الموت والحياة رفيقان متلازمان لا ينفصلان، إذ أننا نموت في كل لحظة فعلياً قبل أن يأتي موعد فراق الروح للجسد، فعدد الخلايا التي نفقدها يومياً مهول جدا،إذ يستمر هذا الفقدان إلى أن نعود إلى ما سماه شكسبير في مؤلفه (كما تهواه): ”الطفولة الثانية، حيث لا شيء سوى النسيان، وفقدان الأسنان، وفقدان النظر، وفقدان التذوق، وفقدان كل شيء!“. وعن الفقدان حديثنا، عن مرض الطفولة الثانية! ألا وهو الزهايمر.
يتعامل
الجميع بحذر وتفهّم كبيرين مع الأمراض العضوية، لكن الأمر يختلف فيما
يتعلق بالعقل والفكر، إذ أننا نلاحظ نقصاً في الوعي في ما يخص كيفية
التعامل مع المرضى، وتغلب المعتقدات الخاطئة وتقاليد مجتمعية على المعلومات
الصحيحة أحياناً في كيفية علاجه أو التعامل معه.
يعتقد معظم الناس
أن مريض الزهايمر يعجز عن تذكر كل شيء يتعلق بماضيه، أو ربما لا يستطيع
تذكر أي حدث في الحاضر. لكن الحقيقة أن الزهايمر درجات، بين مريض يجد صعوبة
في استرجاع الأحداث من الذاكرة القصيرة، لكنه يتذكر الماضي بشكل جيد،
ومريض يتذكر الحاضر، لكنه عاجز عن تذكر الماضي، وصولاً إلى أصعب الحالات،
هي تلك التي لا يتذكر فيها المريض أي شيء عن نفسه أو عن أسرته ومحيطه.
ومن
خلال مجموعة من الدراسات والأبحاث، سنفك شيفرة هذا المرض الجينية ونتعمق
في الأسباب التي من الممكن أن تزيد من مخاطر الإصابة به ومن بينها الأذية
الدماغية.
أولا: الصدمة الدماغية وتأثيرها على الجينات!
إن
الأذية التي تصيب الرأس يمكن أن تؤثر سلباً على مئات الجينات في المخ
وبالتالي تعرض الناس لخطر الإصابة بأمراض مثل الزهايمر وباركنسون واضطراب
ما بعد الصدمة والسكتة الدماغية وغيرها الكثير. مؤخراً، قامت مجموعة من
الباحثين في جامعة كاليفورنيا لأول مرة بتحديد مجموعة جينات رئيسية محتملة،
يعتقدون أنها تتحكم في مئات الجينات الأخرى المرتبطة بالعديد من
الاضطرابات العصبية والنفسية.
وفي تصريح لـ (شيا يانغ) Xia Yang، أحد
الأساتذة في جامعة كاليفورنيا في اختصاص البيولوجيا وعلم وظائف الأعضاء:
”نعتقد أن هذه الجينات الرئيسية مسؤولة عن إصابات الدماغ، والتي من الممكن
أن تسبب تغيرات في العديد من الجينات الأخرى“.
تمتلك الجينات القدرة
على أن تأخذ شكل أنواع عديدة من البروتينات، ويمكن لإصابات الدماغ أن تلحق
ضرراً بالغاً فيها، والذي من الممكن أن يؤدي بعد ذلك إلى تلف الجينات
الأخرى.
أحد
الاحتمالات هو أن الإصابة قد تؤدي إلى تحريض الجينات على إنتاج بروتينات
غير منتظمة، أما الاحتمال الآخر فهو حدوث تغيير في عدد النسخ من الجين في
كل خلية، إذ يمكن لأي تغيير أن يمنع أي جين من العمل بشكل صحيح، أو أن يؤدي
إلى تحوله إلى شكل آخر من البروتين مؤدياً إلى الإصابة بالزهايمر.
لربما
يأمل الباحثون من خلال هذه الدراسة أن يتحكموا مستقبلاً بهذه الجينات، أو
يعدلّوها لمقاومة التشوه البروتيني الناجم عن التعرض لأذية دماغية، وهو ما
قد يجعلها أفضل الأهداف لعلاجات جديدة لاضطرابات الدماغ.
ثانياً: العلاقة بين الإصابة الدماغية و سماكة القشرة المخية لدى الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بمرض الزهايمر!
هناك
دراسة أخرى أجراها مجموعة من الباحثين في المعهد الوطني للصحة العقلية،
وبالتعاون مع مركز شؤون المحاربين القدامى الأمريكي، على 160 من الجنود
المحاربين في العراق وأفغانستان، والذين تتراوح أعمارهم بين 19 و58 سنة،
ومعظمهم يعانون من إصابات دماغية خفيفة و تشخيص لحالة اضطراب ما بعد
الصدمة.
أظهرت النتائج أنه من المحتمل أن تؤدي إصابة دماغية خفيفة،
مع وجود عامل جيني مناسب، إلى انخفاض السماكة القشرية الدماغية. حيث اهتم
الباحثون بـ 7 مناطق من مميزة من القشرة المخية والمسؤولة بشكل خاص عن أداء
الذاكرة، وهي:
استنتج القائمون على الدراسة أن الإصابات الدماغية والعوامل
الجينية كانت متوافقة بشكل كبير جداً مع الإصابة بمرض الزهايمر، وذلك عن
طريق تأثيرها بشكل غير مباشر على أداء الذاكرة العرضية، مما يشير إلى أن
التخفيف القشري في مناطق الدماغ المعرضة لمرض الزهايمر هو آلية لتقليل أداء
الذاكرة، كما أنّ مجموعة من الاختبارات الأخرى، والتي فحصت أليل APOE4،
أكدت دوره الكبير في زيادة خطر الإصابة بمرض الزهايمر مستقبلاً.
تقدّم
هذه النتائج دليلاً على أن إصابة الدماغ ترتبط بزيادة تنكّس الأعصاب
وانخفاض أداء الذاكرة لدى الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بمرض الزهايمر في
المراحل اللاحقة للإصابة.
ثالثاً: اكتشاف مرض الزهايمر من خلال فحص الدم خطوة أقرب إلى الاستخدام السريري:
في
نقلة نوعية، أشاد خبراءٌ بإمكانية القيام بفحص دمٍ جديد ودقيق بنسبة 94٪
في تحديد مرض الزهايمر قبل ظهور الأعراض، وذلك عند أخذ عوامل الخطر
المرتبطة بالعمر والجينات بعين الاعتبار.
إذ
أفاد باحثون من جامعة واشنطن في سانت لويس أنهم يستطيعون قياس مستويات
بروتين الزهايمر، الأميلويد بيتا، في الدم واستخدام هذه المستويات للتنبؤ
بما إذا كانت قد تراكمت في الدماغ.
وقال التقرير إنه بالإمكان التنبؤ
بذلك قبل ما يصل إلى 20 عامًا من إصابة الناس بفقدان الذاكرة والارتباك
المرافقين لمرض الزهايمر، والتي تبدأ عندها كتل البروتين المدمرة بالتراكم
في أدمغتهم.
وتعد هذه النتائج، التي نُشرت في المجلة الطبية لعلم
الأعصاب، خطوة رئيسية نحو إجراء اختبار للدم لتشخيص المرض ومراقبة وضع
المريض قبل ظهور الأعراض.
وقال كبير المؤلفين (راندال ج. باتمان)،
أستاذ علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة واشنطن: ”في الوقت الحالي، نقوم
بإجراء الفحوصات من خلال التجارب السريرية باستخدام فحوصات الدماغ التي
تستغرق وقتاً طويلاً و لا تزال باهظة الثمن حتى اليوم، ويستغرق تسجيل
المشاركين سنوات. لكن من خلال فحص الدم البسيط الآن، يمكننا فحص آلاف
الأشخاص كل شهر، مما يعني أنه بإمكاننا تسجيل المشاركين بشكل أكثر كفاءة في
التجارب السريرية، مما سيساعدنا في العثور على العلاجات بشكل أسرع، وقد
يكون لذلك تأثيرٌ هائل على تكلفة المرض وكذلك المعاناة الإنسانية التي
تصاحبه“.
