إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يوجـين يونسكو - تأليف : كلود ابسـتادو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: يوجـين يونسكو - تأليف : كلود ابسـتادو


    يونسكو والنقد
    لن نستطيع أن نقدّم هنا جميع الآراء والأحكام المتعلّقة بمسرح يونسكو... تبيّن المراجع وفرة -وغالباً نوعية- النقد. لكن لن يكون جهداً ضائعاً إذا ما تابعنا، عاماً بعد عام، ردود الفعل على هذا الكاتب الجديد: معارضة غير مبررة لمسرح مخالف للمألوف، وتراجعات عن بعض الآراء. كان لابدّ من الانتظار حوالي عشر سنوات لكي نجني ثمرة ذلك الجهد المستمر لتفسير وتوضيح تلك المؤلفات.‏
    1 - اكتشاف مؤلف مجهول:‏
    كانت ردود الفعل على العروض الأولى في سنوات 1950-1953)، سطحية على وجه الخصوص. تحدّث معظم النقّاد عن الفضيحة والعار، وبعضهم، وهم نادرون طبعاً، عبّروا عن حماسهم وتأييدهم.‏
    جان بابتيسيت جينيه الفيجارو 13 آيار 1950).‏
    ما أروع الشجاعة الفائقة التي أبداها أولئك الذين، دون أي خلل، حفظوا وأحسنوا تأويل وتجسيد النص الفريد الغريب من نوعه عند يونسكو، بعد أن تساموا به. فما الذي يمنعهم من أن يسلّطوا أضواء النهار الجديد الذي تتكشف فيه أبعاد موليير وفيتراك من خلال اكتشافهم للعالم الجديد بكل مافيه من عبق مذهل؟!...‏
    بالانتظار، إنهم يسلبون المسرح بعض مشاهديه...‏
    جابرييل مارسيل لينوفيل ليتيرير 5 آذار 1953).‏
    خليط متنافر تلك هي الكلمة التي ترد على الذهن بعد مشاهدة مسرحية يونسكو "ضحايا الواجب". تبدأ بداية ساخرة، ناشزة طبعاً [....] لكن يفسد كل شيء بسرعة...‏
    روبير كمب لوموند 28 شباط 1953).‏
    أبدأ بالقول إنه فيما يتعلّق بمعرفة الإنسان والأخلاق والميتافيزيكيا فكل ما قدّمه المؤلف السيد أوجين يونسكو يساوي الصفر تماماً. كما أن مسرحيته سواء كانت رصينة أو ساخرة، تقليدية أم تهكمية، تعتمد على الفرويدية، على الوعي وماتحت الوعي، على الخير والشر، وألغاز أخرى. إنّها تصنع من هذه الموضوعات النبيلة السامية خليطاً مرعباً، مكرراً، "مرهقاً" من شدّة الاندفاع.‏
    1 - ثور اداموف آر 17 أيار 1952).‏
    لماذا هذه اللهجة الفظة التي تنمّ عن الاحتقار التي استخدمها النقّاد في حديثهم عن "الكراسي"؟. بعد التفكير يظهر تفسير واحد وهو أنّ مسرحية يونسكو اكتشفت شيئاً ما لا يرغب المرء في الاعتراف به، وهذا يعني، بكلمتين، الشيخوخة الحقيقية التي لا علاقة لها بالعمر، والتي تمثّل، عند مستوى معين من الوعي، حالة من الحياة الإنسانية. يتلهّى المرء بعلم الجمال، بينما يخشى في الحقيقة صورة عجز يجعل الوجود الإنساني يرتد إلى مرحلة الولادة دون أن يطرأ عليه أي تطوّر من المهد إلى اللحد. أمّا والحالة هذه، فإن يونسكو اكتشف هذه الصورة المرعبة في نفسه وجعلنا نكتشفها بدورنا بواسطة وسائل مسرحية ملائمة.‏
    ألان روب -غرييه كريتيك 1953).‏
    أن يتحقق الإضحاك فذلك لا نقاش فيه، بل يمكن أن يُقال إن أفضل مافي أية مسرحية هو ما يُضحكنا أكثر. لكن من المستحيل مع ذلك أن نفسر هذه الفقرات لتنضوي تحت عناوين، رغم أهمية هذه العناوين، المضحك والهزلي والساخر. بل على العكس،ربما لم يكن الضحك هنا سوى وسيلة، وسيلة لإخراجنا من عاداتنا الثقافية الحكيمة.‏
    المنهجية الديكارتية)، ترد هذه الصفة كثيراً في النص، في اللحظات غير المتوقعة)، وسيلة تنقلنا إلى عالم أغنى حيث يحوي الأسبوع يومي ثلاثاء، حيث يجب عدم الخلط بين ينبوع وينبوع، حيث تضع سيدة المنزل، بكل جدّية، خمسين فنجان شاي على الطاولة من أجل ثلاثة أشخاص فقط.‏

    - قضية مسرح جديد:‏
    بدءاً من عامي 1953-1954)، راح النقاد يبررون أحكامهم، عادوا إلى الوراء عدة سنوات وصار بمقدورهم أن يقارنوا بين عشرات المسرحيات والتمثيليات القصيرة. رغم ذلك بقيت أحكامهم عدائية أكثر من كونها متسامحة، شاملة، تحاول فهم هذا المسرح الجديد. دُرِست قضية يونسكو وكانت مآخذ النقاد عليه جهله لعلم النفس، وعدم معرفته لقواعد المسرح وافتقاره للأسلوب. كما اتهموا مسرحه أيضاً بالترويج للايديولوجية البرجوازية، على نقيض ذلك، أبرز المدافعون عنه الجدّة والقوة الساخرة، الغرابة والجرأة والفكاهة وأصالة أشكال التعبير.‏
    روبير كمب لوموند 18 تشرين الأول 1955).‏
    السيد يونسكو شاب من صنف الفريد جارّي، لم يخفِ أبداً أنّه مكتوب عليه أن يقدّم "مساهمته المتواضعة في هدم مسرح محدّد"[.....]. يمثل يونسكو في نظر مجموعة صغيرة، صغيرة جداً، "محرّراً".. إنه بوليفار(1) المسرح... فليحتفظ بوهمه الجميل. إنه فضولية تافهة في مسرح اليوم[....].‏
    لو كان طبّق بجديّة مواهبه الأكيدة في الكتابة لأنتج أشياء لها قيمتها. لكن مسرحيتي "اللوحة" و"جاك" اللتين شاهدناهما منذ برهة ماهما سوى ذباب لآكل الذباب إضاعة وقت). الحوار ثقيل، رديء، من صنف ثانٍ كما يقول اللحّام.‏
    رولان بارت المسرح الشعبي. العدد 18، الأول من آذار، 1956).‏
