Category: سينما ومسرح

  • الدعاية و الإعلان في المسرح الليبي .. بقلم /أحمد الغماري..الدعاية و الإعلان في المسرح الليبي .. بقلم /أحمد الغماري-1-13

    الدعاية و الإعلان في المسرح الليبي .. بقلم /أحمد الغماري..الدعاية و الإعلان في المسرح الليبي .. بقلم /أحمد الغماري-1-13

     
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-13- نوري عبدالدائم
    **************************

    الدعاية و الإعلان في المسرح الليبي ..
    بقلم /أحمد الغماري

    يقف المرء عاجزا مكتوف الأيدي أمام موضوع لا تتوفر له مصادر و لا مراجع يستند عليها لدراسته, خاصة عندما يتعلق الأمر بالفنون البصرية ,و ما يخص منها الملصق بالذات , وعلى الأخص الملصق المسرحي , الذي يعتبر أقل انتشارا بين الناس من الملصق السينمائي , و كما هو معروف بأن الجانب الإعلاني والدعائي من مهامه إبلاغ الجمهور عن مواعيد وأماكن العرض المسرحي
    والدعاية له .إلا أن الملصق يبقى من أهم هذه الوسائل الدعائية والإعلانية ,
    و النافدة الأولى التي يطل منها المشاهد على أحداث و شخصيات العمل المسرحي ويكون عامل جدب أو تنفير , ما حدا بالفرق المسرحية و المسارح أن تتخذه بعين الاعتبار و تفرش له المساحة الكبرى على جدرانها و تؤكل أمر تنفيذه لأفضل المصممين والفنانين المختصين في هذا المجال , الذين استخدموا أفضل التقنيات
    وأحدثها من اجل إظهاره بالمظهر الجذاب لعين المشاهد, فظهر الملصق الورقي الذي يوزع على جدران الشوارع و الملصق الجداري الذي يرسم على القماش أو الخشب والمعروف في بعض الأماكن باسم( الأفيش) وينصب على أوجهات دور العرض بألوانه الزاهية و بمساحات كبيرة , إلى جانب الوسائل الأخرى التي استغلت لغرض الدعاية والإعلان فكان النداء و العزف الموسيقي الارتجالي في الشوارع و الميادين كإحدى هذه الوسائل التي اعتمد عليها كما ظهرت طرق أخرى تمثلت في (مواقف طريفة للإعلان )التي لا تخلو من روح الدعابة و الترفيه في تجسيدها ,

    و في نظرة إلى الخلف لكي نبحث عن الإشكال التي اتخذتها الدعاية و الإعلان للعروض المسرحية في بلادنا , و طبعا حسب ما توفر من نماذج للملصقات و ما سمعته من بعض الفنانين والأخوة المهتمين بالحركة المسرحية عن هذا الأمر , نجد أن الدعاية قد اتخذت ثلاث أشكال رئيسية واستخدمت في أوقات و ظروف مختلفة و بإمكانيات فرضتها معطيات كل زمن مرت به , إلا أنني ارغب في بادئ الأمر أن أسلط الضوء على احدى هذه الوسائل التي وصفتها سابقا – بالمواقف الطريفة للإعلان – والتي تعبر عن سعي بعض المسرحين لجذب المشاهد البسيط لعروضهم المسرحية , خاصة لو علمنا بان الوعي الفني لدى المواطن في تلك الفترة _ النصف الأول من القرن العشرين _ لم يتبلور بعد كما هو الحال اليوم ما دعاهم للالتجاء لهذه الحيل الطريفة’ التي اعتمدوا فيها خلق (مواقف تمثلية) حيه للمواطن في الشارع لإعلامه بالعرض المسرحي و دعوته إليه , و عرف على الفنان “مختار الأسود”قيامه بهذه المواقف الذي يذكرها فيقول:
    … بأنني مارست هذه الحيل بنفسي في إحدى المرات عندما ارتديت فيها ملابس شرطي المرور وبدأت بإيقاف السيارات المارة , و كان السائقون يعتقدون بأنني شرطي أريد أن اخالفهم لارتكابهم مخالفة مرورية ألا أنني أقابلهم بابتسامه و أقول لهم (لا تنزعج فأنت مدعوا إلى المسرحية التي ستعرض اليوم أو غدا …في المكان الفلاني) وأقدم لهم مخالفة هي في الحقيقة دعوة للحضور مسرحيتنا التي سنقدمها …ومن المواقف المشابهة التي قام بها الفنان”مختار الأسود”و أصدقائه ذات مرة عندما شيعوا جنازة افتراضية في أزقة المدينة القديمة و ساروا بها على اعتبار أنها جنازة لأحد المتوفين من سكان المدينة الأمر الذي جعل المواطنين يسيرون وراء الجنازة حتى وصلوا أمام باب مسرح (البوليتياما) الموجود حاليا بسوق الترك و الذي يسمى اليوم- بدار عرض النصر- عندئذ وقف قائلا لهم بان لا توجد جنازة بل هو يدعوهم للمسرحية التي ستعرضها (فرقة خرجي مكتب الفنون
    والصنايع) إلا أن الفنان “مختار الأسود” لم يتوقف عند هذه الحيل و المواقف الطريفة بل نوع في أشكالها و طرقها – فطبع ذات مرة الإعلانات على الأكياس الورقية التي يباع فيها الخبز و الفاكهة بحيث تصل إلى كل بيت عندما يقوم أب الأسرة بشراء حاجات أسرته من السوق. إلا أن هذه الوسيلة الطريفة قد رافقتها وسيلة أخرى يمكن أن نطلق عليها اليوم (بالدعاية الصوتية) والتي عرفها الليبيين (بالتبريح) أي النداء في الأزقة و الميادين من اجل إعلام الناس عن حدث ما .
    وذكر الفنان ” مختار الأسود” بان الفرق المسرحية كانت تؤكل أمر إعلاناتها لأحد (البراحة) و كان هناك شخصا يدعى ” النطاح “يقوم بهذه المهمة لبعض المسرحيات بحيث يجوب الشوارع مناديا بعبارات سلسة تعودت عليها أذان الناس بهذه الكلمات( ألتوب ألتوب ألتوب … تسمعوا ألا الخير أن شاء الله و الحاضر يعلم الغايب … أبناء الفرقة الفلانية عندهم تمثيلية في مساء اليوم في السينما الفلانية … و يلعبوا فيها فلان وفلان و فلان … راهي تفوتكم تعالوا كأنكم بتضحكوا) مستعينا بآلة إيقاعية (كالبندير او الدنقة) أو أي آلة أخرى محدث بها تنغيما بين العبارات و الإيقاعات , و يضيف الفنان”محمد بن محمود”في هذا الإطار بان بعض الفرق المسرحية كانت تكلف أفراداً من أعضائها أو أشخاصا من خارجها أحيانا للإعلان وذلك بان يصطحبوا عربة وآلات موسيقية و يجوبون بها الشوارع بالعزف و الغناء ملفتين قدر الإمكان انتباه المارة إليهم لإعلامهم عن موعد و مكان العرض, و يذكر الفنان “محمد بن محمود”- بان هذه العملية لم تكن مقتصرة على المعلنين بل أن الممثلين أنفسهم أحيانا ينزلون إلى الشارع قبل العرض بملابسهم التنكرية ليجلبوا انتباه المارة ويضيف الأستاذ “سعيد المزوغي”إلى هذا بان المساجد باعتبارها مكانا لتجمع و خاصة في صلاة الجمعة, حيث جرت العادة أن يتخذها الناس كأحد وسائل الإعلان عن حدث أو أمر ما (فيقوم احد المعلنين بعد صلاة الجمعة و يطلب من المصلين الانتباه إليه و بعدها يبلغهم عن وجود مسرحية في المكان والموعد الفلاني ,ويحدث هذا عدة عندما تكون المسرحية ذات طابع إسلامي أو قومي ) إلا أن المعايش للفترة الأولى أو حتى الفترة التالية للحركة المسرحية يعرف جيدا بان الدخل و الدعم المادي للفرق المسرحية لم يكن ليسمح لها بالصرف على الجانب الدعائي و الإعلاني بالشكل المطلوب , بل إن الفنان”محمد بن محمود” ذكر بان عروضهم المسرحية التي كانوا يقدمونها في مناطق خارج طرابلس كالخمس أو الزاوية مثلا, كانت تقبل فيها غلال أو الثمار الموسمية مقابل ثمن تذكرة الدخول مراعين في ذلك الظروف المادية لبعض المواطنين في تلك المنطقة, وهذا يعطي مؤشرا واضحا على الحالة المادية التي تمر بها الفرق المسرحية ما جعلتها تهمل الجانب الدعائي في برنامجها ,وسبب ذلك تأخر ظهور الملصق المطبوع على جدران الشوارع وحتى إن ظهر فيظهر بشكل محتشم وبسيط ,وعوض عنه بالملصق اليدوي – إن صحت ألتسمية- الذي كان يرسم من قبل احد الرسامين في أحسن الأحوال أو يقوم مهندس الديكور في الفرقة برسمه أن رأى في نفسه الكفاءة للقيام بذلك و كان يوضع في أماكن محدودة بالمدينة ,إلا أن الملصق الورقي في اعتقادي يبقى الوسيلة الأكثر ملائمة وفاعلية للإعلان نظرا لسهولة توزيعه في أي مكان وإمكانية استخدامه في أكثر من فرصة تالية, و لهذا سألقي نظرة فيها شيء من التفحص على تاريخ صدوره و أشكاله التي اتخذها ,وهنا يأتي ألسؤال ليطرح نفسه متى كان ظهور أول ملصق و كيف كان تصميم الملصق في كل فترة من الفترات التي مر بها ؟؟ و لكي أجيب عن هذه الأسئلة توجب علي أتوجه إلى أهل الدرية و المهتمين بالشأن المسرحي لنسمع منهم الإجابة عن هذه الأسئلة. فكانت البداية مع الأستاذ “البصيري عبدالله ” الذي يذكر- بان صدور أول ملصق حائطي كان في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي-ويؤكد على ذلك الفنان “بشير المبروك” باعتبار – أن الفرقة الوطنية الطرابلسية للتمثيل و الموسيقى قد عرضت مسرحيات في تلك الإثناء بملصقاتها – لكن الفنان ” مختار الأسود” ينفي و يقول – بان صدوره في منتصف الخمسينيات- و يرى المخرج “عبد الله الزروق”- بان الملصق بمفهومه الحقيقي لم يلقى اهتماما في بادي الأمر و بدأ الاهتمام به فقط في أواخر الستينيات و بداية السبعينيات- و يقول الفنان “محمد بن محمود” – الملصق كان موجودا من فترة طويلة فكان يكتب و يرسم باليد و يوزع في الشوارع والأسواق- و على أي حال فان البحث و الفرز عن تاريخ صدور أول ملصق في بلادنا لهو أمر يحتاج إلى المزيد من التفحص و التروي من اجل إجابة تكون أكثر دقة و موضوعية..
    ولننتقل الآن إلى النقطة التالية وهي شكل وتصميم الملصق الذي طرا عليه عبر الزمن العديد من التطورات,و لمعرفة هذا التطورات توجب علي الاطلاع على ما أمكنني الاطلاع عليه من ملصقات نجت من التلف و الضياع و أخرى هي حديثة العهد وتعتبر نماذج لا باس بها تعكس الفترة التي ظهرت فيها ,و كذلك ملصقات أكثر حداثه تحمل روح هذا العصر بما فيها من تقنيات الكمبيوتر والإخراج الحديث الذي بدأ يميز هذه الملصقات عن سابقاتها , و لكن أولا لنرجع لنلتمس طريقنا إلى أقدم الملصقات التي يمكن أن ننطلق منها لرسم ملامح الملصق و الكيفية التي كان عليها , ففي الملصق الذي رافق العرض المسرحي الذي قدمته الفرقة الوطنية للتمثيل و الموسيقى سنة 1946 م لراويات اجتماعية و إسكتشات هزلية من بطوله – الكوميدي -“محمد حمدي ” و رافقه في العرض الموسيقي المطرب ” محمد الفرجاني”, حيث ظهرت فيه صور شخصية لممثلين و عازفين وفي أسفل الصور كتبت أسمائهم و ظهر في أعلى الملصق اسم الفرقة بخط عريض و في الاسطر التي تلتها نشاهد التقديم و التعريف بالعمل المسرحي و على جانبي هذا التقديم تظهر أسماء العناصر البارزة في العمل المسرحي,إلا أن الغريب في الأمر ظهر بعد تلك الفترة من الزمن ملصق مسرحية (أهل الكهف) الذي طبع في سنة 1966م خلا تماما من أي صورة فوتوغرافية أو رسم يدوي وظهرت أسماء الممثلين و المؤلف و المخرج في توزيعا هندسي من الوسط و على الجانبين, و في أعلى الملصق كالعادة كتب اسم الفرقة و في صدره عنوان المسرحية و ظهرت في الأسفل أسماء الطاقم الفني وأسعار التذاكر للصفوف الأولى و التي تلتها و مواعيد ومكان العرض .. و استمر الحال على ما هو عليه في تصميم الملصق إلى منتصف السبعينيات دون أن يطرأ أي تغير, و خلت هذه الملصقات من أي لمسة فنية في تصميمه بحيث ظهرت كأنها إعلانات وظيفية أكثر منها ملصقات دعائية مما يدل على إن الذين قاموا على تنفيذها هم أشخاص ليسوا مختصين في هذا المجال, ولكن الملصق قد بدأ يأخذ طابعا مختلفا في تصميمه فظهرت ملصقات اعتمدت في تصميمها على الرسوم و الخطوط الدعائية, كما استمر ظهور الصور الشخصية للممثلين ألا أنها اكتفت بصور الإبطال و بعض الشخصيات الرئيسية , وما ميز هذه الملصقات عما سبقها من ملصقات الأربعينيات و الخمسينيات و الستينيات بأنها طبعت بالألوان و صورت برسومات أحيانا كانت كاريكاتيرية تعبر عن فكرة المسرحية في إجمالها ولكن الفترة من النصف الأخير من الثمانينات و إلى نهاية التسعينيات قد جاءت بملصقات حملت على صفحاتها صور فوتوغرافية تصور مشهدا من أحداث العمل المسرحي ,واستعمل الخط الدعائي بشكل جيد بحيث يضفي لمسة جمالية على الملصق,وأخيرا اتخذ الملصق منعطفا آخر في بداية الألفية الثالثة بسبب دخول الكمبيوتر مجالات الحياة و انتشار برامج التصميم و الدعاية ( اﻠﭭرفيك ديزاين) و بروز شباب يحسنون استعمال هذه التقنيات , فظهرت ملصقات تحمل على صفحاتها مشاهد أو أفكار تعبر عن العمل المسرحي و بتصميم بدا إخراجها يعكس روح العصر في شكله و تميزت ببساطة الشكل و اختفاء الصورة الشخصية الجامدة للممثل التي استبدلت بصورة حركية يعبر فيها الممثل عن الدور الذي يلعبه في العمل المسرحي اضف إلى هذا التأثيرات التي أتاحتها تقنية الكمبيوتر , هذه العناصر قد أعطت الملصق ثوبا جديد يمكن أن يقال عنه بأنه يجدب عين المشاهد و يستثير فضوله لمشاهدة العمل وهذا التطور في التصميم يواكب أيضا التطور الذي حدث في العمل المسرحي في كل جوانبه, و من يشاهد منا الملصق الذي قدمتة فرقة الأنوار لعملها (انتحار رائد الفضاء ) و الذي صور رواد الفضاء خارج الغلاف الجوي و تظهر الأرض خلفهم و هم يسبحون بجوار مركبتهم الفضائية , وأقول من يشاهد هذا الملصق سينجذب إليه و سيستهويه مشاهدة هذا العمل لان الصورة تستثير مخيلتنا , و هذا هو الدور الذي يجب أن يقوم به الملصق الجيد لصالح العمل المسرحي و هو دور مهم جدا لان الكثير من الإعمال المسرحية الجيدة نجد أن ملصقاتها لا ترتقي إلى مستواها الفني مما يؤثر بشكل مباشر و غير مباشر على العمل المسرحي ….. و الملصق و وسائل الدعاية الأخرى هي في الحقيقة العنصر الثالث في العمل المسرحي بعد الممثل و الطاقم الفني إن صح التعبير .

