Category: فنون الأدب

  • الشاعر جوزيف حرب…. نهاية القطيعة مع الشعراء.. Ajaj Salim‎‏ ..«المحبرة» للشاعر جوزف حرب … 1708 صفحات من شعر ترجيعي ينوء به ديوان واحد ..  – نذير رضا ..

    الشاعر جوزيف حرب…. نهاية القطيعة مع الشعراء.. Ajaj Salim‎‏ ..«المحبرة» للشاعر جوزف حرب … 1708 صفحات من شعر ترجيعي ينوء به ديوان واحد .. – نذير رضا ..

    قام ‏‎Ajaj Salim‎‏ بمشاركة ‏صورة‏ ‏‎Ibrahim Shahin‎‏.
    جوزيف حرب…

    جوزيف حرب.. نهاية القطيعة مع الشعراء
    نذير رضا
    معظم المديح لجوزيف حرب، ومعظم رثائه الذي سيتصدر الصفحات، سيكون كاذباً. على مدى سنوات، لم نقرأ سوى القليل من المديح لقصائده. والقليل من النقد. تجاهلته الصحف. هذا ما كان متيقّناً منه. وأنكره الشعراء. هذا ما أكده هو مراراً. أما القنوات التلفزيونية التي إخترقت مقاطعته، فكان يشبّهها بغرف تعذيب، أكثر سواداً من غرف الإستخبارات. رحل جوزيف حرب، وسترحل عبارات المديح “الواجب” به. ستُدفن معه.
    قليلاً ما ذُكر جوزيف حرب (مواليد 1944 ورحل أمس 9 شباط/فبراير 2014) في وسائل الإعلام. شغل منصب رئيس إتحاد الكتاب اللبنانيين بين العامين 1998 و2002. آخر إطلالة له، كانت تكريمية قبل ثلاثة أشهر. زاره وفد من الحركة الثقافية في لبنان، التي يرأسها الشاعر بلال شرارة، في منزله في المعمارية (جنوب لبنان). كان هزيلاً. ضعيفاً. لم يكن حيوياً كعادته. قال كلمات قليلة… لا تتعدى جُملها، عدد وسائل الإعلام التي غطت الحدث. فالمقاطعة التي مُني بها، جراء مواقفه السياسية، كما كان يُسرُّ في مجالسه الخاصة، حالت دون ظهوره في وسائل الإعلام.
    وآخر حوار تلفزيوني سجله، كان العام 2004 مع الشاعر جوزيف عيساوي في قناة “الحرة”. بدت المقابلة “إستجوابية” بحسب وصفه، لكنها “عميقة”. وكان عيساوي قد حاججه في حبّه وتأييده لحافظ الأسد. لم يتراجع عن موقفه. ومن غير أن يسمي المقصود(ين)، قال إن بعض البرامج التلفزيونية وبعض مسؤولي الصفحات الثقافية في الصحف، “يمتلكون أقبية تعذيب أكثر قساوة مما تمتلكه أجهزة الإستخبارات”. كما كانت له مقابلة ضمن برنامج “حوار العمر” مع الإعلامية جيزيل خوري، على شاشة “إل بي سي” العام 1998، تحدث فيها عن القوميات اللبنانية والسورية والعربية وحتى الزواج المدني.
    ويُعرف حرب بأنه من محبي الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد “لأنه زعيم عربي لم يصافح إسرائيلياً”، كما كان يقول. وهو ما دفع بشار الأسد إلى تكريمه قبل ثلاث سنوات. علماً أن حرب، كتب قصيدة رثائية بحق الأسد، إثر زيارة ضريحه، تحولت الى ما يشبه “المعلقات” بالنسبة إلى مؤيدي الأسد.
    وتملّك هاجس نكران الشعراء له، حياته، بالرغم من أنه كان من أكثر الشعراء الذين لقوا ترحيباً في العالم العربي. وكان يرفض البدل المادي لقاء أمسياته، ومنها في عُمان حيث كوفئ بتقليده الخنجر اليماني. وكان يقول إن موقفه السياسي هو الدافع الأبرز لمقاطعته. إعتقاده بنظرية المؤامرة، أسقطه على استبعاده من الصفحات الثقافية للصحف، كما على انفراط علاقته بكثير من الشعراء، وقال إن بعضهم (أنسي الحاج وسيف الرحبي) لا يعرفهما الا بتحية عابرة!
    وفي مقابل هذا “التجاهل”، لم يكن حرب محباً للظهور أيضاً. في آذار 2005، كنتُ عازماً على إخراجه من عزلته، لمرة واحدة فقط. وقْعُهُ في الذاكرة الشعرية والغنائية اللبنانية، دفعني إلى زيارته. تعذّر الحوار الصحافي معه، حتى الزيارة السادسة. كان يريد التعرف إليّ أكثر. وحُدّد موعد اللقاء الأول في المعمارية. قال يومها: “إنتقلتُ الى المنزل الجديد. القصر. بيتي القديم، هجرته (وهو المنزل الوحيد في القرية المسيحية الذي أحرقته القوات الإسرائيلية في غزو العام 1982).
    في القصر المطلّ على بحر الزهراني، إستقبلني بأناقة لافتة، وربطة عنق زرقاء. “كيف استدلّيت الى البيت؟”، سألني. “أدركت أنه بيتك، من الشجر العاري الذي يحيط به”. إبتسم، وأكمل بسؤال آخر: “ماذا تعرف عني؟” كان السؤال مصيرياً بالنسبة إليّ، كونه يحدّد لقاءً لطالما حلمت به، فقلت “تكفي عبارة “الشمس بتطلع سودا وبيبس الموج إذا بفكر إنو ترابك مش إلي”، لتعرّفني إلى شاعر يحمل عكازه وفنجان قهوته الى الغيم ليكتب”. وبابتسامة أخرى من الوزن الخفيف، قال: “إتفضل لنحكي على ضوء”.
    لم أكن أعرف عن حرب الكثير. الجانب السياسي من تجربته، كنتُ أجهله، باستثناء مسلّمة أكدها مرات كثيرة، لاحقاً، وهي أن خطوط النقاش مع الآخر، تبدأ من فلسطين. قرأتُ له، وحفظت أغنيات لفيروز كتبها بلوعة وألم. تلك التجربة، عرّفت غير المهتمين بالشعر إليه. بعضهم حفظ كلماته عن ظهر قلب، من غير معرفته. تجربته مع فيروز، لا تبدأ في “لبيروت”، و”حبيتك تنسيت النوم”، “لما عالباب”، و”بليل وشتي”… ولا تنتهي بـ”ورقو الأصفر”، و”أسامينا”، و”اسوارة العروس”، و”زعلي طول”، و”البواب”… كما لحّن وغنّى له مارسيل خليفة أغنيتي “غنِّ قليلاً يا عصافير” و”انهض وناضل”، كما لحن رياض السنباطي قصيدتين له، هما “بيني وبينك” و”أصابعي” لم يؤدهما أحد.
    وإذا كانت أغنياته تحكي الذات، بإسقاطات وطنية، بما يتخطى المشهد السوريالي الذي سمعناه في أغنيات كثيرة لفيروز، فإن دواوينه الشعرية، تنقلت بين الوجداني والغزلي والفلسفة. جاءت بالفصحى والمحكية. أسمى تجاربه الشعرية الأخيرة “عصارة تجارب الحياة”. وفي لقاءاته الشخصية، والمتكررة، كان يواظب على القول إن الشعر “هو خلاصة قراءات في السياسة والدين والتاريخ والأساطير والفن”. برأيه، “أي شعر خارج هذه المعادلة، سيبقى يتيماً ومكرراً”، بل سيكون “سجعاً بلا جدوى”. ولعل قصيدة “غزالة ذي الأرض” التي ختم بها ديوانه “المحبرة” (2006)، وهو أضخم ديوان شعري في المكتبة العربية المعاصرة(1709 صفحات)، خير دليل على عصارة التجارب.
    ومن الخطأ ربط عنوان ديوانه بالمحكية “طالع عبالي فلّ” (2007)، بإحباط كان يتملّكه. كان متمسكاً بالحياة، حتى آخر قصاصة ورق، وآخر قصيدة يكتبها. في آخر لقاء جمعني به، قبل أشهر، قال إن أكثر ما يؤلمه أن أشخاصاً “بيفلوا أو ما يفلّوا”. كان يشير الى راحلين، مقربين وأحباب، غادروه قبل موعد موتهم. تركوه وحده. وفي سنواته الأخيرة، لم يستأنس إلا بأولاد شقيقه، والصور العملاقة لقديسة في منزله، تحمل معالم وجه فيروز، لكن بشعر أشقر. حضور اللوحات وأولاد شقيقه الزائرين غير الدائمين، كانوا علاجاً ضد وحدته.
    غير أن وحدته، كان يُحسد عليها. في الطابق الرابع من القصر، غرفة عتيقة أشبه بمنسك، تكتظّ بالكتب الفرنسية، وبسرير من الخيزران، وسجائر “الروثمان” الكحلية. تطل على البحر، وتعجّ بأوراق مرتبة كتب عليها قصائده. وكانت تلك مناسبة للحديث عن وحدته. عزوفه عن الزواج. كشف أنه انفصل عن خطيبته خلال الحرب اللبنانية، بعد نقل مقر إقامته الى بيروت الغربية. وقال في حب امرأة بعدها، الكثير، “لكن القدر شاء ألا يجتمع بها تحت سقف واحد”. عاش عذاباً دفعه إلى الكتابة أكثر. للجود بالوجع. وبقي وحيداً حتى مساء 9 شباط.
    إلى جانب الشعر والقصائد المغناة، أنجز حرب في حياته ستة مسلسلات تلفزيونية، عُرضت منها خمسة. المسلسلان الأخيران اللذان عرضا كانا “أوراق الزمن المر” (بطولة عمار شلق ومنى واصف وجوليا بطرس) وقد عُرض مرتين، و”رماد وملح” في العام 1996 (بطولة أنطوان كرباج ونضال الأشقر وعمار شلق ودينا عازار) ولم يُعرض بعد عرضه الأول على “أل بي سي”. وللمناسبة، كان حرب يعتقد أن إحجام القنوات العربية عن عرضه سببه أنه “يدين إسرائيل”. وكان فخوراً به. في إحدى زياراتي له، عرض عليّ 16 قلماً أسود، وثلاثة أقلام حمر، كتب المسلسل بها. جمعت شقيقته تلك الأقلام الفارغة وأعطته إياها للذكرى. وأسرّ بأنه كتب مسلسلاً ثالثاً، يوثق حياة الثائر أدهم خنجر الذي أعدمته سلطات الإنتداب الفرنسي العام 1926. لكن المسلسل لم يُنتَج، ورُفض عرضه على قنوات أخرى تمنع ظهور مقاطع غنائية فيه.
    نطوي اليوم برحيل جوزيف حرب، صفحة من تاريخنا الفائض بالحب. من شأن تأييده لحافظ الأسد، أن يشوّه نصه الجميل، وعذوبة كلماته. يقوّض أرقه. وحدته الجميلة. إيمانه بعلمانية لبنان. انحيازه لفلسطين وآلام شعبها. فوق ذلك، من شأنه أن يدين تحوّل الإنسان فيه إلى مشروع شعري. ربما. لكن حرب، في المقلب الآخر، خسارة لذاكرة وجدانية لبنانية، آمنت بلبنان جميل، ودافعت حتى الرمق الأخير عن الحب المقصوف عمره في تحولاتنا السياسية.

    الكلمات المتداولة حدّ التكلّف .. 
تأتي معك و إليك ، فيتجدد  رونقها كحال  الكلام ، كلّ الكلام  معك .

جـوزيـــــف حـــرب :  
شكراً لمروركَ العَطِر .
    الكلمات المتداولة حدّ التكلّف .. 
    تأتي معك و إليك ، فيتجدد رونقها كحال الكلام ، كلّ الكلام معك .

    جـوزيـــــف حـــرب :
    شكراً لمروركَ العَطِر .

