهما سوى ذباب لآكل الذباب إضاعة وقت). الحوار ثقيل، رديء، من صنف ثانٍ كما يقول اللحّام.
رولان بارت المسرح الشعبي. العدد 18، الأول من آذار، 1956).
ليست الطليعة أبداً سوى طريقة لتمجيد الموت البرجوازي إذ أن موتها ينتمي إلى البرجوازية أيضاً. لكنّ الطليعة عاجزة عن الذهاب أبعد من ذلك وكأنها لا تستطيع أن تدرك النهاية الفاجعة التي تعبّر عنها، مثل لحظة انتاش البذور، ومثل الانتقال من مجتمع مغلق إلىمجتمع مفتوح [....].
بما أن الطليعة تعيش على البرجوازية وتعبر عن ممتلكاتها، فمن المؤسف أن تساير تطورها. يخيّل لنا أننا نشهد موتها ببطء، وسواء أكانت البرجوازية تعيد توظيف استثماراتها كاملة في تلك الطليعة، سينتهي بها الحال إلى حضور الأمسيات التي تعرض فيها مسرحيات بيكيت واوديبرتي وغداً ستعرض مسرحيات يونسكو الذي تأقلم سريعاً مع نقد الإنسانيين) وسواء أكان الكاتب الطليعي، وقد أقرّ بوجود مضمون سياسي للمسرح، يتخلّى بالتدريج عن التأكيد الجمالي البحت وهذه هي حالة اداموف بلا شك)، ليندفع على طريق الواقعية الجديدة.
برنارد دور المسرح الشعبي. العدد 18. آذار 1956).
أن يرفض المشاهد إذ لا يمكن الحديث عن الجمهور)- هذا المشاهد الفردي، بديل المؤلف- أو يقبل مسرح الرعب هذا، ليس لاختياره، في الحقيقة، أية أهمية، إذ، في النهاية، لاشيء قد حدث. لقد ألغى هذا المسرح العالم لكن بطريقة خيالية وهمية، ولهذا السبب فإن هذا المسرح هو الذي ألغى نفسه، أنكر نفسه بنفسه.
كينث تاينان الا وبسرفر 22 حزيران 1958).
لقد خلق السيد يونسكو عالماً من الرجال الآليين الروبوت)، المتوحدين يتبادلون فيما بينهم حوارات شبيهة بحوارات "حكايات" الأطفال، حوارات مضحكة أحياناً،ذات إيحاء أحياناً أخرى، وغالباً لا تكون هذه ولا تلك فتسبّب آنذاك سأماً عظيماً.. مسرحيات يونسكو تشبه حكايات الكلاب الناطقة، لا يستطيع المرء سماعها مرتين [....] يحقق السيد يونسكو حقاً "انطلاقاً للواقعية"، لكنه انطلاق نحو أي شيء؟ نحو طريق مسدود، ربما كان مزيناً بزخارف تلطيخية(2) على الجدران: أو بجرس يدعونا المؤلف على قرعاته الحزينة أن نلحظ انعدام الهواء أو، وهو الأفضل، يدعونا إلىنزهة طويلة في القطار الشبح، المملوء بالجماجم والأقنعة الشمعية التي تعوي وتصرخ... لكننا ندخل بعد ذلك إلى الواقع اليومي حيث الضوضاء بالرعب الأشد.
مسرح يونسكو لاذع، جارح، مهيّج، لكنه يبقى تسلية هامشية ولم يأخذ مكانه في هذه المسيرة الكبيرة والادّعاء أنه كذلك لا يقدّم خدمة لا ليونسكو ولا للمسرح عموماً.
كينث تاينان الاوبسرفر 6 تموز 1958).
لقد بقيالسيد يونسكو) أسير التكعيبية. كان التكعيبيون يلجأون إلى تشويه الأشكال ليحققوا اكتشافات في مجال طبيعة الواقع الموضوعي. يعتقد السيد يونسكو أن لتشويهاته قيمة أعظم وأهمية أكبر من العالم الخارجي الذي يحاول تقديمه [....].
