Category: سينما ومسرح

  • حول مهرجان فرقة الأمل .. – بقلم / سليمان سالم كشلاف..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-74

    حول مهرجان فرقة الأمل .. – بقلم / سليمان سالم كشلاف..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-74

     ​​​​​​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008 م”أو هكذا تكلم المسرحيون -2-74- نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************

    حول مهرجان فرقة الأمل ..
    بقلم / سليمان سالم كشلاف

    قدمت “فرقة الأمل”خلال الأسبوع الماضى ثلاث فقرات مسرحية “تراب النصر”تأليف وإخراج الأزهر أبوبكر
    احميد.اسكتش”عيادة المجانين”تأليف وإخراج عبدالكريم عبدالهادى ثم وصلة غنائية من المطربين أحمد سامي وسلام
    قدري،ويهمني هنا أن أقتصر في حديثي على المسرحية..فالمسرحية من ناحية التأليف تبدو لي ساذجة جداً في فكرتها
    حتى لكأنها تمثيلية من التمثيليات التي يقدمها طلبة المدارس في حفلاتهم،حكاية المسرحية أن الإيطاليين قتلوا أم
    ولد اسمه حسين وجرحوه..وعندما يكبر يصمم على الانتقام والدفاع عن وطنه،ثم يقع في يد الإيطاليين فيعذبونه
    ليخبرهم عن مكان السلاح.
    سذاجة..منتهى السذاجة،المؤلف لم يحاول أن يبحث عن فكرة جيدة يصوغها عملاً درامياً جيداً..إنه يلجأ إلى ما يلجأ
    إليه-كما سبق وقلت-طلبة المدارس،فهذه الفكرة تقدم من مدرستين أو ثلاث مدارس كل سنة. تختلف طريقة التقديم من
    مدرسة إلى أخرى..وفرقة الأمل بكل إمكاناتها وبكل المساعدات التي تحصلت عليها لم تستطع تقديم عمل جيد يمكن أن
    يحسب ضمن قائمة أعمالها الفنية.فالعيوب في المسرحية-إن أطلقنا عليها تجاوزا مسرحية-كثيرة،في المشهد
    الأول..الجنديان الإيطاليان يعلمان أن المكان الذي جلسا يشربان فيه الخمر فيه مجموعة من المجاهدين،ومع ذلك
    يشربان الخمر،ثم يطلقان النار على الطفل،ثم على أمه،كيف يجمع المؤلف هذين النقيضين؟..لا أدري..المشهد الثاني
    ليس فيه حسنة واحدة.فهو مجال خطابي واسع للمجاهدين كما قدمتهم المسرحية،لولا قليل من التمثيل من عثمان
    وعبدالكريم عبدالهادي لما كان للمشهد معنى.فالغرض من هذا المشهد أنه يريد أن يرينا الطفل حسين وقد أصبح
    رجلاً،تم تكليفه بالمهمة الخطيرة..وفي المشهد الثالث..لا أدري من أين استقى المؤلف معلوماته تلك التي تحكى عن
    الرجل الذي شرب من جردل الماء الذي سيشرب منه حصان الجندي الإيطالي لأن الجندي أمره بذلك،ثم مافعله معه حتى
    التقط “المسحة”وقتله.
    أي شكل مهين قدمته لنا هذه المسرحية للإنسان الليبي،يحتمل الإهانة والضرب..و..و..لأن جندياً إيطالياً هو الذي فعل
    معه ذلك،ولأنه خائف من مسدسه،هل هذه قصة كفاح أم نموذج زائف للإنسان الليبي؟
    في نفس المشهد نرى استهانة القائد الأعلى للجنود الإيطاليين بعمله فإنه يترك مهمة تنفيذ الإعدام في عدد من الآلاف
    ليحضر حفلة خطبة ابنته،هل يتصور الإنسان هذا الاستهتار وهذه الاستهانة من رجل عسكري بمهام وظيفته التي عليها
    يتوقف انتصار بلاده أو هزيمتها.
    في نفس المشهد أيضاً يظهر لنا حسين أسيراً عند الإيطاليين يجري تعذيبه ليعترف لهم بمخبأ السلاح..كيف عرفوا أنه
    يهرب سلاحاً،يجوز أنهم قبضوا عليه ولديه بعض الأسلحة ولكن مسألة الاعتراف شيء آخر،وبالرغم من أن حسيناً يعرف
    نذالة الإيطاليين وعدم وفائهم بالوعد فكيف رضي أن يعترف لهم بمكان السلاح لقاء عدم تنفيذ حكم الإعدام في الأسرى
    الموجودين،ثم في النهاية لماذا حاول الهرب قبل أن يموت وعرض حياة أولئك الآلاف من الأسرى للموت،إذا فرضنا أن
    الضابط الإيطالي صادق في وعده بآلا ينفذ الحكم في الأسرى؟.
    وفي المشهد الرابع يقدم لنا المؤلف ليبياً ظهر في المشهد السابق على انه “جاسوس”للإيطاليين،قدمه لنا المؤلف
    على أنه أحد المجاهدين..أما كيف تمكن هذا المجاهد من خداع الإيطاليين وإيهامهم بأنه يعمل لحسابهم فذلك هو
    الذي لا أعلم عنه شيئاً..
    والإخراج أحسن من التمثيل..
    فالإخراج يتميز بأن هناك لقطتين جميلتين،المشهد الأول من بدايته حتى إطلاق النار على الطفل والأم..ثم قفلة
    النهاية للمسرحية.
    ومن مساوئ الإخراج إظهار الراوي للزجل،كان المفروض أن يكتفي بإظهار الصوت ليترك حرية للمشاهد لإطلاق خياله في
    تصور ما حدث وما سيحدث،خلاف أن الراوي كما قدم جلب الملل والرتابة للمتفرج،كما أن هناك في تسجيل الصوت في
    المشهد الرابع للراوي اختلافا في الإلقاء..ولا أدري كيف فات ذلك على مخرج المسرحية..
    في المشاهد الأول والثالث والرابع كان الجنود الإيطاليون ينطقون العربية الفصحى كأحسن ما يكون..لا أدري كيف
    يمكن للإيطاليين النطق بتلك العربية والليبية السليمة إذا كان الإيطاليون الذين يعيشون بيننا حتى الآن لايعرف
    تسعة وتسعون في المئة منهم كلمة واحدة من العربية..
    وفي المشهد الرابع قبل أن يقتل حسين والجاسوس الجندي والعريف المرافق له،كان الثلاثة،العريف والجندي والجاسوس
    يداً واحدة ثم اختفى العريف بالجندي خارج المسرح لماذا؟..لا أدري.طبعاً هي حجة لكي يعرف الجاسوس حسين بأنه
    مجاهد مثله ويعطيه مسدساً ثم يساعده على الهرب،إلى جانب ذلك لا أتصور كيف يمكن للضابط أن يرسل عريفاً وجندياً مع
    الأسير لكي يريهما مكان السلاح وهو يعلم أنه ربما يساعدهم بعض المجاهدين خصوصاً أن المنطقة الذاهبين إليها
    مليئة بالمجاهدين،كما قال الجندي..
    والمنظر في المسرحية لم يكن يعطي أي إحساس بأي معنى ولعل الذي رسمه كان يسبح في خيالات أخرى،ثم كيف يستخدم
    منظرا واحدا في مشهدين دون أي تغيير مع أن هنالك فاصلاً زمنياً مقداره-15 أو 20سنة..
    أما في التمثيل فقد لمع محمد محمود وعبدالله هويدي والطفل ناجي عتيقة.

  • مهرجان العيد .. مهرجان الوطن المسرحي .. إبداع وتجديد ..- المهرجان المسرحي الوطني واراء متناقضة بين التوطين والترحال ..- مشاركة: شرف الدين العلواني ..

    مهرجان العيد .. مهرجان الوطن المسرحي .. إبداع وتجديد ..- المهرجان المسرحي الوطني واراء متناقضة بين التوطين والترحال ..- مشاركة: شرف الدين العلواني ..

    ​​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008 م”أو هكذا تكلم المسرحيون -2-73- نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​​​​

    مهرجان العيد .. مهرجان الوطن المسرحي .. إبداع وتجديد
    المهرجان المسرحي الوطني واراء متناقضة بين التوطين والترحال ..
    شرف الدين العلواني ..

    * استنزاف موازنات مخصصة للمسرح دون استفادة المسرح منها ..
    * متى يفكر أولى الأمر في بلادنا حاجة المسرح الليبي لجهة مدعومة من المجتمع ترعاه وبإدارة افراد من أهل
    المسرح وليسوا دخلاء عليه ؟..
    * ما الفائدة من تجوال المهرجان الوطني داخل أرجاء بلادنا وما هي سلبيات التقوقع في مدينة واحدة فقط؟..
    * متى يتم الاعتراف بالفن صناعة لابد من مراعاتها ودعمها وبالذات بعد العيد المئة للمسرح الليبي وعطاءته طيلة
    هذا العمر ؟..
    * لم لمْ يلتفت أي مسؤول عن الثقافة والفن للعيد المئة للمسرح الليبي والسماح بمروره مرور الكرام ؟!!
    ملاحظات واستفسارات عديدة سنحاول تسليط الضوء عليها أولاً بأول..
    ولنبدأ بالمهرجان المسرحي الوطني الحالى والذي يعقد في هذه الدورة بشعبية الجبل الأخضر إن الذين يتكابرون على
    مدن وقرى الدواخل ويفسرون رؤاهم الشخصية في شاكلة مقالات وآراء في تغطيات صحفية ويسلطون الضوء على سلبيات
    أجاد أحد المواطنين الرد عيها بأنه لسنا في “سويسرا ” بل في مدينة صغيرة تابعة لشعبية تبعد عن العاصمة
    بحوالى 1250 كم ورغم المسارح الأثرية الموجودة بها إلا أنها مجردة من الفن والمسرح والمهرجانات كما هو الحال
    في بلدان مجاورة ليست احسن منا قدرة وإمكانات ولولا القرار الجرئ بإقامة هذا المهرجان بالبيضاء وشحات ما
    تنازل وتواضع فنانون وفنانات كبار من بلادى بزيارة هذه المناطق والتعرف على اهلها وهم جمهورهم الذي يتابع
    اعمالهم في المرئية كل عام وفي شهر تجمع العائلات حول جهاز المرئية وكأنهم فنانون من عالم آخر .. وكنت أتمني
    ألايصرح فنانون لهم بأن المهرجان ولد في طرابلس ولابد أن يبقى بها .. لماذا ؟ هل يستطيع هذا الجمهور الذي
    رأيتموه وعشتم معه أيام المهرجان بالإيجابيات والسلبيات قادر على التوجه إلى طرابلس ليشاهد مهرجانكم أيها
    الفنانون الكبار وإذا كان لابد من التوطين فلم لم يصرح بهذا فنانون ببنغازي..فبنغازي والتي في آخر عروض
    للمسرح بها وكالعادة أربع مسرحيات تعرض في وقت واحد ولمدة شهر رمضان المبارك وانتهت العروض ولازالت الجماهير
    تطالب بالاستمرار ولو أن هناك مسرحيات أخرى تنتظر لما توقفت العروض ومسرحها معروف جوائز المهرجانات أليس أجدر
    أن تسمى بنغازي مدينة المسرح الأولى في ليبيا ولها الحق في الاحتفاظ بالمهرجان كل عام وبها مثلما يقولون
    الفنادق والمسارح وكافة الخدمات ؟!!.
    ومع هذا أقول لا ..ليس الحل في توطين المهرجان .. الحل في استمرارية تجواله في كل مدن وقرى وارياف بلادنا
    أوليس بها مسارح .. وبها فنادق ونحن كفنانين ..كمبدعين .. بكافة تخصصاتنا واعمارنا ومستوياتنا نتحرك من كافة
    ارجاء البلاد لنجتمع في كل دورة في كل رقعة من ربوع الجماهيرية نلتقي ..نتعارف ..نتعاون ..نتعانق مع
    جماهيرنا ونتشارك ابداعاتنا ونخلط الزيت بالدقيق ونعجنه ونستخرج منه كل نقص وما لم تهتم به الدولة ونكشف
    ونعرف كل مسؤول استغل دورات المهرجان بطلب الدعم والأموال ليذهب جُلها لجيبه وجيب معاونيه من المرتزقة على
    حساب المسرح وأهل المسرح .. هؤلاء الذين استغلوا مناصبهم وثقة الدولة بهم وسرقوا مخصصات الفن وأهل الفن
    وأعدوا وزوروا الفواتير بأرقام ضخمة على شيء قليل ولاشىء بالمرة في الغالب..إذا للتجوال فوائد لاتعد ولا تحصى
    ولايجب على المبدعين أن يشجعوا على انفراد مدينة دون أخرى بديمومة المهرجان وتوطينه لأن نكهته والفوائد
    المرجوة منه ستتبخر أما المهرجانات التي يمكن أن توطن هي المهرجانات التي تربط بمناطق مثل صبراته ، ولبدة ،
    وشحات ، والشلال .. مثلماً هو الحال بغات ، وغدامس ، وهون أما الاعتراف بالفن صناعة فيكفي مافات من عمر رسمياً
    جاوز المئة سنة لتقولها جماعة لابد من الاعتراف بالفن صناعة ولابد من عودة نقابة خاصة به ولابد من تحديد جهة
    تسمى هيئة أو أي اسم آخر وتدعم على أية من سيتولاها من إداريين من أهل الفن الذين يزكيهم أهل الفن وليس قراراً
    فوقا لمن ليس جديداً بأن يقود حركة الابداع ويكفى ماضاع من العمر هباء منثوراً وليتق الله الدخلاء على حركة الابداع
    ويبتعدوا عنها ويدعونها وشأنها فأهلها هم وحدهم الجديرون بدفعها للأمام ويكفى مثالاً أننا لم نرهم في عيدنا
    المئة بالمسرح الليبي ولم يلتفتوا الينا ولو بكلمة طيبة عن المسرح الليبي في عيده المئة المدون حالياً ما بين
    1908 ـ 2008 في الوقت الذي نعرف أن عمره أكبر من هذا تاريخياً قبل الميلاد وبعده وبكل السلبيات والإيجابيات
    كوننا لسنا في “سويسرا” بل في مدن البيضاء وسوسة وشحات في ليبيا التي اهتممنا بالكثير على حساب المسرح
    اعتبرناه قليلاً لعيش فرحة عارمة بتواجدنا أسرة واحدة شيب وشباباً وفتيات صغاراً وكباراً سواسية ويجمعنا الحب كل
    الحب وهذا هو عيدنا الحقيقي في عيد مسرحنا بالمئوية التي صارت له عيدية حتى وإن سامحهم الله أستغله المتسلقون
    لجنى فوائد شخصية لهم على حسابه إلا أن مجرد تجمعنا بأكل أو بدونه وبإقامة حركة وبدونها وبحوافز وبدونها مجرد
    تجمعنا معاً في مكان واحد من كل مدن بلادنا عيد ما بعده عيد ..

  • بقلم : نسيم مجلى ..- كاتب لم يكتب شيئا مواجهه للذات وللواقع القمعي..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-72

    بقلم : نسيم مجلى ..- كاتب لم يكتب شيئا مواجهه للذات وللواقع القمعي..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-72

     ​​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008 م”أو هكذا تكلم المسرحيون -2-72- نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​​​​

    كاتب لم يكتب شيئا مواجهه للذات وللواقع القمعي
    بقلم : نسيم مجلى ..

