Category: فنون الأدب

  • إليكم قصيدة “راجعةٌ حلب أيُّها العرب” ..سألت البشر سألت الحجر يا مين يجبلي من حلب و أهلها الأخبار.. – بقلم الشاعر الدكتور شحود إيليا زيدان ..

    إليكم قصيدة “راجعةٌ حلب أيُّها العرب” ..سألت البشر سألت الحجر يا مين يجبلي من حلب و أهلها الأخبار.. – بقلم الشاعر الدكتور شحود إيليا زيدان ..

    إليكم يا أصدقائيَ الغوالي قصيدة حلب التي وعدتكم بها كاملةً :”راجعةٌ حلب أيُّها العرب”

    سألت البشر سألت الحجر يا مين يجبلي من حلب و أهلها الأخبار

    ردَّت الناس و دمع العين ع الخدين انهار الحجر و ما بقي فيها الآثار

    ماتت البشر و البقي تهجَّر و في كل مكان بتسمع أصوات الانفجار

    نصف حلب راح و اندثر متل الغبار انتشر و كأنه ضربها الإعصار

    الله يرحم أيامك يا شهباء العزّ و الإباء جار عليكِ الزمان و الأشرار

    مدينة العلم و العمران و زينة البلدان بفخر الصناعة و بناسها الأخيار

    الفن الأصيل ولِد فيكِ و اللحن الجميل و عمالقة الطرب أولادِك الأبرار

    و الذوق الرائع بالمطبخ الحلبي الشائع الصيت حتى في صابون الغار

    دمّروا الطريق و الدار و من الحديقة الطير طار و الباقي صار أضرار

    راحت قلعة حلب هيك بدون سبب سوى الغرائز و تدمير جيشنا المغوار

    ساد الإرهاب بالبلد قتلوا الخوري و الشيخ و الولد باسم الثورة و الثوار

    ما سلمت كنيسة أو جامع بحقدهن حرقوا بيوت الله المقدسة و الدار

    سرقوا المصانع و الآلات و كل المنافع و الخيرات و لتركيا راح الدولار

    قال حلب ما تظاهرت بمسيرة التأييد شاركت إذاً عاقبوها الأغراب بالإنفار

    صارت مدينة الجهاد دمّروها الأوغاد و نسيوا فلسطين المحتلة و قال أحرار

    الحُرّ ما بيقتل القريب و لا بيستقوي بالغريب و لا بيرتشي بالمال يا أصفار

    المعارضون الشرفاء بالداخل أنقياء و ما حملوا سلاح هالوطنيون الأطهار

    أصحوا بقى حاج دمار و شقى سوريا صارت رماد و أنقاض و الدم أنهار

    اتركوا الغرباء المجرمين و العملاء و تعالوا كلنا سوى نعمِّر بلدنا بإيدنا إعمار

    و ترجع سوريا القلب النابض للعرب و المناهض للغدر و الظلم و الاستكبار

    و ليختار الشعب من يريد بحُبّ و رِضى بلا تهديد أو وعيد أو إخفاء لأسرار

    حُبّ الوطن يعلو في الضمائر يسمو في المشاعر يدخل القلب بدون إخطار.
    18/11/2013

    بقلم الدكتور شحود إيليا زيدان

  • بقلم الدكتور شحود إيليا زيدان -“يا حيف عليكم يا عرب  – أُهديكُم قصيدتي الجديدة يا أصدقائي الغوالي..

    بقلم الدكتور شحود إيليا زيدان -“يا حيف عليكم يا عرب – أُهديكُم قصيدتي الجديدة يا أصدقائي الغوالي..

    أُهديكُم قصيدتي الجديدة يا أصدقائي الغوالي :

    “يا حيف عليكم يا عرب”

    غدروا فيكِ سورية أندال العرب باسم الحرية يلّي ما سمعوا بالديمقراطية أصحاب الوجه الجهيم

    تركوا فلسطين الضحية و نهشوا بسورية الأبيّة فخر العرب و القضية و شعبها بالأخلاق تميم

    كانت زينة البلدان أولادها رجال شُجعان أشراف كِرام و زينة العُربان و بأراضيها الخير و النعيم

    ما عرفت يوم فتنة بين شيعي أو مسيحي أو سُنّي بالمحبّة شعبها هني و بِكْره الحاقد اللئيم

    كان يمشي الشيخ و الخوري بمودة و تسامح أُسطوري هَدِه صفات الشعب السوري الفهيم

    و ياما شفنا المفتي و المطران إيد بإيد أروع إخوان يا سلام ع تسامح الأديان نعمة ربّنا الكريم

    ما عجبهن وضعنا هالزعران تآمروا علينا لتدمير الأوطان ما همّهن دبح الإنسان و للأولاد تيتيم

    جابوا من كل بلد الإرهاب موّلوا و سلحوا الكلاب المسعورة للدم و للاغتصاب و لبيوتنا التهديم

    عملوا محاكم لا شرعية جلدوا البيّ و الابن و الصبيّة لأعمالهن القذرة الدنية نار و عذاب أليم

    أفتوا بإعلان الجهاد جمعوا الحُثالة أولاد الأوغاد من كل الدول و البلاد لغزوهم السافر الوخيم

    انسلّوا بدعم من الجيران متل الأفاعي و الفئران لإضعاف الجيش صاحب الإيمان بوطن سليم

    بدهن تغطية سياسية رشوا المعارضة الخارجية و اتهموا النظام بالأذية بفعلهن القذر الذميم

    لكن ربّنا كشف أمرهن و انفضحت للناس خططهن وحوش غابة بسلوكهن السيئ و السقيم

    لوّ فعلاً مجاهدون لهاجموا بني صهيون و حرروا فلسطين قلب العرب الحنون و الشعب الوسيم.
    19/11/2013

    بقلم الدكتور شحود إيليا زيدان

  • للشاعر حسن بعيتي  : منْ قصيدة ” الشيخ و البحر ” – من ديوان : صدق خيالك –

    للشاعر حسن بعيتي : منْ قصيدة ” الشيخ و البحر ” – من ديوان : صدق خيالك –

    منْ قصيدة ” الشيخ و البحر ” – صدق خيالك –

    ……..

    أبحرْتُ أياماً ..

    و لمْ يتبقَّ حينَ وصلتُ

    إلا الهيكلُ العظميُّ منْ صيدي الثمين

    كأنني أدركتُ لحظتَها ..

    حقيقة ما جنيتُ من الحياة

    و رحلةِ العمر الطويلةِ

    رغمَ هذا …

    نمتُ منتشياً بآلامي .. و أحلامي

    و كانَ البحرُ يفهمني ..

    و يُدركُ أنني ما عُدتُ مُهتمـّــاً ..

    فلمْ أبحِرْ ..

    على شيخوختي

    إلا لأثبتَ للحياة جدارتي بصهيل فتــْـنتها

    و لمْ أبحِرْ .. على شيخوختي

    إلا لأثبتَ أنني

    مازلتُ صياداً قوياً .
    …………..

  • الروائي / عبد الرحمن منيف 1933 –  2004م / ..عبد الرحمن إبراهيم المنيف..أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين؛ حيث استطاع في رواياته أن يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي ..ومن أشهر رواياته “مدن الملح ..

    الروائي / عبد الرحمن منيف 1933 – 2004م / ..عبد الرحمن إبراهيم المنيف..أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين؛ حيث استطاع في رواياته أن يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي ..ومن أشهر رواياته “مدن الملح ..

    عبد الرحمن منيف

     

    عبد الرحمن المنيف

    من ويكيبيديا
    عبد الرحمن المنيف
    صورة معبرة عن الموضوع عبد الرحمن المنيف
    ولد 29 مايو 1933
    علم الأردن الأردن , عمّان
    توفى 24 يناير 2004
    علم سوريا سوريا , دمشق
    المواطنة السعودية
    النوع رواية

    عبد الرحمن المنيف (29 مايو 1933 – 24 يناير 2004) اسمه الكامل: عبد الرحمن إبراهيم المنيف, ينتمي إلى قرية قصيبا شمال مدينة بريدة[1] بمنطقة القصيم الواقعة وسط المملكة العربية السعودية, كان والده من كبار تجار العقيلات الذين اشتهروا برحلات التجارة بين القصيم والشام واسم شهرته ((عبد الرحمن المنيف)).

    يعد عبد الرحمن المنيف أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين؛ حيث استطاع في رواياته أن يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، والنقلات الثقافية العنيفة التي شهدتها المجتمعات العربية خاصة في دول الخليج العربي أو ما يدعى بالدول النفطية, ربما ساعده في هذا أنه أساسا خبير بترول عمل في العديد من شركات النفط مما جعله مدركا لاقتصاديات النفط، لكن الجانب الأهم كان معايشته وإحساسه العميق بحجم التغيرات التي أحدثتها الثورة النفطية في صميم وبنية المجتمعات الخليجية العربية.

    يعتبر منيف من اشد المفكرين المناوئين لأنظمة كثير من الدول العربية. من أشهر رواياته “مدن الملح” التي تحكي قصة اكتشاف النفط في السعودية وهي مؤلفة عن 5 أجزاء، ورواية شرق المتوسط التي تحكي قصة المخابرات العربية وتعذيب السجون.
    نشأته وتعليمه

    ولد عبد الرحمن المنيف في عمان – الأردن عام 1933 من أب سعودي و أمٍ عراقية. درس في الأردن إلى أن حصل على الشهادة الثانوية ثم انتقل إلى بغداد والتحق بكلية الحقوق عام 1952 ثم انخرط في النشاط السياسي هناك, انضم إلى حزب البعث العربي الاشتراكي إلى أن طُرِد من العراق مع عدد كبير من الطلاب العرب بعد التوقيع على حلف بغداد عام 1955 لينتقل بعدها إلى القاهرة لإكمال دراسته هناك. في عام 1958 انتقل إلى بلغراد لإكمال دراسته فحصل على الدكتوراه في اقتصاديات النفط لينتقل بعدها إلى دمشق عام 1962 ليعمل هناك في الشركة السورية للنفط ثم انتقل إلى بيروت عام 1973 ليعمل هناك في مجلة البلاغ ثم عاد إلى العراق مرة أخرى عام 1975 ليعمل في مجلة النفط والتنمية. غادر العراق عام 1981 متجهاً إلى فرنسا ليعود بعدها إلى دمشق عام 1986 ويقيم فيها حيث كرس حياته لكتابة الروايات، تزوج منيف من سيدة سورية وأنجب منها ،عاش في دمشق حتى توفي عام 2004, وبقي إلى آخر أيامه معارضاً للإمبريالية العالمية، كما اعترض دوماً على الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 رغم أنه كان معارضا عنيفا لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

    وتخرج من جامعة بلغراد في صربيا.

    مؤلفاته

    1- الروائية:

    الأشجار واغتيال مرزوق – 1973
    قصة حب مجوسية – 1974
    شرق المتوسط – 1975
    النهايات- 1977
    حين تركنا الجسر – 1979
    سباق المسافات الطويلة – 1979
    عالم بلا خرائط بالاشتراك مع جبرا إبراهيم جبرا – 1982
    مدن الملح خماسية روائية (1984-1989)
    التيه
    الأخدود
    تقاسيم الليل والنهار
    المنبت
    بادية الظلمات
    الآن..هنا (أو شرق المتوسط مرة أخرى) – 1991
    أرض السواد ثلاثية- 1999
    أم النذور – 2005
    2- غير الروائية:

    لوعة الغياب – 1989
    الكاتب والمنفى وآفاق الرواية العربية – 1991
    سيرة مدينة – عمان في الأربعينات – 1994
    الديمقراطية اولاً.. الديمقراطية دائما- 1995
    القلق وتمجيد الحياة (كتاب تكريم جبرا)- 1995
    مروان قصاب باشي: رحلة الحياة والفن – 1996
    عروة الزمان الباهي – 1997
    بين الثقافة والسياسة – 1998
    جبر علوان.. موسيقا الألوان – 2000
    ذاكرة للمستقبل – 2001
    رحلة ضوء – مقالات 2001
    العراق هوامش من التاريخ والمقاومة – 2003
    أسماء مستعارة (قصص قصيرة) 2006
    الباب المفتوح (قصص قصيرة) 2006
    ربما يكون عمله الأبرز هو رواية (مدن الملح) في خمسة أجزاء : يصف الجزء الأول التغيرات العميقة في بنية المجتمع البدوي الصحراوي بعد ظهور النفط، في الأجزاء الثاني يبدأ بوصف رجال الأعمال الذين وفدوا على المنطقة الخليجية ودخولهم في تحالفات مع حكام المنطقة، الأجزاء الثلاثة الخيرة تصف التحولات والتفاعلات السياسية في شبه واضح مع تاريخ حكام آل سعود، هذه الرواية صنفته سريعا كمعارض لنظام الحكم السعودي ومنعت رواياته من دخول المملكة العربية السعودية -سمح بنشرها مؤخرا في معرض الكتاب بالرياض- وكثير من الدول الخليجية.

    الرواية الأخرى التي أحدثت ضجة في العالم العربي كانت (شرق المتوسط)، التي تعتبر أول رواية عربية تصف بجرأة موضوع التعذيب في السجون خاصة التعذيب التي تمارسه الأنظمة الشمولية العربية التي تقع في المنطقة العربية وشرق المتوسط.