الخطر الذي يهدد يونسكو هو أن يسجن نفسه في قاعة المرايا هذه، المعروفة في الفلسفة باسم الأحادية(3) . الفن يعيش على الحياة مثلما يعيش النقد على الفن. لقد حطّم السيد يونسكو ومؤيدوه هذه العلاقة وعزلوا أنفسهم وراحوا يطمحون إلى نوعٍ من الجمودية الهادئة التي تقاوم كل تجديد.
جاك لومارشان مقدمة مسرح يونسكو 1954).
ليس هذا المسرح مسرحاً سيكولوجياً ولا رمزياً ولا اجتماعياً ولا شعرياً ولا سريالياً. إنّه مسرح لم تتحدد وصفته بعد، مسرح لم يأخذ مكانه في أي قسم من أقسام المسرح الجاهزة إنه مسرح/ على القياس) لكنني أشعر تماماً أن أمري سينكشف إذا لم أجد تسمية لهذا المسرح.
إنه بالنسبة لي مسرح مغامرات إذا ما أخذنا كلمة مغامرات بالمعنى الذي نفهمه عندما نقول رواية مغامرات. إنه مسرح فروسية لا يخضع للمنطق مثل مغامرات "فانتوماس" غير حقيقي مثل رواية جزيرة الكنز، لا عقلاني مثل رواية الفرسان الثلاثة، لكن هذا المسرح، مثله مثل تلك الروايات، شاعري، ساخر، مثير. إنه ينتهك قواعد اللعبة، وأنا أعرف ذلك. إنّه مع ذلك... نقيض المسرح الذي يتستر على العيوب/نقيض المسرح.
اندريه بروتون دفاتر الفصول 1955).
مرة أخرى تُعرض مسرحية جديدة ليونسكو على مسرح لاهو شيث المغروس في قلب باريس القديمة، وهودواتها الصاخبة التي تجتذب لها صخب المدينة كله، وكما كنّا في عزّ طفولتنا رحنا نهيء أنفسنا إلى مشاهدتها، وهي تتمايل بانعطافاتها الواسعة، وتقفز فوق نفسها كما لو أنها تستسلم، بلا مقاومة، إلى نبضات قلوبنا.
جان انوي الفيجارو 23 نيسان 1956).
عن مسرحية الكراسي) أعتقد تماماً أن هذه المسرحية أفضل مسرحيات سترندبرغ لأنّها مسرحيةسوداء "على طريقة موليير" وأحياناً تكون مضحكة جداً، كما أنّها مسرحية مخيفة، غريبة، موجعة، صحيحة دائماً، كلاسيكية -عدا تلك الحركة الطليعية البالية التي لم أحبها عند نهاية المسرحية...
انهيار التحالفات.
تغيّر موقف النقاد بشكل ملموس منذ مسرحيتي قاتل بلا أجر والكركدن.. وافق بعض الأنصار الأوائل على تطوّر يونسكو لكن آخرين، رغم سرورهم لنجاح المؤلف، تحسّروا على المسرحيات الساخرة المدمّرة التي كتبها في بداية حياته الأدبية. اتهموا "الرجل العظيم" بالرمزية والنزعة الإنسانية وربما اتهموه بالانتهازية. علىعكس ذلك فإن بعض الذين سخطوا عليه عام 1950. مدحوا المسرحيات الجديدة وصفقوا لها. أخذ النقاد "الملتزمون على يونسكو عدم اهتمامه بالمشاكل الراهنة.
جان سيلز الآداب الجديدة 4 آذار 1959).
لم يخلق يونسكو فقط شكلاً مسرحياً تغتني فيه الشخصيات واللغة والديكور والاكسسوار باكتسابها وظيفة جديدة، بل خلق مُشاهداً أيضاً.
إلزا تريوليه الآداب الفرنسية شباط 1960).
كم كانت دهشتي عظيمة أمام المقالات الأولى التي ظهرت! هل كان على بصري غشاوة؟ هل أخطأت الحكم؟ هل أُصيب نقاد اليسار بمرض خرتتة حاد؟ [.....] هاهم يقومون قيامة كركدن واحد ضد المسرحية، يحكمون عليها من وجهة نظر الكركدنات. حتى لا يؤخذوا علىحين غرّة ولا يجدوا أنفسهم خارج جماعة الجهابذة -الكركدنات.
روبير كمب لوموند آذار 1959).