    قدمت “فرقة المسرح الحديث” بالبيضاء عرضا جيدا من حيث النص والإخراج والتمثيل. ولا شك فى قيمة هذه المشاركة
    الليبية فى مهرجان القاهرة الدولى الرابع للمسرح التجريبى. وأن تأتى هذه المشاركة الفنية فى هذا الوقت
    بالذات لهو أمر بالغ الدلالة، إذ يثبت أن الشعب الليبى قادر على اختراق المضروب حوله.
    فهذه الأعمال المسرحية “المرتجلة” و “كاتب لم يكتب شيئا” تقول للعالم بلغة فنية حميمة، أن الشعب العربى
    الليبى الذى جاهد فى سبيل الخروج من عصور التخلف والقهر والاستعمار، بوسعه أن يساهم مع شعوب العالم الأخرى فى
    بناء عالم جديد يسوده العدل والسلام.
    وسوف أقصر حديثى هنا على عرض مسرحية “كاتب لم يكتب شيئا” لأننى لم اتمكن من مشاهدة عرض “المرتجلة”.
    ومسرحية “كاتب لم يكتب شيئا” كانت مفاجأة طيبة غير متوقعة وقيمة هذا العرض الحقيقية مستمدة أساسا من النص
    المكتوب الذى وضعه الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه. وهو كاتب ليبى معروف، متمرس على فن كتابة الرواية والقصة
    والمسرحية. وله فى المجال حوالى عشرين كتابا.
    والنص يمثل محاولة جزيئه للتعبير عن معاناة كاتب عربى مع الرقابة وعوامل الأخرى المتمثلة فى تراث الفكر
    الرجعى والممارسات القمعية. وقد توافق جهد المخرج وفنان الديكور والإضاءة فى تحقيق هذا الأثر الطيب الذى حققه
    العرض. كما كان لأداء الفنان، إبراهيم إدريس، لدور الكاتب وقع حسن، يؤكد أنه فنان موهوب يملك القدرة
    والتلقائية على تلوين انفعالاته وصوته وإبراز مشاعر المعاناة والفرح والسخرية بصورة مقنعة.
    أما النص المسرحى فلابد من وقفة طويلة معه لنحلله ونفهمه. فهو نص ينبع من واقع يعيشه المبدعون جميعا فى
    العالم. وهذه سمة هامة لأن التجريب الحقيقى إنما هو مغامرة فنية لاكتشاف الواقع ومواجهته. ومن ثم فإن هذا
    العمل يدخل فى باب التجريب المشروع. بعكس الأعمال الغامضة والمبهمة أحيانا والتى تعتمد التجريد الكامل أو
    حركات الرقص والجمباز.. فهى فى رأيى لا تنتمى لمجال المسرح الذى قام تراثه الخالد عبر الحضارات كلها على أساس
    الكلمة.
    من هنا كان احتفالى بهذا العمل الجديد الذى كتبه الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه. وهو يقع فى شكل المونودراما
    أو أقرب الأشكال إلى المونودراما التى يقدمها ممثل واحد، هو الذى يقوم بدور الكاتب هما. وهو كاتب يعانى من
    الإحباط الشديد فلا يقوى على الكتابة… فى ظل رقابة قمعية تحاصره من كل ناحية. وهو يحاول الهروب عن طريق
    الحلم أو اجترار الذكريات أو استدعاء بعض شخصيات قصصه. ويتجسد كل هذا فى سلسلة من المشاهد المنفصلة فى عالم
    الفنتازيا الذى يجمع بين الحلم والكابوس، وبين الكاتب والرقيب من وقت إلى آخر.
    وإيقاع العمل يحكمه عاملان أو حركتان أساسيتان متواليتان ومتناقضتان: حركة ايجابية تصدر عن الكاتب كمحاولة
    للهروب من القهر وتتمثل فى الحلم وتداعى الذكريات الجميلة أو استدعاء بعض أبطال قصصه. فهو هنا فاعل يمارس
    دور الخالق المبدع الذى يتحكم فى مصير الشخصيات. وحركة أخرى سلبية تتمثل فى حضور الرقيب الذى يفرض وجوده فى
    غرفة الكاتب فى اللحظات الحاسمة ليحبط كل مسعى للهروب أو الإبداع وبهذا يفسد كل اللحظات الجميلة التى تلوح فى
    هذا العالم المخيف.
    والمسرحية تبدأ بهذا الحلم الذى يتلقى فيه الكاتب مكالمة هاتفية من استكهولم تخبره بأنه فاز بجائزة نوبل
    للآداب، ويعلن موافقته على استلام الجائزة، وفى الحال تبدأ الهواجس تساوره، فيطلب من محدثيه أن يحموه من
    المنافسين الآخرين له وهو يوسف إدريس وادونيس اللذين سوف يعملان على قتله.. وربما قتل جميع أعضاء الأكاديمية
    الملكية بالسويد. ولا يكاد يسمع طرقات على باب غرفته حتى يحس أن القتلة قادمون فيقفز من النافذة. وتزداد
    الإضاءة سطوعا لتعلن عن تغير المشهد فدرى الكاتب مستلقيا على دراسة فى فنه القصصى. وأنه ما أن يبدأ فى
    مطالعيه حتى يداهمه النوم. ولا نعرف أنه قد أفاق من النوم ومن الحلم إلا حين يخرج ليعد لنفسه فنجانا من القهوة
    على السخان، ويبدأ فى الكلام من خارج المسرح، ليسخر من أوهامه وأحلامه بقوله:
    انتهت كل المشاكل ولم تبق إلا أوهام جائزة نوبل، أعارك أشباح الظلام من أجلها (يعود ليمسك بالكتاب) أليس من
    واجب الكاتب أن يؤلف كتبا قبل أن يحلم بالفوز بهذه الجائزة؟ كيف يستقيم الأمر إذن وأنا لا أستطيع أن أكتب ولا
    أعرف كيف أكتب أو ماذا أكتب. ثم يستغرب كيف وجد الأدباء العرب وقتا لكتابة الأدب وهم يشتغلون معلمين وصيادلة
    ومهندسين زراعيين ومخبرين صحفيين.
    ثم تتداعى الذكريات. فنعرف أنه لا يملك اختيارا فى اكتساب الموهبة الأدبية. فهذه الموهبة قد ولدت معه. فقد كان
    يسمع همس الطبيعة من حوله ومن فوقه. كان يسمع كلاما تقوله الريح ومواجع تقولها الجبال يسل. ولكن ماذا يعل
    والأدب لا يطعم خبزا؟
    فكر فى أن يحذر حذو نجيب محفوظ الذى فاز بجائزة نوبل. ولم يتفرغ للأدب إلا بعد أن أحيل للمعاش. فاشتغل مثله فى
    وزارة الأوقاف.
    لكنه لا يملك صبره ولا قوة احتماله، فشعر بالاغتراب، وترك الوظيفة.. وعاش متمسكا جائعا فى الشوارع دون أن يهتم
    بذلك، أو يخشى على ضياع فرصته فى الزواج أو تركه للأهل والأصدقاء فقد نذر نفسه لرسالة الأسلاف العظام الذين
    غرسوا شجرة الحضارة وسقوها بإبداعهم أدبا وفنا وفكرا. أى أنه اختار رسالة الكتابة.
    وشطح به الخيال، فرأى نفسه خالقا مبدعا قادرا على أن يسرق النار من جبال الاوليمب ويدفئ بها قلوب البشر. وأن
    يأتى بما لم يستطعه الاوائل على حد قول المعرى. فيعقد المحاكمات للملائكة والآلهة والبشر ويحدد لهم مصائرهم. بل
    إنه يستطيع أن يحكم على زيوس، كبير الأرباب، وأن ينزله من عليائه، هذا هو التحدى الذى يواجه الأديب فى نظره.
    لكنه يترك زيوس جالسا ويتنقل إلى مقدمة المسرح ليسرد بعض ذكرياته. ومنها نعرف أنه تعلم الكتابة مبكرا وهو
    طالب بالمدرسة الداخلية، تعلمها فى المراحيض. فقد كانوا يطفئون أضواء عنابر النوم فيهرب للمراحيض يقضى فيها
    جزءا كبيرا من الليل يقرأ ويكتب، ولعل هذا هو السبب الذى جعل العرب يطلقون على المرحاض “بيت الأدب”.
    ولما كان محرما عليهم سماع الأغنيات العاطفية، ولا يسمح لهم إلا بالأغانى الوطنية فقد كتب لنفسه نشيدا خاصا
    بمدرسته يقول فيه:
    عليك منى السلام يا أرض أجدادى
    ففيك طاب المقام وطاب إنشادى
    وحين كان يسمعه الحارس الليلى يردده فى المرحاض يأتى ليطرده ويطفئ الأضواء ومن هنا بدأ الحصار والمطاردة.
    فالاجهزة القمعية لا تطارد تاجرا أو نجارا أو طبيبا أو مهندسا.. أو تقتله بسبب مهنته.الكاتب فقط تقتله لأنه
    كاتب. وهى تبدأ بالمطاردة أولا ثم بالمحاكمة. “ماذا نقصد بالشفق الأحمر الذى جعلته عنوانا لقصتك؟ ” لو قرءوا
    القصة لعرفوا ماذا يقصد. وإنما اكتفوا بتفسير العنوان على أنه دعوة لثورة دموية حمراء.
    ولماذا سمى نفسه قنديلا يبحث عن ظلام لضوئه؟ ألا يعنى هذا تأثره بالأفكار المستوردة وانحيازه لأعداء الوطن ورغبته
    فى إفساد عقول الشباب. ويعجز عن مقاومة والرد المقنع، فيطلب من الرقيب أن يقدم له لائحة بالمواضيع التى يسمح
    له بالكتابة فيها والمفردات التى يمكنه أن يستخدمها.
    ويأتى الرد:”إن كل ما تكتبونه ملغوم، مدسوس، مليء بالدسائس والفخاخ، وهنا يدرك الكاتب أن الاعتراض ليس على ما
    يكتب بل على مبدأ الكتابة أساسا، فيطلب الإذن له بالتوقف عن الكتابة، ويرفض الرقيب هذا الطلب لأن الصمت نوع من
    الاحتجاج والتمرد يعطى أعداء الأمة العربية فرصة لأن يقولوا أن أدباء الأمة وضميرها مضربون عن الكتابة. لم يبق
    أمامه إذن سوى أن يمشى فى الشارع هاتفا:
    تعيش الرقابة تموت الكتابة
    ويتغير المشهد ويعود الكاتب إلى نفسه ليكشف أن المشكلة ليست فى الرقيب فقط.”وإنما مشكلتى مع نفسى ومع تراث
    القمع الذى أحمله معى. إنه حقا يسكن دمى، ويقيم تحت جلدى، وينام هنا بين أطباق مخي”.
    إن الكاتب يضع أصابعه هنا على أصل المشكلة وبيت الداء. فالقمع ليس مسألة عارضة أو مستحدثة. بل تراث موروث من
    مئات السنين نرثه أبا عن جد. فهو قسمة مشتركة بين أبناء هذه الأمة حاكما ومحكوما، لا نستطيع منه فكاكا. وهو
    الذى يفسد أسلوب الحوار بيننا ويحيله شاكا للوقيعة والاصطياد بدلا من أن يكون وسيلة للتفاهم والوصول إلى
    الحقيقة..
    وعلى هذا يبدأ الكاتب فى توبيخ نفسه لأنه انهار أمام الرقيب ولم يقاوم. فالكاتب الذى ينصب المحاكمات لآلهة
    الشرق والغرب يقف متخاذلا جبانا أمام الرقيب. فما أبشع التناقص. فكيف يكون موفقه أمام محكمة التاريخ؟
    أخيرا لا يجد مفرا من تقريع الذات والهرب من الحصار إلا باستدعاء جميلة، بطلة رواية “حقول الرماد”
    التى تفنن فى إبداعها وإضفاء أعظم صفات الجمال والبهاء عليها، ثم وقع حبها حتى إنه حرمها من الزواج من الشاب
    الذى كانت تحبه، لأنه يريدها لنفسه زوجة.
    ولا تكاد تبدأ أغنية الاعراس البدوية فى زفة العروسين حتى تختفى جميلة. ويضاء النور فجأة فلا يجدها. فيطفئ
    قنديل الفرح ليخرج باحثا عنها. وفجأة يرى الرقيب أمامه.
    ويعرف أنه مطلوب ألا يفعل شيئا حتى الزواج إلا باختبار الرقيب ويرفض أن يتدخل الرقيب فى حياته إلى هذا الحد
    ويعلن استقالته من الكتابة. وهنا تبدأ عمليات السجن والتعذيب والمحاكمة. ويعجز عن الدفاع عن نفسه.
    إن الكاتب فرد أعزل لا يملك سوى قلمه. أما الرقيب مؤسسة قمعية مدججة بالأسلحة وآلات التعذيب. وعند هذا الحد
    يعلن انصياعه الكامل لأوامر الرقابة. فلا يتكلم فى السياسة ولا فى الدين ولا يشير إلى الجنس أو صراع الطبقات أو
    أى صراع آخر.
    فتبدل الحال فتعين له سكرتيرة للكتابة على الآلة الكاتبة ويذهب هو إلى المرحاض ليملى كلماته من هناك “وهى
    عبارة عن غزل ومديح للرقابة وللرقيب.
    والأغنية تقول:
    يا سيدى الرقيب نهارك سكر وليلك حليب
    وهى محاولة جادة لكشف هذا الواقع المؤلم بكل قسوته.. وهى محاولة موفقة تضافرت لها كثير من عناصر النجاح. ولا
    ينقص هذا العرض إلا إبراز الفارق بين مشاهد الواقع الذى يحلل فيها هذا الكاتب ذاته وواقعة وبين لحظات
    الفنتازيا أو مشاهدها.. وقد لاحظت أن هذه النقطة غير محسوبة بوضوح كاف فى النص.
    فلا تكاد تدرى إن كل ما يحاول العرض إثباته أن الكاتب يعيش فى عالم الكتب وهو عالم كله وهم فى وهم وهو ما
    تشير إليه النص أحيانا لكنه لا يلبث أن يخرجه من هذا العالم ليعمل القهوة مثلا أو الذهاب إلى المرحاض.. حيث
    كنا نتلقى كلمات إلى عالم الواقع وراؤه…
    وهذه كلها مآخذ بسيطة لا تقلل من قيمة هذا العمل الممتع الجميل، الذى أحيا فينا الأمل فى مزيد من الأعمال
    الليبية الجديدة والناجحة. فقد قدم الكاتب محاولة جزيئه، وتغلب المخرج فرج أبو فاخرة على كثير من الصعوبات،
    واهتدى لحلول مرضية. فقد جعل من مكتب هذا المؤلف إطارا عاما للعروض وغلفه بهذه الستائر الشفافة، ليكشف من
    ورائها عن طريق فن السلويت والإضاءة عن الاشباح التى تحاصر المكان، وتقوم بعمليات التعذيب. كما وفق فى اختيار
    فريق الممثلين الذين ساهموا بتعاونهم فى نجاح هذا العمل. تحية لكل من ساهم فى تحقيق هذا النجاح .

  • تسلية خارج نطاق المسرح..-  بقلم / حمد المسماري..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-71

    تسلية خارج نطاق المسرح..- بقلم / حمد المسماري..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-71

     ​​​​​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008 م”أو هكذا تكلم المسرحيون -2-71- نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​​​

    تسلية خارج نطاق المسرح
    بقلم / حمد المسماري

    أداء بعض الممثلين وخصوصاً عيسى أبوالقاسم بدأ منفعلاً أكثر مما يحتم الانفعال نفسه
    بعيداً عن أجواء حفل الافتتاح وما صاحبه من فوضى ورداءة صوت ورنين هواتف الحضور والحوارات الجانبية طوال الوقت
    واللهجة الآمرة بغلطة لبعض الأخوة المشرفين في وجوهنا ..بعيداً عن كل هذا دعونا نتحدث عن عرض الافتتاح مسرحية
    فرقة المسرح الوطني بطرابلس خارج نطاق التسلية التي أعدها الفنان المخضرم فتحي كحلول وقام كذلك بإخراجها
    وشارك في العرض نخبة معروفة من نجوم المسرح الليبي المسرحية بدأت لنا غير واضحة الملامح والأفكار التي أرادها
    مخرجها مجرد تخيلات زمنية محاولا عكسها على الواقع في عملية تشكيل وولادة جديدة لكن نسي فتحي كحلول في غمرة
    حماسة ممثليه أن يحدد لنا طبيعية هذا الواقع فكان مجرد اسكتشات على رقعة شطرنج لشخصيات تراثية تارة
    ومحاصرتها تارة أخرى ملتقطة من مسلسلات تلفزيونية لا يمكن ربطها بتسلسل منطقي لعملية سرد أو خلافه ورغم مشاركة
    نجوم كبار في العرض أمثال القبلاوي والشوش ومهيبة نجيب فلم نتمكن لا نحن ولا هم من مسك خيط يفضي بنا لربط خيوط
    العمل ، أداء بعض الممثلين وخصوصاً عيسى أبوالقاسم بدأ منفعلاً أكثر مما يحتم الانفعال نفسه.
    باختصار وكرأي شخصي أرى أن عرض خارج نطاق التسلية كانا خارج نطاق أشياء كثيرة وليست التسلية فقط لعل في
    مقدماتها أبجديات العرض المسرحي كما نعرفه بمعلوماتنا المتواضعة.
    هذا الكلام ليس تحاملاً على العرض وصناعة أصحاب التاريخ الفني الذي نحترمه جميعاً لكن من حقنا أن نقول أن ما
    قدموه كان مجرد اسكتشات على رقعة شطرنج لا أكثر .