    لاحقا ألف منيف جزءا آخر من شرق المتوسط أسماه : (الآن..هنا) أعاد به الحديث عن التعذيب في السجون لكنه صورها هنا في بيئة أقرب لبيئة مدن الملح الخليجية.

    ارتبط منيف بصداقة عميقة مع روائي عربي آخر هو جبرا إبراهيم جبرا، توجت هذه الصداقة مؤخرا برواية ثنائية، قد تكون من الأعمال الأدبية النادرة التي تكتب من قبل شخصين ربما على مستوى العالم، والنتيجة كانت (عالم بلا خرائط)، التشابك والتناسق الفني لهذه الرواية كان على درجة عالية يستحيل معها التصديق بأن هذا العمل مؤلف من قبل شخصين اثنين.

    من أواخر أعماله : (أرض السواد) التي أراد ان يتحدث فيها عن تاريخ ومجتمعات العراق.

    حادثة تخريب قبره

    هدم أجزاء من قبر الروائي عبد الرحمن منيف الواقع في مقبرة الدحداح في العاصمة السورية دمشق، حدث ذلك في أواخر شهر مايو من عام 2007 ميلادية دون التعرض إلى رفاتة. أدت هذه الحادثة إلى نشوء العديد من التكهنات عن أهداف وغايات الفعلة وماهي طبيعتهم.[2]،

    عبد الرحمن منيف
    born in Amman, Jordan May 29, 1933
    diedJanuary 24, 2004
    gendermale
    websitehttp://munif.org
    genreLiterature & Fiction, Politics, Philosophy
    ولد عبد الرحمن منيف في عام 1933 في عمان، لأب من نجد وأم عراقية.
    قضى المراحل الاولى مع العائلة المتنقلة بين دمشق وعمان وبعض المدن السعودية.
    أنهى دراسته الثانوية في العاصمة الاردنية مع بدء نشاطه السياسي وانتمائه لصفوف حزب البعث اذي كان يتشكل حديثاً .
    التحق بكلية الحقوق في بغداد عام 1952. وبعد توقيع ” حلف بغداد” في عام1955 طُرد منيف مع عدد كبير من الطلاب العرب الى جمهورية مصر.
    تابع دراسته في جامعة القاهرة ليحصل على الليسانس في الحقوق .
    في عام 1958 اكمل دراسته العليا في جامعة بلغراد ، يوغسلافيا ، حيث حاز على درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، اختصاص اقتصاديات النفط عام 1961.
    عاد الى بيروت حيث انتخب عضواً في القيادة القومية لفترة اشهر قليلة .
    في عام 1962 انتهت علاقته السياسية التنظيمية في حزب البعث بعد مؤتمر حمص وما لابسه من اختلافات في الممارسة والر…more

  • قصيدة / ملكٌ على قارّةِ غيم.. وفي وقتٍ متأخرْ ..وقتٍ متأخرٍ كثيراً ..،  للشاعر/ نزيه أبو عفش / – (اللوحة للفنان الإيطالي pino daeni) ..

    قصيدة / ملكٌ على قارّةِ غيم.. وفي وقتٍ متأخرْ ..وقتٍ متأخرٍ كثيراً ..، للشاعر/ نزيه أبو عفش / – (اللوحة للفنان الإيطالي pino daeni) ..

    /ملكٌ على قارّةِ غيم/نزيه أبو عفش/

    .. وفي وقتٍ متأخرْ ،
    وقتٍ متأخرٍ كثيراً ..

    متأخرٍ أكثر ممّا يسمح الزمان للحمقى من أمثالي،

    في وقتٍ متأخرْ
    على طاولةٍ حجريّة،
    في ظلّ ثلاثِ شجراتِ سروٍ عجوزات
    ( لكنْ غير حكيمات )
    كتبتُ في بالِ نفسي ما يلي :
    بين مفلسٍ ، ومبذّرٍ ، ومريضٍ ،
    وأحمقٍ ، وشجاعٍ ، وقانطٍ ،
    وغريبِ أطوارِ العقل ،
    وعاشقٍ لا يرحم ،
    ومستهترٍ ، وكسولٍ لا يُشقُّ له غبار ،

    وسوداويٍّ بعيدِ النظر في إعرابِ أحوال الدنيا ،
    وصامتٍ ، وبائعِ كلامٍ ، وحالمٍٍ عديمِ الحيلة ….؛

    بين “أنا” هذا و “أنا” ذاكْ
    ضيّعتُ ستين سنةً من حياتي
    هي ، بلا شك ، كاملُ حياتي الحقيقية
    إذا أخذنا في الحسبان
    أنّ المستقبل الذي يتوعّدنا في شيخوخةِ الجسد
    ما هو إلا زمنُ حياةٍ ضائع ….
    اقول “ضيّعت ستّينْ” …

    لأكتشف أخيراً ، وطبعاً بعد فواتِ الأوان

    أن كل ما كان يملكه – شرق المتوسطِ الحزين –
    السيدان العظيمان
    المرحومان أوناسيس ورفيق الحريري
    لا يساوي لديّ – كيفما أجريتم الحسبة –
    متعةَ أن أتامّل في الهواء هكذا … وأقول :
    هذه الغيمةُ العملاقة التي تتدحرجُ في سماءِ كوني ..
    هذه الغيمةُ الشـاسـعةُ
    مثل إقطاعيّة الجدّ تولستوي المعظّم ..
    هذه الغيمةُ التي
    كلُّ مترٍ مربعٍ من دخانها

    يعادلُ لديّ كلَّ أساطيل البحر الأبيض المتوسط
    وعماراتِ وسط بيروت التجاريّ
    ونفطِ الصحارى المنهوبْ

    وكلَّ .. كلَّ مزارع تكساس الجبارّة
    المتخمة بالخيول
    وثيران بوفالو
    وحبالِ ومسدّساتِ رعاة الأبقار
    وقبّعاتِ رؤساء أميركا البلهاء ….

    هذه الغيمةُ السـمينةْ ..
    هذه الغيمةُ المدلّلةْ ..
    هذه الغيمةُ القارّةُ
    الغيمةُ الرؤومُ
    الغيمةُ الدخانُ
    الغيمةُ العدمْ ….
    هذه الغيمةُ لي.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (اللوحة للفنان الإيطالي pino daeni)

    /ملكٌ على قارّةِ غيم/نزيه أبو عفش/

.. وفي وقتٍ متأخرْ ،
وقتٍ متأخرٍ كثيراً ..

متأخرٍ أكثر ممّا يسمح الزمان للحمقى من أمثالي،

في وقتٍ متأخرْ
على طاولةٍ حجريّة،
في ظلّ ثلاثِ شجراتِ سروٍ عجوزات
( لكنْ غير حكيمات )
كتبتُ في بالِ نفسي ما يلي :
بين مفلسٍ ، ومبذّرٍ ، ومريضٍ ،
وأحمقٍ ، وشجاعٍ ، وقانطٍ ،
وغريبِ أطوارِ العقل ،
وعاشقٍ لا يرحم ،
ومستهترٍ ، وكسولٍ لا يُشقُّ له غبار ،

وسوداويٍّ بعيدِ النظر في إعرابِ أحوال الدنيا ،
وصامتٍ ، وبائعِ كلامٍ ، وحالمٍٍ عديمِ الحيلة ....؛

بين "أنا" هذا و "أنا" ذاكْ
ضيّعتُ ستين سنةً من حياتي
هي ، بلا شك ، كاملُ حياتي الحقيقية
إذا أخذنا في الحسبان
أنّ المستقبل الذي يتوعّدنا في شيخوخةِ الجسد
ما هو إلا زمنُ حياةٍ ضائع ....
اقول "ضيّعت ستّينْ" ...

لأكتشف أخيراً ، وطبعاً بعد فواتِ الأوان

أن كل ما كان يملكه - شرق المتوسطِ الحزين -
السيدان العظيمان
المرحومان أوناسيس ورفيق الحريري
لا يساوي لديّ - كيفما أجريتم الحسبة -
متعةَ أن أتامّل في الهواء هكذا ... وأقول :
هذه الغيمةُ العملاقة التي تتدحرجُ في سماءِ كوني ..
هذه الغيمةُ الشـاسـعةُ
مثل إقطاعيّة الجدّ تولستوي المعظّم ..
هذه الغيمةُ التي
كلُّ مترٍ مربعٍ من دخانها

يعادلُ لديّ كلَّ أساطيل البحر الأبيض المتوسط
وعماراتِ وسط بيروت التجاريّ
ونفطِ الصحارى المنهوبْ

وكلَّ .. كلَّ مزارع تكساس الجبارّة
المتخمة بالخيول
وثيران بوفالو
وحبالِ ومسدّساتِ رعاة الأبقار
وقبّعاتِ رؤساء أميركا البلهاء ....

هذه الغيمةُ السـمينةْ ..
هذه الغيمةُ المدلّلةْ ..
هذه الغيمةُ القارّةُ
الغيمةُ الرؤومُ
الغيمةُ الدخانُ
الغيمةُ العدمْ ....
هذه الغيمةُ لي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(اللوحة للفنان الإيطالي pino daeni)
     
  • للشاعر حسن بعيتي أمير الشعراء – صدرتْ أمس مجموعته الشعرية ” صدق خيالك ”  -لأكاديمية الشعر …. في إمارة أبو ظبي ….

    للشاعر حسن بعيتي أمير الشعراء – صدرتْ أمس مجموعته الشعرية ” صدق خيالك ” -لأكاديمية الشعر …. في إمارة أبو ظبي ….

     

    بحمد الله و الشكر من جديد لأكاديمية الشعر …. في إمارة أبو ظبي ….

    صاحبة الفضل ….. و لكل من بذل جهدا …..

    – صدرتْ أمس مجموعتي الشعرية ” صدق خيالك “

    ـــــــــــــــــــــــــ

    حسن بعيتي

    الشاعر حسن بعيتي
    في أمسية شعرية على خشبة مسرح قطر الوطني

    الشاعر حسن محمد بعيتي حائز على إجازة في علوم اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب ـ جامعة البعث بـحمص عام 2003.
    شارك في العديد من المهرجانات الأدبية في المحافظات السورية ونشرت قصائده في دوريات ومجلات محلية وعربية.
    حصل على العديد من الجوائز الأدبية في مجال الشعر داخل سورية وخارجها مثل:
    – جائزة عبد الباسط الصوفي 2006.
    ـ جائزة الجولان 2006-2008.
    ـ جائزة رابطة الخريجين الجامعيين 2005.
    – جائزة الشارقة للإبداع العربي الدورة العاشرة المركز الثاني 2007. وعنها صدرت مجموعته الشعرية الأولى «قطرات».
    الإنجاز الأبرز للشاعر حسن بعيتي كان فوزه بلقب أمير الشعراء 2009، بعد حصوله على المركز الأول في المسابقة التي تنظمها هيئة الثقافة والتراث بإمارة أبو ظبي والتي تقدم لها أكثر من 7500 شاعر من مختلف الأقطار العربية.
    – دعي للمشاركة في ملتقى الجولان العربي الدولي الذي شارك فيه أكثر من 1400 شخصية من جميع أنحاء العالم.
    قريباً ستصدر مجموعته الشعرية الثانية «كلما كذب السراب»
    كما سيتم إطلاق الموقع الإلكتروني الخاص به.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    جامعة البعث تقيم اللقاء الشعري الأول للشعراء العرب الفائزين

    بجائزة أمير الشعراء

     

    أقامت جامعة البعث في حمص بالتعاون مع مديرية الثقافة اللقاء الشعري الأول في سوريةللشعراء العرب الفائزين بمسابقة «أمير الشعراء»، وذلك على مدرج الباسل بكلية الهندسة المدنية، أمس الاثنين 22 آذار 2010.

    هذا وأفادت وكالة الأنباء سانا أنّ الشعراء: حسن بعيتي وحكمت جمعة وقمر صبري الجاسم من سورية، وبسام صالح مهدي ووليد الصراف من العراق، وتركي عبد الغني من الأردن قد قدموا عدداً من القصائد حول موضوعات متنوعة.

    ومن الجدير ذكره أنّ «جائزة أمير الشعراء» هي جائزة تنظمها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في دولة الإمارات العربية المتحدة. وتسعى المسابقة إلى النهوض بشعر العربية الفصحى والارتقاء به وبشعرائه والترويج له في الأوساط العربية، وإحياء الدور الإيجابي للشعر العربي في الثقافة العربية والإنسانية وإبرازه رسالة محبة وبشير سلام، بالإضافة إلى عمل قاعدة بيانات واسعة لشعر الفصحى وشعرائه ونقّاده والعاملين في مجاله ونتاجاتهم في جميع المجالات والوسائط في الوطن العربي.

     

  • الشاعر والكاتب سليم بركات قي روا يته “معسكرات الأبد” بمشهد لصراع عنيف بين ديكين “رش ” و”بلك يؤرخ لــ” الشعب الكردي بالقامشلي   – الكاتب : طه خليل ..

    الشاعر والكاتب سليم بركات قي روا يته “معسكرات الأبد” بمشهد لصراع عنيف بين ديكين “رش ” و”بلك يؤرخ لــ” الشعب الكردي بالقامشلي – الكاتب : طه خليل ..