    ليست الطليعة أبداً سوى طريقة لتمجيد الموت البرجوازي إذ أن موتها ينتمي إلى البرجوازية أيضاً. لكنّ الطليعة عاجزة عن الذهاب أبعد من ذلك وكأنها لا تستطيع أن تدرك النهاية الفاجعة التي تعبّر عنها، مثل لحظة انتاش البذور، ومثل الانتقال من مجتمع مغلق إلىمجتمع مفتوح [....].‏
    بما أن الطليعة تعيش على البرجوازية وتعبر عن ممتلكاتها، فمن المؤسف أن تساير تطورها. يخيّل لنا أننا نشهد موتها ببطء، وسواء أكانت البرجوازية تعيد توظيف استثماراتها كاملة في تلك الطليعة، سينتهي بها الحال إلى حضور الأمسيات التي تعرض فيها مسرحيات بيكيت واوديبرتي وغداً ستعرض مسرحيات يونسكو الذي تأقلم سريعاً مع نقد الإنسانيين) وسواء أكان الكاتب الطليعي، وقد أقرّ بوجود مضمون سياسي للمسرح، يتخلّى بالتدريج عن التأكيد الجمالي البحت وهذه هي حالة اداموف بلا شك)، ليندفع على طريق الواقعية الجديدة.‏
    برنارد دور المسرح الشعبي. العدد 18. آذار 1956).‏
    أن يرفض المشاهد إذ لا يمكن الحديث عن الجمهور)- هذا المشاهد الفردي، بديل المؤلف- أو يقبل مسرح الرعب هذا، ليس لاختياره، في الحقيقة، أية أهمية، إذ، في النهاية، لاشيء قد حدث. لقد ألغى هذا المسرح العالم لكن بطريقة خيالية وهمية، ولهذا السبب فإن هذا المسرح هو الذي ألغى نفسه، أنكر نفسه بنفسه.‏
    كينث تاينان الا وبسرفر 22 حزيران 1958).‏
    لقد خلق السيد يونسكو عالماً من الرجال الآليين الروبوت)، المتوحدين يتبادلون فيما بينهم حوارات شبيهة بحوارات "حكايات" الأطفال، حوارات مضحكة أحياناً،ذات إيحاء أحياناً أخرى، وغالباً لا تكون هذه ولا تلك فتسبّب آنذاك سأماً عظيماً.. مسرحيات يونسكو تشبه حكايات الكلاب الناطقة، لا يستطيع المرء سماعها مرتين [....] يحقق السيد يونسكو حقاً "انطلاقاً للواقعية"، لكنه انطلاق نحو أي شيء؟ نحو طريق مسدود، ربما كان مزيناً بزخارف تلطيخية(2) على الجدران: أو بجرس يدعونا المؤلف على قرعاته الحزينة أن نلحظ انعدام الهواء أو، وهو الأفضل، يدعونا إلىنزهة طويلة في القطار الشبح، المملوء بالجماجم والأقنعة الشمعية التي تعوي وتصرخ... لكننا ندخل بعد ذلك إلى الواقع اليومي حيث الضوضاء بالرعب الأشد.‏
    مسرح يونسكو لاذع، جارح، مهيّج، لكنه يبقى تسلية هامشية ولم يأخذ مكانه في هذه المسيرة الكبيرة والادّعاء أنه كذلك لا يقدّم خدمة لا ليونسكو ولا للمسرح عموماً.‏
    كينث تاينان الاوبسرفر 6 تموز 1958).‏
    لقد بقيالسيد يونسكو) أسير التكعيبية. كان التكعيبيون يلجأون إلى تشويه الأشكال ليحققوا اكتشافات في مجال طبيعة الواقع الموضوعي. يعتقد السيد يونسكو أن لتشويهاته قيمة أعظم وأهمية أكبر من العالم الخارجي الذي يحاول تقديمه [....].‏
    الخطر الذي يهدد يونسكو هو أن يسجن نفسه في قاعة المرايا هذه، المعروفة في الفلسفة باسم الأحادية(3) . الفن يعيش على الحياة مثلما يعيش النقد على الفن. لقد حطّم السيد يونسكو ومؤيدوه هذه العلاقة وعزلوا أنفسهم وراحوا يطمحون إلى نوعٍ من الجمودية الهادئة التي تقاوم كل تجديد.‏
    جاك لومارشان مقدمة مسرح يونسكو 1954).‏
    ليس هذا المسرح مسرحاً سيكولوجياً ولا رمزياً ولا اجتماعياً ولا شعرياً ولا سريالياً. إنّه مسرح لم تتحدد وصفته بعد، مسرح لم يأخذ مكانه في أي قسم من أقسام المسرح الجاهزة إنه مسرح/ على القياس) لكنني أشعر تماماً أن أمري سينكشف إذا لم أجد تسمية لهذا المسرح.‏
    إنه بالنسبة لي مسرح مغامرات إذا ما أخذنا كلمة مغامرات بالمعنى الذي نفهمه عندما نقول رواية مغامرات. إنه مسرح فروسية لا يخضع للمنطق مثل مغامرات "فانتوماس" غير حقيقي مثل رواية جزيرة الكنز، لا عقلاني مثل رواية الفرسان الثلاثة، لكن هذا المسرح، مثله مثل تلك الروايات، شاعري، ساخر، مثير. إنه ينتهك قواعد اللعبة، وأنا أعرف ذلك. إنّه مع ذلك... نقيض المسرح الذي يتستر على العيوب/نقيض المسرح.‏
    اندريه بروتون دفاتر الفصول 1955).‏
    مرة أخرى تُعرض مسرحية جديدة ليونسكو على مسرح لاهو شيث المغروس في قلب باريس القديمة، وهودواتها الصاخبة التي تجتذب لها صخب المدينة كله، وكما كنّا في عزّ طفولتنا رحنا نهيء أنفسنا إلى مشاهدتها، وهي تتمايل بانعطافاتها الواسعة، وتقفز فوق نفسها كما لو أنها تستسلم، بلا مقاومة، إلى نبضات قلوبنا.‏
    جان انوي الفيجارو 23 نيسان 1956).‏
    عن مسرحية الكراسي) أعتقد تماماً أن هذه المسرحية أفضل مسرحيات سترندبرغ لأنّها مسرحيةسوداء "على طريقة موليير" وأحياناً تكون مضحكة جداً، كما أنّها مسرحية مخيفة، غريبة، موجعة، صحيحة دائماً، كلاسيكية -عدا تلك الحركة الطليعية البالية التي لم أحبها عند نهاية المسرحية...‏

    انهيار التحالفات.‏
    تغيّر موقف النقاد بشكل ملموس منذ مسرحيتي قاتل بلا أجر والكركدن.. وافق بعض الأنصار الأوائل على تطوّر يونسكو لكن آخرين، رغم سرورهم لنجاح المؤلف، تحسّروا على المسرحيات الساخرة المدمّرة التي كتبها في بداية حياته الأدبية. اتهموا "الرجل العظيم" بالرمزية والنزعة الإنسانية وربما اتهموه بالانتهازية. علىعكس ذلك فإن بعض الذين سخطوا عليه عام 1950. مدحوا المسرحيات الجديدة وصفقوا لها. أخذ النقاد "الملتزمون على يونسكو عدم اهتمامه بالمشاكل الراهنة.‏
