Category: فنون الأدب

  • الروائي والقاص / فارس زرزور / من مدينة دمشق في سورية..


    فارس زرزور
    ولد في دمشق عام 1930.
    تلقى تعلمه في دمشق، وتخرج في الكلية العسكرية ضابطاً، ثم تحول إلى الحياة المدنية عام 1958.
    عضو جمعية القصة والرواية.

    مؤلفاته:
    1-حسن جبل- رواية- دمشق 1969.
    2-حتى القطرة الأخيرة- قصص- دمشق 1960.
    3-معارك الحرية في سورية- دراسة- دمشق 1962.
    4-(42) راكباً ونصف- قصص- دمشق 1969.
    5-لن تسقط المدينة- رواية- دمشق 1969.
    6-اللااجتماعيون- رواية- دمشق 1970.
    7-الحفاة وخفي حنين- رواية- دمشق 1971.
    8-الأشقياء والسادة- رواية- دمشق 1971.
    9-المذنبون- رواية-دمشق 1974.
    10-لاهو كما هو- قصص- تونس 1975.
    11-غرفة للعامل وأمه- قصة- دمشق 1976.
    12-آن له أن ينصاع- رواية- دمشق 1980.
    13-أبانا الذي في الأرض- قصص- دمشق 1983.
    14-كل ما يحترق يلتهب- رواية- دمشق 1989.

    فارس زرزور الأعمال الكاملة

    المصدر:

    • أنور محمد






    يضم كتاب “فارس زرزور.. الأعمال الكالمة”، الصادر من قبل وزارة الثقافة السورية، مجموعة روايات ومؤلفات الأديب السوري الراحل، فارس زرزور، مشتملاً على رواياته، ومنها: لن تسقط المدينة، حسن جبل، اللااجتماعيون، المذنبون. إضافة إلى أربع مجموعات قصصية: حتى القطرة الأخيرة، 42 راكباً ونصف، لا هو كما هو، أبانا الذي في الأرض. و
    كذلك كتاب “معارك الحرية في سورية”، الذي يضمنه زرزور تفاصيل كثيرة، منها الموعد الذي كان حدد له للقاء العقيد الركن عدنان المالكي، ظهر يوم 23/3/1955 ، اليوم نفسه الذي اغتيل فيه المالكي، وذلك بعد أن كان عيَّنه في مجلة “الجندي العربي” قبل يومين. إذ وجد أنها ستكون فرصة ليشرح له ويشكوه بأنَّه لم يرفَّع رتبة عسكرية منذ سنة ونصف. ولكنه، وفي الموعد المحدَّد للقائه بالمالكي.
    وفي الساعة الثانية عشرة ظهراً يخترق الصفين الأماميين، فيما نعش المالكي مسجى على عربة مدفع، فيرفع يديه بالتحية، ويقول: سيِّدي العقيد الركن لقد طلبتم أن أمثل أمامكم في يوم السبت 23–3 ،1955 في الساعة الثانية عشرة، وها أنا ذا قد أتيت في الساعة المحددة”. ويتابع زرزور روايته للحادثة: “اهتزَّت العربة، وهبَّت نسمة هواء لطيف فانزاح إكليل من الزهر وارتفع قليلاً طرف العلم السوري.
    وظهرت على صفحته ثلاث نجوم حمراء، وتابع النعش ارتفاعه بهدوء ثمَّ خلَّفني وراءه”.ويتضمن الكتاب، مجموعة قصص وأحاديث وذكريات لزرزور، في مختلف المواقع وخلال تأديته شتى المهام الموكلة اليه، فجده يحكي عن عمله في “الجندي العربي”، وفي اليوم الأوَّل : “أتت سيارة الفرع اليتيمة على بيتي في المزرعة في الساعة الثامنة وعشر دقائق، وحملتني إلى مقر مجلة الجندي في طريق الصالحية.
    وصعدت الدرج واستقبلني المجندون: جان الكسان، هاشم قنوع، محمد ضياء الدين. وفتح لي أحدهم باب المكتب. وقد علمت بأنَّ الشاعر محمد مهدي الجواهري أصبح لاجئاً سياسياً في سوريا، وأنَّه قد تمَّ تعيينه معنا في المجل، وسيداوم خلال يومين في مكتبي. وجلست وراء الطاولة وطلبت فنجان قهوة وباشرت بكتابة القصة، قصة”.
    ويقدم عدد من الكتاب، شهاداتهم حول إبداع زرزور وشخصيته، ومن بينهم جان الكسان ذاته، المجند الذي تحدث عنه الأديب السوري في روايته لمجريات وتفاصيل اليوم الأول لعمله في” الجندي العربي”. ومن ما يقوله الكسان، في كتاب صدر مع الأعمال الكاملة، جمعه وأعدَّه نزيه خوري : “
    هو حالة استثنائية متفردة في شخصيته وأدبه وعطائه ومزاجيته..وأدبه امتداد لكوكبة الرواد الذين سبقوه.. وعندما جئت إلى دمشق في منتصف الخمسينيات لأداء خدمة العلم، قضيت هذه الخدمة مجنداً محرراً في مجلة “الجندي “، بدل الالتحاق بكلية الضباط الاحتياط، وفوجئت بفارس زرزور ضابطاً متطوعاً برتبة ملازم في أحد مكاتب المجلة.. ومضت الأيام والسنون، وعندما تسلمت رئاسة تحرير مجلة (فنون) في بداية التسعينيات، فوجئت به يزورني في مكتبي ويعرض عليّ بعض كتاباته لأعيد نشرها…”.
    ومن جهته، يبين الروائي رشاد أبو شاور في شهادته، عن فارس زرزور، أنه كاتب مقاومة كبير، أسهم في إرساء أدب المقاومة مبكراً- الرواية تحديداً، وهو عندي، كما يقول أبو شاور، وعند كثيرين غيري، في مقدمة كُتَّاب أدب المقاومة العرب، وأدعوكم من جديد لقراءة رواية (حسن جبل)، التي منحت موقعاً بارزاً بين أهم الروايات العربية في القرن العشرين.
    ونتعرف على مدى تأثر فارس زرزور بالاشتراكية، من خلال شهادة خيري الذهبي، والتي يقول فيها: “التحق فارس زرزور بالكلية العسكرية وتخرج ضابطاً، وبدأ يكتب في مجلة (الجندي)، التي نشر فيها صلاح دهني وحسيب كيالي ومواهب كيالي وميلاد نجمة وشوقي بغدادي وعادل أبو شنب وغسان الرفاعي ومحمد مهدي الجواهري، ثمَّ أخذ يخالط هؤلاء الكتَّاب، وبدأ التأثر بالتيار العالمي الغالب في ذلك الحين، اليسار واليسارية، وبسبب ظروفه الأولى كان الأكثر ترشيحاً للإيمان بأنَّ الاشتراكية هي الحل”.
    ويخصص الناقد الجزائري د. يوسف الأطرش، شهادته لتبيان سمات وجماليات “حسن جبل” لزرزور. ونقرأ في شهادة الناقد اللبناني د. وجيه فانوس: “لئن كان النص الروائي الذي تقدمه رواية (كل ما يشتعل يلتهب) لفارس زرزور، يمثل قمَّة معينة في مجال السرد الإخباري، فإنَّه يمثل من جهة ثانية، نهاية مرحلة تعمِّق هذا المنحى السردي في الأعمال الروائية العربية.

  • ثلاثة قصائد (أنا سوري .. أنا سيـِّدُ – بعد المحبـِّهْ تـْفارقو – أحييني ) – للشاعر : عبـّاس سليمان علي …

    ثلاثة قصائد (أنا سوري .. أنا سيـِّدُ – بعد المحبـِّهْ تـْفارقو – أحييني ) – للشاعر : عبـّاس سليمان علي …

    صورة: ‏الإعلامية لــينــا أنطــون</p>
<p><3 <3 <3 <3 كـــلام بلــيــــــغ ذو معــــانٍ عـمـيـقـــــة <3 <3 <3 <3 </p>
<p><3 <3 <3 <3 كــتـبــه الـكـــاهـــن عـمــــار يـــازجــــي <3 <3 <3 <3 </p>
<p>أعيد نشرها لغاية في نفس الكاهن....</p>
<p>كان قداساً مرفوعاً لأجل معلولا<br />
دخل يشوع من الباب طفلاً مذعوراً<br />
يمسك بيد مريم<br />
صرخ في الجمع<br />
كاذبون أنتم،<br />
سقطت معلولا يوم ذبحوا إخوتي<br />
وصلبوا أمهاتهم في قرى بعيدة منسية<br />
في ريف أسموه ريف اللاذقية<br />
يومها صُلبتُ ألف مرة<br />
ولم تلثموا جراحي<br />
واليوم تبكون معلولا؟<br />
أيها المراؤون قطرة دم طفل... دمعة طفلٍ<br />
هي أغلى عند أبي من ألفٍ من كنائسكم<br />
الآب يبكي أطفاله... وأنتم تبكون حجارة!‏

    1 نوفمبر، 2013 · تم التعديل 

     


    أنا سوري .. أنا سيـِّدُ
    قصيدة لـِ عبـّاس سليمان علي
    ***==***==***==***
    فاشهدوا
    إذ تسمعوني ..
    فاشهدوا
    بكرامتي أتعمـَّدُ
    بحضارتي أتفرَّدُ
    والكلُّ يدركُ أنـّني ..
    بالحقِّ لا .. أتردَّدُ
    حرٌّ فلا ..
    أُستعبـَدُ
    فاسمع أيا عبدَ البـَغا :
    ما هزَّني جـَورٌ طغى 
    ما قادني ..
    ملكٌ هزيلٌ قد رَغا 
    أو حاكمٌ ..
    يخشى ميادين الوغى
    لا .. 
    لا ما تبعتُ مـُعمـَّما
    للكفر سفـْسـَطَ أو لـَغا
    فاسمع أميرَ الفـِسقِ هنـَّاتِ الثـُّغا
    يا من سعى للوحلِ ..
    كي .. يتمرَّغا :
    سوري أنا ..
    رأسي لغير الله قطعاً ..
    ما انحنى
    متـَّنتُ أركان البـُنى 
    مكـَّنتُ أسوار البـِنا 
    للمجد أبقى ثابتاً ..
    متمكـِّنا
    حتى هزمتُ منافقاً متصهينا
    فالشـّامُ قلعةُ حصننا
    والشـّامُ جنـَّةُ أرضنا
    ذي أمـُّنا ..
    ذي عـِرضنا
    ذي شامـُنا 
    والشـّامُ قـِبلاتُ الدُّنى 
    إنـّا هنا ..
    إنـّا هنا 
    مرفوعةٌ هاماتنا
    فالشـّامُ موطنُ عـِزِّنا 
    فجري بها يتجدَّدُ
    مجدي بها يتأبـَّدُ
    إنـّي أنا السـّوري 
    في سورية ..
    إنـّي الأبيُّ الحرُّ ..
    إنـّي السـَّيـِّدُ
    = ســ مسـ 8/1/2013 ـاء ــورية = جميع الحقوق محفوظة لناظمها عبـّاس سليمان علي
    أحييني
    نظمها عبّاس سليمان علي
    ******=******=******
    يا أنت ..
    قومي الآن فاحييني 
    خلِّ الرّبيع الحلو تشريني
    أغلقتُ أبوابَ المدى 
    سدّيتُ جدران الصّدى 
    جفـّتْ ينابيع النـّدى
    والنـّبضُ ملَّ وريده ..
    متردّدا
    والقلبُ ضاق وجوده ..
    فتبلـّدا
    والصّبح يأتي عاتماً متلبّدا
    قومي .. 
    قومي أيا فجراً بدا
    قومي إليّ الآن .. 
    أحييني
    بل عدِّلي خلقي وتكويني 
    = ســ 10/01/2014 ــورية – عبـِّاس سليمان علي
    صورة: ‏مجلة عين السائح Tourist Eye Magazine</p>
<p>۩♥ ۩♥ ۩♥ كــتــــب فـــــارس الـحــســــينـي  ♥۩ ♥۩ ♥۩</p>
<p>۩♥ ۩♥ ۩♥ ۩♥ ۩♥ فــــي وطــنـــــــــي ♥۩ ♥۩ ♥۩ ♥۩ ♥۩</p>
<p>فـي وطنــي يـضــرب التاريـخ جـذوره<br />
فــي الأرض كــــي تســـــتـكـيـــــن</p>
<p>فــي وطنــي حيثمـا نظــرت تجـــــد<br />
وجــــوه مــن مضـوا ووجـوه الآتيــــن</p>
<p>فــي وطـنـــي تنمـــو الرجــولـة مـع<br />
دوالـي العنب وعــروش الياســميـن</p>
<p>في وطنــي تشــرق الأنوثــة عـلــى<br />
اسـتحياء قمر في ليالـي العاشـقين</p>
<p>فــي وطـنــــي مـحــراث أجــــدادي<br />
وســيف الـعــروبـة وأســود وعـريـن</p>
<p>فـــي وطــنــــي تُـعــــزف ألـحـــان<br />
عُـــرس الـشــهادة والنصــر المبيـن</p>
<p>فــي وطنـي كـل أمـجــاد الحضــارة<br />
والــرســل ومهبــط الـوحـي الأميـن</p>
<p>فــي وطنــي مهـمــا تكـالبـت عليـه<br />
الوحوش إن نـادى لـبينــا الـنـدا آمين</p>
<p>عن صفحة وفـــاليكس بقلم وفاء حسن‏
    بعد المحبـِّهْ تـْفارقو ..
    كل شي انتهى 
    ما عادهـُنْ رحْ يلتقو ..
    وْ كلْ مين بـِجروحو التهى 
    بعدِ اللّي عـَ دروب المحبـّهْ تـْسابقو ..
    بعدِ اللّي كانو بالعشقْ يـِتعانقو 
    صارو متلْ غيم الخريف ..
    تـْفرَّطعو وتـْفرّقو
    وْ هاكِ المحبـِّهْ الـْ كانْ ما شي بـْ يـِشبها 
    طمـِّتْ عـَ حالا قبرها ..
    وكلْ شي انتهى 
    ســ 09/01/2014 ــورية – عبـَّاس سليمان علي
  • رواية ” الاحتجاج ” بقلم القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن -3-

    رواية ” الاحتجاج ” بقلم القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن -3-

    رواية ” الاحتجاج ” بقلم القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن

    حمص سوريا – ص – ب – 5121 جوال 0966326100
    نبيه اسكندر الحس

    الاحتجاج
    رواية
    ( يبكي ويضحكُ لا حزناَ ولا فرح ..كعاشقٍ خطَ سطراً في الهوى وم ..من بسمةِ النجمِ همسٌ في قصائدهِ ..ومن مخالسةِِ الظبي الذي سنح ..قلبٌ تمرسَ باللذاتِ
    وهو فتى كبرعمٍ لمستهُ الريح   فانفتح مالي الآقاحيةِ السمراءِ قد صرفت عنا هواها أرقُ الحسنِ ما سمح لو كنتِ تدرينَ ما القاهُ من شجنٍ لكنتِ أرفقَ من آسا ومن صفح )