  • أحمد إبراهيم الفقيه ودراما التمرد على الرتابة ..- بقلم / د. حسن عطية..- ليبيا مائة عام من المسرح-2-70

    أحمد إبراهيم الفقيه ودراما التمرد على الرتابة ..- بقلم / د. حسن عطية..- ليبيا مائة عام من المسرح-2-70

    ​​​​​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008 م”أو هكذا تكلم المسرحيون -2-70- نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​​​

    أحمد إبراهيم الفقيه ودراما التمرد على الرتابة
    بقلم / د. حسن عطية

    “تتميز هذه المسرحية بقدرتها على صياغة رؤية صريحة لموقف الكاتب من مجتمعه وميراثه الثقافي والسياسي ،
    كما تتجلى فيها ثقافته الغربية ، خاصة فيما يتعلق بالاداب والاساطير الاغريقية”
    تشكل اعمال الكاتب الليبي د. احمد ابراهيم الفقيه ثورة ضد الرتابة بكل اشكالها ، بداية من رتابة
    الحياة الزوجية اليومية المتكررة السلوك والممارسات ، ورتابة الحياة الوظيفية ، مملة الافعال ، مرورا برتابة
    العادات والتقاليد التي تخضع المنصاع لها للموت البطيء داخل شرنقة مجتمعية شارك هو في صنع خيوطها، وصولا
    لرتابة الكتابة ذاتها في بنيات مسرحية متشابهة الصياغة منمطة الحركة والنهايات .
    لذا لا نجد في اعماله المسرحية صيغة واحدة ثابتة يعبر من خلالها عن افكاره ، بل هو دائم التنوع بين
    المسرحية القصيرة والطويلة ، بين المونودراما والمسرحية متعددة الشخصيات ، بين الدراما التقليدية والاوبريت
    والقصيد المسرحي ، بل انه لا يكتفي بهذا بل تتعدد نصوصه الدرامية بين اعمال ذات شخصيات واجواء عربية – وهذا
    طبيعي لكونه كاتبا عربيا – واعمال ذات اجواء وشخصيات اوروبية ، انجليزية في الاساس، وهو ما يثير الجدل حول
    طبيعة هذه الاعمال ومبررات كتابتها ، فالعيش في انجلترا لسنوات طوال ، هل يبيح للكاتب العربي ان يكتب نصوصا
    على غرا ر اعمال هارولد بينتر ، ولويز بيج ، وغيرهما من ابناء المملكة المتحدة لتعرض على مسارح لندن العتيقة
    ، ام الجمهور الانجليزي بحاجة ، والغربي عامة ، بحاجة لكي يرى ، اذا واتته الفرصة لكي يرى ، على مسرحه اعمالا
    يعبر بها كاتبها العربي عن هموم مجتمعه العربي ، او على اقل تقدير عن همومه كعربي في بلاد الضباب ، وعلاقة
    التجاذب باعماقه بين ميراثه الخاص وميراث حاضر المجتمع الذي يعايشه ويقدم اعماله في فضاء مسرحه ؟
    تتراوح ايضا نصوص د. احمد الفقيه الدرامية من حيث اماكن سريان وقائع احداثها بين غرف المكاتب الخاصة
    والعامة ، غرف الاستقبال ، خاصة في النصوص الدائرة في انجلترا ، والحقول والخلاء الصحراوي في النصوص التي تدور
    احداثها في المنطقة العربية ، اتساقا في كل منها بطبيعة كل مجتمع وعاداته الخاصة ، كما انه ، أي المكان ،
    يرتبط بالضرورة بطبيعة الحدث الدرامي الجاري داخله ، والذي يتخلق بسببه ، فثمة علاقة وثيقة بين الحدث الدرامي
    ومكان حدوثه ، تجعل للموضوع و حدثه ، بناءه المكاني الخاص به.
    مفتاح الشفرة
    من الممكن اعتبار نص ( صورة جانبية لكاتب لم يكتب شيئا) المكتوب في صيغة المنولوج الدرامي ، الحامل لرؤية
    شخصيته الوحيدة ، احادية الصوت ، في تناغم تام بين البنية والمحتوى ، من الممكن اعتباره مدخلا لعالم الكاتب
    ومفتاح فك شفراته ، فهو يكتب في هذا النص عن نفسه ، في الوقت الذي سعى جاهدا للانفلات من ذاته لتعميم شخصياته
    وهمومه ، يذكر اسمه كبطل لهذا النص ، الذي يختلط فيه الحلم بالوهم ، لحساسة الموضوع المطروح وشفافية احالته
    الى الواقع المعيش ، يمنح الكاتب الاصلي اسمه لشخصيته المبتدعه في مفارقة ساخرة ، فهو لا يجعل شخصيته
    المبتدعة في الظاهر بوقا له Raisonneur او ممثلا شخصيا له يمجد خصاله ويمتدح افعاله ، بقدر ما يسخر في
    الظاهر منه ويخبيء في سخريته اللاذعة رأيه في هذا الجدل الذي دار في الوطن العربي عقب فوز” نجيب محفوظ”
    بجائزة نوبل للاداب عام 1988وانفجار الحلم لدرجة الهوس بحصول عربي آخر على هذه الجائزة ، وتمتد سخريته من
    المهووسين على خط يبدأ من الشخصية المبتدعة ، والمسماة باسم مبدعها ، والتي لا تصل لقامة محفوظ ، لكونه وفق
    ما يذكر عنوان النص ذاته “كاتب لم يكتب شيئا ” ، ويصل الخط في امتداده لشخصية شاعر يلقبه الكاتب المبتدع
    باسم ” كعبورة ” ويصفه بانه “رجل لا امان له” و” اسمه في الصحافة العربية لا يذكر الا مقرونا بهذه الجائزة ”
    التي يصر على الحصول عليها باية طريقة ، وكاتبنا الاصلي لا يترك امر الابداع الساخر من تعلق بعض من المنتسبين
    الى مجاله بالجائزة الدولية ، فيقوم بجلد النقاد انفسهم بسوطه اللاذع ، فيسخر بلسان شخصيته المبتدعة من ناقد
    يكتب بحثا عن اعماله من منظور سيكلوجي ، كشف فيه كمون عقدة او مركب اوديب في لاوعي كاتب تلك الاعمال ، مما
    يحرم كاتبنا المبتدع من رضاء والديه ، ويكشف في الوقت ذاته عن ان سخرية الكاتب الاصلي من شخصيته المبتدعة ،
    ليست الا سخرية ظاهرية وقناعا خارجيا يتماهى خلفه في شخصيته المبتدعة، فهي بعض منه ، تحمل رؤيته للعالم وتجسد
    وضعيته ككاتب عربي على ارضه ووسط ميراثه الثقافي ، وان عملية منح اسمه للشخصية المبتدعه ليست الا من قبيل درء
    هجوم زملاء المهنة الذين سيتهمونه بالتجاوز والسخرية من مبدع مثله يرى ان له الحق قبل او مع او حتى بعد نجيب
    محفوظ ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، فعملية منح الاسم الحقيقي للشخصية المبتدعة ، بل وصفات تاريخية
    وحياتية منها ، تساعد على تحقيق عملية نقد حادة للمجتع في صورة نقد ساخر للذات ، ويبدو العنوان الذي تحمله
    المسرحية ، كما سنرى حالا ، ليس اتهاما للكاتب بقصور موهبته عن الابداع ، بل اتهاما صريحا للمجتمع الذي حاصر
    هذا الكاتب وفرض عليه بعاداته وتقاليده ومنظوره الرقابي ، العجز عن الابداع ، ومن ثم يبدو العنوان مضللا او
    ناقصا لكلمة ترادف العجز او عدم القدرة ، كأن نقول ” صورة جانبية لكاتب لم يستطع ان يكتب شيئا ” ومن ثم يتم
    توسيع مساحة الادانة لتشمل الكاتب المقموع والمجتمع القامع له .
    تدور وقائع الحدث الدرامي لهذا النص داخل بناء احادي الصوت ، يتمحور حول شخصية كاتب تمت مصادرة
    حريته في التواصل ـ عبر الكتابة ـ مع مجتمعه ، يتخيل عالما وهميا ويستدعي امامنا شخصيات ابتدعها او عرفها في
    الحياة، ملونة برؤيته هو ، ومجسدة عبر مخيلته ، وتجري الوقائع داخل غرفة مكتبة هذا الكاتب الذي يعيش بمفرده
    بشقة متواضعة ، يعمل بالنهار، حينما كان يعمل موظفا بوزارة الاوقاف ، تيمنا بنجيب محفوظ ، ويطارده بالليل
    هاجس الحصول على جائزة نوبل مثله ، وينام على اريكته بتأثير البحث المستغلق الذي كتبه ناقد عن اعماله ،
    ويستيقظ على رنين جرس التليفون ، وحينما يرفع سماعته ينبهه الطرف الاخر بحصوله على الجائزة في دورةعام الاحداث
    ، يرتعب من هذا الخبر الذي قد يجلب عليه المتاعب ، لعدم فوز الشاعر كعبورة بها ، الذي يمثل به الكاتب الاصلي
    ، كل من ادعى ،على غير الحقيقة ، احقيته في الجائزة الدولية ، فضلا عن الاحالة الى شخصية شاعر حقيقي اثار ضجة
    وقتداك حول الجائزة ، ورعبا من الموقف المثير يلقى الكاتب بنفسه من النافذة، لنفاجأ بعد قليل انه ما زال
    نائما على اريكته ، وان ما سبق لم يكن اكثر من كونه حلما ، يستيقظ منه ليعيشنا في عالم وهمي لا يختلف كثيرا
    عن سابقه ، بل ويعترف انه يملك ” خدما وهميين ، وشخصيات وهمية ، واتعامل مع عالم وهمي لا وجود له الا فوق
    الورق ” وهو وهم اجبرته الايام على صنعه ، غيرانه سرعان ما ينفض عنه وهم الخدم بالقيام بنفسه باعداد ما
    يحتاجه ، ووهم الجائزة بالتسائل عما اذا كانت قد انتهت كل المشاكل ولم تبق الا اوهام جائزة نوبل ، مؤكدا على
    ان على الكاتب ( العربي ) اساسا ” ان يؤلف كتبا (ذات قيمة) قبل ان يحلم بالفوز بهذه الجائزة” لكن كيف له ان
    يكتب هذه الاعمال ذات القيمة في مجتمع مصادر لكل ابداع حقيقي ، وخالق الرعب في افئدة مبدعيه ، هنا يبدأ مسار
    البوح في التغير ، عبر نزع قناع السخرية من الذات بهدف نقد المجتمع ، فقد تعلم كاتبنا في مدرسة داخلية ذات
    قواعد صارمة ، ونما وعيه في ظل نظام له عيونه المراقبة ، خاصة فيما يتعلق بالرأي ، ولا يسمح بالكتابة العلنية
    ، حينما يدخل مجال الابداع ، الا في مجال الاغاني الوطنية الحماسية ، فهرب بداية للكتابة السرية بعيدا عن
    العيون ، ثم رضخ للامر الواقع فابتعد عن معالجة الواقع وقضاياه ، ليتعلق بالاساطير الاغريقية ، يحاكم في سديمها
    آلهة الاولمب بدلا من محاسبة الهة وطنه ، فتصير الكتابة عن الاخر ، تعويضا ابداعيا عن عدم القدرة على الكتابة
    عن بؤس الواقع ، ويضحى الابداع في النهاية بؤسا كالعدم ، والعدم بالتالي لا ياتي باية جائزة دولية ، وهو عدم
    لم يات نتيجة لغياب موهبة بقدر ما هو نتاج تربية مجتمعية تصادر فيها السلطة لمرتعبة كل ابداع لا يسير على
    قضبان عرباتها، وتقف في وجه كل مثقف يريد ان يتحدى واقعه بخلق واقع افضل ويوتوبيا اكثر تنويرا وعدالة ، يقهر
    بها ” عالم العادة والروتين والبشر الملتصقين بالارض ” ولذا يضعنا مونولوج المسرحية الطويل امام حادثة ذات
    دلالة ، يسردها امامنا الكاتب ليكشف عن دلالتها شديدة القسوة ، وذلك حينما حاسبه احد الرقباء على كتابته
    عنوانا مثيرا هو الشفق الاحمر لاحدى قصصه ، وكانت اول مرة يعرف فيها عواقب مغامرة الكتابة ، ويحاسب على عشقه
    لفن الكتابة كفن مغامرة لتحدي ظلمة العالم وطرح افكار مغايرة لما هو سائد ومتسيد ، وهو لا يعارض الرقيب ،
    فقد تعلم مراوغته ، بل يطلب منه ان يمنحه لائحة بما هو مقبول ومرفوض ، او حتى يوافق على ان يلتزم الصمت ،
    والرقيب يرفض لانه يعرف انه كاتب مراوغ ، فهو يقول عن نفسه انه مهادن للواقع ، ومع ذلك يعلن انه محروم من ”
    رضاء النقاد والحكام والرقباء والمخبرين ” واضعا الكل في سلة واحدة ، هي سلة سلطة الانظمة والقواعد المقننة
    المناوئة لابداعه المتمرد عليها ، وما ان يغيب الرقيب المتخيل حتى يواجه الكاتب نفسه معلنا ان مشكلته ليست
    مع رقيب قائم خارجه ، وانما مع ميراث القمع الذي يحمله بداخله ، وموافقته السابقة عليه جعلته يمارس اذلال
    ذاته ويؤسس الرقيب باعماقه ، ويقبل رتابة الحياة وافكارها لمتخثرة دون ثورة .
    يلد الحلم وهما يحاصره ، وتخلق الشخصية المبتدعة شخوصا تحاكمها ، فتهبط على الكاتب احدى شخصيات اعماله
    الابداعية ، هي جميلة بطلة عمله حقول الرماد ، امراة طاردتها قريتها التي ” تأكلها املاح الصحراء ، وتملاها
    اكداس القبح ، وتجلدها رياح القبلي ” لجمالها الفاتن ، واحبها فتى وسيم خططت للهروب معه ، غير ان الكاتب ،
    خالق هذه الشخصية ، ابى ان ينقذها ، وكشف خطة هروبها ، فكيف له الخلاص وهي بعض منه ، بعض متميز وكأنها جالاتيا
    التي صاغها بيجماليون ، كما كان يود ان تكون كل نساء العالم ، فوقع في غرامها ، وبدلا من ان يحررها من اسر
    مجتمعها ، منع عنها كل الرجال في القصة ، فتجلت له في واقعه المتخيل ، لذا قرر ان يمتلكها بالزواج ، واقام
    لها بخياله عرسا بدويا ، لكنها تفر منه كواحدة من بنات افكاره، ويعاود الرقيب الظهور ، فيعلن كاتبنا رفضه له
    ، ويقدم مرافعة عن نفسه لهيئة محكمة وهمية ، ضد الرقيب ، ممثل ” القوانين والاعراف والتقاليد والقيم التي
    عينه المجتمع حارسا عليها وفرض على الكاتب عدم الحديث في السياسة والدين والجنس وعدم التعرض لقضايا الصراع
    المختلفة وقبل هو هذا ، ورضي بان يكون تابعا للرقيب ، ولم يتمرد عليه في مجال الكتابة ، بل قرر ان يتمرد
    فقط لحظة تدخله في حياته الشخصية ، ورفضه للزواج بالشخصية الوهمية التي ابتدعها ، لذا وقف يترافع امام
    المحكمة الوهمية ، لكن سرعان ما يقذف به خارج القاعة ، لينال عقابه على التمرد ، ويعود قابلا لشروط السلطة ،
    ان يكتب ممجدا لها ، سارقا اشعار غيره ، ومحورا اياها كي تتلاءم مع الشروط الموضوعة خارجه ، الا ان بعضا من
    شخصيات قصصه التي ابتدعها تهاجمه ، خجلة من الانتساب اليه ، ومتهمة ايه بانه جعلها في موضع السخرية من
    الشخصيات القصصية الاخرى ، وانه لم يتصد للرقيب ، لذا فهو يصرخ فيها انه كاتب احب وطنه ، ولكن قوى الظلام وقفت
    له بالمرصاد ، وانه سيكشف لهم عن اسماء الذين يديرون المؤسسة الظلامية ، مغتالة العقل ، وقاتلة الفكر والابداع
    ، ولكن ما ان يبدأ في ذكر اول الاسماء حتى تعلو ضجة الموسيقى ، وتخف الاضاءة وتبدا الستارة في الانغلاق ، فيهرب
    من تلك القوى التي تمتلك المسرح الذي يقدم عليه شهادته ، الى الجمهور المشاهد ، طالبا منه عدم الخوف ،
    والوقوف معه ليكشف هذه المؤسسة الظلامية ، غير ان المتوقع من هذا الجمهور المتلقي ، وفق تربيته الجمالية
    والمجتمعية ، ان يتركه وحده في ظلمة المسرح ، عائدا لبيته ، مفكرا فيما آل اليه حال نموذج لكاتب مثقف ، قبل
    ما سن له ، فسقط بين براثنها .
    تتميز هذه المسرحية بقدرتها على صياغة رؤية صريحة لموقف الكاتب من مجتمعه وميراثه الثقافي والسياسي ، كما
    تتجلى فيها ثقافته الغربية ، خاصة فيما يتعلق بالاداب والاساطير الاغريقية ، بينما يحاول في مسرحيته التالية (
    لعبة الرجل والمرأة) المكتوبة بالعامية المصرية ، ان يختبر مدى تأثير المصادر الثقافية الشعبية المصرية على
    موضوعه وعمق نظرته اليه “ومن ثم يجري وقائعها بغرفة مكتب بادارة السجل المدني باحد احياء القاهرة ، وفيما
    بين تسجيل المواليد والوفيات ، في الزمن الصعب ، تظهر شخصية متمردة اخرى على واقعها المتختر ونظام حياتها
    الرتيب ، انه ” اشرف ” المتزوج من ” امينة ” والذي يعمل معها بنفس مكتب تسجيل المواليد بالسجل المدني ،
    وكسرا لملل الحياة الممتد من البيت الى العمل ، يتفقان على(تخيل) ان كلا منهما مجرد زميل للآخر ، ولكل منهما
    حياته العائلية المختلفة ، بل ان اشرف يبيح لنفسه الحديث عن (الزوجة) باعتبارها هما لابد له من الخلاص منه
    بسبب رتابة الحياة معها ، وان يتزوج عقب طلاقه منها من زميلته بالعمل ، والتي هي في الحقيقة زوجته في الواقع
    ، لكنها لعبة الخيال لتجاوز روتين الواقع ، فهو يرفض الخضوع ل ” هوس التقاليد القديمة وتقديس القوالب
    الجامدة باسم العقل والمنطق والحكمة” يفكر في ان يكون للناس ( يوم للجنون ) ويوما يتحرر فيه الانسان من كل
    قيد ، وهو كاتب قصص ـ ايضا ـ غير مقبولة في مجتمعه ، يرى ان الكتابة هي ” تعويض مرضي عن الحياة الحقيقية
    اللي بنعرفش نعيشها” وان الاحلام هي ” تعبير عن الرغبات اللي بنكتمها ونقفل عليها جوانا ” لذلك يفضل ان يحول
    حياته العملية لحلم كبير ، ولا يكتفي بالاتفاق مع زوجته للعب دور الزميلة المعشوقة في مقر العمل ، بل يتفق
    ايضا مع امرأة تأتيه كل يوم ليستخرج لها شهادة ميلاد لابن وهمي لم تلده ، كي تتيح له فرصة مغازلتها امام
    زميلته / زوجته ، غير ان موت زميلهما المختص بتسجيل الوفيات ، واسناد هذه المهمة اليهما ، يؤدي لتغيير نظرة
    الزوج ” اشرف ” للحياة واللعبة التي يلعبانها في المكتب ، فيقرر انهاء دور المرأة الباحثة عن شهادة ميلاد
    لابنها الوهمي ، ليجعلها تطلب له شهادة وفاة بسبب وفاته في الحرب ، كم يبدأ مع ” امينة ” لعبة عكسية ، يعرض
    فكرة ان تتزوج هي من آخر ، صاحب شركة استيراد فراخ ، ويتزوج هو مرة اخرى ، ارملة شابة تترددعلى المكتب بعد
    ان ورثت عمارة من زوجها الكهل المتوفى ، بدلا ايضا من فكرة الطلاق القديمة بينهما ، لينتقلا لحياة اجتماعية
    ارقى واكثر ثراء مما هي عليه حياتهما الان ، فتجديد زواجهما الان لا يعني سوى تجديد نفس الاوضاع الاقتصادية
    المتردية التي يعيشان فيها، اما اللعبة الجديدة ، فهي تنقلهما لحياة افضل ، يعيش كل واحد منهما سنوات داخلها
    ، حتى يملا رتابتها فينفصل كل واحد منهما عن رفيقه ، ويعاودان الزواج في وضع اكثر استقرارا ، بعد ان يحصلا على
    غنيمة الشركة والعمارة ، ولكنهما فجأة يكتشفان انهما لم ينجبا بعد ـ وغياب الاولاد لا يجعل لمغامرة الطلاق دلالة
    قوية ـ فيقررا ممارسة الحب في المكتب ، ولكن تدخل عليهما مجموعة تريد استخراج شهادة ميلاد لولي من اولياء الله
    قد ولد وجاء ليصلح حال الدنيا بعد ان انتشر فيها الفساد، واخرى تريد شهادة وفاة لمهندس كباري قد مات بعد ان
    عمر المدن ، تتعارك المجموعتان، ويهرب اشرف وامينة عبر النافذة لبيتهما لانجاب الطفل ، بعيدا عن هذا العالم
    الذي ماتت فيه الحضارة الهندسية وبزغت فيه انوار الفكر الميتافيزيقي .
    اجواء انجليزية
    بالتناظر مع هذا العالم المغلق على ذاته ، المحتضن للوهم في العالم العربي ، يجري د. احمد الفقيه ، وقائع
    مسرحياته الانجليزية البناء الدرامي ، صياغة وموضوعات وشخصيات ، الانسانية الدلالة ، داخل حجرات الاستقبال
    المغلقة بدورهاعلى شخصيات تعيش ايضا العزلة والوهم ، تنتظر مصيرها الذي صنعته بايديها ، فالارملة ” اليزابيث
    ” التي تترأس مجلس ادارة شركة اسسها زوجها رجل الاقتصاد ، وتشرف على ملاجيء ايتام ، وتعيش مع ذلك بمفردها مع
    خادمتها الوحيدة ” مارثا ” في بيتها القريب من شاطيء البحر ، تتوقع كل مساء ، داخل غرفة الاستقبال منذ نحو
    العام ، الرجل الذي يطرق باب بيتها دون ان تفتح له ، غير انها قررت هذا المساء ان تحطم سياج الانتظار ، وان
    تفتح بابها له للاحتقال بيوم ميلاده الموافق لهذا اليوم االذي تدور فيه وقائع المسرحية ، فتأمر خادمتها بازالة
    التراب عن شجرة عيد الميلاد وانارة مصابيحها المبهجة ، كما تضع السيدة بنفسها زهورا جديدة بالمزهرية ،
    انتظارا لهذا الطارق اليومي على بابها ، كلما حلت الظلمة ، والذي تتابع معرفة المعلومات المتوقعة عنه بقراءة
    صفحة الحظ في جريدة المساء يوميا ، فهي تعرف انه مجرم تطارده سلطات الامن ويبحث عن مخبأ ، وحينما تستقبله
    بمفردها ، نعرف انها تعرفه جيدا ، انه الفتى دونالد الذي تلقته رضيعا بعد موت امه ، وارضعته من صدرها ، ثم
    القت به للحياة الصعبة حينما حل موعد فطامه ، فحوله الشارع لمجرم يقتل الابرياء ويصنع الايتام للطيبة الحنون ،
    فهو صنيعها المؤتمر باوامرها ، لذا فقد اتي هذه الليلة ليقتلها مثل الاخريات ، فاللعبة العبثية العابثة تأكل
    لاعبيها ايضا.
    وفي مسرحيته التالية ( صحيفة الصباح) يقدم لنا عائلة انجليزية اخرى ، تتكون من زوج وزوجة عجوزين ، يعيشان
    داخل عزلتهما الاجتماعية والنفسية بغرفة استقبال تقليدية ، وفي اجواء باردة ، يحاولان ان ينتصرا عليها باشعال
    مدفأة الحائط القديمة التي تعمل بالحطب ، ورغم ان الرجل يتمرد على تناول طعامه بشكل روتيني ، رغم ان هذا
    الطعام كان وجبتهما اليومية المفضلة في بداية حياتهما الزوجية ، فانه يمارس روتينا آخر دون ملل، وهو قراءة
    صحيفة الصباح في الموعد نفسه وبالترتيب نفسه ، والذي نكتشف انه روتين التمسك بالماضي الذي ضاع في ظلمة النظر
    الضائع ، والحرص على تثبيت الفعل القديم في ذاكرة الحاضر بشكل عبثي ، فالرجل ضرير منذ خمسة عشر عاما ، ومع
    ذلك فهو مصر على ان يقرأ الجريدة يوميا ، فلا تملك الزوجة غير استعادة النسخة التر قرأها، واعادة وضعها في
    نفس المكان المعتاد امام عتبة الباب ، ليلتقطها وهو يعيد قراءتها دونما انتباه لكونها النسخة نفسها ، حتى
    تخطيء الزوجة ذات يوم وتخبره في لحظة عابثة انه كان يقرأ الجريدة بالمقلوب ، لانها اخطات عن غير عمد في
    وضعها بالشكل المعتاد في المكان التقليدي ، مما يثير غضب الزوج فيمزق نسخة الجريدة ، وتقوم الزوجة بالقاء
    القصاصات الممزقة في اتون المدفأة المشتعلة ، كدلالة على انتهاء الوهم ويرين الصمت دون معرفة لماهية البديل
    لهذا الوهم الذي استمر لخمسة عشر عاما .
    وهم آخر تعيشه الشخصية الرئيسية للنص الدرامي الذي يحمل اسم هارولد ، والذي يقدم لنا موقفا اشبه بالمواقف
    الكافكاوية الشهيرة ، حيث يدخل شاب مكتب مدير مؤسسة تشتغل بالغوص البحري بمدينة انجليزية ، يؤكد الشاب انه
    ايرلندي الاصل ، ويدعى ” الن ” وهو مرسل من الوكالة العالمية للاعمال البحرية ، كي يعمل بالمؤسسة ، يخاطبه
    المدير مصرا على ان اسمه “هارولد ” ويذكره بالمخاطر الكثيرة التي يتعرض لها العاملون في هذه الحرفة ، ويعد
    الموافقة على العمل ، يكتشف “الن ” ان كل الاوراق والوثائق التي يحملها هو نفسه تحمل اسم ” هارولد ” وليس ”
    الن ” فيشعر بالاختناق وتنتهي
    المسرحية .
    لحظات مسروقة
    بعيدا عن الاماكن المغلقة ، سواء عربية ام غربية ، فان اكثر من عمل من اعمال د. احمد الفقيه ، تدور في الاراضي
    الصحراوية الخلوية ، وان لم تتخل عن دورانها في فلك العلاقات الانسانية ، وموات الحب في حضن رتابة التقاليد
    والعادات ، فنجد في نصه (غناء النجوم ) الحدث الدرامي ييتفجر داخل ارض خلاء ، بعيدا عن العمران ، حيث ينفلت
    اليها ذات مساء رجل وامرأة ، جاءا بالصدفة ، في مغامرة عاطفية ، هروبا من المدن الملوثة لحضن الطبيعة البكر
    ، وكل منهما متزوج من آخر ، حقيقة هذه المرة ، وليس بالتخيل كما في نص ( لعبة الرجل والمرأة ) واختارا الخلاء
    ك” دعوة للتحرر والانعتاق من كل الاعتبارات والشروط والقيود والتقاليد التي تراكمت عبر العصور حتى صارت اسوارا
    تحجب عن عقولنا وقلوبنا ونفوسنا الضوء والهواء ” ومن ثم جاءا ليعيشا ” لحظات مسروقة من عمر الزمن الروتيني ”
    كسرا لملل الحياة الزوجية النمطية المقولبة .
    تقابل هو معها في منتدى ، وكان بحاجة لها ولحبها ، ويحثها على ترك زوجها ، للاقتران به ، وهي لا تكره زوجها
    ولا بيتها ولا عملها ، هي فقط تكره الروتين ، وخرجت لهذه المغامرة فقط لانعاش الروح والعودة اكثر قدرة على
    مغالبة ملل الحياة مع زوج تحبه ولا تريد ان تتركه ، تخدعه وتخونه مرة في الشهر فقط من اجل ان تستمر الحياة
    متجددة معه ، فهي تعرف ايضا ان لزوجها بدوره علاقات غرامية ، يغيب عن البيت من اجلها ، لذا فهي لا تعاني ”
    احاسيس الاثم ” بسبب ما تفعله ، فهي صفقة سرية متبادلة ، بل ان مغامرتها العابرة هذه هي ايضا صفقة سرية
    متبادلة ، فالعشيق على علاقة بامراة اخرى ثرية يهفو لمالها كي ” يطفو على سطح الدنيا” وهو لم يخرج معها لحبه
    لها ، وانما لمجرد نزوة او سعي وراء سراب الحب الوهمي . غير ان هذا الحب المتدفق في مقدمة الصورة ، بعيدا عن
    اية قيود اخلاقية ، يكشف في خلفية الصورة عن يد اقوى تتحكم في علاقات البشر على هذه الارض وداخل مجتمعاتها ،
    ففي الصباح التالي لليلة حب رقيقة ، يسمعان صوت رجل من بعيد ، يخبرهما انهما يقفان على حقل الغام مهجور من
    ازمنة الحرب ، مما يغير من دلالة الصورة العاطفية ، ويعيد المنفلتين لارض الواقع وانظمته الصارمة ، فليس
    امامهما غير الانتظار والموت المحدق بهما والفضيحة حينما تأتي الشرطة لانقاذهما ، لقد لعبا فوق الالغام دون ان
    يحدث شيء ، والان يخشيان الحركة حتى لا تتفجر تلك الالغام ، والمعرفة تفجر احاسيس الخوف ، والارض التي تصورا
    انها سقطت من ذاكرة البشر ، اكتشفا ان الموت مخبأ تحت سطحها ، وفي لحظات الانتظار للخروج من هذا الجحيم ،
    يبدأ الشجار ، ثم الاعيب كشف الاخر ، حتى تداهمهما كتيبة من رجال الاعلام ، تستفزهما وتدفعهما للغناء متحركين
    خارج دائرة وجودهما ، مما يهدد المكان بالتفجر ، فيعلو الصراخ والغناء معا ، غناء النجوم .
    في مسرحيته الطويلة ” الغزالات ” يعاود الكاتب دفع شخصياته لعالم الخلاء الصحراوي ، بدلالاته المتعددة
    باعتباره ارض التيه وفضاء المعرفة وعالم التامل ، جنبا الى جنب ساحة الغزو الخارجي بحث عن النفط وتدنيسا
    للطبيعة البكر ، لذلك نجد نموذجي الرجل والمراة في نص (غناء النحوم) قد جاءا بطبيعة العلاقة بينهما الى هذه
    الصحراء ، ولكن بعد ان حملا جنسيات اجنبية ، هو الامريكي “فيكتور” في الخمسين من عمره ، باحث دولي في شئون
    النفط مل روتين حياته المتكرر ، وعانى لسنوات ثلاث من العجز الجنسي ، فدعاها لرحلة صيد بالصحراء الكبرى ، عله
    بالمرأة ومغامرة الصحراء يستعيد نشاطه الحسي ، وهي الانجليزية ” هيلينا” ، سكرتيرة بجمعية اسكان بلندن ، ملت
    بدورها كتابة الرسائل نفسها يوميا ، وعافت الحياة في المدن الاسمنتية ، ولبت دعوة العاشق بحثا عن غزالة شاردة
    في عالم صحراوي لا محدود ، في الوقت الذي يصطحبان معهما دليلا وتابعا هو البدوي “جابر” كاره الصحراء ، رغم
    معرفته بها ، والمتعلق بحلم العيش في المدن النظيفة والمكيفة الهواء ، وان بدأ احتكاكه بهذين الاجنبيين ،
    يكشف له عن صحراوات اخرى افظع من صحرائه ، يعيش فيها صاحبيه ، صحراوات خالية من القيم الاجتماعية والاخلاقية .
    كما استيقظ الرجل والمراة في النص السابق ، وعقب ليلة حب مكتملة ، ووجدا انفسهما في تيه الصحراء
    والغامها المخبوءة ، يستيقظ “فيكتور” و “هيلينا” هنا على بقعة اخرى من الصحراء ، وبعد ليلة حب غير مكتملة ،
    يبدأون في البحث عن الغزال الشارد القافز في الفلوات كاطياف لا يمسك بها غير الممتلك لليقين الكامل ، ويشرعان
    مع تابعهما في البحث عنه ، وعندما يلحظه “فيكتور” يجد في طلبه دون وعي ، حتى يدخل بالاخرين لعالم لامتناه من
    الرمال السوداء والافق المغلق عليهما ، ينفد وقود سيارتهم ، وشحن طعامهم ، وتمزقهم العاصفة الهوجاء ، وتلوح
    النهاية ، فيدرك معها البدوي انه ضيع طريقه حينما نحر جمله وصنع منه وليمة لقوافل سيارات الغرب الباحثة عن
    النفط ، ويتأكد للغربيين ان الدنيا كانت بالنسبة لهما اكذوبة وان الكل باطل وقبض الريح ، ولا يملك الثلاثة
    مفرا غير الحلم بالامل المفقود ، وتنتهي المسرحية وبصيص ضوء غائم مبهم معلق بالافق الغامض .
    على منوال قصة الحب المسفوحة على طاولة التقاليد والعادات الاجتماعية ، منذ قيس وليلى حتى حسن ونعيمة ،
    ينسج د. احمد الفقيه ، اوبريتا غنائيا باسم ( هندا ومنصور ) ينفلت عبره من اسر الحجرات المغلقة ، والصحراوات
    الخالية ، الى الوادي الاخضر ، بشفقه الارجواني ، واغنامه السارحة على صوت ناي الفقير “منصور” العاشق للجميلة
    “هند ” ابنة شيخ القبيلة ، وفي المقدمة يتجلى كورس صداح يحكي لنا الحكاية ويكشف لنا خباياها ، خاصة وان
    العاشق قد تمكن بمساعدة صديقه “سعدان” من مقابلة معشوقته عند البئر والتعاهد معها على الزواج ، ولم يكتف
    بهذا اللقاء ، بل راح ــ كسميه قيس ــ يشبب بها ، وكنظيره ” حسن ” يتغني بجمالها ، بل وحكى للكل ما حدث بينه
    وبينها عند البئر ، فيتلقف خيال القرية الحكاية الصغيرة ، ليحولها لملحمة كبرى ، يتحول ” منصور” معها الى
    ذئب اكل الحمل الوديع ، ويقتل شيخ القرية ابنته ، وتسوء حالة “منصور ” ، ويلتاث عقله ، وتتجلى له في الافق
    طيفا برداء ابيض تسحبه نحوها ، لتنتهي معه حياة كانت ، وتبدأ معه ، حكاية تحكى للصبايا عن الحب المغتال بيد
    تقاليد قرية ظالمة .