    سليم بركات

    مجلة نزوى – تصدر عن مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان

    سليم بركات: في روايته معسكرات الأبد

    طه خليل

    ما يزال الشاعر والكاتب سليم بركات يشرع في كتابته في الأجواء والعوالم الكردية وتبدأ روا يته “معسكرات الأبد” بمشهد لصراع عنيف بين ديكين “رش ” و”بلك ” ومن خلال سرد الكاتب لحيثيات ووقائع هذا الصراع يحدد لنا في الوقت نفسه ، القطعة الجغرافية التي ستدور عليها أحداث الرواية فيما بعد: وفي دورانهما المتحفز، كانا يتركان أثارا خشنة في الطين الخريفي على الهضبة المشرفة على الجسر الذي يصل السهل الكبير بالبلدة المتناثرة شمالا، في آخر حقول القمح المشطورة بالطريق الأسفلتي، المتعرج كخاطرة لن تستكمل. ص 7.

    يرصد الكاتب في روايته هذه ، كما في روايتية السابقتين ” دفقها، الظلام ” و “الريش ” حياة عائلة كردية ، في مدينته “المتناثرة شمالا”: قامشلي ، حيث يؤرخ من خلالها لحياة شعب منسي في الشرق (الشعب الكردي). يؤرخ لوجوده “الأثنوجيوغرافي ” في تلك الأرض المباحة لما يهيئه لها الآخرون دائما.

    عائلة ” موسى سوزان “، أو بالأحرى بناته الخمس : ” هدلة ، بسنة ، جملو، زيري، ستيرو” وحفيدته “هبة ” (ابنة هدلة وأحمد كالو)، ست نساء يعشن في منزلين بعد مقتل والدهن ووالد تهن “خاتون نانو” ومعهما زوج هالة ووالد هبة “أحمد كالو”.بأيد مجهولة في مكان قريب من الثكنة العسكرية الفرنسية. (تقع أحداث الرواية في أوا خر أيام الوجود الفرنسي في المنطقة ). من الصعوبة – كما أعتقد – حصر أحداث الرواية هذه بملخص قصير، كما تعودنا أن نفعل حين الكتابة عن رواية ما، وهذه أحدى المزايد التي تميز كتابات سليم بركات – لاسيما في روا يته هذه ورو ايته “أرواح هندسية ” – من قبل – فالأحداث والاستطرادات تتراكم من خلال استلها مات وتوليدات ، توجدها سصائر “واقعية – فانتازية !” لكائناته الروائية أعانت هذه الكائنات بشرا أم حيوانات ، أم نباتات أم طيورا، أم أمكنة وكل كائناته الروائية هذه حائرة ، وقلقة ، تقدم على الشي ء، ثم تنفر منه لشي ء آخر! وبذلك فان أية محاولة تصنيفية يقوم بها الدارس لعمل سليم بر لحات هذا، هو ضرب من الخيال !. فهو في

    كتاباته محارب عنيف ، عدته لفة هائلة في ثراء مفرداتها، وجمله اللغوية هي بمثابة فيالق عسكرية تتوزع على كل أطراف الرواية ،وهو يوجهها، ويقودها بخيوط دقيقة وقوية ، يستمدها من تاريخه الشخصي، ضمن نطاق الحياة الكردية ، وطقوسها المباحة لأقدار و” مهازل ” تاريخية.

    ولكن الكاتب لا يستغل ، قطعا، تفوقه “الاستراتيجي” اللغوي هذا لاستيهام القاريء ،وجره لعوالم لا معنى لها على الصعيدين الفني الحسي والمعرفي ، كما يفعل بعض كتاب (الرواية الشعرية ).

    حيث تستهويهم “اللعبة”، فينسون أشخاص الرواية وأقدارهم ، ومشاغلهم ويستمرون في عملية التسول اللغوي الى حد الوصول الى الثرثرة اللغوية ، أيا كانت درجة ومستوى البناء اللغوي لديهم ، لكن سليم بركات يربط أرجل شخوصه باللغة ، ومهما بعدت به المسافات اللغوية فانه يظل يقدم الينا حالة وصورة الشخص الذي يرسمه في ذهننا،ودون انقطاع.

    وعلى الرغم من أن الكاتب يقسم روايته الى فصول عديدة : (الموازين والسلالم ، المياه وحرائقها ، كمائن الفراغ ، أحلاف الغيم ، القيامة ). فانه لا يبدد من آلية تسلسل الأحداث ، بل إن هذه العناوين بحد ذاتها هي إضافات أخرى لحالة الانطواء والعزلة في نفوس أشخاصه ، أولا.

    وثانيا : تأكيد للفة استبطانية تدعونا للدخول في عالم روا يته (السحري) إلا انه عالم موجود لكنه معزول ، وبعيد عن متناول أيدي الباحثين وعلماء الأجناس والجغرافيات ، وربما هذا ما يستدعي من الكاتب ان (يغال ) في تقديمه لكل هذه التفاصيل ، والدقائق في الحياة اليومية لأشخاصه ، لاسيما النساء،فلهن دائما، الحضور الأكثر ، والأخصب في كتاباته.

    والآن ليس لي إلا أن أوجد خطوطا رئيسية ، تسير عليها الأحداث في ” معسكرات الأبد”

    1- أحداث ترسمها بنات موسى سوزان ، وحفيدته هبة.

    2- أحداث تحركها شخصيات موسى سوزان ، وزوجته

    خاتون نانو، وصهرهما أحمد كالو، ومن ثم حين يعودون أشباحا بعد مقتلهم.!

    3- أحداث يقوم بها ضيوف طارئون ، ” مكين وأختاه : نفير وكليمة “، ومعهم “حمال الأمتعة والأقفال يدعونه بـ،” الكلب “.!

    4- أحداث تتعلق بأعمال الحامية الفرنسية فوق الهضبة وفي المنطقة بشكل عام.

    5- أحداث يشترك بها الديكان “رش ” و “بلك ” وثلاث إوزات ،وكلبان “توسي وهرشه “.

    6- أحداث متفرقة تتعلق بانتفاضات (انتفاضة الشيخ سعيد آغا الأقوري) وبدو.. وغجر.. وهداهيد والسائق نعمان حاج مجد لو، وحارس النهر جاجان بوزر، وطيور و..

    ومن خلال هذا الترسيم ، أو الفرز (القسري) يمكن لنا الآن أن نتحدث عن البنية ، أو الهيكلية التي تقوم عليها الأحداث الروائية في “معسكرات الأبد”:

    بعد أن يزوج موسى سوزان ابنته هالة _ “أحمد كالو” ينضم هذا الأخير الى العائلة ، تاركا والديه وأخرته ، وما أن يعلن سعيد آغا الأقوري عن انتفاضته المزمعة ضد الوجود الفرنسي حتى يقرر موسى وصهره أحمد الالتحاق بها، فيذهبان الى بلدة “عامودا:” للانضمام الى رجال الأقوري ؛ لكنما الانتفاضة تنكسر ويتشتت شمل المنتفضين ، بين قتيل وجريح وفار، كيف لا، وهم يحار بون بالي، وبعض الأسلحة البدائية ، على ظهور الخيل والبغال ، جيشا قويا يستخدم الطائرات ، والمدافع وفي آخر معركة بين الطرفين ، يفر الأقوري باتجاه الحدود نحو كردستان الشمالية

    (في تركيا). ليختفي من الأحداث ، بعد مصير مجهول ويعود بعد فترة شبحا، يشارك الأشباح الأخرى في تحريك أقدار الآخرين على ” قيد الحياة “.

    أما موسى موزان وصهره أحمد كالو فينجوان من الموت ، ويعودان الى “البلدة المتناثرة “، كي يقوما بعمل آخر، وهو فتح ساقية أو مجرى مائي من النهر الصغير المار بالقرب من الهضبة محاولين إيصال هذا المجرى الى بيت غامض ، تخفيه أشجار الترتب ، حيث ينبعث من أساسات هذا البيت دوي هائل كصوت الطاحون ، وحين يسأل أحمد كالو عن هدفهما من هذا العمل اليومي الشاق ، يرد عليه موسى سوزان قائلا: لابد من مياه يا أحمد، لابدعن مياه ليبقى مختبئا هناك ، مشيرا بيده الى المنزل غربي الجسر. ص 103.

    وهذا المختبيء هو “المخلوق الناري” كما يسميه الكاتب ، وكما يصفه موسى لصهره ،ولذلك فعليهم أن يوصلوا المجرى بأساسات هذا البيت ليتبرأ جسم المخلوق هذا: ويظل المخلوق الناري مختبئا في ذلك البيت المهجور، وكأنه القدر الأخير لشعب كامل ، يخفي آخر أثر منه كي لا يلفيه المتسلطون وقد قرروا أن يلفوا ويمحوا كل ما يدل على معالم وهوية هذا الشعب. ص 104.

    أما بنات موسى موزان وحفيد ته هبة ، فيحركن الأحداث عبر خيوط خفية وهمهمات (نسائية ) لا سيما حين يرقدن في أسرتهن استعدادا للنوم ، إذ يستعدن تفاصيل اليوم والعالم من حولهن وينسجنها بخيالاتهن المريرة ويثرثرن عن أشياء يتداخل فيها الواقعي بالخيالي والأسطوري باليومي، وهبة هي الأحر حضورا في مسرح الأحداث ، صبية فضولية بالمعنى الشمولي والأكبر، تبحث عن أي شيء وفي ، كل شيء وهي لم تر طائرة من قبل ، ولا السينما، ولا السفن ، إلا ما سمعته من خالتها “ستيرو” وهي تصف لها صورة لسفينة “نوح ” التي رست على جبل “جودي” هذا الجبل الذي يقع في الطرف الآخر من الحدود القريبة من منزلهن (في كردستان تركيا ) وهبة هي الرسول الأكثر سرعة في نقل أخبار المستأجرين لمنزلهن الغربي، لأمها وخالاتها، بل أنها ترافق أبدها وجدها أثناء عملهما اليومي، في حفر الساقية تلك ، كما وانها تحاول مع المستأجرين ، فيما بعد الوصول الى ذلك البيت – حيث المخلوق الناري – وقد صار هذا الأمر يعنيها، دون أن تعرف لماذا وكيف ؟ وكان جدها موسى موزان يشرح لها الكثير عن ذلك البيت ، والمخلوق الناري؟ وتدفعها رغبة غامضة ؟ ذات مرة أن تقوم بعمل ما ضد هؤلاء الجنود الفرنسيين ، بعد مقتل والدها وجديها: وقد حاذت هبة آخر مركبة تشكل مؤخر القافلة ،وهي لم تكن غير ” جيب” عسكرية : تقل جنديين ؟. وهما يلويان عنقيهما صوب هبة الراكضة ، التي لم تفارق عيناها وجهيهما.. وبغتة توقفت الفتاة عن الركض.. لتستل حجرا مل ء قبضتها وتتابع بعد ذلك ركضها صوب الجيب من جديد… فيما لاح للفتاة ،للمرة الأولى ، شبح بندقية مركونة الى فخذ الرجل.. فخففت من هرولتها، ثم أرخت يدها المرفوعة بالحجر وتوقفت في منتصف الطريق الأسفلتي تشيع القافلة ببريق في عينيها لم يكن غضبا، بل هو لهفة الى المضي في لعبة تؤجل مرحها.. وقد أرخت هبة بعد ذلك قبضتها عن الحجر دون أن تسقطه. ص 68- 69.

    والنساء الخمس ، إذن ، يؤجرن المنزل الغربي لضيوف طارئين ،دخلوا البيت أثناء غيابهن وحين عدن من التقاط الحشائش قرب النهر – الذي يحرسه جاجان بوزر، من قدر خفي – تفاجأن بوجود هؤلاء في منزلهن ! (مكين وأختاه نفير وكليمة ، و مخلوق حمال الأقفال والأمتعة ، وكانوا يدعونه “الكلب “)!! وبعد مداولات ونقاشات يحسمن الأمر ويؤجرن المنزل لهؤلاء الذين يحملون معهم الكثير من الخرائط والرقائق والمعادن والأقفال ، وكأنهم ” بعثة للآثار” ويبدو انهم قد أتوا من كردستان الشمالية (في تركيا)، وفي الليلة الأولى ، يدفع الفضول ببنات موسى لاكتشاف سر هؤلاء الضيوف ، فيرسلن هبة تحمل لهم طعام العشاء، ومن ثم تستطلع أخبارهم ، وحين تدخل غرفتهم تجد أن كل شي ء قد تبدل ، وكان مكين يجلس قبالة “الكلب” ينظر كل منهما في الآخر وبينهما قطع الحديد والأقفال في حين كانت كليمة متكئة بمرفقها على وسادة وأمامها رقعة جلدية مستطيلة عليها رسوم وخرائط عليها إشارات وخطوط ومربعات ، تقول كليمة لهبة التي جلست تتفرس معها في الرقعة الجلدية : هذا جلد مرسوم عليه بيتكم.. وفي الأسفل.. هذا هو الجسر، تعرفين الجسر؟ واستطردت وهذا هو النهر ،”تعرفين الجسر؟”، فتمتمت هبة مؤكدة : تنزله إوزاتنا كل يوم ،وهذه هي الهضبة أضافت كليمة.. ثم نقلت بصرها مسافة صغيرة : “هذا…” وتضيف هذا موقع الجن !

    – أتعنين الجن حقا؟

    -“الجن !” رددت كليم العبارة ضاحكة وهي تبدي استغرابا كأنما لم تتفوه باسم تلك المخلوقات قبل برهة ثم غمزت هبة بإحدى عينيها: “الجن ؟” لابد انها تسكن هذا المكان ” وطأطأت فاختفى وجهها في الظل الذي انسدل كقناع عليه : الا

    تسمعين الصخب ؟. ص 34.