    سأل صابر ذاته :” ما العلاقة بين جلوي والأفاعي ؟.سؤال حير أهل القرية من بيت الجردي إلى بيت الكردي “؟.
    رجل يلبس قنبازا كرجال الدين  ومعطفا أسود ،وعمامة لها لونين ،ويحزم كرشه المندلق إلى أسفل بشكل كروي ،ينتعل جزمة لها مهماز فارس ، لم يمتطي دابة ، وصل مضافة المختار،وقف بين الناس ،قبل احتساء الماء الملون ،نظر إلى رجل :
    – رقطاء سمها زعاف في بيتكم.
    اتسعت  عينا الرجل خوفا،كأنه أصيب بدوار ،لكن صابر  استدرك :
    – كيف عرفت ؟.
    – لن أقول شيئاً الماء تكذب الغطاس والتجربة أكبر برهان ،هيا لأسحبها من جحرها ،وأضع تعويذاتي ،كي لا يدخل الشر بيتكم  .
    هدأت العبارات من خوف الرجل ،وأعادته إلى طبيعته ،انفرجت شفتا صابر حين ،قال الشيخ  :
    – عشرة ليرات لا غير .
    تدخل المختار :
    – من حضرتك يا شيخنا ؟.
    التفت جلوي إليه وبنبرة الواثق :
    –  جلوي ي يعرفني أهل الشرق والغرب ،صاحب المقامات ،سجان الأفاعي ،مدوخ العمائم في العلم الإلهي والطبيعي ،المبعوث إليكم من قبل رب العالمين ،مخلصكم من الشرور.
    صب المختار سائل القهوة المرة ،قدم الفنجان والحيرة تأكل لبابه :
    – أهلا بك .
    ارتشف الشيخ الشفة ،هز الفنجان ،ثم وجه كلامه للمختار :
    – أتحسب أن بيتكم خال من الأفاعي ؟.
    وانفلتت من فمه ضحكة ساخرة ،مشى الرجل ومن وراءه الشيخ ،وحشد من الناس يحتفون به ، وصل إلى البيت أبو العز ، تجمع الرجال والنساء ليشاهدوا المعجزة ،دخل أبو العز إلى الإسطبل ،أخلاه من الطيور ،والماعز ،بناء على رغبة الشيخ ،الذي راح يقرأ التعاويذ بصوت جهوري ،وحين
    دخل أغلق الباب خلفه .ثمة شوشرة بين الناس  يعرفون أن ثمة من يمسك الأفاعي ،أحد الشباب:
    – لا أحد يعلم بالغيب إلا الله .
    أجابه رجل مسن :
    – كيف عرف أن في بيت أبي العز أفعى .
    – هذا رجل دجال .
    صرخ والده بوجهه :
    – اللعنة عليك ألا تحترم جلوي.
    لحظتها صرخت امرأة :
    – انظروا .
    خرج الشيخ وعلى هامته أفعى رقطاء ،وراح يداعبها ويضع خده على جلدها الأملس :
    – أتعرف من أين جاءت هذه المباركة ؟
    جعل المشهد  الناس في حيرة ،والواقع يفرض نفسه ،حيث بدأ الناس يبجلونه ، نظر في وجه أحدهم ،وأشار بإصبعه :
    – أفعى بيتكم من لون آخر .
    فطلب منه إخراجها ،وراح يتنقل من بيت إلى آخر ،استطاع القبض على ست أفاعي.قبل انحدار الشمس باتجاه البحر لتطلي الأفق بلون احمر عائدة إليه لتبدأ من جديد ،بعد أن تفترش سريرها الحريري ،ووسادتها من غيوم الصيف الباهتة ،لعلها تغازل القمر كأنها تشي برسائل العشاق
    ،وثمة سحب تتمدد لتنشر وشاحا .دخل أحدهم إلى المضافة عاقدا ما بين حاجبيه ،وقطرات من العرق على أرنبة أنفه تشي بالغضب لا يمكن الإفصاح عنه إلا في اللحظات المناسبة ،تفرس وجه الأستاذ في حيرة كباقي الناس المجتمعين في بيت المختار ،فاختاروه لمعرفة سر جلوي ،دعاه إلى
    منزله ،لينفرد به .
    في أثناء ذلك ،عاد ” صابر ” من اللعب ،كان شغله الشاغل العراك والركض في أزقة القرية ،شعر بألم الجوع ،تسلق الجدار وهبط بهدوء كي  لا يشعر بقدومه أحد  ،دخل غرفة الضيوف ،وجد الذي لم يكن يتوقعه ،حيث كان الضيف يطلق شخيرا مصحوبا بصفير من أنفه ،أشعل (بابور الكاز)
    ،وراح يبحث عن السكر لمست أصابعه كيسا تناوله وخرج إلى ضوء القمر فوجئ بأنه مليئا بالأفاعي ،أعد الكيس ونسي الطعام ،حاول النوم ،عبثا فعل ، فبدت الأفاعي ترتسم أمام ناظره تحت اللحاف ،وشخير الشيخ يزيد الأمر ،لا يدري من أين جاءت الفكرة ،تناول سله من القش ،وضع
    الأكياس في داخلها ،ليبعدها عن غرفة نومه ،خوفا من الكوابيس المرعبة ،فجأة سمع سعال والده  :
    – ما هذا ؟.
    -أفاعي وجدتها في الكيس ؟.
    – ماذا ستفعل بها ؟.
    – سأبعدها عن غرفتي .
    – انتظر
    التفت :
    – خذها إلى المقبرة وضع السلة في المقام .
    هناك تخيل أشباحا ذات رؤوس تشبه رؤوس الأفاعي ،لها ذيول طويلة ملساء ،رآها تطارده ،فأخذ يستحضر ما حفظه من كل آيات الذكر الحكيم ،وجمع كل ما يملك من شجاعة ،دفع السلة من بوابة صغيرة ،و بنى حولها الأحجار .عاد مسرعا كأنه هارب من ،جحفل شياطين .
    – خذ فراشك ونم في غرفتي .
    دخل الغرفة ،لم يستطع النوم فأخذ يعد أعواد سقف البيت ،حتى غالبه النعاس ،ونام  دون طعام ،راودته الأفاعي في المنام ،فنهض مذعورا رأى العصافير تنقر أبواب الفجر ،كتب وظائفه  وحفظ بعض الدروس ،ثم حمل محفظته ،وهرول إلى المدرسة في الحصة الأولى قال المدرس :
    – من علمني حرفا صرت له عبدا .
    أجاب صديقه :
    – بلا علم بلا علاك الحرية أسمى .
    كان يكتب بدون رغبة مع أنه يحب مادة اللغة العربية ،لكن موضوع الأفاعي قد سيطر على كيانه ،فراح يتخيل أعيان الضيعة ،وهم يسألون النوري ويشتمونه ،وتخيل أنهم يسلخون جلده .لكن في المساء لم يجد الشيخ ،عرف أنهم طردوه ،لم يكتف بالمعلومة ،وبأسلوبه عرف أنه عند المختار
    ،ينتظرون مجيء الدرك هيئ له أن الدرك سيطلبونه كشاهد  ،وحين وصل المضافة ,رأى الرجال ينتظرون .
    كان الناس يتوزعون على شكل جماعات ،يؤلفون القصص والأحاجي هذا يؤيد وذاك يكذب والجميع يدركون أن لعبة الشيخ لعبة احتيال وابتزاز ،لكن تعميم مثل هذه العبارات تقابل بالرفض عند الأغلبية .في تلك اللحظة حضر السائس الذي كلفه المختار بمراقبة الطريق لمعرفة حضور الدرك
    الذين سيأخذون جلوي إلى  السجن ،وحين أقبل :
    – جاء الدرك يامختار .
    وقف المختار ،ودنا من السائس وراح يوشوشه ،لم يبق لدينا شعير ،وأنت تعرف العريف لا يهون عليه حصانه ،دبر الأمر .
    –  لا يهمك .
    عوذل المختار  وحوقل ،ودار في مكانه ،حتى وقع بصره على إوزات قرب الساقية ،فصرخ بصاحب الإوزات:
    –  خبأهم قبل حضور العريف .
    – ليش يامختار ؟.
    –  سيأخذ بعضها .
    خرج أحدهم وبسرعة جمع الإوز  وساقهم إلى البيت ،قدم النصائح لمن حوله لاقتناء مثل إوزاته ،لأن هذه الطيور لا تكلف شيئا ،وبيضة واحدة تكفي رجل .
    طلت خيول الدرك من منعطف الزقاق ،ركض السايس وأمسك عنان حصان العريف .فجأة هرب أحدهم  إلى بيت الجيران ،أبعده الشيخ عن أعين الدرك ،ريثما يتم اتخاذ القرار ،بيد أن العريف أمر الشرطيين بالترجل ،كانا يحملان معهما بندقيتان ذات حراب طويلة .رحب المختار بهم .
    رد العريف :
    – هيك يا منظوم تأتي إلى الناحية.لسنا قد المقام .
    ثم لوح بالسوط :
    – أين جلوي سأسلخ جلده !.
    دخل السايس يطمئن المختار بأنه وضع العلف للخيول  . كان العريف يسند بندقيته على الجدار ، ووضع السوط بمحاذاة الفرش  ،وقال مداعبا السايس :
    – قل يا مختار ما سّر سائس الخيل يحب الخيول المخصية ؟.
    أختصر السائس :
    – إذا خصيت الخيول تحافظ على قوتها .
    ضحك العريف وغمز زوجة المختار :
    يعني لو خصينا  جلوي يبقى محافظا على قوته ؟..
    أدرك السائس ما رمى إليه :
    – بكسر الهاء لا يستطيع أحد أن يخصي جلوي قل الله يستر .
    وقطع الكلام خوفا من غضب العريف ،لكن الأخير :
    – سأريك أن الدرك عند كلامهم ..
    – جلوي موجود ،وإن كنت حكومة نفذ ما قلت .
    أعلن العريف عن غضبه :
    – وأخصيك أنت أيضا .
    – محسوبك تم خصيه من أيّام ” العصملي ” ..وأبي وجدي أيضا أسأل الأكبر منك سنا ،والسلام .
    وخرج من المضافة ،يقول للناس حضرته يحسبني لا أفهم :
    – قسما لا يستطيع أن يفعل شيئا لا مع جلوي ولا غيره كل ما هناك يأخذونه للتحقيق .رحل زمن ” البيكوات ”  ،ونحن في زمن حرب بور سعيد .
    صب المختار القهوة لهم ، اهتز كرش العريف من سعال يرافق ضحكاته .فقال المختار :
    – أراك غاضبا ،انتبه إلى رجال الله ،هؤلاء لهم كرامة  ،لا تغلط مع جلوي لقد رأيناه كيف يقبض على الأفاعي ،ولو سمعت ذلك من أحد لما صدقت .
    ردّ أحد الحضور :
    – جاء جلوي إلى امرأة في المنام وفلح عليها مساحة فدان من الأرض كما يفلح المزارع على بقرته ،لمجرد أنها أساءت له ،ومازالت رقبتها مشبوكة ،ولن يحلها إلا الله ودعاء جلوي ،على المرء الانتباه.
    راح العريف يتلمس عنقه تارة وتارة يتلمس صدره في محاولة إخفاء خوفه فقال :
    – جيء به يا مختار علي أن أكتب الضبط ،وإلا المساعد سيعاقبني ،وأنت تعرفه ..
    فانفض الناس من المضافة ،ولم يبق سوى أعيان القرية ،وهم في حيرة من أمر جلوي ،مع أنه اعترف أمام الجميع بأنه كاذب ،وأنه انتحل هذه الصفة بغية أن يؤمن الطحين لأولاده خوفا من شتاء قارس .

    13

    عاد ” صابر ” إلى البيت خوفا أن يصاب بأذى المطر ،دخل على زوجه ،وجدها طريحة الفراش تعاني من مرض مفاجئ ،ومازالت في ريعان الشباب ، كان يحبها كثيرا ،قبل أن يسعفها إلى المشفى سألته :
    – كيف حصلت على المال ؟.
    – أرجوك …أنت بحاجة للراحة …
    – ولكن …
    – لا تشغلين بالك .
    تعرف أنه لم يملك شيئا من المال ،يومذاك جمع من رفاق العمل بعض المال ،كجمعية يأخذها كل واحد  حسب ترتيبه بالقرعة ،أيعقل أن يعترف لها بالحقيقة ،تمنع الكرامة أن يبوح الرجل لزوجه بكل شيء.وخصوصا في وأوقات المرض .
    اسند رأسها على كتفه ،وطوقها بذراعيه ،وهما في جوف سيارة الإسعاف ،ما إن وصلت السيارة إلى المشفى ،حتى أسرعت الممرضة ونقلتها إلى غرفة الإنعاش ،وقف صابر ينتظر على أحر من الجمر ،فجأة خرجت الممرضة ،تسأل :
    – من صابر ؟.
    – نعم .
    – زوجتك في حالة مخاض ،وعليك مقابلة المدير .
    ولج غرفة المدير ،لم يكن يدري أن المدير يخفي شيئا ،وراء بشاشة وجهه فقال :
    – الأمر بسيط …نريد موافقتك على إجراء العمل الجراحي .
    وقع بصره على عبارة احتشاء في عضلة القلب ،لم يدر من هو المقصود، الجنين أم الأمّ ،وجد نفسه محاطا بكل أتون الخيارات ،كتب اسمه على الأوراق ووقع عليها ،على مبدأ الطبيب يعرف واجبه ،وقبل أن يغادر الغرفة طلب المدير:
    – أجرة العمل الجراحي مبلغ كذا …
    – أليس المبلغ كبيرا ؟.
    – خذها إلى مشفى عام .

    أختزل طلب الطبيب مساحة عمر تجمعه ورقة فضفاضة ، تلقى في سلة مهملات ،دفع كل ما بحوزته من مال ، ولم يبق لديه إلا بضع قطع معدنية لا تفي بشيء ،وعليه أن يتدبر أمره على جنح السرعة ،خرج من غرفة المدير.كانت الممرضات يركضن في البهو ،ألقى نظرة سريعة على غرفة
    العمليات ،تخيل أشباحا في داخلها ،لمح أمامه جسد ممدد ،لم يدرك أنه جسد زوجه ،فغض الطرف عن ساق عار ، انبرى إلى الشارع ،يبحث عن مكتب عقاري ،حس بفرح حين وجد ضالته ،فلم يساوم على السعر ،رهن بيته مقابل مبلغا لا يتعدى ثمن أرض زراعية غير معدة للبناء ،عاد أدراجه
    إلى المشفى ،دفع المبلغ للمدير ،وفجأة وجد نفسه يغوص بالفاجعة .
    كان الطبيب يرصد حركاته وموجات الكآبة ،وبدت عروقه بارزة  تلتف حول جبينه العالي ،بدت كخرائط بلدان يضمر الأعداء على تقسيمها ،وقد سموها الشرق الأوسط الجديد دنا الطبيب منه :
    – هون عليك …الموت قانون الحياة ،وليس إلا حالة تعيدنا إلى السكينة والإيمان بالله .
    – هل نعتبر فساد الأخلاق إيمان .؟..
    تركه الطبيب وأغلق باب غرفته ،تجمع الناس وعمال المشفى على صراخه واحتجاجه .قال أحدهم :
    – جنّ الرجل !….
    اخترقت كلماته جدران الزمن ،اندفعت كشلالات ،تحرك الأشياء الهاجعة ،وترصد دوائر مكتب المدير ،الذي يرغب بامتصاص كل شيء ،قبل بروزه للعيان ،ليحوله إلى أطياف ماضية في أتون ،تحوله الأصابع إلى ذكرى .
    فجأة خرج شرطيان من مكتب المدير ،وضعا الجامعة بيد ” صابر ” دفعاه بقوة إلى جوف السيارة ،فأحس أنه خرج من داخل إسفنجه ماصة للكلمات ، وثمة تساؤلات في عيني الشرطي ، لم يعرفها ” صابر ” طيلة عمره .

    بدأ رحلته مع نفسه بشفافية ليل رطب و ريح ندية، تعرت الطفولة ،و تجردت الروح عن الثوابت ، خرج من سجن المخفر، بعد ساعات حيث أحضرت الشرطة سيارة الإسعاف و نقلت الزوجة إلى مثواها الأخير .
    مشى مع الجمع وراء الجنازة و من أمامهم الشيخ الذي سمعه يكفر لكنه صمت حتى نهاية التلاوة فتقدم صابر لينقده أجرته سحب يده حوقل و عوذل و قال :
    – أيها المارقون .
    نظر إلى عيني صابر ، رأى بحارا و أمواجا ، و ثمة طيور ستهاجمه و تغرس مخالبها في وجهه و عينيه ، فبرقت في نفسه لوثة الخوف ، فأخذ المبلغ دسه في جيبه و طلب للمرحومة متسعا من الجنة .
    بعد حديث و حوار بين الناس ، قال صابر :
    – نعطيه مالنا و يتكبر علينا .
    ضحك ضحكة حزينة ، فاستاء بعضهم من حديثه و انسحبوا واحد تلو الآخر ، و هناك قرب الحديقة تجمعوا بغية قسطا من الراحة ،و راحت ألسنتهم تسوط صابر و تقطعه إرباً .
    لكن أحد الأصدقاء أدرك ما يجتاحه من حزن و ألم ، جلس بجانبه و بكل محبة  :
    – اسمع يا صاحبي أنت لست الناصري ..
    – لكن …
    ضحك :
    – لا تستطيع أن تصلح العالم و لو أنك تدفع من دمك ثمن ذلك .
    – هذه ليست مشكلة .
    – أرجو … أن تحافظ على هدوئك .. و انتبه لنفسك و إلا خسرناك .
    دس مبلغا في جيب صابر . اغرورقت عيناه بالدموع وحصلت مشاجرة بين النفس اللوامة و بين النفس المتمردة في داخله ، فاعتذر من صديقه و تركه ينصرف إلى شأنه ،و انزوى وحيدا غريبا بائسا في عقله زخم الأفكار و آلاف الأسئلة  ، تتسلق أفكاره سقف الغرفة ، حيث بدا الوقت قطار
    يصفر دون توقف ،إلا في المحطة فآن له الالتحاق به ، كان صفيره يعلن الوصول إلى محطة سيبدأ منها الرحيل ، و كانت اللفافة تحترق بين إصبعيه  .
    تحركت المشاعر كتيار جاري ،اشتعلت شرارة في مخيلته لتستطلع حالة التأهب للأهوال في ليلة زفافه ، ازدحم المنزل بالناس وضجيج  الموسيقا يلف  أرجاء المنزل فلم يمض شهر العسل حتى أضحى فارغ اليدين وتعالت السحب الداكنة تزحف إلى القبة الفيروزية تعلن أن الشتاء على قاب
    قوسين لذا يترتب عليه أن يحضر نفسه لشتاء عاصف فكر أن يبتاع مدفأة و كمية من المازوت و مؤنه، فهو بحاجة أشياء كثيرة و لا باليد حيلة و بعد تفكير طويل قفزت فكرة إلى ذهنه فقصد جاره صاحب المنزل القريب من بيته
    ليقترض مبلغا  يفي حاجته حتى نهاية الشهر و بعد جدل مع ذاته حشد كل قوته و قرع  الباب استقبله الجار مرحبا  و انفرجت شفتاه عن أسنان مطوقة برقائق ذهبية فتذكر أحدهم حين قال بكبرياء :
    – أعمل عند متعهد و أكسب مالا  كثيرا.
    – ما عملك ؟ .
    – فقط أقوم بجمع عظام الموتى من المدفن ، و قبل ترحيلها إلى مكان آخر أتفقد أسنان الموتى و أصابعهم و لن أنسى الأضراس أيضا ، فكلما وقع بصري على خاتم أو سن ذهبي أقلعه و أحتفظ به .
    جعلته الذكرى يشرد بخياله بعيدا  و لم يصح حتى سأله جاره :
    – إيه .. نصف الألف خمسمائة . أهلا  بك يا جار الرضا ، ماذا سنشرب ؟ .
    – أرجوك …. في الحقيقة لست ضيفا  بل صاحب حاجة . ( لك أم للديب ) ؟ .
    – تفضل …
    – يلزمني بعض المال .
    أجاب صاحب الأسنان الذهبية ، ارهن مصاغ زوجك ، شعر صابر بطعنة من جاره .. لم يدرك الجار أن زوجة صابر لا تعرف الذهب لا من قريب و لا من بعيد ، فصمت صابر هنيهة فداخلته لحظات نسختها أرواح الكتب على روحه و تحكمت بانطباعاته الحديثة فلا تخرج من رفعتها إلا كما تشاء
    ممزوجة بالكبرياء ، فرجفت يده و رجف كأس الشاي بين أصابعه ، فارتشف منه رشفة بغير لذة ، و راح ينظر إلى نصف الكأس الفارغ و النصف الملآن ، فلا يجد إلا فراغا مخيفا وراء شفافية الزجاج و أخذ يبحث في نفسه عن شبيه لصاحب الأسنان المذهبة فلم يجد شبيها إلا في أحد
    الكتب المنسية على الرف فلم يأخذ منه سوى الجانب المضحك ، فضحك ساخرا .
    سأله :
    – أراك تضحك ؟ .
    فلم يرد عليه ، و دارت قصص البخلاء دورتها في رأسه :
    -رأيت كلبا أبرشا .
    – أين .. لا وجود للكلاب في حينا .
    حدق بوجه جاره جامعا جذوة عينيه :
    – نعم ، يشبهك يا جار .
    صمت الجار على حرقه و راح يستحضر جوابا فبلع لعابه :
    – و لو .. لم أتوقع هذه الإهانة من مثقف مثلك .
    نهض من مكانه بزهو مازجه فخر ينبع من أخدود عميق في النفس و وقف بمحاذاة الباب و يده على قبضة الإغلاق :
    – اسمع.. الكلب حيوان وفي للإنسان ، يبدو أني ظلمته ، وربما تحتج جميع الكلاب على وصفك بأحدهم .

