Category: سينما ومسرح

  • بقلم : تيسير بن موسى ..كاتب ومسرحية … عبدالكريم الدناع ..ليبيا مائة عام من المسرح -2-5

    بقلم : تيسير بن موسى ..كاتب ومسرحية … عبدالكريم الدناع ..ليبيا مائة عام من المسرح -2-5

    ​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-5- نوري عبدالدائم
    *****************​

    كاتب ومسرحية … عبدالكريم الدناع
    بقلم / تيسير بن موسى

    ضيف هذا العدد الكاتب المسرحي ” عبدالكريم الدناع ” الذي يعتبر من الكتاب النشيطين في التأليف المسرحي فله
    ست مسرحيات منشورة ” دوائر الرفض والسقوط “وباطل الأباطيل ” والتي تعتبر امتدادا لمسرحية “دوائر الرفض
    والسقوط ” وجزئها الثاني ثم ” سعدون ” و” العاشق ” و ” قاضى الشبيلية ” وأخيراً ” الخيول الجامحة ” وهناك
    أربع مسرحيات معدة وهي ” القضية “و ” قطار الموت ” و” سنوات القهر ” و” المحنة ” .
    وللأستاذ ” الدناع ” مشاركات في مهرجانات المسرح محليا وعربيا كمهرجان “قرطاج ” والرباط ” و” دمشق ” و ”
    الجزائر ” وقد قدمت “فرقة المسرح الوطني ” بمصراته معظم مسرحياته في ” ليبيا” وفي ” قسطنطينة ” وفي مدينة ”
    الجزائر ” والكاتب ” عبدالكريم الدناع ” هو من مواليد مدينة مصراته ومقيم فيها .
    وفي عام 1986 أصدرت له الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان مجلدا ضم أربع مسرحيات منها مسرحية ” دوائر
    الرفض والسقوط ” التي سأعرضها بعد قليل وهي من أعماله البارزة وقد عرضت على خشبات مسارح مصراته وطرابلس
    والجزائر حيث تتناول قضية النضال الشعبي ضد الحكام المستبدين الجلادين الذين يستعينون بالأجنبي الغريب لقهر
    شعوبهم وسرقة خيرات بلادهم وأن الكفاح ضد تسلطهم وطغيانهم يجب أن يتواصل بلا هوادة أو مهادنة حتى يحقق
    المناضلون انتصارهم عليهم والإطاحة بقواعد ظلمهم ورفع رايات العدل والخير والسلام فوق ربوع البلاد،وإن كل مناضل
    يتنكب جانب المجابهة الصريحة الحازمة مع هؤلاء الطغاة ويلجأ لسياسة اللين والمهادنة معهم سيكون مصيره السقوط
    بين مخالبهم .. تماما كمصير مراد بطل المسرحية .
    عرض المسرحية
    تتألف مسرحية “دوائر الرفض والسقوط”من فصلين كل فصل يتألف من مشهدين ثم فصل الخاتمة،وشخصيات المسرحية
    الرئيسيون هم :
    مراد : شاب رمز به المؤلف للشباب الثائر على حكم العمالة والخيانة والاستبداد .
    الأم : رمز بها لأرض الوطن التي انتهك المستعمرون الأغراب شرفها وقدسيتها بموافقة وتأييد حاكم البلاد المستبد .
    عارف : رجل كبير من الوطنيين الأحرار عرك الحياة وخبر أساليب الحكام الشيطانية .
    ثلاثة من الشباب الذين اشترتهم السلطة أو أرهبتهم فوقفوا ضد مراد .
    أعرج وأعمى أدعيا العرج والعمى لأنهما من رجال مخابرات السلطة .
    الحاكم “عادل” ثم القاضي المنافق “ابن أبيه” ومساعده “يحيى” ذو الضمير الحي والذي يقف معارضا لنفاق رئيسه
    وبيعه ضميره للحاكم .
    ثم هناك شخصية محورية أخرى لاتظهر على المسرح وهي شخصية الحارس الأجنبي المقتول،وقد رمز به المؤلف للمستعمر
    الدخيل الذي يمارس كافة أنواع التعذيب والقهر على جماهير المواطنين ويسرق وينهب ثروات البلاد الوطنية المسيطر
    عليها بقوة الحديد والنار.
    ويفهم من الحوار أن الحاكم عادل حول الوطن إلى سجن كبير سجّانه ذاك الأجنبي المستبد المتكبر ويتهم مراد بقتله
    انتقاما وثأرا منه لشعبه وفي المشهدالأول من الفصل الأول يظهر مراد وهو داخل قفص الاتهام بقاعة المحكمة التي
    ستحاكمه على قتله السجان الأجنبي وتحاول الأم إقناع ابنها بعدم الاعتراف بقتله للحارس لأنه لم يثبت أنه فعلا
    القاتل لكنه يصر على تأكيد أنه هو القاتل لأن في ذلك فخراً له ودليلا على وطنيته وتمكنه من الانتقام من ذلك
    المجرم السارق السفاح وتتولى أمه وعارف إقناعه بالتراجع عن اعترافه لأنه سيحاكم ويموت كأى مجرم عادي بينما
    مكانه الحقيقي يجب أن يكون بين زملائه داخل السجن الكبير ليحرضهم على الثورة ومقاومة الاستعمار والفساد .
    وفي المشهد الثاني من الفصل الأول يبدو القاضي المنافق “ابن أبيه” ومساعده “يحيى” في دار الحاكم الذي
    استدعاهما ليبلغهما تعليماته بشأن إدانة مراد وإلصاق التهمة به ولكن يحيى يعترض على ذلك التلفيق والتزوير
    فيخرج من مجلس الحاكم غاضبا فيوعز هذا الأخير لحاجبه بأن يتبعه ويقتله وبعد حين يسمع صوت إطلاق رصاصة تدل على
    أن يحيى قد قتل .
    وفي المشهد الأول من الفصل الثاني تبدأ محاكمة مراد ويعترف مراد بأنه قاتل السجان ويشهد ثلاثة من الشهود الذين
    هيأتهم السلطة لذلك الدور وحين يهم القاضي بإصدار الحكم على مراد بالإعدام يدخل حاجب الحاكم فجأة ويسلم
    القاضي رسالة من الحاكم تطلب منه منع المحاكمة لأنه أصدر عفوه عن المتهم ثم بعد حين يدخل الحاكم نفسه قاعة
    المحكمة ويطلب من الحراس أخذ مراد إلى قصره .
    وتتدخل الأم وعارف اللذان عرفا أن الحاكم يحاول شراء مراد وأنه بالفعل وقع في شراك ذلك المستبد
    الظالم..ولنقرأ هذا الحوار بين عارف ومراد وأمه .
    عارف:الآن يابني يبدأ استشهادك الحقيقي .
    مراد : ماذا تعنى حفظك الله !
    عارف : أعنى أن الحكم قد أصدر حكمه ضدك ولكن بصريقة أخرى لماذا لم تدفع عنك التهمة أو تدعنى أدفعها لقد تركت
    الاستشهاد في سبيل الحق وها أنت تموت في سبيل الباطل .
    مراد : “يائسا” ماذا تعني ؟
    عارف : لقد حرموك من تقديم عنقك وأبجديات العالم كلها لاتستطيع إفهامك .
    مراد : أماه ياصوت الحكمة يامن علمتني كيف أحب الناس والأرض تعالي فارسك في محنة الاختيار .
    الأم : أواه يافارسي وحبيبي أنا علمتك كيف تستشهد في موقعك علمتك كيف تموت واقفا ولم أعلمك كيف تموت بالمجان
    .
    مراد: وهل مت بالمجان ياأماه ؟ لقد كنت على استعداد للموت من أجلك وأجل الذين أحبهم لكنهم رفضوا منحي هذا
    الشرف ولكني لن أستسلم سوف أبقى على عهدي لك ولهم ، ولن أتنازل عن حب الأرض والناس .
    الأم : يمكنك أن تحبهم وأنت معهم في السجن وسوف تنساهم عندما تضع رجلك في قصر الحاكم .
    مراد : لا أفهم ما تعنين ؟
    الأم : إنك وأسفي لم تعد تفهم شيئاً .
    وفي المشهد الثاني من الفصل الثاني يكشف الحاكم لمراد بأنه هو الذي دبر مسرحية قتل الحارس الأجنبي وإشاعة أن
    مراد هو القاتل ليظهر أمام الشعب بأنه بطل وطني وفدائي شجاع بينما الحارس لم يمت قتلا بل بالسكتة
    القلبية،ويعرض الحاكم على مراد أن يحل مكان الحارس المتوفي ويهدده إن لم يقبل هذه الوظيفة بأنه سوف يكشف
    للناس الحقيقة وهي أن مراداً كذب عليهم وادعى أنه قتل الحارس ثأرا لهم منه ويتردد مراد ويحاول عارف تنبيهه
    للمؤامرة التي يدبرها له الحاكم الداهية وأنه إذا قبل هذه الوظيفة أصبح جزءاً من هذا النظام الفاسد،لكن مراداً
    لا يستمع لنصيح ذلك الرجل الوطني العاقل ويبرر قبوله لهذا المنصب بأنه سيتمكن من خلاله من تقديم العون
    والمساعدة لشعبه،وفي الفصل الختامي يشكف ستار المسرح عن اثنين من حراس الحاكم وهما يحملان على كتفيهما جثة
    مراد والدماء تنزف من صدره إثر طعنة في قلبه..ولنقرأ هذا لحوار الختامي للمسرحية .
    عارف:”بصوت قوي ” من الذي قتله ؟
    الأعرج : أحد السجناء
    عارف:قتلوك يامراد أواه لو استمعت إلى نصحي إلى صوت الحكمة .
    الأعمى:” يبكي ” قال القاتل إن مرادا كان يسرق أقوات السجناء .
    عارف : وهذا ما كانوا يريدونه .
    ابن أبيه:” القاضي ” سوف نحاكم القاتل .
    عارف : ثم تنصبونه حارسا للسجن:يا ابن أبيه قل لسيدك ومولاك لاعجب أن مات مراد وسوف يموت غيره من أجل أن يقسم
    رزق السجناء بالعدل ومن أجل أن ينتهي السجن والجوع معا .

  • كتب: الصالحين الرفروفي ..عن الفنان: فرج الربع ..ليبيا مائة عام من المسرح-2-2

    كتب: الصالحين الرفروفي ..عن الفنان: فرج الربع ..ليبيا مائة عام من المسرح-2-2

    ​​​​​
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-2- نوري عبدالدائم
    *****************​
    الفنان/ فرج الربع
    متابعة/ الصالحين الرفروفي

    امتلاكه لصوت جميل مكنه من اقتحام فن الغناء في نادي النجمة.. عندما اكتشفه الفنان: إبراهيم العريبي وعرف موهبته فقام بتوجيهه للمسرح.. ليبدأ رحلة عطاء فني زاخرة بعديد الأعمال.. أنتسب للمسرح الشعبي في بنغازي وتلقى دورة تدريبية في مجال المسرح على يد الأستاذ/ الفنان عمر الحريري سنة ١٩٦٧ مسيحي، وقدم معه مسرحية “البيت الحرام” وأيضاً مسرحية “ثمن الحرية” والتي تعتبر محطة مهمة في تاريخ المسرح الليبي والمحطة الرئيسة في حياة هذا الفنان.. لتتواصل رحلة الفن لديه ويقوم بتمثيل مسرحية “البخيل” من إخراج الأستاذ/ منصور فنوش، وفي مسرحية “من وراء القضبان” يتحصل على جائزة أحسن ممثل سنة ١٩٧٠ ف.. وقد اتجه هذا الفنان إلى الإخراج حيث قام بإخراج مسرحية “الضحك ساعة” والتي تعتبر نقلة نوعية في المسرح حيث كانت بداية المسرح الكوميدي الاجتماعي والذي استمر عرضها لمدة شهرين بشكل متواصل في مدينة بنغازي، لقد قام هذا الفنان المتعدد المواهب بإخراج مجموعة أعمال من بينها “عائلة عصرية جداً” قهوة الرايق، عيد ميلاد سعيد، وآخرها مسرحية “الدوّه فيها دوّه” سنة ٢٠٠٣ ف، وآخر عمل قام بتمثيله مسرحية: فليسقط شكسبير التي تحصلت على جائزة العرض المتكامل في المهرجان التاسع للفنون المسرحية.
    من أعماله التلفزيونية “أم العلاوى، حد الزين، شجرة الدر عمل عربي مشترك، ضوايق لشلم”.
    ساهم مساهمة فعالة في النشاط المسرحي وأخرج عدة أعمال من خلاله واكتشف عدة مواهب.
    هذا الفنان الذي أثرى المشهد الفني تمثيلا وإخراجا على مدى أربعين عاما قطع حبل نشاطه.
    حد المرض الذي أصيب به أخيراً وهو مرض الشخوخة المبكرة بكل أسف حيث بدأ يفقد جزءا من التذكر وهو السلاح الأساسي والمهم للممثل والفنان بشكل عام.. وقد بدأ رغم إمكاناته البسيطة والمتواضعة جداً علاجه بجمهورية مصر العربية على نفقته الخاصة هذا الفنان الذي يستحق منا الوقوف معه وعلاجه، ننشاد المسؤولين ولجنة الإعانات باللجنة الشعبية العامة للثقافة أن تمد له يد العون والمساعدة وذلك بالمساهمة في علاجه، وأقل ما يمكن أن نقدم له مكافأة له على هذه الرحلة المتواصلة من العطاء في هذا المجال إن هذا الفنان العصامي الذي لا يمكنه حياؤه من طرق باب المسؤولين لابد من الوقوف معه حتى يتمكن من العلاج ويعود للأسرة الفنية معافي ليستطيع تقديم الأعمال الكثيرة والكب

  • كتب: محمد بنور ..علي العلواني موهبة تركت فراغاً في المسرح ..ليبيا مائة عام من المسرح-2-1

    كتب: محمد بنور ..علي العلواني موهبة تركت فراغاً في المسرح ..ليبيا مائة عام من المسرح-2-1


    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -2-1- نوري عبدالدائم
    *****************

    علي العلواني
    موهبة تركت فراغاً في المسرح
    إعداد / محمد بنور

    يعد الفنان المسرحي الراحل ” علي العلواني” من أبرز المسرحين الذين أثروا الحركة المسرحية بالعديد من الأعمال بعد التحاقه بالمجال الفني سنة ١٩٥٧ مسيحي. وفي سنة ١٩٥٩ انتسب إلى فرقة الأمل للتمثيل وهي الواجهة الأولى لعدد كبير من الفنانين المسرحيين، ثم واصل نشاطه الفني من خلال المسرح بفرقتي المجد والقومي للتمثيل وهذه الأخيرة استمر بها إلى أن انتقل منها سنة ١٩٦٧ رسمياً إلى فرقة المسرح الليبي ” الجديد حالياً”.رحلته الفنية في المجال المسرحي حافلة بالكثير من الأعمال كان أبرزها مسرحية ” ظلام في الظهرة” والتي أخرجها سنة ١٩٦٥ الفنان ” عبدالحميد المجراب”.
    أما آخر محطاته المسرحية فكانت من خلال ” باب الفتوح” إخراج ” فتحي كحلول” وتنفيذ فرقة المسرح الوطني بطرابلس ومسرحية ” الوصية” تأليف الحاج ” محمد دعاب” وإخراج الفنان ” نوري عبدالدائم” التي أنتجها المسرح الوطني ومسرحية . وبين المحطة الأولى والأخيرة كانت له عدة محطات زادت عن العشرين اختاره الكثير من المخرجين كان من بينهم الراحلان الأزهر أبو بكر حميد، الهادي راشد، وكذلك المخرجون عبدالحميد المجراب، نوري عبدالدائم، عبدالله الزروق، محمد العلاقي، فتحي كحلول، عبدالحفيظ أبو سبولة. ومن خلال المهرجانات المسرحية المحلية فقد شارك في عدد من دوراتها إلى جانب مشاركته في عدد من المهرجانات العربية كان آخرها مهرجان دمشق للفنون المسرحية سنة ١٩٨٨ مسيحي عندما شارك صحبة زملائه بفرقة المسرح الوطني بطرابلس في مسرحية ” باب الفتوح” تأليف الكاتب العربي محمود دياب ، إخراج فتحي كحلول.. وكما كانت له محطات مسرحية كانت له أيضاً محطات مرئية فكانت البداية سنة ٦٧ ومن خلالها قدم عدد كبيرا من الأعمال الفنية من أبرز عناوينها” منزل للبيع، حروف بارزة، الغضب، صور اجتماعية، الحصن المنيع،منوعة هوينا” وهذه المنوعة هي الأخيرة في حياته الفنية. ويعتبر الفنان الراحل علي العلواني من الممثلين الأوائل الذين عملوا بالمجال الإذاعي بعد إنشاء الإذاعة المرئية سنة ١٩٦٨ وفي مجال الخيالة له مساهمة واحدة من خلال شريط ” يوم في حياة بئر” للمخرج فرج الرقيعي. وعلى الرغم من أنه كان لايجيد القراءة والكتابة إلاّ أن له ذاكرة قوية في حفظ الأدوار التي تسند إليه وتميزه في المشاركات التي اختير فيها مما جعله يتلقى صحبة عدد من زملائه الفنانين دورة تدريبية في مجال الإخراج المرئي بأيطاليا حيث كان متميزاً في التحدث باللغة الإيطالية نشير إلى أن آخر الأعمال الفنية التي شارك فيها قبل رحيله حملت عنوان ” هوينا” للفنان صالح أبو السنون ومسلسل ” الحصن المنيع”لشيخ المخرجين حسن التركي هذه باختصار نبذة عن رحلة الفنان الراحل علي العلواني المولود في العام ١٩٣٥ والمتوفى في العام ٢٠٠٢ مسيحي.

     

  • الفنان :خزعل الماجدي ..كتب عن بذور الدراما الرافدينية في عصور ما قبل التاريخ .