أيتها الرمزية، هاهي ضرباتك! لقد سلبتِ من كاتب مسرحي أصيل، حاد الطبع جزءاً من قريحته وبريقه. "قاتل بلا أجر" مسرحية ذات وزن، وزن كبير، بالنسبة للحقائق التي تحملها وهي حقائق خفيفة راجع آراء الناقد نفسه عامي 1953-1955).
برتران بوارو- دلبش لوموند كانون الثاني 1960).
"لن أستسلم أبداً" هكذا صرح بطل مسرحية الكركدن في وجه محاولات الامتثاليةالخضوع للأعراف المقررة)؟ أمّا فيما يتعلق بالمؤلف فالاستسلام حقيقة واقعة، للأسف... لنتفق إذن. لقد كان موقفاً صحيحاً،مطلوباً، أن تكرّس باريس، ومعها أوروبا كلها، الشاعر الحقيقي الذي كتب المغنية الصلعاء. لكن إنساناً ورعاً من عصر الدياميس له الحق في أن يحزن لأن يونسكو بعد أن اكتشف تفاهة الابتذال سقط، وهو يتابع طريقه، في ابتذال التفاهة وفي الرمزية الوعظية التي كان يلعنها.
غي لوكليرك الاومانيتيه).
لقد أضاف يونسكو شيئاً إلى المسرح الفرنسي المعاصر: أضاف نقداً للغة والحياة المتعارف عليهما؟ وتصويراً لاستلاب الإنسان في المجتمع الحالي، وأسلوباً درامياً جديداً ومثيراً. كانت مسرحياته ذات الفصل الواحد ذات شحنة مملوءة تقدح وتصدم، أمّا مسرحياته ذات الفصول الثلاثة- الكركدن، قاتل بلا أجر- فهي ذات شحنة مفرغة(4) .
اندريه سيمون ايسبري. نيسان 1960).
يمتاز يونسكو بكثير من الظرافة وبمثلها من الإرادة الطيبة. على عكس المظاهر، لم يحاول أبداً أن يزعج أو يكدّر، ولكي يشكر هؤلاء السادة والسيدات الذين انتزعوه من مسارح الأقبية. تظاهر بالجدية مع نفسه ومعهم. إنّه يعمل مع أصحاب النزعة الإنسانية الشاملة، ضمن المشاعر الطيبة والأفكار العظيمة...
كيف حدث أن أول المخلصين له استقبلوه ببرودة واتهموا الرجل العظيم بالانتهازية؟
جيل ساندييه آر 21 كانون الأول 1966).
من المؤثر حتماً أن نرى يونسكو وهو ينظر إلى الموت على المسرح مثلما يفعل ذلك في الحياة. لكن هذا الملك الذي يرمز للشيطان، مثقل إلى حدٍ ما بالاستعارات والمجازات... إنه الإنسان، إنه الله، إنّه الإنسان - الإله، إنّه المسيح، إنه أوجين يونسكو، وهذا يعني الكثير. يتحسّر المرء على يوسويه، يتحسّر على شكسبير، يفكر المرء بما ترلنك، ويتحسّر على "الكراسي".
جان فينيو رون لاكروا شباط 1960).
لا مجال للخطأ هذه المرّة فيونسكو يكتب بلغة فرنسية! كما أن مسرحية الخرتيتالكركدن) عمل واضح تماماً، فيه رمزية شفافة، قويّة جداً، بحيث يمكن النفاذ إليها كما أنها ذات مضمون عظيم جداً بحيث يستطيع الجميع إدراك مغزاها.
جورج ليرمنييه غازيت دولوزان 12كانون الثاني 1963).
هذا الغنائي التهكمي، هذا التراجيدي الساخر، هذا المهرّج الميتافيزيكي، يأخذ منا أكثر مافي اللغة من إنسانية. مواضيعه هي مواضيعنا، وأولئك الذين مازالوا يتهمون يونسكو بالانغلاق والعمى، إذا ما وُجدوا، هم العميان حقاً.
جان - جاك غوتييه الفيجارو 7 كانون الأول 1966).
نعم، ها أنذا أقول وأكرر:"الملك يموت"، مسرحية إنسانية، مركزّة، جيدة التأليف، حسنة الكتابة، فيها شاعرية عظيمة، إنها عمل مؤثر موجع، إنها مضحكة أيضاً. إنها تراجيكوميديا شكسبيرية.