    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    _الى اللقاء في الحلقة القادمة من – رواية ” الاحتجاج ” بقلم القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن

  • رواية ” الاحتجاج ” بقلم القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن -2-

    رواية ” الاحتجاج ” بقلم القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن -2-

    رواية ” الاحتجاج ” بقلم القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن

    حمص سوريا – ص – ب – 5121 جوال 0966326100
    نبيه اسكندر الحس

    الاحتجاج
    رواية
    ( يبكي ويضحكُ لا حزناَ ولا فرح ..كعاشقٍ خطَ سطراً في الهوى وم ..من بسمةِ النجمِ همسٌ في قصائدهِ ..ومن مخالسةِِ الظبي الذي سنح ..قلبٌ تمرسَ باللذاتِ
    وهو فتى كبرعمٍ لمستهُ الريح   فانفتح مالي الآقاحيةِ السمراءِ قد صرفت عنا هواها أرقُ الحسنِ ما سمح لو كنتِ تدرينَ ما القاهُ من شجنٍ لكنتِ أرفقَ من آسا ومن صفح )
    ……
    ظهر الغضب على وجهها ،رحلت مع الأحلام في إرهاصات اللذة ،مستسلمة لرغبة أحالتها إلى شحرورة ،خلخلت سكينة هاجعة ،وزحف الضوء باندفاع الوقت حتى إذا ما وصل نهديها ،يستيقظ الزمن المتواطئ مع شعاع يمارس زحفه فوق تضاريس جسد ،لا يعرف الوصال .منذ زمن بعيد ،كانت  تدور
    حول نفسها على إيقاع طبل غجري ،وإذ ما انتشر الضوء ،يملأ أركان الغرفة ، ينفث آخر قبس من نغمة الصباح ، فاجأتها صاعقة لطيف رجل يهيج روحها من كمد الاغتراب ،فتناديه والصبوة  تنفلت من زمامها، آتية على اللحظات ،يؤكد ذلك كله ذبول واستسلام لجسد عطش ،وقبل التئام
    الحلم ،يحدث شرخ في الموقف ،تشعر كأن طيرا سري بجناحين فضيتين ،يضرب على زجاج النافذة ،فقالت :
    – هل لديك فكرة عن مكان تواجد علوان ؟.
    – نعم .
    – هيا لنذهب إليه الآن .
    قفزت عن السرير ،وهي تقبض على صدرها ،فأسرعت تحضر نفسها للقاء رجل لا تعرفه،حاولت أن تتصل مع الماضي . تذكرت مدرساتها اللواتي تنبئن لها بمستقبل رفيع المستوى إن بقيت مثابرة على تفوقها ،وحين نالت الشهادة الثانوية ،تقدم “علوان ” وطلب يدها من زوج أمّها الذي وافق
    على زواجها دون أي تردد .ولعبت الأقدار دورا كبيرا في ذلك .قبل أن يأخذ طفلها الرضيع ،كانت تعيش بلا غاية ،تتأمله في إعجاب ، لم يكن متحمسا لذلك ،لكنه استطاع على إغوائها ،وخانتها خطاها فضلت الطريق ،وتجرعت كأس الألم .
    كان يوما من أيّام الثلج البارد ،كانت المحكمة تزدحم بالمراجعين ،لاحت نظرة خوف على محياها ، تقف في قفص الاتهام ،ناجت خيالها ،جاءها ” صابر”  يرتدي ثوبا أسود ، يتطلع بنظرات لا تخلو من اللباقة ،همست له ببضع كلمات قالت :
    – من الكرم أن تدافع عني بدون مقابل .
    – أمن الممكن أن نتحدث بصراحة ؟.
    – نعم ،أنا مستعدة .
    – تفضلي …
    – قسما لا أعرف غير علوان .
    – هذا رائع .
    كانت بنيتها تضفي عليها مسحة من النضج والصدق ،فرأى الإعجاب يلمع في عينيها،حدثها بلهجة مرحة  ،جعلتها تضع النقاط على الحروف ، روت له كل ما حدث بصدق ،منذ أن هجرها “علوان ” في أيّام الشدة ،وتركها عند زوج أمّها في قريتهم دون أن تذكر اسم القرية ،لم يقم “علوان ”
    أي اعتبار للجنين الذي تحرك في أحشائها ،كان الجنين يركلها في خاصرتها اليسرى .
    انتعش صدرها بالأمل ،حين تهلل وجهه بالفرح ،ربما لأنه سيدافع عن متهمة أحس أنها بريئة ،أدركت أنه مخلص وثاقب الرأي ،أحست أن قلبه مليئا بحب المغامرة ،كانت مرهقة تحت عبء قضية ظالمة ،حين أخذت عيناه تبرقان ،وهي في قفص الاتهام ،أثار دفاعه ضجة أمام القضاة ،أجهد
    نفسه ليخفف عنها مدة الحكم ، لكن  ” علوان ” قد حبك التهمة بدهاء ،قرنها بشهود ،فصرخت :
    – يا لآلام بني البشر .
    – اعذريني .
    طرق سمعها أنين خافت ،أعادها إلى صوابها ،أسرعت إلى سيارتها الفارهة ،اندفعت بسرعة هائلة إلى جوف المدينة ،غدت كمن يبحث عن شيء ضاع في بحر ،وجدت نفسها في شارع مكتظ بالباعة والمشردين،فكلمت ذاتها :” أليس الأمر مؤلم “؟!.
    اتجه الناس  إلى محطة حافلات  تشعبت مسالكها ،كتشعب حبال الضوء في العتمة ،طالعت الوجوه الصامتة ،تجمد ما يجول بخاطرها ، لم تتوقف ،لقد اجتازت مبنى نقابات العمال ،سرحت في صدى الذكريات قال زوجها الثري :
    – لك ثروتي .
    – وورثتك ؟.
    – أعطي كل ذي حق حقه .
    توقفت قرب سوق الدواجن ،ترجلت من السيارة ،راحت تشق حشود الناس ،وقع بصرها على صبي يبيع الدخان ،نظرت إليه ،قرأت في ملامحه أشياء وأشياء ،ثمة عينان في وجه يشبه هالة القمر ،ملطخ بنقاط سود ،يرتدي ثيابا رثة ، لم يعرف وجهه الماء منذ الشتاء المنصرم ، ذكرها بطفلها
    ” فادي ” وقف  أمامها :
    – كرمى  لله .
    دفع إليها علبة الدخان .ناولته قطعة نقدية ،نظرت إليه بعطف ،رأت في وجهه أسرارا ذكرتها بوجه ولدها الذي غاب عنها ولم تره منذ أن لفق زوجها لها تهمة ما أنزل الله بها من سلطان ، كادت تنسى ملامحه ،هزّت رأسها بحزن :
    – هل يمكنني رؤيتك ثانية ؟.
    – لا سأذهب إلى أمي .
    – أين هي ؟.
    – في البيوت البائسة .
    – جئني بها .
    – مريضة .
    – ما هو مرضها ؟.
    – لا أدري .
    – ألم تذهب إلى الطبيب؟.
    – نحن لا نعرف الأكابر .
    – خذني إلى بيتكم .
    – إن شاء لله .
    – غدا ..
    حشر الصبي  القطعة النقدية في جيبه بعد أن تفحصها ،وراح يشيعها بناظريه ،عندما عبرت من أمامه ،أحست أن وجوه الباعة الصغار كوجه ولدها ،اكتشفت سرّ ميولها لهذه الطفولة المعذبة ،راحت تعيد صورة بعيدة في ذاكرتها ،فأسرعت إلى سيارتها ،جلست أمام المقود ،تناولت الحقيبة
    ،أخرجت بعض الصور ،ثمة صورة لرضيعها على صدرها ،تفرست في الصورة تفرس من سينقش الملامح في وعاء الذاكرة ،وصورة ثانية كان الطفل  يلتهم  حلمة ثديها.ركزت عيناها في وجهه كمن ينبش الذكريات من الركام ، خيم الصمت ،وانحدرت الدموع ،فانهالت على رأسها شلالات من ألم
    الفراق ،تذكرت ذلك اليوم المشؤوم ،لقد تركها  “علوان ” تعاني من الحاجة في قرية تقع على خط المطر .ومازال الجنين في أحشائها يجهز نفسه لرؤية النور .أدارت إبرة المذياع :
    ( يا صاحب الوعد
    خلي الوعد نسيانا ).
    كانت الجدران ترجع صدى صوت ” فادي “،يبدو  لم يعرف  الطفولة ،هكذا أخبرها قلبها ،ويؤكد عقلها ذلك ،ينبغي عليها أن تعيده إلى حضنها مهما كان الثمن ،جعل الأمل وجهها يشع في المدارات ،ستعمل قصارى جهدها لتستعيد طفلا ابتلعه الضباب . من بين الوجوه تخيلت وجه أمّها
    التي قضت قهرا على فراقها ولم يكن بوسعها أن تفعل شيئا من أجل براءتها ،ومرّ طيف زوج أمّها من أمام ناظرها ،ليذكرها يوم جاءت تعتذر عن جرم لم تقم به ،صفق الباب بوجهها قائلا :
    – نسيت إن كان لي بنتا اسمها ماجدة .
    راحت تسترجع أيّاما ،غدت أسود من الليل ،لكن ثمة سجينة اتخذتها صديقة ،قدمت النصائح دون حساب ،ومازالت تذكر حين قالت :
    – اسمعي يا ماجدة من يملك المال يملك كل شيء .
    – كيف ؟.
    – كنت أعمل في منزل يقع ضمن حديقة متشابكة الأشجار ،تشبه المظلات ،وكانت صاحبة البيت قبيحة الوجه ، أظهر زوجها إعجابه بأمانتي ، اعتبرني كابنته لأنني يتيمة ،مما أثار غيرتها فهمت الأمر خطأ ،لفقت لي تهمة السرقة ،ولأنها ذات نفوذ من خلال ثروتها ،استطاعت أن تنفذ
    حقدها ،وكنت الضحية .
    ( لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدبِ
    ورحتُ أحضنها بالخافق التعبِ
    أيد تلوح من غيب وتغمرني
    بالدفء والضوء بالأقمار بالشهب
    مال العصافير ترنو ثم تسألني
    أهملت شعرك راحت عقدة القصب )

    نظرت في المرآة ،لمحت في عمقها وجها ينظر إليها بهيئة عابسة ،تحرت الأشياء من حولها ،ندبت سوء طالعها ،فكرت أن السماء تعاقبها ،أظهرت شيئا من عدم الرضا عن النفس ،كانت في غاية الارتباك ،وراحت تحسب الدقائق ،حين تساقط الثلج في الليل ،فكرت بالمستقبل ،ومازال كل شيء
    غامضا ،ذرعت فسحة البيت ذهابا وإيابا ،كان المغص يجتاح أمعاءها ،نادت على أمّها ،لبت نداءها ،أحضرت “قابلة ” تملك شجاعة خارقة ،وصاحبة خبرة قديمة في مثل هذه الحالات ، قامت بالواجب ،قدمت شرابا يخفف شيئا من الألم ، فحصتها بعناية ،أدركت وضع الجنين :
    – رأس المولود إلى الأعلى .
    أكدت أن وضعه بخير .
    سألتها أمّ ماجدة :
    – ما العمل ؟.
    – كالعادة .لا تنقصك المعرفة .
    كانت الأمّ في غاية الارتباك ،عيناها المتيقظتان ترنوان إلى ابنتها بين الفينة والفينة  ،أدركت أنها ترزح تحت وقع الفاقة ومهام الأمومة ، تحملت الألم بقوة وصبر ، فأسرعت تصنع مرق الزنجبيل ،هذا المرق يحمي بيت الرحم .تقدم  النصح بعدم الحركة ،والالتزام بتعليمات ”
    القابلة ” لأنها خبيرة بمثل هذه الأمور . فلم تدخر جهدا ،  تدرك أن الأمر يستحق الاهتمام ،بقيت ترقب ابنتها حتى غالبها النعاس .
    وراحت تحسب الدقائق ،لا تضيع منها دقيقة واحدة ،دون تنهيدة تذمر ،قالت لنفسها وهي تتأمل وجه ابنتها البكر :” حالتها غير طبيعية ، ينبغي أن نكون على حذر “.
    وقفت قرب السرير ،تأملت وجهها ، كانت ” ماجدة “ت رأت في الحلم طيرا كبيرا أسود اللون ينقض من الفضاء بلمح البرق يغرس أظافره الحادة في أحشائها ،يسحب الجنين ،ويطلق جناحيه للريح ،اندفعت تقتفي أثره ، تصرخ وتصرخ إلى أن اجتاز النهرين .
    شعرت الأمّ بهبوب العاصفة ،أيقظتها من رقادها وقطعت عليها الحلم ، تألمت من لسعات سوط يهوي على ظهرها ،يتكسر مع شهقة حادة .
    وقعت الشهقة على  مسمعي أمّها ،بعد صيحة ألم ،استردت زمام أعصابها فأسرعت خائفة ،ربتت على كتفها :
    – اجلسي …كما جلست ليلة الزفاف ..
    كانت صاحبة خبرة وتجربة ،استجمعت قواها،حين تجاوز  الوقت منتصف الليل ،ورسم التعب خطوطه القاسية على وجهها ،انفجرت قائلة لزوجها :
    – أحضر القابلة فورا .
    خرج ساخطا مهتاجا يكاد أن يفقد عقله مع صرخات تكاد لا تنقطع في ليلة باردة ،فقال لذاته :” والله لئحطمن رأس ابن العاهرة “.
    كان في غاية الارتباك ،فانطلق الصراخ في داخله من كل الجهات ،فجأة لم يبق سوى سكون تلفه ريح باردة ، وخطوات ليل مترجرجة يلف البيوت بظلام عميق .قرع الباب بيد مرتجفة ،انتظر قليلا ، فتح الباب، وقف أمام القابلة ،كانت قسمات وجهه تعبر عن ألم كبير .
    نظرت إليه ،كانت مستعدة لتلبية طلبه ،يرتسم على قسمات وجهها الحزم والثبات فسألته بلهجة تلونها الدهشة :
    –  كدت تخيفني .
    – أسرعي ماجدة في حالة المخاض .
    قفل أدراجه ومن خلفه القابلة، وحين أصبحت أمام ماجدة ،لاحظت بكثير من الانتباه  شهقات  تصحبها سياط شرسة ،تلف الحوض برمته ،يتفصد العرق أنحاء الجسد في محاولة  لإطفاء اللهب. انفجرت بالبكاء ،قرأت نبأ لم تكن تتوقعه ، وبدت الحقيقة واضحة أمام عينيها ،قدمت لها قطعة
    من القماش :
    – ضعيها في فمك ،وشدي عليها بأسنانك .
    كانت في أوج ألمها ،كادت أن تفرغ جذوة النفس في حمى الألم،عبقت رائحة الدم بين أرجاء الغرفة ،و تحولت قطعة القماش إلى ذبالة فانوس تمتص اللعاب ،وتحرض على فرز المزيد منه ،وراحت تشهق بعد احتباس نفسها ،حسب وصية القابلة . كانت أمّها ترقب المشهد فانقبض قلبها ،عادت
    بالذاكرة إلى ذلك اليوم ،حين ولدت ” ماجدة “..
    أطل المولود دون صراخ .لم يكن بوسعها أن تفعل شيئا ، سألت نفسها :” ليس الأمر صعبا على الله ،أن يرزقني  بحفيد “.
    كانت ” ماجدة ” تصر على تنفيذ وصية القابلة ،تتحرق لهفة لرؤية الطفل  ، خلفت الأمومة  في نفسها شعورا بالاطمئنان ،ولاحت على وجهها إمارات انشغال ،بسبب عدم صراخ المولود فحدثت نفسها:” أيعقل أنه أخرس …أو ربما فارق الحياة؟! ” .
    جلجل صوت القادم ،فأدركت أنه خرج إلى النور ،كانت القابلة تقف في وسط البيت ،أدركت ما يدور بخلد ” ماجدة “،ضحكت  لتخفف عنها شيئا من تفكير ،ربما يؤذيها :
    – ( اسم الله …(قل أعوذ برب الفلق )… ( ومن شر النفاثات في العقد ) .
    بلغت ماجدة ذروة السخط حين تدفق الدم ،كان ارتيابها يزداد مع تداخل آيات من الذكر الحكيم ،أحست بخوف حين رأت المولود داخل كيس يأخذ لون الزمرد ،تحيطه يدا القابلة ،فسرّت لنفسها :” لا يمكن أن ينتهي الأمر على خير “.
    جاءت الأمّ تحمل الماء البارد ،قدمته للقابلة سكبته فوق الغلاف الذي تشقق ،صرخ المولود على حين غرة ،تأملته :
    – يا فرحي …ضناي حيّ .
    – اطمئني.
    دهشت ” ماجدة ” ، حاولت أن تبتسم حين صرخ الصرخة الثالثة ،كأنه يستقبل العالم بشديد من الاحتجاج ،أجهشت بالبكاء ، فقالت للقابلة مظهرة احتراما كبيرا :
    – أسترد أنفاسي بكثير من المشقة .
    – لا عليك …
    – تعبت معنا .
    – لقد تعودت على مثل هذه الولادات ؟
    ودفعت المولود إلى حضنها ،وربتت على كتفها :
    – إنه كامل الخلق …ككل الولادات .
    – حقا ؟.
    – نعم. قل هو الله أحد .
    استردت ” ماجدة ” هدوءها ، ضمت المولود إلى صدرها العاري ،بدافع الفطرة بحث الطفل  عن حلمة الثدي  ،فدفعت الحلمة إلى فمه ،قدرت ذلك متفائلة ،فخلف التفاؤل في نفسها شعورا بالتوازن ،وأخذ الطفل يمص حلمة الثدي ،فسال اللبن على وجهه ،وانزلق على سرتها .
    خفق قلب القابلة بشدة ،قبل أن تغلق الباب خلفها ،كانت تسير بتمهل ،تلوح على وجهها إمارات انشغال ، لأنها وجدت أن الولادة متعبة ،فلم يكن بمقدورها التقاعس كونها مسؤولة عن كافة ولادات البلدة . وقبل أن تدلف من البيت دوى انفجار عنيف ،هزّ المباني  وتصدعت جدران
    …وأيقظ وحوش الأرض ،لتخرج من أوجارها . صرخت أمّ ماجدة :
    – يا إلهي !…
    – الله أكبر فعلوها أولاد …الله يسترنا من شرهم .
    تناولت الطفل ،وراحت تهدئ من روعها ،وتطيب خاطرها :
    –  ماذا ستسميه ؟.
    – فادي .
    استولى على الأمّ إحساس غريب ،لاحت  الأسماء :
    – ( خير الأسماء ما حمد وعبد ).
    توغلت ” ماجدة ” في الأسماء ،مضت الأحرف في ذاكرتها ،كانت شغوفة باسم ” فادي ” فقالت :
    – فادي كل الأسماء .
    ازدادت الجذوة اشتعالا في روح أمّها ،أخذت تنعم النظر في وجه المولود، أسرعت لإحضار وعاء من الماء ،وضعت الطفل في وسطه ،غسلت جسده ، غنت 🙁 سموك فادي ،سنرقص لأجلك ،مادمت حيا ونشبع جلدك بالملح ) .
    استرسلت بتلذذ كبير بعبارات الأغنية ، صبت الماء على جسده ، كانت عيناه تنظران إلى اللانهاية ،فأخذ يظهر شيئا من الاحتجاج ،مما جعل أعصابها ترتجف ،و لم تهدأ حتى لفته بحزام من قماش القطن ،وبهدوء وضعته بجانب أمّه  ،وأسرعت تقدم لها شرابا خاصا يقدم للمرأة في حالة
    النفاس :
    – هنيئا