    الفنان :خزعل الماجدي ..كتب عن بذور الدراما الرافدينية في عصور ما قبل التاريخ .

    %25D8%25B9%25D9%258A%25D8%25AF%2B%25D8%25B1%25D8%25A3%25D8%25B3%2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B3%25D9%2586%25D8%25A9%2B%25D9%2581%25D9%258A%2B%25D9%2588%25D8%25A7%25D8%25AF%25D9%258A%2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B1%25D8%25A7%25D9%2581%25D8%25AF%25D9%258A%25D9%2586

    بذور الدراما الرافدينية في عصور ما قبل التاريخ

    مجلة الفنون المسرحية

    خزعل الماجدي

       تزخر عصور ما قبل التاريخ بالكثير من الآثار واللقى التي تبدو لنا مثل مرايا متماسكة في صندوق واحد يمكن النظر إليها ، عبر زوايا متعددة ، بحيث تعطينا في كل مرة منظراً مختلفاً  وصوراً معادة التأويل وفق طريقة النظر إليها.
        وتشكل آثار وادي الرافدين منذ العصر الحجري الحديث (النيوليت) وحتى مطلع العصور التاريخية أكثر الآثار خصباً وتنوعاً في الشرق الأدنى القديم. وإذا كان البحث في الفنون المادية والمظاهر الدينية لهذه الفترة يسيراً بعض الشيء، إلا أنه يبدو مستحيلاً فيما يخص الأشكال الدرامية وجذورها هناك. ولا سبيل إلى إدراك ذلك سوى ما يمكن أن نؤوله ونعزز به تلك الشذرات الموحية هنا وهناك.
        إن الفترة الممتدة من الألف التاسع إلى الألف الرابع قبل الميلاد في العراق القديم ليست بالفترة البسيطة فهي تعادل الفترة بين ظهور سومر حتى يومنا هذا.. وهي بلا شك تحتوي على الكثير من جذور وشعيرات الحضارات العراقية القديمة، ولذلك تحرينا فيها بدقة وأمسكنا ببعض ما يمكن أن نسميه التقدمات أو الجذور الأولى للأشكال الدرامية الرافدينية.
    وإذا كانت سومر تحمل بذور الحضارات التاريخية في العراق القديم والعالم القديم بأكمله فأن الثقافات أو الحضارات الزراعية والمعدنية التسع(1) التي تسبق سومر حملت، هي الأخرى، بذور الحضارة السومرية. ولولا ذلك التراتب والنقلات الحضارية المتتابعة في هذه الحضارات التسع لم تظهر نواميس الحضارة السومرية التي كانت قاعدة العصور التاريخية بأكملها.
        لقد حاولنا الاستفادة في هذا البحث من طرائق المنهج الجدلي بمعناه العام في البحث عن الجذور الدرامية الأولى في عصور ما قبل التاريخ. فقد رأينا أن العصر الحجري الحديث (النيوليتNeolithe) بثقافاته الأربع، يحتوى على بواكير مادة الأشكال الدرامية الأولى بشكلها البسيط والمرتبط بالأرض، وخصوبة التربة، والقرية الزراعية، والمرأة، والإلهة الأم والتي سادت في القسم الشمالي من العراق واعتبرنا ذلك بمثابة الأطروحة (Thesis)، ولكننا عندما انتقلنا إلى العصر الحجري المعدني (الكالكوليت Chalcolithe) بثقافاته الخمس ( مضيفين له مرحلة العصر الشبيه بالكتابي أو الشبيه بالتاريخي)(2)، وجدنا أن وظيفة الأشكال الدرامية السابقة (النيوليتية) تنقلب أو تنعكس تماماً وترتبط بأفكار جديدة، تتمحور حول استعمال المعادن، وخصوبة الماء، وظهور المدينة والمعبد، وسيطرة الرجل، وبدء الانقلاب الذكوري في الدين. وكان المسرح الواسع لكل هذه التحولات جنوب العراق (وليس شماله كما في حضارات النيوليت) وبسبب هذه المتضادات الحضارية اعتبرنا ذلك بمثابة الأطروحة المضادة (Anithesis)، وهكذا نشأت من الصراع أو الجدل بين العصرين وحضاراتهما المتضادة حركة واسعة وقوية ومركبة، شكلت المادة الثقافية للعصور التاريخية في العراق القديم والتي بدأت بسومر، واعتبرنا ذلك بمثابة التركيب (Synthesis).
        ونرى أن حركة الجدل هذه لا تشمل الجذور الدرامية فقط بل تكاد تنطبق على مجمل أنشطة ومظاهر الحضارات العراقية ما قبل التاريخية ثم التاريخية. فقد نبتت في الثقافة النيوليتية العناصر الأولى، ثم ظهرت في الثقافة الكالوليتية مضاداتها، ومن صراعهما ظهرت عناصر الثقافة السومرية التي هي برأينا نتاج صراع وجدل طويل بين الثقافات والحضارات النيوليتية والكالكوليتية بكل ما حفلتا به من تضاد وتنازع.
     
    العصر الحجري القديم (الباليوليت)
    الأصول العميقة للعمل والدين والفن
        لا تسعفنا الآثار المستخرجة في وادي الرافدين والدالة على العصر الحجري القديم (الباليوليتPaleolithe) بمشهد دقيق وواضح يشير إلى أي مظهر من المظاهر الدرامية، ولكننا وقياساً على طرق البحث الاستنتاجية نرى أن هذا العصر حفل بظهور البذور الأولى للعمل والدين والفن.
        ففي العراق القديم ظهر العصر الحجري القديم الأدنى وأدواته الحجرية الكبيرة الأشولية في (بردة بلكا) في جمجمال، أما في العصر الحجري القديم الأوسط فقد ظهرت جماعات من البشر سكنت الكهوف في العراق، وفي كهف شانيدر ظهرت في أعمق طبقاته وهي الطبقة الموستيرية ثلاثة هياكل عظمية لإنسان النياندرتال (3) الذي كان يستعمل الأدوات المتوسطة الحجم، أما الإنسان العاقل فقد ظهرت ثقافته المنتمية للعصر الحجري القديم الأعلى والتي تسمى في العراق بـ(الثقافة البرادوستية)، أما العصر الحجري الوسيط (الميزوليت) فقد ظهرت ثقافة الإنسان العاقل في العراق في كهف زرزي (الثقافة الزرزية) حيث بدأ يستعمل الأدوات الحجرية الدقيقة.
        وكان الإنسان في كل هذه العصور قد تطور بطيئاً في أعماله وثقافاته. ولا شك أنه من خلال استعمال الأدوات الحجرية للصيد تعلم العمل، ومن خلال دفن الأموات عرف ملامح الدين الأولى، ومن خلال الرسم على الصخور وأحجار الكهوف عرف الفن. وهكذا اكتملت الدوافع الأساسية لتشكل الحضارة القديمة ما قبل التاريخية.
        إن أهازيج وترانيم العمل اليومي واكتمال حنجرة الإنسان وقدرتها على التصويت والكلام والغناء وظهور أول أشكال الموسيقى البدائية المنفذة بالصوت البشري والأغصان اليابسة والعظام وجلود الحيوانات.. كانت تحصيلاً طبيعياً لعلاقة إنسان الباليوليت مع الطبيعة ومع ظهور العمل والدين والفن بأشكالها البدائية.
        هناك من يرى مثلاً أن الموسيقى البدائية الناشئة عن غناء وإنشاد الإنسان يمكن أن تنتظم وفق طريقتين، اعتماداً على سلوكه ودرجة أنفعاله النفسي أمام أجوائه وظروفه الصعبة، حيث تعمد الطريقة الأولى على “ترتيل بسيط لبعض العبارات، تاركاً للكلمات المجال لتكون مركز الاهتمام الوحيد بغية إيصال المعنى المطلوب فهو إذن أسلوبٌ لحني تولد من موسيقى تتابع مقاطع كلماته، أو أنه وليد الكلمة ويصطلح عليه بـ( لوغوجينك Logogenic) . وقد ارتبط هذا الأسلوب اللحنى مع حالات استقراره النفسي وهدوئه وراحته وإطمئنانه.(4)
    أما الطريقة الثانية فتتكون مع حالات ذعره وخوفه وهياجه وتوتره حيث تنطلق العبارات والكلمات والمقاطع منه متلاحقة بعنف بالغ القوة على شكل أنطلاقات عنيفة حيث تقل أهمية المعاني وتزداد أهمية التعبيرات الصوتية ويسمى هذا الأسلوب بـ(الأسلوب العاطفي أوالمرضي Pathogenic). وقد نشأ بين هذين النوعين الأسلوب اللحنى أو المثير (Melogenic) الذي استقل عن أسلوب الكلمة الأول وأسلوب العاطفة الثاني واعتمد على اللحن(5).
        وتصلح هذه التقسيمات لأي عصر حجري متواتر في مراحله، لأنها تعتمد على كلام الإنسان وأصواته وصراخه ورقصه وحركاته. ويمكن بالإضافة على ذلك استنتاج أن الإنسان في هذا العصر وفق عقيدته الدينية المرتبطة بالحيوان تأثر بالحيوان واعتبره تجلياً من تجليات (المقدس). وهكذا كان تقليد حركات الحيوان بمثابة شكل من أشكال التقديس والعبادة. وكذلك كانت طقوس صيد الحيوان وذبحه ودفنه واستخدام بعض أعضائه مثل القرون والجماجم والجلد والصوف والشعر كأزياء تنكرية كمحاكاة له، وقد كان ينبوعاً ثراً للعقائد اللاحقة.
        وفي هذه المرحلة التي ساد فيها السحر ورافقاها صيد الحيوان وتقديسه في الوقت نفسه، يمكننا أن نؤكد ظهور المكياج الأول وتخطيط وجه وجسم الإنسان، وخصوصاً عند زعيم القوم أو الشامان(6) الذي كان الكاهن والساحر والزعيم بغية تميزه عن غيره وزيادة في هيبة الطقوس السحرية والدينية ومن ضمنها الرقص وتقليد حركات الحيوانات، لقد كانت هذه العناصر التي تغرق في هيولي دينية وروحية بدائية هي التي اعطت البذور الأولى للطقوس الدينية ذات الطابع الدرامي والتي ظهرت واضحة في العصور اللاحقة.
     
    العصر الحجري الحديث (النيوليت)
    أشكال الدراما الأولى
        بعد أكتشاف الزراعة وتدجين الحيوان واستقرار الإنسان ونشوء القرى والتجمعات الفلاحية حصل تحول نوعي في الطقوس والممارسات الدينية النيوليتية، فقد شدّها جميعاً إلى مركز واحد جوهر أساسي هو الإخصاب وظهور الإلهة الأم الممثلة لخصب الأرض.
    وظهرت من خلال الممارسات الزراعية والدينية مجموعة من الطقوس التي يمكن عدّها بمثابة الأشكال الدرامية الأولى رغم أنها تحمل رسالة ثقافية عامة وهذه الطقوس هي:
    1.   عبادة الإلهة الأم: طقوس التشبيه والمحاكاة
        أفرزت الزراعة ديانة الخصب النيوليتية التي كانت تستند بالأساس إلى عبادة الإلهة الأم، فحينما كان الرجل منشغلاً بصيد الطرائد وجمع القوت كانت المرأة الملازمة لأبنائها تقضي وقتها في جمع الحبوب ثم توصلت إلى تكثيره عن طريق دفن الحبوب في الأرض من أجل خزنه في بداية الأمر، لكنها فوجئت أن هذه الحبوب أنتجت نباتات تحمل أضعاف تلك الحبوب وهكذا تهيأ للمرأة القيام بأعظم اكتشاف في التاريخ وهو اكتشاف الزراعة. وقد قام الإنسان والرجل بصفة خاصة بربط عملية التكاثر عن طريق الزراعة بالمرأة فقط لأنه كان يعتقد أن قدرتها الخاصة بالولادة هي التي تجعلها مؤهلة للزراعة. ولم يكن الرجل آنذاك يعرف دوره في حمل المرأة، إذ من أين له معرفة ذلك طالما أن انتفاخ بطن المرأة وظهور بوادر الحمل ثم الولادة يأتي بعد شهور من الاتصال الجنسي بالمرأة..!!
     
      
    الإلهة الأم في حضارة حسونة
        هكذا أصبحت القداسة تحيط بالمرأة، وكان لا بد من تصور قوة خصبة في الكون على شكل أنثى. ولأن الإنسان طابق بين المرأة والأرض، فلذلك نراه حصر القوة الإخصابية في الكون بالدمى الطينية المصنوعة على شكل امرأة وبالطبع كان شكل هذه الدمى على صورة المرأة البدينة المعافاة الخصيبة الحامل التي هي رديفة الأرض الخصبة المثمرة.
        هكذا ارتفعت الأم إلى مرتبة الألوهية وأصبحت الإلهة الأم لاحقاً تبدو وكأنها سبب إخصاب الأرض في العقيدة الدينية.
     
        إن الإنسان العراقي القديم قام أولاً بتشبيه الأرض بالمرأة البدينة ذات الأعضاء الجنسية الكبيرة كإلهة كبرى، بدلاً من الحيوان المقدس الذي سيطر على العبادة في العصر الحجري القديم. ثم قام الإنسان بعد ذلك بمحاكاة هذه الإلهة فأصبحت المرأة زعيمة القوم وكانت صفاتها بالضرورة القوة والخصب والصحة لأنها تناظر الإلهة الأم، وظهرت طقوس العبادة التي تحاكيها أيضاً.
        إن فعلي التشبيه والمحاكاة يحملان جوهر الدراما.. ونرى كذلك أن عبادة الإلهة الأم جرى في العصر النيوليتي في العراء وكانت الأرض التي يريد الإنسان زراعتها مسرحاً لها بالدرجة الأساس ولذلك كانت تماثيلها المخروطية الشكل ذات النهاية المدببة السفلى تُنبّت في الأرض أثناء عمليات الزراعة، أما التماثيل الهرمية الشكل ذات النهاية اسفلى المسطحة فكانت توجد في القرى والبيوت تبركاً بالإلهة الأم، وكانت هذه العبادة تشتمل على طقوس مختلفة تختلط معها الكثير من العناصر الدرامية والفنية والغنائية.
     
    2.   المصارعة كطقس ديني درامي
        لم تكن المصارعة في العصور ما قبل التاريخية نشاطاً رياضياً بل ارتبطت جذورها البعيدة بالحياة الدينية.
        إن المرأة التي تزعمت النشاط الإجتماعي والسياسي والديني في الثقافات النيوليتية الشمالية في وادي الرافدين كانت تختار زوجها أو ضجيعها عن طريق إجراء منافسة قوى بين الرجال الأشداء ليكون الزوج جديراً بالمرأة الزعيمة.
        وكانت مسابقات المصارعة بين الرجال تجري كل عام قبل طقس الزواج المقدس الديني، حيث يتم زواج المرأة الزعيمة باعتبارها ممثلة للإلهة الأم من الرجل القوي المنتصر في المصارعة، وبزواجها هذا يُشار إلى إخصاب الطبيعة.
        إنه لمما يلفت الانتباه أن مشاهد المصارعة في الأعمال النحتية والتشكيلية تظهر في العصر السومري القديم (حوالي 2500-2235 ق.م) ثم تزول في العصور اللاحقة وهذا يدل على أن طقس المصارعة كان يمتد بجذوره إلى فترة قديمة أبعد من هذا التاريخ بكثير.
    ويرى الدكتور (فوزي رشيد) أن المصارعة كانت جزءاً من طقوس استنزال المطر في شمال العراق حيث “توحي لنا بأن رياضة المصارعة في العراق كانت تمثل في أغلب الظن الأختبار الذي يختار من خلاله الكاهن الذي يأخذ على عاتقه مهمة استنزال المطر والذي يكون كذلك عريّساً في الزواج المقدس.”(7)
        إن صفات الشباب والحيوية والسمنة هي التي تجمع بين العريس والمصارع وتشير إلى ما تمتاز به الإلهة الأم البدينة المخصبة، ولأن الزواج المقدس كان يحصل في ربيع كل عام لذلك كان سرعان ما يفشل الكاهن المصارع العريّس في الاختبارات القادمة لظهور رجل أقوى يليق بالكاهنة العليا الممثلة للإلهة الأم.
       
     
        ويذكرنا هذا الأمر بفكرة (الغصن الذهبي) في عبادة (ديانا) في نيمي حيث يتمكن الشخص الذي يكسر هذا الغصن من شجرة محرمة من منازلة الكاهن فإذا استطاع قتله فإنه سيحصل على لقب (ملك الغابة). وكانت ديانا تقوم بدور الإلهة الأم في هذه الشعيرة.(8)
        ويرى (فرويد) أن جذور هذا الطقس تكمن في تقاليد القردة العليا التي نزح منها الإنسان حيث القرد الأقوى الأعظم هو الذي يسيطر على إناث مجموعته حتى يتهيأ له قرد أقوى منه يقوم بقتله ويحتل مكانه.(9)
        إن هذه الجذور البعيدة توضح بما لا يقبل الشك أن طقس المصارعة يقوم على أساس ديني غذائي جنسي قبل أن يكون رياضة وأنه كان ،ذات يوم، شكلاً درامياً بما يحتويه من صراع ونظّارة ومشاهدين يشاهدونه وروح ديني يعطيه عمقاً طقسياً، وهذه ،من وجهة نظرنا ،تشكل جوهر الدراما وأحدى جذورها الأهم في العراق القديم.
        إن مشاهدة المصارعة الحرة التي نتعرف عليها بكثافة في العصر الروماني مترافقة مع الأعياد والاحتفالات الشعبية تمتد بجذورها إلى عصور قديمة جداً وربما إلى العصر النيوليتي الشمالي الذي يمكن أن يكون تقليداً تطورت صيغته عبر العصور، وتنوعت أساليبه وأغراضه كلما تقدمنا في التاريخ حتى تحول إلى مجرد رياضة حرة فقدت جذورها الدينية وتحولت إلى ممارسات دنيوية تدخل في إطار الألعاب الرياضية القديمة.
    3.   استنزال المطر (الاستسقاء): الرقص الديني
        كشفت لنا الثقافة النيوليتية الشمالية وخصوصاً في سامراء في حدود الألف الخامس قبل الميلاد عن مجموعة من الآثار الدالة على ظهور طقس استنزال المطر (الاستسقاء). لعلّ أهمها ذلك الطبق الخزفي الذي تظهر عليه أربع نساء متقابلات تتطاير شعورهن من اليسار إلى اليمين (باتجاه عقرب الساعة) وهنّ في مظهر عار يؤدين رقصة واضحة أساسها نثر الشعور باتجاه الشرق (أنظر الشكل في بداية الفصل والشكل 3)، ويشكل مظهر النسوة وشعورهن ما يشبه الصليب المعقوف أو رمز السواستيكا الذي هو رمز الخصب الأنثوي الذي تمثله المرأة في نهاية عصر النيوليت ويجسد هنا علاقة المرأة بالخصب توسلاً بالمطر الذي هو أساس الزراعة في منطقة مثل منطقة سامراء التي تقع جنوب الخط المطري في وادي الرافدين.
    وقد انتشر هذا الرمز انتشاراً واسعاً في العالم القديم انطلاقاً من وادي الرافدين حيث نجده وقد ترسخ في الحضارات الآرية ليدل على الخصب حتى جاءت النازية فاعتبرته رمز التفوق الآري وصار مع ممارساتها العنصري رمزاً للخراب والدمار.
      