    وبعد أن تشير لها كليمة على الخريطة وتشرح لها الأماكن موضعا إثرا موضع بدأت الأسئلة المؤجلة عن ذلك البيت ، الخفي بين شجرات التوت:

    – لابد أن أحدا زار هذا البيت.

    فردت هبة دون مقاومة : “أبي كان يزوره مع جدي”.

    – أبوك وجدك ، قالت كليمة دون أن يكون في نبرتها أي تساؤل ،فكرت هبة : ” أبي وجدي من زمن بعيد”.

    وحين تعود هبة من عندهم ، تبدأ أمها وخالاتها بالأسئلة عن المستأجرين ، إلا أن هبة تتردد في الإجابات الكافية لفضولهن ؟ وعندما يكتفين بما عرفنه من أخبار الضيوف ، يقررن النوم إلا أن هبة لم تستطع النوم : بل ألقت فكرها الى مكين الذي بدا لها – حين نظرت اليه لمحا، في جلسته قبال “الكلب ” – قريب الملامح الى شخص ما، لم تتأكد ذاكر تها أنها رأته بل توجسته. وقد عمدت “هبة ” الى مقارنة غير مفصلة بين “مكين ” وأبيها “أحمد كالو” فتشتت حكمها.. بينما قربت هبة رأسها أيضا من وسادة أمها لئلا تسمع همسها خالاتها:

    – أكانت لأبي غمازتان ؟

    غمغمت “هدلة ” حروفا غير مفهومة… كانت أبعد، قليلا، في فكرها، من أن يصلها سؤال هبة الصغير. وهو سؤال لم يصل – بالطبع – مسامع الكلبين “توسي ” و “هرشة ” المتكومين داخل فجوة في سور الخرنوب ، ولو وصل مسامعهما لما حرك فيهما ساكنا ص 52.

    وسليم بركات له الشأن الأكبر مع هذه الجهة ، في كتاباته فالجغرافيا هي من الشواغل الهامة في هذه الكتابات ، وللمكان سلطته الأقوى على الدوام ، المكان بكل حيراته ، من طيور ونبات وحيوان وإنسان. وله فلسفته الخاصة في تناول المكان : “إنها النعمة أن يردك المكان ” وصمت برهة يتأمل وجه صهره المشتت في ظل نقابه : “نحن لا نرى هذا الذي نواه ” قال ذلك مقتربا من صهره الشاب المغلوب على أمر أسئلته الخفية : “المكان هو الذي يرانا، يا أحمد” وكأنما استدرك الجملة التي كانت مدخلا ال محاور تهما ، فتمتم على نحو من يقنع شخصا، بكلام فيه يقين أخير: “حين يتغير المكان.. حين..” وتطلع من حوله مستجليا دائرة كبيرة من ذلك المدى الترابي:”نغادر هذه الهضبة ، حين تتغير هذه الهضبة.” ص 130- 131.

    وفي مكان سابق يقول على لسان موسى: “حين نعرف شخصا ما، نعرف المكان أيضا”، ص 81 والكتابة عن المكان لا تأتي كتحصيل حاصل ؟ بل نجد المكان يؤثر بالحدث الروائي ووحدة السرد مع العلاقة القوية بشخوص الرواية من جهة ، ومن جهة ثانية _”المكان وكائناته “، ثمة صلات عاطفية مكتومة أو معلنة يفصح عنها الكاتب بوضوح ، فهناك عواك دائم بين الديكين “رش ” و “بلك ” وكأنهما الصدى الخافت أو الصورة الغامضة لبشر البلدة المتناثرة جميعهم وثمة كلبان “توسي”، و” هرشة ” وإوزات ثلاث وهداهيد ودجاج وغربان تمر مسرعة من فوق الهضبة وهي تحدق بعينيها الى أقد ار الأرض ، ويفتتح – كما قلت –

    روا يته بعراك الديكين هذا العراك الذي هو على الأغلب نذير حادث أو حوادث تقع ، لكائنات حية ، أو لا مرئية ، حيث تشارك هي الأخرى في الأحداث (الأشباح العائدة ): والأرجح انهما – كديكين لا ينطقان – لن يفسرا ذعرهما قط لأحد، إلا أن عيني شبح “خاتون نانو” كان في مستطاعهما رصد القلق العارم للطيرين ، الذي هو مؤشر كل مرة على حدوث ما يحدث بين فترة وأخرى منذ الأزل أسفل الهضبة. ص 219.

    والكتابة التاريخية هذه لا تأتي – كما قلت – ضمن سياق تاريخي محض ، أو وصف لمشاهد من حياة آفلة ، أو على شاكلة وصف سياحي! بل هي بحث عميق في ماهية ووجود هذه الهوية البشرية التي ينتمي اليها، فشخوص رواياته مكسورة ، ومقبلة دوما على مصائر تراجيدية ، وهناك على الدوام إحباط نهائي لكل البطولات الخرافية التي تقدم عليها هذه الشخصيات ،ولعل هذا يعود الى ذاكرة الكاتب الطفولية ، فالبقعة الجغرافية التي عاش فيها الكاتب طفلا، هي بقعة مريرة ، عنيفة ومتوحشة. أطفال يضعون نبات الخرشنة في أنوفهم لتسيل دماؤهم ويتباهون بالذي تسيل دماؤه أكثر! هكذا أراد لهم الكبار ، أن يقوموا بما عجزوا عنه ، من قبل.

    وهذه العودة الدائمة الى الطفولة لدى الكاتب ، هي بمثابة اقتصاص وثأر من ذاك التاريخ كله فماذا كانت تفعل تلك المداحل والآلات على الهضبة في “معسكرات الأبد” ؟ لم يجرؤ أحد على إجابة كان يعرفها الكثيرون ، ولا العمال كانوا ليسألون عن غاية ما يقومون به : إنهم بتحديد بسيط لم يسألوا عن غاية عملهم ، إذ حسبهم – كما قيل لهم – ان يمعنوا في جعل السهل المترامي مستويا كظهر جندب ، قبل رصفه بحجارة تفرغها الشاحنات أكواما ينهالون عليها بالمطارق حتى تتشظى رقيقة ثم تأتي المداحل فتسويها بالأرض. ص 136.

    والجانب الآخرالذي أود التطرق له فهو الجانب الشعري في الرواية ،، وأقول “الجانب الشعري” والواقع ان الرواية عند سليم بركات هي رواية شعرية ، أكيدة ، وهو ذو حساسية عالية في قضايا الوعي الجمالي اللغوي وكثيرا ما يقودنا – وعيه هذا – الى قراءة صفحات عدة في الرواية كقراءة شعرية فحسب ، لولا أنه يعيدنا سريعا الى الحدث الروائي، أو الزمن الذي تلفيه هذه الكتابة الشعرية ، وبذلك فالزمن في الرواية هو على الأغلب منداح وتدويري ويتم التعامل مع الزمن من خلال علاقته بكل شخصية على حدة ، ففي الزمن الذي كانت “هبة ” تهرول وراء الجيب العسكري، كان في الزمن نفسه ،تقوم الأشباح العائدة من موتها بمشاغلها والكاتب يشير الى هذه المسائل الزمنية خلال سرده للأحداث ، وهذه الاشارة من جانب الكاتب تأتي مقابل الزمن الملفي أثناء الكتابة “الشعرية ” والتي هي إحدى ضرورات الحبكة الروائية المحكمة لديه ، ومن هنا يمكن القول : إن هناك مستويات عديدة في اللفة الشعرية التي يسوغها الكاتب ويكتب بها روايته ،إذ أن المستوى الأول والأهم

    _ يه كما أرى هو ذلك النزوع أو الميل الشديد والعنيف نحو لتكثيف اللغوي،حيث ينزاح “المباشر” أو “الوضوح” و”الانشاء لمدومي” الذي يقع فيه غيره من كتاب هذا النوع من الرواية. لمحظة التخيل للحظة هي التي تدفعه لهذه اللفة الشعرية ، او لمجازية ، ولا بأس من أن تكون الرواية هي الاخري تحمل على صفحاتها ذلك الأفق المفتوح على نصوص مفتوحة على مدى مخيلة لقاريء ، ولم لا يكتب “الرواية بعدة الشعر،والشعر بعدة الرواية “: ليس غاية الكاتب في النهاية الاختلاف : والذي يميز اللغة الشعرية دي سليم هي أنها بمثابة الفعل المساعد لتفجير المعنى، حتى وإن ئانت هذه اللغة لا تستخدم ز غير المكان الذي حدده “الاسلاف” أكثر اللغة مجاز، وليست حقيقة ، كما يرى ابن جني.

    ولهذا أيضا قد يصعب على الكثيرين اكتشاف ما يسمى _(المحلية ) في هذه الأعمال ، رغم إنها تكاد تضج وتتفجر :لتصدقها الشديد، بذاك العالم ، الواقعي والوحشي والمجهول _لنسبة للآخرين ، بل واقعية سليم و(محليته لم هما منبع لغرائبية لديه ، إذ يجهل القاريء المكان الذي يكتب عنه ومنه لكاتب ، فمن يعتقد أن “جاجان بوزر” الذي لا عمل لديه إلا تراسة ماء النهر، ليلا ونهارا، أو مطاردة الغيوم ، هي شخصية ن أبناء أفكار الكاتب ، فهذه سشكلته في فهم (الواقعية لمريرة ،أو حتى الواقعية الاشتراكية ) وليست مشكلة الكاتب.!!

    والحقيقة أن هذه الشخصيات (الأسطورية لم ربما كان غلبها على قيد الحياة ، ما تزال في تلك البلدة “المتناثرة شمالا” – قامشلي – وهذا الواقع (السحري ) يبتدعه الكاتب ، ليبهر به لقراء، وهو لم يصنعه بكل تأكيد، بقدر ما هو من صنع ” دول ” “أنظمة ” أرادت له أن يكون هكذا، فكان. وسليم بركات يدخل هذا (السحر المرير) بلفة هي من حقه أن يتخذها (سلاحا) يقتص من كل الأحداث والغرائبيات التي عاشها هناك. ومثلما فتتح الكاتب روايته بعراك الديكين ” رش ” و “بلك ” فهو ينهي لرواية بهما وكأنهما الشاهدان الوحيدان ،يتعاركان على حقيقة مخفية ، ومخيفة ، هي حقيقة ذاك ” الشمال ” الذي يتجه اليه مليم بركات كلما فرش أمامه سجادة الكتابة ،ليكتب.

    يتحدث في آخر سطوره عن الديكين : “كانا دون صوت في عراكهما هذا، على غير عادتهما التي درجا فيها على الصياح الاستعرامي الكثير،…ما ريشهما فلم يكن ريشا ذلك اليوم بل هالات من شحوب الغيم تمس جسديهما وتنفصل ، تتمزق وتلتحم ، وهما يتدحرجان دائريا على الطريق الاسفلتي المنحدر شمالا صوب الجسر الصغير الذي لا عمر له. وحين جاوزا الجسر انحدرا غربا، من الحافة العالية للطريق ، ليغيبا بين شجرات التوت. ص 270”.

    وبعد،قد يجد القاريء نفسا ينزلق هو الآخر “شمالا” ويتجه صوب شجرات التوت ، التي تخفي ذلك البيت الغامض ، حيث لمخلوق الناري، وهناك ، حين نصل الي سؤال يمكن لنا أن نلقيه على شبح أكيد، متبق من آثار ذلك المخلوق الذي رحل الى جهة..المياه ؟!

    طه خليل (كاتب سوري)

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    سليم بركات
    سليم بركات روائي وشاعر وأديب كردي سوري من مواليد عام 1951 في مدينة القامشلي، سوريا, قضى فترة الطفولة والشباب الأول في مدينته والتي كانت كافية ليتعرف على مفرداته الثقافية بالإضافة إلى الثقافات المجاورة كالآشورية والأرمنية. انتقل في عام 1970 إلى العاصمة دمشق ليدرس الأدب العربي ولكنه لم يستمر أكثر من سنة، ولينتقل من هناك إلى بيروت ليبقى فيها حتى عام 1982 ومن بعدها انتقل إلى قبرص وفي عام 1999 انتقل إلى السويد.

    أسلوبه
    أعماله تعكس شخصية أدبية فريدة، كما كانت أعماله الشعرية الأولى تنبئ بمولد أديب من مستوى رفيع… وبالفعل أتت أعماله التالية لتقطع أشواط وأشواط في عالم إبداعي لم يعتد عليه قرآء الأدب المكتوب باللغة العربية. كما جاءت أعماله مغامرات لغوية كبري، تحتوي على فتوحات في الدوال والمعاني والتصريفات. طبعاً أضيف إلى ذلك أن سليم عمل على إحياء الكثير من الكلمات العربية التي كانت ميتة تماما واستطاع توظيفها ضمن قالب احيائي فريد.