اذهبوا لمشاهدتها، إنّها تستحق العناء.
بيرنيرو دوبوادفر لينوفيل ليتيرير 7 نيسان 1966).
عن مسرحية العطش والجوع). عمل حرّ، غني، جميل، متحرر من جميع الايديولوجيات، على اتصال مباشر مع القلق العميق الذي يعانيه هذا القرن وتحمل المسرحية سماته؛ لكنّها تتجاوزه للضرورة الفكرية التي لا جدال فيها والتي تظهر في المسرحية. إنها دراما غريبة عظيمة يمكن الانتقال فيها بيسر من الهزلي إلى التراجيدي ومن اليومي إلى الأبدية.
رونيه سوريل الأزمنة الحديثة نيسان 1959).
عبثاً يفتش المرء في هذه المسرحيات عن علامة من علامات عصرنا.
هانز ماير المسرح الشعبي العدد 50، 1963).
فرد وحيد ومعه ميزته الخاصة: تهديد القلق والموت. صاحب ايديولوجية يراوده وهم أنه يحارب كل الايديولوجيات. مؤلف مسرحي ذو رسالة موجهة إلى شخص واحد. لكن هذه الشخصيات المتفرّدة كلها، المتباهية بحريتها، التي تتحدث وتكتب ضد حضارة الجماعة هي في الحقيقة تعبير عن حضارة الجماعة تلك.
محاولات تفسيرية:
بعدعشر سنوات من النضال و"الفشل المتعاظم" فرض يونسكو نفسه على الجمهور حوالي عام 1960. آنذاك بذل النقد جهداً مقبولاً لفهم مسرحياته وتفسيرها. حلّل النقد الفن المسرحي، والتنفيذ، وبنية الحدث، والشخصيات واستخدام الديكورات والاكسسوارات، كما وضّح النقد دلالات ذلك المسرح ومقاصده.
فيليب سوبو دفاتر الفصول 1959).
لا يلجأ يونسكو إلى الحيلة أبداً على عكس معظم المؤلفين المسرحيين. لم تكن تلك المهنة الشهيرة، ولا إيرادات المسرح ولا المهارات العظيمة حصنه المنيع أبداً. كان كل شيء يبدو بسيطاً جداً، واضحاً جداً بحيث يتساءل المرء إن كان المؤلف قد أقدم على ذلك عن قصد. مع ذلك لا نلحظ أبداً أي تراجع أو أية لحظة لا حركة فيها.
جورج دوفين الوبسرفر تموز 1959).
هل يكفي أن نقول أن على المسرح أن يهتم بالواقعية الاجتماعية لأن المشاكل الاجتماعية ذات أهمية عظمى؟ ليست المشاكل الاجتماعية هي المشاكل الوحيدة... ولماذا يجب على العقدة والغاية أن ترتديا الزي الإبسني؟ أبسبب الشيء الزهيد يقال عن يونسكو إنه مُضِلّ خطير؟ بحق السماء ليتنا نستبعد أبداً أولئك الذين يبتعدون عن الطريق العريض. لأنّ افتقادهم يوحي بأمر مزعج... لا. يجب على المسرح الحي أن يدفعنا إلى معرفة أنفسنا معرفة أفضل، وأن نعرف الآخرين، وأن نطرح من جديد مسألة المدارس الجديدة كلها. "الالتزام"، يعني أن نضع أنفسنا في موقف الكلب الذي يركض خلف ذيله.
بيير ايميه توشار أفانسين العدد 156، 1959).
يجب علينا أن ندرك جيداً أن الشباب المثقف قد اكتشف في عالم بيكيت ويونسكو) وجه الإنسان المعاصر؛ ويكفي النجاح العالمي لهذه الأعمال لدى جيل الشباب في شتى البلدان لينذر أولئك الذين يقهقهون ويرفضون هذا الحكم المبرم في قضية المغامرة الإنسانية.
جورج نوفو افانسين العدد 156، 1959):
تبدأ الشخصيات عموماً ببعدين فتتميز آنذاك بسطحية مضحكة لكن كلما تطورت المسرحية نراها تكتسب أبعاداً إضافية، أبعاداً تصل إلى أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر، ويرمينا المؤلف في الطبقات المتراكبة لحياة الشخصيات الداخلية يجب أن نقول: مسرح عرائسها الداخلي) كما لو كنا في علبة تتكشف أعماقها واحداً بعد آخر. في عالم يونسكو، يبدأ كل شيء طبيعياً وينتهي غرائبياً.
