Category: سينما ومسرح

  • مسرحية السندباد”..( ماذا قلتم أنتم ؟) – بقلم / سليمان سالم كشلاف.- ليبيا مائة عام من المسرح -2-64

    مسرحية السندباد”..( ماذا قلتم أنتم ؟) – بقلم / سليمان سالم كشلاف.- ليبيا مائة عام من المسرح -2-64

    ​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-64 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************

    السندباد”..( ماذا قلتم أنتم ؟)
    بقلم / سليمان سالم كشلاف

    اختار “فتحى كحلول”المسرح الشامل شكلاً يقدم به مسرحية “سندباد”فاجتمع الأداء الدرامي والحركي مع الموسيقا
    والغناء ليعطى الصورة النهائية لعمل إتكأ على قاعدة من الأسطورة الشعبية موظفة لتقول كلمة سياسية تبرز
    التناقض بين واقع قائم وحلم مطلوب تحقيقه،واستعان في ذلك بالتمثيل الصامت والستارة الشفافة كما حوّل الكلمة
    المكتوبة في حوار القص والاسترجاع إلى مشاهد حركة وأداء تمثيلي يرافق الصيغة الكلامية ويجسدها.
    فهل استطاع “فتحى كحلول”أن يظهر جو الرعب والطغيان والظلم الذي حاول النص المسرحي إبرازه بحيث تتركز أكثر
    فكرة “العدل والحرية”؟
    إننا لانجد ذلك في جانب الإخراج إلا جزئياً،بل ظهر الأمر كأنه عادى ومقبول من خلال المجتمع الوثنى الراكع على
    أقدامه أمام القناع.
    لقد نجح مصمم المناظر “محمد شعبان”في تجسيد هذا الجو بالتركيز على القناع كمحور للعمل المسرحي وتنفيذه له
    بشكل ساعد على خلق هذا الانطباع.
    كما زاد في تأكيد ذلك تصميم الأزياء الخاصة بكل من “غضبان”و “المالك”و “الوحش”.
    وكما فقد “فتحى كحلول”الاتجاه الصحيح لمركز العمل تبعه “علي ماهر” موسيقياً في خلق هذا الانطباع،الموسيقا
    والألحان جميلة ما في ذلك شك،لكن الكلمات التي هي أساساً جزء من العمل أصبحت عبارة عن مقاطع غنائية،انفصلت عن
    جسد المسرحية ولم توظف لتأكيد سياق العمل الرامي بإلحاح إلى إبراز مشاعر الخوف والظلم والاستعباد من خلال
    الإطار الموسيقي،عبرت الموسيقا عن نفوس حزينة وعن أحلام وأمان فطغت بها على الجانب الأشد سواداً في العرض
    المسرحي،كانت موسيقا رمادية اللون وكان الاحتياج إلى تعبير موسيقي أشد سواداً من ظلام الليل،وبذلك انعكست
    الحكاية وأصبح النص في خدمة الموسيقا،بل طوع النص لخدمة الموسيقا.
    كذلك لم يكن للإضاءة أي دور في بث هذا الاحساس لدى المشاهد لقد طغت ملامح الحزن الهادئ والعواطف الرومانسية على
    جو الرعب والفزع بدلاً من أن تخلق الإحساس بذلك التناقض الحاد بينهما بحيث يزداد المشاهد قناعة بأن حالة “الأمن
    والأمان”المفتقدة في العرض المسرحي نتاج طبيعي لعدم توفر “العدل والحرية”المطلوب إقناع المتلقي بهما واللذين
    لن يتوفرا دون خوض الصراع وبذل الدم ضد قوى الشر.
    ومن الواضح أن تجربة “فتحي كحلول”في “باب الفتوح”مازالت مسيطرة عليه كما هي مسيطرة على بعض عناصر العرض
    المسرحي “الأداء الغنائي/أداء بعض الشخصيات وبعض الأداء الحركي”رغم اختلاف الجو العام والزمان والمكان ورغم
    اتكاء “محمود دياب”على هيكل تاريخي و “شوقي خميس”على هيكل أسطوري حكائى.
    على أن ذلك لايلغي نجاح “فتحي كحلول”في استغلال كامل مساحة الخشبة في إدارة اللعبة المسرحية بتنسيق جميل لم
    يكن ينقصه إلا استغلال كامل قدرات الإضاءة المسرحية في النقل من لوحة إلى أخرى،بالاختفاء والظهور التدريجيين وفي
    محاولة تحويل الدراما المكتوبة والمؤداة لعكس جوَّانيات الشخصيات واستكمال جوانب العرض المسرحى،بمثل ما أفلح
    مصمم المناظر في تكوين لوحاته من خلال قطع المناظر التي وفرت للمخرج مساحات التحرك بحرية،أما تصميم الملابس ”
    ربيعة بن بركة”الذي شكل جزءاً كبيراً من نجاح العرض المسرحي بالتمييز بين الشخصيات من خلال فهمها لها،فكانت
    أزياء النماذج الشريرة “غضبان-المالك-الوحش”تجسيداً لنفسياتها وسلوكها،كما وضعت الجند في شكل الإنسان الآلي
    الذي أُلغي تفكيره تماماً وبرمج على صيغ محددة وضعها النظام القمعي القائم ليحفظ بها سلطانه وسطوته في إرهاب
    الناس عن طريق إلحاق الضرر بهم وبممتلكاتهم،إلى جانب تصميماتها الجميلة لشخصيات “الأم”و”المغنية”و”القاضي”.
    وبمثل ما اختلفت نسبة النجاح بين عناصر العرض المسرحي،تباين نجاح الممثلين في أدائهم “سعاد الحداد”مثلاً هي
    الأم المشفقة على ابنها،الخائفة من روح المغامرة التي استولت عليه طيلة حياته،فقلبها معلق طيلة غيبته في كل
    رحلة بين الأرض والسماء حتى يعود الغائب “سعاد الحداد”كانت الأم متجسدة بتواصل إحساسها مع إحساس الآخرين،يتسلل
    قلقها ووجدها ودفء قلبها فيتحرك أشجاناً ويثير في الآخرين وعوداً وأماني،إن تراكم تجارب “سعاد الحداد”الفنية
    منذ أن أدت دور “بريسكا”في مسرحية “أهل الكهف”قبل ربع قرن مضى خلق لديها حساسية فنية تستطيع بها أن تقف على
    خط واحد مع كثيرات من ممثلات الصف الأول على مستوى الوطن العربي.
    -“علي القبلاوي”لم يخرج في أدائه عن دوره في “باب الفتوح”ربما كان فهمه لدوره باعتباره الشخصية الرئيسة في
    العملين واحداً نتيجة تفسير المخرج لشخصيته بهذا الشكل،لذلك نلاحظ أن الإيقاع واحد وأسلوب الأداء واحد حتى في
    الأوقات التي كان المفروض أن تمتزج فيها روح “سندباد”المغامر فيما واجهه خلال رحلته بخيال وحكايات الراوي وهو
    يقص أخبار مغامرته الأخيرة،نجد نفس طريقة الإلقاء المندفعة المتعجلة بنفس الطبقة الصوتية بينما كان قادراً على
    تطعيم أدائه بمزيج من الخيال والحقيقة،بالتشويق والإبهار وشد انتباه المشاهدين.
    -“محمد الطاهر”دور مختلف عن مجموع أدواره السابقة،أداه بإجادة لكن فهمه لم يكن كاملاً لشخصية “قائد الجند”لذلك
    ظهر التلوين في أدائه الصوتي وتعبيرات وجهه لأن طبيعة دوره تقتضي أن يكون دون مشاعر ولا أحاسيس،لكننا نشاهد
    انفعالاته واضحة على الوجه،نسمع تذبذب صوته بين الفعل ورد الفعل بما لايتمشى مع حدود شخصيته كآلة من آلات
    السلطة مبرمجة على سلوك معين،وطبيعي أن الآلة لا مشاعر ولا أحاسيس لها،إن إيقاع الأداء الصوتي وتعبيرات الانفعال
    الداخلي على ملامح الوجه تتعارض تماماً مع طبيعة الآلة.
    -“عيسى عبدالحفيظ”يزداد نضجاً ووعياً في كل عمل مسرحي جديد،لذلك فقد اكتسى أداؤه بانسيابية جميلة كموج
    البحر،بدور أعطى إمكانية الإجادة والإبداع وبفهم واضح له.
    -“يوسف الكردي”يجيد أداء دور الإنسان الشقي والبائس،لكنني وجدت شاباً يروي أن عمره تسعون عاماً،لكن خطواته لم
    تكن تعطي الوهن ولا ثقل السنين وأداؤه الصوتي لم تتسرّب إليه روح الكهل،وظلّت نبراته نابضة بروح الشباب.
    -“مهيبة نجيب”عامل الجذب لأقطاب نظام الشر،خرجت من محنة افتراس”الجبار حاكم الوديان”لها لتصبح بعد ذلك ميراثا
    لعصبة الشر.من خلال تجاربها كان من المفروض أن تكون لعوباً تستطيع أن تذيب الحجر،ومن هنا كان تفكيرها ينحصر في
    جر “سندباد”إلى الفراش،لم أحس أنها تجسد شخصية الغانية،كانت فقط مجرد امرأة حزينة ثم أصبحت امرأة عاشقة قد
    يكون هذا حدود الدور المرسوم لها وربما كان الواقع الاجتماعي هو الذي حدد وخلق برود الأداء.
    -“زهرة مصباح”ظهرت ضعيفة الشخصية أداءً لم تستطع إيصال أحاسيس التمرد بكفاءة وبحجم دورها،إمكاناتها الصوتية
    تحتاج إلى تدريب حتى يمكن لها إعطاء نفسها مستقبلاً مقدرة أكثر على الأداء.
    -“صبرية الجرساني”وفقت في التمثيل لكن إمكانات صوتها حدت من حجم دورها.
    -“علي البوزيدي”في أفضل حالاته أداءً.
    مبروك لـ”فرقة المسرح الوطني””طرابلس”وفي انتظار أن تقدم موسماً مسرحياً كاملاً.

    ​​​​​

  • نص مسرحية ” الإرث “التي إختارها الكاتب :منصور أبوشناف من الالياذة – هوميروس..-بقلم / أحمد ابراهيم حسن

    نص مسرحية ” الإرث “التي إختارها الكاتب :منصور أبوشناف من الالياذة – هوميروس..-بقلم / أحمد ابراهيم حسن

    ​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-63 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​​

    إرث منصور ابوشناف
    بقلم / أحمد ابراهيم حسن
    نص مسرحية ” الإرث ” فاخر بمحتواه لا بالشكل الذي ظهر به كمطبوعة ملحقة بمجلتنا المتعثرة ” المسرح والخيالة ”
    إذ ضم العدد العشرون وفي الوسط تماما المطبوعة بالحجم الصغير وبغلاف من الورق العادي وضع عليه صورة للوحة ”
    ديلاكروا ” الشهيرة ” الحرية تقود الشعب ” وعدد صفحات المطبوعة (31) صفحة دون أي تقديم سوى تلك العبارة التي
    اختارها الكاتب منصور أبوشناف من الالياذة – هوميروس :
    ( وقبل أن تتم فينوس سحرها كان الفتى البائس قد ألقى التفاحة في يديها الجميلتين بالرغم من الصيحات التي
    كانت تأتي من البحر : لا يا باريس – لا يا باريس – أعطها لمينرفا ..) وجر على نفسه غضب هيراو منيرفا .. وكتب
    التعاسة عليه وعلى قومه )
    ومن هذا الاختباء وراء هذا التصدير وراء تلك اللوحة .. ووسط مجلة المسرح والخيالة كأنه الاندساس ، فمن هذا
    الاندساس أو الاختباء يبتدئ النص .. ولكن لنتعرف بإيجاز عن صاحب هذا المنجز ، : هو منصور أبوشناف من مواليد
    بني وليد 1954 ف ، كانت بدايته بالمسرح المدرسي مضراته عام 1965 ف ، يكتب للمسرح والمرئية والنقد الفني كتب
    بوشناف عشرين نصا مسرحياً أهمها :- توقف – جالو – حكايات ليبية – كاسكا – كلام نساوين – السعداء – الإرث – عروس
    بالمواصفات – الحجالات – خماسية الانسان والشيطان .. الخ ، بدأ الكاتب نشر مقالاته في الصحف والدوريات المحلية
    ، عام 1973 ، تحصل على برونزية مهرجان الجزيرة للأشرطة الوثائقية ، والفضية بمهرجان القاهرة للإذاعة
    والتلفزيون .

    ملخص المسرحية
    يخرج خالد من سجنه بعدما قضى فيه عشر سنوات ليجد زوجته وقد بنت له بيتا كبيرا ، اغتصب جده – أيام الاتراك –
    أرض جد خالد ، كما يجد زوجته التي لم يدخل عليها قد فقدت بكارتها فيناديه صوت جده الذي يسكنه ، يناديه
    للاقتصاص وغسل العار بالدم .. واخراج كل المدسوس والمتخفي في صندوقه الذي ورثه عنه ، يحثه على الثأر من قتلته
    .. وبعد صراع نفسي حاد يقتل خالد زوجته زينب التي خانته مع شاب كان يتردد عليها في غيابه وكذلك يقتل ابن
    عمها ( محمود ) ويضع صندوق جده العتيق الذي يحوي كل أوراق ملكية الأرض ، والأرض والقتال وكل أرثه من الخيانات
    والمؤامرات – فوق جثة زينب ثم يحرق البيت بكل محتوياته وهو يجلس ساهما إلى جانب حبيبته محترقا هو أيضا بنار
    ثأره .
    عرض للنص
    خرج منصور بوشناف من المحك بتجربة غنية … خرج شرها لعوالمه الأدبية والفنية .. وقد انعكست هذه التجربة على
    نصه هذا .. إذ نجده يصب من ذاته مهربا نفسه على لسان ( خالد ) بطل المسرحية ، عن موقفه من السجن ، الفن ،
    الحياة ، المؤامرة ، الخيانة ، الصحراء ، الأرث .، فهذه الالتقاطة إذاً والتي بنى عليها نصه تهيأت وتجمعت خلال
    أو بعد فترة السجن ، وأن الحبكة المسرحية ، وعمق الدلالات وتعددها في النص ( الصحراء ، العاصفة ، الشجرة ،
    الصندوق .. الخ ..) ، تؤكد اختمار الفكرة في ذهن مبدعنا ، هذا الاختماد أدى إلى صور شعرية بالمعنى المعبر عنه
    في جماليات مسرح العبث أو اللامعقول .
    مكثفة ومبتكرة وأصيلة … وانبثاقها عن هذا الشكل الرصين المتماسك .. هذا التنفيذ والتحقيق الذي يشير إلى
    تمكن الكاتب وقدرته على صياغة عمله وإمساكه بتلابيب موضوعة ويغوص هذا النص إلى عمق المشاعر الانسانية ، بيسر
    وببساطة ويسجل لحظات إنسانية غاية في الشفافية وغاية في الرعب والقسوة .. وتذكرك النهاية التراجيدية الفاجعة
    بالنهايات الشكسبيرية في مآسية العظيمة ( ماكبت ، هاملث ، لير ، عطيل ) فشخصية خالد بطل المسرحية تقع في
    تردد هاملت بين الفعل واللافعل ، القدرة وعدم القدرة ، وتظهر ملامح هاملت مرة أخرى واضحة في شخصية الرسام
    الشاب المصاب ( بعقدة أو ديب ) والتي يؤكد الكثير من الدارسين والمحللين لإبداع وليام شكسبير على ان هاملت
    كان شخصية مترددة تعاني من عقدة أو ديب وهي مفتاح الولوج لتحليل هذه الشخصية التي أبدعها شكسبير … كما نجد
    في مشهد الخنجر ( حالة تلك الرغبة الشكسبيرية في القتل وإلى محركات وعواقب هذا الفعل اللانساني بمأساته
    العظيمة ( ماكبث ) فكما قتل ” ماكبث ” ابن عمه .. يقتل خالد ابن عم زوجته أيضا .
    قسم الكاتب نصه إلى إربع لوحات متتالية .
    اللوحة الأولى
    تبدأ الأحداث بخروج خالد من السجن بعد ان قضى فيه عشر سنوات من القلق والانتظار .. لقد سيق إلى السجن قبل
    العرس بأيام … زوجته زينب انتظرت كذلك عودة زوجها ليمنحها فخارا لأمومة ( بأي شئ أجمل من أن تكون المرأة
    أما …؟ ) هما الآن يستعدان لبدء حياتهما جديد .. تشجعه على نسيان السجن الذي يصفه الزوج : بالجحيم وهوة
    العدم .
    ان زينب من فرحتها بعودة زوجها صارت ترقص على أنغام قصيدة ( أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق ) .. يتساءل
    الزوج كيف استطاعت أن تكمل انجاز البيت وشراء الاثاث رغم مقاطعة الأهل لها ، لأنها أصرت على السكن وحدها
    ولاصرارها على تكوين بيتهما المستقبلي فتخبره أن ( محمود ) ابن عمها قد ساعدها في ذلك .. فيغضب ويستنكر ذلك
    لأنه لا يحبه كثيراً لعجرفته وتكبره .. وتطلب منه أن لا يفسد عليها هذه اللحظات الجميلة بالحديث عن البناء
    وعذاباته .. يشربان الشاى وهما يتأملان الصحراء التي يقول عنها الزوج : بانوراما بيتنا الجميل ، فأحيانا تكون
    جميلة وهادئة وأحيانا تكون مزعجة وأن بينه وبينها حربا عمرها أكثر من ألف عام .. هي رغم زوابعها رتيبة ومملة
    كيوم السجن ) ويتساءل كيف بإمكانه أن يحب وهذه الصحراء خلف ظهره .. فتقول له زينب ” إن الحب لا يعرف أمكنة
    …إنه ينمو في كل مكان وتحت كل الظروف .. )
    ويضع الكاتب إشارة للكوتشيرتو الأربعين لموزارت كخلفية لهذه الصورة الشاعرية ، ينظر لزوجته بولّه على نغمات (
    موزارت ) ويتكلم بأسى عن شجرته الوحيدة تقترب منه زينب وتحادثه بأمل قائلة : ( لن تظل وحيدة . سنغرس مصدات
    رياح لاحد لها .. لن تكون وحيدة .. هاقد عدت ، صار بإمكانك أن تأخذ ثأرك من الصحراء .. سنأخذه معا .. )
    وتنتهي اللوحة بقصيدة .. أصبح الصبح ، من جديد .