    8400
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    جوزيف حرب شاباً، في لوحة تتصدر صالون منزله
    download.jpg
    «المحبرة» للشاعر جوزف حرب … 1708 صفحات من شعر ترجيعي ينوء به ديوان واحد
    الشاعر جوزف حرب
    النَفَس الطويل الميثولوجي والاسطوري والعناصري الذي يسوقه جوزف حرب في ديوانه «المحبرة» (دار رياض الريس 2006)، لا يمر دونما ارتدادات وترجيعات كثيرة. ففي القصيدة قصائد، والديوان ليس تصعيدياً بل ترجيعي. وهو وإن كان مؤسساً على «فكرة» الا ان هذه الفكرة فيه، ليست ذات بناء هرمي يجعل من الديوان وحدة عضوية، بحيث ان بالامكان تغير ترتيب الفصول والاقسام، وأن نبدأ من الأواخر بدلاً من الأوائل. وقراءة الديوان التي أخذت مني وقتاً طويلاً (ما يزيد على الشهر) ألزمتني بتسجيل ملاحظات على هوامش الاقسام والقصائد، حرصاً مني على تلمس الخط البياني لها، وعلى رسم العمود الفقري الذي تتجمع حوله هذه الاقسام وهذه القصائد، فديوان بحجم ديوان جوزف حرب (1708 صفحات) لا يبرر جمعه في مجلد واحد، سوى الحرص على ترابط الاقسام في كل لا يتجزأ، وربما كان ثمة حاجة لقارئ الأواخر، بالعودة للأوائل والاواسط… الا ان الديوان ليس كذلك. وفي الامكان تجزئته الى عشرين مجموعة شعرية، كل مجموعة بين دفتي ديوان، يمكن استصحابه في سفر او نزهة، او نقله من مكان الى آخر… اما ديوان «المحبرة»، فمن الصعوبة بمكان، نقله من حيث يستقر على طاولة او أريكة، وأنت ملزم، لكي تقرأه، ان تنقطع اليه حيث هو.. ولا أعرف في العربية أو الأجنبية، ديواناً بحجم «المحبرة»، ما خلا ديوان أدونيس «الكتاب»… الا انه أخرجه الرجل في ثلاثة اجزاء كبيرة… كما ان المجموعات الكاملة للشعراء، هي حصيلة حياتهم الشعرية بكاملها، وأرجح ان جوزف قصد الى كتابة «كل» حياته الشعرية في هذا الديوان… والا فكيف نفسر اهداءه الجميل والمخيف «الى الموت؟»
    حسناً… الحياة والوجود، الأساطير والحكايات، والتواريخ، الاشعار والافكار والخيالات… جميعها يزجها الشاعر للموت… حتى كأن عنوان المحبرة، في ما ترمز اليه كمفردة، من الضوء الاسود للحبر، الى دلالة السواد والعتمة (كعدم)، الى اعتبارها الجناح الاسود للكلمات وللمخيلة… لا تمر دون الانتباه لمفردة اخرى بالوزن نفسه والجناس اللفظي «المقبرة»… فالديوان أسود على العموم، يائس سوداوي وعدمي، على رغم السياقات المطوّلة لتمجيد العقل (أي عقل؟) ومديح الانسان (أي انسان؟) والسياقات النقدية لترتيبات الغيب، والرهبان، والميتافيزيقيا… فعالم جوزف حرب الشعري عالم شهود، الا انه شهود حزين ومكفهرّ…
    والعقل الذي هو زهرة الانسان يغدو ورطة، والانسان الذي هو زهرة الوجود، بائس، حزين – بل حشرة.
    نص أول
    يبدأ الشاعر بفكرة ان الكون نصّ خام. نص أول. وأن الانسان، في ما هو كائن عاقل وشاعر معاً، منتدب لكتابة نص على النص… ومدعو لتصحيح النص الاول الخام. والكون هنا هو الكينونة، الوجود، العالم، الحياة، الارض… الخ وهو عناصر الكون من سماء ونجوم وبحار وأشجار وورود وعناصر… كل ذلك هو النص الأول الخام، ويعتوره النقص، فهو في حاجة الى إكمال… ومكمّل هذا النص ومنقحه هو الشاعر، اما أداته فالعقل وأما جناحه فالمخيلة. وما بين النص الاول والنص الاخير، تتوالى الافكار وميثولوجيات الخلق، الاديان والاساطير، الفلسفات ونظريات العلماء، مما قبل التاريخ ومما بعده… من العهد القديم الى الكتاب الحكيم، ومن أساطير الخلق والتكوين الفرعونية والبابلية الى بوذا والصين، ومن مردوك والفلك والطوفان الى فشنو وشيفا، أرجونا وكريشنا… ومن مؤرخ وفيلسوف الى نبيّ او معلم، ومن شاعر الىعالم… وهكذا وهكذا، تدور بنا قصائد الديوان في سياقات ايقاعية طويلة، تتوالد من ذاتها او من اندفاعاتها كأنها قاطرات سيّرها صاحبها على خطوط طويلة، تكاد تكون بلا نهاية، ويخامرك معها شعور بأن هذا النفس التوليدي للافكار والاسماء، مندفع كقطار أعمى على خطين لا يلتقيان، وأن ما كتبه الشاعر، على امتداده الخاص، قابل أيضاً ليتمد أكثر فأكثر… فالايقاع جرار (مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن) أو (فعلن فعلن فعلن)، والافكار جرارة… وكل شيء، في هذا العالم، يتسع لكل شيء في سياقات الكلام او في سياقات المخيلة.
    والشاعر الذي لا يعجبه نص العالم، يسأل ويسأل ويسأل، يحتار ويحاور، ينتقد ويجادل الآخرين ونفسه، وتكاد رجفة الشعر، واختزاله كبرق خاطف، في ظلمة ليل كثيف ومأهول بما لا يحصى من الافكار والاشياء، تكاد… تضيع. فالشاعر / الانسان، في أول الديوان، يظهر متربعاً في وسط العناصر، جالساً للكتابة… وإذ يزوره الملاك حاملاً معه مخطوطة من ست غيمات ومكتوباً بمنديل، فإنه يسلمه مخطوطة الكون ومكتوبه ويأمره «احذف / أضف للنص / صحّح / وعلّق وانتقدْ / وأزِل ونقّح / أدر في النص حبرك… / هل هو صالح للنشر؟».
    وكأن الملاك يقول له/ هذا هو الكون… وهذا أنت الانسان… فاصنع ما بدا لك، وما عليك صنعه… وهكذا، تتوالى النصوص الشعرية بإطالاتها واختزالاتها، بالسرد والتفاصيل والمحاكمات والمعاضلات، كما في القطف السريع، وكأنها سياقات رؤيوية، ومحاولات للتفكّر بالشعر، ومناورات تطول وتطول احياناً حتى تكاد لا تنتهي، وتقصر في أحايين أخرى فتسلمنا جوهرة الحبر الفريدة والحكمة الشعرية المختزلة كدرّة. ونستطيع ان نختار، أعني لنا ان نهمل المتعب المتطاول والتفصيلي والذهني في صنيع جوزف حرب، وأن نقطف المختصر الخاطف الجميل كالبرق, مثلاً، وبعد سياقات طويلة، نقطف ما يلي:
    «الارض مهجوره / لو لم يكن هناك اسطوره» وهما السطران الأول والاخير من قصيدة «الارض مهجورة»، وما بيهما تفاصيل. أو «لكنه للآن / لم يصل المسيح» أو «يا ايها الانسان / لا شيء الا الآن» أو «كلما عمرت للعصفور بيتاً أخضر سكنته أفعى» أو إني أنا ماضٍ اليّ» أو «آه ما أطيب في الارض الخطايا» أو «لم أخلق أنا المرأة من أوجدها / أوجد في قامتها شهوتها» أو «لا تقرأ الهاويه / الا وأنت على قمة عاليه» (وهي قصيدة بذاتها بعنوان قراءة)… وعلى العموم فالشاعر يبدع حين يختزل، ولكن يضيع من يده برق الاختزال اللامع، حين يدخل في تفاصيل الافكار والتواريخ والأساطير، ويناقشها، أو يطرح عليها الاسئلة، أو يقرر ما يراه الصحيح من الفكرة… آنئذ، تطغى الفكرة وعربساتها وتعاريجها على الدفق الشعري، ويعتور الشعر الذي هو شعر افكار، ما يعتور الشعر الفلسفي حين تطغى الفلسفة على المخيلة الشعرية، او ما يشوب شعر الفقهاء من تعليل ومعادلات ذهنية او فقهية، تضيع معها الفلسفة والفقه والشعر معاً.
    والمسألة هنا بمنتهى الخطورة… ينشأ من جرائها في النص صراع بين الفكرة والصيغة وربما انتصرت الفكرة على الشعر فصرعته. والكلام نظرياً، يحتاج الى دليل… وهنا، على سبيل المثال، نقتطف من الديوان ما يلي: فهو يقول في قصيدة «أسئلة»: «ساكن في الشيء واللاشيء / لا شيء أنا في الشيء في اللاشيء شيء / آه كم أنّ وجودي ليس شيئاً…»ويقول في قصيدة طويلة بعنوان المقدس (حوالى 111 صفحة): «ما هذا المقدس عندما يدعوك عقل لاحتفال قد أقيم لديه تكريماً لعلم ربما يمحو قليلاً من مقدّسك الذي صيرته حجر الرخام… مقدّس قتل المقدّس كي يظل مخبأً في سرّه / كي يستمر محكّماً بمصيره / ومحكّم بمصيره كي لا يصير لغيره / فيحلّ فيه قليله / حيث الذي قد كان فيه كثيره / فليُمح ما يدعى المقدّس في المقدّس»
    وقوله، في القصيدة نفسها: «صحيح / أنه لا شيء يعنيني سوى إغلاق بابي في اكتشاف السر / لكن / عندما أنهي اكتشافي أفتح الابواب منتشياً وأهتف عالياً: يا أرض هذا اليوم عيدك…»
    وقوله «لا شيء مما قيل منذ البدء أصدق بعد مما العقل قال «… الخ. وهو قريب من الشعر الفلسفي للمعري حيث يقول: «كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء»… ويلاحظ على النماذج آنفة الذكر، يضاف اليها نماذج اخرى طويلة يحاور فيها «حرب» النظريات العلمية والفلسفية والافكار الدينية، ويطرح اسئلة على الوجود شبيهة بلا أدريات إيليا أبو ماضي في رباعياته المعروفة «جئت لا أعلم من أين / ولكنني أتيت…». التي ينهي كل رباعية منها بعبارة «لست أدري»… نقول إنه يلاحظ على النماذج آنفة الذكر انسياق الشاعر لوطأة المعادلات العقلية والمنطقية، والولوج الى تعاريج ومجادلات هذا المنطق، فضلاً عن استخدامه للغته… من مثل «ربما» و «محكّم» و «صحيح أنه» و «لكنْ»… وهي صيغ تخدم الأفكار، بل هي أفكار موزونة، لم تمسها عصا الشعر السحرية الا مسّاً خفيفاً… إن مغامرة شعرية الأفكار، بين يدي جوزف حرب هنا خطرة خطورتها لدى كثير من الشعراء القدامى والمحدثين بسواء… لأنها ترمي الى شعرنة القلق الفكري والقلق الميتافيزيقي والقلق الوجودي، من خلال حوارات مع الافكار وهي خاضعة لا لانفلات المخيلة وجنونها، وانفلات اللغة من جوفها الهذياني، وخدمة كل شيء لخدمة هذا الشطح اللغوي: الافكار والتواريخ، الصور والاساطير… الوقائع والاحداث وما الى ذلك… بل هي خاضعة لمعادلات المنطق ومقايساته السنتيمترية… يقول في قصيدة «زارا» وهي قصيدة طويلة تمتد على 46 صفحة:
    «… أصبحت جزئي ضد جزئي / أصبحت كل العبارات التي في النص جزء ضد جزء / لن يكون النص حراً خالصاً قبل امّحاء الاسود الممتد في كل العبارات التي لن استطيع الآن محو سوادها الممتد فيها قبل ان أمحو سوادي…».
    إن الكتاب الذي فتحه جوزف حرب في المحبرة واسع جداً. مسائله متشعبة ومركبة، ميثولوجية، دينية، علمية فكرية، ميتافيزيقية – اروتيكية، تتأمل في كل شيء، وتطرح اسئلة على كل شيء، وهي تتأمل في الحياة والموت والوجود والعدم، والعناصر التي يعمر بها الكون، وتتأمل في الشعر أيضاً. ويلاحظ ان الشاعر يطلع من أساس ميتافيزيقي، بل مسيحي غير طقوسي، رافض للكهنوت لكنه قابل بمريمية الارض، وعذاب المسيح الانسان وصليبه، ولعل ذلك عائد لأساس قديم قائم في اللاوعي الطفولي للشاعر، لكن هذا اللاوعي الطفولي المؤسس، ما لبث ان اخترقته اشكالات المعرفة والقراءة، فضلاً عن اشكالات الواقع فهو متشعب قلق. وإن كان (بوعيه) اختار ان يكون ضد الغيب، وقاده عقله للوقوف في الجهة المقابلة له (ويعتقد انها جهة الانسان)، الا انه لا يظهر في جوهر نصوصه، والتماعاته الشعرية، بعيداً عن جوهر الغيب والدين… هو ملزم بذلك لأن ملاجئه وملاذاته الفكرية والشعرية، التي قادته الى الانسان والعلم والعقل، والشعر… جميعها سوداء يائسة عدمية بل يختصرها سواد وعتمة المحبرة… وجميعها مزجاة الى الموت.
    وجودية ويأس وجودي يلمعان في قاع تجارب جوزف حرب. بل يظهر العقل الذي يظنه الخلاص، غريباً كجناح بين الحوافر… أشهى ما يتمناه الموت والمحو والنسيان «عدت من كل العصور حالماً بالفأس والممحاة والنسيان» وهو يقدّم اعتذاره بل استقالته من الحياة كما يصرخ «بي قرف من جسدي» ويقول إن حياته التي خدمته كل السنين لم ترتب سوى قبره (قصيدة خادمة)، ولو خُيّر لاكتفى بالقول «يا ليتني ما أتيت… (قصيدة خيار)… فالشاعر على قلق ويأس وسوداوية. يقول «قلقي عذّبني» ويقول: «ها قد ملأ اليأس المرايا / وأتت قبل الولادات القبور»… وجنوحه الأخير نحو العدمية، وهو أجمل ما في شعره، كائن على الارجح، لا من قدرته (كشاعر) على تحسين نصّ الوجود، ولا من قدرته على الوقوف مع رموز العقل وأصحابه في التاريخ، أو من الوجود ضد العدم، أو الانسان ضد الغيب… بل من اكتشافه، ان النص الاول كالنص الثاني، كليهما مخترق بالموت، وأن العقل ذاته كآبه «… وأتى العقل فنادتني الكآبة». ولعلّ أجمل ما قاله الشاعر هو قصيدته المختزلة بعنوان «القليل الكثير»:
    «ما عابَ غصناً ان يكون نحيلا / وسراج ليلٍ ان يكونَ ضئيلا
    ما الغيم الا قول بحرٍ واسعٍ / فاعرف كثيراً كي تقول قليلا»
  • الروائي توماس مان «موت في البندقية» البحث المستحيل عن ألق الماضي .. – إبراهيم العريس ..