    أعماله
    * كل داخل سيهتف لأجلي، وكل خارج أيضاً (شعر)
    * هكذا أبعثر موسيسانا (شعر)
    * للغبار، لشمدين، لأدوار الفريسة وأدوار الممالك (شعر)
    * الجمهرات (شعر)
    * الجندب الحديدي (سيرة الطفولة) (سيرة)
    * الكراكي (شعر)
    * هاته عالياً، هات النّفير على آخره (سيرة الصبا) (سيرة)
    * فقهاء الظلام (رواية)
    * بالشّباك ذاتها، بالثعالب التي تقود الريح (شعر)
    * كنيسة المحارب(يوميات)
    * أرواح هندسية (رواية)
    * الريش (رواية)
    * البازيار (شعر)
    * الديوان (مجموعات شعرية في مجلد واحد) (شعر)
    * معسكرات الأبد (رواية)
    * طيش الياقوت (شعر)
    * الفلكيون في ثلثاء الموت: عبور البشروش (رواية)
    * الفلكيون في ثلثاء الموت: الكون (رواية)
    * الفلكيون في ثلثاء الموت: كبد ميلاؤس (رواية)
    * المجابهات، المواثيق الأجران، التصاريف، وغيرها (شعر)
    * أنقاض الأزل الثاني (رواية)
    * الأقراباذين (مقالات في علوم النّظر)
    * المثاقيل (شعر)
    * الأختام والسديم (رواية)
    * دلشاد (فراسخ الخلود المهجورة) (رواية)
    * كهوف هايدراهوداهوس (رواية)
    * المعجم (شعر)
    * ثادريميس (رواية)
    * موتى مبتدئون (رواية)
    * السلالم الرملية (رواية)
    * الأعمال الشعرية (مجموعات)
    * شعب الثالثة فجرا من الخميس الثالث (شعر)
    * لوعة الأليف اللا موصوف المحير في صوت سارماك (رواية)
    * ترجمة البازلت (شعر)
    * هياج الإوزّ (رواية)
    * التعجيل في قروض النثر (مقالات)
    * حوافر مهشمة في هايدراهوداهوس (رواية)
    (less)

  • إليكم قصيدة /  ما بينَ تونُسَ والشَّآم / مُهداة إلى أهلنا في تُونُس بمناسبة مهرجان الزهور في سُبيطلة  – شعر المحامي المقاوم / منير العباس / .. – سوريا – حمص ..

    إليكم قصيدة / ما بينَ تونُسَ والشَّآم / مُهداة إلى أهلنا في تُونُس بمناسبة مهرجان الزهور في سُبيطلة – شعر المحامي المقاوم / منير العباس / .. – سوريا – حمص ..

    580599_224079054398506_1454880662_n

    المحامي منير العباس

    سوريا – حمص

    قصيدة مُهداة إلى أهلنا في تُونُس بمناسبة مهرجان الزهور في سُبيطلة مابينَ الثلاثين من شهر آذار والسادس من شهر أيار لعام 2014
    ما بينَ تونُسَ والشَّآم
    مِن بَعْدِ باسمِ اللهِ والصَّلواتِ

    *** أُهدي السَّلامَ لسادَةِ السَّاداتِ

    أبناءَ تونُسَ مُهجَتي حِلٌّ لكُمْ

    *** أنتُمْ شهيقُ الرُّوحِ في الزَّفَراتِ

    مِنْ شامِنا جِئنا نزُفُّ زهورَنا

    *** لعَرينِكُمْ فلتحفَظوا الزَّهَرَاتِ

    جئنا هُنا نُلقي السَّلامَ عليكُمُ

    *** ونُصافِحُ الإخِوانَ والأَخَواتِ

    جِئْنا وجلّقُ(1) حَمَّلَتنا قُبلةً

    *** لِجباهِكُمْ ، فتَقَبَّلوا القُبُلاتِ

    ***
    ما بَينَ تونُسَ والشّآمِ أُخُوَّةٌ

    *** وَمَحَبَّةٌ تَبقى لِبَعْدِ مَمَاتِ

    فَدِمشقُ تزهو بالعروبَةِ هاهُنا

    *** وهُناكَ تونُسُ آيةُ الآياتِ

    لرِجالِ شَعبِهِما وَجَيْشِهِما أَبٌ( 2 )

    *** دَحَرَ الغُزاةَ وَأَفشَلَ الغَزَواتِ

    وَمَواثِقُ القاداتِ ما فَتِئَتْ على

    *** مَرِّ الزَّمانِ زَكيَّةَ الثَمَراتِ

    لا ضَيمَ يَقْرُبُ ” تُونُساً ” وَفُؤَادُها

    *** في صَدرِ ” جِلَّقَ ” دائِمُ النَّبَضاتِ

    إنْ شَحَّ(3) دَفقُ الشَّهْدِ(4) في أَنهارِها

    *** يُسْقى ” مُجَرَّدةٌ(5) ” رَحيقَ(6) ” ” فُراتِ(7)”

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) جلّقُ: هي العاصمة السورية دمشق ويعود نشوء دمشق إلى تسعة آلاف سنة قبل الميلاد، كما دلت الحفريات بالقرب منها في موقع تل الرماد – (2) أَبٌ: المقصودُ بالأب هنا هوَ يعرب أبو العرب – (3) شَحَّ : شَحَّ الماءُ : قلّ وعسُرَ –
    (4) الشَّهْد: هوَ عسل النَّحل ما دام لم يعصر من شمعه – (5) مُجَرَّدةٌ : نهرٌ مشهورٌ في تونُس – (6) رحيق : الرَّحيق هو الخالص الصَّافي من خمر الجنة – (7) فُراتِ : الفرات نهر مشهور في سورية

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    ما بَينَ ” قَرطاجٍ(1) ” و ” حمصَ(2) ” أوابدٌ(3)

    *** تَحكي لنا عَن تالِدٍ(4) ولِداتِ(5)

    وَ ” صَفَاقِسٌ(6)” غَابَاتُها كَمْ قَبَّلَتْ

    *** ” رأسَ البَسِيطِ(7)” وَ ” فَرْلَقَ ” الغَاباتِ

    و ” القيروانُ(8)” فِطامُها(9) كَضَياغِمٍ(10)

    *** تحمي عرينَ الأُسْدِ واللَبَواتِ

    أنْسَامُ ” سُوسَةَ(11)” قَدْ غَدَتْ ” طرطوسُنا(12)”

    *** في حِضنِها تَغْفُو بِغَيرِ سُباتِ

    أمْواجُ شاطِئِها تُعانِقُ ساحِلاً

    *** في ” اللاذقيَّةِ(13)” مَورِدِ الخَفِراتِ(14)

    وَجِبالُ ” خَمْيَرَ(15)” في عَمَامَتِها غَفَا

    *** ” شَيخُ الجِبالِ(16)” وَقَاهِرُ العَثَراتِ(17)

    قِمَمُ ” الشَّعانِبِ(18)” ” قَاسَيونُ(19)” دِثارُها

    *** وَمَنارُها في حالِكِ الظُّلُمَاتِ

    هَلْ باجَةٌ، بَنْزِرتُ ، تُوزَرُ ، قابِسٌ

    *** جَندُوبةٌ ، زَغْوانُ ، أو قَفْصَاتي(20)

    إلاَّ دِمشقُ وَحِمصُ أَو طَرطوسُ أو

    *** دَرعا وَدَيرُ الزَّوْرِ أَو كَحَماةِ ؟(21)

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) قَرطاجٍ: مدينة تونسية هدمها الرومان في عهد الأميرة عليسة وأعادوا بناءها فيما بعد وبعد أن ألحِقت بامبراطوريتهم – (2) وكذلكَ حمصَ مدينة سورية أحرق الرومان حاضرتها المعروفة حالياً باسم تدمر في عهد الملكة زنوبيا – (3) الأوابدٌ: المقصود بها المعالِم والآثار – (4)ٍ تالِد: التالِدُ هو القديم الموروث غير المكتسب – (5) لِدات: جمع لِدة واللِّدَةُ : التِّرْبُ وهو الذي وُلِدَ يومَ وِلادِتك والمقصود هنا أن أوابدَ قرطاجٍ وحمصَ تحكي لنا قصة الماضي والحاضر – (6) صفاقس: مدينة تونسية وهي عاصمة الجنوب ومشهورة بغاباتها – (7) رأس البسيط منطقة في محافظة اللاذقية بسوريا مشهورةً بغابات الفرلق – (8) القيروان: مدينة تونسية بناها عُقبة بن نافع سنة 50 للهجرة والقيروان هي المدينة المقدسة الرابعة لدى المسلمين بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة. والقدس الشريف – (9) الفطام: قَطْعُ الولَد عن الرَّضاع والمقصود هنا أطفال القيروان الذينَ فُطموا عن الرضاع – (10) الضَّياغم: جمع ضيغم والضَّيغم هوَ الأسد – (11) سوسة: مدينة تونسية ساحلية – (12) طرطوس : مدينة سورية ساحلية – (13) اللاذقية : مدينة ساحلية سوريَّة – (14) مَورِدِ الخَفَراتِ: المورِد : يُقصد بهِ النبعُ والمنهل والخَفِرات هن شديدات الحياء – (15) جبالُ خَمْيَر : هي جبالٌ مشهورةٌ في تونُس – (16) شيخ الجبال: يُقصد بهِ جبل الشيخ وهو من أشهر الجبال في سوريا – (17) العثرات : جمعُ عَثَرَة وهي الذلَّة وكذلكَ تعني الحرب – (18) قمم الشَّعانب : جبل الشَّعانبيّ هو أعلى مرتفع في تونس إذ تبلغ قمته 1544م. يقع في الوسط الغربي التونسي وهو مغطى بغابة من الصنوبر الجبلي – (19) قاسيون: جبل في دمشق يتبع لسلسلة جبال القلمون ويعتبر أهم العناصر الجمالية الطبيعية لدمشق وقد ذكر المؤرخون أنَّ سفوحه كانت مُغطّاة بأشجار النخيل والأرز وقد قطَّعها تيمور لنك أثناء غزوه لدمشق كما يفعل الإرهابيون المتصهينون حالياً بحضارتنا الشّامية – (20) ( باجَةٌ، بَنْزِرتُ ، تُوزَرُ ، قابِسٌ=جَندُوبةٌ ، زَغْوانُ ، أو قَفْصَاتي ): مدن تونسية وقفْصاتي المقصود بها مدينة قفصَة التونسية – (21) ( دِمشقُ – حِمصُ – طَرطوسُ – دَرعا – دَيرُ الزَّوْرِ – حماة ) مدن سورية

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    جِئنا ” سُبيطلةً(1)” نُضمِّدُ جُرحَنا

    *** بِصُمُودِ أبْناءٍ لَها وَبَناتِ

    فَصُمُودُها أهدى الخَليفَةَ نَصرَهُ

    *** يَوماً على رومٍ أَتَوا كَغُزاةِ

    جِئنا بِوابِلِ حُبِّنا نروي بِهِ

    *** عَطْشَى قُلوبٍ بالوَفَا غَمِرَاتِ(2)

    جِئنا حِمَاها كَي نُعَطِّرَ روحَنا

    *** بِأَريجِها وَنُكَفْكِفَ العَبَرَاتِ(3)

    ***
    عُذراً ” سُبَيطِلَةُ ” الجِراحُ نَوازِفٌ

    *** وَدِمشقُ باتَتْ مَوقِدَ الأَزَماتِ

    نحرَ الطُّغاةُ شَبابَها وشُيوخَها

    *** ونِساءَها وزُهُورَها العَطِراتِ

    قَتَلوا الرَّضِيعَ أمَامَ ناظِرِ أُمِّهِ

    *** بَقَرُوا البُطونَ وَقَطَّعوا الثَّكِلاتِ(4)

    نَشَروا الدَّمارَ وَقَد أَباحوا مَسجِداً

    *** وَكنيسَةً وأَفاضِلاً لِمَماتِ(5)

    نَهَبوا البُيُوتَ وَنِفْطَنا ومَصانِعاً

    *** وَمَخازِناَ طُوِيَتْ على الخَيراتِ

    قَالُوا رَبِيعاً قُلْتُ كَيفَ وَلَمْ نَجِدْ

    *** زُغْرُودَةً تَعلو على الأصْواتِ ؟!

    قالُوا الحَضَارَةَ ، قُلْتُ أيَّ حَضَارَةٍ

    *** زَرَعَ ” الدَّواعِشُ(6) ” دَربَها حَيَّاتِ(7) ؟!
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) سُبيطلة: مدينة تونسية وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبالتحديد سنة 27 هجرية، وقعت معركة «سبيطلة» بين جيش المسلمين بقيادة عبد الله بن أبي السرح وبين جيش جرجير حاكم أفريقيا وهي تونس حالياً وفيها انتصر جيش المسلمين انتصاراً ساحقاً وقُتل الحاكم جرجير وانتحرت ابنته – (2) غَمِرَاتِ: مليئات – (3)العَبَرَاتِ: الدموع – (4) الثَّكِلاتِ: هُنَّ اللواتي فقدنَ ولداً أو حبيباً – (5) أَفاضِلاً لِمَماتِ : إشارة لرجال الدين الذين استهدفهم الارهابيون ومنهم الشيخ الجليل المغفور لهُ العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي والشاب الجامعيّ المؤمن سارية ابن مفتي سوريا الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون والعالمُ المخترع الشَّابّ عيسى عبود- (6) الدَّواعِش: منظمة ارهابية تكفيرية أعملت القتل والتدمير في سوريا والعراق وبعض الدول العربية والاسلامية – (7) الحيَّات: جمع حيَّة والحيَّة هيَ رتبةٌ من الزواحف ومنها أَنواع كثيرة كالثعبان والأَفعى والصِّل وغيرها

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    و” الحُرُّ(1)” مَنْ ذا ” الحُرُّ ” شَكَّلَ جَبهَةً