كلود روا فرانس - اوبسرفاتور 1959):
عذر يونسكو لرغبته في إيصال رسائل باعتزاز ومباهاة، كما يفعل موزعو البرقيات الصغار، هوأن بعض العقول النيّرة تعاملت معه في بداياته على أنه صبي وقح، وبما أن تلك العقول النيّرة لم تفهم ماذا كان يريد أن يقول استنتجت أنه لا يريد أن يقول أي شيء.
سيرج دوبروفسكي الضحك عند يونسكو. مجلة المجلة الفرنسية الجديدة. شباط 1960).
المسرح اللاعقلاني ليس مجرّد مسرح يهاجم أصنام العقلانية، التطور-نحو السعادة- بواسطة- العلم... إنّه في الدرجة الأولى مسرح وُجِدَ ليعبّر بالفعل عن اللاعقلاني. كان المسرح التقليدي متماسكاً لأن الإنسان الذي قدّمه كان متماسكاً، ومن وجهة النظر هذه فإن كتّاب اللا معقول، مثل كامو وسارتر، بقوا، في مسرحهم، كما في أسلوبهم، محافظين تماماً... التعبير الحقيقي عن اللامعقول يتطلب تفكيكاً كلياً مزدوجاً، تفكيك الشخصية وتفكيك اللغة[....].
تقدم مسرحية المغنية الصلعاء، مثلها مثل جميع مسرحيات يونسكو، عينات كاملة لما أسماه هيديجر "الثرثرة اليومية"، حيث يترسب العناء الإنساني في عبارات وأقوال مأثورة وأمثال نتعرّف عليها حال ورودها لأنّها زينة حديثنا اليومي. يوجد لدى يونسكو رقيب، وصاحب تصانيف لا يرحمان، يقذفان لنا مجموعة من الحماقات النموذجية [....].
مسرح يونسكو مسرح انطولوجي ويبدو أن المؤلف من أوائل المسرحيين الذين أخذوا على محمل الجدّ التأكيد القائل أن الفكر ليس منطقة للوجود بل على العكس إنه لا وجود له في وسط هذا العالم.
غي دومور آر. كانون الثاني 1960):
يجعلنا يونسكو نفكر بذلك الرجل الذي يبحث في عاصمة أجنبية عن غرض مفقود. أولئك الذين يعرفون مسرح يونسكو يعلمون جيداً أنه ماعاد يتذكر جيداً ذلك الغرض المفقود ولا إن كان قد فقده حقاً. لكنه يتابع بحثه حتى يضيَّع نفسه ثم يجدها من جديد. مسرحه هو قصة هذا البحث الذي ربما كان بلا جدوى. لكن من يدري؟
مارتان ايسلن مسرح اللا معقول 1961).
مجرّد عرض هذا الموقف اليائس وتقديم الفرصة للمشاهد لكي يواجهه، مفتوح العينين، يشكل بحدّ ذاته عملاً تطهيرياً تحريرياً. ألم يواجه أوديب ولير اليأس المطلق لا معقولية الشرط الإنساني؟ مع ذلك فإن مأساتيهما هما تجربتان محررتان منفذتان.
فيليب سينار يونسكو 1964):
مسرح يونسكو مجموعة تساؤلات حول الشرط الإنساني لأن الوساوس التي يطرحها تعبّر عن شعور بالانتظار منذ آلاف السنين لن يجاب عليه إلاّ في نهاية الزمان. ربما كان هذا المسرح مسرحاً لاهوتياً لكنه مُهدى إلى "العدم الكبير" كما أن العقائد التي يمجّدها هي الأساطير التي حاول قدر الإنسان دائماً أن يتعرّف على نفسه فيها.