وشملت الدراسة الصادرة في الأول من آب/أغسطس من العام 2019
حوالي 158 شخصاً بالغاً فوق سن الـ 50، في حين كان جميع المشاركين في
الدراسة، عدا 10 منهم، جيدين من الناحية المعرفية، وقدم كل منهم عينة دم
واحدة على الأقل وخضع لفحص دماغي بانبعاث بصري واحد.
صنّف الباحثون
كل عينة دم وفحص PET بأنها أميلويد إيجابية أو سلبية، ووجد اختبار الدم من
كل مشارك متفق مع فحص PET الخاص به بنسبة 88٪ أسرع من الوقت المستغرق في
عملية الكشف سريرياً.
وفي محاولة لتحسين دقة الاختبار، قام الباحثون
بدمج العديد من عوامل الخطر الرئيسية لمرض الزهايمر، أولى تلك العوامل كان
العمر الذي يعتبر أكبر عامل خطر معروف، فبعد سن الـ 65، تتضاعف فرصة
الإصابة بالمرض كل خمس سنوات.
إن المتغير الوراثي المسمى بالآليل
APOE4 يزيد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر من ثلاثة إلى خمسة أضعاف، كما
يلعب الجنس دوراً في كون النساء اكثر عرضة للإصابة، إذ يصيب الزهايمر
اثنتان من النساء من بين كل ثلاثة مرضى أي بنسبة ⅔.
وعندما
أدرج الباحثون عوامل الخطر هذه في التحليل، ارتفعت دقة فحص الدم إلى 94٪.
في حين وجد البحث أن الجنس لم يؤثر بشكل كبير على التحليل.
وقالت
(سوزان شندلر)، أستاذة مساعدة في علم الأعصاب في جامعة واشنطن: ”لقد أثر
الجنس على نسبة بيتا أميلويد، لكن ليس بما يكفي لتغيير ما إذا كان الناس قد
تم تصنيفهم على أنهم أميلويد إيجابيين أو أميلويد سلبي، وبالتالي لم يحسن
ذلك من دقة التحليل بشكل ملحوظ“.
ففي الوقت الذي كانت فيه نتائج
اختبارات الدم لدى بعض الأشخاص تعتبر إيجابية للبيتا أميلويد، لكنها كانت
كاذبة في هذه المرحلة لأن فحص الدماغ عاد بنتيجة سلبية. إلا أن بعض الأشخاص
الذين كانت نتائجهم غير متطابقة قد أثبتت نتائج إيجابية في فحوصات الدماغ
اللاحقة التي استغرقت أربع سنوات في المتوسط.
وتشير النتيجة إلى أن
اختبارات الدم الأولية هذه كانت بعيدة كل البعد عن عن أن تكون مخطئة، و
تمكنت من الاستدلال على علامات مبكرة من المرض لم تظهر في فحص الدماغ
التقليدي بعد.
ويأمل الباحثون أن يصبح الاختبار متاحاً في مكاتب
الأطباء في غضون بضع سنوات، إذ تشير الإحصائيات أن فوائده ستكون أكبر بكثير
بمجرد وجود علاجات لوقف عملية المرض وإعاقة الخرف.
كما يمكن أن يوفر
اختبار الدم وسيلة لفحص الأشخاص الذين يعانون من العلامات المبكرة للمرض
بفعالية حتى يتمكنوا من المشاركة في تجارب سريرية لتقييم ما إذا كانت
العقاقير قادرة على منع مرض الزهايمر.
● أمل جديد
هنالك
العديد من الجمعيات والمؤسسات الحكومية و غير الحكومية عالمياً، و التي
تعنى بمساعدة مرضى الزهايمر المنتشرة في أكثر من 100 دولة عالمياً، ومنها
من يبتكر برامج جديدة لمساعدة المصابين بالزهايمر على التأقلم مع الوسط
وتحسين مستوى حياتهم وتفاعلهم مع الآخرين، مثل العلاج بالموسيقى أو
النشاطات التفاعلية.
وتجدر الإشارة أخيراً إلى ضرورة القيام بالفحوص
السنوية لكل من الدماغ والمراكز العصبية وإجراء تحليل جيني شامل للكشف عن
وجود جينات قد تساعد في تفاقم المرض كما هو الحال في الأليل APOE4 عند
تواجده من الأبوين، مما يمكننا من حد الأسباب الجينية للمرض. كما يأمل
الباحثون في التوصل إلى آلية جديدة للمساعدة في عملية زراعة الخلايا
الجذعية لعلاج التلف الحاصل في البنى العصبية.
أعلم أنني تحدثت عن هذا الموضوع من قبل، وأنّ حملات التوعية عن الأمراض النفسيّة قد ازدادت في الآونة الأخيرة.. ولكن لفتتني مشاركة أحد الأصدقاء منذ بضعة أيام منشوراً ساخراً على الفايسبوك يتناول فيه أحد السياسيين في لبنان ويقارنه بالمريض النفسي، بغية إهانته والسخرية منه.. وردّة الفعل الضاحكة الساخرة والمؤيدة للمنشور.
أعتقد
أن العديد منّا ما يزال غير مدرك أن المريض النفسي إنسان ”مش أخوت“،
والعبارة ”مريض نفسي“ ليست إهانة أو قلة اعتبار لشخص يعاني، قد يكون أنا أو
أنت أو أحد أقاربك أو إخوتك أو أصدقائك.. هذا الشخص يعاني ويعيش جحيماً لا
نملك أدنى فكرة عنه، ويخوض حروباً قاسية باردة لا أنا ولا أنت نعلمها،
منها على نفسه ضدّ أفكاره وعقله في رأسه، ومنها على مجتمعه الّذي لا يزال
يعايره بمرضه واختلافه عنا، ويرفض الاعتراف بمعاناته بل ويسخّفها ويستهزئ
بها، فيضطرّ إلى إخفائها والمعاناة بصمت..
أيجوز أن نعاير مريض
السرطان بمرضه ونتنمّر عليه، فنقول له بسخرية ”لا تذهب عند طبيبك؟ لا تأخذ
هذه الأدوية فهي ستخرّب عقلك وجسدك، تقرّب من ربك فالسرطان سببه بعدك عن
الله، لا تنم فتعب العلاج الكيميائي ليس بشيء؟“ كلا، كذلك المرض النفسي،
فالمصاب لم يختر الإصابه به وليس سعيداً بمعاناته أيضاً…
هل نقول
للمتوفي بالسرطان ”لو حارب أكثر أو صلّى أكثر لكان قد نجا، أو لمَ لم يفكر
بنا حين مات أو نلوم عائلته؟“ كلا، فلمَ نلوم المنتحر عند وفاته.
المكتئب
ليس بكسول أو متشائم أو انطوائي، المصاب بالأنوريكسيا (مرض فقدان الشهية)
لا يكره الطعام، وهو يقدّر النعمة التي يمتلكها على طاولته، ويعلم أنّ غيره
يشتهي فتات الخبز.. الذي أنهى حياته لم يقرر فجأة الذهاب بعيداً وليس
بأناني وكافر وضعيف، المصاب بالوسواس القهري ليس معقداً ونظيفاً زيادة عن
اللزوم، المصاب باضطراب ثنائي القطب ليس مزاجياً وصعب المراس، ونوبات الهلع
ليست عبارة عن دقات قلب سريعة وحسب…
خلاصة القول أنّ المرض النفسي
كالسرطان إذا جاز التعبير، يفتك بالعقل والجسد سوياً، فيقضي على فريسته
ببطء.. الطبيب النفسي ليس كما يصورونه ”دكتور المجانين النصاب المحتال“، بل
هو طبيب درس ونال إجازته ليزاول مهنته الطبية تماماً مثل طبيب الأورام
السرطانية، والمصاب به لا يختلف عنا جميعاً، بل هو بحاجة للمتابعة النفسية
وفي حالات معينة إلى أدوية محددة تساعده ”ولا تدمره“، وهو حتماً قادراً على
امتلاك حياة اجتماعية وإنشاء ورعاية عائلة.
حبّذا لو ندعمه ونقف إلى جانبه ونسأله عن حاله بدلاً من التنمر عليه والسخرية منه.. علّنا نتقبل المختلفين عنا في يوم قريب.