    جان سيلز الآداب الجديدة 4 آذار 1959).‏
    لم يخلق يونسكو فقط شكلاً مسرحياً تغتني فيه الشخصيات واللغة والديكور والاكسسوار باكتسابها وظيفة جديدة، بل خلق مُشاهداً أيضاً.‏
    إلزا تريوليه الآداب الفرنسية شباط 1960).‏
    كم كانت دهشتي عظيمة أمام المقالات الأولى التي ظهرت! هل كان على بصري غشاوة؟ هل أخطأت الحكم؟ هل أُصيب نقاد اليسار بمرض خرتتة حاد؟ [.....] هاهم يقومون قيامة كركدن واحد ضد المسرحية، يحكمون عليها من وجهة نظر الكركدنات. حتى لا يؤخذوا علىحين غرّة ولا يجدوا أنفسهم خارج جماعة الجهابذة -الكركدنات.‏
    روبير كمب لوموند آذار 1959).‏
    أيتها الرمزية، هاهي ضرباتك! لقد سلبتِ من كاتب مسرحي أصيل، حاد الطبع جزءاً من قريحته وبريقه. "قاتل بلا أجر" مسرحية ذات وزن، وزن كبير، بالنسبة للحقائق التي تحملها وهي حقائق خفيفة راجع آراء الناقد نفسه عامي 1953-1955).‏
    برتران بوارو- دلبش لوموند كانون الثاني 1960).‏
    "لن أستسلم أبداً" هكذا صرح بطل مسرحية الكركدن في وجه محاولات الامتثاليةالخضوع للأعراف المقررة)؟ أمّا فيما يتعلق بالمؤلف فالاستسلام حقيقة واقعة، للأسف... لنتفق إذن. لقد كان موقفاً صحيحاً،مطلوباً، أن تكرّس باريس، ومعها أوروبا كلها، الشاعر الحقيقي الذي كتب المغنية الصلعاء. لكن إنساناً ورعاً من عصر الدياميس له الحق في أن يحزن لأن يونسكو بعد أن اكتشف تفاهة الابتذال سقط، وهو يتابع طريقه، في ابتذال التفاهة وفي الرمزية الوعظية التي كان يلعنها.‏
    غي لوكليرك الاومانيتيه).‏
    لقد أضاف يونسكو شيئاً إلى المسرح الفرنسي المعاصر: أضاف نقداً للغة والحياة المتعارف عليهما؟ وتصويراً لاستلاب الإنسان في المجتمع الحالي، وأسلوباً درامياً جديداً ومثيراً. كانت مسرحياته ذات الفصل الواحد ذات شحنة مملوءة تقدح وتصدم، أمّا مسرحياته ذات الفصول الثلاثة- الكركدن، قاتل بلا أجر- فهي ذات شحنة مفرغة(4) .‏
    اندريه سيمون ايسبري. نيسان 1960).‏
    يمتاز يونسكو بكثير من الظرافة وبمثلها من الإرادة الطيبة. على عكس المظاهر، لم يحاول أبداً أن يزعج أو يكدّر، ولكي يشكر هؤلاء السادة والسيدات الذين انتزعوه من مسارح الأقبية. تظاهر بالجدية مع نفسه ومعهم. إنّه يعمل مع أصحاب النزعة الإنسانية الشاملة، ضمن المشاعر الطيبة والأفكار العظيمة...‏
    كيف حدث أن أول المخلصين له استقبلوه ببرودة واتهموا الرجل العظيم بالانتهازية؟‏
    جيل ساندييه آر 21 كانون الأول 1966).‏
    من المؤثر حتماً أن نرى يونسكو وهو ينظر إلى الموت على المسرح مثلما يفعل ذلك في الحياة. لكن هذا الملك الذي يرمز للشيطان، مثقل إلى حدٍ ما بالاستعارات والمجازات... إنه الإنسان، إنه الله، إنّه الإنسان - الإله، إنّه المسيح، إنه أوجين يونسكو، وهذا يعني الكثير. يتحسّر المرء على يوسويه، يتحسّر على شكسبير، يفكر المرء بما ترلنك، ويتحسّر على "الكراسي".‏
    جان فينيو رون لاكروا شباط 1960).‏
    لا مجال للخطأ هذه المرّة فيونسكو يكتب بلغة فرنسية! كما أن مسرحية الخرتيتالكركدن) عمل واضح تماماً، فيه رمزية شفافة، قويّة جداً، بحيث يمكن النفاذ إليها كما أنها ذات مضمون عظيم جداً بحيث يستطيع الجميع إدراك مغزاها.‏
    جورج ليرمنييه غازيت دولوزان 12كانون الثاني 1963).‏
    هذا الغنائي التهكمي، هذا التراجيدي الساخر، هذا المهرّج الميتافيزيكي، يأخذ منا أكثر مافي اللغة من إنسانية. مواضيعه هي مواضيعنا، وأولئك الذين مازالوا يتهمون يونسكو بالانغلاق والعمى، إذا ما وُجدوا، هم العميان حقاً.‏
    جان - جاك غوتييه الفيجارو 7 كانون الأول 1966).‏
    نعم، ها أنذا أقول وأكرر:"الملك يموت"، مسرحية إنسانية، مركزّة، جيدة التأليف، حسنة الكتابة، فيها شاعرية عظيمة، إنها عمل مؤثر موجع، إنها مضحكة أيضاً. إنها تراجيكوميديا شكسبيرية.‏
    اذهبوا لمشاهدتها، إنّها تستحق العناء.‏
    بيرنيرو دوبوادفر لينوفيل ليتيرير 7 نيسان 1966).‏
    عن مسرحية العطش والجوع). عمل حرّ، غني، جميل، متحرر من جميع الايديولوجيات، على اتصال مباشر مع القلق العميق الذي يعانيه هذا القرن وتحمل المسرحية سماته؛ لكنّها تتجاوزه للضرورة الفكرية التي لا جدال فيها والتي تظهر في المسرحية. إنها دراما غريبة عظيمة يمكن الانتقال فيها بيسر من الهزلي إلى التراجيدي ومن اليومي إلى الأبدية.‏
    رونيه سوريل الأزمنة الحديثة نيسان 1959).‏
    عبثاً يفتش المرء في هذه المسرحيات عن علامة من علامات عصرنا.‏
    هانز ماير المسرح الشعبي العدد 50، 1963).‏
    فرد وحيد ومعه ميزته الخاصة: تهديد القلق والموت. صاحب ايديولوجية يراوده وهم أنه يحارب كل الايديولوجيات. مؤلف مسرحي ذو رسالة موجهة إلى شخص واحد. لكن هذه الشخصيات المتفرّدة كلها، المتباهية بحريتها، التي تتحدث وتكتب ضد حضارة الجماعة هي في الحقيقة تعبير عن حضارة الجماعة تلك.‏