سيمون بن موسي يونسكو 1966):
شخصيات محاصرة، تلك هي شخصيات يونسكو التي تحاصرها ذكرياتها ويحاصرها العالم. جميع الأشكال تصبح عوائق وعقبات، وجميع الأفكار تغدو متساوية، أي مربكة بالتالي. قتامة في اللغة: حصار داخل الأحاديث الدائرية، قتامة في المفردات التي صارت أشياء، قتامة في الأشياء التي تبني أمكنة محصورة، قتامة في البيوت، التي تتفتت وتغرق وتكتسي بالفطور وتتضاءل حتى تصبح في حجم القبر، بيوت "للخريف الأبدي". قتامة في الزمن الذي يدور مثل سلّم كهربائي لا يمكن للإنسان إلاّ أن يفقد توازنه، وأخيراً قتامة في الايديولوجيات العدوانية، المتشابكة، الباطلة.
روبير أبي راشد دفاتر رينو -بارّو عدد 53. 1966).
بينما كل شيء يدفع الكتّاب والفنانين للتمسك بصيغة نهائية محدّدة، بحجّة الوفاء لأنفسهم، يتقدم أوجين يونسكو إلى الأمام دون الاكتراث بأن يقدّم عن أعماله صورة متماسكة مُعدّة سلفاً. ما أطول الطريق الذي قطعه منذ المغنية الصلعاء، وما أكثر الموضوعات الجديدة التي اكتشفها! لا، ليس في الإمكان التحدث عن الإنكار والجحود في هذا المجال، بل عن قلق كامن خفي منذ بدايات هذا المسرح راح يعلن عن نفسه شيئاً فشيئاً بقوّة، ويتحد قليلاً قليلاً مع السخرية حتى سيطر عليها في بعض المواقع وأنارها بنور غير متوقّع [....].
هل تنكّر يونسكو لوجهات نظره الأولى، واعتنق أفكار الفن الملتزم؟ ليس بالشكل الكافي، فمغزى هذه المسرحية الكركدن) لا يرتبط بأية مواقف سياسية واضحة.
جان دوفينيو المسرح والمجتمع 1969):
استمرت تجربة "المسرح الجديد" عشر سنوات. طرأت تغيرات على هذه التجربة خلال تأكيدها لشرعيتها وصفتها الرسمية. فخسرت أحياناً مذاقها اللاذع وحيويتها [....] لقد تجاوز يونسكو سريعاً الاعتراض العنيف على اللغة الدارجة والمواقف المبتذلة التي كان يعمل بها، بلا شك، في متابعة رواية "بوفاروبيكوشيه"(5) ، لكن المسرحية الهزلية الفلسفية أخفت القلق في حالة الرضى العلني وتوغلت بطريقة مؤلمة إلى باطن الكاتب نفسه.
برتران بوارو -دلبش لوموند 24 كانون الثاني 1970):
بمناسبة انتخاب يونسكو عضواً في الأكاديمية الفرنسية).
حتى لو كانت مساهمته في الفن العالمي قد فقدت شيئاً من قوتها، إذ تحوّلت إلى تأملات بسيطة عن الموت، وارتدت إلى شكل من الإنسانية الكئيبة، حتى لو أن ابتكارات أخرى بدأت تبيّن أن ابتكاراته أصبحت عتيقة، فإن يونسكو سيبقى الكاتب الأول، إضافة إلى بيكيت، الذي أعاد صياغة لغة المسرح للتعبير عن المخاوف الكبيرة الجديدة، وهذا وحده يستحق الخلود.
مؤلف "الكراسي" في رداء أخضر؟ والخطأ الطبيعي المرتبط بالمعجم؟ رغم كل شيء فالأمر ليس مستهجناً أبداً....
(1) بوليفار: سيمون بوليفار، الجنرال الذي حاول تحرير وتوحيد أمريكا اللاتينية.
(2) تلطيخية: Tachisme: نزعة في الفن التجريدي للرسم باللطخات.
(3) الأحادية Solipsisme: مذهب يقرر أن الأنا وحده هو الموجود وأن الفكر لا يدرك سوى تصوّراته المنهل).
(4) شحنة مفرغة: مقذوفة متفجرة توضع حشوتها بحيث توجه إلى الأمام وهي بليغة التأثير على المدرعات.
(5) بوفار وبيكوشيه:Bouvard et pe`cuch ,et :رواية لم تكتمل كتبها جوستاف فلوبير ونشرت عام 1881 وهي قصة رجلين محدودي الذكاء يجرّبان شتى أنواع المهن لكنهما يفشلان بطريقة مضحكة.
تعليق