في حال زيارتك لمدينة البندقية الإيطالية، سينصحك المرشد السياحي أو السكان المحليون بزيارة حي (سان باولو)، فعلى الرغم من صغر هذا الحي إلا أنّه يُعد من أقدم أحياء هذه المدينة الساحرة وأكثرها تميزاً، حيث يضم هذا الحي العديد من المتاحف التي تستحق الزيارة، كما يضم العديد من الكنائس الأثرية ككنيسة القديس (سان غياكامو دي ريالتو) التي تُعد من أقدم الكنائس في البندقية، كما أنّ شوارع هذا الحي أشبه بمتاهةٍ جميلة من الشوارع الضيقة الحجرية الساحرة.
وأثناء
تجوالك في هذا الحي قد تُصادف جسراً صغيراً قد لا يبدو من النظرة الأولى
مميزاً أو مثيراً للاهتمام مقارنةً مع باقي المعالم الأثرية الساحرة التي
تضمها المدينة الفريدة من نوعها، لكن مع ذلك يُعد هذا الجسر من معالم
المدينة المميزة للغاية ومن أكثرها شهرةً، ويَعود هذا بشكلٍ أساسي إلى اسمه
المميز والقصة المثيرة خلف هذا الاسم، حيث يُسمى هذا الجسر بالإيطالية
Ponte Delle Tette وهو ما يُترجم حرفياً إلى ”جسر الأثداء“.
إنّ
القصة خلف تسمية جسر الأثداء بهذا الاسم تعود إلى مئات السنين حين كانت
مدينة البندقية في ذروتها، حيث كانت تُسمى حينها باسم La Serenissima أي
المدينة الأكثر هدوءًا وصفواً وسلاماً، وهو اسمٌ أطلقه عليها البيزنطيون
ومازالت تُدعى به من قبل السكان المحليين حتى يومنا هذا.
كانت
المنطقة التي تقع خلف جسر (ريالتو) في القرون الوسطى، وتحديداً في القرن
السادس عشر، منطقةً ذات إضاءةٍ وإنارةٍ حمراء، أي أنّ هذه المنطقة كانت
مخصصة لأعمال البغاء التي كانت السلطات في المدينة تسمح بها بالكامل، بحسب
إحصاءٍ للسكان أُجري عام 1509 كان يُوجد حوالي 11161 بائعة هوى تعمل في
مدينة البندقية حينها، وهو رقمٌ مرعب، حيث يُشكل هذا الرقم عِشر عدد سكان
المدينة حينها، لكن بالطبع قد يكون من كتب هذا الإحصاء قد بالغ بعض الشيء.
لا
يهم الرقم الدقيق، فالأكيد أنّ عدد بائعات الهوى كان ضخماً جداً، حتى أنّ
الضرائب التي كنّ يدفعنها مقابل عملهن كانت تُساهم بشكلٍ مباشر في تطوير
وتحديث المدينة، وتعزيز ترسانتها العسكرية، وليس فقط الضرائب، بل أنّ
الإغراء الكبير الذي كانت بائعات الهوى في مدينة البندقية يتمتعنّ به كان
يقود كبار التجار من جميع أنحاء أوروبا لزيارة هذه المدينة، وهو ما أدى
بشكلٍ غير مباشر إلى زيادة النشاط التجاري فيها.
قد
تستغرب ربما كيف كان البغاء مسموحاً في إيطاليا في تلك العصور بينما كانت
تخضع للسلطة الدينية، لكن الكنيسة كانت تنظر إلى الموضوع كشرٍّ لا مفر منه،
حيث كانت ترى أنه يحمي النساء المحترمات من رغبات الرجال، كما يقي الرجال
من الوقوع في خطايا أكبر، وتبرز وجهة نظر الكنيسة هذه في كلام رجل الدين
الإيطالي القديس (توماس أكويناس) الذي قال: ”إذا تم منع بائعات الهوى
ستجتاح الرغبات غير المضبوطة المجتمعَ، حيث إن قمت بإزالة المجارير سيصبح
القصر قذراً وممتلئاً برائحة شريرة وسيئة“.
لكن
بسبب ازدياد عدد بائعات الهوى بشكلٍ كبير في القرن السادس عشر، وبسبب
انتشار المثليين بشكلٍ كبير بين رجال مدينة البندقية نظرا للقوانين
المتساهلة، قلَّ عدد الذين يطلبون خدمات بائعات الهوى ما أدى بشكلٍ مباشر
إلى نقصان مدخولهن بشدة، وهو ما أثر على مستوى حياتهن الشخصي وعلى اقتصاد
المدينة حتى.
وفي محاولةٍ لإنقاذ مهنتهن، قامت بائعات الهوى بطلب
المساعدة من بطريرك مدينة البندقية الذي يدعى (كونتريني)، حيث طلبن منه
إيجاد حلٍ وإيقاف ”انتشار المثلية“ بين سكان المدينة، فقد كانت العلاقات
المثلية تُشكل مشكلةً أكبر من ازدياد أعدادهن واحتدام المنافسة بينهن،
فالعديد من الرجال لم يعودوا بحاجتهن لتلبية رغباتهم حسب قولهن.
وعلى
عكس ما تتوقع، فقد استمع رجل الدين المرموق هذا لمطالب بائعات الهوى، لأن
الكنيسة كانت تعتبر الممارسات المثلية أكثر خطورةً من البغاء، لكن ما هو
مفاجئ أكثر هو الحل الذي توصلت إليه الكنيسة، حيث قررت إثارة وإنعاش
الرغبات لدى الرجال اتجاه النساء وذلك عبر عرض أجساد بائعات الهوى على
الملأ.
قامت الكنيسة بأمر بائعات الهوى باستعراض مفاتنهن، لذا قمن
بالوقوف على هذا الجسر وعلى نوافذ وشرفات المنازل القريبة منه عارياتٍ
بشكلٍ شبه كامل، وقام بعضهنّ بالكشف عن أثدائهن، أما أخرياتٍ فقمن بمباعدة
أرجلهن العارية، كل ذلك في مظهرٍ خُلّد في تاريخ مدينة البندقية حتى الآن،
حيث سُمي الجسر الذي وقفن فوقه بجسر الأثداء تخليداً لهذه الذكرى ومازال
الاسم حياً حتى يومنا هذا.
ما يُوضح بشكلٍ كبير أيضاً انتشار البغاء
في هذه المنطقة في تلك الفترة هو أنك تجد قرب هذا الجسر العديد من الأماكن
والمبان الأثرية المرتبطة بهذه المهنة التي يعتبرها الكثيرون أقدم مهنة
عرفها البشر، لعل أبرز الأمثلة هو مطعم Trattoria Antiche Carampane الشهير
والساحر، بالإضافة إلى المنزل الأثري المُسمى Rio Terà delle Carampane
الذي كان يُعد مكانًا لالتقاء بائعات الهوى، حيث أنّ كلمة Carampane تعني
بالأصل منزل عائلة (رامباني)، لكن هذا الاسم تحول تاريخياً ليعني منزل
بائعات الهوى.
لا نعرف اليوم ما إذا كانت هذه المحاولة ناجحة أم لا،
لكنها بالتأكيد تركت إرثاً في تاريخ مدينة البندقية، حيث يظهر هذا الإرث
عبر الأدب والأغاني حتى، ولعل أبرز مثال هو أغنية Al Ponte De Le Tette
للمغني الإيطالي (جورجيو بولاكو).
إذا كنت تحلم بأن تصبح فناناً عالمياً أو رساماً، أو كل ما ترغب به ببساطةٍ هو تطوير مهاراتك في الرسم، فأنت محظوظ. لا تقتصر شهرة الرسامة البارزة (كيت كيهيون بارك) على الرسومات النباتية فحسب، بل إنها معروفة برغبتها في مساعدة الآخرين على تحقيق نفس النجاح الذي حققته.
فإن قمت بزيارة صفحة
هذه الفنانة على إنستغرام فستجدها مليئاً بلوحات ورسومات الزهور والنباتات
المرسومة بالألوان المائية، إلى جانب بعض الفيديوهات والبرامج التعليمية
التي تعلمنا كيف يمكن لأي شخص الوصول إلى نفس مستوى الخبرة الفنية التي
تتمتع بها الرسامة (بارك).