    *** خَرقاءَ(2) قَدْ وَلِغَتْ(3) بِدَمِّ أُبَاةِ

    وَيلٌ لَهُمْ ما دامَ سُوءُ فِعالِهِمْ

    *** يَربُو على الأَنجاسِ والقَذِراتِ

    و ” النُصرَةُ(4) ” البَغْضَاءُ تُنكِحُ عاهِراً

    *** أُختاً لَهُ أو تُنكِحُ الأُمّاتِ(5)

    هذا الجِهادُ المُسْتَبانُ ضَلالُهُ

    *** هَل كانَ في الإسلامِ هذا العاتِي(6) ؟!

    جَعَلوا الشَّريعةَ لُعبةً يَا وَيْحَهُمْ

    *** خُطَّتْ شَرِيعَتُهُمْ بِبَغيِ اللاَّتِ(7)

    ” اللهُ أكبرُ ” لَمْ تَقُدْ يَوماً إلى

    *** جَزِّ الرُّؤوسِ وَشَيِّها كالشَّاةِ

    لكنَّ مَن جَعلوا القُرُودَ أَئِمَّةً

    *** خَابُوا وَضَلّوا في سَرَابِ فلاةِ

    قَد زَوَّروا مِنْ قَبلُ إنجِيلاً كَما

    *** قَدْ زَوَّروا الآياتِ في التَّوراتِ

    وَتَجَمَّعوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ ظالِمٍ

    *** لِقتالِ مَن فُطِروا على الحَسَناتِ

    مِن شَعبِ ” سوريَّا ” الأبيَّةِ والَّتي

    *** بِوِدادِها يَجلو ضَنى(8) الكُرُبَاتِ(9)

    لَمْ تُؤْذِ يَوماً جَارَةً وَلَقَدْ مَضَتْ

    *** أَخَوَاتُها(10) بالظُلمِ كَالجاراتِ(11)
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) الحرّ: يُقصد بهِ ما يُسمى بالجيش الحر في سوريا وهوَ كذلكَ عصابةٌ ارهابية تكفيرية تستهدف سوريا بشكل خاص ومحور الممانعة والمقاومة بشكل عام وذلكَ خدمةً للكيان الصهيونيّ – (2) خَرقاءَ: الخَرقاءُ هيَ الريحُ التي لا تدُوم على جهةٍ في هُبوبها – (3) وَلِغتْ : شَرِبتْ ويقال ولغ الكلب الإناء: أي شرب ما فيه بأطراف لسانه ، أو أدخل فيه لسانه فحركه – (4) النُصرَةُ : يُقصد بها جبهة النصرة وهي كذلك منظمة ارهابية تابعة لتنظيم القاعدة الارهابي العالمي –
    (5) الأمّات: جمع أمّ لغير العاقل وهذا ما يتناسب مع أمّات الارهابيين العديمي العقل – (6) العاتي: الجَبَّارُ وليلٌ عاتٍ : شديدُ الظُّلْمَةِ – (7) اللاَّت: صَنمٌ كان في الجاهلية لثقيف بالطائف أَو لقريش بنخلةَ – (8) ضَنَى: الضَّنى هو المرض – (9) الكُرُبات: جمع كُربة والكُرْبةُ بالضم هيَ الغم الذي يأخذ بالنفس – (10) المقصود بأخواتها : الدول العربية الشقيقة والجار هنا الدول المُجاورة لسوريا – (11) والمقصود بالجارات الدول الاقليمية المجاورة لسوريا

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    حَشَدوا فَتَاواهُمْ وأسلِحَةَ الرَّدى

    *** نَشْكُو المُصابَ لِهادِمِ اللَّذاتِ

    ***

    عُذراً أَحِبَّةُ قَد بَسَطْتُ قَضيَّتي

    *** وَهيَ الَّتي ضَجَّتْ بِها حَسَراتي

    فَأَنا رَسُولُ مَحَبَّةٍ مِن شامِكُمْ

    *** وَلَقَد هَمَتْ مِن جُرحِها آهَاتي

    وَأنا لِحُبِّكُمُ نَذَرتُ قَصَائِدي

    *** وَلِصَوْنِ مَجْدِكُمُ نَذَرتُ حَيَاتي

    إنْ مُتُّ أَهْلِي فَادْفِنُونِي هاهُنا

    *** وَلْتَنْثُرُوا في الشَّامِ بَعْضَ رُفَاتي
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    ***
    سوريا – حمص – 14-2-2014
    المحامي منير العباس
    00963936822291
    moneermabbas1960@hotmail.com

     

  • في ذكرى رحيله الثانية عشرة  الشاعر أوكتافيو باث كان جديرًا بما حلم به – بقلم: محمد حلمي الريشة ..

    في ذكرى رحيله الثانية عشرة الشاعر أوكتافيو باث كان جديرًا بما حلم به – بقلم: محمد حلمي الريشة ..

    أوكتافيو باث كان جديرًا بما حلم به

    في العمر الشعري، يمكث الشاعر في عدة محطات إبداعية أساس، يترك فيها آثاره التي تحمل سمات تلك المحطات.

    ميدل ايست أونلاين

    بقلم: محمد حلمي الريشة

    ذكرى رحيله الثانية عشرة
    “حين نحلم أننا نحلم، فهذه بداية اليقظة” (نوفاليس)

    •دخول

    روح قلقة متناثرة في قارات التأمل العميق، باحثة عن منابع الحياة داخل الجرح الذي لا ينتهي ولا يلتئم قليلاً، لشخصية فذة تفيض بالتفجر المستمر، والتوهج الشعري الذي لا ينطفئ في جنون الريح، وباحثة عن حرية الحقيقة، بين شجاعة الكلمة والعزلة التي تحيل الجسد إلى “مومياء” ذات عينين تتحركان بعصبية أمام صخب الصمت الذي يحدثه البحث عن تغيير ما في سكون هذا العالم الضائع. إنها روح الشاعر المكسيكي (أوكتافيو باث)، الحائز على جائزة (نوبل) للآداب لعام 1990، المولود في العام (1914)، والمتوفى في (20/4/1998).

    • مقدمة قد تكون مهمة

    لم يكن باث، الشاعر والناقد والكاتب الموسوعي، معروفًا لدى جمهرة المثقفين والأدباء العرب قبل حصوله على جائزة نوبل. تشير إلى هذا الباحثة د. نادية جمال الدين، والتي تضيف إلى أنها اكتشفته قبل فوزه بعشر سنوات، عندما حصلت على درجتي الماجستير والدكتوراه في تحليل أعماله. ولقد انكب النقاد والشعراء العرب، بعد فوزه هذا، على أعماله، وغاصوا فيها. وبالنسبة إلي، كنت قرأت له نصًّا، قام بترجمته د. أحمد المديني، بعنوان “عمل الشاعر”، نشر في مجلة كتابات معاصرة، كانون ثان، 1990، أي قبل عدة أشهر من فوزه بجائزة (نوبل)، حيث أدهشني النص كثيرًا، ودفني للبحث عن أعماله ما استطعت إليها سبيلاً.

    • مراحل الإبداع الشعري

    في العمر الشعري، يمكث الشاعر في عدة محطات – مراحل إبداعية أساس، يترك فيها آثاره التي تحمل سمات تلك المحطات- المراحل، من بداية عمره الشعري إلى آخر نقطة في آخر نص كتبه. وشأن (باث) شأن الشعراء الآخرين؛ حيث مر، بداية، في المرحلة الرومانسية التي “تظهر بوضوح في أعماله التي أخرجها في سنوات شبابه الأولى”. ثم صبغ شعره بالصبغة السريالية، لكنه يصرح عن هذه المرحلة بأنها “مجرد تجربة قصيرة عابرة”، سرعان ما تخلص منها للانتقال إلى المرحلة الإبداعية الثالثة، وهي المرحلة التي “ظهرت بعد رحلته إلى الشرق، وتأثره بالأساطير الشرقية كاليابانية والهندية، ويكتب الكثير من القصائد التي يبدو فيها التراث الأسطوري.”

    وعلى الرغم من هذا، فإننا “لا نستطيع أن نطلق على (باث) أو شعره اسمًا من أسماء هذه المراحل الثلاث، لكن يمكن القول إنه اكتسب في كل مرحلة ما يحتاجه في صقل موهبته واحتفظ بشخصيته المميزة التي هي مزيج متجانس من كل هذه التجارب، مضافة إليها أصالته المكسيكية.”

    • هدف الشعر

    لا يكتب الشاعر الحقيقي إلا كي يحقق عدة أهداف، يركزها في منطقة وعيه، وهذه الأهداف هي في مجملها الأحلام التي يسعى الشاعر لتحريرها من حالة الرسم الذهني إلى حالة التحقق الواقعي؛ سحرها الفطري، لهذا نرى أن التجربة الشعرية لديه هي في “نزع القارئ من اليومي” والعادي إلى الزمن الأصلي.

    • الشاعر في المجتمع الحديث.. لا أحد!

    مقولة (باث) في “القوس والقيثارة” بأن الشاعر “لا يتمتع بمكانة في المجتمع الحديث لأنه لا أحد!”، تكشف عن فقد المجتمع إيمانه بقدرة الشاعر، بشعره، على إحداث هزات جوهرية في بنائه؛ إنه المجتمع الذي أضاع ثقل الكلمة الدالة على الحقيقة من قاموسه الإنساني، وانساب، تائهًا، مع مظاهر تفجر النواحي المادية التي أبعدته عن شقه الروحاني الآخر، فانحسرت دوائر إنسانيته إلى أضيقها. وإن القول بأن “الشعر يحتل في عصرنا مكانة هامشية ليس كافيًا. لقد أصبح كل شيء هامشيًّا، وصار الاستلاب يمثل ظاهرة كونية.” لكن الشعر يبقى دالة تؤشر على انكسارات العالم الحديث من داخله، وفجيعة الإنسان بنفسه فيه، وهو “الصوت الأساس لحقبتنا، لأنه صوت الاستلاب.” لذا فإن على الشاعر الحقيقي، في هذا الحال، أن “يكون في قلب العالم، في مركزه”، لا أن يوازيه في سيره إلى المتاهة، ذلك “أن أفضل الشعر المعاصر هو الذي منحنا إحساسًا رهيبًا بالاستلاب، وهذه وضعية يتقاسمها جميع أبناء العصر.”

    • تتويج الكلمة وإعادة مجدها

    ينحاز الشاعر الحقيقي إلى الإنسان وحريته في كل مواقعه في العالم الحديث. هكذا فعل شاعرنا، حيث أبدى “اهتمامه بموضوعات مطلقة مثل: الحب والزمن والوحدة”، حيث يعتبر “الشعر كإلهام، والكلمة كأساس للحرية الإنسانية”، تفتح وعيها، وتنقيه من شوائب جنون هذا العالم الذي يتعامل مع الإنسان تعامله مع الرقم المجرد، لأداء هدف محدد، هو خدمة قوى القمع والردع، وإبقائه في دائرة الاستلاب، يلهث دائريًّا للحاق بأدنى حاجاته الأساس، وبدون امتلاكها جميعًا.

    لذا جعل (باث) الإنسان “همه الأكبر خصوصًا في عصرنا الذي يبتعد فيه الإنسان عن عالمه الفطري مجذوبًا نحو عالم آخر من الماديات، هو صانعه الأول.” وهو، في هذا المقام الذي يطرح فيه وضع الإنسان الحديث، يقدم الحل الذي يعتقده لخروج الإنسان من تلك الدوائر التي تطويقه بالكبت والقهر، إلى عالم الحرية والانطلاق الإنساني، ويكون هذا في “العودة إلى تتويج الكلمة وإعادة مجدها”، وأن دور الكاتب في هذه المرحلة، هو المحافظة على “الأنا والآخرين”، حيث يولد الإنسان الناقد للمجتمع والحياة، وهي نقطة الانطلاق لأي تغيير وكل إبداع.”

    • وبعد…

    إن الشاعر (أوكتافيو باث)، ومن خلال البحث عنه بين ركام أوراقه الكثيرة، وسطوره التي تمتد من قاع الجرح الإنساني إلى سراب الفرح، ومن خلال شاعرية تفيض على جنبات العطش؛ العطش الدائم لماء الينابيع الصافية، حيث الحقيقة التي لا يبرح أن يسعى إلى إخراجها من باطن الألم؛ ألم الجرح الذي تحاول القصيدة المتوهجة أن تغطي مساحاته المنتشرة في الجسد الذي يبحث عن “سراحه المؤقت”، وفي الروح التي تحلق مثل طائر لا تمكنه زلازل الأرض من الهبوط على شجرة الخلاص، أو على قطرة ماء من سحابة بخارية على صخرة بعيدة.

  • الشاعرة المغربية وفاء العمراني تروي ظمأ الفضوليين وتبعث زمن الشعر .. ضمن سلسلة “تجارب إبداعية” في حلقتها 32  – بقلم: محمد العناز ..

    الشاعرة المغربية وفاء العمراني تروي ظمأ الفضوليين وتبعث زمن الشعر .. ضمن سلسلة “تجارب إبداعية” في حلقتها 32 – بقلم: محمد العناز ..

    وفاء العمراني تروي ظمأ الفضوليين وتبعث زمن الشعر

    الشاعرة المغربية: استخسروا فيَّ الأنوثة، وأصروا على المشاهدة، قصيدة بصرية صرت! واستكبروا عليَّ قصائدي التي مدحوها.