    اللوحة الثانية
    نفس المكان .. الصحراء تبدو في الخلفية مضاءة بقوة إنه القيظ الشديد .. و ” خالد ” في أشد حالات توتره وغيرته
    من ” محمود ” ابن عم زوجته محمود الذي استولى جده أيام الاتراك على أرض جد خالد . وحين يدخل محمود مهنئا
    بالإفراج عن خالد .. لا يحسن استقباله فيضطر محمود للانسحاب محرجا ويزداد توتر خالد حين لا يعثر على صندوق أبيه
    ورثه عن جده ..فتخبره زينب أن الصندوق عندها إذا استلمته من أمه بعد دخوله السجن ، وتوتفع وتيرة الخصام
    بينهما .. فتخبره خائفة أنه يغار من محمود لأنه لا يثق بها ولا يثق بنفسه ، بتعود به مسترجعة ذكريات الدراسة
    الجامعية وذكريات حبهما .. وتتهمه بأنه ألغى في داخلها مشروع .. مشروع السيدة الأنيقة الفنانة التي لاتطيق
    رياح القبلي لقد أهدته فيما مضى لوحة ” ديلاكروا – الحرية المفقودة …
    ونلاحظ هنا توظيف المبدع للموسيقى والتشكيل الانساني العالمي والافادة منه في خدمة نصه ، وذلك لأن النص يتقاطع
    أو يتناص مع هذه الأعمال تأويليا .
    لقد كان خالد مجنون بتلك اللوحة .. كان يعيش قصة حب مع تلك المرأة المتصدرة الجموع في اللوحة ، تلك التي
    تتفجر قوة دون أن تغيب أنوثتها .. وحين يصبح وحيداً يخرج له طيف جده ، الذي يذكرنا بطيف الملك المقتول في ”
    هاملت ” شكسبير ، أيضا إضافة لما سبق ذكره في مقدمة التحليل .. يصفه جده بأنه ملعون مطارد وأن لعناته ستظل
    تلاحقه ، يصعق خالد لسماع وصف جده له بأن مرضا مشينا بطش بعقله .. مرضا لا يتوقف عن الاساءة له وللعائلة وأن
    ليس بإمكانه أن يكون جداً لعقل فاسد أفسدته الكتب .
    وحين يرد خالد بأنها ” المعرفة ” يقول الجد : أية معرفة تجعلك شحاذاً على أبواب ابن قاتلي ؟ أية معرفة تجعلك
    تتزوج هذه الفاسدة المارقة نفاية ” محمود ” ويحثه على طلاقها وعلى فتح الصندوق واخراج كل الحجج والوثائق التي
    تخص الأرض . إذ لابد من استرجاعها من مغتصبها .. يُذهل خالد لسماع ما قيل له عن زوجته .. فتعمى الغيرة عينية من
    جديد .. ويظل يهذى بالأرث والنار والعار .. وأن مايرثه الانسان يكون كيانه .. فيتهم زوجته بالخيانة .. ويفكر
    بصوت مسموع أنه آن له أن يفصل كل شئ وأن يصدر حكما بالاعدام على هذا الرأس .. هذا العقل المشين فمن يبذروهما
    يجنى أوهاما ..

    اللوحة الثالثة :
    نفس المكان .. الصحراء متوهجة .. زينب مهمومة .. يخرج خالد الخنجر من صندوق جده العتيق .. وهو في حالة نفسية
    يُوثى لها ينظر للخنجر وهو يهذى ( كما شكسبير في مونولوجة الشهير ” أهذا الخنجر .. ؟ ) . ، ما أسعدني بشقى
    الرحى ؟ ويقصد زوجته التي يشك بها والتي لن تخلف له إلا العار إن صحت شكوكه وجده الذي يورثه الثأر .. ترتعب
    .. ويظهر ذلك عليها فإن عروسا بلابكارة ” يبدو لها الخنجر مرعبا .. تطلب منه الهدوء للتفاهم ..( أتعرف معنى
    أن تكون المرأة وحيدة انها تصبح كيانا مهدداً .. تصبح فريسة لأوهامها وأوهام الآخرين ) تعترف له بأن رساما
    صغيراً كان يزورها .. وذات مرة بكى كطفل ، ” طلقها أبي منذ سنوات .. تركته .. وتبعتها كانت أما حقيقة .. كانت
    تستحق كل شئ .. والآن تزوجت جرحتني ” .. ( وكأنما هذا الشاب الذي يصغرها بست سنوات يعاني من عقدة أوديب لشدة
    ارتباطه بأمه ) … ويظل يبكي فتضمه إليها بحنان وهي تنعته بولدها الحبيب وتقبل جبينه ( تحتاج أما لاتتركك
    وان طارت عصافيرها . تحتاج حبيبة .. ( تضمه بقوة ) .. واحتاجك هذه الليلة أكثر .. ) ويمثل مشهد زينب والشاب
    الرسام عودة للماضي … تعود الاضاءة وخالد مازال على كرسيه مستشيطا ( خيانة .. أين شرعية عمل مشين كهذا) ..
    فترد عليه : إنه شرعية الإرث المرعب ” إن طوفانه يغرق كل شئ . وتتساءل كيف يبرر قتل من خالف إرث القبيلة الذي
    لايزيد عمره عن ألفي عام ولا يبرر عمل إرث عمره ملايين السنين ؟؟ لا يغسله إلا الدم .. إن البغى مهما تعطرت يظل
    يفوح منها العفن ) ، تطلب منه زينب ألا يصفها بهكذا أوصاف .. وأن بإمكانهما الافتراق بسلام .. وأن هذا البيت
    بنته له وأنها انتظرت عودته عشر سنوات .. ولكنه يستنكر صارخا أنه ليس بيته وإنما هو وكر للخطيءة وأنه ليس
    بإمكانه أن يغفر لها خطيءتها .. تخرج زينب غاضبة .. ويبقى وصندوقه وحيداً .. هذا الصندوق الصغير الذي يتسع
    لكل هذه المساحات من الأرض والقتال من الخيانات والمؤامرات .. يتساءل ويتساءل أنحرقه ونستريح .. ننسى .. نموت
    . فالبنسيان نمارس عملية قتل مرعبة .. ويخاطب روح جده التي تسكنه أتخيلك الآن أيها الروح الجليل وأنت تطوى
    هذا الثقل الهائل عبر سنوات طويلة .. وتسجنه هنا في هذا القمقم الصغير .. لينطلق في اللحظة التي تختار وتدمر
    كياننا .. يناولنا خنجره ليسود به لواسطتنا .. لست إلا عينيك التي ترى بهما ، ولست إلا إذنك التي تسمع بها ..
    ولست الايدك التي تبطش بها لم أعد إلا أنت أيها الروح العظيم .. فاهدأ أرجوك .. اهدأ قليلاً لأفكر في – الآن –
    ولتكن المجزرة .. اظلام .. وتوتفع العاصفة منذ رة بالكارثة .

    اللوحة الرابعة :
    تختفي اللوحة بما تحويه .. بكل تلك المعارف والقيم والمبادئ كدليل على فقدانها وضياعها .. ويقفل الباب المطل
    على الصحراء .. وصوت العاصفة يسمع قوياً وتتركز الاضاءة على الصندوق العتيق .. ، بينما خالد ومحمود وجها الوجة
    وكأنما هي ساعة المواجهة والمحاكمة وقد أزفت . يشعر محمود أن الجو متوتر فيذكر خالد أنه إنما جاء بناء على
    طلبه … ولكن خالد يدرك أن محمود تعود الحضور للبيت في غيابه .. وتعود ان يجلس هنا مع زينب ليؤنس وحشتها ..
    ويشعر محمود بما يرمى إليه حديث خالد حيث يسأله انها لطيفة .. أليس كذلك ؟. فيشعر محمود بالحرج ويقول له :
    انها فنانة حقيقية . فيقول خالد : أنا ايضا فنان ) .. فنان بالمعنى الذي يعنيه جدي الذي كان مارسه في السجن
    .. ( وهنا تظهر ذاتية الكاتب ) .. في السجن مارست العهر الروحي .. كنت كى احافظ على بقائي وسط جوكرية امنح
    روحي للجميع كانوا يصفونني بالمجامل .. ولكنني كنت عاهراً عندما أوافق على مالا أريد .
    لا اجامل .. بل اتعهر .. لابد انك من أجل الصعود الوظيفي حولت روحك إلى فنان ترضى كل الأذواق ..، يصفه محمود
    بأنه مرعب .. ويدافع خالد .. ( لست أنا المرعب .. ان الخيانة مرعبة داخلي حبسته سنوات طوال وكان يصرخ فيّ ..
    انك عقل فاسد .. وكنت احاول حرقه عندما يقف أمامي ولكن الرهبة كانت تمنعني هل تعرف .. كيف يموت نبيل ؟ كيف
    يموت فارس أذل وأهين يتزوير ومؤامرة خسيسة ؟ أقف أنا وأنت الآن .. وجها لوجه لابل جدي وجدك وجها لوجه ) ..
    يحاول محمود الانصراف ولكن خالد يصر ان يريه صندوق جده بكل محتوياته .. يمسك بالخنجر .. يخرجه من غمده ..
    قائلاً له : انه جميل أليس كذلك ؟ ! يحس محمود بالخوف فيبتعد قليلاً وهو يعترف انه رجل مسالم لا يحب السلاح . فيرد
    خالد عليه بسخرية ( مثل جدك .. دبلوماسي محنك ) وما ان يخرج محمود حتى تدخل زينب .. تفتح الباب المطل على
    الصحراء ، ومن الجلي انها اشارة للخلاص .. وتكون العاصفة قد هدأت ولكن تلك الشجرة الصغيرة التي كنا نراها في
    عمق المشهد قد اختفت وتتساءل عنها زينب فيقول لها خالد ، ( لقد اقتلعتها العاصفة كنت اعرف انها لن تستطيع
    المقاومة .. وهو يقصدها بهذه الكلمات العميقة .. لقد قرر خالد ان يحمل الصندوق ويمضي رغم الانواء .. تعترف له
    زينب بحبها ، وتعلقها الشديد به وانها لا تستطيع الحياة بدونه … ولكنه لا يستطيع ان يصدق براءة هذا الوجه ..
    كما انه لا يستطيع ان يغفر لها ( هم لا يغفرون .. إرث كامل لا يغفر .. ) فتقول له ، إن المسألة تخصهما ولا
    يعرفها أحد ، فيقول لها ، ( هم نحن .. انهم يسرون فينا .. يسرى فينا .. كل سنوات وخبايا هذا الصندوق فينا ..
    ولن نستطيع ان نطردها منا .. لو انه يترفق بنا .. بي .. لو يهجع لو يتركني افكر قليلاً .. لو أني استطيع ان
    ارحل أو أن انسى .. أو أن استيقظ من هذا الكابوس .. ( ينظر لمكان الشجرة في الخارج ) .. لو انها قاومت قليلاً
    .. لو لم تقتلعها العاصفة .. لو أن العاصفة تأخرت قليلاً .. تفهم زينب مغزي كلمات خالد فترد وكأنما تخاطب
    نفسها ، ( لو اني قاومت .. ولكنها غابة هذا الملعون جسدي .. عدوى الأول .. وتطلب منه ان يذبحها .. ان ينقذها
    من جسدها .. من لعنتها . يقبلها .. ويضع حد خنجره على رقبتها بينما هي تناجيه وتعبر عن حبها له .. عن دفئة ،
    ثم تنتقض دبيحة يدخل محمود من جديد .. وكأنما جاء لحتفه .. ينهض خالد والخنجر يقطر دما ومازال بيده .. يبرر
    محمود عودته بأنه احس ان عليه ان يأتي .. يخبره خالد انه كان بانتظاره وببساطة تامة يغرس الخنجر في قلبه ..
    ساعتك حانت ايها المخلوق الثقيل .. يسقط محمود على الأرض ورغم آلام الموت .. تبدو عليه علامات الذهول خالد يحمل
    صندوقه يضعه فوق جثة زينب ثم يخرج ليحضر برميل بنزين يرشه على الجثتين وبأركان البيت حيث يطلق النار ويجلس
    قرب جثة زينب ساهما محترقا بنار إرثه .

  • “عبد السميع في الزمن البديع”محاولة للفهم والاستفهام – بقلم / أحمد بللّو..- ليبيا مائة عام من المسرح-2-62

    “عبد السميع في الزمن البديع”محاولة للفهم والاستفهام – بقلم / أحمد بللّو..- ليبيا مائة عام من المسرح-2-62

     ​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-62 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​​