  • من سرق مهرجان المسرح الليبي..-  بقلم / عبدالوهاب قرينقو..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-69

    من سرق مهرجان المسرح الليبي..- بقلم / عبدالوهاب قرينقو..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-69

    ​​​​​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008 م”أو هكذا تكلم المسرحيون -2-69 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​​​

    من سرق مهرجان المسرح الليبي
    بقلم / عبدالوهاب قرينقو

    ( 1 )

    المسرحيون الرحل

    في 18 . 10 . 2008 كانت الحافلة المتوسطة ذات الـ 24 راكب تشق بنا شبه القارة الليبية .. فمن مدينة هون وسط
    ليبيا اتجهنا مائتا كم شمالاً ، ثم شرقاً عابرين أكثر من 1500 كم ، للمشاركة في المهرجان الوطني الحادي عشر
    للفنون المسرحية ! ، والذي يقام للعام الثاني على التوالي في غير مكانه الطبيعي – مدينة طرابلس – وهي المكان
    الطبيعي لأسباب كثيرة ، الأول لأن طرابلس هي عاصمة البلاد ، والمنطق يقول أن أي مهرجان سمته الوطني يجب أن يقام
    في عاصمة البلاد لا أن يتنقل مرتحلاً بين المدن والجبال والقفار والمناطق الفقيرة للإعلام والنخب المثقفة والبنية
    الملائمة للإقامة ، والمناخات التي توفر الاحترام ! .. السبب الثاني طرابلس حسب وجهة نظري الشخصية هي المدينة
    الوحيدة في ليبيا التي تقترب من مواصفات المدينة عالمياً وعدة أسباب أخرى يمكن أن تكون مقنعة لأي إنسان عاقل ،
    ولعل أهم ما يلفت النظر أن جميع المسرحيين والإعلاميين والمهتمين بالشأن المسرحي الليبي من طبرق شرقا إلى
    غريان غرباً ومن سبها جنوباً إلى هون شمالاً يؤيدون وبشدة فكرة توطين المهرجان و إقامته بشكل أبدي في العاصمة
    طرابلس ، ولا يجد أحد مانعاً من أن تقام مهرجانات نوعية رافدة في مدن أخرى ، فلتحتضن البيضاء مهرجان المسرح
    التجريبي كما كانت تفعل ، ولتستقبل بنغازي مهرجان المسرح الكوميدي ، ولتتواصل أيام طرابلس المسرحية بصفة
    محلية ، ولتتبنى مثلا مصراته مهرجان المسرح الجامعي ، ولتنظم مدينة أخرى مهرجان المسرح الشعري مثلاً ، ولتعد
    مدينة هون إلى مهرجانها المحلي لمسرح الطفل .. فليكن لكل مدينة مهرجانها الأهلي للمسرح وكل حسب إمكاناته
    لتطوير أي مهرجان ، أما المهرجان الوطني فليبق في طرابلس .. عاصمتنا الليبية ، والى الأبد ! .