    ميدل ايست أونلاين

    بقلم: محمد العناز

    لعنتي الأنوثة ومجدي الكتابة

    تواصل سلسلة “تجارب إبداعية” في حلقتها 32 عبورها المدهش في أرخبيلات الثقافة المغربية بقلب مفتوح نحو المعنى. عبور متجدد على مدى سنوات حوّل المدرسة العليا للأساتذة بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان بتأطير محكم من الأكاديمي والأديب عبد الرحيم جيران إلى فضاء سحري لترسيخ قيم الجمال والحوار والاختلاف والربط بين الأجيال والحساسيات.

    حلقة الشاعرة وفاء العمراني تميزت بحضور مكثف لعدد من الرموز الثقافية والأكاديمية والسياسية والجمعوية والإعلامية والنقابية والتربوية فضلا عن الطلبة والباحثين الذين شكل حضورهم نقطة ضوء لافتة تشي بأن هذا الجيل لم يفقد بعد حبله السري مع أدبه، حيث يصر على الاحتفاء بالنبوغ المغربي. لذلكوقف طويلا وصفق بحرارة لتجربة وفاء العمراني الشعرية الممتدة في الزمن والمكان في لحظة استثنائية تفاعل معها الحاضرون وفاء لشاعرة لماحة راصدة لتحولات العالم.

    اللقاء الذي أداره باقتدار عبد الأحد الحداد افتتح بمداخلة رصينة للشاعر والباحث محمد أحمد بنيس وسمها بـ “المغايرة في المتخيل الشعري لوفـاء العمراني” انطلق فيها من الأفق الشعري المغاير لتجربتها سواء في بعده الفني أو الجمالي أو الأسلوبي، متوقفا بداية عند أهم انعطافاتها على مستوى ممكناتها اللغوية والتخييلية الخصبة منذ عملها الأول ”الأنخــاب” الصادر سنة 1991″ حيث استطاعت بناء وتشكيل تجربتها والدفع بها قدما لتتاخم حدود المطلق بكل أبعاده الحسية والرمزية والمعرفية، كل ذلك في سياق رؤية شعرية أصيلة يسندها هاجسُ الانفتاح الخلاق والواعي على روافد معرفية وشعرية في غاية الخصوبـة”.

    مقترحا تبعا لهذا السياق ثلاثة مداخل للاقتراب من تجربتها بدء من “اللغة كعتبة للكشف” المتمثلة في انشغالها بتلك اللغة الشعرية الباذخة التي تمد القول الشعري بدهشة تحول النصوص إلى عتبة الذي يفضي إلى عوالم بديعة تشتعل فيها الاستعارات والصور وتحلق عاليا، حيث تتحول اللغة إلى أداة جمالية وفنية هدفها نحت متخيل شعري عذب يغرق القارئ في صور شعرية موحية. هذا التفرد يعود إلى انتباه وفاء العمراني المبكر إلى الممكنات المتنوعة التي تمنحها اللغة في اشتغالاتها المختلفة.

    أما المدخل الثاني فرص “اشتباك الجسد بالنص” حيث ألمح فيه الباحث محمد أحمد بنيس إلى تفرد ونضج تجربة الشاعرة وفاء العمراني في تعاطيها مع الجسد باعتباره أفقا لتحرر الذات وكسبها معركة الوعي بكل أبعادها الرمزية والثقافية، إذ يشتبك الجسد بالنص في تجربتها ضمن سياق تعزيز فاعلية الذات الأنثوية في مواجهة عالم محكوم بسلطوية ذكورية تخترق الثقافة والوعي. حيث لم يكن الجسد في أعمال الشاعرة مجرد رافد جمالي تؤثث به نصوصها، بقدر ما كان شرفة تطل بها على ذاتها ضمن مشروع لإعادة اكتشاف هذه الذات عبر تعزيز وعي مغاير بها.

    في ضوء ذلك، يمكن فهم واستيعاب تلك الرؤية الاغترابية التي تخترق النصوص محدثة حالة من التشظي العارم. ممثلا في هذا السياق بنصين “أرحبَ من ضيق الماء” و”أول الحلول” من مجموعة “الأنخاب”. لينتقل تحت هاجس الحفر إلى نص “أوراق الشمس” في ديوان “أنين الأعالي” حيث النفس الصوفي الضاج باحتمالات التلاشي بين الريح أو التحام الجسد بالروح ضمن سياق وجودي تسقط فيه الحدود بين الشيء ونقيضه.

    إنها حالة إشراق آسرة تكتسح النصوص وتُحولهُا إلى حلبة تقارعُ فيها الشاعرة ذاتها وجها لوجه، حيث يشتبك الجسد والروح في التحـام رمزي في غاية الدلالة.

    أما المدخل الثالث والمتمثل في “الحضور عبر الغياب” فقد توقف من خلاله على عملها الأخير “تمطر غيابـا” حيث اختارت الشاعرة أن تعبر بروحها إلى حيث يرقد بسلام شعراء البشرية حين يغادرون هذا العالم حاملين معهم أرواحهم التي لم يتلفها الصدأ.

    ويأخذ الأمر منحى مختلفا حين يكون أحد هؤلاء الشعراء شاعرا عربيا في قامة محمود درويش بكل ما خلفه من إرث إبداعي وإنساني ونضالي. ورغم أن هذا العمل هو تحية شعرية وإنسانية إلى هذا الشاعر الكبير، فإن الشاعرة تجعل من غيابه الفيزيقي مدخلا لأمرين اثنين: أولا: إعادته إلينا من خلال نصوصه البديعة التي تستحق الحياة مثلها مثل أشياء كثيرة على هذه الأرض. ثانيا: إدانة الوجود الذي يسمح للغياب بأن يتسيد ويتحول إلى حقيقة وحيدة ترهن الوضع البشري للأبد، وتدفع به إلى تخوم التلاشي الكامل.

    * صداقة الماء
    أما الشاعرة وفاء العمراني فقد قدمت شهادة صادمة وسمتها بـ “صداقة الماء” ننشرها كاملة: “مساء الشعر والمحبة والجمال/ودامت لكم سكينةُ القلبِ وضوءُ السريرة، وإذاً، التفاتةٌ قِيمِيَة طافحةٌ نبلاً، راشحةٌ صدقاً، سيما في هذا المفرق التاريخي المفصلي في ثقافة المغرب، في ظل راهنٍ ثقافي، في معظم ملامحه مُقبِلٍ على الآنيّ، منشغلٍ بالعارضِ، منصرفٍ إلى التصفيق والتهليلِ، أوملهوفٍ على كرسيّ، أو حبيس ظلاميَّةٍ فاتكةٍ، أو أسيرِ تقليديةٍ ناخرةٍ (عدوّنا الأول هذه الأيام) أو حتى مهووسٍ بتجارة الأفكار؛ على حساب المعاني العميقة لوجود الإنسان: في علاقته الحرة والواضحة سواء بذاته أوبالآخر (المختلف عادةً) أو بالأشياء والعالم من حوله.

    في ظل هذا الواقع المؤلم والغريب الذي يجحف الطاقاتِ والإبداعَ وروحَ الابتكارِ الأصيلِ، في زمن الصفقات والمتاجرة بكل شيء حتى بالعقل والقلم (الآفة التي وصلت إلى الجامعات أيضا) ما أحوجنا إلى قيمة روحية نبيلة، عُليا: إلى الشعر: صفاء وصدقا وحلما.

    لهذا كله، وأكثر، أحضر اليوم بينكم، أصدقائي، تقودُني خيوطٌ سريةٌ أجهلُ متى وكيف تأسست، غير أني، بقوّةٍ، أحدسُ حضورها.

    تغمرني اللحظةُ بفيضٍ من الإسرارِ والانسرارِ دونما حُجُبٍ.

    هل أُسِرُّ النجوى؟!

    إذاً اسمحوا لبوحي المنفلتِ أن يتجدْوَلَ عبر أسمَاعِ حضراتكم، عصفاً حيناً، هدوءاً آخر، في أقاصٍ تَشف وتَشفُّ، لا من الإئتلافِ، لا من الاختلاف؛ بل من عبق السُّؤَالِ ومَوْجِ الأحوال..

    كَيْ أَبُوحَ لا أحتاجُ إلى أن أعرفكم واحدةً واحداً؛ يبتكرُ المبدعُ أصدقاءه مثلما يبتكرُ الأزمنةَ، الأمكنةَ، الولاداتِ. ويوماً ما قال زارا أو نتشة على لسان زارا:”لقد طلبَ المبدعُ يوماً رفاقاً لهُ وفتش عن أبناءِ آماله، فأدرك أنه لن تجدهم إذا هو لم يخلقهم خلقا”. عادة لا أتكلم كثيراً، خارج النص، عادةٌ آليتُ على نفسي ترسيخها منذ البدايات، آثرتُ دوما أن تُعرِّف بي نصوصي، وتواريثُ عن اللقاءات الصحفية والاستجوابات والتصريحات المجانية…أجَّلْتُ الكلامَ طويلاً إلى أنْ آنَ أوان بعضهِ مع وصول التجربة الشعرية إلى أحد منعطفات نضجها بعد عقدين، والآن بعد ثلاثة عقود ونصف، سأروي فضول بعض الأحبة هذا المساء.

    أتيتُ من بيتٍ مغربيٍّ عربيٍّ فقهيٍّ (فالسيد الوالد خريج جامعة القرويين وأحد الأعلام المتبحرين في علوم الدين في منطقتي)، كل ما فيه يوحي باختيار واضح مسالم مؤالفٍ، أي بانقياد تقليدي تام.

    في أفق هذه المهادنة التي بدأت تلوح لي متعبة بأفقيتها، يتسلل هاتف مغرق في الغور، لاجٌّ في السؤال، كي يستنفرني إليه، في الثانية عشرة من عمر لم أدرك وقتها أنه حافل بكل هذا الرحيل، تَتَفَتَّقُ شهوةٌ لم أدرك أيضا أنها هي الأخرى قادرة على كل هذا الإسار.

    إنها شهوة الكتابة، شهوة المغامرة، شهوة الرفض، شهوة يعرفها، فقط، من خبر”صداقة الماء” واستسلم لحنوّ الحجر، لعلو النجم، لعزلة الشمس.

    كيف لا وقد أسستْ لها غواياتُ جبران خليل جبران، وهنا أول مرفأ لي بلبنان في سن التاسعة، فبقدر ما كانت تجنحني عوالـمُه، وتمنحني هامشاً مغرياً من الحلم، بقدر ما كانت تجلدني كتابات مصطفى لطفي المنفلوطي بتقليديتها؛ فيما ظلت كتابات مصطفى صادق الرافعي عماداً لغوياً لا يُفحم.

    مَنْ؟ صوت قلق عنود

    مِن أَيْنَ؟ من أقصى تخصباتِ الغربة

    مَا؟ باتجاه صداقة الضوء، صداقة النجم، صداقة الماء…

    نعم صوت وكفى، لا رجل ولا امرأة

    (قَدْ) صوتُ الكائن قبل الانفصال

    (وَقَدْ) لم يحدث الانفصال أصلاً.

    • الهوية:

    يصعب أن أحدد لي هويةً، خصوصيةً داخل الأنوثة أو حتى خارجَها، ربما لسبب يطوي بي السنوات أربعين وراءً، حيث داهمتني الكتابة أولاً، فالأنوثة ثانياً، وللحدثِ قوةُ الدلالة وثقلُ الحمولة.

    نعم، دمُ الحرف كان أسبق لاجتراحي، اختراقي ولانبجاس عبري قبل دم الأنوثة! وكلاهما عُمِّدَ في فضاءٍ مثلثٍ من: الحميمية-الألم-الإنشداه. كلاهما ولادةٌ طلقُها قلق وجعٌ وانتظار..كلاهما، أيضاً، خلاصُه، خَتْمُه ُسكينةٌ ودبيبٌ يُشبه الخدَر…

    لكن فيما يسري الدم الأول (الكتابة) باتجاه المغامرة، البداية، التأسيس، يماهيه ألقٌ غامضٌ ويحذوه فرحٌ خفيٌّ حفيٌّ ضاربٌ في العتاقة أو قد أورق منها؛ يسارع الثاني (الأنوثة) ليخط مجرى النهاية والخلاص بكل ما يطيقه ولا أطيقُه من الآلام المجانية.

    هكذا تُحَدَّدُ هويتي في الثانية عشر فرحاً يحاصره حزن لا يُغادر..وكأن قدري أن أكون أذكى من أن أسعد!!كأنما السعادة للأغبياء فقط أو الأقل ذكاء!

    وإذاً اقتحمتني الكتابة قبل أن تقتحمني الأنوثة! تحدِّدُ الهويةُ سلفاً وقبل الاختيار أو القدرة عليه. هكذا أيضا، “لعنتي الأنوثةُ والكتابةُ مجدي”..وعبرهما يتأسس الإسم-الجسد الشعري، وتنهض قامة القلب مكابرةً عاليةً في رحلة الكشف هاته.