    “عبد السميع في الزمن البديع ”
    محاولة للفهم والاستفهام
    بقلم / أحمد بللّو
    في الفن يصعب التقييم ، فلكل خصوصيته ، شطحاته ، قدرته على التعبير ، غموضه وضوحه ضبابيته نصاعته ..قتامته
    ،ولوجود كل هذه الاختلاف وجد مبدأ الحرية .
    في الفن هناك جهد ، مثابرة ، سعى متواصل نحو المثال .. نحو تحقيق المثال ،ولكن أين هو المثال ، إنه هناك
    وليس هناك ، إنه ذلك الشيء الذي سنظل نطارده ونطارده ..هل ندركه أم لا ؟؟ لست أدرى .. ولكن الذي أعرفه أنه
    سيظل يتجدد .. ويتحول … ويتطور .. ويطلب المزيد من الجهد والمعاناة ، في المسرح في الشعر ، في الرواية ..
    وباقى الآداب والفنون .. وقبل هذا وذاك في الحياة ، في جميع نشاطات الإنسان الطيبة .
    عذراً ..كنت أود أن أقول ، إننا بصدد جهد طيب ، ومثابرة طامحة ، جهد تحلق حوله كل المشتركين فيه .. وأمدوه
    بالدفء والنشاط والحنو والحرص حتى خرج من بيضته العدمية .. ليبدأ صراعه المشروع نحو التحقيق . وهكذا هي
    المسرحية .. تقدم لنا هذا السعى المتواصل … للتحقق .. تحقق الكينونة المختارة .. والمشتهاة ..سؤال هاملت
    القاطع أكون أو لا أكون .. تلك هي المسألة .. الحلم الطائر أمامنا بأجنحة من نور .. وعذوبة .. وعنفوان ” ضعوا
    كل شيء موضع الشك ” هكذا يقول المداح .. وهكذا هي الحياة ، تاريخ الحياة ، ذاكرتها المتوقدة فينا .. عرافة
    كل الأزمنة .. ومعيار كل العصور ” ليس مهما أن نخلق العجائب ، المهم أن نجد من يفهم العجائب وليس مهماً أن
    يكون لنا رأس وقدم ولكن ” أين الرأس ..أين القدم ؟” تنقيب عن الأسئلة الجوهرية في حياتنا ودفع إلى الأمام ”
    استيقظوا أيها النائمون ” فطروادة سقطت وأتضح الخواء ..إن حياتنا جديرة بالرثاء .. وواقعنا الإنساني مدفوع
    على قطار جحيمي نحو الكارثة .. فلست أدرى كيف هذه المراوح تدور وأبوابنا مقفلة ؟؟ نحتاج الهواء والشمس ” أما
    أنا فسأخرج .. هجرت أغلالى وسلاسلي ومن الدفء في قلبه ..لا يخاف البرد أنا في كل أرض وفي كل مكان كنت في روما
    .. باريس … كنت في بغداد ، أغني للحياة في زمن الموت … للسلام في زمن الحرب … للحب في زمن الكراهية ”
    إذن هي رحلة الإنسان في كل مكان وزمان ألم تقل الخامسة وعبد السميع في بداية المسرحية ” كل الأزمان مختصرة ”
    والمكان يتسع لكل الأمكنة .. ومازلت أحمل شوقاً للتناسق والفرح .. لن أعيد أخطائي السابقة ” لن أقيد الأحداث
    والكلمات .. يكفيني أن أوجد حلما ” “الصعاليك ، الشنفري ، تأبط شراً عروة … أسماء لرجل واحد .. رفضه شرع
    أعمى .. أعور .. أعرج ” ” رأوني في الوحل .. فقالوا أنت الوحل .. لذا هربت من كل لافوق .. لاأسفل المرض ،
    الفقر ، الحروب الظلم ” هربت نحو الحلم الفرح ..” ضد التيار ” ضد الممنوع ..ضد الوأد “كل شيء أصبح فاسداً ”
    الأفكار الأحجام ، الأشكال ، الناس .. ” ضيعت زمن الحلم يوم ضيعت طفولتي ” لهذا سأخرج ، سنخرج .. هذه بعض
    المقاطع التي وردت على ألسنة شخصيات المسرحية .. عبد السمع أبي مسكين ..المداح ..الخامسة .. والتي يقوم
    بتشخصيها ..” عبد الحق الزروالى” ..و” منية الورتاني “، ولا أرى أي تناقض بينها – فكلها شخصيات تسعى للتحقق
    ، وصراعها مع الواقع – مع الوأد .. الوأد في التاريخ وفي الواقع .. واقع المرأة وواقع الرجل ..الفكر .. الفن
    ، الأدب ، الوأد كظاهرة حدثت في الماضي .. وظلت تكرر نفسها ..فإن هي حدثت على المرأة بالذات إلا أنها ظلت تحدث
    على الكل وفي جميع المجالات وعلى جميع المستويات .. العربي والإنساني .. الفردي والجماعي .. الواقعي والحلمي
    وهي إذ تقدم ما هو كائن .. فتعريه وتفضحه .. وتضعه في الركن الصعب ليتم اجتثاثه .. وبتر ما تعفن فيه .. وضخ
    الدم الجديد فيما ظل يقاوم ويحدق دون مواربة أو خجل أو وجل نحو الأمام لكنها تقدم النقيض .. الحلم .. من خلال
    عملية الهدم .. تبدو عملية البناء والخلق ..ومنذ البداية نجد أنفسنا أمام جدار يسقط مع الخامسة .. وهي تحطم
    الحاجز الذي يحنط العلاقة بين الخشبة والصالة .. إلغاء الفاصل الزماني والمكاني يبن الفن والواقع ..وبين
    الواقع والرؤية .. وكأننا بالخامسة تقول لاشيء يجيز هذا الفصل التعسفي فنحن نقوم بعملية هدم وبناء فليشترك
    فيها الجميع ..نحن لم نأت لنسليكم ..بل جئنا لنعيش معاً هذه المساحة المختصرة ومعاً فوق المساحات الأوسع ..ومن
    ثم لننتشر .وبعد ذلك تبدأ المسرحية في عمليات الهدم ..هدم العلاقة المميتة يبن عبد السميع وواقعه ..والعلاقة
    المريضة بين الخامسة وعبد السميع بين الواقع والتاريخ المزور ..وبين الحلم والواقع المتردي .. وهكذا هذه
    العلاقات التي تعفنت ..فلم يعد يمكننا إخفاء ماكان مخفيا ..إنطلاق إلى الأعلى … وإلى الأمام .. وهدم الماضى ..
    وتعريته ..هدم الحاضر من أجل المستقبل ..هدم الحدود … هذه الحدود ..التي رسمت بالطباشير .. والأسلاك الشائكة
    ، والعصى – وهذه الحدود التي تسرطنت وانتشرت حتى داخل الإنسان نفسه .. ومادام الأمر كذلك – فطبيعي أن توجد
    حدود بين الخامسة وعبد السميع .. وبين عقل الخامسة وعقل عبد السميع بين جسديهما .. وكلماتهما ..بين عبد
    السميع وجسده وقلبه وعقله بين الخامسة وعقلها وجسدها وقلبها ..بين الرؤى والطموحات .. ولهذا وحينما تختنق
    الأنفاس ..لابد من أن يمزق الإنسان نفسه ..لابد أن يخرج حبة القلب ويزيح عنها التراب لتتنفس ..ويفتح صندوق عقله
    ويخرج منه المصباح .. ليعيد إشعاله … وتزويده بالزيت لابد أن تهدم الجدران .. أن يحطم عبد السميع بيته
    وقلبه ليبحث عن فضاء أوسع ..خلاء خال من كل القواعد والأوامر المفروضة بالسوط والعصى .. والسيف ..من كل الشروط
    المسبقة .لابد من الهدم لنبني من جديد ..وهذا ما يحدث بالفعل .. تتشظى علاقة عبد السميع بالخامسة فيهدم عبد
    السميع نفسه ..عبد السميع الآسن ..عبد السميع الذي طحنته العادة ..والدوار اليومي ..ليبحث عن عبد السميع
    الآخر .. المتفتح ..المتوقد .. المشرع على فضاءات أوسع ..ومع الآخرين وهنا تجد الخامسة نفسها أمام نفسها …
    ومن ثم أمام خامسة أخرى فتهدم الخامسة الجديدة الخامسة القديمة..وتخرج من القبر .. لتولد من جديد .. وتعيد
    صياغة خامسة أخرى .. غير تلك التي تشرخت وشاخت وتكتشف أن لا وجود للواحد المنفرد في الحياة ..ولا وجود لعلاقة
    سوية بين عبد وسيد يبن قاهر ومقهور .. فتزيح آثار الواد .. وتنطلق لتجد الواحد الكل .. والكل الواحد .. دون
    فقدان السمات .. والتميز والتنويع .. لذا نجد الخامسة تعلن بعد أن وصلت إلى يقينها الجديد القائل أن الحب لا
    يولد إلا بين ذاتين واعيتين .. والولادة لا تتم إلا في زمن الخصب المتبادل ..والمشترك .. إلا في زمن التطلع إلى
    الأعلى وإلى الأمام ..ليس وجوداً فردياً .. ولاولادة فردية ..لأن الآخرين هم الهواء .
    أيها الناس
    أيها الناس
    من رأى منكم عبد السميع ضائعاً
    فليرده إلىَّ
    من رآه جائعاً
    من رآه مقهوراً فليرفع صوتى محتجاً .

    إنها لم تعد مقهورة ..ولا قاهرة ..لكنها عادت إلى حقيقتها أما ولوداً وأرضا خصبة..وفضاء يتسع ليشمل الكل – هذا
    الكل الذي خرج عبد السميع يبحث عنه..وليولد فيه – تخرج من رمزها المحدد ..وإلى رمزها المتسع .. الواعد ..
    الموعود .هذا بإيجاز عن النص .. وإن كنت لا أحب الفصل في هذا العمل بالذات بين النص والعرض .. بين التأليف
    والإخراج .. وبين الإخراج والتمثيل فما كان على المسرح – هو تفاعل هذه العوامل مجتمعه كان الهدم يتم في النص
    وفي الإخراج وفي التمثيل – وكان الأداء جيداً .. فالتماسك والتوتر الايقاعى … وتناغم العناصر المشتركة فيه ..
    بضبط إخراجي وحس واع .. ابتعاده عن الحذلقات المشوهة .. تلقائيته الواعية ومع أن المسرحية معنية بفعل الهدم
    والبناء ..ونحن نعرف ما يصاحب هذا من ضجيج وفرقعة – إلا أن الهدم يتم بشكل غنى راق – المخرج يقود عملية
    الهدم بدون انفجارات طائشة أو استهلاك مأزوم وبتصويب جد محكم .. ودقيق ..إنه يقدم فنه بثقة .. ورصانة .. ومرح
    مشروع ..وعنفوان زاخر .أما التمثيل فقد امتاز بفاعلية فذة .. وتجسيد لدراما العمل .. تحطيم كل الكليشيهات
    ..كسر التابوات .. واللاءت الكابحة .
    الجسد يوجد دون خجل حريمى – دون طاووسية ذكرية، دون الإحساس بالعار .. الجسد يتجوهر عند ” منية الورتاني ”
    ويخرج من إطار الدمية ..المومياء ..إلى دوره الطبيعي .. ليس كوسيلة للتعبير فقط ..ولكن ككيان له الحق في
    التعبير عن جوهريته .. وتخليه عن سكونيته واستلابه كأداة للمتعة ..وساحة للتنفيس .
    الصوت يعود إل إمكانياته ..إنسانيته .. إيقاعه الحقيقي .. قدرته على التأثير .. والتوصيل لكل ما يموج داخل
    الكيان الإنساني الطامح لإعادة الاعتبار لذاته المهشمة ..دون علك الكلام ..وسط الدعارة ..أو الصراخ السمج ..
    وقرقعة التنك الفارغ ..
    التناسق بين المشتركين دون تعد على أحقية الآخر في الوجود فوق الخشبة وفي الواقع ..
    الاختلاف التكامل .. والتكامل الخصب والنماء .
    وكثيرة هي الومضات .. والإشراقات ..التي تحتاج لوقت أطول .. ومجال أوسع ، ودراسة متمهلة .. وكان عدم توفر
    النص عائقا أمام استشهادات أكثر شمولية ،وأكثر دراية بمكنونات المسرحية وليست هذه سوى وقفة سريعة ، أمام جهد
    طموح ، وتجربة جيدة من أجل كسر الحدود ..ولم الشمل ،والوصول إلى أرضية مشتركة من أجل تفاعل عري مشترك ،
    ووثاب .
    شكراً لكل من شارك في هذه التجربة ، مع الأمل في أن نرى محاولات أخرى ..

  • “تراجيديا السيف الخشبى ” والنشاط الخلاق لفرقة الجيل الصاعد – بقلم / فوزي البشتي..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-61

    “تراجيديا السيف الخشبى ” والنشاط الخلاق لفرقة الجيل الصاعد – بقلم / فوزي البشتي..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-61

     ​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-61 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​

    “تراجيديا السيف الخشبى ”
    والنشاط الخلاق لفرقة الجيل الصاعد

    بقلم / فوزي البشتي

    “تراجيديا السيف الخشبى ” هي واحدة من الأعمال المسرحية المبكرة والمتميزة التي كتبها فنان من المغرب اختطفه
    الموت قبل أن يقول كلمته كاملة … والذين تتابعوا أعمال ” محمد مسكين ” واجتهاداته المسرحية ، كانت فجيعتهم
    كبيرة بوفاته ، لأن قدراته المسرحية وإمكانياته الكبيرة وعشقه للمسرح كان أكبر من سنوات عمره القصير .
    “فرقة الجيل الصاعد ” التي قدمت خلال الموسم المسرحى الماضي مجموعة من العروض المسرحية الجادة ، وأقامت
    مهرجان الفنان ” مختار عوبة ” الذي قدمت خلاله عروض مسرحية لمجموعة من الفرق المسرحية غطت أكثر من أسبوعين ،
    هذه الفرقة الجادة والمثابرة اختارت أن تقدم ” لمحمد مسكين ” مسرحيته ” تراجيديا السيف الخشبى ” التي سبق
    أن قدمت في إطار المهرجان الوطنى لمسرح الهواة الذي أقيم في ربيع 1987 بمدينة ” آسفى ” المغربية ،وقد قدمتها
    فرقة المسرح العمالى بمدينة وجدة ، بإخراج ” يحيى بودلال ” ، وكانت ” فرقة الجيل الصاعد ” قد شاركت بها ضمن
    فعاليات ” مهرجان محمد مسكين ” المسرحى الذي أقيم تخليدا لذاكراه ، بمدينة ( وجدة ) المغربية ، أواخر العام
    الماضي ، وقد عادت فرقة ” الجيل الصاعد ” وقدمتها باخراج عبد الله الزروق في ساحة مسرح الكشاف لجمهور تابعها
    باهتمام وتقدير طيلة أيام عرضها ، خلال المدة القليلة الماضية .
    ” السفر إلى السراب”
    عندما يصطدم وطننا العربي الكبير بكل تناقضاته وتقلصاته ، بواقعه بحثا عن تلك القوانين الموضوعية التي تحكم
    مسيره ،والتي يمكن له أن يكتشف بها طريق المستقبل ، فيبرز الحلم أملا طموحا في غزو هذا المستقبل المجهول ،
    ولأن الحلم منطقيا وسيكولوجيا لابد ان يكون صورة مضخمة أو مثالية من هذا الواقع تحمل كل تشابكات الماضي
    البعيد والكامن في اللاوعي ، فإنه بالضرورة لا يستطيع أن ينفصل عن نبض هذا الإنسان العربي الحالم بالمستقبل
    القادم .
    ومسرحنا العربي اليوم يجهد ذاته بحثا في أعماق لا وعي الإنسان العربي مفتشا عن خصائص تكوينه ، مفجراً تلك الآلام
    التي صنعته ، ويكبتها حتى ل يتصادم معها يوميا ، مؤكدا عن الانسان العربي الحالى ليس إلا محصلة ” سيكولوجية ”
    واجتمعية وفكرية لتراث حضاري ضخم ،ولن يستطيع هذا الانسان العربي أن يغزو غده القادم إلا بتسلحه بموقف علمى
    جاد من تراثه وواقعه ومستقبله وبتلك الخيوط الدقيقة الموصلة بين هذه الأزمنة الثلاثة .
    والكاتب المغربي ” محمد مسكين ” وهو يضع موهبته ” حتى وفاته ” على طريق البحث عن نمط جديد لمسرحية عربية
    تؤصل وجودها في تراث الثقافة الشعبية ،وتشيد دعائم وملامح أبطالها من داخلها ، فيقدم لنا في مسرحيته ”
    تراجيديا السيف الخشبي” محاولة لتشكيل بطل قومى ويستدعى من التراث كل الملابسات التي كونته ، عارضا إياه من
    الداخل مزيلاً عنه كل الغلالات الإسطورية التي طرحها الإنسان العربي عليه هروبا من واقع مر وإحباط قائم ، بخلق
    بدائل اسطورية تحقق في الفعل الدرامي ما يعجز هذا الإنسان عن تحقيقه في الواقع العملى .
    وإذا توقفنا قليلا ، عند ذلك النموذج ” الفرد” الذي تسعى كافة أعمالنا المسرحية ” التي تستمد مادتها من
    الثقافة الشعبية ” …على طرحه والتأكيد عليه ،وإذا حق لنا أن نتساءل ، إلى متى نظل نتعبد في محراب البطل
    الأوحد ؟ وما هو دور قطاعاتنا الشعبية على المسرح ؟ فإن في إمكاننا أن نجد إجابة التساؤل الأول ،الذي حاولت
    مسرحية ” تراجيديا السيف الخشبي ” أن تصوغ إشكالياته إلى حدٍ ما ، وان تعيد النظر في البطل الفرد ،والذي يحمل
    قيما مثالية ، قد تتعارض مع واقع مخالف وإن وقعت من حيث لا تدري أو – من حيث هي تدرى – في خطأ استخدام مناهج
    عصرية مخلوطة بأساليب شعبية ، أدت إلى ظهور نوع من عدم الفهم في مسير ومبتغى العمل ، فالمسرحية تبدأ بأن
    تشيد معمارها على مستويات ثلاثة .
    مستوى الحاضر المرئي أمامنا :– حيث تتواجد مجموعة من الممثلين تنصب ” “عربتها ” لتفرجنا على فنها وتستدعى من
    الحواديث شخصيات العرض المسرحي.
    مستوى التاريخ المتخيل ، وتدور أحداثه في أزمنة متداخلة وأبطاله ” عنترة بن شداد ” و” دون كيشوت” و” شهرزاد
    ” و” أوفيليا ” و”نابليون ” وغيرهم ، وكل هؤلاء يتداخلون في زمن مكثف وموحد ،ويظلون دائما خارج عصورهم
    وأزمانهم ،وكأن المؤلف عندما يجمعهم في زمن واحد ، يريد أن يقول إن قضيتهم ذات ملامح واحدة وإن اختلف مسار
    التاريخ .
    مستوى الأسطورة لمتخيل :- وهو الذي تستدعى من داخله شخصية ” عنترة بن شداد ” بأتباعه وبعض مجزوءات عالمه
    الأسطوري وإن حمله المؤلف الكثير من سمات الشخصية غير العربية وهي شخصية ” دون كيشوت ” ومحاربته لقوى خيالية
    ورحلته وراء سراب لا ينقشع .
    ويتداخل هذان المستويات الأخيران طوال عرض المسرحية ويتناوب الممثلون تقديم هذه الشخصيات المتداخلة ، دون
    تحديد درامي لأي منهم ، بالإضافة إلى الدخول والخروج بين الشخصيات التاريخية المتخيلة والأسطورية والواقعية
    ،وإلى كم المفردات الشعبية التي استخدمها المخرج في العرض ، أدى إلى تخلخل العرض المسرحي الذي حمل بدوره
    أفكاراً مخلخلة كانت نواة اهتزاز الرؤية بأكملها.
    فإذا حاولنا أن نلتقط تلك الأفكار فسوف نجد بين أيدينا بعد تجاوز مشهد الافتتاح الذي نتعرف فيه على شخصيات
    المسرحية عبر فرقة مسرحية جوالة ترحل نحو حلم مستحيل بزمن متداخل يلتقط شخصياته من أزمان متباعدة ومتناقضة
    أيضا ، حيث يتبادلون الأدوار من عنترة إلى دون كيشوت إلى شهرزاد إلى زنوج أمريكا ورئيس أمريكا ،وكل هؤلاء
    تتداخل شخصياتهم فيصبح الرمز التاريخي تجسيدا واقعيا ويتحول دون كيشوت إلى عنترة أو إلى ” أحمد العربي “الذي
    ينهل من الكتب ويعشق المأساة العربية في بارات ” مليلية ” شربتها حتى الثمالة ، أنا من قرأ الأشعار وردد
    الأناشيد ، آه على الأناشيد ، وعنترة بن شداد عاد ، أنا أحمد الفوارس الملقب بــ ” دون كيشوت “.
    وتأتي شهرزاد ليبدأ السفر : ” سفرتنا ياسادتى الكرام تبدأ في سوق عربي ، والسوق حظيرة لكل الحكايا ، حظيرة
    للرعب ، للموت للانكسار ، حظيرة للبسمة ، للحلم للميلاد ، عنوان سفرتنا هذه ” عنترة بن شداد يبحث عن عبلة في
    هارلم “.
    ولا ندرى لماذا ” هارلم ” ربما لأنه حي السود في أمريكا ، وعنترة أسود اللون إن صح كلام الأساطير وكتب التاريخ
    ،ولكن عنترة يرحل إلى ” هارلم ” لكي يأتي بمهر “عبلة ” هذه هي قضيته الأساسية ويذهب ” عنترة ” إلى هارلم ”
    ليسكر ويلخبط كما يشاء ، ويعتقد أن ” هارلم ” مدينة أمريكية فيخاطبها هكذا ” ” هارلم … يا هارلم يا مدينة
    الإنسان الصلصالى ، يا مدينة اللون الواحد ، يامدينة بلا فصول ، ياصاحبة العيون الليلية “.
    ويغضب عنترة لأنهم قدموا له خمرة مغشوشة وبدون “ميزة” أيضا ويكتب إنذار إلى الرئيس الأمريكي يتحول فيه الاحتجاج
    على تقديم الخمرة بدون ” ميزة” إلى مطالبته له بضرورة النطق بالشهادتين “هكذا؟!” ومن أجل ذلك يتم القبض على
    عنترة ، ويثقلون كاهله بالتهم ” جئت تزرع خطوات اليأس والكآبة في بلاد الحرية جئت لتتجسس”.
    وينتهى المشهد الأول وعنترة يردد : ” أنا السيف الخشبى يعترف ان سيفى من صنوبر لبنان ، وصنوبر لبنان مرشوش
    بالدم العربي مكسور بالريح الجنوبية … أنا ” دون كيشوت ” صاحب السيف المكسور “.
    دون كيشوت يحارب بالكلمة
    يتحرك هذه المشهد في سوق عربي ، يشخص سليمان دور الاسكافى سعدون ، دور العطار ، دون كيشوت دور شاعر في الأسواق
    ، حمدان دور الممثل الضائع بين الأقنعة وتتداخل شخصيات أخرى هكذا دون مبرر أو خط درامى ينسج الحدث ويبنيه
    ،ونعرف ان هذا الخليط العجيب من الشخصيات ، يسعى لتحقيق حلم العدالة الاجتماعية ولكن بالكلام فيقول دون كيشوت
    : ” العشق شفاؤنا يا أبا السعد ، يجب أن نعشق ياحمدان ، نعشق كل العالم ، لأن العشق حب ، ويجب أن نحب ، إنه
    أغنية ” قصيدة ، ترتسم مخرجا لبؤسنا ، فلنجعل شعار هذا العصر شعراً .
    ويقول له سليمان : ” وهل سيخرجنا الشعر من الفقر بدون كيشوت ؟ فيجيبه دون كيشوت : ” الشعر ملجأنا انه يجفف
    الدمع في المحاجر ويجعل الضروع الجافة تمطر خيراً ، الشعر مخرجنا من الفقر فلنغن شعرا” .
    وعبر المسير المتقطع لشخصيات هذا المشهد ، تقدم لنا المسرحية حلم اليقظة الذي عاشته تلك الشخصيات المنعزلة
    عن جماهيرها الباحثة فقط عن دور في تخليصها للحبيبة ..” أوفيليا ” أحيانا و” ليلي العامرية ” أو ” بلقيس ”
    بعد أن كانت عبلة أحيانا أخرى وهكذا فإن ثرثرة هذه الشخصيات التي تتحرك في الفراغ ليست اختيارا لغزو العالم
    بقيم مفتقدة بل هي سيطرة مرضية للبحث عن دور غير مطروح في الساحة ، ويصبح اللجوء إلى الحلم هو البديل للعمل
    الثوري في الواقع الصاخب وخلال سير العمل تتأكد المقولة الأولى التي تبثها المسرحية ، وهي هزيمة الحلم أمام
    الواقع وانكشاف الكذب أمام حقائق الحياة ،ولكن فجأة ينقلب العمل على ذاته ،ويدافع عن الحلم والأكذوبة وينادي
    بضرورة الانغماس في الحلم ، لأن ذلك هو الأمل الوحيد للناس … مزايدة من خارج الفعل الدرامي ، أضافت للعمل
    مزيدا من التخلخل ومزيدا من طرح التساؤلات .
    عن ماذا يدافع هذا العمل المسرحي ؟ عن الحلم الذي يسعى المعتدى لسرقته من الشعب وحواديثه ؟ أم ضد الحلم الذي
    صرعه الواقع ؟ وهل أصبح الحلم هو حاجة الناس في زمن القوة وأملها الوحيد ؟ أم العمل النضالى هة حاجتها
    الأصيلة؟.
    ان المشهد يحلق في فراغ ولا يصل إلا إلى السراب ، وهذه الخاتمة البائسة التي يبدأها سليمان بقوله : ” لأن
    الكلمة إذا أحسن استعمالها تجلب الأموال .
    فيجيبه أحمد : – ” قلت إننا شعب الكلمة ، ولأن الله خلق العالم والوجود بكلمة كن ، فكيف لا تخلق الدراهم بالكلمة
    ؟
    وتتحرك العربة نحو المشهد الثالث دون أن تقول شيئا سوى ان تعيد تدوير اللعبة المسرحية في الفراغ ، حيث
    الشخصيات الثائرة الحالمة بلا أقدام ثابتة على أرض الواقع أو متمردة هو جاء بلا قضية جماعية تؤمن بها .