بإمكان هذه الرسامة الكورية أن تضفي
لمستها الحية على كل ما ترسمه بفرشاتها، سواء كانت ترسم الورود أو التوليب
أو الصبار. في الوقت نفسه، تتسم رسوماتها التعليمية بالوضوح والبساطة.
فالرسم مع الرسامة (بارك) أمر بسيط كالعد حتى الرقم ثلاثة مثلاً، فإن كنت
تريد تعلم رسم أي زهرة تريدها فما عليك سوى اتباع ثلاث خطوات بسيطة.
هذا
يعني أن كل ما يستلزم الأمر لإخراج موهبتك الداخلية هو قلم رصاص وقطعة من
الورق وخمس دقائق، وذلك عن طريق اتباعك هذه التعليمات البسيطة.
إن
الأمر يبدو كالمعجزة! كيف أن رسم بعض الخطوط والدوائر قد يتحول بسرعة إلى
تحفة فنية رائعة، لا شك أنك ستتلقى الكثير من الثناء والمديح من أصدقائك
وعائلتك.
استحوذت
رسومات هذه الفنانة الكورية، التي اتخذت من مدينة لوس أنجلوس مقراً لها،
على قلوب وعقول متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تحظى أعمالها
الفنية بشعبية واسعة.
لدى الرسامة (بارك) أكثر من 164 ألف متابع على
إنستغرام، ولا زالت صفحتها تزداد شهرة يوماً تلو الآخر، حيث تنشر على
صفحتها العديد من الصور ومقاطع الفيديو التي تتيح لمتابعيها والفنانين
الطموحين بتعلم الطريقة التي تتبعها لرسم لوحات النباتات المتميزة.
حرب فيتنام هي صراع طويل ومكلف ومدمر اندلع بين الحكومة الشيوعية لفيتنام الشمالية، وبين فيتنام الجنوبية وحليفها الرئيس: الولايات المتحدة. وهناك عدة أسماء لهذا الصراع، كالحرب الهندوصينية الثانية، أو حرب المقاومة ضد أمريكا.
تصاعد
الصراع في أعقاب الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد
السوفياتي. ونجم عنه أكثر من 3 مليون قتيل، من بينهم 58 ألف أمريكي، بينما
كان عدد المدنيين الفيتناميين أكثر من النصف. كان لتلك الحرب عواقب عالمية
أيضاً، فانقسم الشارع الأمريكي بين مؤيد ومعارض لتلك الحرب، واستمرت معارضة
الأمريكان حتى بعدما أعلن الرئيس (ريتشارد نيكسون) عن سحب القوات
الأمريكية في عام 1973. أنهت القوات الشيوعية الفيتنامية الحرب عندما فرضت
سيطرتها على جنوب فيتنام في عام 1975، وتوحد الشعب الفيتنامي ضمن جمهورية
فيتنام الاشتراكية في العام التالي.
لكن حرباً كهذه من الصعب
اختصارها في بضعة أسطر، لذا سنتحدث في هذه المقالة، وبشكل مختصر، عن أهم
أسباب اندلاع تلك الحرب وما حصل خلال السنوات التي استمر فيها الصراع، وكيف
انتهت، وما النتائج والعواقب المترتبة عليها. حيث كان الأمريكيون غير
متفائلين بنجاح قواتهم أثناء الحرب، وعند انتهائها، أصبحت تلك الحرب بمثابة
تذكارٍ للأمريكين كي يتجنبوا الإقدام على خطوات مماثلة في سياساتهم
المستقبلية.
جذور حرب فيتنام
لن نتكلم كثيراً عن الحقبة التي
كانت فيها فيتنام ترزح تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، لكن من المعروف أن
فرنسا احتلت تلك المنطقة منذ القرن التاسع عشر واستمر الوضع كذلك لـ 6
عقودٍ من الزمن، وأصبحت تعرف باسم مستعمرة الهند الصينية الفرنسية. لكن في
عام 1940، احتلت اليابان جزءاً من فيتنام، وفي عام 1941، كان الفيتناميون
يحاربون قوتين محتلتين: فرنسا واليابان. لذا جاء دور الرجل المنقذ وقتها
(هو تشي منه)، وهو الثوري الفيتنامي الشيوعي الذي أمضى 30 سنة وهو يجوب
العالم، وأعجب كثيراً بالشيوعية السوفياتية، فأسس ما يُعرف بـ «الفيت مين»
أو «اتحاد استقلال فيتنام» عام 1941 للمطالبة باستقلال فيتنام عن فرنسا
ودحر المحتل الياباني.
مع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها
وهزيمة اليابان، سحبت الأخيرة قواتها من فيتنام وتركت الامبراطور (باو داي)
ليحكم البلد، وهو شخص متشبع بالثقافة الفرنسية وحليف جيد للاحتلال
الفرنسي. لذا كان خروج اليابانيين فرصة ذهبية بالنسبة لـ (هو تشي منه)
وقواته كي يحكموا سيطرتهم على البلد. وفعلاً هذا ما حصل، فاستولت قوات «فيت
مين» على مدينة هانوي الشمالية، وأعلنوا عن قيام جمهورية فيتنام
الديموقراطية برئاسة (هو تشي منه)، وحدث ذلك في الثاني من سبتمبر عام 1945.
لم يعجب هذا الأمر الفرنسيين على الإطلاق، ولمّا يكونوا مستعدين للتخلي عن
المستعمرة بتلك السهولة، فكان خيارهم هو القتال.
وجّهت فرنسا دعمها
للامبراطور (باو)، وأسست دولة فيتنام في شهر يوليو من عام 1949 وكانت
عاصمتها سايجون. في المقابل، حاول (هو تشي منه)، حتى خلال الحرب العالمية،
استمالة الأمريكيين لصفه كي تدعمه الولايات المتحدة في صراعه ضد فرنسا.
فمثلاً، وعلى مر السنين، كان (هو تشي منه) يزوّد القوات الأمريكية بمعلومات
استخباراتية عن اليابان. لكن بالرغم من تلك المساعدة، كانت الولايات
المتحدة تتبع سياسة الاحتواء، أي منع انتشار الشيوعية في جميع أنحاء
العالم.
أراد
الجانبان، الشمالي والجنوبي من فيتنام، أقامة دولة موحدة. لكن (هو تشي
منه) وأتباعه أرادوا دولة بنظام حكم على شاكلة الدول الشيوعية، بينما أراد
الامبراطور (باو) وشعبه أن يكون لبلدهم علاقات اقتصادية وثقافية جيدة مع
الغرب.
كان دور الولايات المتحدة مفصلياً حتى قبل تدخلها العسكري.
فانتشرت وقتها «نظرية الدومينو»، والتي تقول أنه إذا تشابهت أنظمة الحكم في
الدول المتجاورة، وتغيّر نظام الحكم في إحداها، فسيؤدي ذلك إلى تغييرات
متتالية في بقية أنظمة الدول. أي أن سقوط إحدى دول جنوب شرق آسيا بيد
الشيوعيين يعني أن جميع الدول الأخرى المحيطة ستلاقي نفس المصير. لذا،
ولمنع حدوث أسوأ كوابيس الأمريكيين، قررت الولايات المتحدة مساعدة فرنسا في
قمع ثورة (هو تشي منه) وأتباعه، وأرسلت مساعدات عسكرية إلى الفرنسيين في
عام 1950.
فرنسا خارجاً وأمريكا تتدخل
خطة تقسيم فيتنام وفقاً لمؤتمر جنيف. صورة: aetn
بعد
استيلاء قوات (منه) على الشمال وإحكام السيطرة، نشب صراع بين القوات
الشمالية والجنوبية لفيتنام، واستمر الوضع كذلك حتى انتصر قوات (منه)
الشمالية في معركة «دين بين فو» في شهر مايو من عام 1954. خسر الفرنسيون في
تلك المعركة، وقررت فرنسا الانسحاب من فيتنام، ما أنهى قرابة قرنٍ من
الاستعمار الفرنسي للهند الصينية.
وُقعت بعدها معاهدة في شهر يوليو
من عام 1954 في مؤتمر جنيف، فانقسمت فيتنام على شطرين يفصل بينهما خط العرض
17، وسيطر (هو تشي منه) على الجزء الشمالي، والامبراطور (باو) على الفسم
الجنوبي. من قرارات المعاهدة أيضاً إجراء انتخابات لتوحيد البلاد في عام
1956.