    محاولات تفسيرية:‏
    بعدعشر سنوات من النضال و"الفشل المتعاظم" فرض يونسكو نفسه على الجمهور حوالي عام 1960. آنذاك بذل النقد جهداً مقبولاً لفهم مسرحياته وتفسيرها. حلّل النقد الفن المسرحي، والتنفيذ، وبنية الحدث، والشخصيات واستخدام الديكورات والاكسسوارات، كما وضّح النقد دلالات ذلك المسرح ومقاصده.‏
    فيليب سوبو دفاتر الفصول 1959).‏
    لا يلجأ يونسكو إلى الحيلة أبداً على عكس معظم المؤلفين المسرحيين. لم تكن تلك المهنة الشهيرة، ولا إيرادات المسرح ولا المهارات العظيمة حصنه المنيع أبداً. كان كل شيء يبدو بسيطاً جداً، واضحاً جداً بحيث يتساءل المرء إن كان المؤلف قد أقدم على ذلك عن قصد. مع ذلك لا نلحظ أبداً أي تراجع أو أية لحظة لا حركة فيها.‏
    جورج دوفين الوبسرفر تموز 1959).‏
    هل يكفي أن نقول أن على المسرح أن يهتم بالواقعية الاجتماعية لأن المشاكل الاجتماعية ذات أهمية عظمى؟ ليست المشاكل الاجتماعية هي المشاكل الوحيدة... ولماذا يجب على العقدة والغاية أن ترتديا الزي الإبسني؟ أبسبب الشيء الزهيد يقال عن يونسكو إنه مُضِلّ خطير؟ بحق السماء ليتنا نستبعد أبداً أولئك الذين يبتعدون عن الطريق العريض. لأنّ افتقادهم يوحي بأمر مزعج... لا. يجب على المسرح الحي أن يدفعنا إلى معرفة أنفسنا معرفة أفضل، وأن نعرف الآخرين، وأن نطرح من جديد مسألة المدارس الجديدة كلها. "الالتزام"، يعني أن نضع أنفسنا في موقف الكلب الذي يركض خلف ذيله.‏
    بيير ايميه توشار أفانسين العدد 156، 1959).‏
    يجب علينا أن ندرك جيداً أن الشباب المثقف قد اكتشف في عالم بيكيت ويونسكو) وجه الإنسان المعاصر؛ ويكفي النجاح العالمي لهذه الأعمال لدى جيل الشباب في شتى البلدان لينذر أولئك الذين يقهقهون ويرفضون هذا الحكم المبرم في قضية المغامرة الإنسانية.‏
    جورج نوفو افانسين العدد 156، 1959):‏
    تبدأ الشخصيات عموماً ببعدين فتتميز آنذاك بسطحية مضحكة لكن كلما تطورت المسرحية نراها تكتسب أبعاداً إضافية، أبعاداً تصل إلى أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر، ويرمينا المؤلف في الطبقات المتراكبة لحياة الشخصيات الداخلية يجب أن نقول: مسرح عرائسها الداخلي) كما لو كنا في علبة تتكشف أعماقها واحداً بعد آخر. في عالم يونسكو، يبدأ كل شيء طبيعياً وينتهي غرائبياً.‏
    كلود روا فرانس - اوبسرفاتور 1959):‏
    عذر يونسكو لرغبته في إيصال رسائل باعتزاز ومباهاة، كما يفعل موزعو البرقيات الصغار، هوأن بعض العقول النيّرة تعاملت معه في بداياته على أنه صبي وقح، وبما أن تلك العقول النيّرة لم تفهم ماذا كان يريد أن يقول استنتجت أنه لا يريد أن يقول أي شيء.‏
    سيرج دوبروفسكي الضحك عند يونسكو. مجلة المجلة الفرنسية الجديدة. شباط 1960).‏
    المسرح اللاعقلاني ليس مجرّد مسرح يهاجم أصنام العقلانية، التطور-نحو السعادة- بواسطة- العلم... إنّه في الدرجة الأولى مسرح وُجِدَ ليعبّر بالفعل عن اللاعقلاني. كان المسرح التقليدي متماسكاً لأن الإنسان الذي قدّمه كان متماسكاً، ومن وجهة النظر هذه فإن كتّاب اللا معقول، مثل كامو وسارتر، بقوا، في مسرحهم، كما في أسلوبهم، محافظين تماماً... التعبير الحقيقي عن اللامعقول يتطلب تفكيكاً كلياً مزدوجاً، تفكيك الشخصية وتفكيك اللغة[....].‏
    تقدم مسرحية المغنية الصلعاء، مثلها مثل جميع مسرحيات يونسكو، عينات كاملة لما أسماه هيديجر "الثرثرة اليومية"، حيث يترسب العناء الإنساني في عبارات وأقوال مأثورة وأمثال نتعرّف عليها حال ورودها لأنّها زينة حديثنا اليومي. يوجد لدى يونسكو رقيب، وصاحب تصانيف لا يرحمان، يقذفان لنا مجموعة من الحماقات النموذجية [....].‏
    مسرح يونسكو مسرح انطولوجي ويبدو أن المؤلف من أوائل المسرحيين الذين أخذوا على محمل الجدّ التأكيد القائل أن الفكر ليس منطقة للوجود بل على العكس إنه لا وجود له في وسط هذا العالم.‏
    غي دومور آر. كانون الثاني 1960):‏
    يجعلنا يونسكو نفكر بذلك الرجل الذي يبحث في عاصمة أجنبية عن غرض مفقود. أولئك الذين يعرفون مسرح يونسكو يعلمون جيداً أنه ماعاد يتذكر جيداً ذلك الغرض المفقود ولا إن كان قد فقده حقاً. لكنه يتابع بحثه حتى يضيَّع نفسه ثم يجدها من جديد. مسرحه هو قصة هذا البحث الذي ربما كان بلا جدوى. لكن من يدري؟‏
    مارتان ايسلن مسرح اللا معقول 1961).‏
    مجرّد عرض هذا الموقف اليائس وتقديم الفرصة للمشاهد لكي يواجهه، مفتوح العينين، يشكل بحدّ ذاته عملاً تطهيرياً تحريرياً. ألم يواجه أوديب ولير اليأس المطلق لا معقولية الشرط الإنساني؟ مع ذلك فإن مأساتيهما هما تجربتان محررتان منفذتان.‏
    فيليب سينار يونسكو 1964):‏
    مسرح يونسكو مجموعة تساؤلات حول الشرط الإنساني لأن الوساوس التي يطرحها تعبّر عن شعور بالانتظار منذ آلاف السنين لن يجاب عليه إلاّ في نهاية الزمان. ربما كان هذا المسرح مسرحاً لاهوتياً لكنه مُهدى إلى "العدم الكبير" كما أن العقائد التي يمجّدها هي الأساطير التي حاول قدر الإنسان دائماً أن يتعرّف على نفسه فيها.‏