    ( أمس انتهينا فلا كنا ولا كان
    يا صاحب الوعد خل الوعد نسيانا
    طاف النعاس على ماضيك وارتحل
    حدائق العمر بكين فاهدأ الآن
    كان الوداع ابتسامات مبللة
    بالدمع حينا وبالتذكار أحيانا
    حتى الهدايا وكانت كل ثروتنا
    ليل الوداع نسيناها هدايانا )
    هدأت نفسها من ذكرى أليمة ،في جو يسوده الضباب ،ترك في نفسها أسوأ انطباع ،رأت الأشياء ،وكل الموجودات ،كانت عقارب الساعة تزحف إلى موعد اللقاء.اتخذت لنفسها مبدأ ( أنها جاءت لذات الأمر ) . ليست من النساء اللواتي تخور عزيمتهن ،ولم يتح الوقت للانتظار ، ارتمت
    أمام مقود السيارة ،حزينة مجللة بالسواد ،قررت أن تذهب إلى مقهى الروضة ،بغية أن تقابل المحامي ” صابر “الذي  وكلته النيابة للدفاع عنها يوم أطلقت النار على زوجها ، يومذاك  حجزتها المحكمة  في سجن النساء ،كانت ما تزال  في شرخ الصبا،وقد تربت في بيت زوج أمّها
    ،فكانت تشاركهما الأفراح والأحزان ،إلى  حين عصفت ريح الخريف في داخلها .
    فأحس “صابر ”  بشيء يحفزه إلى التعاطف معها  فلم يبح بسرّه :”  أليس حرام أن يعرض هذا الجمال لمباضع الجزارين “؟.
    منذ أن غادر القرية لم تعد تعرف عنه شيئا .انطلقت السيارة تشق ضباب الشارع ،وطيلة المسافة تستحضر العبارات ،تدخرها إلى تلك المقابلة ،تحدثت في نفسها : ” يا إلهي !… لم أحضر إلى هنا إلا لأطلب ولدي …هل هذا ضرب من المستحيل،لقد قضى والدي أيّام ولادتي  ” ؟.
    جعلتها الذكرى تفقد  صوابها ،فغدت كمن تنبش الذكريات من الركام  ،شعرت أنها تدفع ” صابر ” إلى مغامرة ربما تودي بحياته ،بادئ ذي بدء  أنبها ضميرها ،فصمتت مليا ،فركت كفيها بإطار المقود ،شعرت بالضيق ، أدركت أنه ليس هناك من يستطيع إحضار ولدها غيره ،قالت بهدوء :
    – نعم ،لا غيره …
    كانت عل استعداد أن تضحي بكل ما تملك من ثروة ، ،مقابل عودة ولدها فلذة كبدها ، وكيف لم تبحث عنه ،وتثأر لنفسها ممن جعلها مضغة على الأفواه ،وجعلها تعيش الفاقة بكل معانيها ،وكيف وهي اليوم غير الماضي ،الآن يحسب لها ألف حساب ،و تعد امرأة واسعة الثراء ، أليس هي
    من دفعت سمعتها ثمنا لحريتها ،تزاحمت في نفسها معايير الحقيقة فسألت ذاتها : ” ترى حريتي أمْ ولدي “؟.
    كانت المقارنة صعبة ،انتفضت من الركام ( كالفينيق )، فحرك حزنها حجارة السنين ،كانت في المدى المنظور كالموتى ترتدي قميصا أبيض سابحة في فضاء فيروزي ،وراحت تناجي ذاتها  :” ليموت ألف ولد …وتبقى الحرية ” .
    فهي لا تنسى أن وظيفة المرأة الإنجاب :
    –  هل من يقاوم قوانين الطبيعة ؟.
    عادت إلى سيارتها لا تدري كيف مسحت الحمرة وراحت تستحضر الكلمات البيضاء وتمنت لو اتيحت لها الفرصة كلي تهدم سياج البعد الذي صنعه القدر ،منذ ذلك اليوم بدأ العالم بالزوال أمام ناظرها ،والمدن خلت من  سكانها وتحولت في ذاتها الدقائق إلى عناكب تقفز بين السطور
    والفواصل ترتدي ثوب اليعاسيب وتطير ،أما الأشجار المترامية من بعيد غدت أرقاما لعدد صرير السريرعلى غدائر اللهاث ،لكن السيارة تحركت كنحلة تبحث عن القطر في شوارع حمص ،وغدت الأمنيات تسكن أبراجها كالحمائم وكان عليها أن تحظى بصابر الذي دافع عنها أمام المحكمة دون
    أجر فقالت :
    – سأجده .

    شعرت بحيرة كادت تشل لسانها ،ووجدت نفسها تندفع بسيارتها بسرعة كبيرة .

    تثاقلت أهدابها من الدفء ،وغالبها النعاس ،رحلت بعيدا مع الأحلام ،مضت على ضفة النهر ،مستغرقة ضجرة ،كان النهر يزدحم بالطيور ، برزت أصوات الحيوانات ،وامتلأ سواد الليل المتقهقر بخوار البقر وثغاء الماشية ،و غناء الفلاحين ،ورقص المناجل على إيقاع النور الآخذ
    بالتيقظ ،وبدت واحات النخيل موشحة بالغسق ،فاختلط الأمر في ذهنها ،وبسخاء أمرت للأطيار بالقمح ،فأخبرتها الطيور عن كل الطقوس ،وقد توصلت إليها بعقلية من يبحث عن الحقيقة ،وفجأة وقف رجل بجانبها ،نظرت إليه بصمت ،كان ذكيا ،يمتاز بوجه جميل فقال :
    – هل وجدت ضالتك ؟.
    – لا …
    – يسرني خدمتك .
    – حسنا أريد فادى …
    – لا ما نع ..
    صرخت :
    – استحلفك بنخيل العراق ،من أنت ؟.
    وقبل أن يرد الجواب وجدت نفسها تنهض من النوم ،فأخذت تطوف بين أرجاء البيت ،وراحت تستعيد أحلامها ،كانت مستعدة للأخذ بالثأر ،بدا في عقلها رغبة  في حب الاستطلاع ،تذكرت ذلك اليوم ،حين طلقها زوجها ثلاثا ،واقسم أن ينفذ فعله ،ويحرمها من ولدها ،وقد نفذ رغبته ،حين
    رفع بحقها دعوى طلاق بجرم الزنا،وقد دعمها بشهود بعدد أصابع اليدين ،أقسموا اليمين بهتانا وزورا  أمام القاضي ،فلم تتمالك أعصابها ،تناولت مسدسا من صدرها ،وأطلقت النار على المفتري ،فهوى على الأرض ،يتخبط بدمه كالذبحية ،قبضوا عليها ،ووضع أحدهم القيد بيديها
    ،وهناك بين الجدران البائسة ،ألبسوها ثياب المجرمين ، وأودعوها

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    سجن النساء ،ولم يبق لها من شيء سوى أصداء أصوات نساء سجينات ،تلفهن برودة المساء ،ينتظرن ليلا مقبلا بخطوات ثقيلة ،ليلّف عشرات الذكريات كتبت على جدرانه ،قبعت بركن السجن ،تسأل نفسها :” لولا محاولتي قتل المفتري ، هل كانت المحكمة ستبرئني من تهمة باطلة ؟.وهل
    ستحكم العدالة لي بحضانة طفلي”؟
    بعد أسبوع من وجودها في السجن  ،أخبرها  أحد الحراس،أن المفتري لم يمت .
    اعتبر القضاء تصرفها اعتداء على مقام المحكمة ،وشرف العدالة ، واعتبر الناس أن تصرفها حماقة ،وراح كل منهم يفسر الأمر على مقدار معرفته .
    دفعت ثمنا باهظا بسب تهمة باطلة ،خسرت الكثير …ولم يبق معها إلا بضعة قروش لا تفي لشراء وجبة فطور ،أمسكت عن الكلام ، تعذبت كثيرا في سجن النساء ، لم تستطع التأقلم مع نساء ارتكبن جرائم بحق الآخرين ،وبقيت منفردة بائسة ،لا تتكلم مع أية واحده منهن ،ولا تتناول
    الطعام معهن ،أخذن ينظرن إليها نظرات ازدراء .اجتاحت كيانها عاصفة من الجوع والتفكير ،أغمي عليها ،فأسرعت ” حسيبة ” باستدعاء طبيب ،فلبى طلبها على جنح السرعة ،وقدم العلاج اللازم .
    وحين استردت قوتها ،التمست في “حسيبة ” الصدق والوفاء :
    – عجبا !…
    – جئتك بالطبيب .وهل في هذا ما يزعجك ؟.
    – آسفة ..
    – ينبغي أن تأكلين .
    – من أنت  ؟.
    – اعتبريني أختك .
    كانت “حسيبة ”  تلم بأمور كثيرة ، وبفراستها أدركت أن ” ماجدة ” بريئة من التهمة كبراءة ( الذئب من دم يوسف ) .اقتربت منها بطريقة ذكية ،قالت مبتسمة في لهجة اعتذار :
    – أنا متأكدة من براءتك .
    – بحق السماء .
    – مسكينة يا ماجدة .
    استطاعت ” حسيبة ” بلباقة أن تجعلها تستجيب لرغبتها ،فأنست لمسامرتها ،وبسرعة كسبت ثقتها ،ووجدت من يبعث فيها الأمل ،فقالت :
    – يا ماجدة ،من يملك المال يملك كل شيء .
    – أيعقل ؟.
    – نعم ،المرأة ناقة حلوب تذبح يوميا ألف مرة على مآدب الشرف . المرأة ضحية أخطاء الرجل ،وضحية ارتكبتها العدالة بحقها لا لشيء إلا لكونها ابنة حواء .
    فأصبحت “حسيبة ” صديقتها الوحيدة ،تسترسل في الحديث معها ،وتستمد منها الشجاعة والمعرفة ،تلجئ إليها عندما تعقد الأمور .
    قبل خروج ” ماجدة ” من السجن ،عرفت الكثير عن السجينات ،من خلال مشاركتها مشاكلهن ،والإطلاع عل جرائمهن ،والأحكام الصادرة بحق كل منهن ، مما جعلها تلم بالقانون ،وأصبحت تملك خبرة قانونية ،تضاهي خريجة كلية الحقوق  بامتياز .

    تعلمت في السجن كيف تواجه الحياة ،كانت مصممة على قرار لا تحيد عنه،وعاهدت نفسها بأنها لن تحفل بالأخطار ، قضت أيامّها  مثل أمثالها من السجينات ،لكن بفارق بسيط ، كانت تحس بظلم تلاشى مع مرور الزمن ،ومنذ دخولها السجن،ثابرت على حسن السلوك ،وأصرت أن لا يخطئ
    لسانها بالكلام .وكانت على وجه العموم مؤدبة ،رغم الفجيعة الأليمة ،لقد خلت بنفسها في زاوية المهجع ،بعيدة عن ضجة السجينات ،وضوضائهم .
    تأملت ” حسيبة ” وجه ماجدة ،وبسمة الصباح لا تزال باقية على ثغرها ،استخدمت ذكاءها بغية أن تضمد جراح صديقتها التي بقيت طيلة الليل ،وعيناها المتيقظتان ترنوان إلى النافذة ،ترصدان النجوم التي تومض من بعيد .
    ربتت على كتفها وسألتها :
    – أين ستذهبين ؟.
    – سأبحث عن ولدي .
    بشرتها بعهد جديد :
    – وستكونين أسعد حالا مع فادي .
    فخرت ساجدة عند قدميها قائلة :
    – لك وليمة عظيمة .
    كانت في حالة يرثى لها مع أنها تعرف أن مدة حكمها  قد انتهت ، وغدا سوف يفك حجز حريتها ،ألهبها التفكير ،فسألت ذاتها : ” هل أذهب إلى بيتنا ،أيكون زوج أمي قد عرف الحقيقة من والدتي ،لا أبدا لو أنه صدقها لكان سمح لها أن تقوم بزيارتي ، ساعات قليلة يطلق سراحي ولم
    يزرني  .
    سألتها حسيبة:
    – علام أنت حزينة ؟.
    – لا أدري …لا بد أن شيئا سيحدث .
    – لم يبق لك هنا سوى ساعات معدودة .
    هزت رأسها ولم تقل شيئا،وانهمرت الدموع على خديها رسمت خريطة من الضياع .
    في ظهيرة يوم تشريني ،نادى الشرطي :
    – ماجدة ،ش ….س …
    – حاضر .
    – أنهيت مدة الحكم .
    أسرعت تنزع ثياب السجن ،وارتدت ثيابها الرثة ، ذكرتها في يوم  دخولها إلى السجن  ،عقد ونيف ،لم يأت إنسان لزيارتها ،ودعت صديقات السجن .بكت حسيبة بكاء مرا ،كانت كريمة السريرة ،حنونة عطوفة ،ربتت ماجدة على كتفها :
    – سأزورك يا حسيبة .
    خرجت إلى فضاء الحرية ،طافت في الشوارع ،تبكي بصمت المقابر ،لا تدري أين ستودي بها الرياح ،قرعت طبول الغجر في داخلها ،سارت ببط في الأزقة ،وعادت رغبتها في اللجوء إلى دار والدتها ،تصارع رغبتها في عدم اللجوء إليه ،شعرت بالجوع والعطش اللذان أدخلها في صراع مع
    الطبيعة ،حاصرتها الأشياء من كافة الاتجاهات ،لم تدر كيف وصلت إلى  دارهم ،شعرت بتغير كل شيء ،وراحت تتذكر بعض المعالم ،ولولا حصافتها ،لم  تستطع معرفة  دار رعت طفولتها ،تذكرت نصيحة حسيبة :” يوجد المال في خزائن الأغنياء ،أو في البنوك ،فكيف الحصول على المال
    ،وأنا المقيدة بالقوانين ،المحصنة بأعرافه ” .
    مع انحدار شمس إلى عالم المجهول ،أفضى بها الطريق إلى دارهم ،وقع بصرها على فانوس يرسل ضوءا كابيا ،وقفت أمام الباب ،مترددة ،تنفست بملء رئتيها ،كانت ستعود من حيث جاءت ، وكان الأمل يحدوها  بالراحة والدفء ،تخيلت أمّها تأخذها بين ذراعيها لتدخل إلى فؤادها نفحات
    حب مصفى ،واختزنت في أعماقها صورة لأجمل أمّ ،منذ زمن تتشوق إلى الحنان ،  وفجأة برز لها الظلم الاجتماعي في وجه قبيح ،كانت تعرف موقف زوج أمّها،لكنها عدلت عن فكرتها ،ظنا أن والدتها ستأخذها بين ذراعيها ،وتكون قد بذلت قصارى جهدها ،بغية أن تجعل زوجها أكثر رأفة
    بابنتها البريئة ،لم تكن تعرف أن أمّها قضت حزنا عليها ،وكيف تعرف وهي في سجن النساء ،كانت تعبة جدا ،قرعت الباب بيد مرتعشة وبقلب واجف ، على أمل أن تستقبلها أمّها ،وتضمها بحنان ،لكن أمنيتها تلاشت حين أطل زوج أمّها ،اندفعت إليه لتقبل يديه ،وقبل أن تقسم بشاربه
    أنها بريئة براءة الذئب من دم يوسف ،ثار كحيوان هائج ،وصرخ  :
    – نسيت اسمك . يا زانية  …
    وصفق الباب بوجهها ،سرحت في صدى عباراته ،شعرت أن شياطين الأرض تطوقها ،جلست في زقاق الضيق ، تندب حظها ،ريثما تخرج والدتها هي تعرف كم عانت من الظلم ،مرّت الدقائق ولم تخرج  المنقذة ،فناجت نفسها : ” يا رب !…. أتكون أمي قد انجرت وراءهم “؟ .
    نهضت بتثاقل من مكانها ،شعرت بدوار في رأسها ،لاذت بالجدار كالهاربة من الزمن ،وقع بصرها على جارتهم قادمة من  بداية الشارع ،وحين أصبحت أمامها ،أمسكت طرف ثوبها وبصوت أبح  وسألتها :
    – كيف حال  أمّ  ماجدة يا خاله ؟.
    هزت المراة رأسها :
    – من أنت يا بنيتي ؟.
    – قريبتها.
    صمت مليا :
    – يا حسرتي !…ماتت قهرا على ابنتها السجينة .
    – ألم تخرج ماجدة من السجن ؟.
    – لا… جرمها كبير …كل الناس قالوا ذلك ،إلا أمّها  كانت تدافع عنها وتأكد  أنها مظلومة .
    أحست أن الدنيا أطبقت على دماغها ، وعلقت غصة في الحلق ،حثت خطاها ،لا تعرف ماذا تفعل ،أتبكي أمْ تضحك ،لكنها لم تكن تدري أنها قد جمعت بينهما ،فأخذت تضحك ،ضحكات لم تتجاوز حلقها ،كانت تعبر الأزقة هائمة ،تناجي نفسها :” ماتت والدتي ،وحذرني زوجها من الذئب وتركني
    بين أنيابه “!…
    طيلة عمر ماجدة لم تر إلا الذئاب يرتدون مسوح البشر ،تشابكت التساؤلات في مخيلتها حتى صارت أجزاؤها في منظومة تفكيرها ،رفضت فكرة استجداء شهامة الرجل …وراحت تعبر من مكان إلى آخر حتى أنهكها السير بين الأزقة ،رغم التعب لم تفترش الأرض خوفا من العقارب السامة
    ،فوضعت على الجرح ملحا ،وقبل أن تهوي على الأرض وقع بصرها على  صندوق في أحد الزوايا ،جلست عليه والخوف والجوع يسيطران على كيانها ،وثمة خيالات تتراءى لها من زوايا البيوت ،كانت محاصرة ضعيفة ،لا مكان آمن تأوي إليه ،ولا كسرة خبز تسد رمقها ،فكيف سترتب حياتها من
    جديد ،لكن ليس بالإمكان أفضل مما كان ،تارة تضحك بصمت ،وطورا ترثي نفسها ،وترثي حال المرأة أيضا .
    أدركت أنها خسرت إنسانيتها وشرفها ووالدتها وابنها من خلال كذبة اخترعها زوجها ” علوان ” لإشباع غروره فقالت في سرّها:
    – ” الحل في السفر “.
    كان ينتابها خوف من هول الليل ،وفجأة دلفت الخفافيش من شقوق الجدران ،كانت ترى فيها صورة الشياطين فدبت الرعب في قلبها ،فكرت أن تعود إلى السجن ،لكنها عدلت عن فكرتها ،لأن المسافة بعيدة وهي لم تقو على السير ،فقالت لذاتها :” يا إلهي أهدني السبيل “….
    دنا رجل منها في ساعات الليل المتأخرة ،مدّ يده على مهل ،لا تدري كيف ذهبت معه إلى منزله ،هناك طلبت منه أن يدلها على مكان المنامة ،كان ثملا هائجا انقض عليها كذئب ،حمي وطيس العراك ،وقع بصرها على سكين ،تناولتها وبلا شعور غرست النصل في أحشائه ،فجمدت أصابعها على
    قبضة السكين ،وقبل أن تلوذ بالفرار ،وقع بصرها على محفظة صغيرة ،تناولتها ،وخرجت إلى الشارع ،حثت خطاها في دروب لا تنتهي ،ولا تدري في أي اتجاه تهب الرياح .