    الإخراج والتمثيل
    مخرج هذا العرض هو الفنان ” عبد الله الزروق ” وهو من أبرز المخرجين الشبان في بلادنا ، فقد استطاع ان يقدم
    مجموعة من المسرحيات عرف فيها باجتهاده وإصراره على الخلق والابتكار والتميز وهو في هذا العرض حاول ان يضع كل
    إمكاناته وخبراته فنجح أحيانا وأفلت منه الزمام في أحيان أخرى ، وقد أحسن ” عبد الله الزروق ” في تكوين المنظور
    المسرحي في المشهد الواحد مع الخط العام ، ودمجه بتناسق مع المشاهد الأخرى ضمن الرؤية الواقعية للنص والإخراج
    ، إلا أنه ليس من السهولة إيجاد عمل متكامل تماماً ضمن الظروف المتاحة لمحيطنا المسرحي العام ، حيث تظهر
    الأخطاء التي لابد للمخرج من الوقوع فيها والمتأتية على الأخص من ضعف الإمكانيات المقدمة لمسارحنا ، سواء منها
    ما يتعلق بالركح المسرحي وعدم صلاحية ما هو موجود منه لتقديم عمل مسرحي متكامل أو اختيار العناصر البشرية ،
    وانتقاء الممثل الجيد للدور المناسب ، والشخوص النسائية على الأخص ، ومنها ما يتعلق بالإمكانيات المادية
    المساعدة لعرض مسرحي جيد .
    ورغم ضعف وفجاجة النص المسرحي فقد استطاع ” عبد الله الزروق ” أن يقود فريق العمل باقتدار ، بحيث أحكم قبضته
    على حركة الممثلين فالحركة تحدث تعبيراً موازياً لسير الأحداث وقد استغل ساحة العرض المفتوحة ” محطة السيارات
    التابعة لمسرح الكشاف ” استغلالاً علميا وحسنا ، وحافظ على توازن الإيقاع واستخدم الإضاءة بفهم وحسٍ مسرحي حيث
    جاءت وكأنها ضمن شخوص العرض المسرحي .
    لقد أرهق ط عبد الله الزروق ” نفسه وأجهد ممثليه ، وحاول أن يوجههم بخبرته وفهمه نحو التلاؤم مع أدوارهم في
    مسرحية أقيمت أسسها على الخواء .
    ورغم ما بذله عبد الله الزروق من جهد يستحق عليه الثناء فقد ارتبك الممثلون أحيانا وفقدوا حماسهم أحيانا أخرى
    وأدوا أدوراهم بفتور ووهن وإحباط ، وكثيراً ما كانوا يتوقفون في الوسط تماماً فلاهم يعبرون عن تلك الشخوص بحيث
    نقترب أو نبتعد عنها ، نتعاطف أو نأخذ منها موقفا ،ولاهم قدموا مسافة للتهريج لا تخضع إلا لمنطق التسلية ،
    فالنص أساساً لا يسمح بتشكيل منطقة درامية تتخلق من خلالها الشخصية على خشبة المسرح وتدفع بالممثل إلى منطقة
    الإبداع الفني ، لأن الشخصيات مرسومة بشكل هامشى سريع وبالتالي فقد اكتشف الممثلون أنهم مجرد مؤدين لكلمات ليس
    لها ملامح إنسانية أو درامية ، إنما هي كلمات في المطلق ، فحاولوا الدخول إلى مناطق الملهاة فضاعفوا من مساحة
    التهريج وطوحوا حتى بقايا هذه الكلمات .
    تحية لفرقة الجيل الصاعد الرائدة ، وتحية للمخرج الفنان “عبد الله الزروق ” والتقدير لكل الفنانين الذين قاموا
    بأدوارهم وبذلوا جهداً أعرف أن فيه المشقة والعنت وأخص بالتقدير الفنانة ” خدوجة صبري” لو أنقصت من أخطائها
    في اللغة ومن وزنها أيضاً ، والتقدير كل التقدير للفنانين المتألقين دائما ” عبد الرزاق أبورونية ” و”عيسى
    المعداني ” و” عبد الباسط أبوقندة ” و ” أحمد إبراهيم ” ومناظر ” علي البركي” البسيطة والمعبرة والموسيقا
    التصويرية والالحان التي وضعها ” البدري الكلباش ” و” صالح الورفلى ” على الإدارة المسرحية الجيدة أما الصديق
    الشاعر ” نصر الدين القاضى ” الذي لم يشر إلى اسمه ، فإنني أحييه على أشعاره الرائعة ، عسى أن تعوض هذه
    التحية تجاهل مخرج العرض له .

  • كاتب ومسرحية من ليبيا – بقلم / تيسير بن موسى ..ليبيا مائة عام من المسرح -2-60

    كاتب ومسرحية من ليبيا – بقلم / تيسير بن موسى ..ليبيا مائة عام من المسرح -2-60

     ​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-60 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​