    سيمون بن موسي يونسكو 1966):‏
    شخصيات محاصرة، تلك هي شخصيات يونسكو التي تحاصرها ذكرياتها ويحاصرها العالم. جميع الأشكال تصبح عوائق وعقبات، وجميع الأفكار تغدو متساوية، أي مربكة بالتالي. قتامة في اللغة: حصار داخل الأحاديث الدائرية، قتامة في المفردات التي صارت أشياء، قتامة في الأشياء التي تبني أمكنة محصورة، قتامة في البيوت، التي تتفتت وتغرق وتكتسي بالفطور وتتضاءل حتى تصبح في حجم القبر، بيوت "للخريف الأبدي". قتامة في الزمن الذي يدور مثل سلّم كهربائي لا يمكن للإنسان إلاّ أن يفقد توازنه، وأخيراً قتامة في الايديولوجيات العدوانية، المتشابكة، الباطلة.‏
    روبير أبي راشد دفاتر رينو -بارّو عدد 53. 1966).‏
    بينما كل شيء يدفع الكتّاب والفنانين للتمسك بصيغة نهائية محدّدة، بحجّة الوفاء لأنفسهم، يتقدم أوجين يونسكو إلى الأمام دون الاكتراث بأن يقدّم عن أعماله صورة متماسكة مُعدّة سلفاً. ما أطول الطريق الذي قطعه منذ المغنية الصلعاء، وما أكثر الموضوعات الجديدة التي اكتشفها! لا، ليس في الإمكان التحدث عن الإنكار والجحود في هذا المجال، بل عن قلق كامن خفي منذ بدايات هذا المسرح راح يعلن عن نفسه شيئاً فشيئاً بقوّة، ويتحد قليلاً قليلاً مع السخرية حتى سيطر عليها في بعض المواقع وأنارها بنور غير متوقّع [....].‏
    هل تنكّر يونسكو لوجهات نظره الأولى، واعتنق أفكار الفن الملتزم؟ ليس بالشكل الكافي، فمغزى هذه المسرحية الكركدن) لا يرتبط بأية مواقف سياسية واضحة.‏
    جان دوفينيو المسرح والمجتمع 1969):‏
    استمرت تجربة "المسرح الجديد" عشر سنوات. طرأت تغيرات على هذه التجربة خلال تأكيدها لشرعيتها وصفتها الرسمية. فخسرت أحياناً مذاقها اللاذع وحيويتها [....] لقد تجاوز يونسكو سريعاً الاعتراض العنيف على اللغة الدارجة والمواقف المبتذلة التي كان يعمل بها، بلا شك، في متابعة رواية "بوفاروبيكوشيه"(5) ، لكن المسرحية الهزلية الفلسفية أخفت القلق في حالة الرضى العلني وتوغلت بطريقة مؤلمة إلى باطن الكاتب نفسه.‏
    برتران بوارو -دلبش لوموند 24 كانون الثاني 1970):‏
    بمناسبة انتخاب يونسكو عضواً في الأكاديمية الفرنسية).‏
    حتى لو كانت مساهمته في الفن العالمي قد فقدت شيئاً من قوتها، إذ تحوّلت إلى تأملات بسيطة عن الموت، وارتدت إلى شكل من الإنسانية الكئيبة، حتى لو أن ابتكارات أخرى بدأت تبيّن أن ابتكاراته أصبحت عتيقة، فإن يونسكو سيبقى الكاتب الأول، إضافة إلى بيكيت، الذي أعاد صياغة لغة المسرح للتعبير عن المخاوف الكبيرة الجديدة، وهذا وحده يستحق الخلود.‏
    مؤلف "الكراسي" في رداء أخضر؟ والخطأ الطبيعي المرتبط بالمعجم؟ رغم كل شيء فالأمر ليس مستهجناً أبداً....‏
    (1) بوليفار: سيمون بوليفار، الجنرال الذي حاول تحرير وتوحيد أمريكا اللاتينية.‏
    (2) تلطيخية: Tachisme: نزعة في الفن التجريدي للرسم باللطخات.‏
    (3) الأحادية Solipsisme: مذهب يقرر أن الأنا وحده هو الموجود وأن الفكر لا يدرك سوى تصوّراته المنهل).‏
    (4) شحنة مفرغة: مقذوفة متفجرة توضع حشوتها بحيث توجه إلى الأمام وهي بليغة التأثير على المدرعات.‏
    (5) بوفار وبيكوشيه:Bouvard et pe`cuch ,et :رواية لم تكتمل كتبها جوستاف فلوبير ونشرت عام 1881 وهي قصة رجلين محدودي الذكاء يجرّبان شتى أنواع المهن لكنهما يفشلان بطريقة مضحكة.‏

    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

    تعليق


    • #17
      رد: يوجـين يونسكو - تأليف : كلود ابسـتادو

      حوار مع أوجين يونسكو
      حواء..‏
      - كلود ابستادو: تمثّل دراسة الناقد للعمل الأدبي وجهة نظر موضوعية دائماً. هل تستطيع يا أوجين يونسكو، أن تقدذم وجهة نظر شخصية حول بعض المسائل، وأن تشير إلى مقاصد المؤلف؟...‏
      من مسرحية إلى أخرى، وتحت وجوه متعددة، قدّمتْ وجسّدتْ المرأة والرجل، حواء وآدم، كيف تراهما؟‏
      - أوجين يونسكو: عندما أتحدث عن الزوجين، أخصّ المرأة بالمديح. أعنقد أن المرأة هي التي تمتلك الصفاء والحب.‏
      لديّ انطباع أن هذا واضح جداً منذ منتصف الفصل الأول في مسرحية العطش والجوع. المرأة عاقلة. محبّة، تضمّ في أعماقها صفاء وفرحاً روحياً لا نجدهما لدى الرجل. وهي التي تجسّد روح الزوجين وهي المسؤولة عن الرجل، لكنها لا تنجح دائماً. في المشهد الأخير من الفصل الأول نجد عندها رؤية فردوسية، بينما الرجل لا يدرك شيئاً من ذلك الحب. يهجر البيت ويضيع. لم يلتقِ بأي شيء أساسي، ولم يجد شيئاً، وينتهي به المطاف إلى ذلك الدير-السجن الذي يمثل صورة عن الجحيم. على العموم مسرحية العطش والجوع تعالج إلى حدّ ما موضوع فاوست ومرغريت...‏
      المرأة مسؤولة عن كل شيء وإذا ماظهرت يائسة من وقت لآخر فذلك لأن الرجل يصب عليها همومه كلها. في اميديه يهرب الزوج، يفرّ لكنها تبقى وفيّة مخلصة. وفي الكراسي. الرجل فاشل لكنها تتبعه حتى في فشله، ترافقه، تتبعه حتى في الموت. يهرب الرجل أحياناً أو يحاول الهرب لكن المرأة لا تفعل ذلك...‏