    حجب الليل ضياء الكون ،ومازالت تفكر ،لا تدري من أين جاءتها فكرة أن الغيوم لا تستطيع أن تغيب النجوم إلا لحين ،لكن هي ذاتها لم تعد تصدق أنها بريئة ،كمن ( كذب الكذبه وصدقها )،حنقت على ذاتها ،وأدركت أن الغلبة للأكثرية ،على مبد أ ( إذا وجدت زرقاء اليمامة في
    مدينة العميان،غدت مثلهم عمياء ) .قررت السفر إلى المجهول ،وما أكثر المجاهل في عالم  امرأة عانت من ظلام السجن .
    صعدت إلى جوف الحافلة ،قبعت في المقعد ،تفكر كيف سيكون موقفها أمام صاحبها ،وكيف ستبرر أنها سوف تقابله مرة أخرى  وتدفع الأجرة ،ماذا ستقول له أنها خريجة السجن ،أم أنها كانت على عجلة من أمرها ونسيت المحفظة في البيت ،مرت الدقائق بطيئة سوداء ،تقاذفتها أمواج
    الفاقة ،أثخنتها الجراح ،تذكرت المحفظة ،بحثت عن النقود ،وجدتها خالية إلا من بطاقة شخصية ،حدقت في الصورة ،لم تصدق عينيها فتكلمت مع ذاتها :
    – يا إلهي !… نعم أنه أحد الشهود .
    قذفت المحفظة من نافذة الحافلة ، عادت بها الذاكرة إلى زوجها المفتري ،لكنها فوجئت حين تجاوزها المعاون ولم يطلب منها شيئا ،كانت في أوج تساؤلاتها ،حين وصلت الحافلة إلى المحطة في طرابلس ،وقال المعاون :
    – الحمد لله على السلامة .
    نظر المعاون إليها ،وقف أمامها ،شعرت بخوف شديد يجتاح كيانها ،لكنها هدأت حين سألها:
    – لحظة بقي لك خمسون ليرة .
    – ليس لي معك شيئا .
    – كيف ؟.
    – لم أملك نقودا ،لقد نسيت نقودي في البيت ،وسأعود غدا .
    – لا سامحك الله.
    – شكرا …
    – سأراك غدا .
    – أتعرفني ؟.
    – نعم . رأيتك في السجن مع حسيبة .
    – إذن بلغها سلامي .
    في منتصف الليل ،وطئت قدماها الشارع ،اجتازت المحلات ،دفعها الجوع أن تلجأ إلى نزل أمّ ” خليل ” ،التي استقبلتها بوجه بشوش ،وقفت ماجدة منكسرة ،سألت :
    – هل أستطيع النوم عندكم ؟.
    – أهلا بك .
    جلست معها في الصالون ،وبعد أن تعرفت عليها ،أخبرتها أن أحد الشباب من قريتهم ،بقى مدة من الزمن ينام في نزلها ،لكنها نسيت اسمه ،وراحت ماجدة تتذكر الأسماء ،فقفز اسم ” صابر ” إلى ذهنها ،لكنها نسيت ملامح وجهه ،فقالت :
    – أيكون صابر ؟.
    – نعم أتعرفينه ؟.
    – نعم ،ابن جارنا .
    – كيف أحواله ؟.
    – لم أره من زمن بعيد .
    – أيعقل ؟.
    – لقد هرب من القرية أيّام الانفصال .
    ضحكت أمّ خليل :
    – ما خاب ظني .
    اقترحت على ماجدة أن تعمل في الفندق ،فوافقت على طلبها ،لعلها تحصل المصروف .عملت خادمة لا قيمة لها. بسبب لقمة العيش والمنامة ،وذات يوم سافرت إلى بيروت وعملت في نادي ليلي ،ومع مرور الأيّام .أصبحت راقصة لا تجاريها أية راقصة.
    خرجت في ساعة متأخرة ،ومع يقظة نسمات البحر الرطبة ،استوقفها رجل في عقده الخامس ،طلب منها الزواج ،كان رجلا متصابيا لكثرة ماله ،ومندفعا للراحة لأنه يملك ثروة طائلة ،درست الأمر مع ذاتها : ” إذا كنت لرجل واحد ،أفضل من أن أتعرى أمام عشرات الرجال “.
    ثم قالت :
    – حسنا أنا موافقة .
    – إذن تعالي معي إلى البيت .
    – انتظرني حتى أستلم أجري وأحضر حقيبتي وملابسي .
    – لا داع لذلك . وما عليك إلا أن تشيري بإصبعك إلى كل ما تريدين فيأتيك على جنح السرعة .
    لم تدخر وقتا فالتصقت به بفعل نداء العقل ،أخلصت له ،على أمل أن يكون هذا الزواج نهاية المتاعب فقالت :
    – إلى جهنم يا أيام البؤس …
    تأبط ذراعها وأدخلها إلى البناية ،ومرت أيّام السعادة ،كانت تحلم بالإنجاب لكن الرجل عقيم ،فتبددت أمانيها وبقي ” فادي ” أملها الوحيد ، أوت إلى فراشها ،حدقت في سقف الغرفة ،تبادر لذهنها قول جدتها ،وهي تحشر رأسها تحت إبطها:”( تاجرنا بالحنى كثرت الأحزان ،وتاجرنا
    بالأكفان كثرت الأفراح ) .
    أخذتها الذكريات إلى الماضي نبشت ركامه حتى غيبها النوم ،رأت نفسها في عرض البحر على متن زورق يشق عباب الماء ،تطاير شعرها الغجري ليشكل مظلة، تستظل بظلها الأجيال ، قدمت لهم الفاكهة ،وبلح الرافدين ،شعرت بان الله عوضها بملايين الأبناء عوضا عن ولدها ،وفجأة شقت
    الحيتان الأمواج ، حاصرت الزورق طوقته من كل الاتجاهات ، انبرى قرش جشع من جماعة الحيتان ، فاتحا شدقيه ،بغية التهام الزورق برمته ،لكنه اكتفى أن يضرب خاصرته الشرقية ضربة كادت أن تحطم أضلاعه ،صرخت:
    – احمنا يا رب .
    إذ ليس من السهل أن يرى الإنسان  نفسه بين فكي حوت جشع لعين ،يريد أن يجعل جسده كعصف مأكول  :”( اجمعوا الأضلاع بالمحبة والحوار قبل أن تحل في الديار لعنة الأقدار )” .
    جف حلقها ومازال القرش ،يدور حول الزورق يبغي إغراقه ،حاول أن يشعل النار في خاصرته الغربية ،لكنه لم يفلح لأن الأضلاع كانت فولاذية .
    قرع أحدهم الباب بعنف ،نهضت مذعورة ،وعندما فتحت الباب  فوجئت بشاب يقف أمامها ويخبرها عن فاجعة حلت بزوجها، بسبب حادث أليم ،بعث الرعب في صدرها ،وبدا اللهب يشتعل من حولها ،خلت بنفسها بعيدا عن الناس ومشاكلهم ،وبقيت على هذه الحال إلى يوم تأبينه ،في ذلك المساء
    بدا الصراع على الميراث ،كانت ثروته سببا في ظهور ذئاب من نوع جديد ،لكنها بدت لبوة تحمي نفسها ،وكيف لا تكون شجاعة،أليس هي من خبرت مسالك الغابة ،فاندفعت بكل ما تملك من فنون نحو تحقيق هدفها ،فحصلت على ثروة جعلت اسمها يحلق بين أرجاء العالم ،فكل هذه الشهرة لم
    تجعلها تنسى الأزقة الضيقة ،و ذلك الصندوق الذي حماها من العقارب .عادت إلى  مدينة حمص التي لم تر فيها يوما أبيض .

    عادت إلى مدينة حمص تذكرت القرية التي رعت طفولتها ،وهي تشق عباب الليل تذكرت أمّها ،التي قضت ولم ترها ،وتذكرت زوج أمّها ورغم قسوته صفحت عنه ،لم يكن باستطاعته أن  يقف غير ذلك الموقف ،لأن العرف ينطوي على كل أبناء جلدتها ،فقررت أن تزوره لعل العرف يكون قد تغير
    بعض الشيء ،فهي على استعداد أن تطلب منه الصفح ،ولم ،لا… أليست هي من أُخذت بافتراء  رجل ناقم لعب لعبته ، وقد حقق مأربه وهرب إلى العراق مع طفلها قبل أن يبلغ الفطام ،حين وصلت إلى دارهم ،أنبأها أحدهم أن صاحب البيت باعه منذ أشهر ،و كان يردد اسم ابنته ماجدة
    ،بكت في سرّها كثيرا ،وحين أدركت أن جارهم لم يستطع التعرف عليها ،تأكدت أن ماضيها اندثر ،ودفنت كل مشاكلها تحت رماد الأيّام ،ورغم ذلك استخدمت كل براعتها علها تكتشف هل هناك من يعرف خريجة سجن النساء ،زارت قبر والدتها ، وكلفت أحد العمال ، لبناء القبر من رخام
    ،وبعد أيّام، جاءت زيارة إلى المقبرة ،وزينت القبر بالرياحين  ،تعمدت أن تتحدث مع جارتهم ،التي لم تستطع التعرف عليها وللتأكد سألتها :
    – هذا قبر من يا خالة .
    اغرورقت عيناها بالدموع ،وببحة :
    – يا حسرتي ماتت قهرا على ابنتها التي رحلت ،ولا يعلم إلا الله أين هي الآن .
    شعرت بسرور كبير،همست مع نفسها:” لم يعرف أحد المرأة التي شغلت قاعات المحاكم ،ومخفر الشرطة  مدة  من الزمن “.
    حاولت شراء المنزل من أحدهم ،وأشادت بناية لائقة ، ولم تنس صديقتها  التي اطمأنت لها ،كانت تحس بفراغ كبير ، وزخم الأفكار في رأسها ،ثمة حلم ستحققه من أهم من ” فادي ” يجب أن تستعيده بأي طريقة ،تذكرت قول صديقة السجن :
    – من يملك المال يملك كل شيء .
    سحرتها الفكرة ،فقالت لنفسها :” نعم الثأر سيتحقق “.
    دلفت إلى الشرفة نادت على ” فاديا “، لبت دعوتها بسرعة :
    – نعم .
    – أرجوك …أين النرجيلة ؟.
    – جاهزة ..
    غابت لدقائق ،وعادت تحمل النرجيلة معمرة بجمرات ملتهبة ،تناولت خرطومها ،وراحت تعبّ الدخان ،والماء تقرقر في النرجيلة  ،كانت تراقب الناس ،وتفرحها حركات الأطفال ،تذكرت ” صابر ” ،كانت تعرف أنه من رواد مقهى الروضة ،أججت العصافير فرحا في داخلها ،مرّ شريط من
    الذكريات أمام ناظرها ،جعلها تقفز كظبية ،كانت فاديا تراقب حركاتها ،فأسرعت :
    – هل تحتاجين شيئا ؟.
    – جيء بمفتاح السيارة .
    ناولتها المفتاح:
    – تفضلي سيدتي.
    خرجت مسرعة ، لا تدري كيف فتحت باب السيارة  ،ولجت إلى داخلها ،وانطلقت بسرعة ،وقفت أمام باب المقهى ،مرّ من أمامها رجل يبيع أوراق اليانصيب ،كان شيخا أحنت السنون ظهره ،عرفته زوج أمها لا غيره ،كيف تنسى ذلك الرجل ،وقف أمامها وبلهجة ضعيفة :
    – خمسة آلاف الجائزة الكبرى .
    سحبت من الرزمة خمس بطاقات ،حشرتها في محفظة يدها ،وناولته مئة ليرة ،نظر إلى القطعة النقدية متعجبا :
    – لحظة …
    عرفت ما رمى إليه فقالت :
    – لك المئة .
    – كريمة ابنة كريم .
    – كم تحصل في اليوم ؟.
    – خمسون ليرة تقريبا .
    – كم عدد أفراد أسرتك ؟.
    – خمسة …
    – يبدو أنك تأخرت في زواجك .
    – لا …هذا زواجي الثاني …
    – ما رأيك أن تعمل عندي ،كحارس للبناية وبأجر محترم .
    وقبل أن يبدي موافقته ناولته خمس آلاف ليرة سوريه ،وكتبت له العنوان .
    ( من زمن أنا وصغيري
    كان في صبي أجي من الحراش
    ألعب أنا وياه
    كان اسمه شادي انا وشادي
    غنينا سوى لعبنا على التل
    ركضنا بالهوى اكتبنا على الحجار
    قصص صغار ولوحنا الهوى )