    كاتب ومسرحية من ليبيا
    بقلم / تيسير بن موسى
    كاتبنا في هذا العدد “عبد الرحمن حقيق” كاتب وفنان ولد ونشأ في أسرة عشقت الفن وأعطته جهدها ووقتها
    وكان رائدها الفنان المرحوم “محمد حقيق” والد “عبد الرحمن” الذي مازالت بصماته في مجالات الفن المختلفة مصدر
    الهام للكثير من فناني أجيالنا الحاضرة.
    التحق كاتبنا مباشرة بميدان الفن بعد حصوله على الثانوية العامة وأوفد لمدة سنتين إلى “بريطانيا” لدراسة فن
    السيناريو كما التحق بعد ذلك بدوره في الإخراج في العاصمة السورية “دمشق” وكانت أولى محاولاته في الكتابة
    المسرحية، مسرحية “قلب من حجارة” نشرت بمجلة الإذاعة عام 1973 وفي بداية السبعينيات أيضا ألف مسرحية – التي
    سنعرضها بعد قليل- “الزنجي الأبيض” التي صدرت مطبوعة في كتاب عام 1976 كما عُرضت على خشبات المسرح مرات عديدة
    وقد شغلته الكتابة للإذاعة المرئية عن انجاز أعمال مسرحية أخرى وإن كان الآن – كما أخبرنى – بصدد الإنتهاء من
    مسرحية جديدة بعنوان “أصل ومفصل” ولكن أعماله التي قدمها للإذاعة المرئية تحمل الروح المسرحية ونكهتها وكانت
    بداياته في الإذاعة المرئية بتمثيلية “بنت بوها” في عام 1976 ومن أعماله الأخرى “عايدة” و”مكالمة هاتفية”
    و”سويلمه” و”صويلح” و”من وسط الناس” و”زهرة على الطريق” و”الكادح” و”أوراق الأمل” .. وغيرها.
    تعتبر مسرحية “الزنجي الأبيض” عملاً متميزاً لعبد الرحمن حقيق فقد ناقش من خلال مسرحيته قضية إنسانية كبرى وهي ”
    التمييز العنصري” الذي يمارسه الأبيض الغربي على الشعوب الملونة كاشفاً ومعرياً الأساليب الخبيثة الخسيسة التي
    يقترفها الأبيض بحق الأسود وهو الذي يدعي الحضارة والتمدن والرقي ويقول الكاتب المسرحي المعروف “ألفريد فرج”
    الذي كتب مقدمة هذه المسرحية المنشورة في الكتاب (تتميز مسرحية “الزنجي الأبيض” في المحل الأول بأن نظرتها
    شاملة لهذا العالم الذي نعيش مأساته بين الأبيض والأسود وبراعة المؤلف تتبدّى في نسجه الموضوع العنصري مضفوراً
    في المشكلة الاستعمارية على نحو واع والذي لفت نظر الأستاذ “ألفريد” ذلك الحوار الذي اعتمد فيه المؤلف
    الطريقة الانكليزية في النطق والإصطلاح اللغوي، ومهما يكن رأي علماء اللغة العربية الذين يعترضون على استعمال
    اصطلاحات الآخرين اللغوية على حساب لغتنا العربية أقول إن لجوء “عبد الرحمن حقيق” إلى ذلك الأسلوب في الكتابة
    قد جعل القارئ أو المشاهد يعيش المناخ الإنكليزى رغم أن الشخصيات الانكليزية في المسرحية كانت تتكلم العربية.
    عرض مسرحية “الزنجي الأبيض”
    تتألف المسرحية من ثلاثة فصول تجري أحداثها كلها في مكتب الحاكم الانكليزي العام لإحدى المستعمرات البريطانية
    في أفريقيا.
    يبدأ الفصل الأول بحوار بين الحاكم البريطاني وأحد الصحفيين الانكليز واسمه “تشارلي” وهو يصدر صحيفة “اليوم”
    في هذه المستعمرة ومن خلال الحوار نفهم ان هناك ثلاثة زنوج قد قتلوا في أحد شوارع المدينة الرئيسية وحفظت
    القضية ضد مجهول.
    وأن الصحفي الذي يُبدى تعاطفاً مع السود سكان البلاد الأصليين يخبر الحاكم أن لديه شهوداً يعرفون القاتل وأن ذلك
    الأمر الذي نشره في صحيفته قد أثارت حفيظة الحاكم فناداه إلى مكتبه ليوبخه ويعلمه بأنه أصبح شخصاً غير مرغوب
    فيه وعليه العودة إلى بريطانيا واقفال صحيفته. ويهدده الصحفي بأنه حين يصل لندن سيثير هذه القضية بين صفوف
    المعارضة التي تنتظر فرصة للنيل من حزب المحافظين الحاكم لكن الحاكم لايعير ذلك التهديد التفاتاً وينهي
    المقابلة بضرورة مغادرة الصحفي المستعمرة خلال 24 ساعة وبعد أن يخرج تشارلي الصحفي يطلب الحاكم من أحد
    مساعديه تزويده بقائمة تضم جميع أسماء الذين هم على اتصال بالصحفي من الزنوج والبيض على السواء وفي هذه
    الأثناء تدخل “سوزى” وهي ابنة الحاكم الشابة والطالبة في جامعة المستعمرة كما يدخل خادم الحاكم ليخبره بأن
    هناك مظاهرة طلابية أمام قصره وحين يطلب من مساعده اسماء زعماء ومحرضي هؤلاء الطلاب المتظاهرين تتدخل ابنته
    سوزي لتخبره بأنه لالزوم لتلك الاسماء لأنها أي سوزي ستكون في رأس القائمة وأنها هي التي قادت المظاهرة التي
    نظمت احتجاجا على تصرف عنصري مشين من قبل مدير الجامعة حيث أنه سلم الجوائز وصافح كل الفائزين في احدي
    المسابقات الجامعية ورفض مصافحة وتسليم الجائزة لاحد الفائزين السود وقد استنكر الطلاب بمن فيهم سوزي ابنة
    الحاكم هذا التصرف وتظاهروا مطالبين باعتذار المدير للطالب وتسليمه جائزته أو إقالته من منصبه ويشعر الحاكم
    بالإحراج لكنه يبلغ ابنته بأنه سيهتم بهذا الموضوع وسيتصل بالمدير لإصلاح موقفه وطلب من ابنته دعوة الطلاب لوقف
    اضرابهم والعودة للدراسة وتفرح سوزي ظانة ان أباها قد حقق ما طلبه المتظاهرون وما أن تنفض المظاهرة ويشعر
    الحاكم بالارتياح حتى يدخل عليه ابنه “جون” وهو ضابط في كتيبة المستعمرة ومعه اثنان من زملائه الضباط ويطلب ”
    جون” من والده نقله وزميليه إلى موقع اخر لأنهم لم يعودوا يتحملون ان يكون رئيسهم قائد الكتيبة- من الزنوج
    وهو الضابط “جومو” ويحاول الحاكم اقناع ابنه ان ” جومو” هذا هو خريج الكلية العسكرية في بريطانيا وزميل لابنه
    “جون” وقد نجح المسؤولون البريطانيون في غسل دماغه وجعله يقف إلى جانبهم ضد بني قومه السود في المستعمر لكن
    ذلك لم يقنع “جون” فيخرج من مكتب والده غاضبا وقررّ وزميلاه مراجعة القائد العسكري العام وبعد خروج الضباط
    الثلاثة، يصل مدير الجامعة الذي يطلب منه الحاكم إبلاغ طلابه بأنه ستعتذر للطالب الأسود وسيسلمه الجائزة بنفسه
    وحين يحتج المدير يبلغه الحاكم بخبث بأن الطالب المذكور سيغيب عن الجامعة إلى الأبد لان الحاكم لفق له تهمة
    التآمر على الحكم وأدرج اسمه ضمن قائمة تضم عددا من الزنوج غير المرغوب فيهم لنشاطهم الوطني ضد الاستعمار
    الانكليزي، وفي أسلوب رخيص يعمد الحاكم إلى جعل “جومو” الضابط الأسود المغسول الدماغ يتبنى ملاحقة هؤلاء السود
    المتهمين وإلقاء القبض عليهم وتعذيبهم ويتحمس “جومو” لهذه المهمة القذرة التي كلفه بها الحاكم وبعد أن يخرج
    “جومو” من مكتب الحاكم يسأل قائد الجيش الذي كان في زيارة للحاكم ان كان “جومو” سيفطن يوما ما بأن مخه مغسول
    فيجيبه الحاكم بأنه من السهل عليه عندها اتهامه بخيانة شعبه وان كل المصائب التي انصبت على أصحاب المستعمرة
    السود هي من تدبير وتنفيذ “جومو” وأن الشعب سيصدق الحاكم ويمزق جومو إربا لان كل الأعمال الخسيسة التي يخطط
    لها البريطانيون ضد السود ينفذها جومو لذا فهو في نظر جميع مواطنيه الزنوج الجلاد الأول.
    وفي الفصل الثاني تبدأ لجنة تحقيق جاءت من لندن في البحث عن أسباب مقتل الزنوج الثلاثة فقد نجح تشارلي الصحفي
    في إثارة زوبعة صحفية حول هذه القضية عندما عاد إلى بريطانيا وتضم لجنة التحقيق عدداً من البريطانيين من
    بينهم تشارلي نفسه، ويحضر الجميع إلى مكتب الحاكم ويكون النقيب الأسود “جومو” موجودا ضمن الحضور ويعلن الصحفي
    أمام الجميع بأن لديه شهودا يشهدون بأن من قتل الزنوج الثلاثة هو “جون” ابن الحاكم ويحاول الحاكم تبرئة ابنه
    وبأن ما قاله الصحفي شارلي يصلح لان يكون تحقيقا صحفيا مسليا، ويقدم الصحفي اسماء الشهود ويتبين أنهم جميعا
    قد أدرجهم الحاكم ضمن قائمة المشبوه بهم في المؤامرة المزعومة وقد اختلق هذا الحاكم تلك المؤامرة ليتخلص من
    جميع أصدقاء الصحفي وكذلك طالب الجامعة ويطلب من جومو الذهاب إلى السجن واحضار الشهود وحين يحاول الصحفي
    التشكيك، في نزاهة هذا الضابط الأسود يقترح الحاكم ان يتولى احد أعضاء اللجنة مرافقة جومو للسجن لجلب الشهود،
    ويحضر الشهود الأربعة فإذا بهم ينكرون أية صلة لابن الحاكم بمقتل الزنوج الثلاثة حتى أنهم لم يروا تشارلي
    الصحفي ولا تحادثوا معه مطلقا ويتبين ان جومو هو وراء تغيير هؤلاء الشهود لإفاداتهم إذ عرضهم لعذاب شديد ثم
    خيرهم بين وقف هذا العذاب.
    ومنحهم حريتهم إذا نفوا التهمة عن ابن الحاكم أو يستمر سجنهم وعذابهم فاختاروا حريتهم حتى ولو كان ذلك على
    حساب الضمير والحقيقة والعدل وبعد أن اسقط في يد الصحفي كان لابد من إلقاء القبض عليه بتهمة الادعاء الكاذب
    والوقوف ضد السلطات الحاكمة وحين يحاول عدد من رجال الأمن التقدم منه لاعتقاله يقفز فوق مكتب الحاكم مشهراً
    مسدساً وينجح في اختراق الحصار المفروض حوله والفرار خارج قصر الحاكم.
    وفي الفصل الثالث والأخير: يتقدم “جومو” الذي رقى إلى رتبة أعلى من الحاكم طالبا يد ابنته “سوزي” ويفاجأ
    الحاكم الانكليزي بطلب “جومو” ويحاول التملص من هذا الطلب المستحيل إذ كيف سيزوج ابنته البيضاء الشقراء إلى
    زنجي حتى ولو كان بإخلاص وتفان “جومو” للعرش والاستعمار البريطاني، ويسمع بطلب “جومو” يد سوزي أخوها “جون”
    الذي يكن عداوة عميقة لكل الزنوج وينتهر والده الحاكم لأنه سمح لذلك القرد الأسود بالتطاول على أسياده البيض
    ولم يعد الحاكم قادراً على إخفاء مشاعره الحقيقية تجاه “جومو” فيصيح به اذهب إلى الجحيم أيها القرد، ويصعق ”
    جومو” ويستمر الحاكم في شتمه وأهانته غير أن الذي يحسم هذا الموضوع “سوزي” نفسها التي تدخل مكتب أبيها وهي
    ممزقة الثياب دامية الوجه فقد أعلن السود في المستعمرة الثورة وانضمت هي إليهم واعتدى عليها الجنود البيض
    بسبب موقفها النبيل هذا .. وما أن تسمع بأن “جومو” يطلبها للزواج حتى تقلب شفتيها اشمئزازاً واحتقاراً فهي –
    كما قالت – تحتقر البيض فكيف الحال إذا كان زنجيا أبيض مثل “جومو” يخون شعبه وعرقه إرضاء لأسياده البيض ولكن
    هذا الأخير بعد أن اكتشف حقيقة رأي الحاكم الانكليزي فيه وانه مجرد ممسحة يمسح بها جرائمه بحق من يستعمرهم من
    الزنوج يُعلن بأنه قد سحب طلبه بالزواج من “سوزي” وحين تخرج هي لتلتحق بالثوار يهرع والدها للحاق بها لإرجاعها
    خوفاً عليها ونفهم من حديث الخادم بالهاتف أن جماهير السود جسد ذلك الحاكم الثعلب كما يتضح أن الخادم كان على
    وفاق مع تشارلي الصحفي الذي كان يتزعم حركة من شباب المستعمرة السود وأن مواقفه السابقة المناهضة للحاكم لم
    تكن إلا ستاراً ليخفى طموحه بأن يصبح سيد هذه المستعمرة بتأييد السود أنفسهم ويدخل هذا الصحفي حجرة الحاكم
    ليمارس صلاحياته وحين يعلن بأنه سيكون حاكماً شرعياً للمستعمرة يقتحم المكتب الضابط الأسود “جومو” وهو يحمل
    رشاشا وخلفه مجموعة من الضباط السود ويسأل هذا الضابط تشارلي بشيء من السخرية :”عن أي شرعية تتحدث يا سيد
    شارلي” ثم يشير إلى زملائه الضابط السود قائلا:”إن الشرعية ستكون لهؤلاء منذ الآن”.
    ويسقط في يد تشارلي والخادم ويخرج الأول من جيبه حبة سامة لينتحر بها بدلاً من أن يقتله “جومو” ورجاله ويسرع
    الخادم أيضا ليخطف الحبة من يد “تشارلي” فقد قرر هو الآخر ان يموت بيده لابيد الزنوج وحين يحاول أحد الزنوج
    وحين يحاول أحد زملاء جومو من الضباط السود التدخل بين تشارلي والخادم يوقفه “جومو” وهو يقول ساخرا:”دع..
    دعمها يتقاسمان الموت”.
    وبهذا المشهد المثير الجميل يسدل الستار عن مسرحية “الزنجي الابيض”.. واعتقد ان المؤلف – ان لم يخطئ التقدير-
    أراد بجعل “جومو” المشكل والمكون انكليزيا يتسلم مقادير الحكم في بلاده الإشارة إلى عدد من الحكام الأفارقة
    السود الذين تولوا الحكم في بلادهم بعد خروج المستعمر منها فكانوا فعلا من الزنوج البيض وكانت تطلعاتهم
    وميولهم مرتبطة بالرجل الأبيض كما أن أساليب حكمهم لبني وطنهم لاتختلف من حيث الشكل والجوهر عن سياسة
    مستعمريهم البيض السابقين ان لم تكن أدهى وأشد قسوة.

  • مسرحية “السندياد” في دائرة الضوء – بقلم / يوسف محمد بالريش..- ليبيا مائة عام من المسرح-2-59

    مسرحية “السندياد” في دائرة الضوء – بقلم / يوسف محمد بالريش..- ليبيا مائة عام من المسرح-2-59

     ​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-59 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​

    مسرحية “السندياد”
    في دائرة الضوء
    بقلم / يوسف محمد بالريش
    عرضت ” فرقة المسرح الوطني ” بطرابلس مسرحية ” السندباد ” من تأليف ” شوقي خميس ” وإخراج الفنان ”
    فتحى كحلول ” وهي العمل الأول الذي قدمته خلال موسمها المسرحي لعام 1991م ، ولقد ارتأينا في هذه الأسطر أن نقدم
    إضاءة نقدية على هذا العمل لإيماننا بأن نجاح العمل لا يكتمل إلا بمثل هذه الإضاءات التي تساهم دون شك في إثراء
    حركية الإبداع .
    النص
    طرح النص إشكالية أداة الحكم طرحاً حاول من خلاله أنْ يؤطر جوانب هذه الإشكالية تأطيراً شموليا لبحث جوانبها ،
    حيث استهل الكاتب مسرحيته استهلالاً جنائزيا عبر الضلع الأول في هذا الإطار وهو تلك الاستغاثة الصادرة من أفواه
    المقهورين في ليل الاستعباد التي كانت تبحث عمن يهدم جدران العبودية تلك . واستجابة لتلك الهمهمات المتأوهة
    يأتي ” السندباد ” ذلك المنقذ الذي لم يحتمل سماع تلك الهمهمات والسكوت عليها فهبَّ من وسط الجماهير بكل
    عنفوان القوة والشباب ليخلص المعذبين المقهورين وليكوِّن بذلك الضلع الثاني في إطار القضية المطروحة لكنه
    عندما يقترب من بؤرة الحكم تواجهه السلطة المتسلطة بكل أساليبها القمعية سواء كانت تلك في صورة أحزاب أو
    برلمانات أمْ في صورة هيمنة دينية ذات عمق اجتماعي فتلقى به السلطة في غياهب السجون ودياجير الظلم لتعبده
    بعد فترة زمنية إلى المجتمع الذي حاول السندباد نجدته ومساعدته على تهديم الجدران وبذلك صار السندباد رقماً
    مجنوناً وبعد ذلك يحاول الكاتب أنْ يُكمل إطاره الذي وضعه لقضية الحرية عبر تجذر الايمان بالثورة في قلب هذا
    السندباد الذي يخرج من السجن مجنوناً بقرار سلطوى لكنه عاقل بفعل ذلك الإيمان الذي أحيت توهجه جذوة الحب الذي
    منحته الأم الثورة والحلم ، وبعد أن يستعيد السندباد توازنه النفسي والعاطفي يقرر محاربة السلطة بسلاحها ،
    فكان ان لبس قناع المكر والخديعة بدل المواجهة المباشرة في إطار جماهيري تحريضي ويُفلح عن طريق ذلك الأسلوب في
    حرق السلطة وأقنعتها المزيفة المتمثلة في بُنيتها الهيكلية ويعود بعد ذلك إلى بوتقته الجماهيرية التي أفرزته
    بطلاً منتصراً .
    الملخص السابق للنص هو الذي نتج عن الرؤية التي ارتآها المخرج للنص ولم يكن بلورة لرؤية الكاتب، ذلك أن
    الكاتب أشار إلى جدران تحتاج لعملية هدم :- ( من يهدم الجدران ؟) ومن ناحية أخرى وفي إطار حوار السندباد مع
    الجموع التي كانت تبحث عن الخلاص قال لهم في معرض سرده لمسببات عبوديتهم :-
    – لأنكم نسيتم الأذان .
    وحيث ان الأذان كماهو معروف موضوعيا وسيلة الاتصال بين الخالق والمخلوق حسبما يراه الدين الإسلامي فإن هذا يعنى
    أن النص كان يطرح قضية فئة محددة من البشر أي تلك التي عناها الأذان ، أما الجانب الثالث الذي أراه دليلاً على
    اختلاف رؤيتى الكاتب والمخرج فهو التناقض بين نداء الهمهمات المطالبة بهدم الجدران والتي كانت فوق الركح وهي
    صادرة عن الجماهير الكادحة وخروج السندباد من صُلب امتداد تلك الجماهير وأعنى به جمهور المتفرجين الذين كانوا
    جزءاً من النص المسرحي حسب الرؤية الإخراجية ، فهل كان الاختلاف بين الجماهيرية حاداً إلى هذه الدرجة من
    التناقص؟؟خصوصاً ان السندباد ترك جزءاً من زيه المسرحي لدى فرد من المتفرجين وصعد الركح ببقية الزى الذي يعنى
    بالضرورة وحدة الانتماء الجغرافي المسرحي يضاف إلى ذلك مجموعة المقاطع الغنائية التي أكدت تلك الحالة وإضافة
    اسم شخصية أعتقد ان الكاتب لم يجعلها ضمن شخصياته وهو إسم مصاص الدماء “ريجان ” الذي ما ان ذكر الممثل
    السندباد اسمه حتى ضجت القاعة بالتصفيق فهل كان التصفيق هنا للاستهجان أم الإعجاب وهو أسلوب يحتاج إلى دراسة
    قبل الزج به في أي نص مسرحي أو غيره .
    مما سبق أخلص إلى ان النص المكتوب يختلف موضوعيا عن النص المسرح وهذا يدفعنا إلى طرح السؤال التالي :
    هل مهمة المخرج المسرحي تفسير النص أم أن مهمته كتاب نص مسرحي جديد ؟؟
    إننى شخصياً أرى أن مهمة المخرج هي تعميق فهم النص المسرحي المكتوب بهدف تعميق رؤية الكاتب إلى موضوع
    مسرحيته إذا توفر شرط أساسي هو تطايق الموقف الأخلاقي من الموضوع تطابقاً تاماً وبذلك ينجح المخرج في تقديم عمل
    مسرحي يؤدي دوره في بث الوعي بين الجمهور .
    الإخراج
    أولاً : المكان ( المناظر)
    قام بتصميم المناظر الفنان المبدع ” محمد شعبان ” الذي استمد من أقنعة الدجل قناعاً كبيراً جعله مسرحاً لأحداث
    المسرحية وهذا المسرح كان بإمكانه أن يكون فوق كوكب الأرض لولا تدخل عنصر الملابس ، هذا من الناحية الموضوعية ،
    أما من الناحية الجمالية فقد كان هذا القناع أشبه بمنحوتة عكست فراغ الحياة الدنيا وخواءها من الأحاسيس
    الإنسانية وكان بإمكان لحظات السمو أن ترتقى فوق أقنعة الزيف بدل ارتقائها درجات السلالم الخشبية التي كانت
    مكملة لعنصر المكان .