  • الممثلة المسرحية في مئوية المسرح الليبي ” 1908 – 2008م” · سعاد الحداد نموذجا بقلم / فاطمة غندور

    الممثلة المسرحية في مئوية المسرح الليبي ” 1908 – 2008م” · سعاد الحداد نموذجا بقلم / فاطمة غندور

     
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-12- نوري عبدالدائم
    **************************

    الممثلة المسرحية في مئوية المسرح الليبي ” 1908 – 2008م” ·
    سعاد الحداد نموذجا
    بقلم / فاطمة غندور

    يتردد في المشهد الثقافي الليبي وتحديدا المسرحي أن عام 1908م شهد أولى البوادر المسرحية الليبية ، والوثيقة المؤرخة لهذا الحدث مقالة بصحيفة ( الترقي) ففي عددها 15 رمضان 1326هـ الموافق 28سبتمبر1908م ،تتضمن إشارة لعرض مسرحي ( حب الوطن) نص كتبه محمد نامق كمال ، وقدمته فرقة الفنان محمد قدري المحامي- بطرابلس – بتاريخ 10 رمضان – 23 سبتمبر1908م ،بل إن أحد عروضها قُدم ليعود ريعه لعمال ميناء طرابلس الذين أضربوا رفضا لإنزال بضائع نمساوية معلنين موقفهم من ضم الامبراطورية النمساوية لمقاطعتي البوسنة والهرسك المُسلمتين ، وبعودة الى دراسات وبحوث الاستاذ البوصيري عبدالله (**)بكونه من انشغل بوثائق الاشارات المبكرة لمسرحنا الحديث يرى أن شاهد الصحيفة ( حب الوطن ) يُثبت أن ( المسرح بمفهومه العلمي الدقيق لم يعرف عندنا إلا في سنة 1908م… مسرحية حب الوطن هي أول مسرحية موثقة في تاريخ المسرح الليبي ) ويؤكد ذلك أيضا بمُراجعته لصحيفة ( أبي قشة 1908م – 1911م لصاحبها الهاشمي المكي ) ففيها ما يشير الى محاذاة عروض مسرحية أخرى لفرق وجمعيات ومؤسسات إجتماعية مختلفة مع العقد الأول من القرن العشرين ، وما من وثيقة تجزم بان ظهور الممثلة الليبية صاحب مئوية الممثل لظروف ليست بخافية عن أحد !.
    في ظل انعدام التوثيق المؤرخ لمسيرة مشاركة الفنانة الليبية في مجال المسرح ـ إلاماندر ـ يظل التداول الشفوي هو المانع للمعلومات الراصدة والتي تأتي من بعض ممن عاصروا أواخر الحقبة الخمسينية تلك المرحلة التي يتم اعتمادها زمنيا لتاريخ بداية المشاركة النسائية بالمسرح الليبي حيث انبرت سيدتان من مدينة درنة :هما حليمة الجملي وسالمة العجيلي بالمشاركة بدورين مسرحيين :جميلة بوحيرد ، وعزة ! ، ولعل للبدايات المبكرة لظهور المسرح بمدينتي طبرق ودرنة بمساهمات محمد عبد الهادي وأحمد الشارف وإبراهيم الأسطى عمر الحافز والمشجع لمغامرتهن المتجاوزة لأوضاع عصية ونابذة ـ إن صح التعبير ـ في ذلك المحيط الاجتماعي بالدرجة الأولى والسياسي والاقتصادي أيضاً..
    فإذا كان الممثلون الرجال قد عانوا من ردود أفعال المستعمر أنذاك فما بالك بإمرأة تحاذيهم في تبنيها لقضايا مهمة ومحركة لقيم المجتمع وما يقع تحت طائلتها ،وفي مبدأها وجودها المسرحي
    وكانت تجربة المرأة في طرابلس وإن كانت بعيدة عن المشاركة المباشرة بالفرق المسرحية ضمن مؤسسات المجتمع المدني ممثلة بجمعية النهضة 1957م والتي انضمت إليها ما يقارب المائة عضوة فاعلة في مختلف المجالات التعليمية والصحية والخدمية والفنية ، حيث تشير الرائدة رئيسة الجمعية صالحة ظافر المدني، والسيدة المعلمة مريومة الطيف أن الأستاذ المرحوم سعيد السراج كتب نصوصا مسرحية ذات الفصل الواحد لعرضها في المناسبات الوطنية والقومية وذكرتا مسرحية بعنوان ( جميلة بو حيرد ) والتي تم عرضها في سينما الهمبرا قبل الإعلان عن جمع التبرعات لمساعدة الشعب الجزائري في محنته والطريف أن مريومة أدت دور الجندي الفرنسي الذي يقوم بتعذيب المناضلة الجزائرية في زمن كان الممثل يؤدي دور المرأة في كثير من العروض المسرحية والإذاعية كذلك .
    وفي استعراض مسيرة الفنانة الممثلة ما ارتبط بجهود فنانين رواد ساهموا في حضورها على ركحه ، ومنهم كاتب الأغنية والدراما والمهتم بالتراث الشعبي الحاج محمد حقيق الذي تعهد عددا من الفنانات بتدريبهن على اسكتشات تمثيلية غنائية تؤدى كفواصل بين المشاهد والفصول المسرحية وقد أكد لي الفنان كامل الفزاني في مقابلتي له بالفرقة الوطنية تبني ( حقيق) لهن رغم بساطة مستواهن التعليمي وما استلزم ذلك من معالجة لحالات القصورالفني لديهن .
    أما الفنان مختار الأسود فيؤكد أنه من أدخل الرائدة الفنانة حميدة الخوجة وأقنع أسرتها وهي من جمعت بين الغناء والتمثيل و الحاصلة على وسام الريادة النسائية التمثيلية من ثورة الفاتح.
    وفي منتصف ستينيات القرن المنصرم جاءت مشاركة الرائدة في الإخراج المرئي الفنانة الممثلة المسرحية سعاد الحداد إبان عودة اسرتها من دمشق ، والتي برزت كنموذج للفنانة المثابرة ومن عملت على تطوير قدرتها واستثمار فرصة وجودها في وسط منحها الاحترام والتقدير والتجربة الحرفية وهي من يلقبها زملاؤها رواد المسرح في طرابلس ، ممن عاصروا مسيرتها بــ(سيدة المسرح الليبي) فلأربعة عقود والممثلة والمذيعة والمخرجة سعاد الحداد تنحت تاريخها الفني دون قطيعة أو كلل ودون ضجيج أيضاً!!، بدأت ممثلة بالإذاعة المسموعة الليبية عام 1966 م وقدمت أول عمل مسرحي مع الفرقة الوطنية بطرابلس (أهل الكهف ) في ذات السنة وكانت إحدى المؤسسات للمسرح الوطني .
    شاركت في عدة مهرجانات منها :-
    -مهرجان المغرب العربي بتونس 1968 ،1974 ،1977.
    -المهرجان الثقافي الأفريقي الأول بالجزائر عام 1969.
    -مهرجان دمشق للفنون المسرحية عام 1971، 1977.
    -الاسبوع الثقافي الليبي بالكويت بمسرحية (الصوت والصدى للمرحوم الاديب عبدالله القويري) .

    لم تخل سنة في بواكير اشتغالها من التواصل بالعمل المسرحي ومن مسرحياتها ما بين 1968 إلى 1977 شجرة النصر، راشمون، تشرق الشمس ، حكاية شاركان في زاره ، شكسبير في ليبيا، الأقنعة ، الصوت والصدى ، وطني عكا، الزير سالم، الأم ، حمل الجماعة ريش ، ،السندباد.
    -عملت بالإخراج بعد دورة الإخراج المرئي 1968 بالإذاعة الليبية حيث اشتغلت مخرجة لنشرات الأخبار والبرامج.
    شاركت في فيلم تاقرفت كممثلة وكذلك ضمن الطاقم الفني كمساعدة مخرج ثم انتقلت إلى الإذاعة المسموعة كمخرجة دراما بدأت مشوارها بإذاعة صوت الوطن العربي الكبير عام 1980م وأسهمت في استقطاب العناصر الجديدة من مذيعين وممثلين – وكنت إحداهن- واستمرت مشاركتها الدائمة في المسرح الوطني ، تحصلت على وسام الفاتح للريادة في عيد الوفاء العيد العشرين كأول مخرجة ليبية في مجال الإخراج المرئي كرمت من قبل اللجنة الشعبية للإعلام بطرابلس في مهرجان أيام طرابلس المسرحية ومن اللجنة الشعبية بالجبل الأخضر بمهرجان المسرح التجريبي ، كما شغلت منصب مدير إدارة التمثيل والإخراج بالإذاعة لخبرتها في المجال الإذاعي تم تعيينها كمتعاونة بعد بدء مرحلة تقاعدها مؤخراً وفي مبادرة مبكرة لتولي امرأة لرئاسة مهرجان مسرحي محلي (وإن تأخرت) تم اختيارها لترأس مهرجان طرابلس المسرحي في دورته الرابعة (1-13-7-2007م) وننشر هنا كلمتها بمناسبة المئوية المسرحية ، وأيضاً لاختيارها كامرأة فنانة وهبت عمرها عاشقة لفن المسرح والتي ألقتها بمسرح الكشاف ليلة الافتتاح لنقرأ من خلالها روح العطاء والتفاني والعصامية ما ميزها كنموذج لفنانة ليبية قدمت فنها بسخاء للوطن. .

    المسرح بيتي ومدرستي

    حضرات الضيوف الكرام وأنا أقف هذا المساء الجميل أمامكم يتملكني شعور غريب بأن خطواتي المرتبكة التي جئتكم بها ليست خطواتي وأن وقفتي المرتعشة هذه ليست بوقفتي الحقيقية والطبيعية لقد كان المسرح خلال سنوات رحلة مدرستي وبيتي وأساتذتي وزميلاتي وصديقاتي وأصدقائي . كنت أحاول أن أسهم معهم جميعاً في حفر خصوصوية مسرح ليبي بقدر ما نستفيد من المسرح العربي والعالمي بقدر ما يكون مسرحاً ليبياً خالصاً يقتحم الواقع الليبي ليواجه قضاياه المعقدة ، وليكون الأستاذ الحقيقي الذي يدفع نحو تقدم حقيقي في جميع مجالات الحياة .
    قد نكون نجحنا وقد يكون نجاحاً منقوصاً .. لكن الذي نعتز به أننا رسمنا بجهدنا وعرقنا ودموعنا وحبنا للمسرح نقطة تستطيع أن تنطلق منها أجيال بعدنا .
    وهذا ما تم تماماً ..فها هي أجيال جديدة ترفع راية المسرح باعتبار أستاذ الشعوب .. أجيال مازالت تنحت في الجبل لكن خطواتها تثير المتابعة والتآمل والاكتشاف والدفع إلى الأمام ..بل أقول إنها تحتاج أيضاً إلى جيل من النقاد يسهم في تصحيح مسار هذه الأجيال الجديدة.
    ولقد كان تكريماً لي أن تم اختياري رئيساً لهذه الدورة من أيام طرابلس المسرحية ، اختيار أعادني إلى أيام البداية الأولى ، وأشعرني أنني مازلت أربط حياتي بهذا الفن الإنساني العظيم .

    على هذا الأساس قبلت الاختيار لأعود إلي المسرح من خلال أيامه الجديدة .. أعايش وأشير وأومئ.. وأعطي جزءاِ من تجربتي الطويلة .
    وأشهد أن هذه الأجيال الجديدة تحمل المسرح في قلبها وعقلها ، وهذا ما يطمئننا إلى الوصول يوماً إلى تحقيق حلم المسرح الليبي الذي نعتز به في الداخل والخارج .
    ولعلني بمناسبة هذا المهرجان المسرحي أطالب باهتمام أكبر بالمسرح الذي لا يتنفس هذه الأيام إلا من خلال المهرجانات السنوية والأيام المسرحية الدورية …إن المسرح يجب أن يكون موجوداً في حياتنا باستمرار ، فالاستمرارية هي التي تخلق الكوادر المسرحية ، وفوق ذلك هي التي توجد للمسرح رواده ،عشاقه وتلاميذه . إنني أشكر هذه المناسبة الطيبة التي أعادتني إلى رحاب المسرح.
    وأشكر الأجيال الجديدة التي بدأت تكشف عن قدراتها وطموحاتها.
    وأشكر ثقافة وإعلام شعبية طرابلس على الاستمرار في تقديم أيام طرابلس المسرحية … وأشكر الحضور الذين سيكونون الدفع لأجيالنا المسرحية لتقوم بمهمتها الإنسانية المتقدمة .

     

     

     

  • الحركة المسرحية الليبية إصرار شغوف ومثابر بقلم / محمد سليمان الزيات..ليبيا مائة عام من المسرح -1-11

    الحركة المسرحية الليبية إصرار شغوف ومثابر بقلم / محمد سليمان الزيات..ليبيا مائة عام من المسرح -1-11

     
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-11- نوري عبدالدائم
    **************************