    كانت حائرة ، لا تعرف كيف استطاع “علوان ” أن يشتري الشهود الذين لا تعرفهم ،وما هو الدافع الذي دفعهم لأن يدلوا بشهادتهم أنهم مارسوا الزنا معها في سرير واحد ،وهي لا تعرف إياهم، لقد فعل كل ذلك من أجل أن يسلبها طفلها ،لا لأنه يحبه ،ولا لأنه يريده ابنا ،هذا ما
    تدركه بإحساسها ، بل كل ذلك من أجل أن يحرق قلبها ،فقالت في نفسها :” نعم حرق قلبي وحوله على صحن سجائر “.
    حين عادت تملك الثروة ،راحت تتخيل ولدها ،لا تعرف كيف يعيش مع أبيه الذي أخذه من زمن ،كانت مستعدة أن تعود إلى ” علوان “،ستضحي بكل شيء من أجل ” فادي ” عليها أن تطرق كل الأبواب ،فجأة تراجعت قائلة :
    – محال كيف لخائن الأمس أن يكون بطل اليوم ؟.
    عبرت الرصيف ،كانت معتادة على مثل هذه الأماكن ، انتحت زاوية من خلالها تستطيع رصد حركات الناس .كان المقهى يعج بلاعبي الورق ،وعلى الطاولة المجاورة ،يتبارز  لاعبو النرد ،وهناك أهل السياسة يتحاورون بحدة ،وعلى جانبهم شارب النرجيلة غير مبال شارد اللب ،دنا النادل
    :
    – مري سيدتي .
    – من فضلك … عصير .
    وقبل أن ينصرف إلى عمله .سألته
    – هل تعرف المحامي صابر ؟.
    – نعم ،من لا يعرفه .
    – اطلبه فورا .
    انصرف النادل يدور من طاولة إلى أخرى ،كان معتادا على مثل هذه الحركات ،عشرون عاما وقدماه تزرع هذا المكان عشرات المرات يوميا ،طيلة الأعوام المنصرمة لم تقع عينه على امرأة تتجرأ أن تدخل إلى مقهى الرجال ،فقال لنفسه :” امرأة بهذا الجمال كيف لها أن تدخل
    المقهى”؟!.
    سمع تصفيقا من أحدهم :
    – يا لله جاي .
    شعرت بقسوة ألهبت غضبها  ،حشدت كل جرأتها لطرد مشاعر الخيبة ،كيف سيكون حالها  إذا أخلف ” صابر” موعده ،ماذا تفعل لو كان كاذبا ؟. جاء النادل ،ووضع الشراب على الطاولة ،ونظر إليها معجبا ،أدركت ما يدور بخاطره ،عقدت مابين حاجبيها ،جعلت عيناه  تأكلان أطراف الصينية
    ،لا يدري كيف انسحب من أمامها ؛مناديا :
    – أنا قادم ،أنا قادم .
    انتهت من تناول الشراب ،ولم  يأت ” صابر ” أشعلت سيجارة ( كنت ) سحبت الدخان إلى رئتيها،وراحت تتساءل كيف ستدبر أمرها ،إذا تخلى عن تنفيذ المهمة التي ستكلفه بها ،بلا شعور سحقت لفافة التبغ في صحن السجائر ،و فجأة وقف رجل أمام الطاولة ،فافتر ثغرها عن بسمة تشع
    أملا بالنصر ،قدرت عمره يناهز الخامسة والأربعون ،أسمر الوجه ،عريض المنكبين ،ووجه مثلثي ،عيناه غائرتان في عمقيهما  حزن وحيرة :
    – مساء الخير …
    – أهلا …أستاذ صابر .
    – وبك .يا مدام ماجدة .
    – تفضل …لنشرب القهوة .
    – لا مانع .
    جلس أمامها ،ومع ارتشاف القهوة ،راحت تتحدث معه بأمور كثيرة ،ومن خلال الحديث ،شعر أنها مسرورة بوجوده  ،وبعد أن انتهيا من شرب القهوة ،طلبت منه أن يقوما بمشوار خارج ازدحام المدينة ،فاستجاب لرغبتها ،وسار خلفها إلى السيارة ،وما إن أصبحا في داخلها،حتى أقلعت
    السيارة ،وأخذت الدواليب تنهب الإسفلت ،وتنعطف يمينا ويسارا في نهاية كل شارع ،إلى أن أصبحا على أطراف المدينة ،توقفت بجانب حديقة ،واختارت مكانا بعيدا عن عيون المارة ،وبعد أخذ ورد ،استطاعت أن تعقد مع ” صابر “صفقة ،كان يصغي إلى الحديث بانتباه ودقة متناهية
    ،فقالت :
    – المال لا يهم  .خذ ما شئت .
    في بادئ الأمر ظنها كاذبة ،ومن أجل أن تقطع عليه شكوكه ،نظرت إلى وجهه ،وبجدية :
    – كل أموال العالم لا تساوي ظفر من أظافر فادي .حدد المبلغ الذي تريده الآن ،وإذا نفذت وعدك وجئت به …تأخذ ما تشاء أيضا .
    – أنا تحت أمرك …لكن أطلب منك ضمانا .
    – سأضع لك مبلغا في البنك .
    ومع ابتسامة فيها سحر :
    – ماذا تريد غير ذلك ؟. هل تريد عقد زواج ؟.أم لست جديرة ؟.
    – أنا لا أريد سواك ،حين يحوّم طائر الموت ،لم تعد تنفع الأشياء .
    زفرت بحدة :
    – لو كنت رجلا ..
    – ما قصدك ؟.
    – لا شيء ،إن عدت ظافرا نعلن زواجنا .
    – فهمت .
    – ارحموا يا ناس قلب الأمّ .
    – أقدر ظرفك سيدتي .
    – إذن راجع غدا البنك .
    لم يشعرا بمسافة الطريق ،عبرت ساحة الساعة الجديدة ،أخذت أقصى اليمين فرملت العجلات ، بمحاذاة حديقة رائد الفضاء ” محمد فارس ” ،دلف ” صابر ” من جوف السيارة ،لوح بيده مودعا ،حركات السيارات مستمرة في شارع القوتلي  ،وقف ” صابر ” أمام واجهه من الزجاج ، قابلته
    صورته مدّ يده إلى ذقنه الحليقة ،تفرس وجهه فراودته نرجسية فاقعة ،ضحك حين تذكر لقاءه مع” ماجدة ” .
    حث خطاه وهو يضحك دون سبب ،فوجد نفسه هاربا من ذاته ،وراح يدور في الاتجاهات الأربعة ،دخل في الزحام مشتت الذهن ،تجول بين الباعة ،ابتاع بحرية تعويضا عن نقص عانى منه في حياته ،انصرم النهار ،وبقي طيلة الليل يفكر في المغامرة حتى تبلورت في ذهنه ،شق طرائق جديدة
    ،ومثالب لم تعبر  ذكرياته ولا هواجسه .فقبع في ركن البيت ،انفرد مع نفسه ،اكتشف أن شيطانا في داخله يدفعه للترحال ،هاجمته لحظة من التردد ،دفعته الحاجة أن يفكر من جديد ،لكن بطريقة أخرى ،وبقي لدقائق يعيش الصراع بشقيه ،عربدت شياطين الأرض بداخله ،حمي وطيس الصراع
    ،بعد اللقاء مع ” ماجدة ” ،رتب فواصل حياته ،لعن فوضاه ،مازالت تزاحمه في كل المنعطفات ،حدث ذاته :” وسوسة  النفس وصدئها تدفعاني إلى مجاري الموت.
    تحولت نار الذاكرة إلى وحش ،من الصعب التخلص من براثنه ،فليست الذكريات إلا إيقاعا لا نسمعه بأذنينا فقط  بل بكل كياننا وطاقاتنا المحتبسة .فالذكرى موجودة في الزمان والمكان المحددان ،فنشأت رغبة دفعت الجسد والعقل والإحساس إلى الغوص في الانفعال ،كما يدفع الماء
    رحى الطاحونة .
    ضاق ذرعا ،وهو يزرع فسحة البيت ذهابا وإيابا ،تحرك في داخله شيء، يدفعه لعدم مغادرة  مكانه ،وعدم تنفيذ اتفاقيته مع ” ماجدة “، كيف سيرحل عن مدينة دفن فيها كل أحبابه ،والدته ووالده ،وزوجه .

    ___________________________الى اللقاء في الحلقة القادمة من – رواية ” الاحتجاج ” بقلم القاص والروائي السوري نبيه اسكندر الحسن

  • تَصَادَفَ أنْ يُرَافِقَنيْ عَقُوْقٌ .. بِعِيْدِ الأمِّ فيْ إحْدى السِّنِيْنِ – فصيدة (( هِيَ الأمُّ الَّتي !! )) – للشاعر /  المحامي منير العباس /..

    تَصَادَفَ أنْ يُرَافِقَنيْ عَقُوْقٌ .. بِعِيْدِ الأمِّ فيْ إحْدى السِّنِيْنِ – فصيدة (( هِيَ الأمُّ الَّتي !! )) – للشاعر / المحامي منير العباس /..

    المحامي منير العباس

    هِيَ الأمُّ الَّتي !!

    تَصَادَفَ أنْ يُرَافِقَنيْ عَقُوْقٌ

    بِعِيْدِ الأمِّ فيْ إحْدى السِّنِيْنِ

    فأمْعَنُ في التَّهَكُّمِ والتَّرَدِّيْ

    وزَمْجَرَ قائِلاً : “عيدُ المُجُونِ”

    ***
    رَدَدْتُ كَلامَهُ بالرِّفْقِ أَحْذوْ

    بِحُبٍّ حَذْوَ ذِي النَّهْجِ الْمُبِيْنِ

    أُحَاوِرُهُ بِمَا قَدْ صَارَ فَصْلاً

    مِنَ الْقَوْلِ الْحَكِيْمِ لِكُلِّ دِيْنِ

    أَمَا مِنْ رَحْمَةِ الرَّحْمنِ كانَتْ

    لَنَا أُمٌّ كَعِطْرِ الياسَمِيْنِ ؟

    أتُنْكِرُ فَضْلَ آمِنَةٍ عَلَيْنَا

    وَقَدْ حَمَلَتْ بِهَادِيْنَا الأمِيْنِ

    وَفَاطِمُ كَمْ حَبَاهَا اللهُ طُهْراً

    وَأَوْدَعَ سِرَّهُ أمَّ البَنينِ

    وأمُّ المُؤْمِنِيْنَ تَفِيْضُ بِرَّاً

    وقدْ حَازَتْ تُقَى لَقَبٍ مَكِيْنِ

    إلهُ العَرْشِ كَرَّمَ أمَّ مُوْسىْ

    لِتُوْدِعَهُ لَدى يَمٍّ حَصِيْنِ

    وَأُمُّ مَسِيْحِنا هَزَّتْ بِفَخْرٍ

    لِجِذْعٍ جَادَ بالرُّطَبِ الثَّمِيْنِ

    وَلَوْ شَاءَ الإلهُ أَتَى بِرُطْبٍ

    بِلا هَزٍّ لِمَرْيمَ مِنْ عُيُوْنِ

    أمَا سُئِلَ الرَّسُوْلُ فَقَالَ : أُمِّيْ

    وَأُمّيْ ثُمَّ أُمِيْ كُلَّ حِيْنِ

    وَأَلْقَى بَيْنَ كَفَّيْها دُعَاءً

    لِتُزْهِرَ فِيْهِما جَنَّاتُ عَدْنِ

    ألمْ تَسْمَعْ جَوَاْبَ حَفِيْدِ طَه

    لِماذا لمْ يُؤاكِلْها بِصَحْنِ

    فقَالَ : أخَاْفُ أنْ آتيْ عُقُوْقاً

    فَتَسْبِقَ كَفَّهَا للصَّحْنِ عَيْني

    و “نابِلْيَوْنُ” أَهْدَى الأمَّ قَوْلاً

    عَظِيْمَاً كانَ كَالْحِكْمِ الرَّصِيْنِ

    فَمَا مِنْ ناجِحٍ فِي الْكَوْنِ إلاَّ

    وَعَوْنُ الأُمِّ مِنْهُ كالْقَرِيْنِ

    وَآخَرُ قَالَ : مَنْ هَزَّتْ سَرِيْري

    بِيُسْرَاهَا تُزَلْزِلُ بِالْيَمِيْنِ

    لَمَنْ هَزَّتْ بِيُسْرَاهَا سَرِيْري

    تَهُزُّ الكَوْنَ بالكَفِّ اليَمِيْنِ

    ***
    هيَ الأُمُّ الَّتي حَمَلَتْ جَنِيْنَاً

    بِهِ نَاءَتْ جِبَالُ الْعَالَمَيْنِ

    وآلامُ الْمَخَاضِ جُيُوْشُ مَوْتٍ

    تُقَلِّعُ بالرِّمَاحِ الْمُقْلَتَيْنِ

    حَنانُ الأُمِّ لَيْسَ لَهُ مَثِيْلٌ

    خَلايا الأمِّ صِيْغَتْ مِنْ لُجَيْنِ

    رَغِيْفُ الأمِّ تِرْياقاً تَجَلَّى

    لأنَّ اللهَ بارَكَ بالْعَجِيْنِ

    وَطَعْمُ حَلِيْبِهَا يَشْفِي سَقَامِيْ

    فَإنْ يَضْنُنْ يُبَاغِتْنِيْ مَنُوْنِي

    هِيَ الأُمُّ الَّتي حَسَمَتْ خَيَاراً

    فَباتَ وَلِيْدُهَا فِي الْكَفَّتَيْنِ

    إذا نَالَ الْغَضَنْفَرُ مِنْ بَنِيْهَا

    غَزَتْ ذاكَ الْغَضَنْفَرَ فِي الْعَرِيْنِ

    وإنْ وَلَدٌ لَهَا جُرْحٌ دَهَاهُ

    تُضَمِّدُ جُرْحَهُ بالْخَافِقَيْنِ

    فَقُمْ يا صَاحِبِيْ عَرِّجْ عَلِيْهَا

    وقُلْ يا أُمُّ لُطْفاً سَامِحِيْنِي

    ***
    نَظَرْتُ إلى رَفِيْقِي بَعْدَ هذا

    فَكَانُ يَلُوْذُ فيْ وَجْهٍ حَزِيْنِ

    فَمِلْتُ عَلَيْهِ فيْ دَعَةٍ فَأَثْنَى

    عَلَيَّ ثَنَاءَ مُمْتَنٍّ مَدِيْنِ

    أَجَابَ وَقَدْ تَبَلَّلَ شَاْرِبَاْهُ

    بِنَهْرٍ فَاضَ مِنْ مَجْرَى العُيُوْنِ

    قَضَيْتُ العُمْرَ أَجْحَدُ يا رَفِيْقِي

    بَدِيْعَ الخَلْقِ في رُوْحِ الْجنِيْنِ

    أُفَتِّشُ فيْ صَحَارى العُمْرِ عَنِّي

    فَأَلْقَانِي يُحَرِّكُنِي سُكُوْنِي

    تُجَاوِبُنِي فَرَاشَاتٌ تَوَالَتْ

    لَتَرْثِيَنِي بإشْفَاقٍ مُهِيْنِ

    وتَرْجُمَني ، بإصْرَارٍ تُنَادي :

    خَزِيْتَ أَيَا غَضيْبَ الوالِدَينِ

    قَوَاميسُ الأُمُومَةِ كَمْ تَنَادَتْ

    ليُنْقِذَني سَنَاها مِنْ أَنِيْني

    فَلَمْ أَكُ سامِعَاً إلاَّ صُراخِيْ

    أَلُوذُ لِنُصْرَةِ الحِقْدِ الدَّفِيْنِ

    وَكِدْتُ أَصِيْرُ جَبَّاراً شَقِيَّاً

    عَقَقْتُ الْوالِدَيْنِ الأزْهَرَيْنِ

    إلى أنْ شاءَ ربُّكَ فيْكَ هَدْياً

    وكَانَ هُدَاكَ نُوْرَ الفَرْقدَيْنِ

    فَعَهْداً إنْ أَعِشْ دهْراً فَإِنِّيْ

    سَأَغْرُسُ عندَ رِجْلَيْها جَبِيْني

    وَإِنْ شَاءَ الإلَهُ لَهَا رَحِيْلاً

    فَبَعْدَ فِرَاقِهَا لا رَفَّ جَفْنِيْ

    فَهَبْنِي يا إلهِي مِنْ رِضَاها

    مَزِيْداً أنْتَ يا رَبِّيْ مُعِيْنِيْ

    ***
    حَمَدْتُ اللهَ أنْ يُهْدى رَفِيْقِيْ

    إلى نُورِ الْمَحَبَّةِ واليَقِيْنِ

    بدَمْعِ قَصِيْدَتِيْ غَرِقَتْ حُرُوْفِي

    وغَاْرَتْ فيْ مَآقِيْها شُجُوْنِي

    غَدَوْتُ أَحِنُّ لِلْصَدْرِ المُفَدَّى

    وأَحْلُمُ أنْ تَكُوْنَ بهِ سُجُوْنِي

    فَقَدِّرْنِي لِمَا تَرْضَى إلهِي

    حَنِيْفاً .. مُسلِمَاً .. هو ذاكَ دَيْنِي

    رجَائِيْ فيْكَ يا مَوْلايَ خَيْرٌ

    بِعَفْوِكَ لا تُخَيِّبْ لِيْ ظُنُوْنِي

  • الأديب/ واسيني الأعرج  / روائي جزائري وأستاذ كرسي بجامعتي الجزائر المركزية والسوربون بباريس.

    الأديب/ واسيني الأعرج / روائي جزائري وأستاذ كرسي بجامعتي الجزائر المركزية والسوربون بباريس.

    واسيني الأعرج

    من ويكيبيديا،
    واسيني الأعرج
    ولد    8 أغسطس 1954
    قرية سيدي بوجنان الحدودية- تلمسان
    المهنة    جامعي وروائي جزائري
    واسيني الأعرج. (ولد 8 أغسطس 1954 بقرية سيدي بوجنان الحدودية- تلمسان) جامعي وروائي جزائري. يشغل اليوم منصب أستاذ كرسي بجامعتي الجزائر المركزية والسوربون بباريس. يعتبر أحد أهمّ الأصوات الروائية في الوطن العربي.
    على خلاف الجيل التأسيسي الذي سبقه، تنتمي أعمال واسيني، الذي يكتب باللغتين العربية والفرنسية، إلى المدرسة الجديدة التي لا تستقر على شكل واحد وثابت، بل تبحث دائما عن سبلها التعبيرية الجديدة والحية بالعمل الجاد على اللغة وهز يقينياتها. إن اللغة بهذا المعنى، ليست معطى جاهزا ومستقرا ولكنها بحث دائم ومستمر.
    إن قوة واسيني التجريبية التجديدية تجلت بشكل واضح في روايته التي أثارت جدلا نقديا كبيرا، والمبرمجة اليوم في العديد من الجامعات في العالم: الليلة السابعة بعد الألف بجزأيها: رمل الماية والمخطوطة الشرقية. فقد حاور فيها ألف ليلة وليلة، لا من موقع ترديد التاريخ واستعادة النص، ولكن من هاجس الرغبة في استرداد التقاليد السردية الضائعة وفهم نظمها الداخلية التي صنعت المخيلة العربية في غناها وعظمة انفتاحها.
    جوائز