    الروائي توماس مان «موت في البندقية» البحث المستحيل عن ألق الماضي .. – إبراهيم العريس ..

    توماس مان

    «موت في البندقية» لتوماس مان: البحث المستحيل عن ألق الماضي
    إبراهيم العريس
    كانت تلك السنوات صاخبة وغريبة في حياة توماس مان. وإلى ذلك، كانت شهرته قد طبقت الآفاق منذ اصدر اوائل القرن العشرين روايته الأولى الكبرى «آل بودنبروك»… لكنه من بعدها، سيبقى فترة طويلة من الزمن غير قادر على كتابة عمل كبير آخر. بدلاً من ذلك كثرت لقاءاته بكبار الكتاب الألمان، وغير الألمان، في زمنه، ووجدهم جميعاً يثنون على تلك الرواية. فمن هرمان هيسه الى آرثر شنيتزلر، ومن فون هوفمنشتال الى جاكوب ويسرمان وماكس رينهاردت، توسعت دائرة معارف توماس مان، وصار يعتبر جزءاً اساسياً من الحركة الثقافية والفكرية في اللغة الألمانية. وهو نفسه راح، خلال تلك المرحلة يمعن في قراءة نيتشه وشوبنهاور بشغف، بالتوازي مع «إعادة اكتشافه» أفلاطون والفكر اليوناني القديم. ويبدو ان محاورة «ايون» لأفلاطون أثرت فيه تأثيراً كبيراً في ذلك الحين، كما ان حداثة القرن العشرين كانت بدأت تشغل باله ويرى فيها تهديداً للقيم الفنية العريقة. وهو إذ اراد ان يعبّر عن هذا كله في عمل ادبي، يأتي على قوة «آل بودنبروك»، راح يسجل ملاحظات عدة ومفصلة قصد كتابة عمل عن «رجل الثقة فليكس كرول»، غير ان هذا العمل لن يصدر قبل العام 1937، حتى وإن كان توماس مان بدأ كتابته قبل ذلك بربع قرن. المهم اننا كنا آنذاك في العام 1910، العام الذي راحت فيه الأحداث تتراكم في حياة توماس مان وأهمها نزول زوجته في مأوى هو مصح للمرضى بالسل، بعد ولادة ابنتهما مونيكا، ثم انتحار كارلا مان، الممثلة الشابة وشقيقة الكاتب.
    > طبعاً لم يكن توماس مان من الذين تهزّهم الكوارث، حتى ولو كانت شخصية، ومع هذا من المؤكد ان هذا كله قد احدث شرخاً في حياته. وفي المقابل، كانت تلوح له لحظات طيبة تعيده الى طريق الخلق والفن. ومن هنا كانت هناك، على وجه الخصوص تلك الأمسية الغريبة التي حضر فيها، في رفقة ماكس رينهاردت، التقديم الأول للسمفونية الثامنة لغوستاف ماهلر (1860 – 1911)، الذي كان، بعد فاغنر، من موسيقيي مان الأثيرين. والحال ان ذلك التقديم احدث في روح توماس مان تأثيراً كبيراً وجعله يعيد النظر في بعض مفاهيمه الفنية ورغباته الأدبية. ثم حدث بعد عام من ذلك ان زار مدينة البندقية. وهناك، كما يبدو، وصله خبر موت ماهلر، فأصيب بصدمة اضافية، من المؤكد انها كانت هي، اضافة الى صدمة انتحار اخته ومرض زوجته، ما دفعه الى كتابة العمل الذي كان ينتظر تخمّره لديه منذ زمن بعيد: «الموت في البندقية»، تلك الرواية القصيرة – نسبياً -، التي ستصبح، مع «آل بودنبروك» و «الجبل السحري» من اشهر اعمال توماس وأكثرها شعبية. بل ربما ايضاً العمل الأكثر تعبيراً عن نظرات الكاتب الفنية والإنسانية. وهي الرواية نفسها التي اعاد إليها المخرج الإيطالي الكبير لوكينو فيسكونتي، الحياة من جديد في السبعينات من القرن الماضي اذ حوّلها الى فيلم جاء في شكله مختلفاً بعض الشيء عن الرواية، لكنه في جوهره اتى متطابقاً معها، ليقدم واحداً من افضل نماذج اللقاء بين الأدب وفن السينما في ذلك الزمن.
    > إذاً، كتب توماس مان «الموت في البندقية» تحت تأثير مباشر من موت ماهلر، ومن هنا يبدو حضور ماهلر طاغياً في الرواية، فناً وفكراً، ولكن بدا حاضراً ايضاً ذلك السجال الذي كان مان خاضه في العام السابق مع الفيلسوف تيودور ليسنغ (1872 – 1933) من حول «جردة حساب الحداثة» وهو كتاب انعطافي كان اصدره صمويل ليبنسكي في ذلك الحين.
    > لا يمكن، طبعاً، ان يُستشف من هذا كله ان توماس مان انما وضع روايته تلك، في محاولة منه لمقارعة حداثة مادية كان يرى ان من مهماتها في ذلك الحين تدمير الفن والمثل العليا الجمالية، والقيم الإنسانية الكبرى. كان هدفه بالأحرى، اثارة السجال من حول ذلك كله. كانت تفضيلاته بالطبع جمالية، انسانية، ومرتبطة بالمثل العليا، لكنه كان في الوقت نفسه قلقاً يحاول طرح اسئلة اكثر مما يحاول فرض اجابات. ويقيناً ان القيمة الكبرى لهذه الرواية تكمن ها هنا.
    > الشخصية الرئيسة في «الموت في البندقية» هي شخصية الكاتب آشنباخ، الذي كان يعيش، مثلما حال توماس نفسه، مرحلة انتقالية من حياته، لذلك توجه ليمضي بعض الوقت في «اجمل مدينة في العالم» اي في البندقية، وكانت غايته ان يرتاح قليلاً من الشهرة التي تدفقت عليه بفضل اعماله، ويجد من الهدوء ما يتيح له اعادة التفكير في الفن والحياة. هو الذي كان اشتغل قبل ذلك منهكاً نفسه ليجد انه يكاد يضيع في افكاره، وسط زمن تتكالب فيه المادة وتكاد تقضي على كل مثل اعلى جمالي. كانت، اذاً، تلك هي الروح التي حركت آشنباخ ودفعت به الى ذلك الفندق الساحر في الليدو (البندقية) على شاطئ البحر، حيث بدأ منذ وصوله يجلس متأملاً عند الشاطئ وقد راح نوع من الخدر اللذيذ، يستبد به ويسلمه الى افكاره الهادئة، وسط جمال مؤكد في الطبيعة والناس. وذات لحظة، وآشنباخ مسترسل في افكاره الهادئة، يطل عليه «الجمال المطلق» من خلال فتى مراهق سيعرف بعد وهلة ان اسمه «تادزيو» وأنه هنا مع اسرته في إجازة. تادزيو هذا، فتى رائع الحسن ومحاط دائماً بعناية اهله وخدمه، وسيبدو لآشنباخ وكأن يطل مباشرة من روح محاورة «ايون» لأفلاطون. وبالتدريج يبدأ تادزيو، صمتاً ومن دون اي لقاء مباشر، يهيمن على افكار آشنباخ ويومياته، ليس ككائن بشري، بل كفكرة ترمز الى تلك المثل العليا، الفنية والجمالية، التي يحاول آشنباخ العثور عليها. وأمام حسن ذلك الفتى، يشعر آشنباخ انه عثر على ضالته بين الإنسان والمدينة وقد صارت لهما صورة القيمة المطلقة القادرة، بعد، على إنقاذ الفن الكبير من هجمة المادة.
    > غير ان آشنباخ بعد ساعات الفرح الأولى بالعثور على رمزي الجمال هذين، يشعر بتقلص في روحه، يشعر بعبء كل تلك الأفكار… إذ انه بدلاً من ان يشفى مما جاء ليشفى منه، ها هو يندفع اكثر وأكثر نحو إرهاق جديد يصيبه ولا يدرك للوهلة الأولى كنهه. ولا يدرك انه يخوض لعبة تتجاوز قدراته على التحمل. وسرعان ما سيتجسد وهنه هذا، وهو على وشك ان يتخذ قراراً بمبارحة المدينة: ففي الوقت الذي يبدأ فيه زوال بعض السحر عن الساحر (عادية تادزيو تبدأ بالانكشاف بالتدريج… بل سيكتشف، ربما، ان تادزيو منذ اكتشف بعفويته، اهتمامه، هو به، راح يبدي حركات وتصرفات متعمدة «افقدته» في نظر بطلنا بعض سحره)، في ذلك الوقت نفسه يحلّ وباء قاتل بالمدينة يبدأ بتحويلها من رمز للجمال الى رمز للموت. وهكذا يفقد آشنباخ، اذ يصاب هو نفسه بذلك الوباء في الوقت الذي يبدأ فيه الزوار مغادرة المدينة هرباً لئلا يصابوا بالوباء ويتحولوا جثثا كريهة في تلك التي كانت اجمل مدينة في العالم. وفي النهاية يموت آشنباخ وحيداً مقهوراً، وقد خسر آخر آماله بالعثور على المثل الأعلى الجمالي الذي كان يصبو إليه.
    > من الواضح ان عمل توماس مان المبكر هذا، يتأرجح بين نزعة جمالية مثالية من ناحية ورؤية واقعية تعبر عن التدهور الحتمي للقيم، من ناحية ثانية. وما يهيمن على العمل في خضم ذلك كله، هو خيبة الكاتب ازاء العصر، ولكن ايضاً ازاء لعبة المظاهر التي كان يحلو له ان يلعبها باحثاً في الفن والأدب، عن تعويض على الانحطاط المهيمن على الحياة نفسها. لكن البحث لا يسفر عن نتيجة مرضية. ومن هنا ذلك التشاؤم والسوداوية اللذان تنتهي إليهما هذه الرواية.
    > وكما اشرنا، كان في حياة توماس مان (1875- 1955) ما يبرر هذه النهاية… لكن الانهيار لم يكن جديداً عليه، إذ ان نهاية «آل بودنبروك» لا تقل سوداوية عن نهاية «الموت في البندقية»… وكذلك يمكن قول هذا عن معظم اعمال توماس مان، حتى وإن كان من الصعب وصفه بأنه كاتب متشائم، كما كان شوبنهاور ونيتشه – استاذاه الكبيران – فيلسوفي تشاؤم: بالأحرى كان مان واقعياً، وعمله كان اقرب الى ان يكون سؤالاً حول القيم، هو في الوقت نفسه سعي دائم لاستعادة هذه القيم على رغم مرارة الواقع. وتوماس مان، الذي نال جائزة «نوبل» للآداب في العام 1929، هو، بالطبع، واحد من اكبر الكتاب الألمان خلال النصف الأول من القرن العشرين. وغالباً ما كان يبدي عدم اهتمام بالسياسة… ومع هذا هرب من ألمانيا النازية في العام 1933 وأحرق بعض كتبه على يد النازيين ولقد عاش سنوات حياته الأخيرة متنقلاً، من دون ان يتوقف عن الكتابة.