      ك.أ. لكن في مسرحية الكركدن، ديزي هي التي تهرب.‏
      ا.ي. صحيح، لكن ديزي، في الكركدن، ليست زوجة، إنها امرأة مغناج.‏

      ك.ا. في "الملك يموت" للمرأة وجهان لا ينسجمان. مرغريت وماري.‏
      ا.ي. مثّلتْ دور مرغريت بشيء من الخبث تلك الممثلة العظيمة التي قدمت معظم مسرحياتي، تسيلا شيلتون. ربما كان يناسب تسيلا شيلتون دور الضحية، أما بالنسبة لدور مثل دور الملكة مرغريت فقد وجدت مخرجاً إذ خلقت منه شيئاً آخر؛ خلقت منه امرأة مستبدة تسعى إلى الخصام إلى حدّ ما. لكن مرغريت تمثل القدر، تمثل القانون، والقانون رصين، قُدّمتْ عروض أخرى في انجلترا والمانيا صورة مختلفة عن المرأة، المرأة التي لا تلين لكنها صافية مشرقة.‏
      المرأة هي الواجب لكنها الحب أيضاً. الملكة ماري هي الوجه الآخر للملكة مرغريت. هناك وجهان للمرأة، هناك ازدواجية. أرادت ماري أن تهب الملك سعادة أرضية ربما كان من المستحيل أن ينالها بينما كانت مرغريت مجبرة على أن تقوده حتى إتمام ذاته في الموت.‏
      في مسرحية لعبة القتل نرى رجلاً وامرأة عجوزين يمكن اعتبارهما تلخيصاً لمسرحية الكراسي. المرأة هي التي تمتلئ بالثقة، المرأة هي السعيدة، رغم الكارثة، رغم الطاعون، رغم الموت. هي سعيدة لأنّها أحبت طوال الوقت. لقد أدرك الرجل متأخراً أن الحب والخلاص كانا قربه.‏
      في الماشي في الهواء، تدافع المرأة عن الرجل، تساعده، تخاف عليه. هي التي كان عليها أن تعمل لتؤمن طمأنينة زوجها المجنون. في مشهد الكوابيس من الجزء الثاني من المسرحية أردتُ أن أبيّن الوحدة المطلقة التي تعيش فيها المرأة لأن الرجل يستطيع الاعتماد على المرأة، يمكن أن تحبه المرأة، أمّا المرأة فلا سند لها، وهي التي تمسك كل الخيوط بيديها.‏
      .... وآدم.‏
      ك.أ. والرجل؟ الموزّع دائماً بين صعوبة الحياة والاندهاش، أية تجربة في هذا العالم يمثلها الرجل؟ قيل أحياناً إنك قدّمت نفسك على المسرح تحت اسم بيرانجيه أو جان...‏
      أ.ي. ربما كانت شخصياتي صورة عني إلى حدّ ما. لكن لا يمكن أن تكون أنا. صعب أن أقول: إنها غالباً الشيء الذي لا أريد أن أكونه، مالا يريد الكاتب أن يكونه. إنها الصورة التي رآها في الحلم. يمكن أن يكون المقصود شخصاً آخر، شخصاً تتحدث عنه، عرفناه، إذن نخاف منه... الرجل مثل الطفل ومن هنا يمكن أن نجد قيمته. إنه ذو قيمة روحية لأنه رغم كل شيء، طفل بحاجة إلى أم، إلى الأم- الزوجة التي تواسيه، ولأنّه يملك رؤية مدهشة للعالم. بطريقة ما، الرجال الذين خلفتهم لا يشيخون إذ أنهم يتابعون حياتهم في الاندهاش، والذهول والاستغراب.‏
      هذا الاندهاش أمام الكون هو الموقف الفلسفي الأساسي، كما اعتقد، ومن ثمّ يجب إقامة فلسفة طبعاً؛ لكن نقطة انطلاق كل معرفة هي هذه القدرة على الاندهاش.‏
      نرى هذه القدرة أحياناً لدى المرأة لكنها تكون أضعف بكثير دون شك، لأن للمرأة هموماً كثيرة إذ يجب عليها أن تساعد وتسند طفلها الرجل العجوز.‏
      الفرد والمجتمع:‏
      ك.ا. أنت تعرض الفرد في حالة تمرّد "غريزي" بمواجهة المجتمع.‏
      ا.ي. الجمهور وحش مخيف. هذا ما حاولت أن أقوله في الكركدن، يرفض بيرانجيه أن يكون مثل الآخرين، يرفض ارتداء الزي الدارج، يرفض الإيمان بالايديولوجية المسيطرة، يرفض الانخراط مع الجمهور، يرفض الولوج إلى عالم "التنكير المجهول". يخاف أن يخسر روحه أوشخصيته. كان اينشتاين يكره التجمعات البشرية التي تضم عشرات الأشخاص. كان يحتقر من يحبون الشعارات، من يصرخون "صيحة القتال"، من يسيرون أرتالاً على الإيقاعات الموسيقية كما كان يفعل الهتلريون سابقاً وكما يفعل الصينيون حالياً؟ يغنون ويحملون شعارات أخرى، آلهة أخرى من الرجال.‏
      في "الماشي في الهواء" قيل إنني كنتُ أتحدث عن خوفي الخاص، لكن لهذه المسرحية طابع سياسي... اعتمدتْ حكاية الطفل المقتول على "حادثة حقيقية" كما أنّ البعض قال: المقصود حكاية شاب في السابعة عشرة حاول الهرب من برلين الشرقية، فأُردي قتيلاً على "السور" عندما حاول اجتيازه... أما الشيء الذي رآه بيرانجيه أثناء هربه فهو الصورة البشعة المخيفة للعالم، العالم المستبد... إنّها حقاً مسرحية سياسية. عُرضت في برلين وفهمها البرلينيون على هذا الأساس مما خلق بعض الضيق والإزعاج.‏
      ك.أ. وماذا يمثل "ماوراء العالم"؟‏
      أ.ي. صعب جداً أن أشرح ذلك. المهمّ، في تلك الفترة كنت قد قرأتُ مؤلفات بعض علماء الفيزياء.‏
      ك.أ. "قاتل بلا أجر" هي أيضاً مسرحية سياسية، إذا ما تذكرنا مشهد الأم بيبا.‏
      أ.ي نعم. الأمر واضح.‏
      مسرح"ملتزم".‏
      ك.أ. أخيراً. هل يمكن الحديث عن مسرح ملتزم فيما يتعلّق بمسرحياتك، على عكس رأي بعض النقاد؟‏