    الإلهة الأم السمكة ورمز الصليب المعقوف (سواستيكا ) الدال على الخصب الانثوي/ سامراء 6000ق.م
     
        إن النساء العاريات الأربع محاطات بثمان عقارب تسير وراء بعضها من اليسار إلى اليمين. وهذا ما يعزز علاقة المرأة بالإلهة الأم التي كان بعض رموزها العقرب والأفعى، فقد كانت الأفعى نموذجاً للتكامل الأنثوي عندما تضع ذيلها في فمها وتشكل الأوربورس الأول الذي خرج منه الكون، أما العقرب فقد كانت طريقة تفقيس البيوض التي في جسدها عن طريق شق العقارب الصغيرة لظهرها، نموذجاً فريداً للإلهة الأم التي كان أبناؤها يفترسونها بعد الولادة مضحية بحياتها. وكذلك رمزَ الإنسان الرافديني للإلهة الأم بالسمكة التي تظهر في الأواني الخزفية بدلاً من العقرب. وربما شكلت الجداء رمز السواستيكا بقرونها.
        إن هذه الآثار كلها تدل على أن ترميزة الاستسقاء هي السواستيكا أو الصليب المعقوف التي كانت منتشرة في ثقافة سامراء، وذلك لأن إنسان الحجري الحديث عندما هبط قليلاً جنوب مواقعه الأولى في (ملفعات) و(جرمو) و(الصوان) اكتشف أن الماء يعوزه في الزراعة وكان المطر هو المصدر الأول للمياه لأنه لم يكن قد عرف بعد السيطرة على مياه الأنهار والاستفادة منها في الزراعة.
        ولكن سامراء كانت جنوب خط الأمطار ولذلك تتذبذب فيها موجات المطر دون نظام معين ومن الأفضل القيام بطقوس سحرية لإسقاط هذه الأمطار، وتكاد رقصة نثر الشعور هذه أن تكون مثالاً جيداً لتطبيق قانون السحر الأول الذي هو القانون التشابهي حيث العلل المتشابهة تعطي نتائج متشابهة، فالنساء الأربع اللائي ينثرن شعورهن يقمن بتحريك الهواء والغبار في هذا الجزء من العالم (حيث يجري الطقس) مما يؤدي وفق القانون السحري إلى تحريك هواء العالم كله. وهو ما يجلب الغيوم ويجعلها تمطر خصوصاً أن المرأة هي التي تؤدي هذا، والغيوم والأمطار والمرأة كلها عناصر خصب.
        إن طقس الاستسقاء السحري هذا هو طقس درامي في جوهره لأنه يقوم على صراع  الخصوبة (المرأة وشعرها) مع الجفاف وتذبذب نزول المطر، ثم أن فيه عمقاً دينياً واضحاً، ولا شك أنه كان يجري تحت رعاية الكهنة (أو الكاهنات) والناس الذين يشكلون النظارة والذين يترقبون الطقس ويعيشون فيه.
        إن ما يؤكد هذه الحقيقة العثور على قطعتين خزفيتين أخريتين من سامراء أيضاً تشمل كل واحدة أربع راقصات متشابكات الأيدي يؤدين رقصة تكاد تشبه الدبكة العربية المعروفة، رجّح أغلب الباحثين أنها رقصة استسقاء أيضاً.
        ويذهب الدكتور (فوزي رشيد) إلى أن طقس الاستسقاء هذا هو جذر أعياد الأكيتو السومرية والبابلية ويدلل على ذلك من خلال العلامات المسمارية التي كُتبت بها كلمة (أكيتو) والتي تدل على تفسيرها على الاستسقاء حيث “أن أقدم صيغة لكلمة أكيتو جاءتنا بحدود 2400 ق.م على شكل (آ- كي- تي)، العلامة (آ) تعني الماء ومجازاً المطر و(كي) تعني الأرض و(تي) فعل بمعنى يقرّب، فيكون بذلك معنى الكلمة كاملاً (تقريب الماء إلى الأرض أي الاستسقاء”(10)
        إن طقس الاستسقاء الذي عرفنا أصله لم يبق على حاله في العصور اللاحقة وبعد أن أصبح الري في جنوب العراق عماد الزراعة، فهو لوحده أصبح ممارسة فنية تقليدية فقدت جذورها السحرية والدينية في حين ظهر طقس الأكيتو بشكل مركّب ومختلف تماماً، وهكذا ظل من بقايا ذكرى الاستسقاء النيوليتي ذلك الرقص الذي تمارسه النسوة أو الرجال ونلاحظ اليوم أن رقصات النساء ناثرات الشعور في فنون الريف العراقي ورقصات النساء والرجال المتلازمين الأيدي في فنون الريف والبادية العراقية هي بقايا ذلك الطقس السحري والديني القديم.
     
    4.   الزواج المقدس: الاحتفال الدرامي الأول
        الزواج المقدس هو الطقس والعيد الأكبر في الديانة النيوليثية الشمالية حيث تقع المرأة الكاهنة في مركزه وهي تمثل الإلهة الأم استمراراً وتكريساً للدور العظيم الذي اكتسبته المرأة بعد الزراعة حيث مثّلت قوة خصب الأرض. ورغم أننا لا نملك الكثير من الآثار والوثائق التي تشرح لنا طبيعة هذا الزواج إلا أننا يمكن أن نستنتج أن زعامة المرأة للمجتمع الزراعي فرضت ظهور طقوس تأتي مع بداية كل سنة ربيعية يتم فيها زواج الزعيمة الممثلة بالكاهنة العليا من الزوج الذي اختارته من طقس المصارعة ليكون ترميزاً لإخصاب الأرض باعتبارها أنثى الأرض ورمزاً لها.
        وتشير لنا تقاليد الزواج المقدس السومرية إلى الكثير من الجذور القديمة له فهو زواجٌ إلهي بالدرجة الأولى ثم زواج ملكي يقوم به الملك والملكة وتقوم الكاهنة العليا بدور الزوجة الإلهة، ويمكننا الاستنتاج أن الكاهن الأعلى هو الذي كان يقوم بدور الزوج ولكنه لا يقوم بدور الإله بل هو القوي الساحر المؤثر الذي يجيد ممارسة الطقوس الدينية والذي يجب أن يدافع عن موقعه هذا مع بداية كل سنة بالمنافسة مع الرجال الجدد الذين يحاولون جمع صفاته وغالباً ما يتم هذا عن طريق المنافسة بالمبارزة والمصارعة وغيرها…..
        إن هذا الطقس كان يجرى وسط الزرع مع بداية الربيع وكان الناس يشاركون به، وكانت الملكة تقوم بدور تمثيلي درامي عن الإلهة الأم، وكان الكاهن يقوم بدور تمثيلي درامي على أنه قرينها.. فهو طقسٌ يشاهده نظّارة وله عمق ديني وفيه صراع وانتصار الخصوبة على أيام الشتاء القاسية.. إنه ترميز لصراع الفصول الذي كان ينتج أدباً وفناً وديناً شفاهياً متداولاً كما يقول بذلك الناقد (نوثروب فراي).
     
    العصر الحجري المعدني (الكالكوليت)
    انقلاب وظيفة الطقوس
        نرجّح أن الرجل، في العصر الحجري المعدني، قام بدور جديد وبثورة تشبه الثورة الزراعية في أهميتها وهي اكتشافه للمعادن، وقد ظلّ طيلة العصر الحجري الحديث تابعاً لهيمنة المرأة.
    بعد أن أصبح (الصيد والرعي) وظيفة تقاليدية للرجل تقع على هامش الزراعة كان لا بد له من القيام بدور جديد خصوصاً بعد أن بدأ يتعرف على دوره الحقيقي في الإنجاب وبالتالي دور المطر في الزراعة (ولا شك أنه طابق بين وظيفة المني والمطر).. وهكذا وجد الرجل القوي ضالته في حجارة المعادن الخام التي قام بتطويعها واستخلاص المعادن منها، فالثورة الكالكوليتية ثورة رجولية نتج عنها فيما بعد مفردات دينية جديدة كثيرة، فقد حلت المدينة محل القرية وظهر المعبد مركزاً للمدينة وظهرت الحرف والعمارة والتجارة وتميزت الحياة الاجتماعية وازداد الدين تركيباً وبدأت العقيدة الدينية تزحزح دور المرأة المركزي فظهر الإله الأب والإله الإبن بجوار الإلهة الأم “وأصبح أب السماء في أهمية الربة الأم الأرض، وغالباً ما أصبح الناس يتصورون المطر في كثير من معتقداتهم على أنه المني الخصب لأب السماء ويرى العلماء أن سبب هذه التغيرات يرجع على أن الرجال قد اقتلعوا الأساس الاقتصادي لمكانة المرأة، فلم يقتصر الأمر على جعل الفلاحة عمل الرجال بل تمّ أيضاً حرمان النساء من دورهن في الحرف الأخرى فقد اخترع رجال المدن مثلاً عجلة كانت وسيلة أكثر فاعلية لصناعة القدور وأصبحوا في أكثر الحالات تقريباً صنّاع أدوات الحرف،،(11)
        وهكذا بدأ المشهد بالتغير تماماً وكأن اكتشاف المعادن كان مفتاحاً لقلب المشهد وتغيير رموزه وأصبح الأساس الاجتماعي الجديد مغايراً لما كان عليه في النيوليت فإذا كانت الأم مركز الأسرة فالرجل الآن مركز الأسرة وتوسّع مفهوم الأسرة اجتماعياً لتتكون أسرة جماعية هي القبيلة أو الجماعة المنحدرة من أب واحد وهكذا حل مفهوم القبيلة محل الأسرة (دون أن يلغيه) وأصبح الرجل زعيم القبيلة بالإضافة إلى كونه ربّ الأسرة الأول.
        إن الانقلاب الذكوري الذي أحدثه عصر الكالكوليت بكل ثقافاته (حلف، أريدو، العبيد، الوركاء،جمدت نصر) كان متواتراً سريعاً وسبب انقلاباً لكل مفاهيم العصر النيوليتي الشمالي، ولنتأمل ما حصل من انقلاب في وظائف الطقوس الدينية الدرامية التي أتينا على ذكرها في العصر النيوليتي:
    1.   تغير مركز الإلهة الأم ولم يعد الوحيد في مقامه الديني بل شاركها الإله الأب والإله الإبن (الإله الذكر) وظهرت تماثيل الثور والثور الوحشي وذكور الماعز والأغنام، ففي ثقافة العبيد ظهر الإله الذكر يحمل عموداً صغيراً وظهرت الإلهة الأم وهي تحمل إبنها، كما أن شكل الإلهة الأم بدأ يميل إلى النحافة وبدأت المبالغات في رسم ونحت الأعضاء الجنسية تقل بل أن أجسام الذكور والإناث لم تعد تختلف إلا قليلاً، ومع اقتراب العصور التاريخية أصبح الإله الذكر في المركز وتعددت حوله آلهة كثيرة من الذكور والإثاث وأصبح لكل إله وظيفة محددة، ولم تعد الإلهة الأم تحتفظ بكل الوظائف، وهذا يعني أن مجال التمثيل والمحاكاة أتسع.. وأصبحت الطبيعة تتمثل بعدد كبير من الآلهة وازداد عدد كهان الآلهة.
               
                               
        إن محاكاة الآلهة أصبحت أكثر حضوراً من خلال الشعائر  الدينية والمنحوتات والأشكال الفنية والطقوس الدرامية، ولعلّ الخيال الرافديني الكالكوليتي ابتكر آنذاك أساطير خاصة حملت جوهر صراع واضح لكل إله ممثلاً بما يرمز إليه. ويمكن أن تكون هذه الفترة حاسمة في بلورة صيغة ما من صيغ الأسطورة الرافدينية الأم حول دور المرأة الذي يهمِّش الأم ويرفّع دور البنت أو العذارء وهو ما نلمحه لاحقاً في أسطورة (إنانا) وهبوطها على العالم السفلي.. ولعل هذه الأسطورة كانت تستعاد درامياً سنوياً بوقائع مشحونة بالعنف والحب معاً مع قدوم الربيع أو رأس السنة أو في احتفالات كهنية خاصة.
    2.   عندما تغير مركز الإلهة الأم لم يعد هناك من ضرورة لإقامة سباقات مصارعة لاختيار الرجل القوي الذي يشارك الإلهة الأم أو الأنثى، بل لعلّ ا لذكر القوي كان يفرض نفسه بقوة من خلال مشاركته المرأة الحكم والمركزية، حتى اكتمل الانقلاب الذكوري بأن أصبح الرجل هو الملك الوحيد وكانت زوجته هي الملكة التي تتمتع بامتيازاته هو قبل كل شيء.. وبذلك فقدت المصارعة جذرها الديني وتحولت إلى رياضة عادية تقام في الاحتفالات أو الأعياد أولا لا تقام، أي أن هذا الطقس تحوّل من طقس ديني إلى ممارسة دنيوية وبذلك أكتسب صفة أخرى واندرج ضمن نشاطات الأعياد والأفراح والرياضة.
    3.   إما طقس الاستسقاء الذي كان يجري لاستنزال المطر فقد فقد، هو الآخر، مبرره وأصبح الاعتماد، في الزراعة، على الري لا على المطر، ولذلك نجد أن الصيغة اللاحقة لكلمة (أكيتي) أي استنزال المطر تحولت واستقرت علامة الـ(أ) من علامة تدل على المطر على علامة تدل على الجهد والعمل والساعد. حيث أصبح العمل وشق القنوات وبناء السدود هو الأساس في الثقافات الكالكوليتية الجنوبية، وبذلك فقد الاستسقاء بعده الديني الروحي والعملي وتحولت مظاهره الرقصية على عمل فني أصبح يؤديه الناس الذين كانوا يقيمون على تخوم المدن والذين يمتازون بالترحال وهم الغجر والبدو، وتشير رقصات نثر الشعور والدبكات التي كانت أساس طقس الاستسقاء إلى رقصات ما زالت حتى يومنا هذا يمارسها الغجر والبدو، على التوالي، دون أن يعلموا هم ومن حولهم أن هذه الرقصات ذات جذور دينية غارقة في القدم.
    4.   لا شك أن طقوس الزواج المقدس في هذه المرحلة شهدت تغيرات كثيرة فيما يخص مركز الكاهنة التي تمثل الإلهة الأم، ومركز الملك الذي أصبح يمثل الإله الأب، فقد مال هذا الطقس إلى الجانب السياسي أكثر من ميله إلى جذره الديني القديم. إلا أن هذا التحول لم يُحسم تماماً إلا مع مجيء الأكديين.
        ونرجح أيضاً أن طقوس تتويج الملك والزواج المقدس كانت ذكورية فقد أصبح الأمر معكوساً، وكان يتم اختيار الملكة عن طريق الكهانة فقد كانت عملية انخراط النساء في الرتب الدينية وتدرجهن فيه هو الذي يعطي لواحدة منهن وهي (الكاهنة العليا) الحق في الاقتران الموسمي بالملك.. وهكذا حلّت، في طقوس الزواج المقدس، الكهانة الدينية محل المصارعة بالنسبة للرجل اختباراً لاختيار قرينة الملك.
        ونرجّح أيضاً أن عقيدة نزول الإله الذكر إلى العالم السفلي وحلول الجدب ظهرت في هذه المرحلة لتشكل طقساً ذكرياً آخر وهو طقس الحزن الجماعي الذي يبدأ بعد موت الإله ونزوله إلى العالم الأسفل وهو ما ستشير إليه بوضوح المثولوجيا السومرية لاحقاً.
        إننا إجمالاً نودّ القول أن الطقوس الدينية الدرامية أصبحت في العصر الكالكوليتي تميل إلى أن تكون طقوساً دنيوية درامية.. ومن هذه الطقوس الدينية الدرامية ستنشأ الأشكال الدرامية في العصور التاريخية فقد أصبح الجذر الديني المتماسك بعيداً ضعيفاً واصبح بالامكان استعمال الطقوس المنحدرة من ذلك الماضي البعيد في اتجاهات أخرى. والمهم أن خلخلةً حصلت في وظائف ثم في أشكال الطقوس الدينية القديمة وسيتيح هذا الجدل الفرصة لنشوء أشكال درامية جديدة.
    العصور التاريخية
    الأعياد كدراما احتفالية كبرى
        يمكننا القول أن المرحلة التاريخية التي ابتدأت مع الكتابة شهدت في وادي الرافدين ظهور نمط درامي مركّب (ديني ودنيوي) في الوقت نفسه وهو: العيد. أما المسرح بالمفهوم المتعارف عليه فلم يظهر إلاّ مع الأغريق.
        وهكذا نرى أن الأعياد كانت حاضنة كبرى للدراما المسرحية التي تفتحت زهورها لاحقاً مع مجيء الأغريق، أما الشرق، قبل القرن السادس قبل الميلاد، فلم يشهد إلاّ ظهور الأعياد التي كانت تتضمن شحنات ولمحات درامية أدت فيما بعد إلى تفجّر فن المسرح.
        ظهرت الأعياد مع العصور التاريخية وكانت “كلمة عيد في اللغة السومرية هي Ezzen وتعني الفرصة والاحتفال الذي لا يتبط بوقت محدد من أوقات السنة، أما كلمة عيد في اللغة الأكدية فهي Isinnu ولها صيغة أخرى Issinnu وتعني كلمة Isinnu العيد الدوري الموقوت وقد استعمل الأكديون لفظة Um sinnu والتي تعني يوم العيد”(12)
     
     
     
        ونحن نرى أن كلمة (سنة) العربية مشتقة من الجذر السومري القديم (إيزن) أو (إيسن) لأن العيد كان مرتبطاً برأس السنة وهكذا يكون عيد رأس السنة أهم الأعياد قاطبة في وادي الرافدين.
        إن الأعياد تعد أهم شكل درامي في الحضارات السومرية والبابلية والآشورية، ونرى أنها لم تتطور إلى الشكل المسرحي المألوف الذي نراه في اليونان.. أي أن المسرح بالمفهوم المتعارف عليه لم يظهر مطلقاً في وادي الرافدين (ولا حتى في وادي النيل).. بل كانت هناك نشاطات درامية احتفالية تشكِّل الأعياد شكلها الأوسع والأكمل.
        أن الأعياد وخصوصاً عيد (الأكيتو) هي الدراما الجماعية العفوية الكبرى التي كان الجميع يمارسها ويشاهدها في الوقت نفسه، وكان يقوم بأدوارها الرئيسية عدد كبير من رجال الدين والكهنة الكبار والملك والملكة، وكانت ذات وجهين: وجه ديني طقسي روحي يذكّر بالجذور النيوليتية لها، ووجه دنيوي فني مادي يذكّر ابلجذور الكالكوليتية لها. ومن دمج هذين المظهرين ظهرت الأعياد التاريخية الرافدينية باعتبارها البؤرة التي تجمع جميع أشكال الدراما الرافدينية ولكنها ظلت أسيرة شكلها الجمعي وأعرافها الخاصة بها، ولم تفرز على حدةٍ ما يمكن أن نسميه بجرأة بـ(المسرح العراقي القديم).
     