  • قصائد مختارة للشاعرعبـّاس سليمان علي / حوريّتي 3 – بـِتذكريني كيف معشوق الحـِسانْ – غطـّي على كتفي  – شو نفعها الأكوان من بعدي ..!!/

    قصائد مختارة للشاعرعبـّاس سليمان علي / حوريّتي 3 – بـِتذكريني كيف معشوق الحـِسانْ – غطـّي على كتفي – شو نفعها الأكوان من بعدي ..!!/

    حوريّتي 3 
    محكي لـِ عبـّاس سليمان علي
    *^*^*^*^*^*^*^*^*^*
    ما متلها رْسومُ وْ صورْ
    ما لا شبه بين البشرْ 
    وحواجبا حدودِ الدِّني 
    متلِ السـُّيوفِ بـْ تـِنحني
    ورموشها تـْ شقِّ المدى .. 
    تا حسْ .. هـَ الكونِ انـْشطرْ
    وجبينها طلـِّةْ فجرْ
    لوحهْ بـْ ألوانُ وْ عطرْ
    وجفونها حدودِ الصـَّبرْ
    وشـْطوطْ بـِ تـْحدِّ البحرْ
    لـِ هـْدابْ ..
    قضبانِ الأسرْ 
    نيـّالْ قلبو اللـّي نـْ أسـَرْ 
    = ســ 09/02/2014 ــورية – عبـَّاس سليمان علي

    أأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأ

    بـِتذكريني كيف معشوق الحـِسانْ
    بيضلْ مركي هيك عـَكتاف الزّمانْ
    يتـْلقـَّط هبوب النـّسايم والعطرْ
    وكلما خلص من عمر بيلاقي عمرْ
    وْ ما بيملك بـْحالو على حبّو أمرْ
    حتى الـْ متلْ منـِّكْ تجي تا تـِ ءْ مرو
    تا تاخدو هونيكْ عا أبعد مكانْ 
    *(= في تعليق لي على ما نشرته صفحة ( شهرزاد القصيدة ) =)*

    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    غطـّي على كتفي 
    تا تـِدبليُ وْ تغفي 
    وخلّي الغفا يغزلـّك الأحلامْ 
    وْ خلّي الأماني تسبق الأيّامْ 
    وْ خلّي الحقيقة تقبر الأوهامْ 
    خلّي الدّفا بقلوبنا يلفي 
    = ســ 06/02/2014 ــورية – عبـَّاس سليمان علي

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    شو نفعها الأكوان من بعدي ..!!
    شو نفع عطر الزّهرْ والوردِهْ ..!!
    شو نفع لو طلّ الفجر ضاوي ..!!
    ويكون لون القمح حنطاوي ..!!
    لو ما كنتْ ..
    عالحبْ ..
    عـَ مـْروج الأملْ ..
    ماشي أنا ..
    وْ تا حقـِّقـُنْ ناوي 
    وْ عارف أنا للقلبْ ..
    شو بدّي 
    = ســ 05/02/2014 ــورية – عبـَّاس سليمان علي

  • الشاعرة السورية / دعد حداد 1937 – 1991 /  زهرة الثلج الحالمة من مدينة اللاذقية .. التي بدأت العبور إلى جسر النثر مبكراً..

    الشاعرة السورية / دعد حداد 1937 – 1991 / زهرة الثلج الحالمة من مدينة اللاذقية .. التي بدأت العبور إلى جسر النثر مبكراً..

    “دعد حداد” .. العبور إلى جسر النثر مبكراً

     

     كمال شاهين

    عاشت مع الشعر رفيقاً وحيداً متمردةً على الحياة وقسوتها، وشكلت تجربتها الشعرية قصيرة العمر مفصلاً هاماً في تأريخ الشعر السوري الحديث فكانت أعمالها علامة مضيئة.

    خلال حياتها التي بدأت عام 1937، أصدرت الشاعرة “دعد حداد” مجموعتين شعريتين، وقد وشت عناوينها بالاتجاه الشعري الذي ذهبت فيه الشاعرة، كما أنها ظهرت في الوقت الذي بدأت فيه ملامح قصيدة جديدة تتشكل في “سورية”، هذه الملامح حسب حديث للشاعر السوري “حسين عجيب” لمدونة وطن “eSyria” بتاريخ 20 تشرين الثاني 2013 هي: «امتداد لبدايات قصيدة النثر السورية الأولى التي ظهرت وانتشرت على يد “الماغوط” وجماعة مجلة شعر، وتابعها الشاعر “رياض صالح الحسين” وغيره، وأهم ملمح في هذه الانعطافة 

    تكبير الصورة

    كان بشكل رئيسي الميل إلى التجريد».

    كتبت الشاعرة الشعر الموزون والمقفى، ومن ثم التحقت بقطار النثر ولا تحدد سبباً لانتقالها، فهي كما صرحت في حديث لها مع جريدة “تشرين” قبل رحيلها بأسابيع: «كتبت الشعر باكراً وبدأت بالشعر الكلاسيكي المقفى ثم تحررت من بحور الشعر والأوزان واتجهت صوب الشعر الحر، أحياناً أكتب الشعر المقفى لكن لا أعرف كيف يتحول إلى قصيدة نثر».

    حمل عملها الأول عنوان ” تصحيح خطأ الموت” 1981 عن وزارة الثقافة بـ”دمشق” وقد قدمه الراحل “أنطون مقدسي” بقوله: «حين نقرأ “دعد حداد” ندرك جيداً أنه لا شيء يعوضنا عن الشعر لأن الشعر الحق يعيد إلى العالم براءته. وبهذه المهمة الصعبة اضطلعت الشاعرة “دعد حداد” بنجاح، كذلك نزداد قناعة بأن الأوزان والقوافي مجرد أسطورة يتعلق بها الذين أعيتهم الحساسية الشاعرية. 

    كل كلمة ترتعش كما يرتعش جنح عصفور صغير يلوذ بصدر أمه، لأن “دعد” لم تتعمد أن تكتب شعراً، لكن يخيل لمن يقرأ المجموعة أن هذه الحساسية قد تحولت إلى موسيقا داخلية سرت في الكلمات، حتى أصبحت هذه أقرب إلى العلامات الموسيقية رغم ابتعاد الشاعرة عن كلّ إيقاع شكلي أو لفظي، وقد جاء العمل حسب بعض النقاد كرد فعل على موت أختها الشاعرة “نبيهة حداد” وقد ذكرتها في قصيدة تحمل عنوان المجموعة ذاتها -كتبت هذه المجموعة بين عامي 1976 و1977:

    “وحيدة هي هذه اللحظة

    أكثر من أي وقت 

    والموسيقا لا تأتي 

    صعدت الدرج اللولبي

    وأنّ الخشب تحت قدميها الثقيلتين”.

    في مجموعتها الثانية “كسرة خبز تكفيني” (دمشق 1981) استمرت الشاعرة بالتأكيد على الثيمات 

    تكبير الصورة
    غلاف ديوان “تصحيح لخطأ الموت”

    التي انطلقت منها، فكان ميلها إلى التجريد واضحاً في نصوصها، وتبدو الصورة الشعرية لديها في هذه المجموعة أقرب إلى مزيج تشكيلي يحتمل الحركة في نهاية مقاطع قصائدها دائماً، الأمر الذي يخلق لدى القارئ رغبةً في إعادة تخيل المشهد البصري للقصيدة:

    “كضوء فراشة 

    مرّت الروح 

    كضوء فراشة

    أمررتَ… يا أبي!

    أمررت أنت… لوهلة؟”.

    وعن تجربة الشاعرة “دعد حداد” في ديوانها الثاني كتب الشاعر السوري المعروف “نزيه أبو عفش” في مجلة “ألف” العدد الثالث عام 1991: «امرأة لا تشبه إلاّ نفسها، تنفرد بين جميع من عرفت من الشعراء بكتابة بريئة من “آثار بصمات الآخرين”، شاعرة بامتياز، فوضوية بامتياز، كائن صنع من الفوضى، ليبشر بالفوضى، امرأة معجونة بالشعر، امرأة هي الشعر، وحدها التي تجرؤ على الإفصاح عن رغبتها المجنونة في تصحيح ما يرتكبه الموت، أو الحياة ربما من أخطاء، هي وحدها التي حين تقول: (كسرة خبز تكفيني) تكون مرغماً على تصديقها، كأنما لم تخلق ليكون لها شأن في العالم، أي شأن، لا في الشعر ولا في سواه، لو أمكن أن تطرح عليها سؤالاً ما، يتصل بالمشهد اليومي لحياتنا، لأجابتك بكل بساطة: “أنا يائسة من هذا العالم”».

    تُفصِّل الشاعرةُ قصائدَها على مقاس العشَّاق والفقراء والمساكين والأحرار فتقول في نفس الحوار السابق: «شعري ينزع نحو الخير والجمال، فيه طابع إنساني أتجه فيه نحو الناس البسطاء المساكين والفقراء… والباحثين عن فسحة حرّية… إنني أبحث في شعري عن قارّة من الحرّية المطلقة». 

    وفي سؤال لها عن البيئة التي تولد فيها قصيدتها قالت الشاعرة الراحلة: «تولدُ القصيدة عندي إثر حالات 

    تكبير الصورة
    غلاف ديوان “كسرة خبز تكفيني”

    توتُّر نفسيّ حادّ مرفقة بهواجس وعذابات تشبه غصّة الدمع وانحباس الضحكة اليائسة… في هذه الطقوس النفسية الفظيعة يولد عندي النص الشعري، ويعقبه تعب مسرّ ثم تخفّ عندي حالة الحزن المريرة، وأشعر بهدوء نفسي نسبيّ… يبدو أن الشعر يغسلنا من مرارة الأحزان».

    بعد غيابها المفاجئ في 29 نيسان عام 1991 بأشهر، صدرت لها مجموعة شعرية بعنوان “الشجرة التي تميل إلى الأرض”، وكان واضحاً فيها أن صوت الموت هو أعلى صوت لديها، لقد كانت هي الشجرة التي تميل إلى الأرض، وقد كانت ترثي نفسها وتودّع الحياة والحب والناس بمودة آسرة وحب صاف يملأ ديوانها الحزين هذا:

    “انزعوا الأقنعة أيها البشر

    وامشوا حفاةً أيضاً

    وعرايا…

    ثمة ضوء في آخر الليل الطويل

    ثمة نهارات…”. (نصوص لم تنشر إلى الآن للشاعرة في كتاب)

    ولدت الشاعرة الراحلة في “اللاذقية” ونشأت في بيت يهتم بالأدب والفن، تلقت تعليمها قبل الجامعي في “دمشق” أولاً، ثم في “اللاذقية”، لتعود إلى “دمشق” وتلتحق بكلية الآداب – قسم اللغة العربية- إلا أنها لم تكمل دراستها الجامعية، اهتمت بإتقان اللغتين الفرنسية والألمانية، كانت متعددة المواهب فقد كتبت قصصاً للأطفال وبعض المسرحيات ومارست النحت والعزف، من أعمالها المسرحية: “بائع الزهور المجففة، فقاعة صابون، اثنان في الأرض وواحد في السماء، سأحكي لكم قصتي”.

    يقول الفنان والمصور الضوئي “أنس إسماعيل” من أقرباء الشاعرة الراحلة عن ديوانها الأخير: «إلى اليوم لم أقرأ مقطعاً شعرياً فيه كل هذا الإحساس بالحزن والموت واليأس الذي يدفعك إليه أنك شاعر، فتمشي راضياً نحو موتك المشتهى .. مثل المقطع الذي تقول فيه: “أنا التي تحمل الزهور 

    تكبير الصورة
    صورة أخرى للشاعرة

    إلى قبرها وأبكي من شدة الشعر”، وهو من ديوان “الشجرة التي تميل نحو الأرض”، لأن موتك، مثلك، لا يطيق الانتظار».

     

     

     

     

     

     

     

     