    ما سبق طرحه هو رأيي الشخصي الذي كنت أقره مع نفسي وافتتح حوارات مع الأصدقاء من مثقفين ومسرحيين ولا أجد من
    يرفض هذا الرأي ، وبعد مهرجان هذا العام الذي احتضنته 4 مدن بالجبل الأخضر الجميل بطبيعته وآثاره الإغريقية !
    – سوسة ( إقامة ) ، الجارتان شحات و البيضاء ( عروض ) ودرنة الأبعد ( حفل اختتام غرائبي ) – لاحظت قبيل انطلاق
    المهرجان وأثناءه وبعد ختامه أن ما كنت أراه رأيي الشخصي إنما هو رأي الجميع ، حتى قبل التئام مهرجان العام
    الماضي في بنغازي ، والسؤال الذي يلح الآن : مادامت هذه رغبة الجميع فلماذا الإصرار على أن يكون مسرحنا
    كإعرابي رحال يعبأ لهُ في الشاحنات ديكورات خمسة عشر فرقة مسرحية وفي الحافلات يتم حشو الممثلين والممثلات
    والمؤلفين والمخرجين والمرافقات ، والصحفيين والطفيليين وأنصاف المثقفين والفنيين والموسقيين والمثقفات ،
    لعبور مفازات وسهول وإرهاق وطائرات وحجوزات وضيوف عرب ممثلين وممثلات مجاملين ومجاملات ومتطاولين ومستهزئات
    وقليلاً من المنصفين والمنصفات ومكرمين على لاشيء ومكرمات وبرستيج ونفاق ومياه صفراء بالمطاعم والحمامات ،
    وإقامة رديئة ، بل وبعض الفرق شبه نامت في الشارع فيما يسمى تجاوزاً في سوسة بالفيلات ! ، ماهذا ؟! هل القصد
    إحباط الحركة المسرحية في البلاد هل لجعل صدى عروضها كصخرة في واد لن يسمعها أحد – وهذا تقريباً ما حدث – هل
    ليلقى مهرجان المسرح مصيراً مماثلاً لشقيقه الأصغر مهرجان الأغنية الذي احتضنته طرابلس بشكل ناضج لعامين فنقلوه
    لبنغازي ثم إلى مدينة هون ثم لا مهرجان أغنية ولاهم يحزنون ؟!! .

    ( 2 )

    عن عروض الدورة 11

    لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نطلق صفة التدني على عروض الدورة 11 من مهرجان المسرح الوطني ، فقد جانب الصواب
    المدير التنفيذي للدورة عندما وسم جهود زملاءه المسرحيين بهذا اللفظ غير اللائق ، بل والمشين ، . . . ولو
    افترضنا جدلاً أن حسن قرفال كان أكثر لباقة ، واستبدل لفظ ( متدنية ) بعبارة دون المستوى ، فلازال الصواب
    مجانبه ، لأسباب عدة ، في مقدمتها لعنة الترحال التي حلت بالمهرجان مما يجعل التخبط والعشوائية والارتجالية من
    سمات هذه الدورة ، فالمعروف لدى من حضر أو تابع الأخبار أن عدد الفرق المتنافسة وصل إلى خمس عشرة فرقة مسرحية
    ، .. أما الذي لا يعرفه الكثيرون أن لجنة المشاهدة التي جالت عبر الأراضي الليبية لقبول أو رفض العروض
    المتقدمة للمنافسة والمشاركة بالمهرجان اختارت سبع مسرحيات فقط لا غير ! ، ( أظنُ ) أنها :

    1 – امراءة واحدة .. لفرقة الجيل الصاعد – طرابلس

    2 – نزيف الحجر .. لفرقة المسرح الوطني – سبها

    3 – برج القهوة .. لفرقة هون للمسرح – هون

    4 – الإطار .. لفرقة التمثيل والمسرح المرج

    5 – يا مطر يا عمتي .. لفرقة المسرح الحديث البيضاء

    6 – جريدة أم بسيسي .. لفرقة أصدقاء التمثيل اجدابيا

    7 – فانتازيا .. لفرقة بيت شحات الثقافي شحات

    . . . ولأن المهرجان الرحَّالة سيصعد أو سيهبط إلى خصوبة الجبل الأخضر ، فإن الغلة لابد وأن تكون وفيرة ، ! ،
    فــــ عيب .. ثمة ضيوف كبار من سوريا ومصر وتونس وايطاليا ، كيف نعرض لهم سبعة فرق مسرحية وحسب .. ماذا
    سيقولون عنا ؟ هل هذا مهرجان أم مجرد أسبوع مسرحي ، أيضاً لا ننس الترضيات والمجاملات لــــ مقص أو لصقة
    الجغرافية الجهوية فلابد من مشاركة المزيد من بنغازي وماذا لدى مصراته وان لم توجد فالخمس ولنصعد لنر مالدى
    غريان ولنختر فرقة أخرى من طرابلس . . . وليكتمل العدد إلى 15 فرقة مسرحية !! ، فقد تم العفو عن 8 فرق
    مسرحية – دفعة واحدة – والسماح لها بالمشاركة ، فاعتمد الكم على حساب النوع .. وربما ثمة قصدية في الأمر ،
    وإلا كيف سيجد الممثل حسن قرفال – مدير هذه الدورة والسابقة و القادمة فيما يبدو – الفرصة و المبرر ليقف على
    منبر مسرح جديد جميل تحتفي درنه الفن بافتتاحه ، ويقول : عروض هذه الدورة متدنية ، . .
    . . . وماذا قدمت يا سيد قرفال للمسرح الليبي لتسخر من جهود مئات المسرحيين الكادحين بليبيا الخير ، الذين
    يعملون بعشر ما يتوفر لك من إمكانات ويقدمون مسرحاً أشاد به كبار ضيوفك من سوريا والأردن ومصر وايطاليا ! .
    كان بالإمكان جداً الاكتفاء بالفرق السبعة في المنافسة مضاف إليها الفرق القادمة من تونس وايطاليا والفرقتين
    الجامعيتين على هامش المنافسة ، فيتم تقديم عرض واحد يومياً ولكل عرض ندوة في نفس اليوم ، ولمدة عشرة أيام ،
    عوضاً عن الإرهاق مع ماراثون المدن الثلاثة يومياً .

    ( 3 )

    أين اختفى الإطار

    منذ حضوري لمهرجان المسرح في دورته الثامنة بطرابلس 1999 لاحظت الإشكالات المزمنة للجنة التحكيم ، . . . فلم أر
    لجنة تحكيم وفقت تماماً أو رضي عنها من حضر ، سواءً متنافسين أو حضور عام ، فدائماً ثمة مظلومين ، في 1999 لن
    ننسى كيف ظُلم عمل لست أنت جارا للمخرج الليبي داوود الحوتي ، عن قصة للكاتب التركي الكبير عزيز نيسين ، ومن
    المضحك المبكي أن لجنة التحكيم سنتئذٍ كانت على درجة من الحياء فلم تحرم العمل نهائياً فمنحته جائزة أحسن ملابس
    ! ، ولم نرى في العرض أية ملابس تذكر !! ، وفي ذات الدورة وقع الظلم الصارخ على الممثلة ( المثقفة ) فاطمة
    غندور بحرمانها من جائزة أحسن ممثلة بدورها المتفرد في مسرحية توقف للمخرج أحمد إبراهيم حسن والنص للكاتب
    المسرحي منصور أبوشناف ، . . . . في دورة هذا العام لم يختلف الأمر إلا أن لجنة التحكيم أكثر ( جرأة ) ، فالذي
    سيحرم من جائزة العمل المتكامل لن تتم مجاملته / ترضيته ، أو لنقل إنصافه بأية جائزة !! وهذا ما حدث مع
    المسرحية المتكاملة حسب رأي الأكثرية المثقفة وكبار الفنانين من الضيوف العرب ، وهي مسرحية الإطار لفرقة المرج
    من إعداد وإخراج الفنان المتميز عبد السيد آدم ، والعمل عن نص البكاء في غياب القمر للكاتب السوري وليد
    إخلاصي . . ناهيك عن الظلم الماحق الذي تعرض لهُ الممثل البارع إبراهيم إدريس ، عن دوره المدهش وأدائه الناضج
    في مسرحية يا مطر يا عمتي لفرقة المسرح الحديث / البيضاء .

    ( 4 )

    مهرجان بلا مسابقة

    . . . على مدى الدورات الأخيرة أثبتت التجربة أن التحكيم المؤدي إلى جوائز لا يخدم مصلحة الحركة المسرحية في
    ليبيا ولا يخدم تطورها ولا نشرها ولا ترسيخها ولا تفعيلها ، بقدر ما يزرع مزيد الحساسيات والتباعد بين الفنانين
    وأعضاء اللجنة ، الذين غالباً هم زملاء وأصدقاء للمسرحيين ، ويجعل من جمهور المسرح أقرب إلى جمهور كرة القدم
    ( الغوغائي ) ، وأنا أقترح أن يتواصل المهرجان بدون جوائز مُتبِعاً هذه الأسس :

    1 – تنتخب أو تُختار لجنة للتقييم لا للتحكيم ، وتتغير هذه اللجنة بعد كل – 4 – دورات .

    2 – العمل الأساسي لهذه اللجنة تقييم كل عمل مشارك بالمهرجان ووضع النقاط لكل عنصر من عناصر المسرحية ،
    وإبداء الملاحظات الفنية العلمية .

    3 – في نهاية المهرجان ، تستلم كل فرقة نموذج تقييم شامل لعملها المسرحي .

    4 – أن يوضع في الاعتبار دعوة مثقفي ليبيا ونقادها وكتابها وصحفييها الثقافيين لحضور المهرجان في كل دورة
    وتحديداً للمساهمة في ندوات العروض والندوات العامة عن المسرح .

    4 – تكون ندوات النقاش مكثفة وجدية لكل عمل

    6 – . . . ولأن اللجنة تقييمية ، لا ضير هنا من مشاركة أعضائها في نقاشات الورش .

    7 – توثق وتُفرغ كل ندوة عمل ، وتُرفق مع نموذج التقييم الشامل المُقدم للفرقة المُشاركة .

    ختاماً .. الحديث عن المسرح الليبي ومهرجانه الوطني لا ينتهي ، لأن إشكالاته كثيرة والذين يتخذونه جسراً
    لغاياتهم الذاتية والأنانية كثيرون أيضاً ! .

  • هل داوود الحوتي ، ظاهرة استثنائية في المسرح الليبي ؟ ..- بقلم / د. محمد المفتي

    هل داوود الحوتي ، ظاهرة استثنائية في المسرح الليبي ؟ ..- بقلم / د. محمد المفتي

    ​​​​​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008 م”أو هكذا تكلم المسرحيون -2-68 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​​​

    هل داوود الحوتي ، ظاهرة استثنائية في المسرح الليبي ؟
    بقلم / د. محمد المفتي

    داوود مخرج ذو خلفية حرفية ، اكتسبها إبان دراسته للمسرح في أوروبا ، وقد تلك المعرفة والخبرة ، إلى مزاجه
    الشخصي الذي عرفته متسما بقدر كبير من الصرامة والجدية الساخرة ، والحرص على ممارسة دوره كمخرج بنزاهة عالية
    .. بحثاً عن الكمال .
    داوود أيضا ، بطبعه ، صادق ، والصدق قد يسبغ على صاحبه مسحة من الغضب والحدة ، لكن غضب داوود على خشبة
    المسرح يعبر عن نفسه بالنكتة ، النكتة المفاجئة والحادة .. التي لاتساوم أمام إغراءات الكسب المادي أو فرص
    الظهور …!!

    النكتة من جوف المعاناة
    لانعرف متى بدأت مسرحية المستشفى في ذهن داوود … لكنها نمت بالتأكيد من خلال معايشته للحياة داخل المستشفى
    حين رافق ابنه وعشرات آخرين من الأطفال ، من ضحايا مأساة الإيدز في بنغازي …. شهور متصلة من القلق والحيرة
    والتساؤل فالمرض يواجه صاحبه بشتى الأسئلة التي تبقي دون إجابة ، لماذا اختار القدر ابني ؟ لماذا يا إلهي ،
    يعاني أطفال أبرياء لم يرتكبوا إثماً يعاقبون عليه ؟ ومتى تنتهي معاناة الضحايا وآبائهم وأمهاتهم وأسرهم ،
    لكن مسرحية المستشفى لاتشير من قريب أو بعيد إلى تلك المأساة المتصلة والتي لم تنتهى بعد .

    الكوميديا
    المسرح في نهاية الأمر ، نوع من التنفيس كما عرفه آباء المسرح الإغريق .. بمعنى أنك تشاهد مسرحية ، تراقب
    أحداثها ، وتعيش انفعالاتها من حزن وغضب أو ضحك … فتتجاوز أو تتخلص بذلك من انفعالاتك الحقيقية إزاء حالات
    ومواقف مشابهة تتكرر يومياً في حياة الناس … والواقع ، أي الحياة الحقيقية ، كما نعلم ، أكثر غرابة وأحيانا
    أبشع مما يمكن أن يرسمه ممثلون على خشبة مسرح .
    يبدو أن داوود، في بنائه لمسرحية المستشفى تجاوز الجوانب المأساوية للمرض والمعاناة بشكل عام .. لكنه وجه
    عدسته الذهنية نحو أوجه القصور والفوضى التي تسود مستشفياتنا، وكشف عن هذه الجوانب بتركيزه على السمات
    الضاحكة في علاقات البشر داخل نسيج المرض الذي يصل بينهم ، هم في الواقع بشر ضعفاء .. أسرى قدر مؤلم.. وشر
    البلية ما يضحك ..!!

    بشرية البشر
    الأنكى .. أن البشر حتى في ذروة المأساة .. أي مأساة ، في مستشفى ، أو مشردين طرحى على الأرض إثر زلزال ، أو
    نزلاء في سجن ، أو إبان مجاعة أو حرب .. يبقون مشدودين إلى نزواتهم وأطماعهم البشرية .. يطلبون أكثر من غيرهم
    ، ويحتالون على نصيب الآخرين … ويغازلون .. بل يسرقون وبشكل أكثر براءة يضحك البشر في وسط المأساة ..
    هذه هي الإعادة التي ينتبه إليها داوود ، ويوظفها لبناء مسرحية المستشفى ، طبيب صغير السن ، قليل الخبرة ،
    متسلط ، مغرور والمريوح ممرض قديم ، دون علم حقيقي ، يتصدى لقرارات ليس أهلا لها، يفصح عن هوسه بالممرضة
    شهاوي كلما أتيحت له الفرصة ، لكن مواقف الرجلين ليست مصطنعة بل هي وليدة ثقافة المجتمع وهنا أذكر مثلاً أن
    إحدى القصص الشائعة في الخمسينيات ، حين لم يكن هناك طبيب ليبي واحد … أن جراحاً إيطالياً فتح بطن مريض ،
    ووجد أن المرض بسبب ضفدعة متشبتة بسطح الكبد ، فحار في إزالتها ، وهنا أشار مساعده الممرض الليبي بلذعها
    بالسيجارة ، وكلما رفعت رجلا وضع تحته قطنة .. وهكذا أنقذ الممرض حياة المريض ، تلك القصة المغرقة في
    سذاجتها ، كانت متداولةبكل جدية بين الناس لماذا ؟ كانت استجابة مجتمع قليل النصيب من العلم ، يريد أن يعوض
    إحساسه بالدونية ، بقصة خزعبالية!! ويتصدى داوود لنفس العلاقة ، أي علاقتنا بالغريب ، ولكن ببراءة حين يخلق
    شخصية الطبيب الهندي سنجام الذي يتفوق على زملائه الليبيين حتى في الكشك والشعر الشعبي !
    ولكن علاقتنا المرتبكة بالغريب ماتزال موجودة ، وإن في صيغ وتعبيرات أخرى فهناك المريض بلهجته البطنانية
    والمرسى مطروحية .. الذي ينتظر إجراء عملية جراحية ، وزوجته المصرية ، وزائرة الأعمي (ضاوي) الذي يذكرك بدهاء
    (أبوعباب) المغني الذي تألق في الستينيات عبر الإذاعة وأشرطة التسجيل .
    حول هذه الشخصيات وتفاعلاتها رسم لنا داوود أيضا شخصيات ليبية نمطية .. أبومعيرقة الشايب الليبي الغرباوي
    المتزمت السريع الغضب .. ومقابله شخصيات نمطية حديثة ، مثل أبو ذراع الجزار وأحد فتوات العالم السفلي بكل
    عضلاتخه وجهله ولغته المسطحة .. ثم الشاب حسونة الساقط من النظام التعليمي وهي نماذج أمست متزايدة في مجتمع
    الكثرة والتخلف والبطالة والمخدرات. لكن براعة داوو ، وربما نتيجة لصفاء سريرته ، قدم كل هذه الشخصيات دون
    تحقير وبقدر كبير من التسامح والرأفة .