    الحركة المسرحية الليبية
    إصرار شغوف ومثابر
    بقلم / محمد سليمان الزيات

    إن المتتبع للحركة المسرحية الليبية،سواء عن طريق المشاهدة أو قراءة ماكتب وما يكتب عنها،سوف يخرج بنتيجتين.
    أولاهما:إن إصرارا شغوفا ظل ملازماً للعناصر الفنية التي اهتمت بهذا الفن العظيم،على مساحة زمنية امتدت لقرن من الزمان.شهدت خلاله الحركة،موجات بين مد وجزر،واسمة تلك الحركة بالمثابرة والإصرار اللذين يبعثان في نفوسنا كل احترام وتقدير.
    ثانيهما:تلك العوامل المعيقة التي وقفت دائماً في وجه كل المحاولات دون استثناء.وفي اعتقادي أن أي تقييم لهذه الحركة الفنية لابد وأن يأخذ في الاعتبار مجموعة الظروف المتعددة التي واجهت الحركة المسرحية الليبية منذ النشأة وحتى الآن.
    سواء في ذلك تلك الظروف السياسية المتمثلة في واقع الاحتلال،الذي داهم المجتمع الليبي،والحركة المسرحية الوليدة التي لم يتعد عمرها حينذاك الثلاث سنوات.
    هذا الواقع أو هذا الظرف الاستثنائي الذي أملى على الحركة المسرحية الوليدة ضرورة الكفاح.ومن خلال هذه الضرورة كان على الحركة أن تخوض صراعاً ضد المحتل.الأمر الذي شكل ظرفاً جدليا بين الفن والفنانين من ناحية وسلطة الاحتلال من ناحية أخرى.وهو ماوضع الحركة المسرحية وهي في طور نموها على أرضية اجتماعية وسياسية ساخنة.
    وشتان مابين مناخ كفاحي ساخن وأرضية باردة في تأثير الأولى على حركة الإبداع وسيكلوجيته في الوقت ذاته.إذ لايخفى دور الحماسة الوطنية على الإبداع الفني والدور الذي يمكن أن يلعبه في رفع الوعي بالمسألة الوطنية وجعلها متأججة ومطروحة بإلحاح على الضمير الوطني.
    وكان الظرف الاجتماعى الفارض للعزلة خاصة في النصف الأول من القرن العشرين هو ما ألقى بالصعوبات ضمن عوامل أخرى.أمام تطور تلك الفرق المسرحية التي كانت قد انبثقت من الجغرافيا المترامية للبلاد.
    وما أن انتصف القرن العشرون حتى بدأت العزلة في الانكسار متمثلة في الاتصال والحضور لفنانين وأساتذة مصريين وكذلك الدورات التدريبية بعد ذلك التي حظى بها بعض الفنانين المهتمين بالإخرج والتمثيل المسرحي المبعوثين إلى الخارج وإلى القاهرة خاصة الذين توجهوا إلى المسرح القومي بالقاهرة والزيارات المتعددة لفنانين وأساتذة مسرحيين مخلصين للحركة المسرحية العربية.
    كل ذلك كان من شأنه أن يعمل على دفع الحركة المسرحية الليبية من ممثلين ومؤلفين ومخرجين وإداريين إلى الدخول في مرحلة العلمية،التي هي ضرورية بقدر ما للحماسة والشغف بفن المسرح من أهمية.
    حيث الحاجة إلى الاطلاع على المدارس المتنوعة في الأداء المسرحي وكذلك الوقوف على التخصصات المختلفة من إعداد الخشبة والسينوغرافيا والتفريق بين مهمة المخرج ومدير الغرفة ومصمم الملابس وفني التنكر “المكياج”والصوت وفني الإضاءة..إلخ وكل منها علم لايستقيم العمل دونه فضلاً عن كتابة النص المسرحي المدعوم بمعرفة كل هذه العلوم.
    إلا أن عوامل التعويق ظلت مرافقة للحركة المسرحية الليبية وعالقة بها ولكى نكون منصفين فإن بعضها أخذ في التراجع في السنوات الأخيرة وإذا اعتبرنا أن المسرح يقوم برصد الواقع الاجتماعي السياسي والثقافي في بعض الأحيان فإنه لزام عليه أن يعكس عنصري المجتمع الرجل والمرأة ضمن تقديمه للعلاقات الاجتماعية وجدل طبقاته أو فئاته وشرائحه الاجتماعية.
    وفي هذه النقطة نستطيع أن نقول إن عدة مستويات قد لعبت دوراً في توجيه كتاب المسرح لموضوعات يمكن تسميتها بالثيمات العرفية سطر أو العمل على نص لكاتب عربي.
    ويمكن إرجاع هذا التوجه في الكتابة المسرحية إلى مستوى التطور الاجتماعي حيث عدم بروز طبقات اجتماعية محددة الملامح بسبب طبيعة نمط الإنتاج الريفي وشبه الزراعي والنظام القبلي بقيمه وتقاليده وأعرافه الذي يجد صعوبة في تقبل مثل هذا النوع من الفن،خاصة في مسألة مشاركة المرأة.
    وقد سجلت شهادات بعض الفرق هذه الصعوبة.
    ولكن علينا أيضاً أن نعترف أن خشبة المسرح بدأت تشهد منذ منتصف القرن العشرين وبالتدريج حضوراً مشرفاً لفنانات تركن بصمة على الحركة المسرحية الليبية بل نستطيع أن نقول إنهن في ظرف اجتماعى صعب مثل هذا قد حملن مهمة شق الطريق وتغيير القيم المعيقة،ببطولة وتحد منقطع النظير.الأمر الذي أثر في النظرة الاجتماعية للفنانات وإن لم تكن خالصة بعد،شأنها في ذلك شأن كل المجتمعات الشرقية في النظر بسلبية إليهن بل إلى كل المستغلين بالفن في بعض المجتمعات العربية الأخرى.
    وتعتبر مسألة الرعاية والتمويل من أهم النقاط التي أعاقت استمرارية الفرق المسرحية التي كانت تنبت ثم تموت وتدخل في إغماءة بسبب عدم الالتفات إلى أهمية الدور الحضاري للمسرح وعدم تقدير دوره في إيصال الجماهير للوعي اللازم بمصالحها.
    وفي ظل كل هذه المعوقات التي أدت إلى الحضور المتقطع للمسرح فقد المسرح جمهوره الذي لايمكن له أن يحيا دونه.
    إلا أننا وعلى الرغم من هذا التقطع في الحضور والارتباط المناسباتي ومن خلال مشاهداتنا للعروض التي تعرض في المهرجانات نجد إقبالاً بدأ يتزايد على العروض حتى وإن كان بعض الحضور يوجدون لأسباب أخرى غير مانرتضيه للمسرح وقدسيته إلا أن حركة مسرحية مستمرة وقائمة بشكل مؤسساتي تستطيع أن تحسم مسألة الجمهور بالإيجاب وتخلق فيه تقاليد قائمة على احترام قيمة هذا الفن الرفيع.
    وتساهم في خلق أجواء محبة للفن كما ستتيح للفنانين والفنيين والمخرجين إمكانية الممارسة التي عليها يكون الرهان في بروز مبدعين على كل المستويات يمكن حينها أن نصدر الأحكام عليهم.إنما الآن لانستطيع إلا أن نؤدي واجبنا بمواكبة نقدية ليست مهمتها إصدار الأحكام وإنما تنصب مهمتها في تحليل الأعمال وتبيان مواضع الضعف إن وجدت وهي بالضرورة قائمة وتحتاج إلى من يقرأها بل إلى من يقرأوها أي أننا في حاجة إلى نقد علمي وموضوعي يواكب هذا الشغف الجميل المحب لتحمل أعباء ومعاناة الفن المسرحي.

     

     

     

  • بقلم / محمد بنور..المسرحي شعبان القبلاوي..” خير المسارح ما كان مدرسة للناس “

    بقلم / محمد بنور..المسرحي شعبان القبلاوي..” خير المسارح ما كان مدرسة للناس “


    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-10- نوري عبدالدائم
    **************************
    المسرحي شعبان القبلاوي..” خير المسارح ما كان مدرسة للناس ”
    بقلم / محمد بنور

    -إذا كان المسرح العربي أنجب العديد من عمالقته،.فلابد أن نذكر أن أحدهم هو الفنان الليبي القدير شعبان القبلاوي الذي يعتبر أحد هؤلاء العمالقة،بعد أن انطلق مسرحياً سنة 1946م من خلال النشاط المدرسي في أول مدرسة ثانوية تم افتتاحها بمدينة طرابلس،بعد فترة الحرب العالمية الثانية حينما شارك في مسرحية”الأمين والمأمون”تأليف وإخراج محمد بن مسعود وكذلك مسرحية “حذق الطبيب”بعدها واصل القبلاوي رحلته مع المسرح فالتحق بعدد من الفرق الأهلية،كانت البداية مع فرقة نادي الاتحاد الرياضي الثقافي الاجتماعي،وفرقة الإخاء المسرحي وأخيراً اختار الفرقة القومية للتمثيل كمحطة نهائية في تنقله بين الفرق واستقر بها إلى وقتنا هذا رغم ابتعاده عن المسرح في السنوات الأخيرة..
    “المسرح القومي”الوطني حالياً”وأول مشاركة خارجية
    -عين الفنان شعبان القبلاوي بفرقة المسرح القومي”الوطني حالياً”بحكم وظيفته بقطاع الإعلام في تلك الفترة،بعد أن قام بتأسيسها مع نخبة من المسرحيين الليبيين كما تم اختياره ضمن اللجنة الفنية التي تم تشكيلها في ذلك الوقت من أجل تأسيس فرقة المسرح القومي وفي مختلف المدن الليبية،كان أول من حقق مشاركة مسرحية ليبية ناجحة بالمهرجانات المسرحية العربية فكانت البداية من خلال مهرجان قرطاج للفنون المسرحية فقدم ضمن فعالياته العرض المسرحي “حسناء قورينا”هو العرض الذي أبهر عشاق المغرب العربي لما تميز به العرض من إبداع مسرحي ليبي..وكانت قد قدمته فرقة المسرح الوطني بطرابلس..
    “أبرز الأعمال المسرحية”
    -عرفه جمهور المسرح من خلال أبرز أعماله المسرحية المتمثلة في “جناب المفتش،مايصح إلا الصحيح،الزير سالم،شكسبير في ليبيا،حسان وهذه الأخيرة هي المحطة التي توقف بعدها عن الوقوف على خشبة المسرح والتي قدمتها فرقة المسرح الوطني بطرابلس سنة 2000م.
    وقد حفلت رحلته الفنية بالعديد من الأعمال المسرحية التي كان قد بدأها في العام 1946،ولتاريخه الفني الحافل بالأعمال الفنية وقدرته الإبداعية في تقمص الشخصيات اختاره الكثير من المخرجين العرب والليبيين وساهم معهم في تقديم وظهور عدد من الأعمال الفنية المختلفة والمتنوعة..
    “خير المسارح”
    -وعن المسرح دائماً يقول بأنه أنواع وخير المسارح ماكان مدرسة للناس،لقد اكتسب من خلال تجاربه في الأعمال الفنية العربية خبرة كبيرة،عرف من خلالها الكثير والكثير في مجال الفنون والإبداع.
    “ابتعاد وعودة وابتعاد..”
    -ابتعد عن المسرح لفترة رأى أن تكون فيها وقفة تأمل ومحاسبة إذ هي ضرورية من وقت لآخر،وبعد رحلة طويلة من التألق رجع لبيته الثاني “المسرح”عشقه الأول والأخير بعد أن تم تكليفه مديراً عاماً لفرقة المسرح الوطني بطرابلس مع بداية العام 2001،ولفترة قصيرة لم تكن كافية لتقديم الجديد،ابتعد من جديد وبإرادته لأنه يرى أن الفنان لايكون فوق كرسي الإدارة بل على خشبة المسرح،ليقدم الفن الإبداعي ماهو جديد ومفيد،ورغم ابتعاده عن المسرح إلا أنه يحن إليه كثيراً من خلال وجوده المستمر في العروض المسرحية والمهرجانات الموسمية كلما حانت الفرصة لذلك..

  • مصطفى الأمير وإبراهيم بن عامر يحكيان قصة المسرح ..قصة المسرح في ج. ع. ل حوار / محمد بالحاج

    مصطفى الأمير وإبراهيم بن عامر يحكيان قصة المسرح ..قصة المسرح في ج. ع. ل حوار / محمد بالحاج

     
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-9- نوري عبدالدائم
    **************************