    دعد حداد.. زهرة الثلج الحالمة
    قليلة هي التجارب الشعرية النسوية التي شكلت حالة استثنائية متفردة في مسيرة الحركة الشعرية في سورية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ولعل من هذه التجارب تلك التي رسمت ملامحها الشاعرة دعد حداد، على الرغم من أنها لم تحصل على حقها في النقد والتقييم.
    ولدت الشاعرة دعد حداد في اللاذقية عام  1937 في بيت يهتم بالأدب والفن، وكانت قارئة نهمة اطلعت على الأدب الغربي الذي ترك آثاره الواضحة على شعرها، وقد عبّرت عن انغماسها الدائم بالقراءة حين قالت:  (كثيراً ما أحتار بين شراء كتاب أو وجبة طعام، لكنني أذهب إلى الكتاب). بدأت مسيرتها الأدبية بكتابة الشعر الموزون بمكوناته الكلاسيكية، إلى أن حرَّرت أبياتها من بحور الشعر والأوزان لتنطلق في فضاءات الشعر الحر وقصيدة النثر.
    أصدرت ديوانها الشعري الأول (تصحيح خطأ الموت) عام 1981 الذي كان ثمرة حزنها العميم الذي خلفته وفاة أختها الشاعرة نبيهة حداد، ثم أصدرت عام 1987 ديوانها الثاني (كسرة خبز تكفيني)، وديوانها الثالث والأخير (الشجرة التي تميل نحو الأرض) صدر بعد وفاتها ببضعة أشهر عام 1991.
    كانت دعد غزيرة الكتابة، فقد كان الشعر لها خبز الحياة اليومي، ومن اللافت أن الكثير من قصائدها مؤرَّخ في أيام وليالٍ متقاربة، ومعظمها يحمل توقيتاً ينتمي إلى دقائق الفجر الأولى، كما كانت القصيدة لديها وليدة مخاض الحزن والمرارة والكآبة، إذ تقول: (تولد القصيدة عندي إثر حالات توتر نفسي حاد مرفقة بهواجس وعذابات تشبه غصّة الدمع وانحباس الضحكة اليائسة… في هذه الطقوس النفسية الفظيعة يولد عندي النص الشعري، ويعقبه تعب مسرّ، ثم تخفّ عندي حالة الحزن المريرة، وأشعر بهدوء نفسي نسبيّ… يبدو أن الشعر يغسلنا من مرارة الأحزان…). وفي نظرة  معمقة إلى أبيات دعد حداد، نجدها كالطيور المرسلة في فضاءات واضحة ومحددة، هي فضاء مصطلحات الطبيعة، وفضاء مصطلحات الموت، وفضاء مصطلحات الحياة. ففي فضاء مصطلحات الطبيعة احتضن شعرها الطيور والماء والزهور والتراب والغبار والثلج والحجر والفجر والأشجار والريح والليل والربيع، أما في فضاء مصطلحات الموت، وهو الأرحب في شعرها، فنجدها ترثي نفسها وتودع الحياة والناس بحب صاف، وكأنها هي نفسها الشجرة التي تميل نحو الأرض بطواعية مطلقة، إذ لم يشكل الموت لديها شبحاً مرعباً بل نقيضاً للحياة وبداية لطريق طويل نحو المجهول، فرصّعت قصائدها بومضات لتوابيت وقبور بيضاء ورخام بارد، ليأتي في المقابل فضاء مصطلحات الحياة الذي غص بأطياف الغناء والفرح والحرية والبكاء والموسيقا والضوء والبكاء. وقد لا تخلو قصيدة من قصائد دعد حداد من تلاحم فضاءاتها تلك، فهي تقول في قصيدتها (الطائر والزهرة): (الحب طائر غريب/ يودّ أن يعيش في سلام/ لكنّه في رحلة/ يجابه الضياء والغبار، والمطر/ وتلمس الزهور دمعة الحبيس/ تمدّ عنقها، تلامس الزغب/ أريد أن أطيرَ مثلما تطير/ لكنّ لي في الأرض هاهنا جذور/ تشدّني لغايتي/ أودّ لو أطير، أن أطير/ أن تكون مهنتي الخطر). وتقول أيضاً في قصيدة (هاهي أجراسي): (استيقظوا الآن/ أنا وحيدة/ هاهي أجراسي وتوابيتي/ هاهو بساط رحمتي الأحمدي/ هاهو قلبي المفتوح/ ونوافذي المشرعة/ وستارتي مزقتها الريح). يشكل الحب في قصائد دعد حداد حالة غير معهودة فهو بوتقة يذوب فيها العشق مع الحرية والتشرد والأحلام الباكية، وقد أخرجته دعد حداد من أسوار الحالة الوجدانية العاطفية الثابتة إلى مروج قد تشق فيها سنابل الهوى صلابة الجليد، فتمد أعناقها بنقاء، وتتعمد في تواصل حميم بحرائق الألم وانتظار المجهول، ضمن مشهد فني متعدد الأبعاد يكاد يقترب من اللوحة التشكيلية أو اللقطة السينمائية، ففي قصيدتها (الحب) تقول: (هذا الصباح اكتبوا عن الحب/ هذا الصباح اكتبوا عن الفرح/ ليس لأن اليوم عيد/ أو مناسبة هامة/ ليس لأن اليوم عطلة/ الغيرة في شبابيك الصبايا، كالورود/ منقوشة على المزهريات والأثواب والشالات/ الحب مسودة ممزقة/ وسلالم موسيقية).
    كتبت دعد عدداً من المسرحيات وقصص الأطفال إلا أن الشعر كان حبها الأول والأخير. وقد انعكست مواهبها المتعددة من رسم ونحت وعزف أجنحةً ارتقت بها قصائدها إلى عوالم سحرية تحمل من الجنون الشيء الجميل، مما يجعل قارئ شعرها يدخل في مؤامرة ضمنية غير معلنة مع الكلمات في سبيل العبور إلى مجرّاتها التي يخرج منها عبر بوابة الأمل بفجر جديد.
    وإذا كان الموت قد غيّبها عام ،1991 فقد تركت إرثاً إبداعياً وتجربة شعرية نادرة، فكّت من خلالها ضفائر قصيدة النثر، لتتطاير خصلها النورانية عبر كون شعري فسيح لا مكان فيه للضوابط والأغلال، وظل الحب يرفرف وحيداً حزيناً في رحلة تفصل بين الحياة والموت، بما تخبئه كواليسها من طقوس خلّدتها.

  • وجهت وزارة الثقافة العراقية، دعوات رسمية لثلاث أديبات عربيات فُزن بجائزة نازك الملائكة للإبداع النسوي في مجالي الشعر والقصة التي ينظمها العراق للدورة السادسة، لحضور الإحتفال..

    وجهت وزارة الثقافة العراقية، دعوات رسمية لثلاث أديبات عربيات فُزن بجائزة نازك الملائكة للإبداع النسوي في مجالي الشعر والقصة التي ينظمها العراق للدورة السادسة، لحضور الإحتفال..

    بغداد

    العراق يستدعي آديبات عربيات فُزن بجائزة نازك الملائكة للإبداع النسوي
    وجهت وزارة الثقافة العراقية، دعوات رسمية لثلاث أديبات عربيات فُزن بجائزة نازك الملائكة للإبداع النسوي في مجالي الشعر والقصة التي ينظمها العراق للدورة السادسة، لحضور الإحتفال الذي سيقام بعد إسبوعين من الآن في شهر شباط/فبراير المقبل، ضمن اختتام فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية للعام 2014.
    عاصمة ثقافية, بغداد, العراق, نازك الملائكة
    عرب: الثقافة المصرية تحتاج لدعم روسيا
    وزيرة الثقافة الفرنسية تدعو لحماية المواقع الأثرية السورية
    رئيسة الأوبرا التي أقيلت في عهد مرسي تعلن قبولها منصب وزيرة الثقافة
    بغداد – نازك محمد خضير

    وأعلنت اللجنة المنظمة لجائزة نازك الملائكة للإبداع النسوي في وزارة الثقافة – دائرة العلاقات الثقافية بالتعاون مع المنتدى الذي يحمل اسم الجائزة التابع لإتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، نتائج المسابقة في مجالي الشعر والقصة للدورة السادسة، مساء يوم الأحد.
    في مجال الشعر فاز نص “في إنتظار القصيدة” للشاعرة التونسية، سنية مدوري، وبالمركز الثاني، أسيل عبد الرحمن تلاحمه، الشاعرة الفلسطينية عن نصها “أجل “، وثالثاً حلت الشاعرة العراقية، رفيف الفارس بنص “في دمي موعدك “.
    وفازت القاصة العراقية، سعاد الجزائري، في مجال القصة، عن قصتها “بقعة ارتجاف حرة” بالمركز الأول، وثانياً القاصة التونسية، أمينة الزاوي بقصة “أوراق الياسمين ذبل الياسمين” ، والجائزة الثالثة من نصيب قصة “عندما تغني النخلة” لسوزان سامي جميل، القاصة العراقية المقيمة في كندا.
    وقالت رئيسة منتدى نازك الملائكة الآدبي، إيناس البدران، لـ”أنباء موسكو”، أن وزارة الثقافة وجهت الدعوات للأديبات الفائزات بالمسابقة لحضور الإحتفاء الذي سيقام على خشبة المسرح الوطني وسط العاصمة.
    ولفتت البدران، إلى أن اللجنة التحضيرية للمسابقة إستلمت (138) نصاً أدبياً في الشعر والقصة من مختلف الآديبات العربيات والعراقيات، في الداخل والمهجر.
    وحُدد الإحتفال بتسليم الجوائز، مابين العشرين إلى الثاني والعشرين من الشهر المقبل.

  • مهداة إلى الشاعرة الحزينة دينا الطويل – قصيدة / توقيع الخيزران / – الشاعر : حسن ابراهيم سمعون  ..

    مهداة إلى الشاعرة الحزينة دينا الطويل – قصيدة / توقيع الخيزران / – الشاعر : حسن ابراهيم سمعون ..


    حسن ابراهيم سمعون

    توقيع الخيزران /مهداة إلى الشاعرة الحزينة دينا الطويل

    سَـتشرقُ شمسُ أزهار ِالخـُزامى
    إذا ما أوقـَظ َ البـَـتلاتِ عـِشقُ الـفجر ِ..
    أوركعتْ غــَراما
    ودَوَّى نحلُ ضيعـتنا
    لمَجنى الـشِّهدِ مُشتاقـًا
    وصلـَّى السِّربُ خـلفَ مَـليكةٍ
    في حُضنِها رحـِـقَ السَّلامَ
    ******
    وعـندَ تـَمايس ِالورداتِ تـَسري
    صَبوة ُالرُّوح ِالشـَّمالي والهـوى
    من نشوةِ المِزمار ِبالقـَصبِ الرَّشيقْ
    فـَخـَصرُ الخـيزران ِ مُوقــِّعًا
    للرّيح ِ شرط َ تـَمايل ٍ
    عندَ الهـُبوبِ وسكـرةِ..
    النسماتِ باللحـن ِالعــتيقْ
    *******
    وعشتاروتُ إن نادتْ
    لحَـرثِ الأرض يَحـرُثــُها لها بَعــلٌ
    ويـروي زرعَها أنــَّى تــُريدْ
    يَـدرُّ الــثــَّديُ إن عـَضَّـتْ
    شفاهُ الطــّـفل ِفالحلماتُ تَهوى العَضَّ في طلبِ المَـزيدْ
    ويطلعُ بَـدرُ ليلـتـنا
    لطقس ِبناتِ قـريتنا
    بحلـقةِ دبكةٍ
    للبيدر ِالـذ َّهـبي في حَـرثٍ جــديدْ
    **********
    ويَـغـدو الحبُ خـُبزًا في مَعاجـِنها
    يُطارحُ فـوهة َ الـتــَّـنور ِوالـنــَّـارَ الصّيام َ
    ويَـفـطرُ من دَم ِالعـنقودِ تـَصلبهُ عـرائـُشهُ
    وسِـرُّ الكأس ِعَـتــَّـقهُ فـقـامَ
    يُنادي أيُّها الجـوعانُ كـُـلـني
    إنني خـبزُ الحياةِ وجـُرعَـة ُالـدّنِّ
    (بكـوز ِ) صَبـيـَّـة ٍ تـَسقي المُـدامَ
    *******
    سَيمشي الـدَّربُ صوبَ نِعالنا حَـتمًا
    بـِـغــَـذ ِّالسَّـير ِإن شِـئـنا المَـرامَ
    وتـَدلـقُ ربَّـة ُ الـينبوع ِدافــقـة ً
    إذاما قـَـرقـعـتْ كلُّ الجـِرار ِ..
    تـُغازلُ الأكـبادَ تـَستـسقي الغـَمام َ

    حسن ابراهيم سمعون / 2009/
    ترجمتها للغة السويدية الشاعرة دينا الطويل

  • كتابة: عبد الكريم كاظم – لكي تكون شاعراً يجب أن تكون عرافاً رائياً ..- “الأدنى والأقصى” – أفق الشاعر الجمالي: قراءة في ديوان شاكر لعيبي ,,

    كتابة: عبد الكريم كاظم – لكي تكون شاعراً يجب أن تكون عرافاً رائياً ..- “الأدنى والأقصى” – أفق الشاعر الجمالي: قراءة في ديوان شاكر لعيبي ,,

    أفق الشاعر الجمالي: قراءة في ديوان شاكر لعيبي

    “الأدنى والأقصى”

    كتابة: عبد الكريم كاظم

    لكي تكون شاعراً يجب أن تكون عرافاً رائياً

    آرثر رامبو

    1

    يبحث الشاعر العراقي شاكر لعيبي في كتابه الشعري (الأدنى والأقصى) العلاقة الكائنة ما بين أفق الشاعر الجمالي وتفاصيله اليومية، فيجري رصداً دقيقاً للكتابة الشعرية التي نشأت في ظل تلك العلاقة ويقدم الكثير مما أنجزته نظرته الشعرية الجمالية الفاحصة لإنتشال المعاني المتناثرة في دائرة الحياة بأسلوب لغوي يتناول فيه، أيضاً، العلاقة المعرفية ما بين اللغة والمشهد اليومي من خلال الغوص في التفاصيل التي تهدف، في الوقت عينه، إلى تجديد المعاني الجمالية التي يرصدها في الحياة الأمر الذي جعل موضوعاته مفتوحة في المعنى الموازي مع معنى النص الشعري اليومي، وبالتالي فإن مسألة التوازي في المعنى هي منشأ التأويل النقدي الذي يمكن الاعتماد عليه أثناء عملية القراءة التي تستغرقنا في كينونة النص المؤول فاتحة بذلك عالم الشاعر على عالم النص الشعري من دون وساطة التفسير المتمسكة بمنطق العبارة الشعرية وقوة التخيّل .