        إن عيد الأكيتو في جوهره مناسبة مثولوجية تطبيقية لاستعادة أساطير نشوء الكون والآلهة والإنسان وكانت الطقوس التي تجري فيه طقوس تأمل في الخليقة الأولى من جهة وطقوس عمل لإحراق وإلغاء الذنوب والخطايا من جهة أخرى وبما أن العام الجديد هو إعادة تعيين للنشكونية، فإنه يقتضي استعادة الزمن لبدايته أي بعث الزمن البدئي، الزمن النقي.. ذلك الذي كان يوجد في فترة الخلق ولهذا السبب، وبمناسبة العام الجديد، تجري التطهيرات لطرد الذنوب والشياطين أو ببساطة كبش المحرقة.(13)
        إن المسرح الشرقي القديم (العراقي والمصري والشامي) لم يكن مسرحاً بالمعنى الدقيق للكلمة لأنه لم يكن دنيوياً بل كان دينياً تتفاعل فيه الأساطير والطقوس لأداء دور ديني محدد. بل أن الطقوس نفسها كانت وسيلة لاستعادة الأساطير النشكونية الأولى وليس العكس. في حين أن الطقس في المسرح الدنيوي هو أحد أهم أهداف المسرح.
        أن أسطورة الخليقة البابلية (إينوما إليش) كانت تستعاد درامياً وكانت الطقوس هي العمل الحقيقي في الأعياد. أما الأسطورة فغاية يراد منها التذكير بدليل أنها تُتلى عندما تُمثل أحداثها “وفي الواقع إن المعركة بين تيامت ومردوخ كان يوحى لها بصراع بين مجموعتين من الممثلين، صراع احتفالي يوجد أيضاً لدى الحيثيين، ودائماً في نطاق سيناريو مأساوي للعام الجديد، لدى المصريين وفي رأس شمرا.. إلخ وكانت المعركة بين مجموعتين من المحتلين تكرر المرور من العماء إلى الكون وكانت تحيّن النشكونية. فالحادث الأسطوري يصبح حاضراً..(14).
        أن أية طقوس دينية أو أساطير أو شعائر أو أحداث صراع كبرى تصلح لأن تكون مادة درامية تمثل على حدة، ولكن ذلك لم يحصل بل بقيت كل هذه الأشياء لصيقةً بمشيمتها الدينية بشكل خاص ولم تنفصل كأجنّة مسرحية خاصة، وقد ظلّ حال التراث الدرامي الديني الاحتفالي في الشرق كله في هذا الإطار ومثال ذلك مصر والهند والصين وبلاد الشام ولم يحصل مثل هذا التطور النوعيّ إلاّ في القرن الخامس قبل الميلاد في اليونان عندما انفصلت الاحتفالات الدرامية عن الطقوس الدينية وتحولت إلى فن قائم بذاته هو: المسرح. ولنتذكر معاً أن مثل هذه الأعياد في اليونان كانت هي المادة الي أنفصل منها المسرح وظهرت لاحقاً منه تقاليد التمثيل والكتابة والإخراج الخاصة بالمسرح، ألم تكن أعياد الاحتفال بديونزيوس هي البذرة التي ظهرت منها شجرة المسرح الأغريقي، ومن هو (ديونيزيوس)؟ أليس هو ذاته (دموزي) السومري أو (تموز) البابلي أو (أدونيس) السوري أو (أوزيريس) المصري!! بل أن الكوميديا تحديداً كانت تقابل أعياد الفرح وزواج تموز من عشتار أيام الحصاد والربيع، وأن التراجيديا تحديداً كانت تقابل مآتم الحزن الجماعي على موت تموز وذهابه إلى العالم الأسفل أيام البذار والخريف وهو ما يحتاج إلى وقفة طويلة وبحث مفصل.
    * * *
        لو راقبنا إجمالاً تطور النواة الدينية الدرامية منذ بداية العصر النيوليتي لوجدنا أن هذه النواة تتمثل منذ الألف الثامن ق.م في عبادة الإلهة الأم حيث عناصر الدراما في التشبيه والمحاكاة موجودة ضمناً في هذه العبادة، وكلما اقتربنا من نهاية هذا العصر وتحديداً في الألف السادس قبل الميلاد في سامراء نجد أن هذه العبادة تزداد كثافة وطقسية ويمثلها بالدرجة الأساس طقوس الزواج المقدس الذي ترافقت معه وشحنته طقوس أخرى ذات طبيعة درامية كالمصارعة والاستسقاء لتكون النواة الدينية الدرامية لنهايات العصر النيوليتي.
        وما أن حلّ عصر الكالكوليت حتى انقلبت العبادة والأفكار والعادات وحصل انقلاب مماثل في وظائف الطقوس الدينية فكان أن أنعكس ذلك واضحاً على الأشكال الدرامية النازحة من عصر النيوليت، وقد ظهر ذلك بشكل واسع مع قدوم العصور التاريخية حيث انفصل طقس المصارعة وتحول إلى رياضة بسبب فقدان مبرره الديني وانفصل كذلك طقس الاستسقاء لنفس السبب وتحوّل إلى نمط من الرقص الغجري والبدوي. (أنظر الشكل التخطيطي).
     
     
     
        أما عيد الأكيتو فقد أصبح الاحتفالية الدرامية الكبرى حيث هضم في داخله جميع الأشكال الدرامية السابقة في وحدة وسياق لا نظير لهما. ولم يمنع هذا من ظهور متدرج لأنماط من الدراما الطقسية البسيطة متمثلة في إعادة تشخيص نزول إنانا للعالم الأسفل.
    أما على مستوى النصوص فنلمح فكرة الدراما المعبَّر عنها بالصراع في الملاحم والأساطير من ناحية وفي فنيين حواريين أدبيين (لا مسرحيين) من ناحية أخرى وهما (أدب البلبال) وهو أدب المحاورات بين أثنين أو الديالوج و(أدب الأدمندوكا) وهو أدب المناظرات والمفاخرات بين متقابلين. وقد ظهرت نصوص عديدة من كليهما في الأدب السومري والبابلي، ولم تُمثل هذه النصوص أو تنتج أدباً مسرحياً بل ظلت أدباً حوارياَ محضاً.
     
    الهوامش والمراجع
    (1)   الحضارات التسع في وادي الرافدين هي حضارات العصر الحجري الحديث الخمس (جرمو، الصوان، حسونة ، سامراء) والتي استغرقت (8000-4900) ق.م أي ما يقرب ثلاثة آلاف سنة، وحضارات العصر الحجري النحاسي (الكالكوليت)ومعهاالعصر الشبيه بالتاريخي الخمس(حلف، أريدو، العبيد، الوركاء، جمدت نصر) والتي استغرقت (4900-2900) ق.م أي الفا سنة. وتقع كل هذه الحضارات التسع في نهاية عصور ما قبل التاريخ.
    (2)   العصر الشبيه بالكتابي أو الشبيه بالتاريخي (البرتولتريت) يمتد لحوالي 200 سنة (3100-2900) ق.م ويشمل مرحلتين هما (الوركاء الثانية، جمدت نصر) وهو مرحلة انتقالية بين عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية بسبب ظهور أول أشكال الكتابة الصورية.
    (3)   انظر الرويشدي، سعدي: الكهوف في الشرق الأدنى. مجلة سومر/ المجلد 25ج1،ج2، 1969. مديرية الآثار العامة-بغداد.ص260
    (4)   فريد، طارق حسون: تاريخ الفنون الموسيقية. جامعة بغداد. بيت الحكمة. بغداد 1990 ص36.
    (5)   فريد، طارق حسون: المرجع السابق. ص38.
    (6)   شامان (shaman) هو اصطلاح كان يطلق في الأصل، بين قبائل سيبيريا الرحل، على كل ما كان يزاول تطبيب المرضى، ثم انتشر فصار يطلق على التطبيب في كافة مجتمعات القط الشمالي ثم أصبح دالاً على الطبيب الساحر.
    (7)   رشيد، فوزي: من هم السومريون. مجلة آفاق عربية. السنة السادسة العدد (12) آب 1981 ص86.
    (8)   انظر فيزر، سيرجيمس: الغصن الذهبي (دراسة في السحر والدين) ج1 ترجمة د.أحمد أبو زيد. الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر. القاهرة 1971. ص73.
    (9)   انظر فروي، سيغموند: الطوطم والتابو. ترجمة جورج طرابيشي. دار الطليعة للنشر. بيروت 1982
    (10)           رشيد، فوزي: من هم السومريون. مجلة آفاق عربية. السنة السادسة العدد  (12) آب 1981 ص85.
    (11)           رايلي، كافين: الغرب والعالم. سلسلة عالم المعرفة الكويتية رقم (90) ص 61-62.
    (12)           النعيمي، راجحة خضر: أعياد رأس السنة البابلية. مجلة سومر ج1 المجلد 46، 1989-1990 ص112.
    (13)           إلياد، مرسيا: المقدس والمدنس. ترجمة عبد الهادي عباس المحامي، دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع ط1 1988 ص63.
    (14)           المرجع السابق .
  • تعلن إدارة المهرجان الوطني لمسرح الفرجة بسيدي رحال،فتح باب المشاركة في الدورة الثانية. دورة جمعية إسيل للمسرح والتنشيط الثقافي.

    تعلن إدارة المهرجان الوطني لمسرح الفرجة بسيدي رحال،فتح باب المشاركة في الدورة الثانية. دورة جمعية إسيل للمسرح والتنشيط الثقافي.

    1663010888738615-0

    فتح باب المشاركة في المهرجان الوطني لمسرح الفرجة بسيدي رحال، الدورة الثانية

    مجلة الفنون المسرحية 

    فتح باب المشاركة في  المهرجان الوطني لمسرح الفرجة بسيدي رحال، الدورة الثانية

    تعلن إدارة  المهرجان الوطني لمسرح الفرجة بسيدي رحال، الدورة الثانية. دورة جمعية إسيل للمسرح والتنشيط الثقافي.
    التي تنظمه جمعية فرقة العطاء للسينما و المسرح إلى جانب شركائها.
     – بأنه تم فتح باب المشاركة لتلقي طلبات المشاركة  لهذه الدورة. 
    _آخر موعد لتلقي الطلبات: 05 أكتوبر 2022.
    – الدعوة مفتوحة لكافة الفرق المسرحية الراغبة في المشاركة.
    – يوفر المهرجان:
    _ التغذية.
    _التنقل داخل المدينة.  
    _شروط المشاركة:
    – أن لا تزيد مدة العرض عن 65  دقيقة وألا تقل عن 30 دقيقة.
    _ تعبئة إستمارة المشاركة عن طريق الرابط أسفله.
     – تقديم طلب المشاركة لإدارة المهرجان مختوم بإمظاء الفرقة المشاركة.
    _الملف القانوني للجمعية…
    _لائحة بأسماء المشاركين في العمل المسرحي . 
    _ على أساس أن يتحدد طاقم العمل بالممثلين زائد ثلاثة أشخاص  على لأكثر، (المخرج ،الفريق التقني، المسؤول عن الفرقة…)
    _ إرسال فيديو المسرحية، ( رابط  فيديو المسرحية  أو  DVD).
    – تعلن أسماء العروض المقبولة للمشاركة في المهرجان يوم 15 أكتوبر 2022.
     
    _ ينظم المهرجان أيام 19/18/17 نونبر 2022.
     
      وإرسال الملف والمعلومات الكاملة الأخرى المتعلقة بالعرض عن طريق الإميل:
      ataeteather@gmail.com
    أي سؤال أو استفسار يمكنكم زيارة صفحتنا على الفايسبوك:
     _المهرجان الوطني لمسرح الفرجة بسيدي رحال.
    _ فرقة العطاء للسينما و المسرح.
    العنوان: دار الشباب سيدي رحال إقليم قلعة السراغنة.
  • نقدم لكم التحفة الصرية الجزائرية (جي بي أس).. الي أضاءت مهرجان بغداد الدولي الثالث للمسرح ..

    نقدم لكم التحفة الصرية الجزائرية (جي بي أس).. الي أضاءت مهرجان بغداد الدولي الثالث للمسرح ..

    1665945319340820-0

    (جي بي أس) تحفة بصرية تضيءمهرجان بغداد الدولي الثالث للمسرح /عبد العليم البناء

    مجلة الفنون المسرحية 
    (جي بي أس) تحفة بصرية تضيء مهرجان بغداد الدولي الثالث للمسرح 
     