    في سنة 1997، اختيرت روايته حارسة الظلال (دون كيشوت في الجزائر) ضمن أفضل خمس روايات صدرت بفرنسا، ونشرت في أكثر من خمس طبعات متتالية بما فيها طبعة الجيب الشعبية، قبل أن تنشر في طبعة خاصة ضمت الأعمال الخمسة.
    تحصل في سنة 2001 على جائزة الرواية الجزائرية على مجمل أعماله.
    تحصل في سنة 2006 على جائزة المكتبيين الكبرى على روايته: كتاب الأمير، التي تمنح عادة لأكثر الكتب رواجا واهتماما نقديا، في السنة.
    تحصل في سنة 2007 على جائزة الشيخ زايد للآداب.
    تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية من بينها: الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، السويدية، الدنمركية، العبرية، الإنجليزية والإسبانية.
    أعماله
    البوابة الحمراء(وقائع من أوجاع رجل). دمشق/ الجزائر 1980
    طوق الياسمين (وقع الأحذية الخشنة). بيروت1981 (سلسلة الجيب: الفضاء الحر-2002 Libre Poche )
    ما تبقّى من سيرة لخضر حمروش. دمشق 1982
    نوار اللوز. بيروت 1983 – باريس للترجمة الفرنسية 2001
    مصرع أحلام مريم الوديعة. بيروت 1984 (سلسلة الجيب: الفضاء الحر-2001 Libre Poche )
    ضمير الغائب. دمشق 1990 (سلسلة الجيب: الفضاء الحر-2001 Libre Poche )
    الليلة السابعة بعد الألف: الكتاب الأول: رمل الماية. دمشق/الجزائر 1993
    الليلة السابعة بعد الألف: الكتاب الثاني: المخطوطة الشرقية. دمشق- 2002
    سيدة المقام. دار الجمل- ألمانيا/الجزائر 1995 (سلسلة الجيب: الفضاء الحر-2001 Libre Poche )
    حارسة الظلال. الطبعة الفرنسية. 1996- الطبعة العربية 1999 (سلسلة الجيب: الفضاء الحر-2001 Libre Poche )
    ذاكرة الماء. دار الجمل- ألمانيا 1997 (سلسلة الجيب: الفضاء الحر-2001 Libre Poche )
    مرايا الضّرير. باريس للطبعة الفرنسية. 1998
    شرفات بحر الشمال. دار الآداب. بيروت 2001، باريس للترجمة الفرنسية 2003 (سلسلة الجيب: الفضاء الحر-2002 Libre Poche )
    مضيق المعطوبين. الطبعة الفرنسية.2005 (سلسلة الجيب: الفضاء الحر-2005 Libre Poche )
    كتاب الأمير. دار الآداب. بيروت. 2005 – باريس للترجمة الفرنسية 2006 (سلسلة الجيب: الفضاء الحر-2006 Libre Poche )
    رواية البيت الأندلسي . دار الجمل – 2010.
    جملكية أرابيا منشورات الجمل 2011 م
    راواية مملكة الفراشة ٢٠١٣ م

    ـــــــــــــــــــــــــ

     

    أصابع لوليتا رواية جديدة للأديب الجزائري واسيني الأعرج
    عمان- في المرصاد- تعاين رواية “أصابع لوليتا” للأديب الجزائري واسيني الأعرج الصادرة حديثا ضمن سلسلة كتاب مجلة دبي الثقافية الشهرية اجواء جديدة مفعمة بأحاسيس شاعرية التقطتها مخيلة روائي رحبة من بين ثنايا الحياة اليومية في بيئة قاسية.
    تتباين موضوعات الرواية عن تلك القضايا والوقائع التي اشتغل عليها الأعرج في أكثر من رواية سابقة حيث يجنح في “أصابع لوليتا” إلى استدعاء صفحات من سيرته الذاتية ويعرضها بأسلوبية فطنة وكأنها تسرد صورا وأحداثا من الوجع الإنساني برمته.
    تتغلغل الرواية، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، بسلاسة إلى دواخليات القارئ وهي تنبش في ذاكرة على نحو يحيط بأشكال الوعي الشديد الصلة بالحوارات الذكية وهي تفسح مساحات واسعة من الرؤى التي تنحاز إلى ابعاد وهموم وتطلعات إنسانية رغم قتامة وسخونة الواقع.
    تتوقف الرواية التي سطرها الأعرج بين باريس وتونس والجزائر في محطات عديدة يجري فيها توظيف مفردة المكان بشكل طاغ ولئن كان ذلك لا يمنع الروائي من الغوص في أعماق شخصياته العديدة التي تلقي بظلالها على الأمكنة والأحداث بجسارة ودون استئذان.
    وزع الأعرج روايته إلى خمسة فصول جاءت تحت عناوين : (خريف فرانكفورت، انتظار على حافة النهر، رماد الأيام القلقة، صحراء الفتنة والقتل، فصل في جحيم التيه).
    يعتبر واسيني الأعرج من بين ابرز كتاب الرواية العربية الجديدة حيث قدم مجموعة من الإصدارات الروائية التي أثرت السرد العربي بألوان من المعالجات المبتكرة لأسئلة الواقع على غرار روايات: كتاب الأمير، شرفات بحر الشمال، طوق الياسمين، سيدة المقام وفي جميعها وضع بصمته الإبداعية الخاصة في استشراف الحدث على خلفية من اللوحات الإنسانية التي تأسر المتلقي بطلاوتها السردية وتفاصيلها الفريدة والممتعة.

  • الدكتور  /الطاهر بن جلون  /روائي وأديب مغربي فرنكفوني متوّجاً في بلاده ..

    الدكتور /الطاهر بن جلون /روائي وأديب مغربي فرنكفوني متوّجاً في بلاده ..

    الطاهر بنجلون أديب مغربي، فرنكفوني، من مواليد فاس في الأول من دجنبر 1944، حاصل على دكتوراة في علم النفس الاجتماعي سنة 1975 بفرنسا، له عدة مؤلفات أدبية من شعر و روايات و محاولات، أشهرها “الليلة المقدسة” و الذي نال من خلالها جائزة الغونكور، ويعتبر من أكثر من ترجمت مؤلفاته من بين الأدباء الفرنكفونيين.

    الطاهر بن جلون متوّجاً في بلاده

    قد ينسى بعضنا أن «غونكور» المغربي شاعر قبل أن يكون روائيّاً. صاحب «ليلة القدر» الذي كرّس بصفته الثانية، عاد إلى المنزل الأوّل، ليتسلّم «جائزة الأركانة»… ويوقّع مختارات معرّبة من دواوينه

    ياسين عدنان

    الرباط| حين يردّد الطاهر بن جلون هذه الأيام أنّ القصيدة ملاذ حقيقي، لا يجب أن يؤخذ كلامه هذا على محمل الاستعارة. فقد احتضن الشعر صاحب «ليلة القدر» بالفعل هذه المرة. بعد الحرب الشرسة التي شنّتها الصحافة الفرنسية عليه أخيراً، إثر اعتراضه على ترشيح رواية ميشال ويلبيك «الخريطة والإقليم» لجائزة «غونكور»، غادر الروائي المغربي كرسيه في «أكاديمية غونكور» موقتاً

    ، باتجاه خيمة القصيدة. خيمة رفع أوتادها «بيت الشعر في المغرب»، وسط «مسرح محمد الخامس» في الرباط، مساء الاثنين 13 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، حيث تسلّم بن جلون «جائزة الأركانة العالمية للشعر» في دورتها الخامسة.
    في العاصمة الفرنسية كانت تصريحات بن جلون نارية في وجه ويلبيك، المعروف بمواقفه العنصريّة تجاه العرب والقضيّة الفلسطينية. أنكر بن جلون على الروائي الفرنسي انتماءه إلى الأدب، مشيراً إلى أنّه مجرّد «نجم روك»، وأنّه ما كان ليقرأ روايته «الخريطة والإقليم»، لولا أنّ مسؤوليته في لجنة «أكاديمية غونكور» تُلزِمه بذلك. أما في المغرب، فقد تحوّل فوزه بـ«الأركانة» إلى محفزٍ للوشوشات في المجالس: كيف ينال من يلقِّبه الفرنسيون بـ«بلزاك العصر» أرفع جائزة شعرية مغربية؟ أما كان أولى لو عادت الجائزة إلى شاعر استثمر في القصيدة مجمل مساره الأدبي، ونسج حروف اسمه كاملة على نول القصيدة؟
    لم يكن بن جلون يملك إجابات عن هذه الأسئلة. فهو عادة لا يجرؤ على تقديم نفسه بصفة الشاعر. لكن لجنة تحكيم هذه الدورة التي ترأسها الشاعر المغربي الكبير محمد السرغيني توجته بجائزتها، في مغامرة شعرية تحفَّظ عليها بعضهم همساً، فيما حيّا آخرون جرأتها. وبعيداً عن النقاش بشأن مدى صوابيّة هذا الخيار، يحسب لـ«بيت الشعر» أنّه أفسح المجال لتكريم الطاهر بن جلون، لأول مرة في المغرب. فالروائي المغربي الحاصل على «جائزة غونكور» عام 1987 عن روايته الشهيرة «ليلة القدر»، يبقى أكثر الأدباء المغاربة اقتناصاًً للجوائز العالمية، وترجمةً إلى اللغات الأجنبية (44 لغة)… إلا أن «الأركانة» هي أول جائزة يحصل عليها في بلده. أنصف المغرب بن جلون متأخراً، كأنّه فضل تكريمه على الصفة التي غادر بها البلاد للمرة الأولى باتجاه منفاه الفرنسي: صفة الشاعر.
    لم تأتِ قصيدة بن جلون الأولى عن المرأة، وعيون الحبيبة، كما هي أغلب قصائد البدايات، بل جاءت عن الجرح والغضب والألم. كتب قصيدته الأولى «فجر الشواهد» أثناء اعتقاله في «ثكنة هرمومو» بين تموز (يوليو) 1966 وكانون الأول (ديسمبر) 1967. وسرعان ما احتضن عبد اللطيف اللعبي في «أنفاس» هذا الصوت الشعري الشاب، قبل أن يتطوع المناضل اليساري أبراهام السرفاتي لتقديم ديوانه الأول «رجال تحت كفن الصمت». وبقي الشاعر يواصل نشر قصائده في «أنفاس» بعد خروجه من السجن، وحتى عام 1971حين عُرِّبت مادة الفلسفة، ليختار المدرِّس الشاب الهجرة نهائياً إلى فرنسا…
    في تلك السنة كتب بيانه الشعري الشهير «أكتب لكي لا يكون لي وجهٌ. أكتبُ لأقول الاختلاف»، وهو البيان الذي ذيّل به مجموعته الشعرية «ندوب الشمس». ثم توالت دواوين بن جلون على امتداد أربعة عقود: «حديث الجمل»، و«مجهولو الهوية»، و«أشجار اللوز من جروحهم تموت»، و«في غفلة عن الذكرى»، و«مارسيليا مثل صباحِ أرقٍ»، و«مُصابٌ بالصحراء»، و«صاعداً الرماد»، و«جِنين وقصائد أخرى».
    لعلَّ صدور هذه الأعمال مجتمعة عام 2007 عن منشورات «غاليمار» الفرنسية، هو ما أعاد إلى الواجهة صوت الطاهر بن جلون الشعري. وكان محمد برادة أوّل من قرّب هذا الصوت من قراء الضاد إذ ترجم ديوانه «حديث الجمل» عام 1975، قبل أن يتصدى كاظم جهاد لترجمة كل من «صاعداً للرماد»، القصيدة الطويلة التي خصصها لحرب الخليج الأولى، و«مجهولو الهوية» الديوان الذي يحتفي بمجموعة من الشهداء الفلسطينيين. هذا المسار الشعري، إضافةً إلى التزام الطاهر بن جلون بالقضايا الوطنية، وارتباطه بالتراث الشعبي، وانحيازه إلى الشعر ليس في القصيدة فقط، بل في أعماله الروائية أيضاً… كلّها عناصر جعلت بن جلون جديراً بـ«الأركانة».
    بدا الطاهر سعيداً بأول جائزة له في المغرب، وبأول تتويج له شاعراً. لأنّنا «نستشهد بالشعراء لا بالروائيين أو المؤرخين. نجعل منهم شهوداً حينما نردّد: «كما قال المتنبي»»، كما لاحظ في كلمته خلال حفل التكريم. بدا سعيداً أيضاً لأنّ تصفيق جمهور الشعر في «مسرح محمد الخامس»، وأغاني فرقة «ناس الغيوان» التي أحيت الحفلة، أنسياه معاركه مع الصحافة الفرنسية، مع روائيي فرنسا الجدد الذين لا يملكون من الرواية إلا صرعة الموضة الزائلة.

    The Sand Child (1985)

    نبذة حول الأديب: الطاهر بن جلون

    الاسم: الطاهر بن جلّون .

    مولده :
    ولد في فاس في 1 / 12/ 1944م.

    تعليمه :
    درس في طنجة عام 1955 حيث التحق بإحدى المدارس الفرنسية هناك. ودرس الفلسفة في الرباط ثم بدأ يدرسها إلى غاية 1971 حين إعلان الحكومة المغربية عزمها تعريب تعليم الفلسفة. ورداً على هذه الخطوة، غادر المدرّس الفرنكوفوني المغرب صوب فرنسا حيث حصل على شهادة عليا في علم النفس.

    محطات :
    – اعتقل عام 1966 مع 94 طالب آخر لتنظيمهم ومشاركتهم في مظاهرات 1965 الطلابية، وهي تجربة دفعته بحماس إلى تبني نوع آخر من المقاومة أساسه الكلمة لا الفعل.

    آرائه :
    – بالنسبة للطاهر بن جلون، فيتجلى صدى نزعته الإنسانية العلمانية في آرائه السياسية التي غالبا ما يعبر عنها في مقالات تنشرها الصحف الفرنسية.

    فعلى الرغم من انتقاده للعنصرية في المجتمعات الأوروبية، فهو يعتبر أن العنصرية جاءت نتيجة الإخفاق في إدماج جاليات المهاجرين في بيئاتها الجديدة. فهو يرى أن اللوم يقع على الطرفين. حيث يقول إن الحكومات قد أخفقت في إدماج المسلمين ذوي الأصول الشمال أفريقية في ثنايا تكوينها العلماني فتركتهم داخل “غيتوهات” يترعرع فيها التطرف وتتجه عكس العلمانية التي مافتئت أوروبا تباهي بها. والمهاجرون من جهتهم بقوا متبعين لأساليب حياتهم المعاكسة لمبادئ المساواة التي يعتقد بن جلون في ضرورة معانقتها إن هم أرادوا البقاء في أوروبا.

    – قال لموقع موروكو تايمز على الويب “المرأة يجب أن تكون مساوية للرجل في العالم العربي…إن نحن أردنا التقدم إلى الأمام”. وتربط دعوة بن جلون إلى المساواة بين كتاباته وبين منظومة اعتقاد راسخ في المثل الفرنسية التعادلية والعلمانية.

    ما قاله النقاد :
    – يقول هشام الصباحي:
    لا تستطيع أن تتملص من سطوته وقوته وقدرته على احتواءك والسيطرة عليك تماما حتى لو استحضرت كل ما تملك من وعى وقوة ومقاومة حتى لا تقع تحت تأثيره وفى اللحظة التي تتأكد أنك أصبحت حرا منه هي نفسها اللحظة التي تدرك انك واقع كاملا تحت سطوته وتدور وتعيش وتتنفس عالم هذا الرجل الذي يجبرك أن تبحث عن أعماله وتتابع بدقة ما ينتجه.

    مؤلفاته :
    – تلك العتمة الباهرة .
    – أن ترحل
    – ليلة القدر
    – الليلة المقدسة
    – طفل الرمال
    – الإسلام مشروحاً
    – تفسير العنصرية لابنتي
    – غزالة وتنتهي العزلة
    – يوم صامت في طنجة
    – حرودة
    – نزل المساكين
    – المرتشي
    – صلاة الغائب
    – أعناب مركب العذاب
    – الكاتب العمومي .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    كلمات له

    كان القبر زنزانة يبلغ طولها ثلاثة أمتار وعرضها متر ونصف أما سقفها فوطئ جداً يتراوح ارتفاعه بين مائة وخمسين ومائة وستين سنتيمترات . و لم يكن بإمكاني أن أقف فيها.
    ***
    طوال ساعة أو أقل ، أبقيت عيني مفتوحتين ، و فمي فاغراً ، لكي أتجرع ما أمكن من الضوء ، لكي أستنشق الضياء و أختزله في داخلي ، و أحفظه ملاذاّ لي فأستذكره كلما أطبقت العتمة ثقيلة فوق جفني ، ابقيت جذعي عارياً لكي يتشبع جلدي بالضوء و يختزنه كأثمن ما يقتنى .
    ***
    أحلم بأن أسمع كلمات ، بأن أدخلها في رأسي ، و أكسوها بالصور و أجعلها تدور كدولاب مدينة الملاعب و أضن بها و أستذكرها عندما أشعر بالألم ، عندما يستبد بي الخوف من الجنون. هيّا ، لا تكن مقتراً ، إحكِ ، إخترع إذاً ما شئت و لكن إمنحنا شيئاً من مخيلتك .
    ***
    أن نعمر الأشياء مجدداً كأن الحفرة لم تكن هي القبر ، ذلك كان قوام نضالنا ، المتصل ، الدؤوب ، المعاند. ألا نستسلم. ألا نفكر لا في جلادينا و لا فيمن خطط و رسم مسبقاً أدق تفاصيل السبيل الذي سيسلكه الموت ، متباطئاً ، متباطئاً جداً ، الى ان ينتزع أرواحنا دمعة تلو دمعة ، كيما يحل العذاب في الجسد و يخمد ناره وئيداً حتى الإنطفاء الكلي .
    ***
    عندما أتذكر .. ما عدت أخشى الموت من الحنين. حتى إني لم أعد لم أعد محتاجاً الى إحراق الصور و إعادة ترتيبها. صرت أقوى من إختبار الدموع الذي يفضي الى نفق آخر. أرى الى ذكرياتي كأنها ذكريات شخص آخر. و لست ، أنا سوى دخيل متلصص .

    ***
    فلسوف أكون من الناجين ما دامت لي القدرة على الصلاة و على التواصل مع الخالق. لقد بلغت أخيراً عتبة الأبدية ، هناك حيث لا وجود لحقد البشر و خستهم و صغاراتهم. هكذا بلغت ، او كنت أعتقد أني بلغت ، وحدة سامية ، تلك التي ترتقي بي فوق الظلمات و تبعدني عن المتجبرين على كائنات ضعيفة. ما عاد في صدري لأنين. لقد أحيلت جميع أعضاء جسمي كلها الى الصمت ، إلى شكل من أشكال السكون الذي لم يكن تماماً هو الراحة ، و لا الموت .
    ***
    الشيء الوحيد الذي تمكنت من المحافظة عليه هو رأسي ، عقلي. كنت أتخلى لهم عن أعضائي , و رجائي ألا يتمكنوا من ذهني ، من حريتي ، من نفحة الهواء الطلق ، من البصيص الخافت في ليلي. ألوذ بدفاعاتي متغافلاً عن خطتهم. تعلمت أن أتخلى عن جسدي. فالجسد هو ذلك المرئي. كانوا يرونه ، و يستطيعون لمسه و بضْعَه بنصلٍ محمّى بالنار ، بإمكانهم تعذيبه ، و تجويعه ، و تعريضه للعقارب ، للبرد المجمد ، غير إني كنت حريصاً أن يبقى ذهني بمنأى عنهم. كان قوتي الوحيدة .