    مصطفى الأمير وإبراهيم بن عامر
    يحكيان قصة المسرح قصة المسرح في ج. ع. ل
    حوار / محمد بالحاج
    من خلال اللقائين اللذين أجرتهما المجلة مع المخرج والكاتب المسرحي العربي الليبي “مصطفى الأمير” والممثل المخضرم “إبراهيم بن عامر” تمكنا إلى حد كبير من أن نرصد حركة المسرح العربي الليبي وتطوراته التي بدأت منذ أربعين عاماً تقريباً، الأمر الذي يتضح منه أن الحركة المسرحية في ج.ع.ل لم تكن معزولة عن الحركات المسرحية في العالم بشكل عام، وفي الوطن العربي بشكل خاص، والأمل كبير في أن تنشط الحركة المسرحية وأن تؤتى ثمارها في ظل ثورة الفاتح من سبتمبر التي أعطت للفن والفنانين الدعم والإمكانات التي تمكنها من أن تلعب دورها التثقيفي على المستوى المحلي والقومي.
    * المسرح في ج. ع. ل
    يقول مصطفى الأمير:
    يمكن تقسيم المسيرة المسرحية في ج. ع. ل إلى ثلاث مراحل:
    الأولى: مع احتلال الإيطاليين الفاشست لأرضنا.
    والثانية: مع بداية ظهور الفرق المسرحية الأهلية.
    والثالثة: مع قيام ثورة الفاتح من سبتمبر وصولاً إلى تاريخ إنشاء أول نقابة للفنانين في ج. ع. ل.
    * “المرحلة الأولى”:
    لقد كانت فرقة طلائع خريجي الفنون والصنائع هي النواة الأولى في طرابلس، غير أنه كثيراً ما نما إلى علمي أن مجموعات من الشباب المثقف كانت تجتمع من حين إلى آخر، وبعد أن يقع اختيارهم على أحد النصوص كانوا يقومون بتقديمه، وكثيراً ما يلاقون المصادرة من سلطات الاستعمار الإيطالي لما كانوا يقدمونه من مسرحيات وطنية مثل (صلاح الدين الأيوبي) و(معركة اليرموك) الأمر الذي أدى إلى عدم مواصلتهم العمل في هذا المجال وبالتالي كان من الصعب التعرف على الأسماء المنضمة لتلك المجموعات المثقفة خاصة وأنها لم تكن فرقا مسرحية بالمعنى المعروف.. سبب آخر في عدم ذيوع أسماء هؤلاء كرواد للمسرح الليبي أنهم لم يستعملوا أسماءهم الحقيقية حيث كان من المستهجن اجتماعياً أن يشتهر أحد بالتمثيل أو الغناء في ذلك الوقت.
    * فرقة الفنون والصنائع:
    لهذا فإن فرقة الفنون والصنائع تعتبر النواة الحقيقية لقيام المسرح الليبي وقد قدمت الفرقة عدداً لا بأس به من الروايات والاسكتشات وقد أسهم في هذه العروض فنان مصري كبير حضر من القاهرة وكان برفقته فتاتان.. وقد ظلت الفرقة تقدم عروضها المسرحية منذ عام 1936 حتى عام 1939م حيث بدأت الحرب العالمية الثانية:
    * فرقة نادي العمال:
    ظهرت الفرقة إلى الوجود حوالي عام 1940م وقد ركزت اهتمامها على “الكوميديا” والعروض الفنية إذ كان لديها فرقة موسيقية ثابتة وهي فرقة “إذاعة ماركوني” في ذلك الوقت، والجدير بالذكر أن معظم أعضاء الفرقة الموسيقية كانوا من خريجي مكتب الفنون والصنائع، وقد استمر نشاط فرقة نادي العمال حتى عام 1947م حيث حدث انشقاق داخل مجلس إدارة النادي مما دعا إلى حله، وبما أني كنت أحد أعضائه فقد غادرته إلى نادي الشباب وذلك بعد أن قدمت على خشبة مسرحه _أي مسرح العمال_العديد من الفكاهة الهادفة التي كانت بداية لحياتي في عالم الفن والمسرح.
    * فرقة نادي الشباب:
    كان النادي يقع بباب البحر وكان نادياً رياضياً صرفا إلا أنه أثناء فترة التحاقي به تقرر دمجه في نادي النهضة وتكون منهما “نادي الاتحاد” الذي ضم خيرة الشباب.. ومنذ تاريخ تكوينه وتكوين فرقة مسرحية خاصة به، شاهد جمهور طرابلس عروضاً عديدة لا أعتقد أن من شاهدها بإمكانه أن ينسى الجهد الذي بذل من أجل الوصول بها إلى المستوى الرفيع من الأداء والاخراج في ذلك العهد، لقد كان مدير الفرقة عمر الباروني ومن أعضائها فؤاد الكعبازي وكمال سعيد ونجاتي السراج وأبناء الشكشوكي..
    * ومن أهم المسرحيات التي قدمتها الفرقة:
    ليبيا سنة 2000 – طارق بن زياد – وقد شاهد المسرحية الاخيرة ما يزيد على 3500 متفرج واشتراك في تمثيل المسرحية 80 ممثلًا.
    * فرقة نادي النهضة:
    وقد كانت بدايتها مع فرقة نادي العمال تقريباً وقد ركزت اهتمامها على المسرحيات التاريخية مثل مسرحية (روح الجهاد في الإسلام) إلا أنها بالرغم من ذلك قد حافظت على العادة التي كانت متبعة في ذلك العهد، وهي تقديم فصل فكاهي عقب نهاية كل عرض، وقد كان (خليفة ماعونة) و(ظافر حورية) بطلي هذا الفاصل.
    * المرحلة الثانية:
    بدأت هذه المرحلة بظهور الفرقة الاهلية ولعل أهمها الفرقة القومية التي تأسست عام 1951 وانضم إلى هذه الفرقة عند تأسيسها أكثر الشباب قدرة في هذا المجال ومن أولى الاعمال التي قدمتها كانت مسرحيات (الدنيا ساعة بساعة – نكران واعتراف – الوارث) وكلها من تأليف وإخراج سعيد السراج وقد كان مقر الفرقة آنذاك بسوق الترك وكانت الفرقة تصنع المناظر من أكياس الاسمنت ويمكننا القول إن مؤسسي الفرقة القومية هم:
    – البهلول الدهماني.
    – شعبان القبلاوي.
    – إدريس الشغيوي.
    – سعيد السراج.
    – نوري المغربي.
    – عبد السلام العجيلي.
    ومع أول انتخابات حدثت بالفرقة انتخبت (أي مصطفى الامير) مديراً لها ولا أزال أحمل تبعة هذا المنصب في الفرقة منذ ذلك التاريخ حتى الآن.
    وفي هذه الفترة ظهر الكثير من الفرق واختفى الكثير منها أيضاً.. ومن الفرق التي ظهرت في عالم المسرح في تلك الفترة:
    – فرقة الجيل الصاعد.
    – فرقة الأمل.
    – الفرقة الوطنية.
    – فرقة النهضة المسرحية.
    – فرقة الأنوار.
    – فرقة المسرح الليبي.
    أما أسباب اختفاء بعض الفرق أو الكثير منها فهو يرجع إلى:
    الاول: الإمكانات المادية.
    الثاني : العروض الهزيلة التي كانت تقدمها بعض هذه الفرق على عكس ما تعوده الجمهور من فرقة نادي الاتحاد.
    ويتحدث (مصطفى الامير) عن تجربته في الفرقة القومية فيقول:
    (بدأت تجربتي مع الفرقة منذ خمسة وعشرين عاماً وقد مرت الفرقة بالعديد من الازمات ولكنها لم تيأس.. ولم تفشل، والدليل على ذلك استمرار وجودها حتى هذه اللحظة وقد ناضلت الفرقة حتى تم لها بناء قاعة للمسرح (يوجد مكانها الآن جناح ج.ع.ل في أرض المعرض) ولا يمكن تصور العناء الذي لاقيناه في جمع التبرعات ومراجعة الدوائر الحكومية من أجل الحصول على مقر لقد نقل من مجرد دكان إلى مسرح حقيقي وقد قدمت الفرقة منذ قيامها ما يزيد على 36 مسرحية منها 8 مسرحيات عالمية والبقية من تأليفي وإحياناً من تأليف شرف الدين.
    المرحلة الثالثة:
    وتبدأ هذه المرحلة بقيام ثورة الفاتح من سبتمبر وأهم السمات المميزة لهذه الفترة:
    * تكوين الهيئة العامة للمسرح.
    * إنشاء نقابة الفنانين.
    وقد قامت الهيئة بتجربة دمج الفرق الذي تفاءلنا به في البداية اعتقاداً منا بأن لدى الهيئة العامة للمسرح فكرة رائعة لا ندركها من وراء القرار ولكن تجربة دمج الفرق قد فشلت فقد ولدت هيئة المسرح وتقوقعت على نفسها داخل الملفات والاوراق والمكاتب وقد كان من الممكن للهيئة أن تلعب دوراً أساسه دراسة واقعية لحقيقة الحركة المسرحية في بلادنا هذا بالاضافة إلى أنها ركزت جل اهتمامها على الفنون الشعبية مما جعل حذف كلمة المسرح من اسمها شيئاً طبيعياً وما لم يوجد مخطط شامل للعمل المسرحي فسيظل الفشل ملازماً لأي نشاط كما أنني أدعو إلى إنشاء معهد عالٍ للتمثيل يعامل خريجوه على قدم المساواة مع خريجي المعاهد العليا والكليات.
    * القرارات لا تصنع مسرحاً:
    لقد كانت تجربة دمج الفرق تجربة فاشلة اتخذ فيها قرار غير مدروس من هيئة المسرح وقد أعطاها القرار الحق في الاستيلاء على مقار الفرق وأثاثاتها وتغيير أسمائها بل ونقل أعضائها دون أن يكون من وراء ذلك خطة لتنظيم الحركة المسرحية أو متابعتها والاهتمام بها.. وقد أدى ذلك إلى انسحاب الكثير من القدرات الفنية، وباختصار فإن القرارات لا تصنع مسرحاً والدليل على ذلك أنه تم حل الفرق المندمجة بعد سنتين من فشل التجربة.
    * فرقة المسرح الوطني:
    فرقة متفرغة تصرف لها مرتبات من الدولة وللاسف فإن عملها يكاد يكون موسمياً يبدأ في الخريف وينتهي مع بداية الصيف حيث يجب أن يقام مهرجان سواء أكان على مستوى الجمهورية أو الوطن العربي.
    إن المسرح الوطني مسؤول عن عدم وجود مسرح يعمل باستمرار.. طوال أيام العام.. حتى لو اضطره إلى تقديم عروضه للمقاعد.. ومع ذلك.. فإن الأعمال التي قدمها منذ انشائه -على قلتها- كان معظمها رائعاً وناجحاً.
    * نقابة المعلمين:
    وهي من العلامات المميزة لفترة الثورة، فقد تكونت في نهاية عام 1976م، وقد انتخبت فيها نقيباً للمخرجين المسرحيين، ولا أملك إلا أن أقول أن هذا الحدث قد انتظره الفنان الليبي طوال عمره، وتقع على هذه النقابة مسؤولية الخروج بالحركة الفنية من حالة الركود التي تعانيها، وعلى كل فنان عضو بها أن يبذل كل جهوده في هذا الشأن.
    إن تكوين نقابة الفنانين مفخرة من مفاخر ثورة الفاتح العظيمة التي أرادت للفن أن يأخذ مكانه الطبيعي في مجتمعنا.
    وفي حديثنا مع “إبراهيم بن عامر” تتضح أبعاد وتطورات الحركة المسرحية في “بنغازي”، فقد عاشت الحركة المسرحية في بنغازي حياة نشطة منذ عام 1939م حتى يومنا هذا والتاريخ للحركة المسرحية في ج.ع.ل لا ينفصل بأي حال عن الحركة المسرحية التي اتسعت رقعتها في “بنغازي”.
    بدأت أول فرقة مسرحية في بنغازي عام 1936م وكان مؤسسها رجب البكوش، وقد كانت بداية حياتي المسرحية مع هذه الفرقة أنا و”حسن فليفلة” الذي عمل مدرباً بالفرقة ومخرجاً لها.. والغريب أننا في ذلك الوقت لم نكن نملك مسرحاً وكنا نقدم العروض على شاطئ البحر ولهذا اتخذت الفرقة اسم (فرقة الشاطئ). وعندما حضرت المهرجان المسرحي في دمشق دار حول مسرحية قدمتها إحدى الفرق اللبنانية بدون خشبة مسرح وبدون مناظر وهم يسمون هذا النوع من المسارح (المسرح التجريدي) وقد قلت في هذا المهرجان بأننا قد سبقناكم حيث قدمنا هذه التجربة في بنغازي عام 1936. وليس غريباً أن قمنا بهذه التجربة بطريقة عفوية مما يؤكد صدق الإحساس الفني لدى الليبيين. فقد شهدت ليبيا ازدهاراً مسرحياً يرجع إلى عصور قديمة تعلن عنها آثار الفينيقيين والرومان والإغريق وهم خير شاهد على ذلك.
    وبالإضافة إلى نقص الإمكانات المادية التي كانت الفرقة تعانيها، فقد كنا نتحايل لتفادي الاصطدام بسلطة الاستعمار الإيطالي الذي كان يحارب اللغة العربية إذ كان يحارب أي نشاط فني، بل كان يحارب اللغة العربية إذ لم يكن بالإمكان أن تزيد حصة اللغة العربية في المدارس عن ساعة واحدة في الأسبوع.
    وقد كان أول مسرحية اشترك في تقديمها مسرحية (راعي الغنم) وتتلخص في أن الذئب يظل دوماً في انتظار أن ينام الراعي لكي يفترس أغنامه، وقد كنا نرمز به إلى الاستعمار الإيطالي الذي اكتشف بالفعل ما يمكن أن تثيره هذه المسرحية من انفعالات لدى الجمهور فسارع إلى مطاردة الفرقة ومنعها من عرض المسرحية.
    * الاستعمار الإيطالي والمسرح:
    إن أول شيء أقدم الاستعمار الإيطالي على إنشائه هو الملاهي، وقد أنشأ بعض دور العرض ولكن ليس لغير الإيطاليين ولم يكن لليبي الحق في ارتياد هذه الدور، وقد أسهم هذا في بعث الحماس فينا، فاغتنمت الفرصة وكونت فرقة مسرحية من بعض العناصر الشابة وعملت بها مديراً ومخرجاً ومؤلفاً، وبهذا أصبح عدد الفرق اثنين، وقد سمح الإيطاليون لنا بالعمل، وقد اكتشفنا أنهم يقصدون أن تتصارع الفرقتان ويدب الخلاف بينهما الأمر الذي يعطيهم الحق في حلهما حينما تسنح الفرصة بذلك، ولكننا خدعناهم، فقد كنا في الظاهر منفصلين، ولكننا في الحقيقة كنا متفاهمين فيما بيننا تماماً.
    ومن المسرحيات التي قدمت مسرحية (اللحظات الأخيرة من حياة سكير) وهي من تأليفي وكنت استهدف بها محاربة تعاطي الخمور التي كان الاستعمار الإيطالي يعمد إلى نشرها.
    وكانت (قاتل أخيه) هي المسرحية الثانية التي تعمل على مناهضة أفكار الاستعمار وأهدافه في بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
    وكنا إلى جانب ذلك نقدم أشعار “رفيق المهدوي” الوطنية بعد أن نقوم بتلحينها وتقديمها على خشبة المسرح مع نهاية كل عرض، ولم يدرك الاستعمار ما كانت تحويه تلك الأشعار من حماس ومشاعر وطنية.
    * مسرحية في درنة:
    وفي هذه الأثناء، قامت أول فرقة مسرحية في درنة، وقد أسسها “محمد عبد الهادي” وعمل معه “أنور الطرابلسي” ولكن النشاط المسرحي بها ظل ضعيفاً ربما لأن الشعر قد بدأ يحتل مركزاً رئيساً، بدأ في المبارزات الشعرية العديدة التي كان فرسانها:

    – أحمد رفيق المهدوي.
    – إبراهيم الأسطى عمر.
    – محمد عبد القادر الحصادي.
    – أحمد الشارف.
    أما الدعاية للمسرح فقد كانت فريدة في نوعها فقد كان يقوم بها (الفرجاني بن حريس) الذي لعب دوراً مهماً في الحركة المسرحية في بنغازي فقد كان يذهب إلى ميدان الحدادة وإلى سور المدينة ومداخلها منادياً ومعلناً عن العرض المسرحي، لقد كان الفرجاني أحدث وسيلة للإعلان عن المسرح في ذلك الوقت.
    * المسرح المرتجل بداية المسرح في ليبيا:
    يقول “إبراهيم بن عامر” في معرض الحديث عن بدايات المسرح الليبي أنه بدأ يقدم عروضه ارتجالياً دون نص مكتوب ودون حفظ للحوار، ثم تطور بعد ذلك إلي حفظ الحوار إلي أن وصل إلي مرحلة التأليف المسرحي بمعناه الحديث وقد وصلنا اليوم إلى نوع من المسرح أسميناه (مسرح المعركة) وهو يقدم عروضه في ميادين المعسكرات بدون خشبة مسرح وبدون مناظر.
    العروض المسرحية التي قدمت في بنغازي من عام 1936م- حتى 1950م:
    1- الوفاء العربي.
    2- قاتل أخيه.
    3-فرج الزواق.
    4- راعي الغنم.
    5- اللحظات الأخيرة من حياة سكير.
    6- الملاكم الشفوي.
    7- الملح على الطاولة.
    8- الحب والحيلة.
    9- طرح الزرده.
    10- البخيل.
    11- الأعمى والمقعد.
    12- سيدي الرفيق.
    13- هارون الرشيد.
    14- الأمين والمأمون.
    15- أميرة الأندلس.
    محمد بالحاج
    ج. ع. ل

  • الفنان بشير عريبي .. إعداد / مختار الأسود..ليبيا مائة عام من المسرح -1-8

    الفنان بشير عريبي .. إعداد / مختار الأسود..ليبيا مائة عام من المسرح -1-8

     
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-8- نوري عبدالدائم
    **************************

    الفنان بشير عريبي ..
    إعداد / مختار الأسود
    الفنان (بشير عريبي) احد المبدعين الذين أعطوا لفن المسرح الكثير كما ساهم في مسيرته بعطاءات هامة كممثل بارع شد انتباه المشاهدين بأدائه وتعبيره وصدقه وإحساسه.
    (بشير عريبي) من طلبة مدرسة (الفنون والصنائع الإسلامية) درس على يد الشيخ (علي سيالة) و(علي البكباك) وواصل تعليمه حتى تخرج من المدرسة الإسلامية العليا عمل مترجماً قانونياً للغة الإيطالية بالمحاكم ثم موضفاً (بالارشيف) المحفوظات ببلدية طرابلس وظل بهذا المجال حتى أصبح مديراً له.
    كان مهتماً بفن المسرح وتاريخه وساعده قسم محفوظات (ارشيف) البلدية على ذلك كان مديراً للفرقة الوطنية للتمثيل في تأسيسها الثاني في الأربعينيات وفي تأسيسها الثالث عام ١٩٥٦ مسيحي.
    اشتهر بتمثيله لدور المرأة في غياب العنصر النسائي وقد أدى دور المرأة في العديد من المسرحيات وكان مجيداً ومقنعاً في أدائه لدور المرأة.
    في عام ١٩٤٥ مسيحي مثل دور الأم في مسرحية (القادسية) التي أخرجها الدكتور (مصطفى العجيلي) ومثل فيها إلى جانبه (مختار الأسود) و(إبراهيم الفلاح) و(الصادق أبوهدره) و(علي القريتلي).
    في عام ١٩٥٦ مسيحي مثل (بشير عريبي) دور المرأة في مسرحية (طيش الشباب) تأليف وإخراج (محمد حمدي) وقد شارك بالتمثيل في هذه المسرحية (إبراهيم المقهور) و(محمد عزيز) و(حسن يوسف الشربيني) وقد عرضت هذه المسرحية بدار عرض الغزالة كما عرضت في مدينة الزاوية وقد كتب عن هذه المسرحية الأديب (علي مصطفى المصراتي) في جريدة (طرابلس الغرب) يقول : “نحجت المسرحية فنياً ولم تنجح مادياً”.
    في عام ١٩٦٠ مسيحي شارك الفنان (بشير عريبي) في تمثيل مسرحية (طريق الشيطان) تأليف وإخراج (محمد حمدي) ولكن هذه المرة ليس في دور امرأة بل في دور تاجر.
    وفي هذه المسرحية ظهرت الفنانة المسرحية المعروفة (حميدة الخوجة) لأول مرة على خشبة المسرح بعد ذلك مثل في مسرحية (ثمن الحرية) التي كتبها الأستاذ (عبدالمنعم دياب) وهي مسرحية تحكي كفاح الشعب الجزائري وقد عرضت في مسرحي (الغزالة) و(الحمراء) سابقاً (الخضراء) الآن في ١٦-٣-١٩٦١ مسيحي.
    وبعد ذلك مثل في مسرحية (يا ندايمي) دور قاضي محكمة شرعية وهي المسرحية التي ألفها وأخرجها الفنان (مختار الأسود).
    ثم مسرحية (خليها في سرّك) والفنان (بشير عريبي) كان يمتاز بالطيبة ومساندة زملائه الفنانين وكان كريماً دقيقاً في مواعيده يداوم على حضور العروض المسرحية مشجعاً للفنانين.
    ساند الشعب العربي الليبي الثورة الجزائرية مساندة كبيرة وبذل كل ما في وسعه من أجل انتصار هذه الثورة ومن أجل أن تشرق شمس الحرية على سماء الجزائر وقد طالت هذه المساندة مختلف المجالات وكان الفن أحد هذه المجالات حفلات فنية كثيرة وكثيرة عروض مسرحية عديدة لجمع التبرعات لصالح الثورة الجزائرية.
    ألف كتاب (الفن والمسرح في ليبيا) نشرته له (الدار العربية للكتاب) ويعد هذا الكتاب وثيقة هامة من وثائق المسرح الليبي.
    توفى الفنان (بشير عريبي) الذي ولد عام ١٩٢٢ مسيحي يوم الاثنين ٢٧-٤-١٩٩٢ مسيحي.