    اللغة الشعرية في حدّ ذاتها لم يكن بالإمكان تطويعها لرصد المشهد إلا عبر التخلص من الزوائد اللفظية وسيميائها حيث لم يعودا مكانين لاستقرار الشكل الجمالي للنص وبنيته اللفظية الصارمة وينبغي تبيان ذلك من خلال المقاربة ما بين لغة الشاعر شاكر لعيبي الشعرية ونظرته الجمالية لمفهوم الكتابة ما يدفع اللغة، ذاتها، إلى حدود إمكانية اقتحام النص والمشهد اليومي معاً أو منح لغة النص طاقة إشارية رمزية لفتح المعنى على الحياة أو الذات التي تتبنى أفعال الشرح والتفسير والفهم . ولدى قراءتنا لنصوصه الشعرية المعنونة (ساحر الأنترنيت/خدعت عصفوراً وصبية/عمارة الخراب/هذه السعادة/أبراج قطنية) يتبين أن المشهد الشعري اليومي لم يعمل إلا على تشيىء كل ما هو معطى للمعنى بدءاً بالبحث عن المفردة الشعرية المختلفة وانتهاء بالنظرة الفاحصة لمشاهد الحياة الأمر الذي جعل المعاني تسير مع النص لا لجماليتها وحسب بل في مقابل إصرار الشاعر على التواصل مع إحساسه اللغوي بالمفردة الشعرية التي تجدد المعنى وتدفع بالنص إلى حدوده الجمالية القصوى .

    ينفتح فضاء قراءة نصوص هذا الديوان على العلاقة المعرفية بين قارئ مهيأ للتلقي وذات شاعر تترصد لحظات الحياة بعين فاحصة وقد أسفرت هذه العلاقة عن تحليل دقيق للدلالات التي تقترحها النصوص غير ان تبيان شكل الدلالة يقتضي تفسير البعدين اللغوي والجمالي من خلال البحث عن المعاني التي تسهم في إنتاج النص حيث يتخذ الشاعر من رؤيته الحياتية حقلاً للتنقيب عن الجمال في الشعر أو الشعر في الجمال استناداً إلى تجاربه، في الكتابة الشعرية المتنوعة، التي تتيح مجالاً للبحث عن مشاهد شعرية ناتجة عن تقاطع مصادر لغوية مختلفة في فكره أو أسلوبه ثم محاولته الأساسية في تطويع اللغة اليومية، كما أشتغل الشاعر، أيضاً، على الجزء الباطن للغة الحياة اليومية من خلال تعيين شكل جديد لتحريك أفعال الاستيعاب والقراءة والتفسير وهو الشكل الذي لا يسمح بإغفال الجزيئات الصغيرة التي تتموضع داخل الحدود المتصلة بين الحياة والشعر كما ضمن مجمل نصوصه فلسفة توصلنا للمعنى المغيب في رموز النص حيث يبدو المعنى أهم أثر لفهم الشاعر للنص الشعري أو الحدث الشعري اليومي ويقدم لنا تجربته في المشاهدة وفي نفس الوقت يقدمها لمخالفيه في رؤيته الشعرية، فالأسلوب الشعري لدى شاكر لعيبي يتبع نسقاً معرفياً يتسم بعمق التجربة التي يوظفها شعرياً ويستخرجها من تقاليد الكتابة المستهلكة الأمر الذي جعل لغته الشعرية تتجه نحو تقديس المعنى وتجاوز الآثار التقليدية لفعل إنتاج النص الشعري أو المعنى ذاته .

    2

    لا يغفل النص الشعري في هذه المجموعة الفضاء اللغوي الجمالي، كما لا يغفل حركة التحولات الدلالية التي تنتج تحولات فنية، فلا منتج النص (الشاعر) ولا مستقبِله (القارئ) يتميزان بالسكون، فالمعايير الفنية تأخذ دلالات جديدة تتوافق مع التحولات اللغوية أو تتوافق مع تحولات المعنى الشعري التي تفرضها الكتابة الشعرية المتأملة فالشاعر هنا لا يأبه بالمعايير الجمالية الكلاسيكية أو التقليدية حين يدفع بالقارئ إلى تلمس الشكل الفني في النص الشعري ليقرأ، في اللحظة ذاتها، علاقة الشكل الفني بالوعي الجمالي النقدي ويمكن القول أيضاً أن نصوص شاكر لعيبي رغم رهافتها وحمولتها اللغوية المبهرة تحمل شيئاً كثيراً من الذاتية المضمرة التي تقرأ الواقع أو المشهد اليومي وفقاً لمعايير الكتابة الشعرية المتأملة اللصيقة بالمعيار الجمالي، فقد تعامل الشاعر مع المعيار الجمالي كما لو كان شاخصاً لأية ممارسة فنية أو مستقلاً عن قديم الإنتاج والاستقبال الفنيين، وبسبب هذا كان المعيار ينوس بين مفهوم التجديد ومفهوم السكون ويتجلى كمعيار معرفي سابق للعمل الشعري أو كتصور شعري خاص بالشاعر يختلف عن التصورات الشعرية المغلقة أو المستعادة، فكأن جوهر النصوص الشعرية هو الجمال وجوهر الجمال وعي شعري يرى الواقع ولا يبدأ منه وبسبب هذه المسافة فإن الجمالي لا يلتقي باللغوي إلا عن طريق جملة من التوسطات الشعرية المعرفية، لنقرأ هذا المقطع من نصه (بعض أصدقائي الشعراء) الذي لا يخلو من إشارة مغايرة: (لأنهم يكرهون الصفة ويفضلون الموصوف/فقد قامت الصفة من القاموس وجلست في حديقة المطلق/بينما ظل الموصوف ينتظر الحافلة لتوصله إلى مكان العمل) ولنتأمل أيضاً هذا المقطع الشعري الذي يحمل عنواناً ملفتاً (وضعت المغنية الكحل) إذ يقول فيه: (وضعت المغنية الكحل على عينيها/وفتحت فمها ببطء/مطلقة صرخة من شرفتها/قبل أن تختفي وسط إعجاب جيرانها الذين ظلوا يحدقون في العتمة خلف الشرفة) وأيضاً في هذا الجزء المعنون (لا تفكر) الذي يحمل مضموناً متماهياً مع عبارة الفرنسي آرثر رامبو أعلاه إذ يقول فيه: (لا تفكر وكن عرافاً يرقص تحت المطر) إضافة إلى نصوصه المعنونة (لنحتفل بحواسنا/الغائب/النحالون/كيف لم تنم/ازددت معرفة/كمْ) .

    على الرغم من توغل الشاعر في المشهد اليومي، فإن النص الشعري لديه بقي محكوماً، ولو بشكل مضمر، بديالكتيك الوعي والاغتراب، حيث يصبح غرض النص هو تأكيد الوعي الفني عبر تحقيق الوعي المعرفي أو تحقيق تملّك خاص للمشهد اليومي قادر على الوصول إلى الجوهري، وكأن النص أداة انتقال الوعي من الظاهر إلى الجوهر، ومن الزائف إلى الحقيقي، ومن المتشيّيء إلى الشفاف، فالوعي الجمالي هو الوعي الشعري والذاتي واللغوي وبهذا يصبح الشعر، في حدود هذا التصور، وسيطاً جمالياً لإنتقال المعنى من حالة ذهنية ساكنة إلى ذهنية متوقدة، ومن الواقع المطلق إلى الواقع اليومي المفتوح، ومن عالم القيم الجزئية إلى عالم القيم الكونية إذ يستبطن الشاعر في النص الشعري مصائر ومشاعر مختلفة ومتداخلة تجعله يكسر قيود اليومي والعارض والجزئي مما يجعل القارئ يتملى صورته في مرآة العمل الشعري الكونية ثم يقرأ نفسه في هذه المرآة باحثاً عن الجمال وسابراً غور المعنى أو متأملاً لذاته، الإنسانية والشعرية، وكأنني هنا أمام عبارة المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان إذ يقول: (الذات أكبر من الأنا) لنتمعن في هذا الشطر المعنون (أسرار الملائكة) الذي يقول فيه: (كان الفجر أزرق عندما هبطت الملائكة على الأرض/كانت الحشرات تتهيأ للعمل/عندما كانت تهبط لا مست الندى على سطوح الأغصان المرتعشة من شدة البرد) وكذلك في هذا الشطر الذي يحمل عنوان (حُسْنُ المعرفة) إذ يكتب: (يا لحسن المعرفة في تلمس قشرة التفاحة التي تدلت من الغصن) .

    3

    شاكر لعيبي هو ذاته في الشعر والحياة، حين يرى بعين الشاعر ويكتب بمداده إلى أن يمضي إلى حتفه الشعري بعد أن تتلاشى الحدود بين الشعر والحياة، فقد انطلقت التأملات الشعرية الذاتية للحياة في نصوص هذه المجموعة من نقطتين: الأولى، تمجيده لمعنى الحياة والثانية، تحرره من ظلال الكتابة السائدة فهو يرى جوهر التحرر ملازماً لجوهر الحياة فنصوصه لا ترى الحياة في وحدتها بل في تفكّكها إلى عوالم مستقلة أو شبه مستقلة وكأن الحياة أو ذاتية الشاعر لا تتحقق بآثارها المتبادلة المتقادمة بقدر ما تخضع إلى جوهر مستتر وهكذا يبدو النص الشعري مستوى قائماً بذاته يوازي علاقات الشاعر مع محيطه ولا يلتقي بها بل يقترب منها إن أقتربت من المعنى ويبتعد عنها ان استبدّت بالمعنى وخدشت جوهره، بهذا المعنى يقف نص شاكر لعيبي داخل التوليفات الجمالية المرتبطة به ويظل المعنى رهينا لموضوعة الجوهر التي تتجلى في عملية استدعاء النصوص الأخرى وفقاً لطبيعة الكتابة أو لأشكالها التي تفرض أسئلة شعرية جديدة أو رؤية مغايرة تدعو إلى نص مغاير، لنتأمل هذه المقاطع: (اللحظة الشعرية): قد تهرب هذه اللحظة بجناحي ذبابة . (الورد): لماذا ابتليتني، أيها الورد، بسياج الحديقة؟ (قواميس المترجم العبد): في بغداد أكلت النعجة الكتاب ثم قفزت لترعى بين “أزهار الشر” في باريس . (الشعراء الكبار الواقفون في الطريق): مشيت سعيداً وفي منتصف الطريق رأيت شعراء عصري يقفون على مسافات محسوبة لمنعي من المضي بعيداً . (الكتابة قناع الشيطان أيضاً): منذ حين كان ينفث سحره في السطور لتمحي، كان يرتعش في علامات التعجب، ألم يختبئ في المحبرة لكي تصير قمقماً للجني البلاستيكي المتمطي بين جدرانها؟ ألم يتحرك في سواد المقالة لكي تشع بالأنوار؟ الكتابة أداته في خديعة الحقول والخلائق .

    إضافة إلى نصوصه التي أسميتها (يومياته التونسية/السويسرية) وقد جاءت صدى لزمن شعري أو معرفي غير محدد كشف عن آثار الفترة التونسية السويسرية التي ألبسها الشاعر رداء علاقة الشعر بالزمان والمكان أو الذات والآخر وظهر تأريخ العلاقة كما لو كان تأريخ أغتراب الشاعر وتأريخ بحثه عن أفق جديد يتجاوز فيه الاغتراب ويقوم بترميم الذاكرة ويضاعف التجريد الشعري بإعلاء شأن الوعي الجمالي المجرد ومن نصوصه تلك: (بار الباشا/بئر علي/المسرح البلدي/البحيرة السويسرية/77 جادة كارل فوغت/قبالتي جبل الساليف/حانة الخلاسيين/قليل من شراب البوخة/في سوق جارة/في حانة الكون/قال لي ابن خلدون) .

    لقد أنجز شاكر لعيبي، في الأدنى والأقصى، وهو الشاعر الدؤوب، نص جمالي يزاوج بين الكتابة الذاتية والقيمة الجمالية للحياة واللغة والمعنى، كما كان يدعو إلى نص لا يكتفي باللغة، كأداة للإشارة والرمز والتوصيل، ولا يلوذ بالمعنى العابر، أنه يأسر حركة النص في معايير فنية هي الشكل الأجمل للكتابة الشعرية المغايرة التي لا تتدثر بالتنميق ولا تماهي السائد، كتابة في زمن هزيل لا تهزه التناقضات الفكرية ولا تؤرقه المعرفة، كتابة (تحلم بتجاوز نفسها ووعي شعري ضدي يريد تأجيل المستقبل) بتعبير الألماني “يورغن هابرماس” ومن هنا يمكن لنا القول أن القراءة النقدية، لهذه المجموعة، تحمل قدراً غير قليل من المغامرة وإن الاقتراب من المعاني الشعرية جاء إستجابة لمظاهر الشكل الفني والجمالي واللغوي .

     ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    إشارة:

    1ـ شاكر لعيبي/الأدنى والأقصى/الطبعة الأولى 2011/منشورات مؤسسة الدوسري للثقافة والإبداع .

    2ـ جاك لاكان/أضواء التحليل النفسي/ترجمة عبدالمقصود عبدالرحيم .

    3ـ توم بوتومور/مدرسة فرانكفورت/ترجمة سعد هجرس/الطبعة الثانية/2004/دار أويا

     

  • قصيدة / حلم الوطن /  للشاعرة :  دلشا يوسف .. من قصائد مختارة ..