لكن الولايات المتحدة رفضت إجراء انتخابات خوفاً من فوز
الشيوعيين وإحكام سيطرتهم على المنطقة. لذا أجرى الجزء الجنوبي الانختابات
فقط وبمساعدة أمريكية. وهنا، لا بد لنا من ذكر الدور الأمريكي في حرب
الدعاية النفسية، والتي رهّبت المسيحيين في الشمال من الشيوعية ودفعتهم إلى
الفرار نحو الجنوب. على أي حال، فاز في هذه الانتخابات زعيمٌ معارض
للشيوعية بشدة، وهو (نغو دينه ديم)، وأصبح رئيس حكومة دولة فيتنام، والتي
يُشار إليها عادة في تلك الحقبة بـ فيتنام الجنوبية. لكن كان لممارسات (نغو
دينه ديم) أثر سلبي، فألغى مثلاً أي معارضة سياسية له في الجنوب، واضطهد
الكثير من الجماعات السياسية بتهمة التحالف مع الشمال الشيوعي. كان حكم
(ديم) أتوقراطياً بكل معنى الكلمة، وهذا ما أدى إلى زيادة التعاطف الشعبي
مع الشيوعية في الجنوب.
لكن
مع تزايد شدة ووتيرة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية
والاتحاد السوفياتي، أعلن الرئيس الأمريكي حينها (دوايت آيزنهاور) دعمه
المطلق لـ (ديم) وفيتنام الجنوبية.
رجل فيتنامي يعاني من نقص الغذاء والمجاعة. صورة: Wikipedia
تلقت
قوات (ديم) تدريباً عسكرياً ومعدات من القوات الأمريكية ووكالة
الاستخبارات المركزية CIA، فتعقب قوات الأمن ولاحقت المتعاطفين مع (منه) في
الجنوب، وأُطلق عليهم اسم «فيت كونغ» أو الشيوعين الفيتناميين، واعتقلت
نحو 100 ألف فيتنامي، تعرّض بعضهم لتعذيب وحشي وأُعدموا.
بحلول عام
1957، بدأ أنصار الشيوعية في الجنوب والمعارضون لنظام (ديم) القمعي قتالاً
مع السطلة، فنفذوا هجمات على المسؤولين الحكوميين وأهداف أخرى تابعة لنظام
(ديم)، وبحلول عام 1959، اشتبكوا مع الجيش الفيتنامي الجنوبي.
في شهر
ديسمبر من عام 1960، أسس معارضو نظام (ديم) في فيتنام الجنوبية –منهم
الشيوعيون ومنهم غير شيوعيين –جبهة التحرير الوطنية لتنظيم المقاومة. أعلنت
الجبهة أنها منظمة مستقلة وأغلب أعضائها من غير الشيوعيين، لكن الولايات
المتحدة اعتبرتها تابعة للشيوعيين في هانوي، في فيتنام الشمالية.
نظرية الدومينو
أرسل
الرئيس جون فيتزجيرالد كينيدي عام 1961 فريقاً لجمع تقاريرٍ عن حالة جنوب
فيتنام، وبناء قاعدة عسكرية أمريكية هناك، وتوفير المساعدة المالية
والتقنية لحكومة (ديم) كي يواجه الفيت كونغ. ووفقاً لنظرية الدومينو التي
أوضحناها مسبقاً، تخوّف الأمريكان من انتشار الشيوعية في دول جنوب شرق
آسيا، فزاد الرئيس (كينيدي) من المساعدات الأمريكية، لكنه لم يحبّذ التدخل
العسكري الكامل.
بحلول عام 1962، كان تعداد القوات الأمريكية الموجودة في جنوب فيتنام نحو 9000 جندي، بينما كان الرقم لا يتعدى 800 في الخمسينيات.
خليج تونكين
حادثة خليج تونكن.
نجح
بعض الجنرالات في جنوب فيتنام بانقلاب عسكري على السلطة، وقتلوا (ديم)
وشقيقه (نغو دينه نهو) في شهر نوفمبر من عام 1963، وذلك قبل 3 أسابيع فقط
من اغتيال الرئيس الأمريكي (كينيدي) في دالاس بولاية تكساس.
أدى
اختلال توازن القوى وعدم الاستقرار السياسي في جنوب فيتنام إلى اقتناع
الرئيس الأمريكي الجديد (ليندون بي. جونسون) ووزير الدفاع (روبرت مكنمارا)
بضرورة زيادة تعداد القوات الأمريكية في فيتنام، وتقديم المزيد من الدعم
المالي.
في شهر أغسطس من عام 1964، هاجمت زوارق طوربيد تابعة لفيتنام
الشمالية مدمرتين أمريكيتين في خليج تونكين. فأمر الرئيس (جونسون) بتنفيذ
إجراء انتقامي تمثّل بإلقاء القنابل على أهداف عسكرية في فيتنام الشمالية.
وبعد
فترة قصيرة، وافق الكونغرس الأمريكي على مقررات خليج تونكين، والتي منحت
الرئيس الأمريكي (جونسون) الضوء الأخضر لممارسة سلطته فيما يتعلق بهذه
الحرب، فأمر الطائرات الأمريكية إجراء غارات على أهداف معينة وإلقاء
القنابل عليها. عُرفت تلك العملية بالاسم الرمزي «عملية هزيم الرعد».
لم
يقتصر إلقاء القنابل على فيتنام، فمنذ عام 1964 وحتى عام 1973، ألقت
الولايات المتحدة مليوني طن من المتفجرات على الدول المجاورة لفيتنام مثل
لاوس المحايدة، وهو ما عُرف لاحقاً بالحرب السرية في لاوس، والتي كان
لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية دور قيادي فيها.
كان الهدف من
تلك الحملة إيقاف تدفق المعدات والدعم إلى فيتنام الشمالية عبر سكة هو تشي
منه، ومنع القوات الشيوعية في لاوس من الوصول إلى السلطة. فكانت نتيجة تلك
الحملة أن أصبحت لاوس أكثر دولة تتعرض لغارات جوية في العالم أجمع بالنسبة
لتعداد سكانها.
في شهر مارس من عام 1965، اتخذ (جونسون) قراراً
–بتأييد شعبي من الشارع الأمريكي –بإرسال القوات المحاربة الأمريكية إلى
ساحات المعارك في فيتنام. وبحلول شهر يونيو، تمركز 82 ألف جندي أمريكي في
فيتنام، ودعا القادة العسكريون الأمريكيون إلى إرسال 175 ألف جندي آخر مع
نهاية عام 1965 لدعم جيش فيتنام الجنوبية الذي كان يكافح من أجل البقاء.
تخوّف
بعض مستشاري الرئيس الأمريكي من هذا التصعيد، ومن الحرب بأكملها خاصة مع
تنامي الحركات المعادية للحروب. لكن (جونسون) وافق على إرسال 100 ألف جندي
إضافي بحلول نهاية شهر يونيو من العام ذاته، و100 ألف جندي آخر في عام
1966. وبالإضافة إلى الولايات المتحدة، أرسلت كوريا الجنوبية وتايلاندا
وأستراليا ونيوزيلاندا قواتها للقتال بجانب قوات فيتنام الجنوبية، ولو أن
عدد قوات تلك الدول كان أصغر بكثير.
ويليام ويستمورلاند
ويليام ويستمورلاند.
بالإضافة
إلى الغارات الجوية على شمال فيتنام، شنّ الأمريكان والفيتناميون
الجنوبيون حرباً عسكرية على الأرض تحت قيادة الجنرال (ويليام ويستمورلاند)،
بالتعاون مع حكومة الجنرال (نوين فان ثيو) في سايغون.
اتبع
(ويستمورلاند) سياسة الاستنزاف، فكان هدفه قتل أكبر عددٍ من جيش العدو
بدلاً من تأمين المساحات التي سيطروا عليها. بحلول عام 1966، تحوّلت مساحات
كبيرة من أراضي فيتنام الجنوبية إلى ”مناطق خالية من إطلاق النار“، ومن
المفترض أن يُجلى جميع المدنيين في تلك المناطق ويبقى العدو الشمالي فقط.