  • نشأة المسرح العربي الليبي بقلم / عبدالحميد المالطي ..ليبيا مائة عام من المسرح -1-7

    نشأة المسرح العربي الليبي بقلم / عبدالحميد المالطي ..ليبيا مائة عام من المسرح -1-7

     
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-7- نوري عبدالدائم
    **************************

    نشأة المسرح العربي الليبي
    بقلم / عبدالحميد المالطي …
    سيكون من الضروري جداً، حين الشروع في الكتابة عن نشأة المسرح العربي الليبي، والرجوع إلى الخلف زمنياً نحو نصف قرن، أي إلى سنة ١٩٢٦م، إذ بدأت في فجر تلك السنة، بوادر أول حركة مسرحية في البروز، حيا حبتها بشكل ظاهر ، غيبة كثير من القواعد والأسس المسرحية المتعارف عليها، وذلك بفعل وجود المستعمر الغاشم، الذي كان يقف في وجه أية فرصة للتعلم أمام أبناء الوطن، وخاصة في مجال الفن بصفة عامة، والمسرح على وجه التخصيص، لعلمه ـ أي المستعمر ـ بمدى خطورة تطور الفن على وجوده، وما يمكن أن يهدده مستقبلاً، إذا ما نما هذا الفن وتطور، فالمسرح كان دائماً، وسيبقى وجه المجتمع، وجبين الوطن، يعكس آراءه، ويترجم مطالبه، ويدافع عن حقوقه ويبصره بواجباته، ويعبر عن قضاياه.
    ووسط ذلك الهجوم العاصف، الذي كان يقف وراءه المستعمر بكل ثقله، مخططاً ومدبراً ومنفذاً، كانت الجهود المتواضعة الفاعلة، تبذل بلا كلل، لخلق حركة مسرحية قادرة على التطور ، بوسعها أن تقدم عطاء فنياً يؤمن القائمون عليه إيماناً راسخاً بقدسية رسالتهم. وما يجب أن تعمد به من جهود لا حدود لها. ولقد كانت مبادئ جليلة عظيمة، تتمثل في الحب والصدق والاخلاص، هي الزاد الرئيس، لبداية تلك الحركة المسرحية الناشئة. وبدأت من هذه النقطة بالذات أول خطوات المسيرة.
    ـ هجوم ضار يشنه المستعمر متمثلاً في قفل كل الأبواب، وخنق كل المحاولات، وترصد المواطنين الذين التهبوا حماساً من أجل إعلاء شأن القضية الفنية ، وتحويلها إلى عامل فاعل في كل المجتمع .
    ـ ومقاومة حقيقية، سلاحها الوحيد والفعال، ذلك الحب المتفجر، والاخلاص العميق، والرؤية الواضحة، والصدق المتناهي، من أجل أن تتحقق الفكرة الكبرى، في قيام حركة فنية مسرحية قادرة على ترجمة وقائع الأحداث، والقضايا، والمشكلات، والرؤى والتصورات ، والحلول . وكل ما يخص القضية الوطنية بالدرجة الأولى.
    ـ صراع غير متكافئ ماديا
    لكن الغلبة تبقى في النهاية دائماً للشعوب. هي وحدها التي تعيش، وتحول كل ما يقف في طريقها إلى مجرد انقاض، وتفتك بكل المحاولات غير الشريفة، وغير العادلة، وتحيلها حطاماً على جوانب الطرقات، وتنتصر.. لأنها دائماً هي مصدر الحق، ومدافع عن الظلم، وناصر للعدالة.
    وتلك المرحلة المهمة التي بدأت منذ نصف قرن، تحتاج بالتأكيد إلى الوقوف عندها، ونقاش ظروفها وتسليط الأضواء على أولئك الأفذاذ الذين حملوا لواءها. والحق أن الفنان : (إبراهيم مفتاح العريبي) من المسرحيين الذين اجتهدوا من أجل تحقيق ثقافة مسرحية جيدة، ويعتبر من قبل الكثيرين الذين انخرطوا في هذا المجال، مرجعاً جامعاً، في وسعه أن يعطي الكثير حين تأتي المناسبة للحديث عن المسرح العربي الليبي.
    تحدث الأخ العريبي عن مسرحنا قائلاً:ـ
    في سنة ١٩٢٦م، أنشأ المرحوم (محمد عبدالهادي) مع زملاء له، فرقة مسرحية في (طبرق) التي تبعد نحو (٦٠٠) كلم إلى الشرق من مدينة بنغازي ، وذلك بعد أن عاد من بيروت في سنة ١٩٣١مسيحي، ثم انتقل الفنان (عبدالهادي) إلى مدينة درنة ، حيث أنشأ فرقة مسرحية مع زملائه: (رجب البكوش ـ وابراهيم بن عمر ـ وأنور الطرابلسي ـ وأحمد النويصري)، بدأت الأنشطة المسرحية تظهر في مدن طرابلس وبنغازي ومصراتة.
    بعدها تكونت فرقة (مدرسة الفنون والصنائع) التي أسسها المرحوم (أحمد قنابة)، وكانت على رأس الفرق المسرحية التي تصدت لمحاولات الاستعمار الجاهلية، وقد صاحبت تلك الحركة المسرحية النشطة، حركة أدبية مكثفة، انطلقت من المنتديات والجمعيات كجمعية (عمر المختار، ونادي النهضة، ونادي العمال) .
    في سنة ١٩٥١مسيحي، هدأت العاصفة السياسية قليلاً، وبدأت حركة انتعاشية في جسم الحركة المسرحية، وشرعت المسارح المتخصصة في تقديم أعمالها وكانت في مقدمة تلك الفرق المسرحية فرقة (هواة التمثيل بدرنة) التي تأسست في سنة ١٩٣١م، و(الفرقة الوطنية بطرابلس) والتي تأسست في سنة ١٩٣٦م و(المسرح الشعبي في بنغازي) الذي تأسس سنة ١٩٣٦م، ثم توالت بعد ذلك الفرق المسرحية في التكون، والبروز، فكانت الفرقة القومية عام ١٩٥٢م في طرابلس وفرقة الأمل بطرابلس أيضا عام ١٩٥٧م وفرقة شباب مصراتة التي تكونت عام ١٩٦٠م بنادي الاتحاد بمصراتة، ثم فرقة الجيل الصاعد بطرابلس عام ١٩٦١، ثم فرقة الشباب للتمثيل في بنغازي عام ١٩٦٢م ثم فرقة المسرح الجديد سنة ١٩٦٥م والتي أطلق عليها فيما بعد اسم المسرح الليبي ثم فرقة المسرح العام في بنغازي عام ١٩٦٨م ففرقة الفن المسرحي بطبرق عام ١٩٧٠م وفرقة المسرح الحر في طرابلس ، وفرقة ، وفرقة المرج للتمثيل وفرقة الخليج باجدابيا جميعها تأسست عام ١٩٧٠م ثم فرقة سبها المسرحية عام ١٩٧١ وفرقة مسرح الأنوار بطرابلس عام ١٩٧٢م ثم تكونت بالزاوية فرقة أهلية جديدة باسم فرقة الزاوية المسرحية عام ١٩٧٣م.
    النشاط المسرحي وانتشاره:
    يعتمد تزايد النشاط المسرحي أساساً على مدى توافر امكانات هذا النشاط وإذا ما أردنا أن نحصر ما يمكن أن يكون من (المسببات أو شروط قيام المسرح) يتعين علينا ذكر مايلي :
    الممثلون:
    وهم العنصر الذي يعتبر من أهم العناصر على الإطلاق فلا مسرح بلا ممثلين والحق أن جملة الممثلين تغلب عليهم محبة المسرح ولذا فهم من الهواة لا يدفعهم سوى استعدادهم وعشقهم لهذا الفن العظيم .
    المخرجون:
    وأغلب المخرجين المسرحيين في (ج.ع.ل) من الهواة أيضاً وممن صقلتهم التجارب المسرحية العديدة ومارسوها عن تفاهم وإدراك واستوعبوا كل أبعاد المسرح من خلال دراساتهم الخاصة وإطلاعهم الشخصي فمنهم من أخرج أعمالاً من المسرح العالمي ومنهم من تخطى في أسلوبه الحائط الرابع ومنهم من أجاد أسلوب التجريد في طريقة تمثيل العمل المسرحي .
    الفنيون:
    وهذا الجهاز يشرف عليه في (المسارح الوطنية) متخصصون أما في الفرق الأهلية فيتكون في الواقع من الهواة الذين هم من بين أعضاء الفرق والأجهزة الفنية وذلك لا يخفى على أحد وتحتاج إلى من يكون متخصص متخصصاً أكاديمياً يمنحه فرصة العمل بشكل أفضل وأكثر علمياً .
    المؤلفون:
    كانت بلادنا تفتقر إلى حركة مستمرة ودائبة في التأليف المسرحي وقد ألجأ هذا الفقر العديد من الفرق المسرحية إلى تنفيذ الكثير من المؤلفات المسرحية العالمية والمسرحية العربية.
    أما المؤلفات المحلية فكانت شبه محدودة ثم تطورت في الفترة الأخيرة بشكل تدريجي فأصبح لدينا أكثر من كاتب مسرحي وجميعهم يتعاونون مع المسارح الوطنية والأهلية .
    الجمهور:
    والحق أن تكوين القاعدة الجماهيرية من عشاق المسرح يظل رهناً وبشكل مستمر باستمرارية العروض وبما تقدمه المسارح من عروض جيدة وعندما تتاح الفرصة بنجاح عملية الاتصال المسرحي بجميع عناصره سنجد أنفسنا أمام قاعدة جماهيرية عريضة ذات وعي مسرحي جيد .
    العنصر النسائي:
    لا يزال المسرح العربي الليبي يعاني نقصاً واضحاً في العنصر النسائي الذي يمتلك الكفاءة وذلك بالرغم من رصد المكافآت المالية المشجعة التي تمنح بشكل مجز.
    المسارح:
    يوجد في (ج.ع.ل) العديد من المسارح منها مسرح (صبري عياد) ومسرح (التحرير)، ومسرح (الحمراء) في طرابلس.
    ـ المسرح (الشعبي) و (دار عرض بنغازي) في بنغازي.
    ـ مسرح (مصراتة) في مصراتة.
    ـ مسرح (سبها) في سبها.
    ـ مسرح (غريان) في غريان.
    المهرجانات:
    في ديسمبر عام ١٩٧٢م، أقيم أول مهرجان مسرحي وفي ديسمبر من عام ١٩٧٣م أقيم المهرجان المسرحي الثاني ثم أقيم في بنغازي في أكتوبر عام ١٩٧٥م مهرجان تحت اسم “مسرح المعركة”.
    بعد المهرجان المسرحي الثاني الذي أقيم في ديسمبر عام ١٩٧٣م تكونت هيئة فنية جديدة باسم “الهيئة العامة للمسرح والفنون الشعبية والموسيقى”.
    متفرقات:
    ـ يوجد في (ج.ع.ل) معهد للتمثيل بطرابلس وهو معهد “جمل الدين الميلادي” تخرج منه عدد من الشباب المسرحي.
    ـ سافر الكثير من المهتمين بالمسرح في دورات تدريبية ودراسية إلى الخارج في مجالات المسرح المختلفة.
    ـ في مجال الاحتراف بدأت فرقة (حمدي) في طرابلس مزاولة نشاطها وهناك فكرة لتكوين فرقة أخرى في بنغازي.
    “محمد عبدالهادي” الرجل الذي بدأ المسيرة
    ـ هو محمد محمد عبدالهادي مؤسس المسرح في (ج.ع.ل).
    ـ ولد في مدينة درنة سنة ١٨٩٨ وفي سنة ١٩١٨م أرغمته ايطاليا على العمل معها كعامل أفران ثم عاد إلى وطنه عام ١٩٢٠م.
    ـ سنة ١٩٢٢م زار لبنان ويبدو أنه تشرب هواية المسرح هناك، فبدأ يعيش كالعاشق للمسرح وانصرف لاهثاً وراء لعبة المسرح حتى جذبته الهواية إلى الاسكندرية.
    ـ في بداية عام ١٩٢٦م عاد إلى طبرق يبحث عن لقمة العيش ففتح مخبزاً وفي أواخر نفس السنة قدم أول عمل مسرحي له (آه لو كنت ملكاً) مثله معه “مفتاح بوغرارة” و “حمدي طاطاناكي”.
    ـ ذهب إلى درنة واستقر بها في سنة ١٩٢٧م وبدأ مع مجموعة من الأصدقاء في سنة ١٩٣٠م في تكوين أول فرقة مسرحية قدمت أول أعمالها سنة ١٩٣١م وهي مسرحية (خليفة الصياد) وعام ١٩٣٤م قدمت مسرحية (نكبة البرامكة) وتوالت بعد ذلك العروض المسرحية لهذه الفرقة.
    ـ في سنة ١٩٤٨م اشتد عليه المرض ولم يعد قادراً على الوقوف على الخشبة، وفي سنة ١٩٥٢م وافته المنية بمدينة درنة حيث دفن هناك.
    الفنان “رجب البكوش” والمشوار الطويل
    ـ يعتبر الفنان “رجب البكوش” من الذين عاصروا الحركة المسرحية في (ج.ع.ل).
    ـ فكر جدياً في تكوين فرقة مسرحية، وقدم باكورة أعماله المسرحية “الشيخ إبراهيم” وكان ممن حضروا العرض السفاح “غرسياني”.
    ـ بعد ذلك كون فرقة مسرحية اسماها “فرقة التمثيل” استمرت عامين ثم انتهت فذهب وزاول نشاطه برابطة الشباب وهي مؤسسة شبابية وانتهت هذه الرابطة لظروف خارجة عن إرادة الشباب.
    ـ كون فرقة أسماها “فرقة هواة التمثيل” استمرت سنوات ثم انقسمت إلى قسمين هما:
    المسرح الشعبي وفرقة الشباب.
    ـ كان يقوم بتأليف وإخراج الكثير من المسرحيات منها “كوخ الشحادين” و”ذكرى الاستعمار” و”المدينة في أشواك”.
    ـ آخر نشاط له كان في فرقة “أصدقاء المدينة” التي انتهت أيضاً حيث قدم بعض المسرحيات الفوديميك، والتي كان قدمها في السابق.
    ـ يستحق هذا الفنان والذين عملوا مثله في صمت وبعيداً عن الأضواء كل التقدير في عيد المعلم.
    “عبدالفتاح الوسيع” خبرة وكفاءة
    الفنان العربي الليبي عبدالفتاح الوسيع من الفنانين المسرحيين الذين يشهد لهم بالخبرة والكفاءة في مجال المسرح فهو مخرج قدير وممثل مارس الهواية منذ سنوات وثقافته المسرحية تؤهله لأن يكون في مقدمة المتحدثين عن المسرح العربي الليبي وخاصة في الفترة الأخيرة.
    وحديث عبدالفتاح الوسيع يبقى حديثاً شيقاً وممتعاً ومتشبعاً أيضاً فهو يتحدث بنظرة مستقبل المسرح في بلادنا ، ولانستغرب أن كان إلى حديثه مشوباً بصور تشاؤمية لكن صور الأمل والتفاؤل تبقى أكثر بروزاً.
    يقول الفنان الوسيع:
    ربما اختلف المسرح العربي الليبي عن غيره من المسارح “لاسيما المسرح العربي”.. في أنه لم يحظ بتأثير الدارسين في الخارج لهذا الفن الوافد تطويراً وتهذيباً، ووضعاً لأسس علمية راسخة، وتقاليد مسرحية معروفة (جورج أبيض، يوسف وهبي في مصر ـ مارون نقاش في لبنان) ذلك أن العهود الاستعمارية التي رنت على البلاد “الأتراك، الإيطاليون، الانجليز” لم تعطه الفرصة الكافية للتعلم والدراسة والبحث في كل المجالات فما بالك بمجال الفن الذي كان يعتبره “الاستعمار” خطراً على وجوده بل انه وصل به الامر – كما روى ذلك المعاصرون – انه كان يحجب الاعمال المسرحية ويطارد المسرحيين .
    لقد ظهرت محاولات خلال ( الثلاثينيات ) وما بعدها في مجال المسرح ولكنها لا ترتقى إلى المستوى العلمي المنشود ويمكن وصفها بأنها مجرد اجتهادات مشكورة من أناس اتصفوا – كم يروى عنهم – بخصائص معينة منها :
    1- ذيوع أسمائهم في المدن طرابلس بنغازي درنة من أنهم محدثون لبقون ذوو بديهة حاضرة وحسن فنى مرهف ..
    2- شعورهم الوطني المتأجج الذي كان دائما يشدهم ويحثهم للتصدى للاستعمار مشاركين الشعب نقمته عليه فغلب علي تلك الاعمال التي قدمت في هذه الفترة التصاقها وتأكيدها بابراز الشخصية العربية المتميزة والمآثر التاريخية الاسلامية وتعميق ضرورة التمسك باللغة العربية ( شجرة الدر – في درنة ) .
    ومع مطلع الخمسينيات ومع انتعاش الحركة الثقافية في البلاد ظهرت مجموعات من الشباب تبشر وتدعو لايجاد مسرح يعنى بمشاكل الشعب وتاريخه وتطرح آراءها وكانت تحاول أن تبعد قدر الامكان عن ( الارتجال ) الذي كان سائدا إلى حد كبير وبدأت تلك المجموعات في شكل منتديات ثقافية أو فرق مسرحية تعمل بجد وتضحية منقطعتي النظير كما ظهرت محاولات في مجال الكتابة للمسرح أما بشكل جماعي أو بشكل فردي وكانت عمليات الاخراج أيضا أما أن تتم بشكل جماعي ” وهو الغالب ” أو بشكل فردي وكانت الاعمال في مجموعها تقترب من نوع ” العرض الشامل ” إن صح التعبير حيث يقدم مع المسرحية في نفس الليلة بعض الاغاني و” المونولوجات ” …الخ ومع بداية الاحتكاك بمصر وبعض البلاد العربية الاخرى التي قطعت شوطا في مجال المسرح بدأت تظهر الاعمال المسرحية العربية وتخرج في المدن باجتهادات وابداعات عفوية ..
    ولتعطش الشباب للمعرفة الحقة بهذا الفن كانت هناك محاولات لاستجلاب بعض الخبرات العربية “وإن لم يحسن اختيارها ” للقيام بالتوجيه والارشاد وإن كان لتلك الخبرات فضل فهو أنها زادت من تماسك الشباب والتفافهم حول بعضهم ذلك أنه لم تكن ” تلك الخبرات ” في المستوى المطلوب من حيث الرسوخ والخبرة والثقافة .
    ومع أواخر الستينيات بدأت الدولة في الالتفات قليلا نحو المسرح وشؤونه فقدمت المساعدات البسيطة ورخصت لعدد من الفرق وأنشأت بعض الادارات المتخصصة ثم أنشأت فرقا حكومية في كل من طرابلس ومصراته وبنغازي ودرنه وأخيراً اجدابيا وأقيم أول مهرجان وطني مسرحي عام1972 م ثم ظهرت بوادر الاهتمام والرغبة الصادقة بين العاملين في المسرح وظهرت مسرحيات جيدة الاخراج والتمثيل بعدها كان انشاء هيئة المسرح التي علقت عليها اوطار كبار ولكنها لا تزال تعاني من كثير من النواقص وقلة الامكانات أنني أرى أنه إذا أريد للمسرح أن يقف على قدميه ويحقق الغاية من وجوده فلابد من أن ينظر إليه نظرة جادة نظرة تحمله للاندفاع بقوة نحو الافضل دائما ولا يمكن للمسرح أن يحقق شيئاً ” بالمسكنات ” التي نعالجه بها الآن بل الواجب أن يكون العلاج جذريا بانشاء المعاهد المتخصصة على غرار معهد جمال الدين في كل أنحاء الجمهورية (فروع) بارسال البعثات للخارج بحفز الكتاب ودفعهم للانتاج والعطاء بانشاء دور العرض الجيدة بتوفير الامكانات الفنية بخلق جو التنافس الشريف بين الفرق ” حكومية وأهلية ” وأنني لأتمنى أن تبرز لحيز الوجود فكرة على مستوى الجمهورية منتخبة من عناصر ممتازة من كافة الفرق تعسكر في مكان ما وتجري تجاربها ثم تقدم عروضها داخل وخارج الجمهورية وهي التي يجب أن تمثلنا حينئذ في المهرجانات العربية والدولية .
    ان الحديث طويل حول المسرح ومتشعب وأرجو أن تتاح لي فرصة أخرى للكتابة بشيء من التركيز والتمحيص في مختلف الشؤون .