      ا.ي. كنت أتهم عام 1954، بأنني لا أكتب مسرحاً ملتزماً. في مجلة الاكسبريس مقالة طويلة بتوقيع برنار دور يقول فيها: حسناً، لقد أحسن اداموف، ويونسكو فيما صنعاه حتى الآن - أي نقد المجتمع البرجوازي ونقد لغة البرجوازية الصغيرة (هذا ليس صحيحاً إذ أن المقصود هو "البرجوازية الصغيرة في كل المجتمعات، اشتراكية أو رأسمالية أوسواها)، أمّا الآن فعليهما أن يقدّما شيئاً آخر، شيئاً إيجابياً.. كانوا يطالبوننا بالانضمام إلى مدرسة بريخت، وكان دور يريد أن يكون زعيم ايديولوجية تيار جديد؛ لكن لم تكن لديه القدرة على ذلك.‏
      اعتباراً من قاتل بلا أجر والكركدن بدأتُ كتابة "مسرح ذي رسالة" لكنها لم تكن الرسالة المنتظرة.‏
      ك.أ. لقد كتبت أن ليس على المسرح أن يمجدّ أية ايديولوجية، وأن الأجدى من ذلك أن يقرأ المرء مقالة فلسفية أو جريدته اليومية.‏
      أ.ي. أرى أنّه إذا كان على المسرح أن يبقى بعد وفاة مؤلفه لن يكون ذلك بسبب الرسالة التي ينقلها.‏
      أستشهد غالباً ببيراندللو: جميع نظرياته النفسية التي كانت تثير اهتمام عصره تمّ تجاوزها، ومع ذلك فإن بيراندللو مازال حيّاً.‏
      كذلك الذين أقاموا المعابد، كانوا يتخيلون أنهم يفعلون ذلك لجمع المؤمنين وتقديم الأضاحي للآلهة؛ لقد خلق المهندسون المعماريون أثراً معمارياً بكل بساطة.‏
      في مؤلفات الكاتب المسرحي، إمّا أن يتلف كل شيء ويتلاشى أو تتحوّل تلك المؤلفات إلى مسرح خالص.‏
      ك.أ. ماذا تقصد بـ "مسرح خالص"؟‏
      أ.ي. هناك الكثير مما يقال في هذا الموضوع.‏
      في المسرح، ليست الأفكار هي التي تبقى إذ أن الايديولوجيات كلها تسقط في النهاية ويتمّ تجاوزها. ما يبقى هي العواطف والشخصيات، وربما بعض الأفكار، لكنها أفكار حيّة، من لحم ودم. لا يعنينا الآن الأفكار الفلسفية التي أتى بها شكسبير، إن ما يعنينا هو انفعالات هاملت أو ماكبث أوالملك لير... فلسفة شكسبير موجودة عند باسكال، عند الملك سليمان، عند النبي أيوب...‏
      (هذا ما يُطلق عليه نقاد هذه الأيام "الترهات" الأمر يتعلق بكاتب جديد).‏
      الإخراج:‏
      ك.أ. مصير مسرح ما مرتبط أيضاً بتنوّع العروض التي يقدمها الممثلون والمخرجون.‏
      ا.ي. نعم. أعتقد أن عملاً مسرحياً يمكن أن يُعرض بطرق متنوعة جداً: هناك عدد غير محدود من العروض المقبولة وعدد غير محدود من العروض غير المقبولة.‏
      ك.أ. يتطوّر الإخراج مع الزمن. المسرحية التي كتبت عام 1950، لا يجوز أن تُعرض عام 1970 بالشكل الذي أُخرجت فيه سابقاً.‏
      أي. لا شيء يشيخ سريعاً مثل أسلوب الممثل أو طريقة الإخراج. المسألة هامة. تتغير الحساسية الإنسانية كل عشر سنوات أوخمس عشرة سنة. وعلى الإخراج أن يلبي أسلوب كل عصر.‏
      ك.ا . من وجهة النظر هذه، هل يمكن اعتبار "لعبة القتل" بداية طريقة جديدة في مسرحك.‏
      ا.ي. نعم. لديّ هذا الانطباع.‏
      بدأتُ أولاً بالمسرحيات ذات الفصل الواحد ثم انتقلت إلى مسرحيات أطول مثل قاتل بلا أجر، والكركدن.. مسرحية الملك يموت، لحن طويل محزن.‏
      أمّا في لعبة القتل، فيمكن تخيّل عدة مشاهد تُعرض في وقت واحد على المنّصّة.‏
      شاهدنا هذا العام في باريس مسرحية "اورلاندو العنيف" قدّمها المسرح الحرّ في روما من إخراج لوكار ونكوتي. كان هناك مقاطع جميلة هنا. ومشهد رائع هناك وكان المشاهدون ينتقلون من مشهد إلىآخر. هذا يدعو للاهتمام لكنني لستً من المعجبين بهذه الطريقة.‏
      منذ حوالي خمس عشرة سنة فكّر جان -ماري سيّرو وآغام أن يوزّعا منصات صغيرة حول الصالة تُقدّم عليها مشاهد مختلفة، وكانت الكراسي الدوّارة تسمح للمشاهدين بمتابعة هذا العرض أو ذاك حسب رغباتهم.‏
      لكن هذه اللعبة، لعبة لا تستطيع الذهاب بعيداً.. وليس لها أية نتائج خطيرة.‏
      ك.ا. لكن هذه اللعبة تخلق ولا شك علاقات جديدة بين الجمهور والممثلين...‏
      ا.ي. هذا يعني أنه لم يعدهناك قيمة لأي شيء. هناك نوع من التمرّد بين صفوف المخرجين ضد المؤلفين، وقد عبّر بعضهم مثل بيتر بروك عن ذلك بطريقة هذيانية تقريباً إذ قال إن على المؤلف أن يصمت وكل شيء مرتبط بالمخرج، أي به!‏
      هذا كلّه لأنّه مخرج وليس مؤلفاً. لو كان ممثلاً، لقال إن الممثل هو الشخص الوحيد الذي يحق له الكلام.‏
      لقد أُعجبت جداً، بما فعله غزوتوفسكي؛ لكن خَلَفَه كان هزيلاً، أبله أحياناً، غروتوفسكي، إنه التقشف والزهد ولا أرى بين الممثلين والمخرجين الباريسيين من يفعل مافعله.‏
      يتهافت الناس على كل جديد، خصوصاً الكثيرون من رجال المسرح حتى لا يُقال إنهم "متخلفون".‏
      لقد ولّى زمن كان الممثل فيه يتمرد على المؤلف.‏
      هذه مغالاة. يجب إعادة التوازن. الإخراج مهم لأن فكراً يكمن خلفه.‏
      في بعض مسارح باريس الصغيرة حاولت بعض الفرق تقديم عروضها دون مخرج ودون نصّ؛ لكن تلك المحاولات لم تعطِ أية نتيجة فرجع المخرجون الشباب، أي أولئك الذين يلغوا سن الأربعين أوالخامسة والأربعين، إلىالكلاسيكيات. أدركُ مع ذلك أن المؤلف شخصية لا تحتمل أبداً.‏
      ك.ا. هل تعتقد أن مشاركة الصالة مع المنصة نافعة؟‏
      ا.ي. أعتقد أن من الممكن تقديم كل شيء علىالمنصة ففي إحدى مسرحيات لونورمان عرض ج. باتي واجهة منزل مع نوافذ، كان هناك مشاهد مختلفة لكنها تندمج مع بعضها وتؤلف مجموعة منسجمة تُقدّم على المنصة ضمن تنظيم محدّد. يجب المحافظة على الوحدة ضمن تـنّوع المشاهد.‏