لكن القصف الكثيف من طائرات B–52 جعل تلك المناطق غير قابلة للسكن، فتدفق
اللاجئون إلى المعسكرات والمخيمات في المناطق الآمنة قرب سايغون والمدن
الأخرى.
ومع تصاعد عدد القتلى من الطرف الشمالي باستمرار (بالغت
الولايات المتحدة وفيتنام الجنوبية في عدد القتلى من الطرف الشمالي في بعض
الأحيان)، لكن قوات الفيت كونغ وفيتنام الشمالية رفضت وقف القتال، ودفعتهم
إمكانية استرجاع الأراضي المحتلة بالعتاد العسكري والقوة المحاربة، واللذان
يصلان من كمبوديا ولاوس عبر سكة هو تشي منه. بالإضافة طبعاً إلى دعم الصين
والاتحاد السوفياتي المقدم لفيتنام الشمالية من أجل تقوية دفاعاتها
الجوية.
الاحتجاجات على حرب فيتنام
مظاهرة في نيويورك من عام 1968 ضد حرب فيتنام. صورة: AP Images
بحلول
شهر نوفمبر من عام 1967، وصل عدد الجنود الأمريكيين في فيتنام إلى 500
ألف، وتجاوزت خسائر الولايات المتحدة في الأرواح 15 ألف جندي، بينما أصيب
109 آلاف جندي آخرون. ومع تصاعد وتيرة الحرب، فقد بعض الجنود ثقتهم
بالحكومة الأمريكية وخيارها بالاستمرار في خوض تلك الحرب وإرسال الجنود إلى
فيتنام، وبرز تململ الجنود من ادعاءات واشنطن المتكررة بأن الولايات
المتحدة على وشك الفوز في الحرب، مع أن ذلك لم يكن ملموساً على الإطلاق.
شهدت
الأعوام التالية للحرب تدهور الصحة النفسية والجسدية للجنود الأمريكيين
–سواء المتطوعين أو المجندين –وبرز تعاطي المخدرات وتعرّض بعضهم لاضطراب
الصدمة التالي للكرب PTSD، بالإضافة إلى تمرّد بعض الجنود ومهاجمة بعضهم
الضباط الأعلى رتبة.
بين
شهر يوليو من عام 1966 وشهر ديسمبر من عام 1973، انشق أكثر من 503 آلاف
عسكري أمريكي، وبرزت حركة قوية مناهضة للحرب بين القوات الأمريكية، ما أدى
إلى اندلاع مظاهرات عنيفة في الولايات المتحدة، فقُتل واعتقل الموظفون
الأمريكان العاملون في فيتنام، وأيضاً في الولايات المتحدة.
مظاهرة في أمستردام ضد الحرب على فيتنام. صورة: Wikipedia
شهد
الأمريكيون على أجهزة التلفاز في وطنهم صور القصف والغارات الجوية
المروّعة، كما علموا بمعارضة الجنود الأمريكيين على الجبهة تلك الحرب: لذا،
في أكتوبر من عام 1967، تجمّع نحو 35 ألف شخصٍ أمام البنتاغون الأمريكي في
مظاهرةٍ لرفض الحرب على فيتنام. وادعى معارضو الحرب أن المدنيين هم
الضحايا الرئيسيون وليس القوات الفيتنامية الشمالية، وادعوا أن الولايات
المتحدة تدعم دكتاتورية فاسدة في سايغون.
هجوم تيت
قوات الفيت كونغ وهي تعبر إحدى الأنهار. صورة: Wikipedia
مع
نهاية العام 1967، بدأ صبر القيادة الشيوعية في هانوي بالنفاذ أيضاً،
وقرروا إلحاق ضربة هائلة بالأمريكان وتجبرهم على فقدان الأمل بالنصر.
وفي
الحادي والثلاثين من شهر يناير عام 1968، أطلق نحو 70 ألف جندي من فيتنام
الشمالية، تحت قيادة الجنرال (فو نوين جياب)، ما عُرف بـ «هجوم تيت» (وسُمي
وفقاً لرأس السنة القمرية»، وهو عبارة عن سلسلة من الهجمات الحاسمة على
أكثر من 100 مدينة وبلدة في فيتنام الجنوبية.
كان الهجوم مفاجئاً
للولايات المتحدة وفيتنام الجنوبية، لكن استطاعت الدولتان الرد بسرعة، ولم
يستطع الشيوعون الاحتفاظ بالأهداف التي تحصّلوا عليها لأكثر من يومٍ أو
يومين.
لكن وقع ذلك الهجوم كان مختلفاً على الرأي العام الأمريكي،
فصُعق المواطنون الأمريكان بما حصل، خاصة بعد توارد أنباء عن طلب الجنرال
(ويستمورلاند) 200 ألف جندي إضافي، بالرغم من تأكيد الحكومة الأمريكية
مراراً وتكراراً أن النصر قريب. ومع تدني شعبية (جونسون) لدى الشارع
الأمريكي، ومع اقتراب سنة الانتخابات، دعى الرئيس الأمريكي إلى إيقاف
عمليات القصف الجوي في معظم مناطق فيتنام الجنوبية (بينما استمر القصف في
الجنوب) ووعد بتكريس ما تبقى له من فترته الرئاسية محاولاً تحقيق السلام،
لا إعادة الانتخاب.
لاقت
خطة (جونسون)، التي تحدّث عنها في خطاب من عام 1968، ردود فعلٍ إيجابية من
هانوي، وافتُتحت محادثات السلام بين فيتنام الشمالية والولايات المتحدة
الأمريكية في باريس في شهر مايو من ذاك العام. وبالرغم من إدخال فيتنام
الجنوبية في الحوار، وصلت المحادثات في النهاية إلى طريق مسدود، وعقب موسم
انتخابي صعب في الولايات المتحدة عام 1968، وصل الجمهوري (ريتشارد إم.
نيكسون) إلى رئاسة البيت الأبيض.
«الفَتْنَمة» أو Vietnamization
توثق هذه الصورة مقتل رجل من الفيت كونغ على أيدي شرطة فيتنام الجنوبية. صورة: Rare Historical Photos
حاول
(نيكسون) تقليص زخم الحركة المعادية للحرب، فالتمس انتباه الـ ”الأغلبية
الصامتة“ من الأمريكيين، والذين اعتقد (نيكسون) أنهم يدعمون الحرب في
فيتنام. حاول الرئيس أيضاً الحدّ من حجم الخسائر الأمريكية، فأعلن عن
برنامجٍ أُطلق عليه اسم «الفتنمة»: ويتمثل بسحب القوات الأمريكية المتمركزة
في فيتنام، وزيادة الغارات الجوية والمدفعية، ومدّ قوات فيتنام الجنوبية
بالتدريب والعتاد الكافيين لإحكام سيطرتهم على الحرب.
وبالإضافة
لسياسة الفتنمة، استمر (نيكسون) في خوض محادثات السلام في باريس، وعيّن
وزير الخارجية (هنري كسنجر) لإجراء محادثات سرية رفيعة المستوى، والتي بدأت
في ربيع العام 1968.
أصر الفيتناميون الشماليون على انسحاب الولايات
المتحدة غير المشروط، وإقصاء الجنرال (نوين فان ثيو) المدعوم من الولايات
المتحدة، واعتبروا المطلبين السابقين شرطاً لإكمال محادثات السلام، فتوقفت
المحادثات لهذا السبب.
مذبحة ماي لاي
صورة لمواطنين فيتناميين أثناء مذبحة ماي لاي عام 1968. صورة: World History Archive/Alamy
حملت
الأعوام التالية المزيد من الفوضى والدمار، وأهم الجرائم التي وقعت هي ذبح
أكثر من 400 مدني فيتنامي من قرية ماي لاي على يد جنودٍ أمريكيين في شهر
مارس عام 1968.
استمرّت المظاهرات المعادية للحرب بعد المذبحة، وفي
عامي 1968 و1969، اندلعت مئات التظاهرات والاحتجاجات والمسيرات والتجمعات
على طول البلاد.
في الخامس عشر من شهر نوفمبر عام 1969، وقعت أضخم
مظاهرة معادية للحرب في تاريخ الولايات المتحدة، وكانت في العاصمة
الأمريكية واشنطن. تجمع حينها نحو 250 ألف أمريكي بشكل سلمي، ودعوا إلى سحب
القوات الأمريكية من فيتنام.