     

  • ” القويري ” يتحدث عن العقربي ” ..” لم يهدأ (محمد العقربي )  يبحث عن بذرة الفن بالأرض” -بقلم / عبدالله القويري

    ” القويري ” يتحدث عن العقربي ” ..” لم يهدأ (محمد العقربي ) يبحث عن بذرة الفن بالأرض” -بقلم / عبدالله القويري


    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-6- نوري عبدالدائم
    **************************

    ” القويري ” يتحدث عن العقربي ” ….
    ” لم يهدأ (محمد العقربي ) كان دائماً يبحث عن الأرض التي تقبل بذرة الفن ”

    بقلم / عبدالله القويري

    سمعت عنه ولم أكن من قبل رأيته قالوا بأنه يخرج مسرحية (أهل الكهف) لإحدى الفرق واصطحبت أحد الأصحاب معي ليدلني على مكان الفرقة وهناك جلست مع الشباب الذين يمثلون المسرحية أنتظره ولم يمض كثير من الوقت حتى أتى قدموني له ولكنه لم يجلس يحادثني إذ سريعاً ما قال:
    الفصل الثالث مرة أخرى.
    وبدأ الممثلون الناشئون في أدائهم وكان يصلح لهم أخطاءهم دون ملل ويعودون فيخطئون ويعود ليصلح الخطأ وكثيراً ما قام ليؤدي ذلك المقطع منفعلاً .. يشدهك بأنك تحسبه في أول الأمر لا يستطيع الحركة ولكن ما أن تهتز الحبال الصوتية حتى تحس به حركة مشتعلة لا يستطيعها شاب الحركة المسرحية لم تكن في يوم من الأيام حركة ظاهرية ولكنها حركة داخلية تهزك وأنت تحسبها مجرد كلمات ولكن ما أن تراها تخرج من فم فنان حتى تدرك أن الكلمات تحولت إلى شيء عميق رجعت إلى أصلها الذي يتمثل في بلورتها الأخيرة بلورتها التي استقطبت تاريخاً إنسانياً طويلاً تركز في الكلمة فكان على الفنان أن يعيدها من جديد يعيدها حركة تشعر معها بذلك التاريخ الطويل.
    وجلست أشاهد وأسمع لم أقل كلمة فقد أخذتني تلك اللحظة الباهرة التي تمسك بكل إنسان تهزه وتحدث الضجة في أعماقه ولا تتركه إلا هنيهات بسيطة يسترد فيها أنفاسه لتعود بعدها تهزه من جديد وتترك في أعماقه ما يتساءل بعده كثيراً ولكن التمكن لا يترك التساؤل ليتحول إلى كلمات جوفاء أو مغالطات التمكن يجعل من التساؤل إمكانية أخرى تفجر إمتاع الفن وإعجازه الدائم وتود لحظتها أن تقوم لتقف على المسرح فتقول كلمات أو لتتحرك ولكن لا تستطيع فتجلس مكانك تهتز كابتاً تلك الإمكانية إلا أنك تسعد عندما ترى غيرك يؤديها فيغنيك عما تريد أن تفعله تسعد بالراحة بعد ساعة من التواجد الفني والإبداع والفنان يكشف نفسه في كل ومضة يكتشفها ويكتشف عالماً غير مرئي ويستطيع أن يقدم ذلك في إيماءات وإيحاءات بعد معاناة طويلة قد تبدو لك مجرد لحظة وهي في واقعها تاريخ طويل من التجربة ومن دقائق ما تحويه التجربة.
    قد يبدو لك أنه مجرد هزة من يد أو تحريك أصبع أو تغير في ملامح الوجه قد يبدو لك هذا وكأنه أتى عفوياً في لحظة بسيطة ليس وراءها من شيء ولكن الواقع أن مثل هذه الحركات البسيطة تحمل وراءها ثقافة طويلة وتجربة عريضة ومراساً دائماً.
    إن التمثيل تقديم ما هو غير عادي كأنه العادي وهو في نفس الوقت لا بد أن يدهشك بالمعتاد .. هو فن الاقتدار على أن تضع المعقد في قالب بسيط وفي نفس الوقت تعطينا أحساساً بعمقه وبعدم بساطته ولقد جلست أشاهد الفنان (م،ع) وهو يعاني كيف يصب في نفوس ناشئة ما لديه من خبرات وما عنده من إمكانات وما يحويه وجدانه من الاحساس بأهمية اللحظة الفنية وما في ذهنه من ثقافات متنوعة تهتم بالحديث والكلاسيكي ويدرك دلالة الكلمة القديمة في الوقت الذي يتصور فيه حركتها كان يجاهد من أجل أن ينقلهم إلى هذا المستوى دون ملل ولم أتململ طوال جلوسي أشاهد فصلاً واحداً يخضع للإعادة وللتصويب الدائم بل كانت فرصة فريدة أحسست فيها بأهمية أن يعيش فنان لحظة الإبداع دون أن يصدر عنه ما يدل على التعب.
    عجبت داخل نفسي وأنا أشاهده كيف يستطيع انسان وصل إلى هذه السن أن يتحرك حركة نشطة تحسبها حركة شباب في العشرين كيف يستطيع إنسان أن يتحمل انفعالات الموقف مرات ومرات دون أن يقلق وأن يحس بالخمود؟
    كيف يستطيع رجل فنان كبير له تجربته الطويلة أن يتحمل أخطاء شبان وتكرار خطئهم المرة بعد المرة دون أن يغضب أو يضيق ذرعاً بمثل ذلك ولكم سألت نفسي كثيراً محاولاً الوصول إلى مفتاح ذلك فلم أجد غير الفن وغير الصدق الفني.
    كان (م،ع) إذا ما وقف أو تكلم يعيش لحظة الصدق الفني التي تجعله قادراً على حركة ربما عجز شاب عن إتيانها وكان لا يمل من التصويب لأنه يدرك أن التعب الذي يبذله وراء ذلك لايداني لحظة بارعة يأتيها وقد اقتدر على تلك اللحظة إنها سعادة غامرة يعيشها أستاذ عندما يروي أنه استطاع إيصال تلك الشرارة إلى نفس.
    هي شرارة تجعل من هذا الشيخ شاباً تجعله وقد تمكن من إبداع فني يهز النفس ويرج الأعماق ثم يصعد ذلك إلى آفاق لا يستطيع أن يصعد إليها أحد ما لم تضر به تلك الشرارة.
    وانتظرت ما يزيد على ساعة ونصف أنظر إليه يعيش بين شباب يعلمهم الفن ويحاول أن يغرس ذلك السر المقدس في نفوسهم ثم جاء الرجل ليجلس أمامي وليبدأ الحديث كأنه يعرفني منذ زمن طويل وتحدثنا عن الفن والمسرح وكأنه له رأي وافقته عليه وأمضيت نصف ساعة في حديث معه ثم ودعته وانصرفت.
    وبمرور الأيام تعددت لقاءاتنا وعرفت نفس الفنان الحقيقي الذي لا يعرف مواقف وسطا وكنت أشاركه مواقفه كما كان يشاركني مواقفي كان لا يفرق بين إنسان وإنسان في موقف إذ يسيطر عليه الرأي وكان يتصرف بعيداً عن منطلقات الخوف كان يرى أن الفن لا يعرف مجاملة ولا يعرف النواحي الشخصية الفن عنده فوق كل طرق المجاملات.
    الفن عنده أصول ودراسة وثقافة وموهبة ولقد أعجبت كثيراً بأنه يفرق بين شيئين تعارف شخصي فهذا يدفعه إلى رقة في الحاشية وإلى سلوك مهذب مجامل وتعارف أو معرفة فنية وهذه تدفعه إلى التمسك بالفن وأصوله دون أن يقيم وزناً لأي شيء آخر.
    لم يكن الفن عنده مجاملة في حين أن من يصل إلى سنه يميل كثيراً إلى الهدوء وإلى عدم إثارة المعارك أما هو فقد كان يميل إلى المعارك طالما كان وراءها دفاع عن الفن وأصوله وعن شيء جوهري لا يجب أن يمس.
    وقد يعجب شخص من فنان أن يكون ذلك سلوكه ولكن العجب أن يكون هناك فنان أصيل ولا يكون هذا سلوكه ذلك أن الفنان هو معلم .. هو معلم وأستاذ اتخذ سبيله إلى النفوس بواسطة أدوات ما أصعبها على من لم يوطن نفسه عليها فهي تطلب منه دائماً أن يكون في حالة تواجد فني وفي نفس الوقت يكون في حالة التأهب لمعركة يتخذ لها أسبابها وهي ليست معركة تثور في وقت ثم تخفت إنها معركة مستمرة لا تهدأ أبداً وكم كان لكثير من الشباب عندنا تمردهم عليه وكم كان له تشبته بالأصول والأسس والقيم الفنية ربما رأى بعض شبابنا أن الفن أمر سهل كبقية ما يرونه في حياتهم أما هو فقد كان الفن عنده أمراً صعباً يتطلب مراساً طويلاً وتمكناً كان على كبر سنه لا يهدأ ويناقش وكانوا على صغر سنهم يريدون الحياة هادئة وأن لا داعي للنقاش كان يريد أن يزرع في نفوسهم تلك البذرة الخالدة وكانوا لا يريدون أكثر من أن يعرفوا إشارات وتلويحات من الأيدي وتهريجات في الصوت ليقولوا عن أنفسهم بأنهم ممثلون لم يهدأ (م،ع) كان دائماً يبحث عن الأرض التي تقبل بذرة الفن وكم كان الكثيرون عندنا جاحدين لإمكاناته.
    كان يقول الكلمة في حدة الفنان الذي يريد أن يقدم ويعمل فما كان أسرعهم إلى عدم فهمها وتأويلها وإخراج ردود الفعل السريعة تجاهها.
    وكثيراً ما التقيت بشباب وقلت لهم:
    قبل أن يكون عندكم استعداد للفن يجب أن يكون عندكم استعداد للتلمذة ولن تصبح أستاذاً يوماً ما لم تكن تلميذاً عاش بروح التلميذ فترة طويلة ، قد يصل التلميذ إلى التمرد على أستاذه ولكن لا يتمرد حتى يحس بأن عنده ما يقدمه وأن سنه وتجربته وثقافته قد أوصلته إلى مرحلة كبيرة من النضج إذ يصبح وفي إمكانه أن يقدم شيئاً.
    لقد كان عندنا سوء فهم لكل إنسان يريد أن يفيد وسريعاً ما نطلق أحكامنا ونسعى في حركات عفوية عشوائية نحطم ولا ندري أننا نحطم أنفسنا لقد عاش (م،ع) في ليبيا ما يقرب من ثلاث سنوات أقول لكم الحق إننا لم نستفد منه كثيراً رغم إلحاح على أن يفيد ويعطي من صحته وجهده وأعصابه ووقته وثقافته ما يعجز عنه عدد من الرجال كنا سريعاً ما نرفض الأستاذية وندعي أننا ملكنا كل شيء وليس عند غيرنا أحسن مما عندنا فتكون النتيجة أن ليس عندنا شيء وأن من أراد أن يفيدنا قد رجع وبنفسه غصة وفي قلبه حزن.
    قالت نفسي:
    والآن أراك تتذكر تلك القصة المنسية .
    قلت:
    ألا نقرأها معاً من جديد وبعدها لنقرأ مرة أخرى قصة كتبتها منذ زمن.
    قالت:
    وما هي غايتك من ذلك؟ أم أنك ستترك المعنى في بطنك!!
    قلت:
    هذا ما فعله شعراؤناالأقدمون أما الفن الحديث فهو بقدر ما يقترب من البطن بقدر ما يبتعد عنها على كل حال دعينا من ذلك الآن فله حديث طويل يأتي في حينه ولنقرأ (الوطن الجديد) ثم بعد ذلك (لحظة لم يقتلها أحد).
    قالت:
    ألا تذكر تاريخ كل منهما؟
    قلت:
    معك حق فلذلك دلالته ولا شك كتبت الأولى في أواخر سنة ١٩٥٦ أما الثانية فقد كتبتها في أواخر سنة ١٩٧١.