    مع بدء العد التنازلي لإنطلاق العرس المسرحي الكبير المتمثل بمهرجان بغداد الدولي الثالث للمسرح، الذي تقيمه دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة والسياحة والآثار تحت شعار(لأن المسرح يضيء الحياة) بين العشرين والثامن والعشرين من تشرين الأول أكتوبر 2022، سيكون الجمهور المسرحي العراقي على موعد مع العرض المسرحي الباذخ (جي بي أس – GPS) للمسرح الوطني في الجزائر، ومن تصميم وإخراج المبدع محمد شرشال، لتدخل مضمار المنافسة مع ثلاثة وعشرين عملاً مسرحياً عراقياً وعربياً وأجنبياً، لاقتناص جوائز المهرجان، الذي سيشهد برنامجه وفعالياته المصاحبة، تنظيم ندوة فكرية دولية بعنوان (إشكالية التمسرح وممكنات التلقي) تضم ثلاثة محاور: (مرجعيات التمسرح)، و(راهن التمسرح)، و(آفاق التمسرح)، بالإضافة إلى إنعقاد الاجتماع الثاني لشبكة المهرجانات المسرحية العربية الذي يجيء استكمالاً للاجتماع الأول الذي انعقد على هامش الدورة التاسعة والعشرين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في أيلول 2022، فضلاً عن تنظيم مسابقة في التأليف المسرحي موجهة للمؤلفين العراقيين، فضلاً عن ورش مسرحية متنوعة. 
    العرض المسرحي (جي بي أس) سبق له أن فاز بالنسخة التاسعة لجائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، لأفضل عمل مسرحي في مهرجان المسرح العربي بدورته الثانية عشرة التي انعقدت في العاصمة الأردنية عمان، وأقامته الهيئة العربية للمسرح عام 2019، وكان لي شرف حضور فعالياته مع نخبة من أبرز الفنانين والكتاب والنقاد المسرحيين العراقيين، وجاء هذا الفوز الحاسم بقرار من لجنة التحكيم التي رأسها د. خالد جلال من مصر وضمت في عضويتها: د. شذى سالم من العراق، ولينا خوري من لبنان، وعادل حربي من السودان، وإيهاب زاهدة من فلسطين، حيث يعد مهرجان المسرح العربي الذي تأسس بالإمارات في 2009 من قبل الهيئة العربية للمسرح أحد أهم مهرجانات الفن الرابع بالبلدان العربية، ودأبت الهيئة العربية للمسرح برئاسة عاشق وسلطان المسرح الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة وعضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة، على إقامته دورياً في إحدى العواصم العربية مطلع كانون الثاني يناير من كل عام، وستقام الدورة الثالثة عشرة منه في العاشر من شهر كانون الثاني 2023 في مدينة الدار البيضاء بالمملكة المغربية.
    1665945310419493-1
    وبالتناغم مع آراء ورؤية وقراءة ثلة من فناني ونقاد المسرح المرموقين من العراقيين والعرب، فإن العرض المسرحي الجزائري (جي بي أس) بقيمه الجمالية، والفنية ،والإبداعية، نجد أنه قد “عالج ثيمة ضياع الإنسان المعاصر بين الأفكار والمبادئ وموقفه من الوقت وإدمانه الانتظار دون الوصول إلى أي هدف، بل ويقدم صورة للإنسان المسخ الذي يتحول ويفقد حتى حقيقته، سواء بفعل فاعل أم بإرادته، فالأبطال ينتظرون منذ مولدهم الخلاص دون جدوى، والقطار الذي هو رمز الخلاص يمر في كل مرة دون أن يستقله أحد، فبينما هم ينتظرون ينشغلون ببعضهم البعض، لا ينتبهون إلى الوقت ولا إلى عبور القطار حتى بلوغهم الشيخوخة..”.
    1665945302310993-2
    ينجح المخرج المبدع محمد شرشال في صياغة رؤيته ومعالجته عبر لوحات تكاد تكون منفصلة بطريقة تجعله أقرب إلى الفرجة والفكاهة، معتمداً على قدرات الممثلين في الحركة والتعامل بأجسادهم لا بأصواتهم، من خلال بعض الرقصات المنضبطة مع اكتفاء الممثلين، فقط، بالإيماءات والحركات، مع اعتماد ديكور متحرك في البداية، ثمّ منظر نهائي في محطة القطار، برمزية عالية وبكتابة إخراجية من نوع آخر، تؤدي الى إمكانية إسقاطها على أي إنسان في أي مكان على وجه البسيطة، بما تنطوي عليه من إرهاصات متباينة لكنها متفقة ومتسقة في أبعادها وأهدافها وتجلياتها هنا وهناك..
    1665945291038242-3
    لقد نجح الممثلون: محمد لحواس، وعديلة سوالم، وصبرينة بوقرعة، وسارة غربي، وعبدالنور يسعد، ومراد مجرام ،ومحمود بوحموم، وياسين براهمي، في تجسيد شخصيات العرض بشكل متقن ومدهش وفق أسلوب المسرح الصامت (البانتومايم)، بدلالاته وسيميائيته المكثّفة بالعلامات والأيقونات التي تحمل المتلقي على التفكر والتأمل، وصراع المبادئ والحريات والزمن والوقت والمكان، وسط تقنيات مزجت بين السينما والمسرح، وإيقاعات الموسيقى، مما أدى الى اتفاق شبه تام على قرار لجنة التحكيم بمنح رائعة (جي بي أس) باعتبارها “تحفة بصرية أخاذة الى أبعد الحدود”، جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، التي من ضمن مزاياها، إضافة الى قيمتها المادية المجزية، عرضها في افتتاح مهرجان أيام الشارقة المسرحية الثلاثين في التاسع والعشرين من شباط فبراير 2020، لتنال ذات الإنبهار والإعجاب والدهشة الممتعة والفاعلة، التي قدم فيها مبدعها المسرحي الجزائري محمد شرشال وفريقه الإبداعي المتناغم جرأة جمالية باذخة واختيارات إخراجية مثيرة للجدل، تواصلت بدءاً من عمان وصولاً الى الشارقة وقرطاج، لتحط الرحال على خشبة المسرح الوطني في النسخة الثالثة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح..
  • العرض المسرحي البساط السحري الذي قدمه الفنان الأردني الفلسطيني غنام صابر غنام..- مشاركة:هايل علي المذابي

    العرض المسرحي البساط السحري الذي قدمه الفنان الأردني الفلسطيني غنام صابر غنام..- مشاركة:هايل علي المذابي


    البساط السحري “بأم عيني 1948” لغنام غنام.. قراءة وعرض لانطباعات الجمهور!

    مجلة الفنون المسرحية

    البساط السحري “بأم عيني 1948” لغنام غنام..
    قراءة وعرض لانطباعات الجمهور!
    هايل علي المذابي

    “بأم عيني 1948″ العرض المسرحي الذي قدمه الفنان الأردني ذي الأصول الفلسطينية غنام صابر غنام مرتين منتصف أكتوبر الجاري في العاصمة الأردنية عمّان، هو أحد عروض مسرح الجلسة الفرجوي الذي ابتكره وأسس له الفنان غنام غنام، وهذه العروض المسرحية مثل بـ”أم عيني 1948” وما سبقه مثل عرض “سأموت في المنفى” كلها تحمل بصمته الخاصة ومنهجيته التي تمثل مدرسة مسرحية والتي لابد أن تقود حراكا فنيا مهما. وينتمي مسرح الجلسة إلى المدارس الفرجوية الشعبية التي تمثل هويتنا العربية الخاصة في فن المسرح، والتي تميزت على مر التاريخ العربي وخصوصا في فترات الأزمات القومية التي مر بها المجتمع العربي بأنها تمثل لسان المقاومة الفنية و الثقافية وصناعة الوعي واستنهاض الهمم ومما نجده من تمثلات لمدارس الفرجة الشعبية في تاريخنا العربي، على سبيل الذكر مسرح الحلقة ومسرح القوال عند الفنان الجزائري عبدالقادر علولة الذي استخدمه لصناعة وعي مناهض للاستعمار وأيضا مسرح الكركوس أو مسرح الارجوز الذي اشتهر في عدن كلون فرجوي شعبي مقاوم وصانع للوعي المناهض للاستعمار في فترة الثلاثينات من القرن الماضي؛ وهناك نماذج كثيرة على أشكال الفرجة الشعبية وأنواعها في تاريخنا العربي غير ما أشرت اليه مثل المسرح الاحتفالي الذي استحدثه الفنان المغربي القدير عبدالكريم برشيد استلهاما من المسرح الكرنفالي لباختين؛
    ولعل الفنان العربي القدير غنام غنام قد أدرك الامتيازات التي تحملها تلك الاشكال الفرجوية وتحديدا امتياز تمثيلها الدائم لصوت المقاومة وصناعة الوعي ضد الظلم والاستبداد والقهر وضد الإستعمار والاحتلال، وهو بما يقدمه من عروض فرجوية لا يمثل صوت مقاومة وصناعة وعي مناهض للاحتلال فقط بل أيضا يجدد في ألوان الفرجة الشعبية التي تمثل الهوية العربية الخاصة في صناعة الفرجة المسرحية والتي تميز العرب مسرحيا عن النموذج الأوروبي المستورد، الذي يعتقد الكثيرون أنه النموذج الفني العالمي الذي لا يمكن تجاوزه لأنهم يعتقدون وهما أنهم لا يملكون غير اتباعه وان العرب لا يملكون هوية فرجوية خاصة تميزهم عن النموذج الأوروبي.
    وهنا نقرأ بعض انطباعات الجمهور حول العرض الفرجوي المسرحي “بأم عيني 1948” الذي قدمه الفنان غنام صابر غنام:
    ·بساط سحري ركبنا عليه إلى حيفا وبحرها وعكا وسورها وترشيحا وبيوتها!
    يقول محمد الحوراني في حديث موجه للفنان غنام غنام: قد يكون الحضور والقلوب العطشى للوطن رائعة بحضورها، ولكن الأروع؛ ذلك البساط السحري الذي أركبتنا إياه -بتألقك- ليحلق بنا فوق حيفا وبحرها وعكا وسورها وترشيحا وبيوتها، تسللت إلى غياهب عقولنا و تلاعبت بتكوين الصوت و الصورة والأحاسيس، حتى بالرائحة؛ نعم كنت أشم رائحة البحر و الشجر، حتى رائحة القهوة التي احتسيتها مع ابنتك و جارتها في ترشيحا صدقني أنني شممتُها، أدخلتنا في حالة الشك بين اليقظة والحلم، حتى إذا انتهى العرض المسرحي حينها أدركت أنني كنت أحلم وأن المسرحية الجميلة تلك لم تكن سوى حلم؛ حلم؛ ولكنه حقيقة لا تقبل الشك.
    ·كاريزما “أبو غسان” استطاعت أن تدخل قلوب الجميع!
    وفي إنطباع آخر يقول ياسر حمو الكفرعاني‏: الفنان غنام صابر غنام ( ابو غسان ): ارث كفرعاني عريق تجسد في شخص رجل؛ أبو غسان الذي يتمتع بـ “كاريزما” الفنانين الكبار، وهيبة حضورهم، ورجاحة عقلهم وحكمتهم؛ استطاع الدخول الى قلوب الجميع وحظي باحترامهم ومحبتهم، فهو الذي خدم الفن بكل شرف وحب وتفان وامانة، ولم يسجل في ارشيف تاريخه ما يسجل عليه، بل ما سجل له من احترام وتقدير طالما حظي بهما؛ الحديث عن ابو غسان، قد ﻻ تستطيع القريحة انتقاء البوح المناسب لقامته وقدره، فهو فنان وطني ملتزم تعجز الحروف على الإرتقاء لمكانته؛ وربما محاوﻻت الكتابة عنه ها هنا، اقل ما يمكن ايفاءه حقه؛ فكل الشكر والاحترام لابن كفرعانة البار غنام صابر غنام.
    ·”بأم عيني” يحتاج الكثير من الوقت لنتمكن من وصف روعته!
    وفي إنطباع ثالث تقول ميرفت النواس: كنت كثيرة الحظ؛ اذ تسنى لي حضور العرض الاول والثاني للعمل الفني العظيم – بام عيني1948- كنت الشاهدة الممتنة. تشاركت سحر الاداء والكلمات والمعنى والكثير من الدمع مع الحاضرين، ضحكنا وغنينا؛ غمرتنا الدهشة؛ كيف بإمكانك ان تحكينا بهذا الجمال وتلك الروعة.
    ساعة ونصف بكامل الإنصات، بكامل اللهفة لسماع الحكاية، كان عرضاَ يحتاج الى الكثير من الوقت والتأمل، لتتمكن من ان تصف روعته، عمل اختلطت فيه كل حواسنا واحاسيسنا لنكتشف في النهاية انه كان جزءاَ منا او اننا كنا بعضاَ منه.
    تقمصتنا الحكايات والشخصيات، فجأة سمعت صدى هتاف الحضور في بير زيت، فخرية؛ فخرية؛ وحدة وحدة وطنية؛ وجدت نفسي في حقيبتك اسافر معك برحلة في الاتجاه المعاكس؛ غنام يدخل فلسطين مكتمل الحنين؛ يصل إلى الأراضي التي احتلت سنة 1948؛ بمساعدة الأهل والأصدقاء الطيبين يجد نفسه يحلق في سماء الناصرة؛ يركب بحر عكا؛ يهيم في ازقة حيفا؛ ويركض على شاطىء يافا؛ يعانق بعد غياب ابنتيه (اخواتي ايفا ورينا) وحفيديه الرائعين (معين ورسلانا)؛ يقوم بحلقة تدريبية لابنائنا هناك؛ يزور المسارح والمتاحف والمقابر والساحات؛ ويسرق بكاميرته صورة لبيت غسان كنفاني؛ يلتقي الاصدقاء القدامى والجدد؛؛ يترنح فرحا ووجعا واغتراب؛ وأخيراَ؛ يقدم عرضا لعمله الفني الرائع (ساموت في المنفى)؛ كل هذا وأكثر؛ فكيف لي ان اكتب سيمفونته الخالدة بالكلمات؟. في النهاية؛ وبعد ان ثملنا من جمال العرض؛ وضعنا عند السؤال الاهم: لماذا هزمونا؟ لماذا يهزموننا؟ لماذا لم نهزمهم؟ ودعانا لنطلق رصاصنا بكل الاتجاهات؛ لننتصر. شكرا يابا؛ شكرا لتعبك وجهدك؛ ولانك كل مرة تحكينا وتحملنا وتسافر بنا على اشرعة الحنين.
    انا اللاجئة ميرفت النواس من قرية الخيرية المهدمة- كنت بالامس مع غنام غنام أحلق في فلسطين. وتختم حديثها بملاحظة تقول فيها: كان لا بد من ان اهديك خارطة فلسطين الحقيقية؛ مزينة بأسمك؛ مزدانة بأم عيني 1948.
    ·أين هو الاحتلال؟
    وفي إنطباع أخير حول عرض “بأم عيني” جاء في شكل مقال للناشطة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية رانيا لصوي بعنوان: “أين هو الاحتلال… عن بأم عيني 1948” نقتبس بعضا مما جاء فيه: “غنام غنام، المثقف المشتبك كما يجب، رسم غسان كنفاني كما لم يرسمه أحد، رسمه بجسده قبل أن يحكيه بكلماته، وينقله لنا بعنفوانه؛ غنام الذي قال مافينا، ولخص قضيتنا إذ عانقت كوفيته صدره فرسمت خارطة كل فلسطين؛
    عندما حدثني يوما عن فكرة عمله القادم حينها، سأموت في المنفى، أماتني من القهر والبكاء، كيف يسكننا الوطن ماحيينا فيصبح ملتصقا باسمائنا على شاهد القبر، فأنتهي “رانيا لصوي من يافا”، قص لنا حياته وتاريخنا وكأنه أنا وأنت، كان نحن وكنا كلنا لوحة من الوطن، حدثنا بسؤالٍ ماذا لو بقينا، وكان الجواب بداخل كل منا روح بقيت في الوطن، في فلسطين، تناضل، صامدة وتقاوم …
    “بأم عيني” ظاهره فن مونولوج وجوهره رواية القضية!
    بعد عمله الكبير عائد الى حيفا، ترقبت ماذا بعد؟ فكان عمله الكبير أيضا سأموت في المنفى، وترقبت ماذا بعد؟ ليأتينا السؤال أين هو الاحتلال في عملة المقاوم بأم عيني 1948…كيف تكون سيرتك مقاومة وحالة اشتباك مستمر مع العدو تنقلها الى كل الساحات. بالظاهر هو فن مونولوج، هو حديث النفس للنفس؛ حوار الروايات وشخوصها، وبالجوهر هو رواية القضية كما نراها نحن؛ ولا نرى ولا يرى سوى فلسطين حالة مقاومة؛ في عمله الأخير الذي لم استطع الى الان حضوره على الواقع، ولكن كما زرت فلسطين شبرا شبرا في عيون المحبين، تمكنت من متابعة العمل على صفحات التواصل الاجتماعي وبعيون مُحبي غنام غنام المؤمنين به كما نؤمن بالقضية…في عمله الأخير يروي لنا المثقف المشتبك زيارته الى فلسطين المحتلة عام 1948، الناصرة وعكا، ينقل لنا تفاصيله بعيني عاشق قدر تماما شوقنا ولهفتنا للتفاصيل، ويطرح السؤال الكبير أين هو الاحتلال…؟
    غنام الذي وصف لنا عنصرية وهمجية وبطش الاحتلال، تنقل جنوده في الساحات والأزقة، قال “هذا الاحتلال هش وقابل للهزيمة، بل انه لن يحتمل سوى هزيمة واحدة….”. هزمناه في بقاء بيت غسان كنفاني موسوماً له، كل من حوله يعرفه، يعرف تاريخ ميلاده، ويعرف تاريخ مقاومته وخلوده؛ هزمناه حين جال غنام ولف في شوارع الناصرة ولم ترى عينيه فيها سوى أهلها، ولم يسمع سوى أصوات حجارتها تنطق العربية؛ هزمناه في مقابر شهدائنا الصامدة الراسخه الدالة على شعبٍ مقاوم، رفاة ابطالة فؤاد حجازي، محمد جمجوم، عطا الزير قنابل مشتعلة في وجه الاحتلال؛ هزمناه وهزمناه وهزمناه كثيرا وكثيرا يا بايا يا غنام، هزمناه في كل مافيك من جبروتٍ مقاوم، في كل مافيك من حالة اشتباك؛ هزمناه بأن لنا الغد وبعد غد، لنا الوطن، هزمناه شعوباً نابضة؛ طلبت من حضورك الكريم أن يطلق رصاصة من بيت السؤال، رصاصة من خندق الصمود … لماذا هزمنا….؟ لماذا يهزموننا؛؟ لما لم نهزمهم…؟ ونحن نرمق كل حاكم ومسؤول، كل قائد ومقاوم لم يكمل الطريق !!!
    لم نهزم مادمت فينا يابا، ولن يهزم هذا الاحتلال أرضنا ما دام لنا فيها أبطالاً عانقوها؛ هي جولةٌ والحرب سجال والحق لا يضيع، كل من باعها فان، ولن يبقى سوى وجوه حراسها؛
    ما هَمَّ أن نموت في دويِّ صَرخاتِ الحرب ِ … ما هَمَّ إذا وجدنا بعدنا مَن يحملُ السِّلاح، يواصلُ الكِفاح، ويحمل الثورة للنَّصرِ…إذا وجدنا غيرنا، فنحنُ لا نموت.