اكتسبت
الحركة المعادية للحرب زخماً في الجامعات الأمريكية، وقسمت المجتمع
الأمريكي بشدة. فرمزت الحرب للشباب مثلاً إلى السلطة التي تفعل ما تشاء
بدون اعتبار لرأي الشعب. أما بخصوص مؤيدي الحرب، فاعتبروا أن معارضة
الحكومة تصرّف غير وطني، بل أشبه بالخيانة.
سُحبت أول دفعة من الجنود
الأمريكيين، لكن ازداد غضب وإحباط من بقي منهم في فيتنام، تدنت معنويات
الجنود وبرزت مشاكل بينهم وبين القيادة العسكرية. طُرد عشرات آلاف الجنود
من السلك العسكري بسبب فرارهم من الجيش، وتخلّف نحو 500 ألف أمريكي في
وطنهم بين عامي 1965 و1973 عن الالتحاق بالجيش، وهرب الكثير منهم إلى كندا
لتجنب التجنيد. أنهى (نيكسون) التجنيد عام 1972، وأصبح الالتحاق تطوعياً
بدءاً من العام التالي.
حادثة كينت ستيت
قوات الحرس الوطني في أوهايو وهي تتصدى لمظاهرة في جامعة كينت عام 1970. صورة: Kent State University Libraries
في
عام 1970، غزت قوات أمريكية جنوب فيتنامية مشتركة أراضي كمبوديا، بهدف
تدمير قواعد القوات الفيتنامية الشمالية هناك، والتي يعتمد الشيوعيون عليها
في تزويدهم بالدعم الكافي. قاد الفيتناميون الجنوبيون حملة أخرى لوحدهم في
لاوس، لكن قوات فيتنام الشمالية دحرتهم من هناك.
أشعل غزو البلدين
السابقين، والمخالف قطعاً للقانون الدولي، موجة جديدة من الاحتجاجات في
الجامعات وحرم الجامعات عبر الولايات المتحدة الأمريكية. في إحدى
الاحتجاجات، والتي وقعت في الرابع من شهر مايو عام 1970 في جامعة كينت ضمن
أوهايو، أطلق الحرس الوطني الأمريكي النار على المتظاهرين وقُتل 4 طلاب.
وفي مسيرة احتجاجية أخرى بعد 10 أيام من السابقة، قُتل طالبان من جامعة
جاكسون في مسيسيبي على يد الشرطة الأمريكية.
وبحلول نهاية صيف عام
1972، عقب فشل عملية الهجوم على فيتنام الجنوبية، رغب هانوي أخيراً بإجراء
المفاوضات. توصل (كيسنجر) وممثلوا فيتنام الشمالية إلى اتفاقية سلام بحلول
أول الخريف، لكن القادة في سايغون رفضوا الاتفاقية، وفي شهر ديسمبر من
العام ذاته، أمر (نيكسون) بتنفيذ المزيد من الغارات الجوية على أهدافٍ في
مدينتي هانوي وها فونغ. جذبت تلك الغارات إدانة المجتمع الدولي للولايات
المتحدة.
إلقاء القنابل على فيتنام خلال عملية هزيم الرعد. صورة: Wikipedia
في
شهر يناير من عام 1973، أجرت الولايات المتحدة الأمريكية وفيتنام الشمالية
اتفاقية السلام الأخيرة، وأنهت الدولتان بذلك الصراع بينهما. استمرّت
الحرب بين شطري فيتنام الشمالي والجنوبي حتى 30 أبريل من عام 1975، احتلت
حينها قوات فيتنام الشمالية العاصمة الجنوبية سايغون، وسُميت لاحقاً بـ «هو
تشي منه» –بالرغم من أن القائدة (هو تشي منه) توفي عام 1969.
كانت
لتلك الحرب الطويلة والمروعة، والتي امتدت لعقدين من الزمن، آثار مدمرة
على سكان فيتنام، فبعد سنتين فقط من الحرب، قُتل نحو مليوني فيتنامي،
وأُصيب 3 مليون شخص، وهُجّر نحو 12 مليون فيتنامي. قضت الحرب على البنية
التحتية والاقتصاد في البلد، وكانت عمليات إعادة الإعمار بطيئة جداً.
صورة لمقاتلة من الفيت كونغ تعود لعام 1972. صورة: Le Minh Truong
في
عام 1976، توحّدت فيتنام تحت اسم «جمهورية فيتنام الاشتراكية»، لكن بقي
العنف مستمراً لأكثر من 15 سنة، بالرغم من أن مناطق النزاع كانت متفرقة،
لكنها امتدت لتشمل الدول المجاورة لفيتنام مثل الصين وكمبوديا.
شهد
اقتصاد البلد تحسناً عندما دخلت فيتنام اقتصاد السوق الحرة عام 1986،
وساهمت عائدات تصدير النفط وتدفق رأس المال الأجنبي في تحسين الوضع
الاقتصادي للبلد. عادت أيضاً العلاقات التجارية والدبلوماسية بين فيتنام
والولايات المتحدة في تسعينيات القرن الماضي.
في الولايات المتحدة،
استمرّ أثر الحرب الفيتنامية حتى بعد عودة آخر جندي أمريكي إلى الوطن عام
1973. فخلال الحرب، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 120 مليار دولار على
النزاع الفيتنامي بين عامي 1965 و1973، وأدى هذا الإنفاق الهائل إلى انتشار
التضخم، والذي تفاقم تزامناً مع أزمة النفط العالمية عام 1973 وارتفاع
أسعار الوقود بشكل جنوني.
أما من الناحية النفسية فكانت آثار الحرب
أشد وطأة. أولاً، أنهت الحرب الأمريكية الفيتنامية أسطورة الدولة التي لا
تُقهر، وقسمت الشارع الأمريكي إلى نصفين. فمثلاً، تعرّض الكثير من الجنود
الأمريكيين العائدين للوطن إلى انتقادات سلبية من الطرفين الأمريكيين:
فاعتبرهم معارضوا الحرب قتلة ومجرمين، بينما اعتبرهم داعموا الحرب سبباً في
خسارة بلدهم، ناهيك عن الضرر الجسدي الناجم عن التعرّض لمواد كيميائية
سامة، كالعامل البرتقالي كما دُعي وقتها، وهو عبارة عن مبيد عشبي قوي ألقته
طائرات الولايات المتحدة على غابات فيتنام بكمية تُقدر بملايين الغالونات.
في
عام 1982، شُيّد نصب تذكاري للمحاربين الأمريكيين الذين لقوا حتفهم في
فيتنام، وكان موقع النُصب في العاصمة واشنطن، وكتُب عليه أسماء نحو 58000
جندي وجندية أمريكية قُتلوا أو اختفوا خلال فترة الحرب.
كانت حرب
فيتنام مثالاً بشعاً على الغطرسة الأمريكية وتدخلها في جميع شؤون العالم،
ويبدو أنها لعبت دوراً كبيراً في التأثير على السياسة الأمريكية اللاحقة.
وهكذا، بقيت أسطورة مزارعي الأرز الذين هزموا أقوى دولة في العالم، لكن
تكلفة هذه القصة البطولية كانت ضخمة ومدمّرة جداً.
كتب (جورج أورويل) في روايته الشهيرة بعنوان «1984»: ”إذا أردت الحفاظ على السر، فاخفه عن نفسك أيضاً“.
يمتلئ
تاريخنا بمحاولات فاشلة للحفاظ على سرية جماعة أو قصة أو غرض ما، من
محاولة التستر على فضيحة (ووترغيت)، إلى مؤامرة البارود في انجلترا… لكن
ماذا عن محاولات التستر الناجحة؟ لا تزال بعض الأمور السرية التي سنستعرضها
في هذه المقالة محاطةً بالغموض، بعضها أصبح مكشوفاً، ونتج عن تلك الأسرار
أمورٌ خطيرة، كما جلب بعضها المعاناة لأصحابها.