     

     

     

     

  • بقلم / د. علي الراعي .. يعتبر الكاتب الليبي عبد الحميد المجراب الشاعرين أحمد قنابة وإبراهيم الأسطى عمر، من الرعيل الأول بالمسرح في ليبيا

    بقلم / د. علي الراعي .. يعتبر الكاتب الليبي عبد الحميد المجراب الشاعرين أحمد قنابة وإبراهيم الأسطى عمر، من الرعيل الأول بالمسرح في ليبيا

     
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-5- نوري عبدالدائم
    **************************

    ليبيا
    بقلم / د. علي الراعي

    يعتبر الكاتب الليبي عبد الحميد المجراب الشاعرين أحمد قنابة وإبراهيم الأسطى عمر، في مقدمة الرعيل الأول من رجالات المسرح البارزين في ليبيا. 

الأول كان يعمل مذيعا إبان الاحتلال الإيطالي للبلاد، وأسهم في العديد من المسرحيات التي كانت تقدمها في ليبيا فرقة إيطالية عرفت باسم “الدبولاكورو” أي ما بعد العمل، وكانت هذه الفرقة تتألف من مجموعة من الهواة، يمارسون نشاطهم الفني بعد الفراغ من أعمالهم الرسمية، وكانت أغلبيتهم من الأجانب بينهم عدد قليل جداً من أبناء البلاد، وقد ظلت هذه الفرقة تعمل من 1925 حتى 1936، وشارك الشاعر أحمد قنابة في التمثيل مع الفرقة طيلة هذه الأعوام، ومن ثم أحب المسرح وتبين له بوضوح مدى ما يمكن أن يقدمه للناس من خدمات، على سبيل إيقاظ الحس الوطني، وتجنيده لمقاومة ما كان من الاستعمار الإيطالي يسدر فيه من محاولات نشطة لطمس الشخصية الوطنية الليبية 

وجاءت الزيارات المتعددة التي قامت بها الفرق العربية من مصر وتونس لتدعم الحس المسرحي عند قنابة وغيره من فناني المسرح وكان بين الفرق المسرحية التي زارت البلاد فرقة جورج أبيض وفرقة منيرة المهدية، وفرقة يوسف وهبي، وقد لاقت هذه الفرق جميعاً التشجيع والإقبال الكبيرين من لدن المواطنين، مما شجع قنابة وزملاءه من مدرسي مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية على المضي على درب المسرح، وبخاصة بعد أن زارت إحدى الفرق الليبية، وهي فرقة درنة المعروفة أيضا باسم “فرقة هواة التمثيل” مدينة طرابلس وقدمت فيها مسرحية “خليفة الصياد”. 

( أحمد قنابة ) 

تشجع أحمد قنابة بهذه الزيارة وقوى بها عوده، فأسس الفرقة الوطنية الطرابلسية عام 1936، وقدمت الفرقة مسرحيته الأولى “وديعة الحاج فيروز”، وأعقبتها بمسرحية “حلم المأمون” من تأليف وإخراج أحمد قنابة، وقد كان يساعد قنابة في عمله نخبة من المثقفين والفنانين بينهم الهادي المشيرقي، ومحمد حمدي، والدكتور مصطفي العجيلي، وفؤاد الكعبازي، وكان هذا الأخير يتولي مهمة إعداد الديكورات ورسم اللوحات الدعائية، وقد قدمت الفرقة أعمالها على مسرح البوليتياما، الذي حلت محله سينما النصر وقد كانت هذه الفرقة وغيرها، ما بين محلية وزائرية، تعمل في وجه مقاومة شرسة من سلطات الاستعمار الإيطالي، التي أحست بخطر المسرح وقدرته على إيقاظ العواطف، فكانت تعمد إلى محاربة فرقة مدرسة الفنون والصنائع، وتهدد مناصريها والقائمين عليها، ووصل الأمر بهذه السلطات الاستعمارية إلى حد منع تمثيل مسرحية “صلاح الدين” لما تحويه من تمجيد للعرب والعروبة. 


ويصف أحمد قنابة الدوافع التي دعته إلى إنشاء فرقته فيقول: إن الحافز المباشر له كان قدوم فرقة هواة التمثيل، وعلى رأسها محمد عبد الهادي إلى طرابلس وتقديمها مسرحة “هارون الرشيد” التي مثل فيها محمد عبد الهادي ودور خليفة الصياد، في الحفلات الثلاث التي قدمتها الفرقة. 


شرع قنابة من فوره في تأليف فرقته، فانتخب من بين طلبة مدرسة الفنون والصنائع من آنس فيهم ميلا لفنون التمثيل، ورغم اضطهاد السلطات الاستعمارية لهذه الفرقة ولفن التمثيل عامة، فقد نجحت الفرقة في تقديم مسرحيات اجتماعية تعني بتصوير ونقد العادات والتقاليد المختلفة التي كانت تعرقل سير المجتمع، وتساعد على بقاء المستعمر في البلاد. 


كما قدمت الفرقة النوع الآخر من المسرحيات الذي يألفه بلد ينمو فيه الفن المسرحي، فيتطلع إلى استخدامه لدعم الروح القومية في البلاد، عن طريق تقديم مسرحيات تستعرض أمجاد الماضي، وتنظر في بطولات الأجداد، وتعرض أعمالهم في مجالات الأدب والسياسة والفكر والدين والعقيدة. 

كان هذا في طرابلس، أما في درنة فقد بدأت فرقة هواة التمثيل عملها هناك في عام 1928، وكان في درنة إذ ذاك ممثل كوميدي محبوب هو: محمد عبد الهادي الذي برع في تمثيل الأدوار الكوميدية، وإلقاء المونولوجات الفكاهية. 

( إبراهيم الأسطي ) 

وقد اصطدمت الفرقة بمعوقات كثيرة كان على رأسها سلطات الاستعمار الإيطالي، بالإضافة إلى الصعوبات الأخرى التي تلقاها فرق الهواة في كل بلد لم يعرف فن المسرح الجدي إلا أخيرا، فقد عجز جمهور المتفرجين عن دعم الفرقة دعما كافيا لقلة خبرته وندرة زيارته للمسارح هذا بالإضافة إلى انعدام العنصر النسائي بين الفنانين الليبيين، وعدم وجود قاعة عرض يقدمون فيها أعمالهم، وهنا يأتي الدور الريادي الذي لعبه الشاعر إبراهيم الأسطي عمر الذي كان أحد مؤسسي فرقة هواة التمثيل. 


لقد بسط إبراهيم الأسطي عمر على الفرقة الناشئة حمايته الثقافية والمالية أيضا، ولما لجأ محمد عبد الهادي إلى استئجار بيت تؤدي فيه الفرقة تمارينها، بعد أن رفضت سلطات الاستعمار منح الفرقة رخصة عمل ساند الرائد المسرحي إبراهيم الأسطي عمر جهود الفرقة فقدم مشورته الفنية والثقافية وأسهم إسهاما فعالا في تمثيل بعض الأدوار وإخراج عدد من المسرحيات واختيار النصوص وتعديلها بحيث تتماشي مع البيئة الليبية وحين كان يعوز الفرقة المال، كان هذا الرائد الشجاع يدفع من راتبه الضئيل للإسهام في نفقات شراء المعدات والمهام المسرحية اللازمة. 

وكان إلى جوار ذلك يشترك في الجهود المبذولة لتقديم الحفلات والإعلان عنها، إلى جوار الإسهام الفعلي في التمثيل كما مر بنا، وفي هذا الميدان الأخير، أثبت الأستاذ إبراهيم الأسطي عمر حبه الغامر لفن المسرح، وذلك حين اغتر أحد الممثلين بنفسه، إبان تقديم مسرحية أحمد شوقي: “أميرة الأندلس” فهدد بالانسحاب من المسرحية ما لم يجب إلى مطالب كان قد تقدم بها. 


وقد تصرف الأستاذ إبراهيم عمر إذ ذاك تصرف الفنان القادر والحازم معا، فسحب الدور من الممثل المغرور، وقام هو بأدائه إلى جانب دور آخر كان يقوم به في المسرحية ذاتها، وبذا تكفل الرائد المسرحي بتمثيل دوره الأصلي في المسرحية وهو دور ابن حيون، واستظهر دور الممثل المنسحب وهو دور ابن شاليب اليهودي وأتم دراسته وحفظه في غضون ليلة واحدة كانت تسبق العرض. 


كما قام الأستاذ إبراهيم عمر بدور إسحاق النديم في مسرحية: “هارون الرشيد” التي عرفت في ليبيا باسم: “خليفة الصياد” علاوة على إسهامه في إخراج المسرحية وإعداد ديكوراتها وملابسها إلى جانب الفنان عمر الطرابلسي المشرف الفني العام. 

(مسرح جهادي ) 

بعد هذه الإطلالة السريعة على خلفيات النشاط المسرحي في ليبيا نتقدم لدراسة ما قدمه كتاب المسرح في ذلك البلد المجاهد، وهو نتاج كبير إلى حد يدعو إلى الدهشة والإعجاب معا. 


في عام 1965 كتب عبد الله القويري أحد أدباء ليبيا البارزين في ميدان القصة والمقالة الأدبية مسرحية “الجانب الوضئ” والمسرحية تتناول جماعة من الشباب الوطني مشغول بالهم الوطني العام الذي تواجهه البلاد: هم التحرر من السيطرة الخانقة التي تكتم الأنفاس ولا تترك مجالا للحركة نحو التقدم، ولا تحقق حرية التعبير، وبخاصة للأجيال الصاعدة. 

بين هذه الجماعة شاب حالم مشغول بالأوراق والقصص والمثل العليا ولكنه لشدة نقائه ينضم إلى هدف الجماعة الثورية ليؤدي نصيبه في تحرير المجتمع، وحين تبدأ المسرحية نجد أن هذا الشاب، واسمه صديق، مشتبكا في نقاش حاد تعلو نبرته حينا إلى حد العراك وتنخفض حتى لتكاد تكون توسلا أو رجاء، من جانب صديق لصديقه الذي يبادله الكلام وهو سعيد وأما موضوع الحديث فهو عضو من أعضاء الجماعة اسمه عزيز، تحوم حوله شكوك يحس بها صديق ولا يستطيع مهما حاول أن يهدئ منها أو ينساها. 


أما سعيد فهو لا يصدق شكوك صديق في عزيز هذا، الذي هو عضو رئيسي في الجماعة ويري أن صديقه يبالغ كثيرا في ارتيابه ويتمسك بهذا الرأي، حتى بعد أن يفد على الاثنين عضو ثالث في الجماعة اسمه يزيد فيؤيد شكوك صديق في عزيز، وينهي إلى الاثنين المتناقشين أن أحد أعضاء الجماعة واسمه عديل، قد ألقى عليه القبض، وأن هذا الأمر قد حدث بعد أن كان عديل قد كتب مجموعة مقالات كان ينوي إرسالها إلى مجلة الأحرار، وأحب كما هي عادته أن يعرض أفكاره أولا على أحد زملائه قبل نشرها، وقد قرأ بعضاً من هذه المقالات على عزيز الذي استمع وهز رأسه وقال: عظيم ثم ندم عديل من بعد على ما فعل لأنه هو الآخر. 


كانت تساوره الشكوك في عزيز وقام بتمزيق المقالات، وإخفاء أثرها ولكن هذا التحوط لم يمنع مكتب التحقيقات الرئيسي من تفتيش مكتب عديل ومن ثم اقتيد الكاتب إلى السجن، وهو إجراء لم يسبق له مثيل يدل على أن المسؤولين قد أخذوا يفطنون إلى أن شيئا جديدا قد جد على البلاد. 


ونعلم من اتصال النقاش بين الزملاء الثلاثة أن عزيزا كان له موقف آخر غير موقف الجماعة، بل إنه كان ضد كثير من مواقف الجماعة ولكنه مع ذلك قد وافق على المنشور الذي أخذ على عاتقه الدفاع عن تصرفات عزيز، يرى أن عمل الجماعة حتى الآن قد كان في الهواء وأن أخطاء الجماعة هي التي تقف حجر عثرة في طريقها، وليس الديمقراطية الزائفة التي يمارسها الحكام. 


وأثناء النقاش يلمح صديق إلى أن موقف سعيد من عزيز ومن الجماعة ربما كان راجعا إلى ظروف خاصة هو واقع تحت تأثيرها، مثل ظروف والده، الذي يبدو أن هناك شيئا يشينه، ولا تفصح عنه المسرحية وأن هذا قد يكون سببا في تردد سعيد وهنا تعلو نبرة النقاش فتبلغ حد الاقتتال بين صديق وسعيد، وبالفعل يتماسكان ثم يهل عليهم عزيز وتنسدل الستارة على الفصل الأول. ( مسرحية “الجانب الوضيء” ) 


في الفصل الثاني من مسرحية “الجانب الوضيء” نقاش حاد آخر، يدور هذه المرة بين صديق وأمه، الأم تتهم ابنها بأنه غارق لأذنيه في الوهم وأنه فاشل يتعزي عن فشله بالكتابة، وهو يكتب عن الحياة، وغيره يعيش الحياة، إنه لا يصلح لأن يكون خلفا لأبيه قط، فالأب عقد عمل، كافح وضحى ورعى الأسرة بكل ما في طاقته، بينما هو يترك كسب العيش لأمه، تغزل في سبيل لقمة العيش، ثم تدفع بغزلها إلى ابنتها مليكة أخت صديق لتبيع الغزل كل هذا، ورجل البيت مشغول بهمومه وأفكاره وشكوكه وتساؤلاته وتفلسفه.