  • حوار / نوري عبدالدايم ..مع شرف الدين .. حكاية مشوار (1+2) ..ليبيا مائة عام من المسرح-1-26

    حوار / نوري عبدالدايم ..مع شرف الدين .. حكاية مشوار (1+2) ..ليبيا مائة عام من المسرح-1-26

     
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-26- نوري عبدالدائم
    *****************

    شرف الدين .. حكاية مشوار (1)
    حوار / نوري عبدالدايم

    يستوقفنا مشوار الستين سنة الأخيرة في ذاكرة المسرح الليبي ، علم من أهم أعلامها وملامحها الحقيقية المتمثلة في رحلة الأستاذ ” محمد شرف الدين” الفنية كرائد مؤسس مقترن برحلة رفيقه ” مصطفى الأمير ” . ف” شرف الدين ” بحق يعتبر من المبدعين القلائل الذين لم يهجروا خشبة المسرح و” كواليسها ” طيلة مشواره الإبداعي وإن هجرته الخشبات كما حدث في السنوات الأخيرة فلم يفارقه كرسي المتفرج و ” ورشة المسرح الوطني / طرابلس ” والدفاع عن مقر” الفرقة القومية” في الدوائر الرسمية بعدما تم تخصيصها كمسكن . كما لم يتوقف نشاطه ككاتب مسرحي لأعمال لم تر النور بعد. ” شرف الدين ” أو ” عمي محمد ” كما تعودنا أن نناديه متعدد العطاء ، فهو لم يكن ممثلاً مسرحياً فحسب بل إلى جانب هذا مارس الإخراج والتأليف المسرحي، وصمم المناظر للعديد من الأعمال المسرحية ، وهو رسام معماري وجيولوجي إضافة الى ريادته كرسام ساخر.
    * :- عمي محمد… السيرة طويلة ، ترى من أين نبدأ ؟
    شرف الدين :- نبدأ بحادثة لم تغادر ذاكرتي . بعدما ” دخلت الكتّاب ” في طفولتي المبكرة نقلني أخي مستمعاً إلى المدرسة الليبية الإيطالية التي كانت تديرها إدارة إيطالية مع وجود مدرسين ليبيين أذكر منهم ” حسن البوصيري ، رجب أفندي ، حسونة جفارة ” . تصادف وجودي في ذلك الوقت بزيارة ” الدوتشي موسليني ” الفاشي الى ليبيا ، الذي أجبرنا على استقباله بعدما ألبسونا ملابس محلية وصفّونا بمحاذاة ” الكورنيش ” واضعين أعلاماً فاشية لنلوح بها عند مرور موكب ” الدوتشي ” ونحن نصرخ بأسمه مع حركة أقدامنا. في هذه الأثناء سقط علم الطفل الذي يجاورني تحت أقدامي . استفز منظر العلم الفاشي المداس أحد المدرسين الطليان وكان من ذوي ” القمصان السود ” وعلى إثرها سجنني في المدرسة ثلاثة أيام بعدما تم إستدعاء والدي ، وأقيمت محكمة مصغرة في المدرسة يقودها مدير المدرسة . أفرج عني بعد ماتم توكيل محامي ايطالي مقيم للدفاع عني . كانت هذه آخر علاقتي بهذه المدرسة . أذكر هذه الحادثة . لأنها تمثل غطرسة النظام الفاشي السائد في ذلك الوقت .
    * :- باعتبارك فنانا متعدد الملكات، ممثلا ، مخرجا ، كاتبا مسرحيا ، رساما مع أي منها كانت بداياتك ؟
    شرف الدين : – بدايتي مع الرسم . عندما عدت إلى الكتّاب للمرة الثانية ، كان هناك تقليد في ذلك الوقت وهو الاحتفاء بالطالب الذي يختم جزء من القرآن الكريم فمن ضمن هذا التقليد، الرسم على لوح المحتفى به فكنت أنا الطالب الوحيد الذي يرسم هذه الزخارف ، وهي عبارة عن زخارف إسلامية أستقيها من المصاحف والسجاجيد وصور السير الشعبية كـ” عنترة ، وابي زيدالهلالي ، وسيف بن ذي يزن ” فكنت أصنع الألوان التي أرسم بها ، فاللون الأخضر أستخرجه من الأعشاب ، والبني أستخرجه بغلْي الفول السوداني” الكاكاوية ” في الماء، والأحمر أستخرجه من ” الصبار الإيطالي ” والفرشاة أصنعها من شعر الحيوان . فكانت مكافأتي مضاعفة عن بقية الطلبة التي كانت عبارة عن ” حلوة شاكار، و فطيرة ، وشربات” .
    *:- متى تطورت هذه المعرفة بالألوان وعلى يد من ؟
    شرف الدين :- بدايتي عندما انضممت إلى ” مدرسة الفنون والصنايع ” بقسم الفخار في الفترة النهارية القسم الذي من خلاله تعرفت على مزج الألوان عن طريق الأستاذ الفنان ” المهدي الشريف ” كما تعلمت الرسم على الصحون والبلاط والكؤوس . أمضيت في هذه المدرسة سنتين إلى أن أغلقت جراء القنابل التي استهدفتها في الحرب العالمية الثانية ، في ذلك الوقت انتقلت مع الأسرة إلى مدينة ” جنزور ” إلى أن وضعت الحرب أوزارها .
    * :- هذه آخر علاقة لك بهذه المدرسة ؟
    شرف الدين :- نعم … لم أعد إلى ” مدرسة الفنون والصنائع ” . فعندما فتحت المدارس سنة 1943 م انتقلت إلى مدرسة ” الظهرة العربية ” …. في هذه الفترة والتي تليها بدأت علاقتي بالسينما المصرية والتجسيد . فكنت أنا و” مصطفى زقيرة ، عبداللطيف الشريف أخ محمود الشريف المغني ” نقلد ما نشاهده في دور العرض ، كما أقوم أنا برسم الشخصيات السينمائية على الجدران . في ذلك الوقت شاهدت شريط ” ليلة ممطرة ” ليوسف وهبي الذي عرض في قاعة عرض ” الميرامار ” إضافة إلى الأشرطة التي تعرض للجيش الثامن لمونتجمري في تلك القاعة وقاعة ” الحمراء ” .
    *:- هل هذا أول شريط شاهدته أي ” ليلة ممطرة ” ؟
    شرف الدين : – لا …. أول شريط شاهدتة اسمه ” نادرة ” سنة 36 في ” السينما الصيفي ” التي تقابل إذاعة الجماهيرية الآن بشارع الشط .
    *:- منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت علاقتك بالمشاهدة والتقليد والرسم على الجدران – إلى متى استمرت هذه المرحلة ؟
    شرف الدين :- سنة 1945 م أثناء دراستي الثانوية قدمت أول دور لي في مسرحية ” الأمين والمأمون ” من تأليف وإخراج محمد بن مسعود . في نهاية سنة 47 م كنت صحبة مجموعة الأصدقاء الطلبة بمنزلنا الكائن ب” زاوية الدهماني ” نتقصى أخبار فلسطين من المذياع ، أذكر منهم الشاعر ” علي الرقيعي ” والكاتب ” كامل المقهور ” و ” محمد الزيات ” ومحمد نقاء ” و ” محمود وإسماعيل الزمرلي ” ، وعندما أبديت رغبتي في الذهاب إلى الجهاد، تكفل هؤلاء الأصدقاء بتكاليف الرحلة كل حسب إمكاناته . عندها استقللت شاحنة بضائع دون علم أسرتي . استغرقت الرحلة خمسة أيام إلى مدينة بنغازي التي كانت منتعشة اقتصادياً في ذلك الوقت ، قمت خلال هذه الرحلة بمهام مساعد سائق ، في بنغازي تكفلت ” جمعية عمر المختار ” بإيصالنا إلى مصر حيث تم تدريبنا .
    * :- ” حاولت اختصار بعض تفاصيل الرحلة ” .
    شرف الدين :- في منطقة ” هاك ستيب ” حيث تم تدريبنا كنت أغتنم فترات الراحة بالذهاب إلى القاهرة لأتعرف على أعمال ” نجيب الريحاني” المسرحية وأعمال” يوسف وهبي” من خلال فرقة رمسيس ، كما شاهدت العديد من الأعمال السينمائية أذكر منها ” رصاصة في القلب ، جوهرة ، العزيمة ” .
    * :- كم المدة التي بقيتها في مصر ؟
    شرف الدين :- ثلاثة أشهر مدة الفترة التدريبية . ومنها نقلنا برعاية وفد من الجامعة العربية إلى ميناء بيروت من ” مرسى مطروح ” لننقل إلى معسكر ” قطنا ” قرب دمشق ، فتم اختياري رفقة متطوع ” تونسي ” ومتطوع ” يمني ” لدرايتنا بالسباحة لننقل إلى بحيرة ” طبرية ” من خلالها انطلقت عملياتنا الفدائية صحبة فدائيين فلسطينيين . ظلت هكذا الحال مدة ستة أشهر الى غاية الانقلاب على ” حسني الزعيم ” الذي انتهى بإعدامه . فخيرنا بين الجنسية السورية أوالعودة فكنت ضمن الذين اختاروا العودة .
    * :- في تلك الفترة المسرحي الليبي ” صبري عياد” مقيم بالشام .
    شرف الدين :- لم أتعرف عليه … خلال فترة راحتي التي تسمى ب” الماذونية ” تبدأ من يوم الخميس إلى الجمعة ليلاً كنت أذهب إلى دار عرض بجوار” سوق الحامدية ” لمشاهدة شريط روائي تليه بعض المشاهد المسرحية حسب برنامج القاعة .
    * :- كم المدة التي بقيتها منذ مغادرتك ليبيا ؟
    شرف الدين :- كانت المدة الكاملة سنتين . … ويستمر المشوار ..

    *******************************************

    شرف الدين …… حكاية مشوار (2)
    حوار / نوري عبدالدايم

    مسيرة مشواره الطويل توّجت بنيله للعديد من الأوسمة والدروع داخل ليبيا وخارجها لتكون شاهداً على ثراء سيرته الزاخرة بالأحداث والمواقف ، والحافلة بالإبداع . فقد ” كرم في عيد العلم ، ومنح وسام الريادة ، ووسام الجهاد ، ودرع الريادة من الجامعة العربية ، كما كرم في مهرجان قرطاج الدولي من وزارة الثقافة التونسية” . .. ويستمر المشوار مع الفنان ” محمد شرف الدين ” لنوقظ من خلاله المهمل من صفحات ذاكرتنا الإبداعية .
    * :- ” عمي محمد ” توقفنا في بداية الخمسينيات عند عودتك الى ليبيا .
    شرف الدين :- وقتها سنحت لي الفرصة لتأسيس فرقة مسرحية باستغلال مستودع كبير مهجور من مخلفات الطليان في ” زاوية الدهماني ” بجانب ” كوشة بوشاقور ” الذي زودنا بالمياه . كنا مجموعة من الأصدقاء أذكر منهم الأخوة ” عبداللطيف ، محمود ، و صبري الشريف ، محمد الزقوزي ،البسكيني ، وصالح الفزاني ، مصطفى زقيرة ” و ” ومحمد نجاح ” الذي تولى مهمة التذاكر فيما بعد . لم نتمكن من الموافقة على تسميتها ” رابطة شباب السعداوي ” فغير الأسم ل ” رابطة شباب المسرح ” وأستقر أخيراً على ” رابطة الشباب “.
    * :- تقصد محمود الشريف المطرب ؟!
    شرف الدين :- قبل أن يصبح مطرباً …. أنجزت الخشبة من بقايا مخلفات الحرب من الخشب ، والستارة من ” الخيش ” كما حاولنا ترتيب المكان حسب الممكن من مجهوداتنا والمساهمات الأهلية .. بداية قدمنا أعمالاً متواضعة وهي عبارة عن مشاهد تمثيلية تتخللها أغاني فكانت باكورة أعمالنا ” خروف الضحية ” معتمدين فيها على قدرة الممثل على الإرتجال فقد كانت أغلب أعمالنا تسير على هذا النحو .. تمت الدعاية بمجهود ذاتي قام به ” محمد نجاح ” المسؤول على التذاكر_ التي قيمتها (5 فرانكات ) _ والأعلان بالمرور على محلات الحياكة والحوانيت و ” الطبارن ” حيث يتم تعليق الملصقات التي كنت أصممها .
    * :- كم كان عدد الجمهور الذي يشاهد أعمالكم ؟
    شرف الدين :- يصل الى ثلاثمائة متفرج . … الى أن تطور هذا المشروع الى نادي إجتماعي وظل ريع أعمالنا الفنية يذهب لصالح الرياضة ” كرة القدم ” تحديدا ً، الأمر الذي جعلنا نلغي إلتزامنا مع هذه الرابطة . وثم الإجتماع مجدداً في غرفة الجلوس بمنزلنا . هذه الأجتماعات أفرزت مسرحية ” عاقبة مجرم ” التي كتبتها مشاركة مع ” محمد نجاح ” .
    *:- هل هذه أول علاقة لكم بنص مكتوب ؟
    شرف الدين :- نعم … هذه المحاولة الأولى لكتابة نص على ورق … وتمت التدريبات في منزلنا الى غاية تجهيز العمل فتبنى تمويل العمل ” أحمد بن يونس ” الذي كان محباً للفن وحديث العهد بنصيبه في ميراث والده . فاتفقنا مع ” سينما أوديون ” _ الزهراء حالياً_ عن طريق ” المشيرقي ” الذي تربطه علاقة طيبة بصاحب القاعة وحدث الترتيب معه على عرض صباحي زهاء ” الساعة العاشرة ” . كان الحظور مطمئيناً ولكن غياب صاحب التذاكر شجع الجمهور الذي جمعناه ينطلق مع ” الطرق الصوفية والزوايا ” التي تجوب مدينة طرابلس في اليوم الأول للمولد النبوي الشريف ولم يتبق منهم سوى عشرة متفرجين وتم العرض لهؤلا العشرة .
    * :- من الجيل الذي سبقكم في الحركة المسرحية وما هي الفرق التي كانت في ذلك الوقت ؟
    شرف الدين :- كانت الفرقة الوطنية التي تأسست سنة 1936 م التي كان من أهم رموزها ” أحمد البيزنطي ” و ” خليفة ماعونة ” وكان الفنان الكوميدي ” محمد حمدي ” . المهم .. نعود للحكاية فبعد هذه النكسة أنحلت الفرقة وتفرقت المجموعة .
    *:- ……..
    شرف الدين : – قدم لي ” علي ندار ” في بداية الواحد والخمسين عرض الانظمام الى فرقة ” العهد الجديد” بعدما شاهد عرض مسرحية ” عاقبة مجرم ” . لأقوم بمهمات الديكور والملابس لمسرحية ” فتح ليبيا “.
    * :- في هذه الفترة كنت تميل الى الجانب التقني ؟
    شرف الدين :- بالإضافة لهذا كنت ممثلاً في مسرحية ” فتح ليبيا” . أريد الإشارة هنا بأني تعلمت المناظر على يد الأستاذ ” فؤاد الكعبازي ” في مسرحيتي ” القاتل الأخير ، وطارق بن زياد ” باللجنة الثقافية بنادي الإتحاد . .. مع هذه المسرحية _ فتح ليبيا_ تم انضمامي لهذه الفرقة التي كان ضمن أعضائها ” عبدالسلام الجزيري ” المعروف بسلام قدري و ” بوحميرة ” و ” علي المشرقي ” فقمت بتصميم المناظر التي كانت عبارة على مقطع من ” السرايا الحمراء ” بخلفية نخيل في المنظر الذي يوحي بمعسكر ” عمرو بن العاص ” الذي يقال بأنه عسكر في ” سوق الجمعة ” ب”العمروص “_ نسبة لهذا القائد كما يقال_ ، فأنتبه الدكتور التونسي ” الكعاك ” لهذه المغالطة _ حسب رأيه _ مشيرأ بأن النخيل دخل لليبيا بعد الفتح الإسلامي . كما صممت السيوف من حديد ربط البضايع ” حديد شيركو ” عن طريق حداد ” يهودي ” كان يمتلك ورشة حدادة .عرض هذا العمل في العديد من المناطق الليبية .
    *:- هل كنت شاهداً على تأسيس الفرقة القومية ؟
    شرف الدين :- نعم وقتها كنت عضواً فعّالاً في فرقة ” العهد الجديد ” .فكان تأسيسها بعد أن تم ” لقاء شاي ” بين فرقتي ” العهد الجديد ” و ” رابطة المعلمين ” بحضور كل من ” شعبان القبلاوي ، رامي وسعيد السراج ، عبدالسلام الحلبي ، وعلي أبوخريص ، البهلول الدهماني ،محمد الفيتوري ، الصادق المصراتي ، البهلول الدهماني ، نوري المغربي ، إدريس الشغيوي ، كاظم نديم ، الطاهر العربي ” و” محمد قنيدي ” الذي أقترح تسمية ” الفرقة القومية ” .
    * :- مصطفى الأمير ؟!
    شرف الدين :- كان وقتها ب” نادي الإتحاد ” يقدم برنامج مسموع في إذاعة النادي ” النهار بعويناته والليل بوديناته ” ثم التحق بنا سنة 1952م بعمل ” الدنيا ساعة بساعة ” المسرحية التي أتاحت لي فرصة أنطلاق بعدما تخلف ” الطاهر العربي ” بطل المسرحية عن التدريبات . وقتها ” سعيد السراج ” يعد عملاً أخر بعد مسرحية ” الوارث ” . من هنا كانت البداية مع الاستاذ مصطفى ، لأقدم معه العديد من البرامج المسموعة منها ” عيشة وسليمان ” التي تذاع في شهر رمضان موعد الإفطار .وقدمنا “اللي تضنه موسى يطلع فرعون ” وتم تحويلها الى مسلسل مسموع اسمه ” مكايد الشيخ حمدان” كانت المنافسة بيننا وبين الإذاعي ” عبدو الطرابلسي” الذي كان يقدم أعمالاً تأسر جمهور المستمعين .ومنذ ذلك الزمن شكلت أنا و”الأمير” ثنائياً في الكتابة حيث تم خلق شخصية ” شلندة ” التي رافقتني في كثير من الأعمال . وهو عبارة عن فيلسوف شعبي ولسان حالهم ،حتى أن دوري في ” حلم الجعانين ” قدمته بشخصية ” شلندة ” على صغر الدور ولكني أثريته عن طريق الأرتجال .
    * :- حلم الجعانين قدمت مرتين على المسرح .
    شرف الدين :- عندما قدمت بإخراج ” محمد القمودي ” في المرة الثانية لم يدع لي مجالاً للإرتجال فلم تلاق إقبالاً كما لاقته في المرة الأولى .
    * :- ألا تراه مصيباً بشان محافظته على اللإلتزم بالنص ؟
    شرف الدين :- الحكاية ليست مسألة التزام بالنص .. انا بداية أتشرّب النص ، وأثناء العرض و بحكم علاقتي مع الجمهور أساهم بإضافة بعض الجمل التي تأتي عفوية في سياق العرض ، دونما الإخلال بفحوى النص ودونما إضاعة مفاتيح الجمل لزميلي الممثل المقابل . فالأرتجال مدروس وعن دراية بما يدور .
    *:- من الذي كان يقوم بالأدوار النسائية في تلك المرحلة ؟
    شرف الدين :- كان الأستاذ ” مصطفى الأمير ” يقوم بهذه الأدوار وأيضاً ” بشير عريبي ” .
    *:- الم يتم الإستعانة بأي عنصر نسائي ؟
    شرف الدين :- أستعنا بعاملات ” دور الملاهي ” في أدوار صغيرة .وقتها أبرمت ” القومية ” عقداً مع ممثلة ” تونسية ” _أتت مع فرقة مصرية زائرة _ بقيمة ” ثلاثين دينار ” شهرياً ، وهو عرض مجزي في ذلك الوقت .
    * :- أول ظهور حقيقي لممثلة ليبية ؟
    شرف الدين :- ” حميدة الخوجة ” أنضمت للوطنية وعمرها ” إثنى عشرة ” سنة . بينما انتسبت ” فاطمة عمر ” للفرقة القومية في مسرحية ” ولد شكون ” عن ” نجيب الريحاني ” وتلييب ” محمود الهتكي ” . وأيضاً عملت بالمسرح الوطني في مسرحية ” حسناء قورينا ” لخالد مصطفى خشيم ” . وأيضاً انضمت ” سعاد الحداد ” للفرقة الوطنية في مسرحية ” أهل الكهف ” من إخراج ” محمد العقربي” _ وليس ” عمران المدنيني ” كما يقال _ وعملت مع المسرح الوطني في مسرحية ” راشمون ” من إخراج ” الأمين ناصف” .
    * :- قبل أنضمام ” الأمين ناصف ” للمسرح الوطني / طرابلس ” . تحت إطار اي فرقة كان يعمل ؟
    شرف الدين : – كان ممثلاً في القومية وقدم فيها العديد من الاعمال منها ” اللي تضنه موسى ” و ” المشروع ” .
    * :- ألم يعمل مخرجاً في الفرقة القومية ؟!
    شرف الدين :- بدايته كمخرج كانت مع” المسرح الوطني” بمسرحية ” راشمون ” . بعد دراسته الإخراج في بريطانيا . كان الأمين معلماً فهو مخرجاً مهتماً بأدق التفاصيل ولديه القدرة على بث روح الحميمية لدى الفريق الفني ولا يتسامح في أخطاء اللغة العربية ، فهو يصر على وجود مراقب لغة لتسهيل المهمة لدى الممثل . فهو يعمل بعشق… والفن عشق وعمل . كما أخرج العديد من الأعمال ل”إذاعة الملاحة ” المرئية .
    * :- هل نستطيع القول بأن دخول العنصر النسائي للحركة المسرحية من خلال ” سعاد الحداد وفاطمة عمر وحميدة الخوجة ” ؟
    شرف الدين :- ثمة ممثلاث مثلن في المسموعة ولكنهن لم يظهرن على خشبة المسرح وثمة من لم يواصلن المسيرة في المسرح .. . لا نستطيع تجاوز الفنانة ” لطفية إبراهيم ” التي ألتحقت بعدهن فقد ألتقيت بها في حوالي خمسة أعمال. ” لطفية ” متألقة وحاضرة في الأعمال الشعبية ولديها المقدرة على إحتواء المتفرج . كما تمتلك رأي و وجهة نظر فيما يقدم لها من أعمال . فهي ممثلة مريحة وملتزمة …. ” اللهم يذكرها بالخير . ” لطفية ” ماتخليكش تستنى أبداً ” .
    * :- ما سر أقتران أسمك ب” مختار الأسود ” ؟
    شرف الدين :- تم إنضمام ” مختار” للفرقة سنة 62 م وكان شحنة من الحيوية والنشاط وعنده القدرة على حلول المشاكل الإدارية الصعبة . إضافة لحضوره القوي على الخشبة وكان ملتزماً ولديه قدرة أستثنائية على الدعاية وعملنا في العديد من الأعمال .
    * :- ما علاقتك بالصحافة ؟
    شرف الدين :- تعاونت مع صحف ومجلات ليبية ” شعلة الحرية ، الليبي ، مجلة الإذاعة ” من خلال نشر رسوماتي الساخرة . كما صممت الرسومات الداخلية لديوان ” الحنين الضاميء ” لعلي الرقيعي ، و صممت غلاف كتاب ل” عبدالقادر أبوهروس ” لا أذكر اسمه .
    * :- هل ضمتك أعمالاً صحبة ” محمد حمدي ” ؟
    شرف الدين :- فقط شاهدته على المسرح .أشتهر ب ” بربري ليبيا ” لإستعارته نموذج “علي الكسار” ” بربري مصر ” كان ممثلاً يمتلك قدرة على الإرتجال . أستعان به “أحمد البيزنطي ” في العديد من الأعمال ولأن أعماله_ أحمد البيزنطي _ تميل الى الجدية أستعان به لإضفاء روح الدعابة والمرح ، فكان يترك على الخشبة وحده عمداً ليستمتعوا بقدرته على تغطية هذه المساحة الزمنية ، و يغطيها بإتقان شديد من خلال إرتجاله للعديد من المواقف .
    *:- كلفت كمستشار لشوؤن المسرح من قبل أمين اللجنة الشعبية العامة للثقافة خلال إجتماعه بالمسرحيين . ماذا أنجزت من خلال هذه المهمة ؟
    شرف الدين :- هذا التكليف كان شفوياً ، و لم أخذه على محمل الجد ، فهذه المهمة كانت أكبر من إمكانياتي . قد أستشار في تقنيات خشبة المسرح بحكم مهنتي القديمة كرسام معماري … لم أتمكن من مقابلته لإنشغاله ، علماً بأني أحظى بإستقبال طيب من قبل الأخوة في الأمانة . أستشارني في تكريم الرموز فاخترت الفنان ” أحمد البيزنطي ” والأستاذ ” مصطفى الامير ” وهكذا كان .
    *:- أصدر أمين اللجنة الشعبية العامة للثقافة قراراً يحمل الرقم “1 ” يفيد بإنشاء ” الفرقة الوطنية للمسرح “بإقترح من مدير الإدارة العامة للمسرح ” د. حسن قرفال ” الذي ضمّن قائمة تشمل العديد من المسرحيين ولم يرد أسمك والعديد من الرموز المسرحية الليبية .
    شرف الدين :- هذا رداً على سؤالك ….. فأنا لم أستشار في هذا الأمر ” والله شن بنقولك ” د. حسن قرفال رجل أكاديمي يرى بأن تجربتي وتجربة العديد من المبدعين المسرحيين كانت عبارة هم ” هتشيات فاضية ….. شوف ياولدي …. المية تكذب الغطاس ” .