    الآداء
    كثير من التمثيليات الكوميدية العربية ، والليبية ، تعتمد على نوعين من أساليب الفكاهة .. أولها مجرد إلقاء
    نكتة ، أو سلسلة من النكت في موقف، والأسلوب الثاني ، استعمال شخصيات إما متخلفة ذهنياً أو معاقة وأشهرها
    اللثغ اللساني مثلا وهذه أساليب كوميدية بدائية ، وقد تطور المسرح الحديث لكي يولد النكتة من جوف موقف عادي
    بين بشر عاديين ، وهو ما نراه في كثير من التمثيليات والمسلسلات العالمية .. ورأيناه في مسلسلات غوّار ورفاقه ،
    ويستعمله أحيانا وببراعة عادل إمام لكن التراث الشائع لدينا مستمد من المسرح التجاري المصري الذي بدأه
    أبولمعة والخواجة بيجو في بدايات الخمسينيات ، ثم نشره مدبولي والمهندس بعد ظهور التلفزيون والحق أن مسرحيات
    داوود ، تعتمد على الأسلوب الأنضج القائم على توليد الضحك من المواقف الطبيعية ذلك أن الضحك على الآخرين
    والسخرية منهم .. سواء من مظهرهم أو غبائهم أو عاهاتهم ، ضرب من العدوانية، وبالمقابل فإن إبراز ما هو مضحك
    في سلوكياتنا وقراراتنا نوع من «العلاج» !
    بالطبع ليس المسرح نصا فقط، لكنه ممثلين بمواهبهم ومهاراتهم وأحاسيسهم الخاصة ومع ذلك فإن الممثل مهما كانت
    مواهبه وقدرته على تقمص الشخصيات لابد له من مخرج يصنع حركاته وآداءه وإيقاعه ضمن السياق العام للمسرحية ،
    وتلك، موهبة يمتلكها داوود الحوتي ،، والدليل على ذلك أن بعض زملائه الممثلين الموهوبين لم يحرزوا نفس النجاح
    حين ظهروا في تمثيليات من إخراج آخرين !!
    وستبقى مسرحية المستشفى في إخراجها الأول علامة مضيئة في تاريخ المسرح الليبي بفضل الأداء المميز .. ألا يحق لي
    أن أقول المذهل والآسر .. لميلود العمروني وفرج عبدالكريم وخالد الفاضلي وعبير الترهوني وسالم القزيري ومحمد
    ابعيو والبقية .

    داوود في الميزان
    لايعني كل هذا الإطراء أن داوود عبقري فريد ، فقد يكون لدينا آخرون بنفس مقدرة الرجل ولكن لم تتح لهم الفرصة
    بعد … والأكيد أن أجيالا جديدة ستظهر في المستقبل ، وتتجاوز داوود وجيله وما قدموه ! فتلك سنة الحياة .
    وحتى يظهر من نحلم بهم من مسرحيين أكثر إبداعاً . لماذا… لماذا تبقي مسرحيات محاصرة فغير «المستشفى» له
    مسرحية «خرّف يا شعيب» التي عُرضت وهي متداولة على اسطوانات كمبيوتر أو سي ديهات و «وطن الوزة» التي لم تجز
    بالمرة ، و «حوت الشعبية» مصورة لدى الإذاعة التي ترفض بثها!!
    أم أن مجتمعنا غير قادر بعد على مواجهة بؤره المظلمة وأركانه العطنة من فوضي وقصور الخدمات الطبية ، توريد
    الأمصال والمحاليل الملوثة ، تجارة أدوية الجراحات الخلفية في أزقة العالم الثالث ، إلى الفساد الإداري ،
    والغش في مدارسنا ،، ومحابات الأستاذ الجامعي لابناء زملائه ، والشهادات العليا المشتراة ؟
    ولعل غالبية من استمتعوا «بالمستشفى» ، وبعض من تضايق من المسرحية شعروا بأن المستشفى كبئية إنما هو قطاع من
    المجتمع ككل ، اختاره داوود ، ليسلط عليه الضوء ويعري فوضاه ونقائصه .. ويضعنا في لحظة استمتاع ، أمام
    تقصيرنا وقصورنا نحن ! .. وليحذرنا من مغبة التمادي ، وما سيقود إليه هذا التحلل الأخلاقي والنفور من العلم
    وتطبيقاته وما يرتبط بهما من قيم .. أليست تلك من مسؤوليات الفنان الحق ؟!!

    داوود الحوتي
    ممثل – كاتب – مخرج
    مواليد دريانة1953 مسيحي
    السيرة الذاتية
    بدأ العمل الفني صغيراً بالمسرح الشعبي والإذاعة سنة 1965 بمدينة بنغازي .
    كان عضوا بالمسرح القومي سنة 1969 ببنغازي .
    درس بالجامعة كلية الآداب قسم اجتماع لمدة عامين .
    أوفد للدراسة بالخارج لدراسة الإخراج المسرحي بالنمسا والمجر .
    تحصل عام 1984 على دبلوم المعهد العالي للفنون المسرحية بالمجر (إخراج مسرحي).
    موظف بالإعلام والثقافة بنغازي منذ عام 1975 وتولى عدة مناصب قيادية منها رئيس قسم المسرح ومدير المسرح الوطني
    بنغازي عدة مرات .
    صُعِّد عضوا للجنة الشعبية للإعلام والثقافة بنغازي في عام 1998 .
    تحصل على جائزة أفضل مخرج مسرحي عن مسرحية (المسافر ليل) في المهرجان الوطني السابع للفنون المسرحية في
    طرابلس عام 1997.
    شارك في عدة مهرجانات مسرحية وطنية وعربية وتحصل على عدة جوائز .
    عمل بالمسرح لأكثر من 40 عاماً (ممثلاً – كاتباً – مخرجاً – ناقداً) .
    أشرف على عدة دورات مسرحية في الجماهيرية ودرَّس فيها.

    أهم أعماله المسرحية :-
    طار الحمام (تأليف وإخراج) لعام 1980.
    كان ياما كان (تأليف وإخراج) لعام 1984.
    الفرافير (إخراج) لعام تأليف يوسف إدريس.
    راس المملوك جابر (إخراج) لعام 1987 تأليف سعدالله ونوس.
    حلم ليلة صيف (إخراج) لعام 1989 تأليف وليم شكسبير.
    المرتجلة (إخراج) لعام 1991 تأليف يوجين يونسكو.
    الحارس (إخراج) لعام 1993 تأليف هارولت بنتر.
    مسافر ليل (إخراج) لعام 1997 تأليف صلاح عبدالصبور.
    لست أنت جاره (إخراج) لعام 1999 تأليف عزيز نسين.
    المستشفي (تأليف وإخراج) لعام 2003 .
    خرف يا شعيب (تأليف وإخراج) لعام 2003.
    يوسف وياسمينة (إخراج) لعام 2003 تأليف الفريد فرج.
    الوزة (تأليف وإخراج) لعام 2005.
    العب يا حوت الشعبية (مسلسل) (تأليف وإخراج) لعام 2006.
    (مينو دراما) من العطس ما قتل (إخراج) عام 1991 تأليف أمين باكير.
    (مينودراما) امرادجع الكسلان (إخراج) عام 1997 تأليف الفريد فرج.

  • كتب:سعيد المزوغي.. وصفق الجمهور لشباب فرقة المسرح الليبي .بمسرحيتهم”متزوج سبعة” لمؤلفها :فرج قناو.. ومخرجها: عبدالله الزروق

    كتب:سعيد المزوغي.. وصفق الجمهور لشباب فرقة المسرح الليبي .بمسرحيتهم”متزوج سبعة” لمؤلفها :فرج قناو.. ومخرجها: عبدالله الزروق

    ​​​​​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008 م”أو هكذا تكلم المسرحيون -2-67 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​​​

    وصفق الجمهور للمسرح الليبي!
    بقلم / سعيد المزوغي

    قدم شباب فرقة المسرح الليبي مسرحيتهم الجديدة ” متزوج سبعة” لمؤلفها فرج قناو ومخرجها عبدالله الزروق وأعلنوا
    بذلك استمرارهم على درب ” انتصار شعب وتحطمت الأصنام، وزهرة المدائن، وأغنية الموت..إلخ
    وقد تألق في هذا العرض المسرحي مجموعة جديدة من المواهب التي أتيحت لها الفرصة لأول مرة!
    ما تعالجه المسرحية يتضح من خلال سياق الحوار الذي يعتمد على المفارقات التي تحدث شيئاً من التناقض في وقت وما
    يشبه خيط التأزم في المشكلة المطروحة في آخر المسرحية تروى حياة مؤلف مع زوجته الغيورة حتى الجنون وما تتوهم
    صحته من أفعال تظن أن زوجها قد قصد أن يسجلها في مؤلفاته ويتدخل ” أبو عديلة” الذي يتعامل مع الناس بما
    يختزنه في صدره من نكث وحكايات ومايجيش في أعماقه من مشاكل وآلام في آن واحد وقد نجح المؤلف في رسم الشخصية
    حتى أنه ألبسها ثوبا لايقل أهمية عن كل ماحاول بعض المؤلفين أن يصنعوه.
    ويتدخل ” سعيد سعدون سعيده” الذي رسم المؤلف شخصيته كي يكون المعبر الصادق عما يكتبه بعض نقادنا الفنيين غير
    أن نهاية المسرحية في حاجة لنقاش بعض الشيء أرجو أن أتناوله مرة أخرى.
    وقد مثل هاتين الشخصيتين ” فتحي كحلول” في دور ” أبو عديله” و” محمد الحجاجي” في دور ” سعيد سعدون سعيدة”
    وبرعا في التمثيل حتى أن المرء يقع في مطب عندما يقول أنهما كانا ناجحين وكفى أو تقمصا الدورين ببراعة
    وذكاء دون أن يعلم أنهما قد حرما من مثل هذين الدورين طويلاً وبرزت ” خدوجة صبري” في دورها كما برز جمال
    الحريري في
    ” الذهبي” وأما الدوكالي بشير الدوكالي فيكفي أن أقول أن الجمهور قد أعطاه حقه منذ اعتلائه خشبة المسرح في
    الليلة الأولى ليمثل ” الدرباسي” وقد يكون من الأفضل تقديم نقد شامل لهذه المسرحية خصوصاً للقراء الذين لم
    يشاهدوها ولكنني لست بصدد كتابة نقد لها ولا بصدد تعداد البارزين فيها غير أنني قصدت فقط أن أقدم انطباعات
    مشاهد حازت أعجابه مسرحية جديدة تعرض على مسرحنا الليبي الذي هو أحوج ما يكون إلى فيض من الحماس والنشاط
    والعمل خاصة أنه في موقف لابد أن يثبت من خلاله عمقه وأصالته وما يقدمه من خدمات وما يطرحه من أراء ومناقشات
    وقد تجلى ذلك – في رأيي- من خلال العرض الجديد ” متزوج سبعة” الذي شاهدته أخيراً والذي أحيي القائمين به.

  • يقدم الدكتور المسرحي السوري: هيثم يحي الخواجة.. مسرحية (الغزالات)..ليبيا مائة عام من المسرح -2-66

    يقدم الدكتور المسرحي السوري: هيثم يحي الخواجة.. مسرحية (الغزالات)..ليبيا مائة عام من المسرح -2-66

    ​​​​​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008 م”أو هكذا تكلم المسرحيون -2-66 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​​​

     

    الغزالات ..
    هيثم يحي الخواجة

    (إن الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه يريد أن يثبت فى مسرحيته مقولة هامة فى حياتنا وهى أن هذا التقدم العلمى
    الكبير الذى توصلت إليه أوروبا لا يمكن أن ينجح إذا خلا من القيم)