     

     

  • رحلة التأليف المسرحي في ليبيا بقلم / خليفة حسين مصطفى..- ليبيا مائة عام من المسرح -1-4

    رحلة التأليف المسرحي في ليبيا بقلم / خليفة حسين مصطفى..- ليبيا مائة عام من المسرح -1-4

     
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-4- نوري عبدالدائم
    **************************

    رحلة التأليف المسرحي في ليبيا
    بقلم / خليفة حسين مصطفى

    من الواضح أن آفاق المسرح غير محدودة سواء في الإطار الزمني، أو في تجاوب المسرح مع الواقع والتجربة الإنسانية إجمالاً، أو في رؤيته وتحليله لحقائق التاريخ في مسيرته النبيلة التي تشكل حجر الزاوية في البناء الاجتماعي الذي لا يمكن أن ينهض ويتحقق إلا بتمثله لروح العدالة والقيم الإنسانية، فتكون أحلام الإنسان في صنع غد أفضل مجسدة لحقه في أن ينهض ويتحرر في كل أشكال وصور الهيمنة والتسلط المعنوي والمادي. سواء أكانت متضمنة لذلك الموروث الضخم من الأفكار والعادات والتقاليد الاجتماعية التي هي في شكل ممارسة آنية متخلفة وانتهازية تحد من قدرة الانسان على التنفس مادام هناك هواء غير نقي وتحدد من قدرته على الرؤية وتحديد طريقة ما دام معصوب العينين وفي كل الأحوال فإن المسرح لا يدعي لنفسه الوصاية على المجتمع ، ولكنه بطبيعته لابد أن يتصدى لهموم الواقع كيفما كانت وتناولها في احتفاليات درامية أو ساخرة ، ولكن ليس على أنها قدر من صنع قوى غيبية أو على أنها أشياء للذكرى يمكن تحويلها إلى مادة للتسلية وقتل الوقت فنجد المتفرج يغرق في الضحك وهو لا يدري أنه يضحك على نفسه ويجتر خيبة أمله ، فقد كان المسرح ، ومنذ أن ظهر إلى الوجود وعرف طريقه إلى الناس، مثقلاً بأعباء الصراع الأبدي بين قوى الخير وقوى الشر، وحتى عندما كان في أول نشأته فقد تحدد دوره في أنه ذلك الفن الشعبي الذي يحمل ويبشر برسالة الحلم والأمل ، وليكافح مع الناس ضد الظلم والقهر والعبث والفساد الاجتماعي والسياسي.
    لقد وعي المسرحيون في ليبيا هذا الدور وكان إحساسهم به يتنامى باطراد ويعود ذلك على نحو ما إلى أنه كان الصوت الوحيد المسموع لدى الجماهير ، وكان قوياً ومفهوماً في وقت كانت فيه أشكال التعبير الفنية الأخرى غائبة أو شبه معدومة، بالنظر إلى أن الأمية كانت هي قدر الشعب الليبي في مراحل تاريخه المتعاقبة بدءا من العهد العثماني الذي حفل طوال قرون بالخرافات والتقاليد المتزمتة والاستبداد والجهل، ولاحقاً عندما جاء الاستعمار الإيطالي الذي شن على الشعب الليبي حرب إبادة جماعية تواصلت على ما يقرب من عشرين عاماً بازاء المقاومة العنيفة الرافضة للخضوع والاحتلال الأجنبي، وحتى عندما استقرت الأوضاع وعمّ الهدوء عقب انهيار المقاومة في الجبل الأخضر بإعدام البطل الشهيد عمر المختار ، فقد انصب اهتمام الطليان على إعادة تعمير البلاد لصالح أحكام سيطرتهم وصبغ البلاد بصبغة أوروبية ، ولذلك فقد فتحت المدارس التي كانت غايتها نشر وتعميم الثقافة المسيحية وفرض المنظمة للقضاء على اللغة العربية والثقافة الإسلامية. وحتى هذا الصوت الوحيد ، أي صوت المسرح فقد عمد الطليان إلى تحجيمه ومحاربته بكل الوسائل ، وليس أدل على ذلك من أن فرقة مدرسة الفنون والصنائع التي كان يديرها الشاعر أحمد قنابة تقدمت إلى السلطات الإيطالية لمنحها ترخيصاً باسم الفرقة الوطنية للتمثيل ولكن هذا الطلب رفض، وهو ما يعني أن سياسة القبضة الحديدية كانت موجهة إلى المسرح لإسكاته ومنعه من الاتصال بالناس. ومع ذلك فقد ظل المسرح الليبي بالرغم مما كان يعانيه من الرقابة والاضطهاد في العهد الإيطالي ممثلاً لروح المقاومة غير المسلحة في مواجهة الهيمنة الاستعمارية الفاسية وسياستها العنصرية وطابعها الصليبي. وبخروج الطليان من البلاد في أعقاب هزيمتهم المدوية في الحرب العالمية الثانية وسقوط الفاسية ، ثم مجيء الإدارة البريطانية ظل المسرح الليبي يراوح مكانه، ولكنه ما لبث أن اتخذ منحنى آخر في مواجهة التركة الاستعمارية الثقيلة من الفقر والأمية. وفي مواجهة الحكام الجدد الذين حلوا محل الجنرالات الانجليز في إدارة البلاد عام 1951م. جاؤوا من وراء الستار بأقنعتهم وأنانيتهم لخدمة مصالحهم الشخصية كتروس في عجلة الاستعمار وخدمة له، وهم الذين كانوا من موظفيه وأتباعه ، وهكذا تبلور الوضع الحديد في صورته النهائية معبراً عن أحلام النخبة الحاكمة في الإثراء والرفاهية على حساب الأغلبية المسحوقة. لقد أخذ المسرح في هذه المرحلة في رفع صوته محتجا ورافضا لما يجري وحافظ في نفس الوقت على موقفه المتقدم في صفوف المعارضة للنظام الملكي في ظل الاوضاع المتردية على جميع المستويات كان لابد من ايقاظ روح الشعب ومحاسبتها وتوعية الناس بحقوقها المشروعة في الحياة الكريمة وفضح الفساد من الإثراء غير المشروع إلى الوساطة والمحسوبية والانتخابات المزورة واضطهاد القوى الوطنية المنادية بالحرية والعدالة كانت مرحلة قلق وترقب وما كان قول الحقيقة بالشيء السهل أو الممكن ولذا فقد لجأ فنانو المسرح إلى التحايل والرمز لتمرير افكارهم والقفز على قيود الرقابة التي فرضت على المسرح وكل الأجناس الأدبية الأخرى فكان أن عرضت بعض الأعمال المسرحية التي يمكن أن نتعرف على مضامينها الاجتماعية والسياسية من خلال عناوينها من مثل مسرحيات شيخ المنافقين/ العسل المر/ الحمير والبردعة/ دوختونا/ صوت العمال/ النفوس الظالمة/ أولاد الفقراء/ السماسرة/ اللي أظنه موسى يطلع فرعون/ لو تزرق الشمس. وغيرها من النصوص التي تكشف عن الزيف والقبضة البوليسية. وما كانت أجهزة الأمن لتغفل عن ذلك ففي سنة 1954م كما أغلقت فرقة العهد الجديد ولم يعد فتحها إلا في عام 1956م كما أغلقت أبواب الفرقة الشعبية بعد أن قدمت مسرحية واحدة هي مسرحية “نضال الأحرار” والمفارقة العجيبة أن هذه المسرحية تعرض لكفاح الشعب الجزائري للخلاص من الاستعمار الفرنسي. واذا كانت تلك العروض والمسرحيات قد انشغلت بالهم السياسي والاجتماعي وقضايا الفقر والأمية وفساد الضمير فان كتابها يحاولون الرقي بفن المسرح والنهوض ليكون في مستوى رسالته العظيمة من الناحية الفنية فقد كانت تلك المسرحيات في مجملها تنتمي إلى نموذج المسرح الشعبي الذي يفتقر إلى شكل فني محدد كما لم يكن من السهل تمييز بعضها عن البعض الآخر فإذا عدنا إلى الاطلاع على عدد من تلك النصوص التي طبعت في كتب فسوف نجد انها متشابهة إلى حد كبير سواء في بنائها الدرامي أو في شخصياتها الفنية وكذلك حوارها المكتوب بمفردات عامية وبصياغات تبتعد عن الحوار الدرامي لتقترب من حديث الشارع فهي تبتعد عن الحوار المسرحي الناضج الذي يبقى في الذاكرة. ويسهم أو يجب أن يسهم في تصعيد الحدث الدرامي ورسم أبعاد الشخصية الاجتماعية والنفسية وحتى خلفيتها الثقافية لقد كانت كلها ذات سمات واحدة أو مشتركة ومباشرة في معالجتها للقضايا المطروحة كما لم يحاول أحد الاستفادة من تقنيات المسرح الحديث عن القيم الفنية والجمالية في مسرح الخمسينيات والستينيات برغم تعدد الفرق والنصوص المؤلفة في جزء منها والمقتبسة من التراث أو من المسرح العالمي في جزئها الآخر ولذا فهي تظل تمثل البعد التاريخي للمسرح الليبي لاغير..
    المسرح الجديد
    وبقيام الثورة في اليوم الأول من شهر الفاتح 1969م أخذت قواعد المجتمع القديم في التخلخل والانهيار وكان السؤال هو من أين نبدأ؟
    ولم يكن هذا السؤال مطروحا على العاملين بالمسرح من مؤلفين وممثلين ومخرجين وحدهم بطبيعة الحال لكن المسرح يظل هو الأكثر قدرة على إعادة صياغة تلك الأسئلة وطرحها وتقديم إجابة لها وهو كذلك فن جماعي لابد له من فنانين وفنيين حتى يحقق وجوده على أرض الواقع لقد شهدت السنوات الخمس الأولى لقيام الثورة نهضة مسرحية بشكل ما تمثلت في ظهور أربع عشرة فرقة مسرحية جديدة أعطت لفن المسرح الأمل في الازدهار والانتشار ثم أنشئت في العام 1974م الهيئة العامة للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية التي كان من ضمن اختصاصها النهوض بالحركة المسرحية ورسالتها الاجتماعية والثقافية ودعمها معنويا ولكن للأسف فان هذه الهيئة لم تهتم بدورها المرجو كما لم تستمر طويلا وفيما بعد غاب المسرح عن الخشبة ليزدهر في النصوص الدرامية التي طبعت في كتب فعندما تأسست الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان تعاملت مع الكتاب المسرحي على قدم المساواة مع بقية اصداراتها الثقافية في مجالات القصة القصيرة والشعر وأدب الأطفال والدراسات الأدبية والعلمية.
    كنا نقف على أبواب مسرح جديد من خلال الجيل الثاني من كتاب المسرح اضافة إلى الكتاب الرواد أو القدامى من الذين لايزال المسرح يجري في عروقهم فلم يتوقفوا عن الكتابة له والانصار في بوثقته وقد تمثل هذا الجيل في البوصيري عبدالله عبدالكريم الدناع ومنصور أبوشناف علاوة مساهمة بعض كتاب القصة في التأليف للمسرح ومن هؤلاء أحمد ابراهيم الفقيه الذي صدرت له مسرحية “الغزالات” ونصوص أخرى متفرقة وكتب محمد عبدالجليل قنيدي مسرحية “الأقنعة” كما صدرت الأعمال المسرحية الكاملة للأستاذ مصطفى الأمير في ثلاثة مجلدات وصدر للشاعر عبدالحميد بطاو مسرحية شعرية بعنوان “الجسر” وعبدالكريم الدناع ايضا أعماله الكاملة كما ألف الشاعر مفتاح العماري بالاشترك مع مجاهد البوسيفي مسرحية “السور” . وأما الأستاذ الراحل عبدلله القويري الذي يتنمي إلى جيل الرواد فقد وزع جهوده الأدبية بين القصة القصيرة والمسرح ولكن مسرحه بالرغم من تعدد نصوصه ظل يدور في اطار ذهني جامد كان يطرح الأسئلة الكبيرة حول الوجود والعدم ومصير الإنسان والغنى والفقر والحرية بأبعادها التاريخية والعدالة وبالرغم من أهمية هذه الأسئلة واتساعاها إلا أن اجابة القويري عليها لم تكن مقنعة ولا وافية في سياقها المسرحي فكريا وفنيا فظلت أسئلته معلقة في الهواء .
    ذلك لأن القراءة الأولى في أعمال القويري المسرحية التي طبعت في كتب توضح أنه لم يكن هاجسه جمالية النص ولامعماره الفني فهو لم يوجه أي قدر من اهتماماته إلى الشكل الفني كما أنه لم يكن يفكر بمدى صلاحيتها أو ملاءمتها للتمثيل على الركح فقد كان الحوار هو كل مادته المسرحية أما ما تبقى من عناصر التأليف الدرامي الناجح والمتماسكة فنيا فيبدو أنها لا تعنيه في شيء من قريب أو بعيد..
    ضمن سلسلتها الشهرية التي تعني بتقديم نماذج من الابداع الليبي الحديث والمعاصر أصدرت مجلة “المؤتمر” خلال هذا العام مسرحية “الخن” تتكون من أربع لوحات اطلق عليها المؤلف اسم “ليالي” باعتبار ان الأحداث الدرامية تقع خلال الفترة الليلية حيث اعتاد ان يلتقي اشخاص المسرحية في بقايا بيت عتيق وينهض بهذه الليالي الثلاث أربع شخصيات استعارها المؤلف من التراث الحكائي الشعبي ألا وهي شخصيته “زعيط / معيط/ نقاذ الحيط/ الحاجة القديرية” إلا أن الشخصيات منا ذات سحنة عبثية تدير حوارها بلهجة عامية استوعبت مفردات الشارع الليبي الأمر الذي اعتبره الأستاذ الهادي حقيق الذي كتب مقدمة مختصرة ومركزة لهذه المسرحية زيادة في تعميق وتأصيل واظهار الميلاد والبطاقة الشخصية وجواز السفر في آن واحد للمفردات والتعابير الشبابية التي كانت تتسرب للهجتنا بخجل شديد من السبعينيات وحتى الآن مشيرا إلى “أن هذه المفردات والتعبيرات قد نضجت وتعمقت وصارت لها دلالتها النفسية والعاطفية والفكرية..”
    أما الأستاذ عبدالكريم الدناع وهو أحد الذين اسهموا في الكتابة للمسرح وتفرقوا له فقد وجه عنايته لكتابة النص المسرحي الذي يستمد أصوله من التراث كما لو أن الحاضر هو امتداد الماضي في ممارسته وأهوائه وأنه صورة منسوخة عنه وكأن الكاتب باستلهامه واستنطاقه لرموز شخصيات معينة في التراث العربي انما يوحي لنا لاشيء قد تغير فمازال الوضع فيما يتعلق بالقضايا القومية وحرية الفكر والاستبداد السياسي والعلاقة بين المثقف والسلطة إلى غير ذلك من القضايا التي تمرس بها مسرحيا لقد تميز مسرح الدناع بالجدية وكان يمكنه أن يطور أدواته المسرحية ويمضي في تجربته المسرحية إلى نهايتها ولكنه بدلا من ذلك نجده يتوقف عن الكتابة للمسرح إلا في فترات متباعدة وكأنه يعود إليه بدافع الحنين الذي ما يلبث أن يتبدد..
    وفي يقني ان الكاتب المسرحي الوحيد في ليبيا الذي أخلص للمسرح وكأنه المحراب الذي قرر ان يتعبد فيه وحتى النفس الأخير هو البوصيري عبدالله فلم يتطرق اليأس إلى نفسه بالرغم من كل الاحباطات التي يمكن ان يواجهها المرء وهو يدلف من بوابة المسرح فالمرء لا يمكن أن يتخيل أن مدينة في اتساع مدينة طرابلس وكثافتها السكانية لا يوجد بها إلا مسرح واحد ومع ذلك يأتي من يتغنى بالمسرح وبرسالته الثقافية والاجتماعية ومع ذلك فإننا نجد أن البوصيري عبدالله يواصل نسج أحلامه متجاوزا أزمة الكاتب الذي يكد ويتحرق للوصول بمسرحه إلى الناس فلا يواجه إلا بالنكران والجحود ويعاني من اهدار حقوقه المادية والمعنوية ومع ذلك فهو يستمر وهل قناعات البوصيري الشخصية برسالة المسرح هو ما يدفعه إلى مقاومة كل عوامل الاحباط والانكسار..
    لقد نجح هذا الكاتب الموهوب في ان يؤسس لمسرحه بعمل دؤوب لم يعطله عنه شيء وسجله المسرحي الحافل بالنصوص الابداعية يشهد بغزارة انتاجه وإذا كانت الغزارة لاتعد مقياسا أو مؤثرا على الابداع والتألق فان البوصيري عبدالله لم يكن يكتب ليضيف رقما جديدا في سلسلة كتبه المسرحية وانما كان هاجسه على الدوام تطوير مسرحه والارتقاء به فجاءت رؤيته تحمل دائما طابع الجدة والمغامرة وانطلاقه الخيال إلى ابعد حدوده وفي هذا السياق نجده يقترب من المسرح التجريبي كما في مسرحيته الجميلة ” تفاحة العم قريرة” فالبطل الحقيقي في هذه المسرحية تفاحة وهي في نفس الوقت عقدة النص اللعبة التي تغري وحالة والاشتهاء التي تستبد بمجوع الناس عند رؤية التفاحة ثم ذلك العرض التاريخي لدور التفاحة منذ القدم وعلاقتها بآدم وحواء بالعلم وتطوراته ثم العودة إلى تفاحة العم قريرة التي هي محور النص كل ذلك يأتي في اطار المفارقات الصغيرة التي تصب في مواقف ضاحكة فلم يكن العم قريرة يدري انه سوف يدخل في حقيبته جلبها معه من الخارج ولم يكن يدري انه سوف يثير من حوله كل هذه الضجة وكأنه أحضر معه مفتاح الجنة..
    وبالرغم من أهمية هذه المسرحية كتجربة جديدة في المسرح الليبي والعربي فهي مازالت في حاجة الناقد المسرحي الذي يدرس ابعادها الفكرية والجمالية بموضوعية ووعي..
    وفي اعتقادي ان مسرح البوصيري عبدالله في مجمله يحتاج إلى وقفة طويلة وإلى دراسة متأنية لابراز خصائصه ومعانيه الفكرية والفنية..