    ثانياً :- الزمان ” الإضاءة والملابس “.
    يتجسد الزمان في مسرحية ” السندباد” بعدة وسائل وقد اعتمد المخرج على عاملين أساسيين هما الإضاءة والملابس حيث
    قامت الإضاءة بجعل الزمن المسرحي للمسرحية زمناً نضالياً ذا أبعاد نفسية فكانت المرحلة الأولى مرحلة الكآبة
    النفسية التي يعيشها الكادحون ثم انتقلت إلى لحظة إشراق عند بدء التوهج الثوري للسندباد ثم تراجعت إلى مرحلة
    الكآبة النفسية المحُبطة التي استولت على أغلب المساحة الزمنية لعرض المسرحية ثم عادت لتسترجع توهجها في
    لحظات اللقاء الحميمي للسندباد بالوطن الأم والثورة ولأمل ثم صارت مترعة بالثورة عند مرحلة حرق الأقنعة لتستعيد
    توهجها حتى التألق عند انتصار السندباد ، ثم حاول المخرج أن يحدد الزمان بأداة أخرى هي الملابس وبذلك أضاف
    بعداً توقيتياً للحالة الزمنية للمسرحية فجعل أحداث مسرحيته تمتد عبر الفترة ما بعد العصر الحجرى الثاني أي
    عصر الحضارة المدنية الأول وحتى عصر الفضاء الكوني الذي نعتقد أنه أرقى مراحل الحضارة الإنسانية وهو ما جعلني
    أشير إلى مكان المسرحية حينما قلت إنه كان يمكن ان يكون فوق كوكب الأرض لولا عنصر الملابس وهذا ناتج عن الشكل
    الذي احتوى الحالة الزمنية وجعل من ملابس عصر الفضاء الكوني اداة من أدوات بناء المسرحية إذاً وبسبب بعض
    التناقض الذي احتوى الأدوات المسرحية ابتعدت المسرحية نسبياً عن موضوعيتها ذلك أن ما نعتقده حالة استعباد سادت
    العصر الحجرى الثاني هو اعتقاد لم يكن الإنسان البدائي يعيشه ومن المؤكد الا يعيشه إنسان عصر الفضاء الكوني
    وهذا يعنى ان المخرج لأي عمل مسرحي لابد أن يضع إطاراً لبعده الزماني من خلال عنصري الضوء والملابس حتى يمكنه
    الوصول إلى غايته في قلوب المتفرجين والاستغناء عن الأدوات التي تتوه المتفرج وتجعله يركض نحو مرجعيته
    التاريخية حول التطور الحضاري الأمر الذي يحدث لديه نوعاً من التشتت الذهني ، وكذلك إبعاد الإضافات الجمالية
    غير الموضوعية مثل استخدام خيال الظل في هذه المسرحية في غير موقعه الصحيح ، ذلك أن استخدام التقنية
    المسرحية والجماليات المفرطة يضيف إلى العمل بهرجة شكلية على حساب الإبداع الذي هو جوهر الموضوع .
    ثالثاً :الموضوع “الحركة”
    ان الهدف من الحركة على الركح هو إيصال حوار الموضوع إلى المتفرج وهذا يستوجب توفر العناصر التالية :-
    أ- الحوار من حيث كونه نسيجاً موضوعياً يفضى إلى إيصال فكرة الكاتب إلى المتفرج بُغية إحداث رد الفعل المناسب .
    ب – الإلقاء باعتباره أداة توصيل للحوار وهذا يعنى أن الحوار الجيد قد يمنع استيعابه إلقاء رديء.
    ج- المؤثرات الصوتية سواء كانت في صورة جُمل موسيقية أو مقاطع غنائية أو ايقاعات تعبيرية .
    وفي مسرحية ” السندباد ” تميز الحوار بالحيوية التي تُبعد الإحساس بالملل والرتابة وكانت عباراته واضحة في
    تضمين أفكارها أما الإلقاء فقد عانى من التسرع عند بعض الممثلين وخصوصاً العنصر النسائي بينما استطاعت الحان
    الفنان ” علي ماهر ” أن تتألق عبر أداء الفنان ” علي الشول ؛ الذي نتمنى له كل التوفيق ونرجو ألا يتحول إلى
    منشد فقط لأنه يملك الكثير من الإمكانات التمثيلية الإبداعية التي يجب ألا يُغفلها أي مخرج .
    أما العنصر الاخر للحركة مسرحية ” السندباد ” فهو الإيماءة الجسدية والانفعال العصبي الذي يؤدى إلى التنقل فوق
    الركح بموضوعية وهنا برزت حالة من الإبداع لدى المخرج الفنان ” فتحي كحلول ” الذي استطاع ان يوجد علاقة
    متناغمة بين الحجم والكتلة والتوازن والتوافق الحركي للممثلين أفراداً وجماعات رغم أن الركح عانى بعض الاكتظاظ
    المكاني في بعض المشاهد .
    لقد أفرزت مسرحية ” السندباد” مجموعة من المواهب مثلما أكدت موهبة جميع المبدعين كل في إطار عمله ، ومن هذه
    المواهب :
    1- “ربيعة بن بركة ” في تصميم الملابس .
    2- “طارق العجيلي ” كممثل يملك قدرة ايمائية إبداعية الأمر الذي يؤهله إلى ان يصبح ممثلاً ناجحاً .
    3- “مهيبة نجيب ” كممثلة مسرحية واعدة إذا تخلصت من سيطرة العدسة المرئية وحاولت التعامل مع الحوار المسرحي
    بشكل أكثر دقة وإلقاءً كذلك سجلت المسرحية ” السندباد ” عودة الفنانة الكبير سعاد الحداد إلى الركح الذي
    افتقد لمساتها الإبداعية ردحاً من الزمن .
    هناك نقطة أحب أن أشير إليها تتعلق بالفنان ” علي القبلاوي” الذي يملك الكثير من الإمكانيات المسرحية لكنه
    يحتاج إلى مخرج يُخرجه من الشخصية النمطية إلى الشخصية المسرحية المركبة وهو قادر بلا شك على ذلك .
    وأخيراً مع كل حبة عرق سُكبت لتقديم هذا العمل المسرحي نوجه تحية وفاء ومودة لكل المبدعين المسرحيين الذين
    يحاولون إرساء تقاليد مسرحية راسخة في ثرى الوطن العظيم .

  • أضواء على الموسم المسرحي – بقلم / سليمان سالم كشلاف…- ليبيا مائة عام من المسرح -2-58

    أضواء على الموسم المسرحي – بقلم / سليمان سالم كشلاف…- ليبيا مائة عام من المسرح -2-58

     ​​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-58 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​

    أضواء على الموسم المسرحي
    بقلم / سليمان سالم كشلاف ..

    إذ قلنا إن الحركة المسرحية في ليبيا ميتة فإننا نظلم أنفسنا دون شك ونظلم معنا أولئك الذين يقومون ـ أو
    يحاولون القيام ـ بنشاط، فالنشاط الفني للفرق المسرحية لا يمكن الحكم عليه حكماً ثابتاً يمكن أن يكون ذلك
    قياساً على كل السنوات التي تمضي من عمر الفرق.
    قد يحدث أن تنشط فرقة فتقدم عملاً مسرحياً أو عملين أو ثلاثة في السنة وقد تنعكس الآية فتخمد الحركة بحيث تمر
    السنوات دون أن يكون هناك أمل في مشاهدة عمل فني مسرحي.
    لذلك كانت عملية التقويم صعبة وكانت عملية اطلاق مصطلح (موسم مسرحي) حتى يضم إنتاج الفرق المسرحية أكثر صعوبة
    فمعنى أن يكون هناك موسم مسرحي أن هناك إنتاجاً دائماً للفرق المسرحية يشكل في مجموعه الموسم المسرحي.
    ومعنى أن يكون هناك موسم مسرحي أن يكون هناك جديد في كل عام نجوم جدد من العاملين بالمسرح كافة ممثلين
    ومخرجين وكتاب وفي سنة 67/66 م قدمت مجموعة من الأعمال المسرحية ولذلك كان من الضروري أن نقول إن هناك موسماً
    مسرحياً في سنة 67/66 م ويمكننا أن نحدد بدايته ونهايته مع بداية ونهاية دورة (معرض طرابلس الدولي) من كل سنة
    فماذا قدمت لنا الفرق المسرحية في الموسم الماضي؟ قدمت الفرقة الوطنية مسرحية (غرام يزيد) الشعرية تأليف
    محمود غنيم وإخراج محمد العقربي وقدمت الفرقة القومية مسرحية (حوت يأكل حوت) من تأليف محمد شلادي وإخراج
    مصطفى الأمير وقدمت فرقة المسرح الجديد مسرحية (مسكين) تأليف كامل الفزاني وإخراج علي الحاراتي وأخيراً قدمت
    فرقة نادي الاتحاد المصراتي مسرحية (فاوست) من تأليف الكاتب العالمي كريستوفر مارلو وإخراج خالد خشيم.
    وفي حديثنا هذا محاولة لإبراز الجوانب الطيبة فيما قدم من أعمال مسرحية.
    من ناحية التأليف نجد أنه في الوقت الذي كانت فيه فكرة وحوار مسرحية (مسكين) ساذجتين نجد أن الفكرة جميلة في
    مسرحية (حوت يأكل حوت) وأن الحوار يعطي تفصيلات رئيسة لا تبتعد بالمشاهد عن صلب الفكرة وبما أن تلك المحاولة
    الأولى بالنسبة للأخ محمد شلابي كاتب المسرحية فإن الأمل في تطوره وإمكانية إنتاج أحسن وأنضج من (حوت يأكل حوت)
    كبيرة ومن ناحية التمثيل استطاعت المسرحيات الأربع أن تقدم نجوماً أقول إنه يرجى منهم خير كثير.
    ففي (غرام يزيد) برز محمد حميد الدين الطياري وسالم الشريف الذي أثبت أنه ممثل ممتاز حين أضاف نجاحه في هذه
    المسرحية إلى نجاحه السابق في مسرحية (أهل الكهف).
    وفي (حوت يأكل حوت) برز محمد الكور كممثل فكاهي من الطراز الأول يجيد التمثيل بالحركة كما يجيد التمثيل
    بالصوت فأثبت أن الممثل الإذاعي يمكنه أن يصبح بجده ومقدرته ممثلاً مسرحياً.
    وفي (مسكين) برز الشاب عثمان إسماعيل بالرغم من أن دوره ذلك كان التجربة المسرحية الأولى بالنسبة له ومن
    مسرحية (فاوست) يظهر عبدالله الدناع فيملأ المسرح بالطول والعرض ويكسب ثقة الجمهور وثقة العاملين بالمسرح وفي
    الإخراج اختلفت المستويات ففي حين كان رديئاً في (مسكين) كان متوسطاً في (حوت يأكل حوت).
    وكذلك بالنسبة لـ(غرام يزيد) إذا ما قسنا العمل المقدم بمقدم العمل فـ(غرام يزيد) كانت صدمة للذين كانوا
    ينظرون لمحمد العقربي كعميد للمسرح التونسي ذلك أن إخراج (غرام يزيد) لم يزد عن كونه عادياً عموماً وإن تميز
    بالذكاء والجودة في بعض المشاهد التي ارتقت على أكتاف الممثلين وعلى العكس من ذلك كانت (فاوست) فعلى أكتاف
    المخرج خالد خشيم ارتفعت وكادت تسقط والممثلون المبتدئون ينوؤون بحملهم فيها.
    ففاوست عمل ممتاز إذا قورن بخالد خشيم وقدرة خالد خشيم وخبرة خالد خشيم المسرحية.
    و(غرام يزيد) تعتبر عملاً رديئاً إذا قورنت بمحمد العقربي وقدرة محمد العقربي وخبرة محمد العقربي المسرحية وفي
    الختام لا أنسى أن أضيف للذين قاموا بتصميم المناظر وتنفيذها الشكر للفنان خليفة التونسي الذي أجاد في مناظر
    (حوت يأكل حوت) وللفنانين الذين لا أذكر أسماءهم ويستحقون كل شكر وتقدير على ما قاموا به من عمل جميل في
    تصميم مناظر (غرام يزيد) و(فاوست) لو أننا في كل سنة تحصلنا على مثل هذا العدد الطيب من ممثلين ومخرجين
    ومؤلفين وفناني مناظر إذاً لتكونت لدينا خبرة طيبة تساعد على نمو حركتنا المسرحية المباركة.

  • * مسرحية “السعداء” أو سيرة السعادة على ضفاف نهر النسيان ..من تأليف منصور أبوشناف وإخراج نوري عبد الدائم ..- بقلم / محمد الفقيه صالح

    * مسرحية “السعداء” أو سيرة السعادة على ضفاف نهر النسيان ..من تأليف منصور أبوشناف وإخراج نوري عبد الدائم ..- بقلم / محمد الفقيه صالح

    ​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-57 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​

    السعداء
    أو سيرة السعادة على ضفاف نهر النسيان
    بقلم / محمد الفقيه صالح

    * مسرحية “السعداء” من تأليف منصور أبوشناف وإخراج نوري عبد الدائم ،التي عرضتها مؤخراً فرقة المسرح الوطني
    على مسرح الكشاف تندرج في باب الكوميديا السوداء أو الملهاة المريرة التي تستهدف التأسيس لنقد الذات والواقع
    ومساءلتهما لا مجرد إبداء الشكوى والضيق من العيوب والمفاسد.
    * تبدأ المسرحية بممثل يدخل من باب في يسار الخشبة ، متأبّطاً عجلة دائرية مطلية باللون الأبيض الناصع – سنعرف
    فيما بعد أنه يمثل القمر- ويشرع في دردشة في وسط الركح مع ممثل تتفرع منه أغصان تتدلى منها أوراق شجرة تتعلق
    الدردشة بدوريهما في المسرحية ، وما ينتظرهما من متاعب أثناء العرض ، ثم يعطى أحدهما إشارة بدء المشهد فيحتل
    الممثل / الشجرة موقعه على الركح ، فيما يقفل الممثل / القمر راجعاً من الباب الذي دخل منه ، صاعداً إلى شباك
    فوق الباب لكي تتسلط عليه الأضواء القوية فيسطع بدوره بهياً على الحديقة ،وهذه الدردشة وما يصحبها من حركة
    وتعليقات لاذعة تكاد تتكرر في بداية كل مشهد بما يوحى بلمسة تغريبية واضحة من المخرج.
    * الديكور ثابت لا يتغير طيلة العرض ، وهو عبارة عن سياج شجري قصير داكن ، على خلفية سماء ليلية تتزين بنجوم
    لامعة .
    وقد حاول المخرج تكسير رتابة الديكور بتغيير موقع القمر من الجانب الأيسر فالأوسط فالأيمن ، بما يوحى أيضا
    بسيرورة الزمن وجريانه ، ولأن زمن المسرحية كله يجرى في ليل مضاء بقمر ، لذلك فإن عنصر الإضاءة شكل أهمية
    استثنائية في هذا العرض ، وفي قلب المشهد البصري تنتصب حاوية قمامة معدنية ستتحول فيما بعد – إلى غرفة مزودة
    بشباك تطل منه العاشقة على حبيبها .
    المفارقة هنا أن المكان والزمان (أي الحديقة في ليالٍ قمرية صافية) مترعان بالإيحاءات والممكنات الرومانسية
    الناعمة ، لكن الحالة المسرحية ، كما يجسدها أداء الممثلين وحوارهم وحركاتهم على الركح تكاد تنطق بمأساة
    مضمرة ،ولولا التدخلات المرحة خفيفة الظل من شخصيتي القمر والشجرة لتحولت المسرحية برمتها إلى تراجيديا .
    من واجهة الركح يدخل عاشق شاب (علي الشول) وهو يجر حبيبته (انتصار بوشناق) من شعرها في حركة تنطق بالغلظة
    والجلافة ، التي يبدو واضحاً أن “سعداء ” هذه المسرحية يتسمون بها حتى أثناء التعبير عن عواطفهم ومع ذلك يشرع
    الحبيبان في محاولة الظهور بمظهر السعيدين ، فيدوران حول بعضهما ، ويتلامسان بحنو ، ويتراقصان ، ويغنيان ،
    غير أن العاشقة تكشط هذا “الطفح” الرومانسي الظاهري ، بين حين وآخر ، بالتعبير عن إحساسها الغامض بالخوف
    وبعدم الأمان ، كما تعبر أيضا عن امتعاضها وضيقها من لسع البعوض وروائح العفونة المنبعثة من أكداس القمامة
    المهملة ،وفي كل ذلك يحاول العاشق إقناعها – وإقناع نفسه فيما يبدو – بأن الأمر يتعلق بلسع نحل في جنة على
    ضفاف نهر النسيان تتدفق فيها سواقي العسل والحليب والماء الرقراق .
    ثم لا يلبثان أن يتبادلا الأدوار ، فيشكو ويتضايق ويتذمر العاشق ، فيما تتظاهر العاشقة بتأكيد واقع الجنة التي
    يقفان عليها .
    وكلما استنفد العاشقان كل ما في حوزتهما – أو ما في حيلتهما – من حركات بهلوانية يحاولان من خلالها إقناع
    نفسيهما بحالة “السعادة” التي “ينعمان” بها ، يتسلل صوت الناى حزينا موجعاً في خلفية المسرح ، وكأنه نبع
    داخلي ينفجر من جرح ما ، ولم يفلح كل ما تكدس عليه من تراب الإدعاء والتظاهر البراني في الحيلولة دون فيضانه
    على ضفاف الذات والعالم ،وفي كل مرة يبدى العاشق هلعه من هذا النغم الحزين الذي يملأ عليه أركان نفسه فيصرخ
    من قلب حالة “السعادة” التي يتظاهر بها : ” فكّوني من هاللي يُغْرد” وهكذا تتكشف السعادة الظاهرة عن قناع لروح
    مطعون ومقهور وخائف ومشوّه .
    ثمة بُعدٌ مأساوىٌ آخر من أبعاد هذه المسرحية ينطق به الحبيبان أثناء تعبيرهما عن “السعادة” التي يغتصبانها
    اغتصاباً ، إذ نعرف من خلال حوار عذب يجري بينهما أن كلا منهما فقد زوجه بعد شهر العسل بيومين ، ومع ذلك كان
    العاشق يجد كل شؤون البيت مرتّبة وأكلاته مجهزة وكأن زوجته لا تزال على قيد لحياة ، فيما تخبره هي بأنها تحس
    بأنفاس زوجها وأشيائه حاضرة في أركان البيت وكأنه لا يزال على قيد الحياة ، وهكذا تتداخل في هذا المشهد
    المؤثر الحقيقة بالوهم والموت بالحياة ، فهاهما الزوجان اللذان حولتهما كآبة الواقع والرتابة الزوجية إلى
    ميتين ، يلتقيان صدفة في لحظة حب ، ولكن من أين لهذا الحب أن يثمر السعادة والبهجة والفرح ، والحبيبان لا
    يستطيعان أن يلتقيا إلا على أرض هذه الحديقة الوحلة التي يطنّ فيها البعوض وتنبعث منها روائح القمامة والمجاري
    ، وتتحول فيها أوراق الأشجار وزهورها إلى أشواك شرسة ؟ المسرحية تقول أن العشاق قد يستطعمون نوعاً من السعادة
    في هذه الحديقة طالما كانت تطل على نهر النسيان ،وهكذا ترتسم أمامنا هذه المعادلة : إذا أردت أن تسعد فعليك
    أن تنسى كل ما حواليك . أن تغيب الغياب شرط السعادة ،والمسرحية بهذه السخرية المرة لاتشجعنا على الهروب من
    الواقع ، بل تدين هذه الطريقة في التعامل مع الواقع والحياة وكأنها تريد أن تحثنا على ألا نكذب على أنفسنا ،
    بل أن نفهمها على حقيقتها بحسبان أن هذا هو أقرب الدروب إلى تحقق السعادة الحقة .
    في مشهد إيمائي رمزي معبر ، رفقة الموسيقي التصويرية ، يتزوج العشقان ، ثم سرعان ما ينتهي هذا الزواج إلى أن
    يعلّق كل من الزوجين الآخر على أعواد الشجرة ،ويدخل كل منهما بعدها في دوامة السؤال المخيف عن حياته وموته .
    ثم لا تلبث سيرة الحب المغمور بسعادة الكذب ، ثم الزواج المدفون تحت أكداس الكآبة والقهر المتبادل ، أن تتكرر
    من جديد في صورة عاشقين في منتصف العمر ، هما : ( محمد الطاهر) و( مهيبة نجيب) ، أو ربما هما نفس العاشقين
    وقد وصلا إلى مرحلة منتصف العمر .حيث تتكرر معهما صورة الحب والنسيان والمخاوف وإدعاء السعادة وصوت الناى
    الذي يفضح حقيقة اللغط والتظاهر البراني ، ثم تنتهي بالقهر الذي يمارسه الرجل على المرأة بما يُفضى إلى القتل
    المتبادل ، وهو ما يعنى أن حياة هؤلاء البشر لا تعدو أن تكون استمراراً للموت في الحياة ،ولوهم السعادة في عالم
    مليء بالوحل والقذارة .
    تنتهي المسرحية بمشهد قصير دالّ ، يجرُّ فيه ولد صغير شعر بنت من عمره إلى وسط الخشب ، في إشارة إلى تكرار سيرة
    العاشقين السابقين “السعداء” عبر الأجيال والزمن ، وفي إيماءة قاتمة – من المخرج – لاتوحى بأي أمل في جيل قادم
    ، أو في زمن آتٍ.
    تتراوح المسرحية في أسلوب إخراجها بين الترميز والتعريف ، وعلى الرغم من أن الأول (أي الترميز) هو الطابع
    الغالب في هذه المسرحية ، إلا أن المخرج عمد إلى كسره بأدوات “تغريبية” من خلال حركة الممثل الذي يؤدى دور
    القمر ، وتدخلاته الموجهة أحيانا إلى الممثلين ، وأحيانا إلى الجمهور ، ومن خلال تعليقاته اللاذعة التي تشارف –
    أحيانا – حد الاستفزاز المتعمد .
    ومن الجدير بالملاحظة أن بنية هذه المسرحية قائمة أساساً على عنصر التكرار ، تكرار المشاهد والحوار والأجيال
    ،وهو أكثر عناصر المسرحية جاذبية وخطورة في نفس الوقت .
    فللتكرار في هذه المسرحية دلالة جمالية وفكرية ذات منحى تشاؤمي مأساوي لا تخطئه العين ولا البصيرة ، وتكمن
    خطورته تحديداً فيما يمكن أن يفضى إليه من إملال للمتفرج ، وتبديد للشحنة التي تخلقها الحالة المسرحية في
    تصاعدها وتحولاتها ،وقد حاول المخرج ( نوري عبد الدائم) جاهداً أن يتفادى هذا المأزق من خلال تطعيمه المشاهد
    المتكررة ببعض اللمسات الإضافية ، واعتقد أنه نجح في ذلك إلى حد معقول .
    وفي الختام لابد من التنويه بالأدوار شديدة الأهمية التي أداها فنيو الإضاءة والموسيقى والديكور في إظهار هذا
    العمل المسرحي الهام بهذا المظهر الشيق .
    أما من ناحية الأداء التمثيلي فقد بدأ جميع الممثلين في كامل حضورهم وحيويتهم ، حيث بذل الفنان ” علي الشول”
    ما في وسعه لتشكيل صوته وإيقاع حركته الجسدية حسبما تقتضيه المواقف المترجحة بين الانكسار والادعاء والوهم
    والسخرية والحزن ، فيما نجحت زميلته ( انتصار بوشناق) في طلاقة الحركة وانسيابتها ورشاقتها فوق الخشبة ، إن
    لم يكن نجاحها في تلوين الأداء الصوتي وتغيير إيقاعاته وفقا للمقام بنفس نجاح إيقاعها الحركي أما أداء الفنان
    ” محمد الطاهر” فقد عكس خبرته الطويلة في عالم التمثيل ، فيما اتسم أداء الفنانة “مهيبة نجيب” بالتلقائية
    والسلاسة والبساطة المحببة ، كما وفق الفنان ” عبد المجيد الميساوى” في أداء دورة الشجرة ، أما الفنان (صالح
    أبوالسنون) فقد أضفى على دور القمر الذي أداه قدراً ملحوظاً من البهجة ، وخفة الدم ، وتحملّ طيلة فترة العرض
    بكل سماحة وأريحية أشعة الإضاءة الساطعة المسلطة عليه ،وقد مكّنه المخرج – فيما يبدو – من أن يسجل ذلك في إحدى
    لحظات العرض المسرحي .
    تحية صادقة لمؤلف هذه المسرحية ولمخرجها ولممثليها وفنييها ولكل من أسهم في إظهارها على خشبة المسرح ،
    متمنيا لهم جميعا مزيداً من التوفيق والعطاء في درب النهوض بالحركة المسرحية في بلادنا .
    ***