    تمهيد
    أصبح بديهيا الإيمان بتلاقح الثقافة العربية ، لأن وحدة الفكر العربى ضرورة هامة فى تحقيق الوحدة
    الشاملة . وهذا لا يتأتى إلا بالاطلاع على إنتاج الأدباء العرب وقراءته وتمثله ونقده . . . ولئن كنت سألقى الضوء
    فى هذه الدراسة على مسرحية ” الغزالات ” للكاتب الليبى الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه فذلك يعود لأمرين :
    الأول : إن كاتب هذه المسرحية واحد من أهم كتَّاب الرواية والمسرح فى الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية
    الشقيقة .
    والثاني : هو محاولة لتحقيق ما جاء فى مقدمة هذه الدراسة حول وحدة الفكر العربى .
    مقدمة المسرحية
    يولى كتَّاب المسرح ونقاده أهمية كبيرة على مقدمة المسرحية (البرولوج PROLOGUE) ذلك لأن وظيفتها كبيرة فهى
    بمثابة لوحة تعريف واستعلام حول شخوص المسرحية ، وهى المدخل الأول لأحداث الدراما: وعلى الرغم من تنوع أشكالها
    واختلاف الكتاب فى طريقة كتابتها فإن أهميتها تأتى من اعتبارها الحدث التمهيدى الذى يدهش المشاهد ويشده نحو
    العمل المسرحى . وليس غريبا القول: إن كتَّاب المسرح اليونانى كانوا يولون المقدمة المسرحية أهمية خاصة (
    يوريبيدس) ، ويجب ألاَّ ننسى شيخ المسرح الإنكليزى شكسبير الذى ركز عليها معتمدا على المونولوج فى صياغتها من
    خلال ممثل رئيس (مثال ذلك ريتشارد الثالث وغيره) والسؤال كيف تكون مقدمة المسرحية ناجحة؟ وهل استطاع الفقيه
    أن يحقق صفات المقدمة الناجحة فى مسرحيته (الغزالات)؟ . إن توصيل الخيوط الهامة فى العرض المسرحى للجمهور يقع
    على عاتق المقدمة ، وعلى الأغلب تكون الخيوط كثيرة ومتشابكة ولذا فإن نجاح المقدمة يتحدد فى مسك النظارة رؤوس
    هذه الخيوط ـ من خلال المقدمة ـ دون إكراه أو ملل ، وضمن شحنة درامية معقولة لأن المقدمة ـ كما يقول لاوسون ـ
    هى حدث مسرحى قائم بذاته . وهنا تكمن براعة المؤلف فى اعتماد السرعة للدخول من بوابة العرض دون استئذان أو
    حواجز تجعل المشاهد يدير ظهره للعرض من الوهلة الأولى . . . لقد استطاع الفقيه أن يحقق صفات المقدمة الناجحة
    فى مسرحية (الغزالات) إذ نجده فى المشهد الأول يسعى جاهداً كى يثير انتباه القارئ ويدفعه إلى التفكير فى كثير
    من الأمور المجهولة التى تحتاج إلى حلول أو التى تحتاج إلى تفسير:
    هيلينا : (من تحت الأغطية وهى تدفع الرجل عن نفسها) هل فقدت عقك ؟
    فيكتور : نعم فقدته
    هيلينا : إنه الصباح
    فيكتور : وماذا يعني ؟
    هيلينا : سوف يرانا الرجل
    فيكتور: أنت أمام الجميع زوجتى . دعينى أحاول مرة أخرى ، إننى على ثقة من النتيجة هذه المرة .
    هيلينا :لا تكن أحمقا ، إن أمامنا ليالى كثيرة فى الصحراء
    (تدفعه عن نفسها ضاحكة حتى ليكاد يسقط من فوق السرير ، يرتدى بسرعة بنطاله ، ويلتحف بأحد الأغطية اتقاء لبرد
    الصحراء ، تقفز هى رشيقة كالفراشة بملابس السفارى تذهب إلى وعاء الماء المثبت بالجزء الخلفى من السيارة . تضع
    الماء على وجهها وتبدأ بتمشيط شعرها ، وتنظر بانبهار إلى الأفق الذى يشتعل بنار الصبح ) .
    فالوقت فى المسرحية الصباح الباكر قبل شروق الشمس ، والمكان الصحراء . . سيارة تقف فى قلب الصحراء . هيلينا
    وفيكتور يتحدثان ضمن هذا المشهد . . كل ما تقدم يثير الاندهاش ويجعل المرء يبحث ، ويستفسر ، وينتظر جوابا لما
    يدور .
    مضمون المسرحية
    فى الفصل الأول يدرك القارئ أن فيكتور يحب هيلينا ، ويعتبرها غزالة حبه المنتظر ، كما يدرك أنه وعد هيلينا
    باصطياد غزالات من الصحراء . وقد لبت هيلينا دعوته التى جرت أثناء لقائهما فى الحفل الذى أقيم على شرف فريق
    العمل المسؤول عن اكتشاف أحد حقول النفط وها هى مع فيكتور فى الصحراء تأتى من لندن راضية لتقضى بعض الوقت
    وتحقق حلمها فى اصطياد الغزالات . لقد اعتبرت هيلينا الصحراء المقابل لكل ما كرهته فى المدينة الكبيرة ، أما
    جابر فهو دليل فيكتور فى رحلته داخل الصحراء لأن فيكتور ، يعمل باحثا عن النفط فى الصحراء ، ويدرس باطنها ،
    ويكشف عن معدنها . . وسرعان ما يكتشف جابر أن هيلينا ليست زوجة فيكتور فيشعر بالضيق ، ولم لا ؟ ، وهو ابن
    الصحراء ، ومن الذين لا يعترفون بعلاقة مع المرأة خارج دائرة الزوج والزوجة فذلك ـ فى رأيه ـ عهر ودعارة .
    ويستغل الكاتب هذه الفكرة ليبرز المفارقة بين الحضارة والتصحر تفكيرًا وأسلوب معيشة ، ويحاول أن يبين ميزات
    ابن الصحراء ، وميزات ابن الحضر الذى تأثر بالحضارة الحديثة ومفاهيمها ، كما يحاول إبراز سلبيات المجتمعين
    فيطرح بعض القضايا الهامة كقضية تعدد الزوجات فى الريف ، قضية عدم ارتباط الابن بأسرته فى المدينة كما يبرز
    أثر الحضارة فى نشوء العلاقة المادية الواضحة بين الابن وأسرته :
    هيلينا : هل حدث لك شخصيا أن طلقت لتتزوج مرة أخري
    جابر : طبعا إحدى عشرة امرأة أغلب من عقدت عليهن . كن بكارى والله
    هيلينا : إحدى عشرة ؟ ظننتك رجلا عاقلا . دعنى ألتقط لك صورة لعلى أفوز بجائزة من إحدى الصحف عندما أرسلها لهم
    باعتبارك الرجل الذى ضرب الرقم القياسى فى الزواج
    جابر : يعتبروننى فى القرية الرجل الذى ضرب الرقم القياسى فى قلة عدد الزوجات ، يحدث ذلك لأنه لا حق لمن يبغى
    أن يتزوج أن يرى فتاته أو يتحدث إليها قبل الزواج فلا حل سوى أن يتزوجها كى يعرفها ثم يطلقها إن لم تعجبه لكى
    يتزوج امرأة أخرى حتى يعثر على من يرضاها وترضاه شريكة عمره وشريك عمرها
    جابر : إذن فأنت تدركين أن إرضاء الوالدين هو أعظم ربح
    هيلينا : لا أقصد هذا النوع من الربح ، أقصد ربحا آخر
    جابر : رضاء الضمير
    هيلينا : متى تفهم ؟ أقصد الواحد بالمائة
    جابر : واحد بالمائة ماذا ؟
    هيلينا : عمولة
    جابر : عمولة لك أنت ؟
    هيلينا : طبعا ؟
    جابر : من أمك ؟
    هيلينا : وما الضرر فى ذلك ؟ تحصلت منها على واحد بالمائة من ثمن البيت وحصلت أمى على القرض وهى سعيدة
    جابر : إن هذه أشياء تملأ قلبى هلعا . لا تفزعنى هذه الصحراء ولكن تفزعنى الصحراء الأخرى .
    ينتهى الفصل الأول بالرحيل باتجاه عمق الصحراء لاصطياد الغزالات . . وفى الفصل الثانى يدرك القارئ أنه مضت ستة
    أيام من بداية الرحلة ، ويبدو المشهد جزءا آخر من الصحراء فالنفط كاد ينتهى فى خزان السيارة ، وجميع الشخوص
    تغطى رؤوسهم وألبستهم ، ووجوههم الأتربة دليل العاصفة التى مروا بها . . أربعة أيام وهم يدورون فى حلقة مفرغة
    دون أن يستطيعوا صيد غزالة بالرغم من الجهد المبذول من قبل فيكتور ، والدم الذى نزف من جبينه . . القلق
    يسيطر على الجميع . . ، والطعام غدا قليلا ، والبحث عن نقطة يتزودون منها بالوقود والمؤونة يمضى بلا جدوى . .
    الهم لا يفارقهم فضلا عن المعاناة من شدة الحر ووحشة الصحراء ، والخوف من المصير شبه المحتوم . . وينتهى الفصل
    بنداء جماعى يمتلئ حرقة ولوعة . . .
    وفى الفصل الثالث يصبح المنظر جزءا آخر من الصحراء . فالأرض صخرية وعرة ، والوقت قبيل مغيب الشمس . . الإعياء
    بدا على الجميع ففيكتور بدأ يرى أحلاما مخيفة . وأهل الصحراء يطاردونه . أما هيلينا فقد وصلت إلى درجة عالية
    من الإرهاق الشديد . وجابر الشخصية الوحيدة التى ما زالت متماسكة ، ومحافظة على قواها . . لقد نفد كل شيء ،
    ولم تعد الصرخات فى الليل والنهار تجدى . . لقد تشققت الشفاه والألسنة ويبست الحلوق فتركوا السيارة باحثين عن
    الخلاص الذى أصبح سرابا . . لقد عارض جابر ترك السيارة لأنها تحميهم من الحر إلا أن إصرار فيكتور وهيلينا جعله
    يقبل بما يريدان . هذا فيكتور يفقد قواه ، وها هى هيلينا تعانى سكرات الموت . . هذا الموقف الصعب دفع فيكتور
    لأن يطلب من جابر السير وحده لعله يصل إلى مكان آهل يستطيع من خلاله إنقاذهما لكن جابر يرفض الفكرة رفضا قاطعا
    .
    التطور الدرامي
    تقدر قيمة المسرحية بتطورها الدرامى الذى يظهر فى الأحداث . فالشخوص تمارس الفعل ، وتنقل أحداث المسرحية من
    تطور إلى آخر ، وإن انعدام التطور الدرامى أو ضعفه يفقد المسرحية رواءها ، وتصبح مجرد حكاية لا يمكن تجسيدها
    ولذا فالكاتب المسرحى الناجح يركز على العوامل المساعدة للدراما (التعقيد ـ الصراع ـ الذروة ـ التشابك . . )
    ليحقق هدفه فى هذا التطور كما أن الكاتب المسرحى الناجح هو الذى يدرك ـ تماما ـ كيف يصوغ ، وكيف يشكل ، وكيف
    يربط لحظات الدراما من خلال الفعل ورد الفعل ، والسبب لرد السبب ليعلو الحدث ، وتتصاعد الدراما ولا ريب أن
    الاصطناع فى التطور الدرامى يسئ إلى الدراما ويجعلها باهتة مسطحة وغير مقنعة فهل نجح الفقيه فى تطوير الدراما
    فى مسرحيته ـ الغزالات ـ؟ إن أول ظاهرة تتسم بها هذه المسرحية تكثيف الأفكار إذ نلحظ ذلك منذ المشهد الأول وهذا
    فى ـ رأيى ـ ما أثر على التطور الدرامى فيها ، وقلل من الفعل المسرحى ورد الفعل فيها ، وجعلها أقرب إلى
    المسرحية الذهنية فى بعض المشاهد . إن قارئ المسرحية يشعر بالأفكار المتزاحمة التى اختزنتها ذاكرة الكاتب كما
    يشعر أن أدواته الفنية خانته لكبح جماح هذا السيل الجارف من المعلومات . . وحتى ننصف الكاتب نقول إن بعضها
    جاء موظفا بشكل جميل ورائع ولكن بعضها أيضا جاء معلقا متأرجحا وغير مقنع . . وعلى الرغم من نجاح المقدمة فى
    المسرحية ـ كما أسلفنا سابقا ـ نجد أن ما يلى المقدمة فى الفصل الأول جاء فاترا باردا ، ويكاد يخلو من الفعل
    المسرحى ، ولم يتصاعد الحدث الدرامى إلا فى الفصل الثانى ثم فى الفصل الثالث ولكن بمقدار أيضا . . إن فكرة
    المسرحية ، ورموزاتها غنية تشد القارئ ، والمشاهد على السواء ولا نستطيع نكران ذكاء المؤلف فى اقتناص الفكرة
    المناسبة ، وتوظيف الكثير من القضايا من أجل خدمة النص المسرحى . فمن رموزه ـ مثلا ـ (الجمل ـ إله النيل ـ
    إله عزريل ـ العصا ـ أجاممنون ـ الصحراء ـ الغزالات ـ النهر ـ الطيور الخضراء ـ الجدائل الذهبية ـ بقعة الضوء
    ـ . . . الخ . . . )
    أما عن الأفكار فسأحاول الوقوف على أهمها :
    إن الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه يريد أن يثبت فى مسرحيته مقولة هامة فى حياتنا وهى أن هذا التقدم العلمى
    الكبير الذى توصلت إليه أوروبا لا يمكن أن ينجح إذا خلا من القيم كما لا يمكن أن يحقق شيئا إذا تخلت البشرية عن
    إنسانيتها:
    جابر : (معلقا على الدخان) إنك تفسد الهواء فى صحرائنا بعادم سيارتك .
    فيكتور : هيا وإلا تركتكما للصحراء وذهبت
    جابر: قلبى لا يتمنى إلا هذا ، اتركنا واذهب
    إن ابن الصحراء ـ أى الأرض العربية ـ هو أحق الناس بأرضه ، ولن ينجح تقدم أو تطور دون الاعتماد على صاحب الأرض
    ودون أن يكون صاحب الأرض فاعلا ومنفعلا فيها . . إن تقدما خاليا من الإنسانية ، وحضارة فارغة من القيم لا يمكن أن
    تنجح أو يكون لها شأنها وقيمتها فالإنسان العربى قادر أن يصير ابن الحضارة الحديثة ، وقادر أن يطور أرضه ،
    وأن يكشف مكنوناتها ، ومخزوناتها . . . وإذا كان يحمل بعض السلبيات فهى سلبيات فرضتها عادات وتقاليد بالية
    فى زمن ما . . وإذا كان العربى فى أول سلم الحضارة فإن عليه أن يغذ السير فى صعود درجات السلم بسرعة ليواكب
    حضارات الأمم ، كما عليه أن يتخلص من عاداته البالية ، وتقاليده المهترئة ليحقق هدفه فى التقدم والازدهار ـ
    وهو قادر على ذلك ـ إن فقدان فيكتور وهيلينا الأمل فى العيش فوق الصحراء دليل قاطع على أن أبناءها هم
    المطالبون بالارتباط بها ، واستنباط ثرواتها ، وحمايتها ، وما السعى لقتل الغزالات إلا إشارة واضحة على وحشية
    الإنسان الأوروبى ، وما لعنة الغزالات إلا رفضا لما يفعله الأوروبى فى أرضنا ، وما موت ابن جابر إلا رمز لغضب
    الصحراء على الإنسان العربى الذى تنكر لأرضه ، وحاول أن يبدّد مكوناتها .
    الشخصيات
    تتألف المسرحية من ثلاثة أشخاص (فيكتور ـ جابر ـ هيلينا) بمعنى أن المؤلف حقق النظرية القائلة: إن من سمات
    المسرحية الناجحة قلة عدد الشخوص . . والسؤال الملح هنا هل استطاع الكاتب أن يتبع الأنموذج الدرامى المنطقى
    والصحيح فى شرح الشخصيات المسرحية؟ أى هل أظهر ملامحها الخاصة والعامة؟ ، وشرح بنيتها ، ودقق فى تصنيفها ،
    وجعلها تأخذ صفتها من حيث الفعل والطباع والسلوك؟ هل تدخل فى حركاتها وتفكيرها وتصرفاتها؟ أم تركها مستقلة
    تتصرف بموجب طبيعة الحياة ومنطقية الأحداث المتفجرة فى النص المسرحي؟
    ولكى ننصف المؤلف نقول إن المؤلف وصل إلى حد معقول فى جعل الأشخاص رموزا ذات دلالات وسمات حققت هدفه فى إيصال
    أكبر قدر ممكن من الأفكار التى أراد طرحها والتركيز عليها فى المسرحية . . ففيكتور رجل يعمل فى البحث
    والتنقيب عن النفط فى الصحراء . لقد اندفع هذا الباحث نحو عمله وعلمه غير آبه بالمعانى الإنسانية لوجوده فوق
    أديم الأرض حتى حبه لهيلينا وظفه ضمن بوتقة عمله . . ولقد غره الجانب المخادع والبراق للحياة الحضارية فانغمس
    فى وجه الحضارة الزائف وهذا أدى إلى نهاية مأساوية ، وهذا أيضا جعل الصحراء تنتقم منه:
    فيكتور : إن لدى أسبابا أفضل من ذلك بكثير لعل إحداها أننى مثل الحجر المتدحرج . لم أعرف لى يوما مكانا
    أستقر به ، وإنى لست كثير الشوق إلى امرأة فى بيتى ، لا هم لها إلا أن تسأل أين ؟ وكيف ؟ ومن ؟ ومتى ؟ ولماذا
    ؟ أما أكثر أسبابى أهمية فهو أننى لو كنت تزوجت لضاعت يا هيلينا فرصة أن ألقاك ، وأن آتى معك فى نزهتنا
    الصحراوية . . .
    وأما هيلينا فهى المرأة الأوروبية التى تطبعت بطباع البيئة الإنكليزية ولذلك فقد حملت صفات هذه البيئة فهى لا
    تهتم إلا بعملها ، وليس فى حياتها إلا سعادة نفسها وتحقيق الربح الأكبر . إنها ترتبط بمادية الحياة لا بقيمها
    ومعانيها الإنسانية . وإذا كنا نلحظ حوارا يعبر عن اخضرار قلبها ونداوته فإنه ينطلق من ذكريات ذاتية ، ومن
    دوافع غريزية لا تصب فى الفعل الحياتى وانعكاساته (ص126 ـ 127)
    لقد ضاعت هذه المرأة فى غياهب الحضارة الحديثة وهذا ما دفعها إلى البحث عن أمل يغذى قلبها فاندفعت لتزور
    فيكتور الرجل الذى التقت به لقاء عاديا دون أن تكترث بموعد زواج أو بحياة أسرية سعيدة . . كل ما وعدها به
    اصطياد الغزالات من الصحراء .
    جابر: وهل وافق أبواك بسهولة على سفرك لزيارة أحد الغرباء ؟ يالهما من أبوين عجيبين!
    هلينا : أبواي ؟ يوافقان ؟ لماذا ؟ ما دخلهما ؟ إنى أحبهما لكنى منذ ثلاثة أعوام لم أذهب لزيارتهما فهما
    يعيشان بعيدا عن لندن ما يقرب من ساعة بالقطار ، لكنى رأيت أمى مرة بالمحطة فقلت لها أهلا . . .
    هيلينا : لا أقصد هذا النوع من الربح ، أقصد ربحا آخر
    جابر : رضاء الضمير
    هيلينا : متى تفهم ؟ أقصد الواحد بالمائة
    جابر : واحد بالمائة ماذا ؟
    هيلينا : عمولة
    جابر : عمولة لك أنت ؟
    هيلينا : طبعا ؟
    جابر : من أمك ؟
    هيلينا : وما الضرر من ذلك . . .
    أما عن شخصية جابر فتعتبر ـ فى رأيى ـ أدق الشخصيات فى هذه المسرحية . لقد أحاط المؤلف بهذه الشخصية سلوكا ،
    وتصرفا ، وفكرا ، مما جعلها تتطور ، وتتفاعل مع الأحداث بأسلوب عفوى جميل وعميق . .
    تمثل شخصية جابر الإنسان العربى الذى يحمل نقاء الصحراء ، وطهر الأرض . . إن جابر هو ذلك العربى الذى يحمل
    صفاء الإنسان ، والذى لم يتلوث بالوجه الزائف فيها . إنه رمز الأصالة العربية التى بقدر ما تتطلع إلى الحضارة
    بقدر ما تحافظ على قيمها النبيلة من صدق ، ووفاء ، وشهامة ورجولة . . إنه رمز الإنسان العربى الذى يعشق أرضه
    ، ويأمل بالحياة الكريمة والمستقبل الإنسانى السعيد :
    جابر : لقد فكرت فى العار الذى سيلحق بأولادى . عندما يعلم أهل القرية أنى فى لحظات الشدة تركت رفاقا كنت
    دليل رحلتهم فى الصحراء ، وذهبت أحاول أن أنجو بنفسى (صمت) ها قد جاء الليل فلا تحرمنى من متعة أن أتكئ هنا ،
    أنظر للأنجم وأسبح اللّه حتى يغشى عينى النوم .
    إنه رمز العقيدة الصلبة التى تمرست على الصبر ، وتحمل الصعاب ، ليكن قلبك عامرًا بالإيمان فى حضرة هذه الصخور
    التى قد تطول عندها إقامتنا . لا أدرى إن كنا سنقوى على المشى بأكثر مما مشينا . .
    لقد كشف الكاتب صفات هذه الشخصية من خلال الفعل ورد الفعل ومن خلال المونولوج فعرفنا على جزئيات كثيرة ودقيقة
    فى حياتها دون تناقض أو تماثل مع الشخصيات الأخرى أو خيال يبعدها عن الواقع . . ومما يسجل للكاتب فى هذا
    المجال اهتمامه بعنصر التشويق فى رسم شخصياته وعلى الأخص جابر فهو لا يدعنا نفهم الشخصية مرة واحدة وإنما
    بالتدريج ـ وهذا هو الفن ـ إذ كلما توغلنا فى الحوار وتصاعدت الأحداث تعرفنا على الشخصيات أكثر ، واكتشفنا
    أشياء جديدة فيها . . لقد بدأ المؤلف ـ منذ الصفحات الأولى ـ برسم شخصية جابر وبقية الشخصيات . وظل يكشف
    ويعمق هذه الشخصيات حتى الصفحة الأخيرة من المسرحية: جابر : يختلف شكل الصحراء عندما يأتى الليل ، إنى أكرهها
    نهارا وأعشقها ليلا . كنت أجد نفسى وحيدا فى الصحراء فانتظر الليل لكى يأتى ، أوقد نارا فى حجم القصر ، أتدفأ
    وأبدد من حولى الوحشة ، ثم أعد الشاى وأتكئ لا أفعل شيئا سوى أن أشرب أكواب الشاى وأنظر للأنجم أحاول أن
    أحصيها . .
    الحوار
    لا يختلف اثنان على أهمية عنصر الحوار فى العمل المسرحى إذ هو أداة التوصيل التى يستخدمها الكاتب ليوصل ما
    يريد إلى الجمهور من أفكار ومشاعر وأحاسيس وقضايا كثيرة أخرى . . ويمكن حصر أهم الأخطاء التى يقع بها كتَّاب
    المسرح فى صياغة الحوار بأمرين:
    الأول: تحميل الشخصية حوارًا أكبر منها فتحدث الهوة بين المشاهدين وبين الأحداث والشخصيات بسبب انعدام الثقة ـ
    فى مثل هذه الحال ـ بين ما تقوله الشخصية فى حوارها ، وبين المعرفية المسبقة المتكونة قبلا حول الشخصية التى
    تمثل نمطا معينا فى واقع الحياة .
    الثاني: عدم معرفة الوقت المناسب لاستخدام الحوار البرقي(الموجز ـ القصير ـ المركز) والحوار الطويل
    لقد استخدم الفقيه الحوار البرقى والطويل فى مسرحيته وما يؤخذ عليه أنه لم يتناسب ـ أحيانا ـ مع المواقف فى
    المسرحية ففى حين كان فيه الحدث يتوتر ويتصاعد نجد الكاتب يميل إلى الحوار الطويل الذى يسبب أحيانا فتور
    الحدث إذا لم يكن دقيقا ومثيرا ومشوقا:
    هيلينا : (ترفع رأسها فترى فيكتور ، تتشبث به ، وتضع ذراعيها حول عنقه وكأنها عثرت عليه فجأة ) لا أريد أن
    أموت ، لا أريد أن أموت يا فيكتور ـ تبكى ـ
    فيكتور : ما كان ليحدث هذا كله لولا تلك اللحظات الخارجة عن كل النواميس الهاربة من الزمان والمكان ، تلك
    اللحظات العجيبة عندما كنت أندفع مبهورا ، مسلوب العقل والإرادة خلف تلك الغزالة ، وكأن قوى خفية مجهولة
    تحركنى ، أذكر الآن أننى رأيت وكأنها تقودنى إلى تلك الينابيع التى أتى منها الضوء ، إلى أرض جديدة غريبة
    كأنها جزر المرجان مسقوفة بسماء زاهية الألوان ، يضوع فيها المسك ، ويرتفع فيها الإنشاد الملائكى وتشهد عرسا
    كبيرا يتواصل أبد الدهر ، حيث تغتنى الروح ، ويجد القلب سلامه الدائم ، ويصير الإنسان شفافا كالماء . كنت أعرف
    أننى أراهن بعمرى للذهاب إلى تلك الأرض ، ولكن أنتما ما ذنبكما . . . .
    الحوار الموجز المركز يتناسب مع تصاعد الأحداث المتسارعة ، والحوار الطويل يتناسب مع المونولوج الداخلى ، وكل
    له مكانه ، وكل يتناسب مع الحدث والموقف والفكرة المرادة هذا ولا يجوز الخروج بالحوار قصيرا كان أو طويلا قيد
    أنملة عن الفكرة فى المسرحية التى يجب أن تتطور دائما وأن يوظف كل شيء من أجل التصاعد الدرامى . فالحوار فى
    بعض المشاهد ـ فى رأيى ـ يسئ لتطور الحدث ولا يضيف شيئا ذا بال سوى وصف خارج عن دائرة الحدث الأصلى وهذا ما
    جعله جافا فارغا لا وظيفة له .
    اللغة المسرحية لغة صعبة لأنها لغة النظارة بمختلف ثقافاتها ، وإدراكاتها ، ومعارفها ولا يمكن اعتبار اللغة
    الإنشائية لغة مسرحية لأنها تسيء إلى المسرحية وتضعف فنيتها ولا ننكر أن هذه اللغة سيطرت ـ فى بعض الحوار ـ
    سيطرة واضحة :
    هيلينا : (ما زالت تكتب فى المفكرة) إنها رسالة واحدة أجلس لأدقها على الآلة الكاتبة يوما وراء الآخر ، منذ
    شروق الشمس ـ هذا طبعا إن شرقت ـ حتى مغيبها ، وإلى أن صارت أحرف تلك الرسالة كأنها حبال تمتد لتكتيفى ، أو
    قطرانا أسود يتجمع من حولى ويغرق جسمى حتى يصل إلى عنقى ، أصرخ فإذا بالساعة قد صارت واحدة ، أذهب لتناول
    شيء فى المقهى على عجل وأعود إلى تلك الآلة ، حتى إذا ما كاد قطران الملل يغطى وجهى يأتى موعد الانصراف فيتأجل
    موعد خنقى إلى اليوم التالى .
    ويلحظ عدم تطابق الحوار مع الشخصية وهذا يجب ألاَّ يقع به كاتب مسرحى على مستوى الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه ،
    وليعذرنى المؤلف إذ ذكرت بعض الأخطاء النحوية التى لا يمكن اعتبارها أخطاء مطبعية (إحدى حقول البحر) (واحد
    اثنين ثلاثة) (لوحدها) (يجده ملئ) (حتى تجدون) (ثلاث أعوام) (بإحدى أركان) (ثمة سريرين) (ثم يطهيها ويأكلها)
    (أيتها البحر الممتد) . . إلخ . . . .
    كلمة أخيرة
    تبقى مسرحية الغزالات من المسرحيات الجادة والجديرة بالقراءة والعرض ، وهذا يجعلنى أؤكد ثانية على التواصل
    الثقافى العربى ليكتمل المشهد الثقافى ، وليتعرف الأدباء على نتاجات بعضهم والدرجة التى وصل إليها المبدعون .
    ومن خلال ذلك يترسخ التلاقح الثقافى المنشود ، وتتعمق الوحدة الفكرية ، ويزول الجهل بأدبائنا العرب .