    قصيدة / حلم الوطن / للشاعرة : دلشا يوسف .. من قصائد مختارة ..

    قصائد مختارة

     دلشا يوسف

    حلم الوطن

    أيها الحلم العميق

    حينما يخيب كل رجاء

    أشفق حتى على العتمة

    بهذا النور القاحل

    على الأرض.

    أيها الوطن الأول

    و الأخير

     ما زلتُ أكتبُ

    بصبر الحرية

     أجراس اللقاء.

    مرّ حزيناً

    معك يا حبيبي

    أكتشفتُ حياتي

    و أكتشفتُ معنى

    العمر الضائع

    لكن

    كل شيء مرّ حزيناً

    كأثر الحروب على الأرض.

    شمالُ القلب

    شمالُ قلبي… هُوَ

    في عينيهِ…

    أُرَوِّبُ

    عَسَلَ مُرارِ الحُبِّ.

    شمعَتي هو

    في كلِّ ليلة

    حينَ تكونُ أماسي الوحدةِ

    مُلتقاي.

    ذات يومٍ…في غُرَّةِ الخريف

    وقد نَدِيَتِ الأرضُ بالرِّهمَةِ

    أضَعتُهُ…

    دونَ وَداعٍ،

    هُناكَ…

    في شمالِ القَلْب!.

     

  • أشعار بنكهة الشرق وروح الحضارة العربيّة – الفريد تنيسون … شاعر البلاط في عهد فيكتوريا  – محمّد رجب السامرّائي ..

    أشعار بنكهة الشرق وروح الحضارة العربيّة – الفريد تنيسون … شاعر البلاط في عهد فيكتوريا – محمّد رجب السامرّائي ..

    الفريد تنيسون … شاعر البلاط في عهد فيكتوريا 
    أشعار بنكهة الشرق وروح الحضارة العربيّة

    5659

    محمّد رجب السامرّائي

    اللورد تنيسون” 1809 ــ 1892م”، أحد أهم الشعراء الإنجليز خلال القرن التاسع عشر الميلادي. خلف وليم وردزورث شاعرًا للبلاط في بريطانية عام 1850م. وقد حاز تنيسون هذه المرتبة في الأدب نظرًا للمدي الرائع الذي وصلت إليه مواهبه الطبيعية وتفانيه في إتقان فنه خلال المرحلة الطويلة لحياته. وجاءت مكانة تنيسون الكبيرة في حياته الإبداعية نتيجة اهتمامه بعدد من الأمور الحيوية، منها السياسية، كما نجد في مرثية موت دوق ولينجتون وأناشيد الملك الرعوية ـ والروحيّة والعلميّة كما في مود. إلاّ أنَّ رائعة الشاعر تنيسون والتي تُصَّنف مع أشهر الأعمال الشعرية في الأدب الإنجليزيّ هي مجموعته” للذكري” التي نظمها في رثاء أحد أصدقائه، ويمكن أن تعدّ قصيدة مطولة. وربما لم يسبق لشاعر إنجليزي أن امتلك أذنًا أكثر رهافة للظلال الجميلة في التعبير الشعري ولا مجالاً أوسع في صياغة أساليب النَّظم مما فعل تنيسون، كما هو جليّ في هذه المجموعة الشعرية ولد الشاعر الإنجليزي اللورد الفريد تنيسون في سمرز باي عام 1809م وتوفي عام 1892م. دخل المدرسة في عام 1815م وتركها عام 1820م وتولي والده تدريسه في البيت. وقد كتب قصيدته” الشيطان والسيدة” بين عامي 1923 ــ 1924م، وهي من القصائد المُذهلة الني يكتبها صبيّ في الرابعة عشرة من عثمره. كما نشر في عام 1827م ديوان شعر بالإشتراك مع أخويه فردريك، وجارلز. وقد أمضي الشاعر الفريد تنيسون في كلية ترنتي في جامعة كيمبردج مدّة بين أعوام 1828 ــ 1831م، ولكنّ دون أن يتخرّج فيها وينال الشهادة. ثم توالت قصائده ودواوينه الكثيرة. وتزوج في عام 1850م من أميلي سيلوود أخت زوجة أخيه جارلز، وفي السنة نفسها اختير تنيسون شاعر بلاط الملكة فكتوريا بعد وفاة شاعر البلاط وردزورث. ولم يمرّ عام ليس له فيه ديوان شعر جديد!
    أجواء عربيّة
    يلحظ قارئ دواوين وقصائد الشاعر بصورة جليّة ورود أسماء وصور وعواطف وأجواء عربية إسلاميّة صريحة، فكيف حصل ذلك؟ ولقد انتقلت الأجواء السائدة في ربوع الدولة العربية الإسلامية إلي الحياة الأوربيّة المجاورة، نتيجة مُؤثرات عامة، مُؤثرات فكريّة في الفلسفة والطبّ والصيدلة والكيمياء والرياضيات والزراعة والصناعة والتجارة والتعليم والسفارات، علاوة علي مُؤثرات خاصّة تتمثل بالجوانب الأدبيّة والفنيّة كالخطابات والقصص والعِبَر والأمثال والطرائف والشعر والغناء والموسيقي وأنواع الفنون الأخري…

    المُعلقات بالإنجليزيّة

    لابُدّ أن يخصّ الشعر العربيّ بشيء من الذكر لِما لهُ من تأثير في شعر الشاعر الفريد تنيسون وغيره. وكان كثير من العلماء والباحثين والأدباء والمُترجمين يحضرون المُنتديات والمدارس العربيّة في بلاد الأندلس وصقليّة وبرفنس والشام وغيرها، أمثال أدلارد الباثي وميخائيل سكوت، ومن الشعراء الإنجليز لِما لأعمالهم وترجماتهم من العربيّة من أثر في مُجمل الجوّ الأدبيّ الذي أثر بدوره في شعر الفريد تنيسون بالذات، نحو: الشاعر” أدورد بوكرك” 1604 ــ 1691م” الذي أقام في سورية قرابة عشر أعوام ترجم لأميّة الطغرائي عام 1660م، وجمع الأمثال للميداني، أما ” وليم جونز” 1746 ــ 1794م”، فقد ترجم المُعلقات السبع إلي اللغة الإنجليزيّة ونظم قصيدة بعنوان” سليمة” قال عنها:” إنّها ليست ترجمة عاديّة من اللغة العربية بل أخذت أكثر صورها وعواطفها وأوصافها من شعراء بلاد العرب أنفسهم.
    وكان الشاعر” وليم جونز” عالِماً بالعربيّة والفارسيّة والتركيّة والسنسكريتيّة، ونشر كتاب” تعليقات علي الشعر الآسيويّ” عام 1774م، فيه أمثلة كثيرة من الشعر العربيّ، علماً أنّه نشر عام 1772م ديوان شعر ضمنّه تراجم قصائد عربيّة إلي اللاتينيّة، وكان لهذه الترجمات تأثيرات ملحوظة في شعر كثير من الشعراء الإنجليز ومنهم الشاعر الفريد تنيسون.
    ترجمات لعيون الأدب
    أما” بالمر” 1840 ــ 1883م، فترجم كثيراً من الشعر العربيّ وديوان الشاعر البهاء زهير ونظم الشعر بالعربيّة وترجم القرآن الكريم. كما ترجم ” بلن” 1840 ــ 1923م، المعلقات الشعريّة العربيّة مرّة أخري، وكان” جارلز ليال” ممّن ترجموا الشعر العربيّ والشعر الجاهلي بشكلّ خاص من ديوان الحماسة للشاعر أبي تمّام الطائي، والمفضليات للمفضل الضبيّ، وترجم ديوان الشاعر عبيد بن الأبرص. وترجم” بالكريف” ديوان الشاعر الأمويّ عمر بن أبي ربيعة عام 1873م، في حين تولي” أدورر لين” كتاب ألف ليلة وليلة وعليها تعليقات تصلح ان تكون دائرة معارف وافيّة ثم ألف كتاب عادات وتقاليد المصريين المُحدثين في عام 1836م، ولا ننسي في هذا الخصوص أثر دراسات المُستشرقين وترجمة القرآن الكريم والكتب الأدبيّة والتاريخيّة وكتب الرحالة في تكوين الصورة العربيّة لدي القرّاء الشعراء الذين لم يزوروا الشرق والوطن العربيّ بوجه خاص.
    لقد أثرت تلكم الكتابات في أدباء وشعراء وفنانين ممّن درسوا الشعر العربيّ القديم المُترجم والتعليقات عليه، وكذلك الرحلات وألف ليلة وليلة وقلدوها تقليداً صريحاً بأسماء عربيّة موضوعات عربيّة أو تلميحاً وقد أضفوا صورها وأفكارها وموضوعاتها علي صور وأفكار وموضوعات محليّة في الشعر والقصة والرواية والمسرحيّة والأوبرا والباليه. ونشير علي سبيل المثال” روبرت ساوذي، بايرون، ووردزورث، براوننك، وتنيسون، فضلاً عن روائيين وقصاصين ومسرحيين وموسيقيين ورسامين، وقد أنقسم هذا التأثير إلي نوعين: الأول: انبهار بالوصف والفكر والواقع، وصدور أعمال أدبيّة وفنيّة من وجهة نظر منحازة تحمل كلّ الموضوعات الغرائبيّة التي تمورُ في تصورات متخيليها عن الشرق الإسلاميّ الذي:” كان عدواً ولكنّه عدوّ قويّ محكوم عليه بالهزيمة، يسعي السياسيون ورجال التجارة الغربيون للإسراع في انهياره. وقد ساعدهم بعض رجال الأدب والمسرح والفلسفة والصحافة والباحثين والمُستشرقين وغيرهم للإسراع في انهياره بتلفيق صور كاذبة تجتمع فيها الضراوة والوحشيّة والنهب والحريم والخيانة وجميع أنواع التناقضات وقد رجع الأدباء والفنانون في ذلك علي مَن كتب مِن وجهة نظر مُنحازة أو رجعوا إلي العهد القديم وفيه موضوعات تنسجم وأحقادهم”.