  • بقلم / أبوالقاسم فرنانة.. – مسرحية الغول – تأليف:محمد صبري – إخراج:حسن قرفال..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-56

    بقلم / أبوالقاسم فرنانة.. – مسرحية الغول – تأليف:محمد صبري – إخراج:حسن قرفال..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-56

     ​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-56 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​

    مسرحية الغول
    بقلم / أبوالقاسم فرنانة

    مسرحية الغول
    تأليف:محمد صبري
    إخراج:حسن قرفال
    المسرحية مطبوعة بالحاسوب وعدد صفحاتها “28”صفحة من حجم “A”
    وشخصياتها:الأب،الأم،الابن،المراسل،الغول.
    زمن العرض “51دقيقة”
    وقد عرضت عام “2004”على مسرح الكشاف
    حكاية النص:
    هي حكاية لأسرة متكونة من ثلاثة أفراد حوصروا داخل البيت بسبب الغول الذي ظهر في المدينة ويحاصر سكانها،تصاب
    العائلة بالخوف والفزع خوفاً من اقتحام الغول بيتهم يتم إقفال الأبواب والنوافذ وبسبب هذا الحصار ينفد الغذاء
    من البيت حتى أصيب أفراد العائلة بالجوع،وعندما لم يجدوا شيئاً يأكلونه إلا قطة ميتة يتم تقاسمها بينهم وهنا
    يبدأ الصراع من يأخذ حصة أكبر.
    يصل الصراع إلى درجة الشك بين أفراد الأسرة الواحدة فقد يكون كل واحد منهم قد أخفى عن الآخر جزءا من هذه
    الغنيمة.
    تخرج الزوجة من البيت لجلب بعض الأشياء وعندما تعود يخاف الزوج منها ويظن أن الغول قد تلبسها فلا يفتح لها
    الباب حتى تضطر إلى الدخول من الباب الخلفي وتنزل من العلية وتدخل فيشك الزوج في أمرها وتزداد مخاوفه منها
    ويظن أنها ستقتله وهي تشعر بنفس الحالة فتبدأ المعركة بينهما فيتمكن الزوج من قتل زوجته.يظهر الغول بصورة
    الابن فيعلن للأب من إنه قتل زوجته ولم يقتل الغول كما يظن وإنما الغول لايزال حيا فيكشف له عن نفسه،بأنه هو
    الغول،وجاء ليقتله ويبدأ الصراع حتى يتمكن الغول من قتل الأب وبعدها يقتل المراسل الغول وتنتهي حكاية النص.
    حكاية العرض:
    أما بالنسبة لحكاية العرض فقد تمثلت في ماقدّمه المخرج من صور أراد بها إيصال مضامين ودلالات حيث حاول المخرج
    أن يعطيها شكلا غريبا معتمدا على عملية الإدهاش والمفاجأة من خلال حركة الأبطال المعتادة وصراخهم المستمر وتمثل
    في الإضاءة المعتمة التي لاتكشف عن التكوينات بصورة واضحة،فالشخصيات تتحرك،تجلس،تقف،تراقب وهي أيضاً محافظة على
    هاجس الخوف والاستكانة والرعب ولهذا جاءت الشخصيات موزعة على ثلاثة مستويات المستوى:الأول الغول،المستوى
    الثاني:الأب والأم والابن الذين يمثلون رمزا دلاليا للعائلة الكبيرة والمتمثلة في المجتمع وهنا أي المجتمع كان
    غير محدد المكان فيمكن تطبيقه على أي مجتمع”فهذا العمل إنساني لايخص منطقة بذاتها”.
    أما المستوى الثالث فيتمثل في المراسل الذي يمثل خيط الوصل وأيضاً “المايسترو”والربط بين الشخصيات وهو في
    الوقت ذاته خيط الربط بين ما يقع في الداخل والخارج وبذلك أخذ دور محرك الأحداث والمعلق عليها.
    إن ثبات المكان الداخلي والخارجي لايعني ثبات الشخصيات ففي الداخل هناك انهيارات تنتهي بالقتل،وبينما في
    الخارج الغول ثابت في مكانه لكنه متغير في اتجاهه وكأنه يؤدي فعل المنحوتة كونها تعكس الحركة غير
    المتحركة،وبهذا استفاد المخرج من نظام النحت وأدخله ضمن تشكيل”سينوغرافيا”العرض،وينتهي العرض بتلبس شخصية
    الغول وكأنه جن يدخل تحت جلد الشخصيات فيتلبّسها.
    إن الشر متمثل في الغول دال لمدلول المتغيرات الهائلة في الحياة المعاصرة “فهو عندي يمثل
    الهيمنة،العولمة،الشركات الاحتكارية،الغزو الثقافي”.
    وعزز العرض ذلك من خلال شبحية الأبطال وهم يتحركون وسريان الموت والقتل والاستباحة للإنسان والحياة.
    التكوين التشكيلي للعرض:
    تكوين المنظر:
    افترض مخرج العرض من خلال “السينوغرافيا”أن هناك مستويين من المكان الأول هو المكان الداخلي الممثل في تكوين
    المنظر الداخلي يشكله البيت مكان الأكل أو المطبخ قطع الأثاث البسيطة ثلاثة كراسي،طاولة ونافذة ساعة حائط
    مشروخة سلم مزدوج ومدرجات تصل الداخل بالخارج.
    أما المستوى الثاني للمنظر متخيل فقد اعتمد فيه المخرج على مايمكن أن توحي به الشخصيات وما تنقله عن المكان
    الخارجي القريب،وبالتالي ساهم بتحديد نوع من الصراع المكاني من خلال التكوين الأول والثاني فالمكان الخارجي
    يشكل تهديدا ساخرا للأبطال من خلال الأصوات والصور المفزعة لشخصيات مقتولة ومعلقة والتي تظهر بشاعة مايحدث في
    الخارج من عمليات القتل والسطوة والهيمنة وهذا أدى اكتساح الخارج للداخل وبالتالي ينعكس على شكل أفكار معلقة
    بالخارج.
    تكوين الإضاءة:
    من خلال العرض حاول المخرج أن يضفي شكلا مميزا من خلال اعتماده على عملية التعميم وعدم وضوح الأشياء والشخصيات
    والمكان لذلك ظهر اللون الأحمر والأزرق باعتبارهما لونين مضادين يختزلان فكرة الصراع بين عالمين ممثلا بالعائلة
    والغول لهذا جاء العرض بكثافة ضوئية محدودة ومركزة الاستخدام واقتصرت على الألوان التي تزيد من تشويه أو تغيير
    وإخفاء الملامح المحدودة للأبطال مما يساعد على إخفاء الكثير من ملامحها وزيادة حدة إخفاء ماسيحدث فضلاً لاستخدامه
    اللون الأزرق والأحمر وهما لونان متناقضان،وكانت إضاءة العرض إضاءة بسيطة للغاية للإيحاء بظلمة المكان تأكيدا
    لهاجس الخوف فاللون لم يكن ساطعا ولم تستخدم الإضاءة الفيضية وإنما بقع حادة المساقط لتعطي جوا مشحونا
    بالترقب،وهذا الأمر ساهم جمالياً في زيادة التداخل بين مايحدث في الخارج وانعكاسه على مايحدث في الداخل
    وبالتالي انعكس الأمر بعدم وضوح ملامح المنظر الداخلي.
    وهذه تأثيرات الصورة التشكيلية الانطباعية التي تحاول أن تجعل اللون أساس العملية الفنية ولهذا اختفت تلك
    الملامح التفصيلية في اللوحة التشكيلية وكذلك الحال في هذا العرض حيث تم استخدام الفضاء المسرحي من خلال
    التركيز على بعض البقع الضوئية لتغيير ملامح المكان وبالتالي حصر الشخصيات وكأنها تسبح في الظلام.
    التكوين المتخيل:
    من خلال تفاعلات الأحداث والتوجسات المتعددة التي تنتاب الزوج مرتابا في زوجته كون الغول قد تلبسهما،فيتوجس
    الأب،الزوج خوفا وظنا بأنها ستقتله فتجتاحه أفكار متضاربة ومتوجسة فأصبح ينظر إلى الواقع بصورة مغايرة لهذا
    يظهر المخرج تلك الأفكار المطموسة من خلال عرض صورة الزوجة كما يراها زوجها حيث يظهرها في عرض اللوحة الخلفية
    صورا بشعة مشوهة وبالمعنى نفسه أبرز المخرج نفس الهواجس في عقل الزوجة وكيف ترى زوجها فتظهر لنا الصورة
    المعروضة وجه الزوج مشوها ومقززا هذه الخواطر شكّلت تكوينا في لحظة من لحظات العرض فجاء تعبيرا عن حالات
    الهلوسة التي أصابت كلا الشخصيتين.
    تكوين الأب والأم والابن:
    الزوج والزوجة والابن يجلسون حول مائدة الطعام حيث يبدو المشهد واقعيا ولكن الإضاءة تضفي عليه مسحة من الغرابة
    والضبابية فالإضاءة الحمراء عبّرت عن الجو المشحون وصدام الحياة جاء تعبيرا على حالة الصدام داخل الأسرة وإن
    كانوا يتناولون الطعام ولكن في النهاية يرمون بعضهم بالصحون.
    فبعد تلبس الغول للابن تنفصل الكتلة الأب والأم في جانب والابن في جانب آخر،إن هذا التكوين اعتمد الفصل بين
    الشخصيات من خلال المسافة تأكيدا لموضوع التلبّس.
    وفي واحدة من المشاهد المتعددة للأب برز تكوين تشكيلي متميز عندما كان يقف بجوار النافذة،إن هذا التكوين
    واللون الذي أضفى مسحة جمالية فأبرز البعد التشكيلي للمخرج في صياغة جمالية.
    تكوين الأقدام:
    في هذا التكوين وبعد أن مارس الزوج عملية قتل زوجته أكد المخرج جريمة القتل التي مرّت بعنف ضد الزوجة من خلال
    الحركة النصف دائرية لأقدام الزوج وهي تتحرك في مقدمة المسرح بعد أن عتم الجزء الأعلى لجسد الشخصية فأعطى
    إيحاء بأن الجسد قد فصل ولا نرى منه غير الأقدام،وهذا التكوين دلل فيه المخرج على أن الجريمة التي قام بها
    الزوج تتحرك بأقدام ثابتة وجاءت دفاعا عن النفس باعتباره قتل عدوا وهو الغول المتجسد في شكل زوجته.
    تكوين مصارعة الثيران:
    حاول المخرج من خلال عرضه المسرحي أن يضفي نوعا من الحركية في تنويع التكوينات فبعد فشل الزوج كونه لم يقتل
    الغول المتلبس لزوجته وتحديدا بعد أن كشف الغول عن شخصيته بأنه لم يكن الابن الحقيقي وإنما شكله فقط والذي
    اتخذه الغول بعد قتل الابن،والحقيقة أن الغول تمكن من دخول البيت للقضاء على من بداخله فيزداد الزوج رعباً
    وخوفاً فيتحول التكوين حلبة مصارعة للثيران واحد منهم مهاجم وآخر مدافع.
    إن هذا التكوين أعطى نوعا من الحيوية في التغيير المفاجئ في التكوين.
    تكوين المراسل:
    تم الاستفادة من السلم المزدوج لتكوين شكل المثلث وأن هذا السلم أضاف إلى الشخصية مسألة الارتفاع وذلك أكد
    المخرج الطبيعة الإعلامية للمراسل أو قائد الفرقة الذي يحرك الأحداث ويعلق عليها وينقلها وقد تكرر هذا العرض
    تأكيدا لدلالة الشخصية وفي الوقت ذاته تمت الاستفادة شكليا ولمشاركته في تحريك الأحداث فنجده قد مارس عملية قتل
    الغول في نهاية العرض باعتباره قد أنهى الدور المطلوب منه وهنا أكدت هذه الشخصية التآمرية هيمنتها العالمية
    وتسلطها على الشخصيات وقد أعطى هذا الأمر دلالات أخرى أكثر انفتاحا لما يمكن أن يتضمنه من معاني.وما أن تنتهي
    مهمة قتل الغول حتى يضم السلم المزدوج ويترك أرضا تدليلا على انتهاء المهمة.