    القصيدة السابقة (من رواية ( تلك العتمة الباهرة ))

  • ماهي أهم الأحداث الثقافية في العالم لعام  2013 م – كتابة: مايا الحاج

    ماهي أهم الأحداث الثقافية في العالم لعام 2013 م – كتابة: مايا الحاج

    أحمد فؤاد نجم

    زياد الرحباني

    أمين معلوف

    خالد خليفة

    ألبير كامو

     

    باسم يوسف


    عتيق رحيمي وغولشيفته فراهاني

     

    نضال الأشقر


    إديت بياف

     

    سعود السنعوسي
    أليس مونرو

    باتريسيا كاس

    عام يمرّ فيحمل معه أحداثاً وذكريات كثيرة. جوائز، إصدارات، إحتفالات، وفيات… ومع كلّ نهاية عام يحاول كلّ واحد منّا استعادة أهم المحطات على مدى 365 يوما. فما هي الأحداث الثقافية التي حملتها سنة 2013؟ من رحل؟ من نجح؟ من أخفق؟ … أسئلة تُجيب عنها هذه البانوراما السريعة لأبرز المحطات الثقافية لعام 2013:

    ● توفي في أواخر هذا العام الشاعر المصري الكبير أحمد فؤاد نجم عن عمر يناهر 84 عاماً (3 كانون الأول/ ديسمبر 2013)، وهو شاعر الفقراء أو «سفير الغلابة» كما كان يُطلق عليه بعدما تكلّم بلغة البسطاء والضعفاء والفلاحين، وتمسّك بلهجتهم العامية ليرتقي بها إلى مصاف الشعر العربي الكبير. ومن أبرز قصائده «غيفارا مات»، «عزّة»، «نيكسون»، «كلب الستّ»، «كأنه مفيش»..

    ● اختيرت العاصمة العراقية بغداد عاصمة ثقافية لعام 2013، واستطاعت برغم الأحداث الصعبة أن تعقد المؤتمرات والندوات وتستضيف الكتّاب والمعارض احتفالاً باختيارها عاصمة للثقافة العربية.

    ● فاز الكاتب الكويتي الشاب سعود السنعوسي بجائزة بوكر 2013 عن روايته «ساق البامبو»، بعدما شكلت اللائحة القصيرة صدمة في الوسطين النقدي والثقافي، لكونها ضمّت أسماء كتّاب غير مكرسين أدبياً تفوقوا على كتّاب معروفين مثل واسيني الأعرج وهدى بركات والياس خوري وغيرهم…

    ● فوز الكاتب السوري خالد خليفة بجائزة نجيب محفوظ عن روايته «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» التي صدرت عن «دار الآداب» وحققت  نجاحا لافتاً، ومن أشهر روايات خليفة «مديح الكراهية»…

    ● شكّل فوز القاصة الكندية أليس مونرو بجائزة نوبل للآداب تكريماً للقصة القصيرة التي غيّبت عن الجوائز العالمية الكبيرة لسنوات طويلة. والمعروف أنّ مونرو تكتب باللغة الإنكليزية ولم يسبق أن تُرجمت أعمالها إلى العربية ولم تكن من الكتّاب المترجمين بكثرة في العالم.

    ● نجحت إمارة دبي في الفوز باستضافة المعرض العالمي الأهمّ «إكسبو» 2020، واعتبر هذا الفوز بمثابة إنجاز كبير لدولة الإمارات العربية باعتبار أنها أول دولة عربية تستضيف مهرجاناً بهذا الحجم. علماً أنّ معرض إكسبو الدولي هو من أضخم وأهم المعارض في العالم، ويُنظّم كل خمس سنوات في إحدى الدول العالمية منذ انطلاقة في القرن التاسع عشر.

    ● صوّر عتيق رحيمي روايته «حجر الصبر» فيلماً سينمائياً تولّى إخراجه بنفسه، وحاز العمل الذي لعبت بطولته الممثلة الإيرانية غولشيفته فراهاني جوائز عدّة. ويأتي نجاح الفيلم مكملاً لنجاح الرواية التي نالت جائزة «غونكور» الفرنسية عام 2008. كما نُشرت الترجمة العربية لها عن «دار الساقي».

    ● استضاف معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت في دورته العشرين الأكاديمية الفرنسية، وحضر من بين أعضائها الروائي اللبناني أمين معلوف الذي سلّمه رئيس الجمهورية اللبناني ميشال سليمان وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر، وأعلن عن نيّة الدولة اللبنانية إصدار طوابع بريدية تحمل صورة صاحب «صخرة طانيوس».

    ● عادت الممثلة نضال الأشقر إلى المسرح بعد 20 سنة على غيابها كممثلة، من خلال نصّ لبريشت أخرجه المسرحي ناجي صوراتي بعنوان «الواوية»، وشاركها البطولة خالد العبدالله.

    ● بعد عقدين على انقطاع زياد الرحباني عن التمثيل، عاد هذا العام إلى الخشبة من خلال دور مسرحي في «مجنون يحكي» للمخرجة اللبنانية لينا خوري.

    ● احتفل العالم بذكرى مرور مئة سنة على ولادة الكاتب الفرنسي الكبير ألبير كامو (ولد عام 1913)، فصدر  في فرنسا الكثير من الكتب عنه وأبحاث في فلسفته وأدبه ومسرحياته وحياته، وطبعات جديدة من رواياته، إضافة إلى نشر رسالة مجهولة كان كامو قد كتبها لصديقه «اللدود» جان بول سارتر…

    ● الاحتفال بمئوية كتاب ليس أمراً معتاداً في الوسط الثقافي العالمي، لكنّ رواية «البحث  عن الزمن الضائع» هي طبعاً مختلفة لكونها تعدّ واحدة من أهم وأشهر الروايات في التاريخ. وبهذه المناسبة احتفلت فرنسا والعالم بذكرى مرور مئة عام على صدور الجزء الأول من سلسلة «البحث عن الزمن الضائع» لمارسيل بروست الذي أصدرها عام 1913 بعد خمس سنوات من كتابتها.

    ● أحيت فرنسا والعالم ذكرى مرور خمسين عاماً على وفاة أيقونة الغناء الفرنسية (1915 – 1963) إديت بياف صاحبة «الحياة وردية». وفي هذا الإطار جالت الفنانة الفرنسية باتريسيا كاس العالم لتُقدّم استعراضاً غنائياً أهدته إلى روح فنانتها المفضلة «بياف»، فغنّت أجمل أغنياتها وجسّدت بعضاً من أدوارها مسرحياً، وقدّمت هذا العرض في ختام مهرجانات بيت الدين في لبنان.

    ● فاز فيلم «آرغو» الذي أخرجه الممثل الأميركي بين أفليك وأنتجه بالتعاون مع زميله جورج كلوني بجائزة أوسكار أفضل فيلم، بعدما أعلنت النتيجة مباشرة من البيت الأبيض السيدة الأميركية الأولى ميشيل أوباما.

    ● فاز الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف بجائزة حرية الصحافة التي قدّمها له صديقه الإعلامي الشهير جون ستيوارت في الولايات المتحدة، علماً أنّ برنامجه الشهير «البرنامج» توقف عن العرض بعد الحلقة الأولى في موسمه الجديد نظراً إلى انتقادات وجهها إلى وزير الدفاع المصري الفريق عبدالفتاح السيسي.

    كتابة: مايا الحاج

  • للشاعر / نزار قباني / قصيدة يتغزل بها في تونس : ياتونس الخضراء جئتك عاشقا *** وعلى جبيني وردة وكتاب

    للشاعر / نزار قباني / قصيدة يتغزل بها في تونس : ياتونس الخضراء جئتك عاشقا *** وعلى جبيني وردة وكتاب


    قصيدة يا تونس الخضراء
    لــ نزار قباني .. كاملة


    إني الدمشقي الذي احترف الهوى*** فاخضوضرت بغنائه الأعشاب
    أحرقت من خلفي جميع مراكبي*** إن الهوى ألا يكون إياب
    أنا فوق أجفان النساء مكسر***قطع فعمري الموج والأخشاب
    لم أنس اسماء النساء ..وإنما*** للحسن أسباب ولي أسباب
    ياساكنات البحر في قرطاجة***جف الشذى وتفرق الأصحاب
    أين اللواتي حبهن عبادة*** وغيابهن وقربهن عذاب
    اللابسات قصائدي ومدامعي*** عاتبتهن فما أفاد عتاب
    أحببتهن وهن ما أحببنني*** وصدقتهن ووعدهن كذاب
    إني لأشعر بالدوار فناهد*** لي يطمئن وناهد يرتاب
    هل دولة الحب التي أسستها*** سقطت علي وسددت الأبواب
    تبكي الكؤوس ، فبعد ثغر حبيبتي*** حلفت بألا تُسكر الأعناب
    أيصدني نهد تعبت برسمه؟*** وتخونني الأقراط والأثواب؟
    ماذا جرى لممالكي وبيارقي؟*** أدعو رباب فلا تجيب رباب
    أأحاسب امرأة على نسيانها*** ومتى استقام مع النساء حساب
    ما تبت عن عشقي ولا استغفرته*** ما أسخف العشاق لو هم تابوا
    قمر دمشقي يسافر في دمي*** وبلابل وسنابل وقباب
    الفل يبدأ من دمشق بياضُه*** وبعطرها تتطيب الأطياب
    والماء يبدأ من دمشق فحيثما*** أسندت رأسك جدول ينساب
    والشعر عصفور يمد جناحه*** فوق الشآم وشاعر جواب
    والحب يبدأ من دمشق فأهلنا*** عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا
    والخيل تبدأ من دمشق مسارها*** وتشد للفتح الكبير ركاب
    والدهر يبدأ من دمشق وعندها*** تبقى اللغات وتحفظ الأنساب
    ودمشق تعطي للعروبة شكلها ***وبأرضها تتشكل الأحقاب
    بدأ الزفاف فمن تكون مضيفتي*** هذا المساء ومن هو العراب
    أأنا مغني القصر يا قرطاجة***كيف الحضور وما علي ثياب

    ماذا أقول ؟ فمي يفتش عن فمي *** والمفردات حجارة وتراب

    فمآدب عربية .. وقصائد*** همزية .. ووسائد وحباب

    لا الكأس تنسينا مساحة حزننا *** يوما ولا كل الشراب شراب

    من أين يأتي الشعر يا قرطاجة*** والله مات وعادت الأنصاب

    من أين يأتي الشعر ؟حين نهارنا*** قمع وحين مساؤنا إرهاب

    سرقوا أصابعنا .وعطر حروفنا*** فبأي شيء يكتب الكتاب

    والحكم شرطي يسير وراءنا*** سرا فنكهة خبزنا استجواب

    الشعر رغم سياطهم وسجونهم*** ملك وهم في بابه حجاب

    من أين أدخل في القصيدة يا ترى*** وحدائق الشعر الجميل خراب

    لم يبق في دار البلابل بلبل*** لا البحتري هنا ولا زرياب

    شعراء هذا اليوم جنس ثالث*** فالقول فوضى والكلام ضباب

    يتكلمون مع الفارغ فما هم*** عجم إذا نطقوا ولا أعراب

    اللاهثون على هوامش عمرنا *** سيان إن حضروا وإن هم غابوا

    يتهكمون على النبيذ معتقا *** وهم على سطح النبيذ ذباب

    الخمر تبقى إن تقادم عهدها*** خمرا وقد تتغير الأكواب

    من أين أدخل في القصيدة ياترى*** والشمس فوق رؤوسنا سرداب

    إن القصيدة ليس ما كتبت يدي *** لكنها ما تكتب الأهداب

    نار الكتابة أحرقت أعمارنا *** فحياتنا الكبريت والأحطاب

    ما الشعر؟ ما وجع الكتابة ؟ ما الرؤى؟*** أولى ضحايانا هم الكتاب

    يعطوننا الفرح الجميل وحظهم *** حظ البغايا ما لهن ثواب

    ياتونس الخضراء هذا عالم*** يثري به الأمي والنصاب

    فمن الخليج إلى المحيط .. قبائل*** بَطِرَت فلا فكر ولا آداب

    في عصر زيت الكاز يطلب شاعر*** ثوبا وترفل بالحرير قـ..ب!!

    هل في العيون التونسية شاطيء*** ترتاح فوق رماله الأعصاب

    أنا يا صديقة متعب بعروبتي*** فهل العروبة لعنة وعقاب

    أمشي على ورق الخريطة خائفا*** فعلى الخريطة كلنا أغراب

    أتكلم الفصحى أمام عشيرتي*** وأعيد .. لكن ما هناك جواب

    لولا العباءات التي التفوا بها*** ما كنت أحسب أنهم أعراب

    يتقاتلون على بقايا تمرة*** فخناجر مرفوعة وحراب

    قبلاتهم عربية .. من ذا رأى*** فيما رأى قبلا لها أنياب

    ياتونس الخضراء كأسي علقم *** أعلى الهزيمة تشرب الأنخاب؟

    وخريطة الوطن الكبير فضيحة*** فحواجز ومخافر وكلاب

    والعالم العربي إما نعجة*** مذبوحة أو حاكم قصاب

    والعالم العربي يرهن سيفه*** فحكاية الشرف الرفيع سراب

    والعالم العربي يخزن نفطه*** في خصيتيه وربك الوهاب

    والناس قبل النفط أو من بعده *** مستنزفون فسادة ودواب

    ياتونس الخضراء كيف خلاصنا*** لم يبق من كتب السماء كتاب

    ماتت خيول بني أمية كلها *** خجلا وظل الصرف والإعراب

    فكأنما كتب التراث خرافة*** كبرى فلا عمر . . ولا خطاب

    وبيارق ابن العاص تمسح دمعها*** وعزيز مصر بالفصام مصاب

    من ذا يصدق أن مصر تهودت *** فمقام سيدنا الحسين يباب

    ما هذه مصر فإن صلاتها*** عبرية وإمامها كذاب

    ما هذه مصر فإن سماءها *** صغرت وإن نساءها أسلاب

    إن جاء كافور فكم من حاكم*** قهر الشعوب وتاجه قبقاب

    بحرية العينين ياقرطاجة *** شاخ الزمان وأنت بعد شباب

    هل لي بعض البحر نصف جزيرة *** أم أن حبي التونسي سراب

    أنا متعب ودفاتري تعبت معي*** هل للدفاتر يا ترى أعصاب؟

    حزني بنفسجة يبللها الندى*** وضفاف جرحي روضة معشاب

    لا تعذليني إن كشفت مواجعي *** وجه الحقيقة ما عليه نقاب
    إن الجنون وراء نصف قصائدي *** أوليس في بعض الجنون صواب؟

    فتحملي غضبي الجميل فربما*** ثارت على أمر السماء هضاب

    فإذا صرخت بوجه من أحببتهم *** فلك يعيش الحب والأحباب

    وإذا قسوت على العروبة مرة *** فلقد تضيق بكحلها الأهداب

    فلربما تجد العروبة نفسها*** ويضيء في قلب الظلام شهاب

    ولقد تطير من العقال حمامة *** ومن العباءة تطلع الأعشاب

    قرطاجة :قرطاجة:قرطاجة:*** هل لي لصدرك رجعة ومتاب؟

    لا تغضبي مني إذا غلب الهوى *** إن الهوى في طبعه غلاب
    فذنوب شعري كلها مغفورة *** والله جل جلاله التواب

  • قصيدة / تائه …حائر تائه لا أعرف المصير /  – شعر : ( منير راجي ) .. وهران .. الجزائر

    قصيدة / تائه …حائر تائه لا أعرف المصير / – شعر : ( منير راجي ) .. وهران .. الجزائر

     

    Mounir Radji
    ……………. تائه ……… شعر : ( منير راجي )

    حائر تائه لا أعرف المصير
    سائر على الجمر ضاع مني المسير
    كطير مكسور الجناحين
    لا يدري طريقه الى أين ..!!
    أهو طريق طويل أم قصير
    أم تراه مشوار عسير ؟
    أحياة كلها ورود و شموع
    أم تراها ظنون و دموع .. ؟

    ساعة أملك
    الأرض و البحر كالأمير
    و ساعة
    أسقط في أحضان العذاب ضرير
    حطام أنا
    على الأرض أحفرها
    بمخالبي
    أحاول كشف أسرارها .
    أسأل البساتين و أزهارها
    النباتات و جدورها
    و التربة و صخورها
    علها
    تدلني على الحياة و أقدارها …

    أمخاطر هي تجرفني
    نحوها و تبلعني …,
    أم تراها مظاهر
    تسحرني فتغرقني ؟
    أقدار تحلق حولي
    و تتبعني …
    تحطم خطايا و ترهقني
    تفجر قلبي و تقتلني .

    تتبخر أفكاري
    تتمزق أنظاري
    تنقطع أنفاسي
    و تزداد أهوالي و أخطاري
    فمن يا ترى
    بأحوالي داري .. ؟؟!!

    شعر : ( منير راجي ) .. وهران .. الجزائر

    ملاحظة: جميع حقوق الطبع و النشر محفوظة

    صورة: ‏................ تائه ......... شعر : ( منير راجي )

حائر تائه لا أعرف المصير
سائر على الجمر ضاع مني المسير
كطير مكسور الجناحين
لا يدري طريقه الى أين ..!!
أهو طريق طويل أم قصير
أم تراه مشوار عسير ؟
أحياة كلها ورود و شموع
أم تراها ظنون و دموع .. ؟

ساعة أملك
الأرض و البحر كالأمير
و ساعة
أسقط في أحضان العذاب ضرير
حطام أنا
على الأرض أحفرها
بمخالبي
أحاول كشف أسرارها .
أسأل البساتين و أزهارها
النباتات و جدورها
و التربة و صخورها
علها
تدلني على الحياة و أقدارها ...

أمخاطر هي تجرفني
نحوها و تبلعني ...,
أم تراها مظاهر
تسحرني فتغرقني ؟
أقدار تحلق حولي
و تتبعني ...
تحطم خطايا و ترهقني
تفجر قلبي و تقتلني .

تتبخر أفكاري
تتمزق أنظاري
تنقطع أنفاسي
و تزداد أهوالي و أخطاري
فمن يا ترى
بأحوالي داري .. ؟؟!!

شعر : ( منير راجي ) .. وهران .. الجزائر

ملاحظة: جميع حقوق الطبع و النشر محفوظة‏