    صور الشرق

    لعلّ القصائد التي يتجلّي فيها انبهار الشاعر الإنجليزي الفريد تنيسون غير قليلة فهي تتجاوز العشر. ونجد في أكثرها أسماء عربيّة صريحة أمثال:” بغداد، البصرة، تدمر، مصر، الفرات، دجلة، النيل، سليم، أكبر، فاطمة”، أو نري في أشعاره أشياء من مبانيها أو مغانيها ومَعَالمها كالقباب، المنائر، الأهرام، وبساتين النخيل السامقات. وكتب تنيسون قصيدته” مصر” عام 1827م ومصدرها” رسائل عن مصر” لسافاري، وهي متأثرة بقصيدة” لا لارخ” لتوماس مور” وفي مستهلها عن أغنيّة الحوريّة:
    بساتين نخل مَصْر
    وكهوفها وأضرحة مُلوكها
    أما الشاعر الفريد تنيسون فنظم قصيدته” مصر” في رباعيات، ويقول فيها:
    ” القلمُ الداكن في الفجر الرمادي القاتم
    يرسمُ لعيني مُخططاً بهتاً لِمَصِر
    لم يلونها الصباح المُتألق
    بقُرصِهِ الذي يعدو بهيجاً نحوَ أعالي السّماء
    وهاهُو قد وافَي أخيراً في زهوٍّ بهيّ،
    الحياةُ في عينيه والمجد في شُعاعه،
    لا تحجب بناءه البهيّ غلائل من ضباب
    أو تصنع الظُلمة في سبيله العسجديّ
    تتألقُ الرياضُ المُزهِرَة في بسمتهِ
    وتفعمُ أحضانه المُنورّة الأنسام العابرة
    التي تسرقُ أريج كلّ جزيرة عَطِرَة
    وكلّ حقلٍ شَذيٍّ ووادٍ فَوَّاح
    بيدَ انّ الألق الأوّل لشُعاعِهِ الطالع
    يسقطُ علي الأهرام الجليلة
    مَهيباً ليُرينا بومَضَاتِهِ الباكِرَة
    البصرة: أرض الزنبق…
    جاءت قصيدة كتبها منفي في مدينة البصرة في أثناء رحلة علي نهر الفرات، ونشرت عام 1827م. وإذا كانت مِصْر أرض اللوتس التي أطلق عليها المؤرخ” هيرودوتس” زنبقة النيل، فإنّ العراق هي أرض الزنبق لدي الشاعر تنيسون. وتستند قصيدته إلي حكاية” نور الدين والجارية” الواردة في ليالي السّمر العربيّ. ولعلّ نور الدين هو المنفي من البصرة لإغوائه الجارية التي كانت مُتجهة إلي المَلِك وهي في رعاية والده فأخذها معه صوب بغداد، وقد تصرّف الشاعر بالأحداث والمواقع، فقال في القصيدة:
    ” يا أرض الزنبق! زهُورك البهيجة تتنفتّح
    في حُبور علي رَوابيك ولكنّها لا تزهر من أجلي
    لأنّ بحراً من أسي أغرق آمالي الغاليّة
    وقذف أمواجاً سُوْداً بينَ هذا القلب المتوحِّد وبينّك
    الروابِي النائيّة… وبساتين طفولتي
    هي الآن في فيضّ من نور الشمس الغاربة
    وباسقات النَخْل المُهفهفة في خَمائِلنا
    تتلاشي في سَدِيم الزُرْقَةِ البعيدة
    أراكِ أيتّها البصرة رابضة في أُبهّة
    حيثُ أمواجك تُصافحُ أسوارك بِجَلال
    أري مَهْدَك المُشرِق تُنيره أبراجك
    ونهرَكِ الواسع الوديع ينسابُ عندَ قدميكِ
    وداعاً قيثارتي التي علّقتها في كُربَتي
    علي نَخْلتي الوحيدة التي تنُوسُ مع هُوْج الرياح
    لأنّ أنغام أنفاسها الحلوة في ضَنَي النسيان
    وحولها سينسجُ اللبلاب وِشَاحاً أخضر
    الرشيد المَلِك الصالح
    أما قصيدة ” تنيسون” ذكريات ألف ليلة وليلة” التي كتبها في” 154 بيتاً” في وصف الرِياض حتي يصل قصر الخليفة العباسيّ هارون الرشيد في بغداد المُذهل في وصفه، ويري الجارية التي فازت بقلب الخليفة، وتستند القصيدة إلي حكايتين من حكايات ألف ليلة وليلة في ترجمة” كَالان” الأولي هي نور الدين والجارية، والثانية هي حكاية أبي الحسن، وقد استقَي تنيسون كثيراً من التفصيلات من” رسائل من مِصْر” لسافاري، ومن” لالارخ” لتوماس مور، وخُلاصة قصة نور الدين أنّه أغوي الجارية ولكنّها في النهاية تفوز بالخليفة الرشيد الذي كان مُتنكراً، ويقتفي نور الدين أثرها ويصفّ لنا جنّات عاصمة الخلافة العربيّة بغداد وقصورها علي نهر دجلة حتي يصل قصر الخليفة حيث يجدها فيه. ويقول في قصيدة” ذكريات ألف ليلة وليلة:
    عندما هبّ نسيمُ الفجر البهيج أيضاً
    في قُلُوع الصبَا الحريريّة
    عادَ بي تيّار الزمان
    وفي صباح أحد أيام الصيف المُشرقة
    ينقلني الزورقُ في نهر دَجلَة
    وأمرُ بمراقد بَغدادَ الذهبيّة
    وبساتينها الخُضْر القديمة ذات الأسوار العاليّة 
    أنا مُسلمُ صادقٌ بلا ريبٍ
    في العهد الذهبيّ
    لهارون الرشيد المَلِك الصالح
    ولزورقي في الليل حفيف
    تحتَ الغصون الحانيّة المُزهِرَة
    الفَوّاحة بالعطرِ، وتلقي أشجار القُرُنفُل
    والأُتْرُّج بظلالِها علي المياه المُتلألئة في العُتمة وفي
    شُرُفات البساتين النفيسة علي مصاريعها وأنارت
    المصابيحُ بأنوار العَسْجَد ظُلمة الليل
    وصفتُ الأرائكُ المُطرزّة علي جوانبها
    إنّه حقاً وقتٌ لطيف
    فهو العهدُ الذهبيُّ
    للمَلِكِ الصَالحِ هارون الرشيد”. 
    اطلع وقرأ الشاعر تنيسون ترجمة معلقة امرؤ لقيس وتلخيص وليام جيمس له. وقد ورد ذكر “فاطمة” ابنه عمّ الشاعر فنظم تنيسون قصيدة فاطمة . ويقول أحد الباحثين أنّ” سافو” الشاعرة اليونانيّة في القرن السادس قبل الميلاد قد اندمجت في هذه القصيدة بقصة جميلة التي أخذها تنيسون من سي. أي. سافاري في ” رسائل مَن مِصْر” التي تنتظر عشيقها الذي لا يج
    رؤ علي المجيء إليها بسب زوجها، فيقول:

    قصيدة فاطمة

    ” حبيبي يا حبيبي ياحبيبي، أيّها القويّ الجبّار!
    أيّها الشمسُ التي في سَمْت الظهيرة
    ترتعشُ عندما أجهِد بَصَري
    ويَخفِقُ وَهْج حرارتِكَ وأنوارك
    انظُر، هانذا أهوِي مِن عقلي الرَصيْن
    انظُر، إنّي ذاوية ويابسة، صمّاء وعمياء،
    أدورُ في دوامة مثل أوراق في ريحٍ عاتيّة
    أمضيتُ في الليلة الفائتة ساعات مَقيتة
    تحتَ أبراج المدينةِ الشرقيّة

    عَطْشَي للغُدرانِ ووَابلِ المَطَر
    فتدحرجت بين النهُور الناضِرَة
    وعَصرتها علي صدري وفمي
    ولفتُ من جانبٍ إلي جانبٍ نحوَ الجفاف اللاَهِب
    في تلكَ البادية الفسيحة عند الجنوب
    في تلك الليلة الماضيّة عندما نطقَ أحدهم باسمهِ
    تشظّت في دمِي الفوّار
    ألفُ شرارةٍ مِن لهب بَدَنِي النَاحِل
    يالههذا الحُبّ، يلهذي النار! ذات مرّة
    ارتشفُ رُوحِي كلّها بٌبلةٍ طويلةٍ مِن شفتي كما يرتشفُ
    ضوءُ الشمسِ قَطر الندي
    عرفتُ قبلَ أن يرقي الرابيّة
    أنّهُ سيأتي مُسرعاً فقد هبّت
    نسائِمُ عذبَة، كأنّها آتية مِن الجِنَان
    تسبقهُ وراحت تُداعِبُ جبيني
    في نفسي العَطشَي صارَت رُوحِي
    تَغُورُ مِن إغمَاءَةٍ إلي إغْمَاءَةٍ
    وتضعُفُ مثل قمرِ الصباحِ المبهُور
    كانَ الريحُ تعزِفُ علي وَتَرٍ مِن فَضَةٍ
    ومِن وراء الهَاجِرَة نار
    تتلظّي فوق الهِضَاب وتُطبِقُ
    السّماواتُ في تَوقِها
    وقد أُحِيْ”َ قلبي ببحارٍ مِن ضوءٍ دَافِقٍ
    واخترقَتْهُ بهجة عارمة
    فتفتّحَ مُزْهِراً لدي رؤيتِهِ…”.
    azzaman

     

  • صدرت للمفكر جورج طرابيشي / الأعمال النقدية الكاملة / بثلاثة مجلدات..عن دار مدارك .. – بقلم: جورج طرابيشي  – الأوان – بريهان ..

    صدرت للمفكر جورج طرابيشي / الأعمال النقدية الكاملة / بثلاثة مجلدات..عن دار مدارك .. – بقلم: جورج طرابيشي – الأوان – بريهان ..

    موسم الهجرة الى نقد الرواية
    الأوان – بريهان ‏ (‏‎Parehan Komok‎‏)

    بريهان

    بقلم: جورج طرابيشي

     

     



    صدرت للزميل جورج طرابيشي عن دار مدارك في ثلاثة مجلدات، وفي أكثر من ألفي صفحة، المجموعة الكاملة لمؤلفاته في نقد الرواية. وقد تضمَّنت الكتب التالية:
    1- لعبة الحلم والواقع: دراسة في أدب توفيق الحكيم.
    2- الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية.
    3- شرق وغرب، رجولة وأنوثة.
    4- الأدب من الداخل: دراسات في أدب نوال السعداوي، سميرة عزام، عبد الرحمن منيف، نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، عبد السلام العجيلي، ألبرتو مورافيا.
    5- رمزية المرأة في الرواية العربية.
    6- عقدة أوديب في الرواية العربية.
    7- الرجولة وأيديولوجيا الرجولة في الرواية العربية.
    8- أنثى ضد الأنوثة: دراسة في أدب نوال السعداوي على ضوء التحليل النفسي.
    9- الروائي وبطله: مقاربة للاشعور في الرواية العربية.
    بالإضافة إلى ملحقين:
    أ- الدين والأيديولوجيا والميتافيزيقا (قراءة دلالية لـ “رحلة ابن فطومة” لنجيب محفوظ.
    ب- صورة “الأخرى” في الرواية العربية (من نقد الآخر إلى نقد الذات في “أصوات” لسليمان فياض.
    وهي ذي المقدمة العامة للأجزاء الثلاثة لهذه الأعمال النقدية الكاملة.

    موسم الهجرة الى نقد الرواية



    ليس لكاتب، في عصرنا على الأقل، أن يكون كاتباً إن كان راضياً عن واقعه.
    فالكتابة، في عصرنا دوماً على الأقل، هي فعلُ هجرةٍ عن الواقع.
    وفي حياتي ككاتب، لم يحترف شيئاً آخر منذ خمسين سنة سوى فعل الكتابة، أستطيع أن أقول إني مررت بثلاثة أطوار من الهجرة عن الواقع.
    ففي طور أوّل، وباستعارة من عنوان رواية الطيب صالح الشهيرة، كان لي موسم هجرة الى الأيديولوجيا من حيث هي نفيٌ للواقع وإحلالُ بديلٍ طوباويّ محلّه.
    في ذلك الطور الأول كتبت أول كتبي : سارتر والماركسية، ثم أتبعته بستة كتب أخرى كان أكثرها إيغالاً في الطوباوية الإستراتيجية الطبقية للثورة، وأقربها الى الواقع الدولة القطرية والنظرية القومية.



    وفي طور ثانٍ كان موسم الهجرة الى الرواية، أي الى واقع بديل ومتخيَّل عن الواقع. وفي ذلك الطور، الذي امتدّ على نحو عقدين من الزمن، من أوائل السبعينات الى أوائل التسعينات من القرن الآفل، كتبتُ الدراسات التسع، المحتواة بين دفّتيّ هذا الكتاب، في النقد الروائي بدءاً من لعبة الحلم والواقع : دراسة في أدب توفيق الحكيم وانتهاء بـ الروائي وبطله، مقاربة للاشعور في الرواية العربية.



    وفي طور ثالث وأخير، شغلَ العقودَ الثلاثة الأخيرة من حياتي ككاتب، كان موسم الهجرة الى التراث والنقد التراثي بعد أن دخلتِ الثقافةُ العربية المعاصرة في طور نكوص من النهضة الى الردّة وتجلّت لدى شريحة واسعة من المثقفين العرب بعد هزيمة حزيران/ يونيو1967 أعراضُ عصابٍ جماعي أعاد تنصيب التراث أباً حامياً كليّ القدرة.



    ولكن بما أن هذا الكتاب، الذي بين يدي القارئ، لا يستعيد سوى مؤلفات الطور الثاني المحصور بالنقد الروائي، فقد يكون لزاماً عليّ أن أوضح أني ما تعاملت مع الروايات المنقودة بمنهج مسبق. إذ كما نستطيع أن نقول إننا لسنا نحن الذين نربّي أولادنا بل هم الذين يعلّموننا كيف نربّيهم، كذلك لا وجود في النقد الأدبي لمفتاح يفتح الأقفال جميعها . فلكلّ رواية، إذا كانت رواية حقاً، قفلها . وحتى عندما يكون الناقد مجهّزاً بمنهج مسبق، كما الحال مع منهج التحليل النفسي الذي اعتمدناه في تحليل أكثر من رواية، فإن هذا المنهج لا يكون برسم التطبيق الميكانيكي، بل هو لا يؤتي ثماره إلا إذا أُعيد اختراعُه وتطويره وتكييفه، فضلاً عن إغنائه هو نفسه، على ضوء كل رواية على حدة. وكما سيلاحظ القارئ، إن انطلاقنا من الفرويدية لم يوقفنا عندها، بل كان لا بدّ من تجاوز مسلّماتها عندما واجهتنا رواية مثل بدر زمانه يستعصي قفلها على الفتح من منطلق التحليل النفسي الكلاسيكي.



    وبديهي، بالإضافة الى هذا وذاك، أن موسم هجرتنا الى نقد الرواية كان محدوداً بالزمن الذي قرأنا فيه ما قرأنا وكتبنا فيه ما كتبنا . واليوم اقتحم ساح الرواية روائيون، وعلى الأخص روائيات، مجهّزين ومجهّزات بتقنيات جديدة، وصادرين وصادرات عن رؤى جديدة، الى حدّ يمكن لنا معه أن نقول إن الثقافة العربية نفسها دخلت منذ مطلع القرن الحادي والعشرين هذا في موسم هجرة جديدٍ الى الرواية.



    يبقى أن نقول إن هذه الهجرة المجدَّدة إلى عالم الرواية وعالم نقد الرواية، بعد انقطاع دام نحواً من عشرين سنة، إنما ندين بالحافز إليها لدار مدارك، ولمؤسسها الزميل الصديق تركي الدخيل الذي كانت له المبادرة إلى اقتراح إعادة طبع هذه المجلدات الثلاثة من الأعمال النقدية الكاملة، على أن يتبعها لاحقاً إعادة نشر المؤلفات والترجمات التي لا تزال تتمتع بالراهنية، وفي مقدمتها مؤلفات فرويد شبه الكاملة.