      أشكال التعبير:‏
      ك.ا. لقد كتبت ياسيد يونسكو حوالي ثلاثين مسرحية، وقصصاً، ومقالات نقدية، كما نظمت من قبل عدة قصائد، وسجّلت "يوميات"... هل ترى في المسرح وسيلة تعبير متميزة؟‏
      ا.ي. يجمع المسرح احتمالات وسائل التعبير المتنوعة الأكثر فقراً...‏
      ك.ا. بأية طريقة؟‏
      ا.ي. اوه. أنت تعلم! أنا لا أعرف أبداً ماهو المسرح. لقد حاولتُ تعريفهُ لكن ذلك كان مستحيلاً تماماً. قلت في نفسي أولاً، كما يفعل جميع الناس؛ المسرح صراع، لكن الصراع موجود في الرواية أيضاً. المسرح قصة فيها أشخاص لديهم قضايا فيما بينهم، وهموم، لكن يمكن أن نجد ذلك في السينما أو في الروايات. يقال إن المسرح حوار، لكن بعض المسرحيات مبنية على المونولوج... التعريف الوحيد الممكن إذن هوأن تقول: المسرح هو شيء ما يُعرض علينا... يمكن أن يجري التمثيل على منصة أو في الشارع أو في باحة.‏
      لكن لماذا لا يتمّ التمثيل في صالات المسارح؟ ذلك مناسب أكثر.‏
      بعد خمس عشرة سنة ستمنع الثورة الرافضة المقبلة التمثيل على أرصفة نهر السين وستفرض إنشاء المسارح من جديد.‏
      رويت في كتاب "اكتشافات" كيف التقيت مع المسرح. كنت في المدرسة الابتدائية وكان السيد لوازو، وهو المعلم، قد طلب منا أن نكتب موضوع إنشاء فكتبتُ ما أريد قولهُ بشكل حوار. كنتُ أكتب آنذاك إذن مشاهد صغيرة. ثم تخلّيت عن المسرح، بعد ذلك، وفضلّت الأدب. كان المسرح يبدو لي مصطنعاً نظراً لنتائجه الهائلة، وقد فهمت متأخراً إنه يجب التركيز على تأثيراته الكبيرة لأنّ... لأن الأمر هكذا....‏
      لماذا أصبحتُ كاتباً مسرحياً ولم أصبح قاضياً هذا ما لا أعرفه...‏
      حقاً لا أعرف.. أسأل نفسي كثيراً هذا السؤال ولاأدري بماذا أجيب.‏
      لكن المسرح يشمل اليوميات والقصص والمقالات. إنه اعتراف، وحكاية، ونقد أيضاً.‏
      ك.ا. هل ستتابع كتابة القصة؟‏
      ا.ي. أحب جداً كتابة القصة، لقد شعرتُ بخيبة مريرة من الطريقة التي قوبل بها كتابي "صورة الكولونيل". لقد أُعيد طبع مسرحياتي باستمرار بينما طبعة أقاصيصي مركونة دائماً عند أصحاب المكتبات. يعتقد الناس أنني كاتب مسرحي وليس شيئاً آخر.. عندما قُدّمتْ مجموعتي القصصية إلى النقاد الأدبيين أرسلوها بدورهم إلى النقاد المسرحيين.‏
      ك.ا. كتبت عام 1961، سيناريو فيلم "الغضب" كما أنّك أنجزت منذُ فترة فيلم "الطين"، وهو اقتباس لإحدى قصصك. ماهي الإمكانيات التي قدمتها السينما إليك للتعبير عن أفكارك؟‏
      ا.ي. لم أشاهد ذلك الفيلم... لقد كتبتُ السيناريو ومثّلتُ الدور الرئيسي فيه (الحقيقة لم يكن فيه سوى دور واحد). لم تكن عملية المونتاج قد انتهت. سوف أرى إذا كان المخرج قد استطاع أن يضمّن هذا الفيلم ما أردتُ التعبير عنه.‏
      مررتُ بتجربة غير سارّة في التلفزيون. لقد عُرضت مسرحية الكراسي في كل مكان تقريباً وكنتُ مسروراً من طريقة إخراجها؛ وقد تمّ تصوير أحد العروض. لاقت التمثيلية نجاحاً كبيراً لدى الجمهور أما أنا فكنتُ أشعر أن كارثة أصابتني.‏
      تحوّلت الكراسي إلى مسرحية بسيكولوجية. الشخصيات واضحة، تنضح عرقاً، تتألم، تقوم بـ "إيماءات معبّرة" لقد أصبح العمل أدبياً ، وفهم الجمهور "نفسية" الشخصيات فهماً مبالغاً فيه.‏
      الأمر الذي يدعو للاهتمام في المسرح هو أننا لا نرى الشخصيات عن قرب، نحن لا نرى سوى حركات الدُمى، وشخصيتين كاريكاتوريتين ودوامة من الكراسي التي لا يجلس عليها، وهذا يحملنا بعيداً، إننا نتجاوز علم النفس، ونغتني بالوفرة، ونغتني بالحقيقة.‏
      مشاريع:‏
      ك.ا. هل لديك حالياً أيةمشاريع؟‏
      ا.ي. نعم، بالطبع، هناك مسرحية.. أعتقد أن من السابق لأوانه أن أتحدث عنها.‏
      ك.ا. ألم يتحدد موضوعها بعد؟‏
      ا.ي. بل، بلى، تأثرتُ كثيراً بجان كوت، الاختصاصي بمسرحيات شكسبير وأريدُ أن أكتب شيئاً عن غريزة السيطرة ......libido dominandi‏
      ك.ا. ماكبث إذن؟‏
      ا.ي. طبعاً ستكون عن ماكبث، كيف يحدث أن جندياً فاضلاً مخلصاً يتحوّل إلى وحش؟... نتيجة طموحه السياسي.. أريد أن أبيّن أن السلطة خطر وشؤم، وأولئك الذين يريدون السلطة السياسية، سواء حصلوا عليها أم لم يحصلوا- مصابون بالذهان الهذياني Paranoiaques.‏
      يجب أن نسير بإرشادات العقول الإلكترونية...‏
      ك.ا. هذه نظرة تدعو للقلق!‏
      ا.ي. لا أعتقد ذلك. على كل حال، هذا أمر علينا أن نجرّبه! العقول الألكترونية توزّع الثروات. ربما كان في الإمكان إيجاد مجتمع بلا سياسيين. سيكون في الإمكان إيجاد مجتمع، بل مجتمعات، دون قادة الأحزاب... سيجد الناس المعنى الحقيقي "للسياسة" أي علم -جديد وقديم في وقت واحد- العلاقات الإنسانية، لكن السلطة توقظ "غريزة السيطرة".

      إذا الشعب يوما أراد الحياة
      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

      تعليق

      يعمل...
      X