    مسرحية الكنًاس
    بقلم / أبوالقاسم فرنانة
    مسرحية الكناس (مونودراما)
    مأخوذه من مسرحية (الزبال) للكاتب السوري ممدوح عدوان .
    إعداد وإخراج عبدالعزيز الحضيري
    مكتوبة باللهجة الليبية بخط اليد في (13 صفحة من حجم (A4)
    الشخصيات : الزبال ، الحاج يوسف صاحب المخبز ، فاطمة ، ابراهيم ، الحاجة عيشة ، عبدالله .
    زمن العرض ، 55 دقيقة
    عرضت سنة 2004 افرنجي على مسرح الكشاف .
    حكاية النص :
    تدور حكاية النص حول سكان شارع من شوارع المدينة يكشف عن اسرارهم كناس من خلال القمامة ويسرد العلاقات القائمة
    بين الجيران وتبدأ هذه الحكاية بالتعريف بنفسه وكيف وصل الى هذه المهنة ثم باستعراض سكان كل بيت والغوص في
    خصوصياتهم من خلال النبش في براميل القمامة يتضح ان المرأة غير المتزوجة تسكن البيت مع أمها ترغب في أن تكون
    صاحب نفوذ ومال فانحرفت بعلاقات غير سوية مع عدد من الرجال كما يتطرق النص أيضاً الى الجارة التي تراقب
    جيرانها وتحصي عليهم أفعالهم وحركاتهم وإفشاء أسرارهم وعلاقات الخباز والتصرفات الشاذة للشاب وغيرها من
    الأحداث التي تتوالى والحكايات تتشابك ويبقى الخط الواصل بينهم القمامة نفسها .
    لتكشف عن مخلفات المجتمع من خلال الشخصية التي تتصف بالانحلال والشذوذ والممارسات غير السوية المنحطة .
    وتتوالى الأحداث حتى بلوغ ذروتها متمثلة بوجود طفل رضيع داخل أكوام القمامة يدهش الكناس فيرفع الطفل وقد فارق
    الحياة .
    حكاية العرض :
    إضاءة زرقاء تسود فضاء المسرح وتظهر ستة أبواب توحي ببيوتها وأتخذت خطوطا حادة ومقوسة والمسرح معبأ
    بالقمامة التي تملأ المكان وتمثل جزءا مهما من مكملات العرض يبدأ العرض بأصوات سكان الشارع ثم دخول الكناس
    وهو شخصية ترتدي أزياء ليبية سترة زرقاء قبعة بيضاء بنطلون بني يبدأ العرض بجولة أمام الأبواب مستعرضاً قصة كل
    بيت من البيوت ومن خلال القمامة نكشف طبيعة المجتمع والحالة الاجتماعية لكل أسرة التي تتنوع من الحالة
    الاقتصادية الى السلوك والأخلاق ونكتشف ذلك من خلال ما يظهره الكناس من أشياء من القمامة في كل بيت من علب
    العصير وقناني الدواء والمشروبات الكحولية وشريط اقراص منع الحمل من قمامة بيت تسكنه عجوز وابنتها غير
    المتزوجة وهناك جزء من بطيخة ، جهاز إذاعة مسموعة يبدأ الكناس في استعراض الشخصيات من خلال تقليد أصواتهم
    وحركاتهم وارتداء الملابس الدالة على كل شخصية .
    أستخدمت الإضاءة الزرقاء لإضفاء الجو العام للعرض وكذلك عزل الشخصية من خلال بقعة الضوء فلم تستخدم المؤثرات
    الموسيقية واستخدم بدلا عنها مؤثر صوت الطفل الذي نسمعه بين الفترة والأخرى.
    تستمر الأحداث واستعراض كل بيت من خلال شخصياته ، مشاكله ، علاقاته مع الجيران وسلوكياته .
    ينتهي العرض بعد أن ينتشل الكناس الطفل من بين ركام القمامة يضعه بين ذراعيه ويتحول به في أرجاء الخشبة
    ويختلط بكائه مع بكاء وحسرات الكناس على ما وصل إليه الناس فقد وصلوا الى أن يرموا ابنائهم في القمامة
    وينتهي العرض بمفارقة الطفل لحياته .
    التكوين التشكيلي للعرض :
    تكوين المنظر : المنظر العام تغلب عليه الإضاءة الزرقاء التي تعم المكان والقمامة الموزعة والمنتشرة داخل
    فضاء الخشبة كما في الصورة 26 التي تعبر على محاصرتها للمكان من خلال التكوين العام الذي تتوزع فيه هذه
    الأكوام المنتشرة التي لم يخلوا منها جزءا من الفضاء ستة أبواب تمثل جزءا من المنظر وتمثل ايضاً سكان الشارع
    الذين نكتشفهم من خلال تقديم لهذه الشخصيات ويرى المخرج (أن التكوين العام للمنظر تم من خلال علاقة الممثل بكل
    ما هو موجود على خشبة المسرح مثل الأبواب ، العربة ، المكانس ، وجردال القمامة وصناديق الكرتون . استخدم
    المخرج الإضاءة القاتمة للإيحاء بالجو العام للعرض واستخدمها ايضاً في حالة عزل الممثل من خلال بقعة الضوء او
    الدوائر الزرقاء كما استخدمت ايضاً باعتبارها دلالات رمزية من خلال استخدام اللون الأحمر بقعا تظهر جزءاً من
    الكناس والطفل في نهاية العرض كما في الصورة 27 وذلك للدلالة على المأساة والخطيئة وكما استخدمت ايضاً من خلال
    العزل لغرض تكوين الكناس عن التكوين العام وكما استعملت لإخفاء ملامح الرجل لتأكيد حالة هيمنة القمامة التي
    تمثل معاني ودلالات إيحائية أخرى فالقمامة وانتشارها يؤثر على البيئة وتكشف ايضاً عن بعض الممارسات غير الأخلاقية
    المنحرفة التي تنخر المجتمع وهي أكثر ضرراً من القمامة المادية .
    وهي مؤشر لخطر كبير قد يخرب المجتمع بأسره وتمثل هذا المعنى من خلال إظهار الطفل من القمامة فترك أولادنا في
    الشارع وإهمالهم هو أيضاص نوع من أنواع القمامة من خلال استبعادهم ورميهم والتخلص منهم وكأنهم شيء غير مرغوب
    في وجوده .
    تكوين الكناس :
    أما بالنسبة لتكوين الكناس الذي كان طوال العرض شخصية تسير بشكل منحني في تكوين جسده للدلالة على اقترابه من
    والتصاقه بها أيضاً تغلبها عليه باعتباره جزءاً بسيطا من البيئة التي تسودها أكوام القمامة .
    هذه الشخصية لم تبق على حالها بل تنوعت تكويناتها طبقا للأحداث الجارية في العرض وعلاقتها بمحيط المكان الذي
    تعيش فيه فصفة (الكناس) لا تكشل مهنته فقط بل شكلت حالته حالة اجتماعية مأساوية وذكرياته فكما كان الكناس
    شاهداً ومعلقا على أحداث تجرى فهو ايضاً مشاركاً في هذه الأحداث وكما رسم المخرج شكل هذه الشخصية وعلاقتها بأحجام
    وأشكال الأدوات لو نظرنا الى العرض لوجدنا مثلا وقوف الكناس أمام المكنسة الطويلة وهو يخاطبها على أنها ابنه
    والتي يبدو أمام طولها “قزما صغيرا إذا القمامة تمثل حياته” وهذا كان واضحاً عندما أرتمى في قلبها واخذ
    ينثرها في فضاء المسرح كما في الصورة بحثا عن الطفل رمز البراءة المدنسة .
    ان تنوع الشخصيات جاء تعبيراً لنماذج متعددة من المجتمع والتي يعتبرها العرض شكلا من أشكال القمامة فشخصية
    فاطمة وتمردها على التقاليد الاجتماعية والخلقية وميوعة ابراهيم وحركته الكلتوية غير مستقيمة ، وعلاقة الحاجة
    عائشة بجيرانها ومراقبتهم وما يقوم به عبدالله من أشياء مشبوهة كل ذلك يعبر عن دلالة الانحطاط الأخلاقي والاجتماعي
    لهذه الشخصيات.
    أما بالنسبة للخطوط المنحنية والأشكال الدائرية والشبه دائرية التي كانت ذات غلبة في شكل التكوين العام للعرض
    حيث تمثلت في انحناءات جسد شخصية الكناس وحركته وكذلك في حركة الشاب وتمثلت ايضاً في أقواس الأبواب وأشكال
    البراميل الدائرية وعجلات العربة وأشكال دوائر الإضاءة هذه الأشكال دلالة على الانحسار داخل دائرة مغلقة يصعب
    الفكاك منها .
    تكوين القمامة :
    شكلت القمامة كتلة متنوعة ومنتشرة وكانت توحي بالفوضى التي أحاطت بالمكان كما في الصورة 29 إلا أنها كانت
    تعبيرا عن نظام من العلاقات الصارمة فضلا عن نمط من الحياة يحياها السكان لهذا فقد كانت القمامة في تنوع
    أشكالها ومواقعها وأحجامها وجاء تنوع أشكالها متمثلا في مكعبات الورق المقوى وبقايا العلب .
    تكوين الأزياء :
    أما الأزياء فقد تنوعت من حيث الشكل ولكنها حافظت على دلالتها السائدة في تحديد هوية الشخصيات التي أكدت
    بيئتها فكانت الأزياء دلالة عن الهوية حيث كانت الأزياء محلية ليبية كما استخدمت للدلالة على جنس الشخصية
    ووظيفتها الاجتماعية كما في الصورة 30 فتنوعت بتعدد الشخصيات التي كان يؤديها الممثل وكات المرأة العجوز
    باستخدام اللحاف والخباز باستعمال الملاية والشاب المخنث بارتداء الأزياء القريبة من ملابس البنات أما بالنسبة
    للأزياء الشخصية الرئيسية فقد دسبق الإشارة إليها من خلال نص المخرج .
    أما اللون الأزرق بصفة عامة فقد كان دلالة على الشعور بالحزن والأسى والمحاطرة كما استخدمت اللونين الأحمر
    والأصفر للدلالة على التنوع في شخصيات المجتمع واختلاف تكويناتها وتكوين مزاجها النفسي وانتمائهما الاجتماعي .
    تكوين الإضاءة :
    واستخدم المخرج في تنظيم (سينوغرافيا) العرض اللون بوصفه تكوينا يثير دلالات ويشحن المعنى ففي بعض التكوينات
    للكناس وهو يفترش الأرض كما في الصورة 31 غيب جزءاً من شكله وكأن المخرج أراد أن يوحي بأن الكناس الذي يحيا
    ضمن الوسط البيئي غيبت ملامحه أو تكاد تغيب فقد غيب جزء من وجه الكناس فضلا عن سحنة لونه السمراء وإن لم يكن
    الممثل بهذه السحنة لكان قد دهن باللون الأسود وبهذا الصدد يقول المخرج :
    (كان اللون جزءا من التكوين العام للعرض ، فضلا عن كونه يسهم بتحقيق الجو العام للعرض) .
    أما من ناحية استخدام اللون تكوينا وتعبيرا ذي دلالة كما في الصورة 32 فبعد اكتشاف الطفل وصرخاته ثم يحدث
    انقلابا عاما في التكوين من خلال الاضاءة فسرعان ما تنغرس بقعة اللون الحمراء في فضاء العرض التي شكلت صورة
    جديدة نقلت شكل المنظر الطبيعي الى شكل صورة تعبيرية أعطت دلالة أكثر من كونها تكوينا محدداً بدلالة محددة
    وإنما حدث انفتاح للمعني فاللون الأحمر دلالة الدم والعار والخزي وهو لون حار بالمقارنة مع اللون الأزرق فاللون
    هنا لم يعبر على الحالة النفسية أو السلوك الاجتماعي فقط بل تعداه من خلال الإضاءة الى خلق تكوين ملموس قد يغير
    تكون الحياة وقلب الأشكال المألوفة الى أشكال غرائبية تكون دلالاتها أضخم وأشد قسوة مما نتصور وبذلك كان
    المضمون في هذا التكوين يتصاعد ويكشف عن نفسه تدريجا من خلال الكيفية التي يظهر من خلالها هذا التكوين
    التشكيلي للعرض المرسحي إن ذلك أسهم بتكثيف الصورة المسرحية وانفتاحها على الرغم من حالة الانحسار التي شكلت
    وضع الكناس ان الانغلاق والانفتاح في التكوين المسرحي هو تغيير في طريقة التفكير بمعني آخر ان المضمون يتحرك
    ويتخذ شكلا جمالياً معبراً وقد يكون هذا الشكل أكثر انفتاحاً لإحداث الأثر المتوخى منه .

  • بقلم / ناصر الدعيسي ..الواحة والجوع ..هي مسرحية «عبدالله القويري» .. ليبيا مائة عام من المسرح-2-55

    بقلم / ناصر الدعيسي ..الواحة والجوع ..هي مسرحية «عبدالله القويري» .. ليبيا مائة عام من المسرح-2-55

     ​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-55 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​

    الواحة والجوع
    بقلم / ناصر الدعيسي

    هي مسرحية «عبدالله القويري» التي قام المخرج «فرج بوفاخرة» بإخراجها هذا المخرج الذي شاهدناه في مهرجان الفاتح
    في درنة عام 86 في مسرحية «تأخرت قليلاً يا صديقي» حينها شعرنا بقيمة شبابنا الذين دُرسوا في مجموعة أعمال
    قدمها «منصور سرقيوة» في «الحارس» وداوود الحوتي في «الفرافير» و «محمد بوشعالة» في «المهرج» وأخيراً فتحي
    كحلول في «باب الفتوح» هذه الأعمال علامات مضيئة في حركة المسرح الحرفي الآن.
    ففي «الواحة والجوع» تلك الصحراء التي ينطلق بها البشر تائهين في سرابها يتحول ذلك السيد الذي لم يعرف
    الصحراء جيداً ولم يعرف ما يخبئه له القدر، ورغم أن الجميع يعرفون صعوبة الذهنية في العمل المسرحي إلا أن «
    بوفاخرة» أرغم شخصياتها من خلال ذلك الانفعال والتوتر على معرفة التصور المطروح في «الواحة والجوع» فالشك وعدم
    الثقة لدى «الشيخ علي» الذي يرتفع صوته ضد الجميع في الصحراء «المرأة» و«مسعود» الذي يعاني من تلك المرأة
    هذا التسلط واللاوعي بالذي يجري من «الشيخ علي» الذي يرى أنه لم يعد هو السيد، بل حاصره رفض «مسعود» المستمر
    وجعله عبد الصحراء… في هذا الموقف السائد قامت «حميدة الخوجة» بدور قوي وجسدت المعاناة وشخصت النار التي
    تلتهم صدورنا في الصحراء وسرابها المخيف رغم أنها هبطت بالدور في بعض الأحيان على عكس الشيخ «علي» «عبدالرزاق
    المريمي» «ومسعود امبارك» اللذين ارتفعت الحركية عندهما وكانت فاعليتهما تسد كل ثغرة في ذهنية المشاهد
    المتلاحقة في المسرحية… عرفنا أن التوتر ضعف وأن حب السيطرة نزوة فقط وأن «الشيخ علي» يخشى صمت «مسعود»
    ولكن استمرار عدم الثقة والرهبة من الطرف الآخر التي تصل إلى حد جلده بالسوط وتضيع روح الفكرة كلما تساءلنا
    ماذا يريد القويري ؟ وأين ينبغي لشخصياته أن تتوقف في هذه الواحة؟ حيث كان لغياب الصراع الدامي مواجه أخر هو
    قدرة هؤلاء الممثلين على الأداء الحسن مما جعلنا نرى مفاهيم تطرح وآراء تتضاد ويأكلها الزمن والموقف معا لتصبح
    لحظة صدق مع النفس وأن القلب واحة وهذا الصراع الذي يجرى بين العقل والباطن هو الذي بدد الذهنية لأننا أصبحنا
    في موقف باهت أحياناً وكأننا أمام لوحات «سلفادور دالي» نبحث عن أي الألوان يجعلنا نمسك بخيط الحقيقة لقد
    انتهشت المرأة أعماق الصحراء التي تمثل جفاف هذه الجروح أصلاً فالرصاصة التي سمعناها وعرفنا قصتها مع «
    عبدالجواد» وكيف حمل أخاه من تلك المزرعة التي أراد الحصول منها على شيء والعذاب الذي رأه أخوه فكانت الطلقة
    الثانية لإراحة شقيقه من هذا العذاب المستمر ولهذا الموقف المفاجئ تغضب الصحراء وتسقط النخلة التي عاشت عليها
    تلك الصخور وأكلت منها، إن النخلة شاهد العيان سقطت والطلقة الثانية شاركت في هذا الخوف أما الطلقة الأخيرة
    فكانت نهاية حتمية لهذه المواقف المتأزمة فقتل «عبدالجواد» لنفسه هو الرحيل نحو الممر الأخير،إن تلك الطلقات
    هي إيقاظ عام لهذا الضمير في أن الجوع يولد مواقف متعددة تصل لمرحلة الموت، لقد جنب «فرج بوفاخرة» لذهنية «
    القويري» ذلك الاستفزاز المستمر للعقل وبهذا أصبحت قضية الفهم شيئاً لايصعب على أحد.