  • فؤاد الكعبازي.. سيرة القنديل أو ذاكرة الإبداع البكر.. حوار / نوري عبدالدايم..ليبيا مائة عام من المسرح-1-25

    فؤاد الكعبازي.. سيرة القنديل أو ذاكرة الإبداع البكر.. حوار / نوري عبدالدايم..ليبيا مائة عام من المسرح-1-25

     
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-25- نوري عبدالدائم
    **************************

    فؤاد الكعبازي
    سيرة القنديل أو ذاكرة الإبداع البكر
    حوار / نوري عبدالدايم

    على مدى ستة أيام متقطعة حرص الأستاذ ” فؤاد الكعبازي ” كما حرصت على أن تترك الذاكرة تقودنا الى سرد حر مفتوح لأن الذاكرة كما يقول أشبه بالفقاقيع إذا أطلقت واحدة تيقظت الأخريات ” فكانت تداعيات سرده أشبه ببناء روايات ” ميلان كونديرا” في إنتقاله الزماني والمكاني والعودة اليهما . لم تفارقه ذكريات طفولته فنراها نقية صافية على غير ذكرياته في فترة الأربعينيات والخمسينيات التي يتعذّر عليه رصد تواريخها وأسماء أعلامها تاركاً لي مهمة التـأكد منها من المراجع أوشهود عصرها للأمانة . هنا أختص بنشر مادار بيننا من حوار حول المسرح وأعلامه الرواد .
    * :- عندما تأسس ” نادي العمال ” سنة ” 1944 م ” برئاسة ” احمد قنابة ” وعضوية د. مصطفى العجيلي ” نائباً للرئيس ” و ” محمد محمد قنابة ” أميناً للصندوق . قمت بتصميم شعار النادي ، بالإضافة الى نشاطك كرياضي ومصمم مناظر “1 ” .
    د . الكعبازي :- كان أغلب رواد ” نادي العمال ” من خريجي ” مدرسة الفنون والصنائع ” وكان رواده ” مصطفى العجيلي ، والهادي المشيرقي ، ومحمد قنابة ، واحمد قنابة ، ومحمد حمدي ، وأحمد البيزنطي ، عبدالمجيد النعاس ، والصديق حواص ، وسالم التلتي ، وعمر حدود ، سالم كمال ، وأحمد الحصايري ، _ تحر على الأسماء فذاكرتي لاتستطيع استحضارهم كلهم _ والتحق أخيراً ” مصطفى الأمير ” كان يضم موسيقيين و ملاكمين وأدباء وعمال … كان مقرّنا في ” حوش قنابة ” بشارع ” سيدي درغوت ” وهو عبارة عن منزل عربي يحتوي على استراحات . صممنا فيه حلبة للملاكمة ومصطبة للتمثيل في صالة بمساحة ( 12×12 متر) قمت بهذا العمل صحبة ” علي فتحي المحمودي ” من مناظر ونجارة…. يضم هذا المقر إستراحات صيفية وصالة للشتاء ، تركنا في خلفية الركح مسافة 30 سم على الحائط لضرورات التنكر وتغيير الملابس ” كواليس ” و لم يترك مكاناً للملقن الذي يعد ضرورة من ضرورات فن التمثيل في ذلك الوقت ، فكان بدوره يحفظ جميع الأدوار ويتنقل حسب حركة الممثل . كان أيضاً ” مصطفى العجيلي ” و محمد حمدي” يمتلكون القدرة على الحفظ …. روح التعاون هي المبداء الذي اعتمدناه في هذا النادي … كانت تجلب المقاعد من المقاهي بعدما تقفل أبوابها . وتكفلت أنا بالستائر من بيت والدي وإرجاعها للبيت بعد العرض . منهم من تكفل بمد الإنارة . الملابس كان يتكفل بها الممثلين . كان ” مصطفى العجيلي ” يمتلك مقدرة نادرة على جمع التبرعات من الأسواق بمساعدة ” محمد الكريكشي ” . إضافة لدوري في المناظر والتنكر كنت مدرباً للتربية البدنية ” الملاكمة ، المصارعة ، كرة القدم” . كما قدمت يوم الافتتاح عرضاً رياضياً “1” …. كنت قبلها منتسباً للنادي الأدبي والكشاف صحبة ” مظفر رفعت ” والد ” حورية مظفر ” ، و” مماد الامير” ، والد ” مصطفى الأمير ” . ولد ” الكشاف ” سنة 1934 م ” قبل ميلاد ” النادي الأدبي ” كانت التدريبات _ أي الكشاف _ في ” سيدي عمران ” كما أسس ” نادي العمال ” تحت مظلة ” النادي الادبي ” الذي أفتتح امام ” مكتب الفنون و الصنايع ” أمام ” فندق البدري ” .
    *:- أخبرتني بأن والدك لم يذهب للعروض المسرحية إلا مرة واحدة عندما ألتزم أمام فرقة هواة درنة سنة 1936 م . كما لا يرغب في إنضمامك لأي فرقة مسرحية .
    د. الكعبازي :- كان ” مصطفى العجيلي ” يتمتع بعلاقة طيبة مع والدي الذي دعاه لحضور أحدى العروض التي أمثل فيها دور ” عريس ” يموت والده دون علمي . لم يرض أبي هذا الموقف و تشأم منه ولم يذكره سلباً أو إيجاباً . كانت ردة فعله الوحيدة إمتناعه عن الكتابة في مجلة ” المرآة ” التي يديرها ” مصطفى العجيلي ” أنتقل هذا الإحساس إلي من والدي ولم أعد التجربة بعد ذلك .
    *:- هذا أخر عرضاً لك كممثل … كيف كانت البدايات ؟
    د . الكعبازي :- اول عرض أذكره كان مع الممثل ” محمد حمدي ” في دور ” طبيب ” كان باللهجة المصرية التي لم اكن أجيدها مثل ” حمدي ” و ” حسن المصري ” ، الأمر الذي جعل الجمهور يضحك من طريقة أدائي . واضحكت ” حمدي ” معي . كتبت الصحف ” الممثل الذي أضحك ” حمدي ” …. تعلمت من حمدي فن التنكر والإخراج وطريقة صباغة الوجه . …. بعدها انتقلت فرقة ” نادي العمال ” الى مقر أخر “2” . شاركت في تأسيس ” الفرقة العربية للتمثيل ” 3 ” مع نخبة من المثقفين أذكر منهم ” محمد حبيب الله ، سالم كمال ، أحمد جميل ، عبدالسلام باش امام ” مع الأستاذ ” الطاهر الشريف ” _ وهو شخصية وطنية _ أتفقنا مع ” سالينوس ” صاحب ” الهمبراء ” الذي خصص لنا صالة للتدريبات . كنت مسؤلاً فنياً في أغلب أعمال الفرقة وكان ” سالم كمال ” مديراً للإدارة المسرحية . كانت لغة الأعمال الفصحى البسيطة السلسة . قمت بإخراج مسرحية ” أماه ” من تأليف ” الطاهر الشريف ” تحكي سيرة ثلاث شخصيات ” عمر الخيام ، ونظام الملك ، وحسن السفاح ” وتربط بينهما ” الأم ” كنت أقوم برسم الشخصيات حسب تصوري وأقدمها للممثلين مع النسخة ، في أغلب أعمالي كنت أعتمد هذه الطريقة وأيضاً كنت أحاول أن أجرب الممثل في أغلب الأدوار . في أحد الأعمال أسندت دور ” المحقق ل ” لبيد الخضار ” وأسندت للبيزنطي دور ” بحار ” مع كل تفاصيله بالوشم والأداء .. مع مخارج حروف الشخصية . ففي هذا العمل يمثل عاملاً وفي عمل أخر مديراً . ولتأثري بالسينما أدخلت الأداء الطبيعي للمسرح مستعيناً بناقل للصوت . مثلث في هذا العمل فتاة إيطالية مستوطنة ، كما قمنا بتنفيذ شلال تجري منه المياه بمساعدة الخلفية والإضاءة وتوزيع المياه من الحنفيات …. في أحد العروض قدمت الفرقة ” لبيد لخضار ” _ وهو شخصية محبة للفن ويتمتع بصوت جميل ويعشق أغاني ” محمد عبدالوهاب “_ بالات عصرية اوركسترالية متكاملة غنى فيها قصيدة ” أنشودة الفن ” ” 4 ” .
    * :- كيف كانت أشكال الدعاية في ذلك الوقت ؟
    د. الكعبازي :- كان ينشر إعلانأ في صحيفة ” طرابلس الغرب ” مع ملصقات كبيرة تعلق أمام المسرح كان ” محمد بطاطا ” ينسخ منها عدة نسخ في مطبعة يملكها إيطالي . وأوراق صغيرة ملونة توزع يكتب عليها أسم العمل ومكانه وقيمة التذكرة . بقيت مع هذه الفرقة الى غاية ذهابي الى ” بريطانيا ” للدراسة .

    – المصادر :-

    -“1″_ تصدرت الساحة حيث يقع مربع الملاكمة صورة كبيرة لشعار النادي قام بتصميمها ورسمها ” فؤاد الكعبازي ” ………. وانتهت الحفلة باستعراضات رياضبة سويدية قام بها المدرب الرياضي ” فؤاد الكعبازي ” والرياضي المسرحي ” عمر جرمة ” . المصدر / بشير محمد عريبي ” الفن والمسرح في ليبيا ” منشورات ” الدار العربية للكتاب ” ليبيا- تونس 1981 م .
    “2” _ سنة ” 1945 م ” انتقلت الفرقة الى ” فندق النصر ” أما ” برج الساعة ” بشارع سوق المشير كانت باكورة ‘إنتاجها ” مساوي المال ” تأليف ” عبدالرزاق الطاهر البشتي ” أخراج ” د . مصطفى العجيلي ” وأشرف على الإدارة الفنية ” فؤاد الكعبازي ” . المصدر السابق .
    ” 3 ” _ تأسست الفرقة العربية سنة ” 1946 م ” وكان بين روادها ” الأديب الطاهر الشريف ، مظفر الامير وبشير عريبي ” أهم أعمالها المسرحية ” الأبرياء ، أماه ، العاقبة ، تاجر الجواهر ” من تأليف الطاهر الشريف ، وفد ندبوا أستاذاً إيطالياً لتدريبهم على التمثيل وأستاذاً أخر للموسيقى . المصدر السابق .
    “4 ” _ عقب عرض مسرحية ” الأبرياء ” تأليف واخراج ” الطاهر الشريف ” قدم ” لبيد الخضار ” ” أنشودة الفن ” وهي أحدث أغنية ل ” محمد عبدالوهاب ” رافقته في الأداء الفرقة الموسيقية الشرقية بقيادة ” عثمان نجيم ” وعزفت الفرقة الموسيقية عدة قطع غربية بقيادة المايسترو ” باربا لونقا ” . المصدر السابق .
    الأزهر أبوبكر حميد
    متعة الكوميديا وجرأة الطرح
    بقلم/أحمد بشير عزيز