  • قراءة في مسرحية النفايات والخبز .- بقلم / عبدالله مفتاح هويدي..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-65

    قراءة في مسرحية النفايات والخبز .- بقلم / عبدالله مفتاح هويدي..- ليبيا مائة عام من المسرح -2-65

    ​​​​​​​​​​​​​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-65 – نوري عبدالدائم
    *****************​​​​*********************​​​​​

    قراءة في مسرحية
    النفايات والخبز
    بقلم / عبدالله مفتاح هويدي

    الاستعداد لأي رحلة يرغب الإنسان في القيام بها تتوقف على أهمية الرحلة ولعل من أصعب الرحلات التي تتطلب الاستعداد على درجة من الأهمية هي الرحلة الفكرية التي يحاول أن يقوم بها الإنسان لإنتاج مفكر أو أديب أو فنان أو أي مبدع في مجال من مجالات الحياة والمعرفة الإنسانية.
    ويلتقي الإنسان في هذه الرحلة المبدع من خلال أفكاره وآرائه التي يطرحها بأي وسيلة يراها ناجعة ومناقشتها وتحليلها وتنقيحها وتنويعها وهذه الآراء والأفكار هي التي تمكن الإنسان من التعمق في نفس المبدع وسبر أغوارها والبحث عن مكامن سر الإبداع فيها وأسبابه ودوافعه ومنشأ هذه الدوافع.
    وتزداد صعوبة هذه الرحلة عندما يستعمل المبدع الكلمة كأداة تعبيرية وخاصة إذا كانت هذه الأداة الكلمة الدرامية التي تجمع دلالاتها وسياقاتها من اللفظ والمعنى من حيث الكتابة والنطق والحركة والمشاهدة بين ثابت ومتغير من حيث الزمان والمكان وتبقى الكلمة الدرامية نقاصة إذا لم تكن هناك وسائط تنقلها وتوصلها إلى أصحابها وأعني بهم (الجمهور) وتتركز هذه الوسائط من سمعية وبصرية على العناصر البشرية التالية المؤلف، المخرج، الممثل، المشاهد، وغيرهم من العاملين في الوسائط الدرامية، والجمهور يعد وجوده شرطاً سواء كان فرداً أو جماعة لميلاد الكلمة الدرامية.
    وإلا ستظل ناقصة مادامت على الورق.
    والهدف من هذه الرحلة هو استشفاف ورسم صورة قلمية لإنتاج مبدع في مجال الكلمة الدرامية وخاصة ذلك الذي أصبح إنتاجه يحتل مكاناً في سيرة الحركة الدرامية أدبياً وفنياً وإطلاع القراء على إنتاجه وخاصة العاملين في حقل الإنتاج الدرامي ووسائطه السمعية والبصرية والمعنيين بالتوثيق والمتابعة سواء كانوا أفراداً أو جماعة.
    ومن خلال هذه الرحلة الفكرية يتم لنا الكشف عن أهم معطيات الدراما ووسائطها السمعية والبصرية وخاصة من حيث إفراز الكوادر النسوية الفنية والأدبية والوقوف على الإثراء الثقافي الأدبي والفني الذي ساهم فيه المبدعون من خلال مؤلفاتهم وأعمالهم الدرامية السمعية والبصرية.
    وعرفته خشبات المسارح والشاشات المرئية كبيرة وصغيرة في الداخل والخارج وذلك في محاولة منهم لزرع هذه البذرة في فضائنا الثقافي وإنباتها إنباتاً سليماً يعتمد على ما تجود به النبتة من عطاء خير وما أخصب بيئتنا المحلية.
    ورحلتنا ستكون مع مبدع درامي شهدت خشبات المسارح في الداخل والخارج إنتاجه وعانقت لواقط الصوت وعدسات آلات التصوير في الإذاعتين المرئية والمسموعة إبداعه الدرامي.
    وقد سلك هذا المبدع طريقاً لم يسلكها غيره من المبدعين في مجال الدراما حيث إن أغلب أعماله المسرحية قد مثلت وقدمت على خشبات المسارح قبل أن تطبع وتنشر، شعوراً منه بأن الكلمة الدرامية لابد أن يتذوقها الجمهور ويحس بها ويشعر ويتفاعل معها عندما يشاهدها فيه مجسدة على خشبات المسارح وهذا لاشك يعطي قيمة أكثر للكلمة الدرامية تفوق قيمتها وهي بين دفتي كتاب.
    ولقد رأيت أن موضوع هذه القراءة هو آخر نص مسرحي له وهو النفايات والخبز الذي رأى النور في سنة 1999 م.
    لإحساسي بالنضوج الفكري الذي وصل إليه الدكتور الأزهر أبوبكر حميد الذي انعكس في تأليف هذا النص خاصة وأنه اختار أن يكون منهجه في التأليف مدرسة للمسرح التسجيلي ونحاول من خلال هذه القراءة الوقوف على خبرات التأليف الدرامي ومدى التطور والتغير الذي طرأ عليه عند د.الأزهر أبوبكر حميد.
    لقد ابتلى الله الأزهر أبوبكر حميد 1932 – 2004م لمواهب غده يوم أن خلقه ممثلاً ومخرجاً وكاتباً درامياً وصحفياً وفنياً وأدبياً وفناناً وناقداً وفناناً تشكيلياً وقد أراد أن يبعث بأبواب جديدة.
    فلم تنته سنوات قلائل من عمره الفني كممثل بالفرق القومية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي حتى جذبته الكلمة بأحاسيسها المتنوعة فكتب للمسرح والإذاعتين المسموعة والمرئية العديد من الأعمال الدرامية المتنوعة من مسرحيات ومسلسلات وتمثيليات وسهرات تمثيلية إذاعية مسموعة استمر عطاؤه حتى وفاته المنية ().
    وتميزت بعض أعماله بأنها ملهاة سوداء، نظراً لما تحتويه في بعض الأحيان من تشاؤم، وكما أشرنا في أسطر سابقة فإننا سنتناول آخر إنتاج مسرحي له ألا وهو (النفايات والخبز).
    استهل د.الأزهر أبوبكر حميد مسرحية (النفايات والخبز) بمقدمة أوضح فيها أن المسرح العربي اليوم يتخلص في النقاط التالية:
    بعد أن أكد في بداية مقدمته على أن طبيعة المسرح تربوية وإبداعية وأداة للتثقيف والتوعية ينتقل لإعطاء صورة للوضع الراهن للمسرح العربي اليوم تتلخص في الآتي:
    1- الابتذال وما نتج عنه من سلبيات أدت إلى تدمير الذوق العام والحد من أهمية الخطاب العربي المنهجي.
    2- إرباك المتلقي بحيث لم يعد قادراً على التمييز بين الغث والسمين والانغماس كلياً في (مسرح الكباريه).
    3- إغفال المسرح العربي للقضايا المهمة والجوهرية.
    4- الضرب على أوتار العواطف وإغراء المتلقي بشتى المغريات.
    5- اتخاذ شباك التذاكر وما يذره من أرباح المقياس الفيصل لنجاح أو سقوط العمل المسرحي.
    6- التحول الذي طرأ على قطاع من رجال الفكر والإبداع والدفاع عن هذه الموجة وإدراجها تحت مسميات علمية ومنهجية لإيجاد السند العلمي لها.
    ويضيف المؤلف في مقدمته فقرة تحت عنوان (أحداث المسرحية) ص 12 المواضيع التي ستتناولها المسرحية هي:
    1- هجرة العقول العربية إلى أوروبا.
    2- أحوال المغتربين في بلاد الغربة.
    3- النفايات وخطرها على الوطن العربي.
    4- الحكم الفردي التسلطي.
    5- المعاهدات والأحلاف مع الاستعمار.
    وبالنظر إلى عنوان المسرحية الذي يتكون من كلمتين وهما (النفايات والخبز) نستطيع أن ندرك بعد قراءتنا للنص أن المسرحية تتكون من جزئين مهمين.
    وهذان الجزئان يمثلان مسرحيتين الأولى تناولت الموضوعين الأول والثاني وهما هجرة العقول العربية إلى أوروبا وأحوال المغتربين في بلاد الغربة بينما المسرحية الثانية وهي الجزء الثاني تناولت بقية المواضيع وهي:
    1- النفايات وخطرها على الوطن العربي.
    2- الحكم الفردي التسلطي.
    3- المعاهدات والأحلاف مع الاستعمار.
    غير أن المسرحية بجزئيها اللذين يمثلان مسرحيتين في مسرحية واحدة حسبما يدل على ذلك العنوان ترتبطان جدلياً لأن المسرحية الأولى أو الجزء الأول يقودنا إلى الجزء الثاني بشكل عقلاني وتفاعلي كما أن كلا الجزئين يخدمان نفس الفكرة المحورية في النص بشكل تصاعدي وهذه الفكرة تتثمل في دور الإنسان وهو يواجه القهر والتسلط والاستغلال والاستيلاء والاستعمار والقمع وأسلحة الدمار الشامل على كل مستويات الحياة مستغلة في ذلك نهب ثروات الشعوب وامتصاص دمائها وممارسة القهر والتسلط بواسطة عملاء ربتهم ودجنتهم وتوصلت إلى نقاط الضعف فيهم فضغطت عليهم واستسلموا لها وباعوا شعوبهم بمقابل مادي تافه لإنفاقه على ملذاتهم وإشباع رغباتهم الخاصة ضاربين بكل قيم الحياة الإنسانية عرض الحائط.
    وهذا النوع من المسرح الذي يعتمد على الإحصائيات والأرقام والاستطلاعات والأخبار اليومية ومتابعة الأحداث والذي ينادي به منظروا الدراما في العالم ويرون أنه الأفضل من تجسيد المشاركة من طرف المتلقي في الأحداث ودمج قاعة المشاهدين بخشبة المسرح بحيث يتشكل فضاء مسرحي رحب حيث تتحق المشاركة الوجدانية الفعلية ويتم التفاعل مع الممثلين الذين هم من الجمهور وهذا لاشك يعطي المشروعية للعمل المسرحي إذ يتم فيه ربط أحداث وشخصيات المسرحية بالفضاء المسرحي كما أن هذا النوع من المسرح يكون مليئاً بالمواضيع الإخراجية الموضوعة من طرف المؤلف وعليه فإن المخرج لا يكلف نفسه عناء وضع مشهدية إخراجية ولا يتدخل في النص من حيث تكنيكه وإعادة تركيبه وفق رؤية إخراجية.
    كما أن هذا المسرح باستخدامه الفضاء الموحد يلغي عملية الزمان والمكان ويصح في المطلق من حيث الثابت والمتغير بالنسبة لهذين العنصرين وشخصياته غير نمطية مركبة ومتغيرة وفق ما يقتضيه الحث والموقف المترجم بالكلمة والحركة.