    لهذا لا أقبل بشكل من الأشكال أن يزج باسمي الشعري ضمن بدعة ما يسمى “بالكتابة النسائية”! الإسم: وفاء وكأنها قدري.. الوفاء بلا شرط في زمنٍ شَحَّ فيه الوفاء مثلما شَحَّ الهواء. الوفاء للهويّة: الكتابة، ورفض أي مستقبل= وضعية خارجها، رفض تصوره حتى..بإصرار وبألوهية؛ بل رفض كل ما قد يشوش عليها.. (في العمل كما في الحياة الخاصة) الوفاء للمبدأ، غنيت للحرية بمسؤولية ولو بأفدح الأثمان: الخسران والتخلي”العزوف بكل أشكاله، ومن الجهة المقابلة الإقصاءُ والتهميش عقابا! الوفاء للأصدقاء، فالصداقات النوعية النادرة عبر العالم هي ما يؤسس العمر لديَّ. الوفاء للقلب واختياراته، ما لم تَمَسَّ هذه الاختياراتُ الكتابةَ أو تشكِّل خطراً عليها…الوفاء للمنبر الذي اخترتُه للنشر بالمغرب (جريدة الاتحاد الاشتراكي – المحرر سابقا) والمنابر التقدمية بصفة عامة داخل المغرب وخارجه. البدايات:

    الوقت نهايةُ السبعينات، المشهد لا قرار، الساحة الثقافية متخمة ومثخنة ب”السياسي”. الحظ كل الحظ للعبة الخانات وصراع الانتماءات. حظوةُ أو حضورُ الجماعي، والإلغاء أو الإقصاء للذات، للفرد.

    أغادر مدينتي القاسية بحبها”القصر الكبير” شمال غرب المغرب، كانت مدينتي علمية بامتياز، حاضرة وادي المخازن، وموقع معركة الملوك الثلاثة، والشعر والموسيقى والفقه!!قاصدة فضاء الرباط الذي اختارني بقوة سحرية عجيبة لازلت أجهل فك طلاسم أسرها حتى الآن، وأتعرف شيئاً فشيئاً على المناخ الثقافي العام ببلدي، مبدعين، منابر، ملتقيات، وخانات.

    آلاف علامات الاستفهام ترتسم، عشرات الطرق وكلها غامضةٌ ملغومةٌ التردد؟ الاندفاع؟ بل التأني كيما تتضح الرؤيا. التمهل في الاشتعال خوف الاحتراق ليصير التروي إيقاعا لخطواتي الإبداعية بفضل حدس داخلي دوما يقودني. ومنذ تلك الفترة قال: لا للاحتواء أيا كان شكله أو غوايته.

    يحل بكُليتي – أنا طالبة الأدب العربي، شاعر كبير، وموقعه في الوجدان والذاكرة الشعريين أيضا كبير. يحفزني الأساتذة والأصدقاء، فأكاشفَه ببعض ما انكتب عبره. أطرح أمامه صبيحة ذاك اليوم أوراقي/ هلوساتي، ثم فجأة يخطر ببالي أن ألتقط حقيبتي وأهرب!يا للجسارة!من أكون؟!

    وقبيل أن أفعلها، يعالجني شاعرنا بجملة انكتبت على أولى صفحات كراستي الشعرية الحميمة، وعلى أولى خطواتي الإبداعية (أحتفظ بالجملة للتاريخ) هي النذر، هي البدء، هي الوعد. بعدها تُعمدني مجلته الرائدة “مواقف” التي كانت تصدر آنذاك ببيروت بخمسة نصوص شعرية تحمل عنوانا: “موج التناقض العذب” والجملة مأخوذة من إحدى قصائدي ليتخطفها مباشرة الملحق الثقافي لجريدة “المحرر”، الاتحاد الاشتراكي الآن، وأنا معتزة بذلك لنوعية قرائه الحداثيين آنذاك. هنا تبدأ المباهج ومعها المتاعب..قالوا: تمرس بالكتابة، دراية، تميز..وإذا اسم مستعار لرجل!! استخسروا فيَّ الأنوثة، وأصروا على المشاهدة، قصيدة بصرية صرتُ! وجهوا إلي الدعوة باتحاد كتاب المغرب؛ حيث كانت أحلى قراءة شعرية في عمري، تلك القراءة/الولادة في 5 زنقة سوسة بالرباط(مقر الاتحاد بالرباط) ولدتُ ونشأتُ وترعرعت. ونموت ولامستُ النضج قبل أن أغادر إلى غربة أكثر وحشة وشموخا… وأتى الشكاكون الفضوليون(جلهم صاروا أصدقائي) يتأكدون، يتهامسون، يستمعون أو..ــــــتِعُون! قرأتُ كانت المفاجأة لي هذه المرة: التحفظ لأنني”امرأة” أو لي شكلُ امرأة. استكبروا عليَّ قصائدي(التي مدحوها) وقالوا: هو من يكتب لها. الرجل! بيد أن القصائد توالت ومعها توالى الإيذاء والجرح والمرارة.

    في أثناء ذلك، قبله وبعده، توالت سنوات العمر بلا استئذان وتناسيت أنني امرأة ولي الحق أن أصير أُمّاً لأطفال حقيقيين إلى جانب القصائد حتى نَيَّفْتُ عن الثلاثين.. فكانت أروى ابنتي أجمل قصيدة في حياتي، فآثرت أن أحيا لها وبها ومعها ومنها في مد وجزر على هوى أمواج الشعر وسموه.

    حين كنت أخجل أو آنفُ اقتحام الآخرين، مثقفين وأشباههم أو مشاركتهم جلساتهم، أُوسَمُ بالعنجهية أو العجرفة أو “الكبرياء” الذي غدا ميسمي، أو بلغة السبعينيات”بالبرجوازية”. وللإسم وشاية بذلك(العمراني) من كبريات العائلات وذات أرومة من النسب الشريف القطب مولاي عبد السلام بن مشيش جدي).

    حين أتحفظ يُشكَّك في انتمائي أو موقفي…

    وإذا ما غالبتني التلقائية وهي طبعٌ لديَّ لا تَطَبُّعٌ، سِيءَ فهمي وناهيكم عن أشكال وألوان وأحجام”الاستقطابات” و”الإغواءات”.. أورثتني مواجهاتي هاته حدة في الطبع دخيلةً، وكثيرا من العصبية والشك. تخلصت من الأولى بعد مراسٍ في المجال الدبلوماسي وتلك حكاية أخرى.

    لم يكن قط سهلا الاعترافُ، بُذِرَ طريقي شوكاً لا ورداً. ولم يركز على إبداعي بالقدر الذي تعرض له شخصي و”شكلي” من القراءات ونضح كل إناء بلونه وحجمه ونكهته.

    من جهتي كان الصمود، الإباءُ والكبرياء. أحيانا “اللامبالاة سلاحاً ضد ما يفسد الحلم”مثلما علمني أستاذي الأول. كان أيضا سيل من الخسارات. خسرت أشياء وأحلاما ومواقع. ومرات كل شيء. لكن الحدس ذاتَه الذي يقودني دائما، كان يزودني بألغام من العناد والإيمان بوهم جميل..يوما ما. طريقي رسالةٌ وعليَّ أن أَجْدُرَ بها..من أجل ذلك لا يهم كثيرا الخسران. الأكثر أهمية أن أكسب، باستمرار، نفسي، ونفسي باستمرار.

    في الأول لم يكتبوا عني، رغم شهادتهم لي لا عليَّ. في السنوات الأخيرة فقط يُشرع هذا الالتفات، تلك القراءة أو ذاك النقد، لكن في اعتقادي يظل حَيِيّاً وبقدر.. أهو الخوف؟ أم.. أم هذه الازدواجية المخربّة لكل شيء جميل في وجدان المثقف العربي؟

    ظني لأن لي شَكْلُ امرأة (لها أو كان لها في شبابها) وذات مواصفات معنية! ظني كذلك أنني حين سأرحل ستنهال على عملي القراءات!! وإذا الإسمُ، الهيأةُ، الخصوصيةُ: عناصرُ شكلت عوائقَ بَاعَدَتْ، في البداية، ما بيني وبين حضور فعَّالٍ حقيقةً، زمنا وحجماً هو حقِّي. كانت أستاراً لا مرايا أو نوافذَ.

    هكذا آذتني الأنوثة فيما لم تسعفني مثلما يحدث لكثيرات حاليا بكل استسهال تحت تَعِلَّةِ:”الكتابة النسائية”كما يسمونها. وهذه مهزلة أخرى.

    هكذا أيضا غدا الجسد ناراً لا تضيء بل تَشوي، تُحرِّقُ، تُدمِّي وبلا هوادة..صعب أن تكون أذكى من أن تسعد!! وكأن السعادة للأغبياء فقط.

    الكتابة هي”من” منحني الحريةَ.ط

    والأنوثة هي”ما”حرمنيها.

    لا شعوريا، بدأت الرغبة في قتل الأنوثة الجسدية مقابل تأسيس جسدية الكتابة عبر خلق”جسد” في الكتابة الشعرية المغربية والعربية هو جسد الإسم، جسد الهوية، اللغة، التجربة، الخصوصية(الشاعرة)، والقصيدة ما هي في الحقيقة سوى تمتماتِ ذلك الجسدِ أصلاً.

    على هذا النحو، وبمثل هذا الزخم بدأت الملامح الجسديةُ الأولى مع شهوية “الأنخاب” (ديواني الأول)، وصوفية “أنين الأعالي” فافتنانا بالأقاصي مع “فتنة الأقاصي” التي شكلت تجربة فريدة في مجال النشر الشعري بالمغرب مع شريط صوتي في ضميمة شعرية متميزة وذات خصوصية..إلى ما هيأته له في مع”هيأت لك” الذي زاوج بين الشعر والتشكيل مع الفنان محمد المليحي أيضا متميزة انتزعت أهم جائزة رسمية في بلدي (جائزة المغرب للكتاب)، إلى “حين لا بيت” مع الفنان محمد البوكيلي ونشر عشية ذهابي للإقامة في دمشق. ثم حاليا مع”تمطر غيابا”، كتبت في فترة إقامتي بالشام الغالية. في اشتعال الجسد يتكون إيروس/ إله الحب عند الإغريق، إيروس يحمل في طيات وجوده تناتوس أي الموت.

    الحب والموت وجهان للغة واحدة هي الجسد.

    الحبّ إضاءة والموت عتمة، وبينهما تنسج اللغةُ انخطافاتها والجسدُ تاريخَه.

    للجسد أسطوريتُه، سحرُه وشهويتُه، لم تكن لتتفتح لديَّ في أبهى تجلياتها إلا بالحرف أو عبره. وكأن السُّرى نحو البدئيّ الغريزيّ لا يتم إلا عبر الروحي السامي المثالي.

    الكتابة هي”من”منحتني الحرية.

    والأنوثة هي”ما”حرمنيها!…

    نأتي إلى العالم لا نحمل، لا نملك شيئا ولا حتى حق المجيء، لا نملك منا سوى الجسد عاريا، ما تبقى كله مكتسبٌ: فكراً، عقيدةً وسلوكاً..وإذاً. أنتَ جسدُك وجسدُك أنتَ. أنت عصرُك، موقعُك، تجربتُك، صدفتُك(ولعل أدق ما في الوجود هو الصدفة!) كتبت عن هذا بدقة في “أنين الأعالي”.

    لا الذاكرة (الماضي) ولا الغيب يؤسسانك أو يمتلكان وجهتك.. تلك مسؤوليتك في ظل التقليدية الوارفة الناخرة عظمَ الثقافة والتراث العربيين: فكراً وإبداعاً وقراءاتٍ.

    هكذا كان علي أن أواجهني، كي أواجهني كان علي أن أفهمني، كي أفهمني كان عليَّ أن أكاشفني، علي أكاشفني كان علي الاشتغال على ذاتي كثيرا وبلا كلل. بسؤال وبغيري تاميْن كيما أستطيعُ أن أتفحصني في المرآة، وبحجمي الحقيقي: تضاريس، نتوءاتٍ، مغاورَ وندوباً أيضا، نحو غمر من التجريب والمغامرة.

    حضوري بينكم هذا المساء، بكل هذا الانكشاف، وبهذه الصيغة الجديدة، مغامرةٌ في حد ذاته، وخطوة أخرى في طريق مغامرة الإبداعية الكبرى.

    طريق به عثرات مثلما به قفزات وتألقات وأنا أغازل الخمسين بعمر ازدحم بالرحيل والغياب لكل ما هو بهي، أعرف شيئا واحدا هو أنه لو قدِّرَ لي أن أبدأ “النشيد” من جديد لما عزفت غير طريقي المحتدم الحافل الطافح بضوء الجرح..ولو بالإخفاقات ذاتِها كيما أتذوقُ النجاحات ذاتها.

    فيما نطقت به أو عبره، مسكوتٌ عنه ظل مستعصياً خفياً أو عجزتُ عن إنطاقه. بينكم من سيكشفه ولا ريب، لعله ذلك المتلقي المرهف، الصديق المحتمل.

    واعذروا جرأتي/ ألمي هي هفوةُ الصدقِ أحبائي، ومثلما استمعتُ كثيرا بالحديث إليكم هذا المساء، أكيد أنني سأستمتع أكثر بالاستماع منكم مستقبلا حول هذه التجربة الشعرية المتواضعة لكن”المختلفة” والتي أطرحها اليوم بين يديكم في كثير من الحبّ.

    شهادةُ البوح هاته أسميْتُها”صداقةَ الماء” لأن الماءَ وأنا ذاكرتان للمحو، ولأنه وحده القادرُ على أن تَخُطَّ مجراه بنفسه، ربما أشبهه في مسيرتي التي ابتدأت وتشكلت خارج السربِ، خارج المؤسسة، خارج كل نفوذٍ أو احتواءٍ أو دعمٍ..وامرأة على الرغم!