    الأزهر أبوبكر حميد كاتب فقدناه وفقدنا معه مبدع أعطي للحركة المسرحية وللإذاعتين المرئية والمسموعة في بلادنا الكثير والكثير.غادرنا في أوج عطائه وفي قمة نضجه الإبداعي.الأزهر أبوبكر حميد خيال خصب وقلم رشيق يمتاز بمقدرة ملفتة على اقتناص الفكرة واستثمار اللحظة وإدارة الحوار الدرامي بطريقة فيها من التلقائية والإنسيابية والروح الشعبية الشيء الكثير. فهو بالفعل كاتب شعبي من الطراز الرفيع.الروح المرحة ساعدته كثيراً وشقاوة الصحفي أفادته كثيراً وسؤال المعرفة الذي لأزمة أعانه كثيراً،في كتاباته جرأة وفي مسرحياته جرأة وفي تمثيلياته أيضاً جرأة فهو لايكترث بالقيود الاجتماعية ولا يعير أهمية للمجاملة ولا يتردد في الجهر بقناعاته حتى وأن خالفها البعض. هذا التكوين وضعه في سجال دائم وفي مناكفة مستمرة وفي حالة عدم رضي من الكثيرين وفي حالة أعجاب الكثيرين أيضاً وحقيقة الأمر أن الأزهر هكذا هو لايتصنع ولا يدعي وما يقتنع به لايتردد في فعله.
    الأزهر أبوبكر حميد كاتب غزير الإنتاج كتب أكثر من أربعين مسرحية وما يزيد عن المائة بين تمثلية ومسلسل ومسمع إذاعي إضافة إلى عدد من السهرات الدرامية والمسلسلات المرئية.
    عناوينه مثيرة وملفتة وكثيراً ما تكون جذابة من عناوين مسرحياته وزارة في السوق السوداء-إبليس كان هنا-السماسرة-شكسبير في ليبيا-نقابة الخنافس-ملحن في سوق الثلاث-حريم عمي المتصلول-الحب بالدينار-تحظمت الأصنام.
    حوارات الأزهر أبوبكر حميد ليس بها إطالة أو تمطيط وهو لايركز كثيراً على الديالوجات أو المنولوجات بل كثيراً ماكان يصنع نصه على أساس التراشق الحواري بين الشخصيات مما يعطيها مزيداً من الديناميكية والحيوية وهو عادة ما يدير بناءه الدرامي عبر مواجهات ساخنة في إطار كوميدي بهدف إظهار السلوكيات غير السوية وكشف الظواهر الاجتماعية السيئة..فالأزهر عندما يعري شخصياته فأنه يقوم بوظيفة مزدوجة فهو يضحكنا على تطرف الشخصيات من جهة ويجعلنا نسخر من هذا التطرف من جهة أخرى.الأزهر أبوبكر حميد بدون شك احد فرسان الكوميديا الاجتماعية في بلادنا واحد رواد المدرسة الواقعية.
    في أعماله ظهور واضح لكوميديا الموقف التي تعتمد على المهارة في بناء المفارقة الدرامية أكثر من اعتمادها على صياغة الحوار.وعادة مايثير بها قضايا اجتماعية شائكة تحتاج لجرأة الطرح وقدرة التناول.في مسرحياته لا وجود لشخصيات نمطية كما هو الحال في مسرح مصطفي الأمير وفرج قناو بل شخصياته المسرحية متجددة فهي معاندة مشاكسة متشبته متزمتة مهرجة متحررة مقهورة انتهازية نفعية مقتبسة من شرائح المجتمع المختلفة يستلها من تراكمات الواقع الاجتماعي يصوغها دراميا ويعتني بها إبداعياً وهو بذلك يركز في نصوصه على حركة عامة داخل المسرحية تستوعب شخصياته وتعطي لكل واحدة منها ما تحتاجه من فعل أو رد فعل وما تتطلبه من قوة أو ضعف وما يلزمها من انفعال أو تأثير.
    الأزهر أبوبكر حميد يتعامل مع الكوميديا من خلال مفهومها الواسع الذي هو ثورة على قيم قديمة وعلى مجتمع قديم وتفسير لرؤى عميقة في العلاقات الإنسانية.وهذا ما يجعل الكوميديا عنده فناً جاداً يرتكز على مفارقات ديالكنيكية جدلية تفضي إلى مضمون هادف وليس إلى مجرد التسلية أو التزجية.لقد سعي الأزهر وبمثابرة كبيرة إلى أن تكون له بصمته المتميزة في مجال كتابة النص الكوميدي وحرص في مسرحياته على أن ينفلت من دوائر الحياة الضيقة المسكونة بالحزن والفجيعة إلى دوائر أرحب كلها تفاؤل وأمل انطلاقاً من أن الحياة مدرسة كبيرة فيها كل الاحتمالات ولكن بالصدق والجرأة والعزيمة والصراحة والشفافية يمكن للحياة أن تكون جميلة رائعة.

  • الفنان مصطفى احميدة العجيلي..- إعداد / مختار الأسود..ليبيا مائة عام من المسرح-1-24

    الفنان مصطفى احميدة العجيلي..- إعداد / مختار الأسود..ليبيا مائة عام من المسرح-1-24

     
    ليبيا مائة عام من المسرح”1908م- 2008م”أوهكذا تكلم المسرحيون -1-24- نوري عبدالدائم
    **************************

    الفنان مصطفى احميدة العجيلي
    إعداد / مختار الأسود
    * ولد عام 1916 مصطفى احميدة العجيلي بالمدينة القديمة بطرابلس بمنزل القنوني بزنقة قوس المفتى ، تعلم في بداية سنوات عمره الأولى وتتلمذ على بعض مشاهير العلماء، منهم الأستاذ علي أمين سيالة والشاعر أحمد قنابة. في عام 1925 التحق بمدرسة مكتب الفنون والصنائع وتعلم بها اللغة الإيطالية إلى جانب اللغة العربية، ورقمه بها (70) تخرج عام 1932 وظل يتردد على مكتب الفنون والصنائع حتى تم تعيينه مدرساً بمدرسة تاورغاء، وبقى بها مدة ثلاثة أشهر، ثم انتقل إلى مدرسة بمدينة بنغازي وبقى بها مدرساً لمدة سنة عاد بعدها إلى مدينة طرابلس لمراعاة حالة والدته والاهتمام بها.تحصل على درجة الدكتوراه من إيطاليا مدينة نابولي في سنة 1937 م . عمل بالتدريس مدة تزيد عن 25 سنة.عمل مفتشاً للغة العربية في المدارس الإيطالية.
    * علاقته بفن المسرح بدأت منذ مباشرة عمله بالتدريس حيث تولدت عنده رغبة وميلا لفن التمثيل المسرحي، إذ رأى في هذا الفن مدرسة متسعة لسرد التاريخ، كما رأى فيه مصحة لعلاج الأمراض الاجتماعية، وكما أنه وسيلة للترفيه الاجتماعي، فهو أيضاً وسيلة للنهوض الثقافي ومرآة للحضارة. وعلى هذا الأساس من الرغبة الصادقة والميل الهادف لفن المسرح، وباعتباره أحد خريجي مكتب الفنون والصنائع، فقد استطاع اقناع زملائه من خريجي المكتب وغيرهم من الأدباء والمثقفين للسعي في تكوين فرقة للتمثيل والموسيقى. وفي عام 1936 تحقق هدفه حيث كان أول المؤسسين لأول فرقة بمدينة طرابلس وهي (فرقة خريجي مكتب الفنون والصنائع للتمثيل والموسيقى) وتولى إدارتها والإشراف على شؤونها الفنية.
    وهو يعتبر بحق من رواد النهضة المسرحية في مجالاتها الفنية المتعددة كاتباً ومؤلفاً ومقتبساً لبعض النصوص العربية والغربية مخرجاً وممثلاً بارعاً.
    – أعمال الدكتور مصطفى احميدة العجيلي في مجال المسرح متنوعة منها:
    * مسرحية (وديعة الحاج فيروز الخراساني) وهي قصة عربية مشهورة أدبياً وتاريخياً، وهي من اقتباسه، وقام بتمثيل أحد أدوارها الرئيسة. وهذه هي أول عمل مسرحي قدمته فرقة خريجي مكتب الفنون والصنائع عام 1937.
    * مسرحية (الرضا) قصة اجتماعية عصرية أخلاقية بناءة مطعمة بألوان من الشعر الداعي للقناعة والخير والمثابرة، وهي من إخراجه.
    * مسرحية (مزين بغداد) هزلية، من إعداده.
    * مسرحية (طاش وطوشون) أخلاقية اجتماعي باللهجة الطرابلسية، من إخراجه.
    * مسرحية (غرام وانتقام) معربة من نوع المأساة، من إخراجه.
    * مسرحية (براعة) مسرحية أدبية، من تأليفه ومن إخراجه.
    * مسرحية (الولد العبيط) تربوية أخلاقية، من تأليفه ومن إخراجه.
    * مسرحية (ناكر الجميل) أدبية أخلاقية، وتعتبر من روائع المسرح العربي الليبي، من تأليفه ومن إخراجه، وقام بدور رئيسي فيها ممثلاً بارعاً.
    * مسرحية (الصديق المنافق) أدبية أخلاقية من تأليفه ومن إخراجه.
    * مسرحية (العاقبة) أدبية اجتماعية من إخراجه، وهذه المسرحية تعتبر أول عمل مسرحي للنادي الأدبي بطرابلس.
    * مسرحية (اعتناء الآباء بالأبناء) أخلاقية تربوية من إخراجه.
    * مسرحية (خيانة الأصحاب) اجتماعية أخلاقية من إخراجه.
    * مسرحية (مساوئ المال) من إخراجه.
    – للدكتور الفنان مصطفى احميدة العجيلي الفضل الكبير في تشجيع وخلق المواهب الفنية في مجال المسرح بعد الجيل الأول من الرواد، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
    1) الفنان مصطفى محمد الأمير، فقد اختاره الدكتور مصطفى احميدة العجيلي من بين شباب نادي العمال واسند إليه دور (الأب) في المسرحية التي ألفها وأخرجها وعنوانها (العودة إلى المدرسة) وشجعه على قبول الدور وساعده ودربه على القيام به، ومنذ ذلك اليوم الذي ظهر فيه على خشبة المسرح لأول مرة تحقق للفنان الصغير ما كان يحلم به، وأصبح من رواد جيله في مجال المسرح.
    2) الفنان مختار رمضان الأسود شجعه الدكتور الفنان مصطفى العجيلي على دخول فن المسرح منذ صغره يوم أسند إليه دوراً يتناسب مع سنه آنذاك في مسرحية تاريخية شهيرة بعنوان (يوم القادسية) سنة 1945 بنادي العمال.
    3) وفي أول حفلة لفرقة الأمل التي عرضت فيها مسرحية (الصديق المنافق) من تأليف وإخراج الدكتور الفنان مصطفى احميدة العجيلي الذي شجع بعض الفتيان الذين لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة على الظهور في نهاية العرض على المسرح ليسمعوا المشاهدين بعض الأناشيد في حفل الختام، منهم:
    فائق بن سلطان، وكامل الحسنين، ومختار الأسود، ونوري القروش، ورمضان زميط، والهادي ذياب، ومحمد العروسي، وعيسى الصومالي.
    وقد تكاثفت مجهودات الدكتور مصطفى احميدة العجيلي مع العديد من الشعراء والمثقفين والأدباء لإلقاء بعض الكلمات الأدبية والقصائد الشعرية قبل العروض المسرحية، وهذه أبيات من بعض تلك القصائد الشعرية التي كانت تعرف بالفن المسرحي وتلهب حماس المشاهدين ومنها هذه الأبيات:
    بعنوان (من وحي التمثيل المسرحي)
    ابعثوا الفن فخارا وجلالا وبهاء يملأ الدنيا جمالا
    أيها الفتيان يا من أسسوا مسرحا للفن قد شع هلالا
    أنتم المأمول في نهضتنا ولكم نرفع ماجد وطالا
    بالفن ستبنوا مجدكم وعليه تمسحوا الداء العضالا
    فنراكم في قريب أمة ردت التالد وازدادت كمالا
    أليست هذه الأبيات الشعرية ترجمة صادقة لما كان يعتمل في صدور هؤلاء الشباب من مشاعر يوم أسسوا أول فرقة للتمثيل عام 1936 وعلى رأسها الدكتور الفنان مصطفى احميدة العجيلي الذي كان يعتقد بأن المسرح يعتبر ركناً مهماً من أركان التقدم الثقافي والحضاري.
    كان الدكتور الفنان مصطفى احميدة العجيلي مخلصاً لهواية فن المسرح تدفعه رغبة صادقة في تحقيق أهداف النهضة المسرحية في بلادنا العزيزة، فلا يرى أن هناك أي سبب يقف في سبيل تحقيق هذه الرغبة، فحين دبرت سلطات الاحتلال الإيطالي الفاشستي أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية خطة ماكرة تفشل بها نشاط أول فرقة للتمثيل بمدينة طرابلس، لما لاحظته من مردود ثقافي جماهيري للمواطنين المشاهدين المتمسكين بهويتهم وأصالتهم وتاريخهم بفضل مشاهدتهم للمسرحيات التي تقدمها الفرقة، خلقت تلك السلطات الفاشستية الإيطالية ذريعة تحبط بها مشاعرهم أولا وتحقق بها حل الفرقة وإنهاء نشاطها ثانيا.. وفرضت على إدارة الفرقة تغيير الاسم إلى اسم فاشستي جديد وفي حالة عدم القبول تحل الفرقة وتوقف جميع نشاطاتها في مجال المسرح والموسيقى.
    وكان الرد بذكاء وحنكة وإصرار على البقاء في المسيرة الفنية أن الفرقة تقبل تغيير اسمها ومواصلة نشاطها، وذلك بعد أن حلل الدكتور الفنان مصطفى أحميدة العجيلي الاسم الإيطالي الجديد المفروض المختصر في مقاطع ثلاثة تبدأ بحروف ثلاثة هي باللغة الإيطالية (A.M.L) نقلها إلى حروف عربية فكانت (أ.م.ل) … ولما جمعها في خاطرة كانت فرقة (الأمل) فاستبشر خيراً وتمت الموافقة على الاسم الجديد.. وهكذا خلق في أعماق نفوس زملائه بأننا قبلنا لأننا في فرقة (الأمل).. والخلاص من المستعمر الفاشستي المحتل..
    واستمرت الفرقة تقدم عروضها المسرحية حتى قبل نهاية الحرب العالمية الثانية فعرضت مسرحية (عصمان البحري) كما عرضت مسرحية (الصديق المنافق) التي كانت من تأليف وإخراج الدكتور (مصطفى احميدة العجيلي) .
    وأول خطوة خطاها في عام 1944 نقل الفرقة إلى مكان جديد بشارع درغوت باشا واختار لها اسماً جديداً هو: (نادي العمال) وتولى شؤونه الإدارية والفنية واستمر النادي بنشاطاته الفنية الثقافية والاجتماعية والرياضية.
    وفي حفلة الافتتاح عزفت الفرقة الموسيقية التابعة للنادي أغلب الأغاني التي كانت معروفة في تلك الأيام ليبية ومصرية.
    وهذه الفرقة الموسيقية كانت تتكون من عازفين جميعهم من كهول خريجي مدرسة الفنون والصنائع يشرف على تمارينها أكبرهم سناً وأقدرهم عزفاً وهو الفنان رمضان الأسود وكان الدكتور مصطفى احميدة العجيلي هو الذي جمع شملهم عند تأسيس نادي العمال وهم:
    رمضان الأسود، مختار الترهوني، مختار الباهي، الهاشمي الفيتوري، محمد الأرناؤوطي، حميدة ميلاد، المهدي الشريف وغيرهم.
    وأول عمل للنادي هو إعادة تمثيل مسرحية (ناكر الجميل) من تأليف وإخراج الدكتور مصطفى احميدة العجيلي، اشترك في تمثيلها أغلب الوجوه القديمة لفرقة خريجي مكتب الفنون والصنائع الذين اكتسبوا شهرة واسعة منذ عام 1936.
    وظل الدكتور مصطفى حميدة العجيلي يعطي لفن المسرح في إبداع ألوانه التخصصية من تأليف واقتباس وإخراج وتمثيل حتى نهاية نادي العمال عام 1946.
    وفي منتصف هذا العام (1946) انتقل الدكتور مصطفى أحميدة العجيلي إلى مجال الصحافة فأصدر مجلة (المرآة) وصدر أول عدد منها بتاريخ 15- 7- 1946، وهي صحيفة أدبية فنية ورياضية وقد اهتمت بفن (الكاريكاتير) وكانت أول مجلة تقدم هذا الفن في ليبيا وكان الفنان والرسام والرياضي القدير فؤاد مصطفى الكعبازي هو الذي يقوم برسوم (الكاريكاتير) في هذه المجلة. ومن بين أعضاء أسرة تحريرها الأساتذة:
    محمد خليل القماطي، مصطفى الكعبازي، عبد الرزاق البشتي، الهادي عرفة، الشاعر أحمد الشارف، الشاعر أحمد قنابة، الشاعر المحامي علي صدقي عبد القادر، أحمد الحصائري.
    ومن أحسن أبوابها: حسب رأى صاحبها الدكتور مصطفي أحميدة العجيلي هو باب (الهتشيات) ويعني الكلام الذي لا يعتد به ولا يعتمد عليه يتناول فيه محرر هذا الباب أخبار المجتمع.
    كان فنانا بطبعه يطرب لاستماع الموسيقى وتعجبه الأغنية الليبية خاصة في ثوبها (الفزاني) من جنوب الوطن ويرى بأن هذا اللون هو الفن الصحيح والأصيل والموروث الصافي بغير تعكير.
    ظل حتى آخر أيام حياته يحن للمسرح لأنه متصل بأعماق نفسه منذ عام 1936 وكان يعبر عن الحنين بأنه (حنين العاشق الولهان) إلى أن فارق الحياة رحمه الله رحمة واسعة.
    ونأمل أن تكون الأسطر لمسيرته الفنية تذكرنا بما حقق من طموحات في مجال فن المسرح رائداً من رواده الأوائل، حتى فارقه بالعشق والحنين، ونرددها اليوم مع التقدير له والوفاء لما بذله من جهد وعطاء.
    – وفاته:
    توفى المرحوم الدكتور مصطفى العجيلي يوم 26- 9- 2004 مسيحي اللهم أسكنه فسيح جناتك وألهم أسرته وتلاميذه وأصدقاءه الصبر والسلوان.
    إنا لله وإنا إليه راجعون