لذا تابعوا معنا هذه الأمور السرية من التاريخ، والتي قد تثير اهتمامكم وفضولكم أيضاً:
1. هوية الرجل في القناع الحديدي، والذي سُجن لـ34 عاماً في فرنسا
لوحة بعنوان «الرجل في القناع الحديدي» لرسام مجهول. صورة: Wikimedia Commons
كان
الرجل في القناع الحديدي سجيناً للملك (لويس الرابع عشر) في فرنسا،
واعتُقل إما في عام 1669 أو 1670، وبقي هناك حتى وفاته عام 1703. سُجن
الرجل في عدة مواقع (في سجن الباستيل أيضاً)، بقيت هوية السجين سرية حتى
اليوم.
كان الرجل مسجوناً لـ34 عاماً على يد (بنين دوفيرن دو سان
مارس)، وعمل الأخير على اتخاذ إجراءات شديدة للحفاظ على هوية سجينه. فلم
يُسمح لأحد برؤية وجه السجين الذي كان دائماً مغطى بالقماش والقناع، ووقف
جنديان خارج زنزانة السجين، وتجهزا دائماً لإطلاق النار عليه إن أزال
قناعه. صُممت زنزانة الرجل أيضاً بشكل خاص، فاحتوت عدة أبواب يُفتح أحدها
فيُغلق الباب الآخر، بالتالي لم يستطع أحد سماع الأحاديث التي دارت داخل
الزنزانة.
في النهاية، عقب وفاة السجين في التاسع عشر من نوفمبر عام
1703، دُمرت جميع ممتلكات الرجل من ملابس وأثاث وأغراض، وأُعيد طلاء جدران
الزنزانة، وصُهر كل شيء مصنوع من المعدن فيها، حتى قناع السجين.
برزت
عدة نظريات حول هوية الرجل المسجون، فقال الفيلسوف (فولتير) مثلاً أن
السجين هو الشقيق غير الشرعي للملك (لويس الرابع عشر)، بينما ادعى الكاتب
الفرنسي (مارسيل بانول) –ونظريات أخرى لاحقة –أن السجين هو توأم الملك
(لويس الرابع عشر)، وأنه ولد بعد ولادة أخيه، بالتالي أُخفي وجوده عن
العامة كي لا يطالب بالعرش. ادعى السياسي الأمريكي (هيو ويليامسون) أن
السجين هو والد (لويس الرابع عشر). ادعى كثيرون نظريات مختلفة، فمثلاً قيل
أن السجين هو جنرال سُرّح من الخدمة، أو خادم رجل نبيل أعدمته السلطات،
بينما ادعى آخرون أن السجين هو ابن (تشارلز الثاني) ملك انجلترا.
2.
الرجل الذي لم يوجد، جاسوس الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، والذي
كان يغذي الأعداء بمعلومات استخباراتية خاطئة ليخفي عملية غزو صقلية
بطاقة الهوية الخاصة بالرائد (مارتن). صورة: Wikimedia Commons
خلال
الحرب العالمية الثانية، كانت الاستخبارات والاستخبارات المضادة إحدى
الأسلحة التي استخدمتها قوى الحلفاء والمحور ضد بعضها، لكن أثرها لم يكن ذا
قيمة كبيرة. نفّذ الحلفاء عملية سرية لخداع قوى المحور، وكانت تدعى «عملية
مايس ميت»، وهي جزء من عملية استراتيجية أكبر تهدف لتقديم معلومات خاطئة
للنازيين دُعيت بـ «عملية باركلي».
كان الهدف من عملية مايس ميت
إخفاء غزو الحلفاء لصقلية عام 1943، أو ما يُعرف بعملية هاسكي، وتوجيه قوات
العدو إلى مكانٍ مختلف تماماً. ولإنجاز تلك العملية بنجاح، حصلت
الاستخبارات البريطانية على جثة رجل يدعى (غلندور مايكل)، وهو رجل مشرّد
توفي جراء تناول سم الفئران في إحدى المخازن المهجورة في لندن. ألبس
البريطانيون جثة الرجل زي ضابطٍ في القوات البحرية، وأكسبوه رتبة رائدٍ،
وأصبح اسمه الرائد (ويليام مارتن). أُعطي الرجل أيضاً مراسلات قادمة من
القيادات العسكرية البريطانية، ويُشار فيها إلى أن تحركات جنود الحلفاء قرب
صقلية مجرد خدعة، وأن الهدف الحقيقي هو اليونان.
نُقلت
الجثة والمعلومات المزورة المرفقة بها إلى الساحل الجنوبي لإسبانيا عبر
إحدى الغواصات، وهناك، عثر صيادٌ ما على جثة (غلندور) في الصباح التالي
وأخبر السلطات. وبما أن الحكومة الإسبانية تحت زعامة الدكتاتور (فرانكو)
كانت محايدة في الحرب، فأخبر الإسبان هيئة الاستخبارات العسكرية الألمانية،
أو الـ “أبفير”، بما حصلوا عليه من معلومات. وكان ذلك ما أراده الحلفاء
بالضبط.
أكدت أجهزة الاستخبارات البريطانية أن النازيين تلقوا الطعم،
حيث استطاع البريطانيون فكّ شيفرة الرسائل المرمزة خلال الحرب العالمية.
وبفضل هذه العملية، والتضحية بجثة (غلندور)، تمكّن الحلفاء من تحرير صقلية
بسهولة، بل أكثر سهولة مما توقعوا، وكانت خسائرهم أقل أيضاً.
3. النار الإغريقية، والتي كانت سلاحاً نارياً فعالاً استخدمته البحرية البيزنطية، لكن طريقة تحضيره بقيت مجهولة
في هذا الرسم، نشاهد سفينة بيزنطية تستخدم النار الإغريقية ضد سفينة الثائر (توماس). صورة: Wikimedia Commons
النار
الإغريقية هي سلاحٌ حارق غير معروف التركيب، استخدمته الامبراطورية
البيزنطية في أوائل العام 672. وغالباً ما تُستخدم النار في المواجهات
البحرية، وتستمر بالاحتراق حتى على سطح الماء بدلاً من أن تنطفأ، ويُطلق
السائل القابل للاشتعال بواسطة خراطيم تعمل بنظام الضغط، أي تشبه إلى حد ما
طريقة عمل قاذف اللهب في عصرنا الحالي.
كان اكتشاف النار الإغريقية
أمراً شديد الأهمية بالنسبة للإمبراطورية البيزنطية، بل كادت تتعرض لخطر
الزوال مبكراً بدون هذا السلاح. فبين عامي 674 و678 ميلادي، ومجدداً بين
عامي 717 و718، تعرّضت الإمبراطورية البيزنطية لحصار من طرف القوات
الإسلامية العربية التي أرادت فتح القسطنطينة، فاستخدم البيزنطيون النار
الإغريقية ونجحوا في الحفاظ على المدينة.
استُخدمت النار الإغريقية
أيضاً من طرف الأسطول الإمبراطوري البيزنطي خلال الحروب الأهلية، فدحرت
القوات البحرية المعادية والتي قادها (توماس الصقلبي) عام 821 في ثورة ضد
الإمبراطور (ميخائيل الثاني). لكن، كان لهذا السلاح مساوئ تقيّد من
استخدامه، فالاستخدام الصحيح له يعتمد على اتجاه الرياح من أجل توجيه قاذف
اللهب.
للأسف، ظلّ التركيب الكيميائي الدقيق لتلك النار الإغريقية
مجهولاً، والسبب هو أن الدولة البيزنطية عملت جاهدة كي تحافظ على صيغة
وتركيبة ذاك السلاح وتحميها بعيداً عن أعين الناس، كما طلب الإمبراطور
(قسطنطين السابع) من ابنه (رومانوس الثاني) ألا يكشف أبداً عن سرّ تصنيع
هذا السلاح، حيث –كما جاء في الأسطورة–نزلت ملاكٌ على أول إمبراطور بيزنطي
مسيحي، الإمبراطور (قسطنطين)، ومنحه تلك الوصفة السرية ليستخدمها
”المسيحيون فقط، وحصراً داخل المدينة الإمبراطورية“. وحتى عندما استولى
العرب على سفينة مزودة بهذا السلاح عام 827، لم يستطيعوا فهم هندسة تصنيعه.
تمكنوا فقط من رشق النار باستخدام المنجنيق عوضاً عن استخدام الخرطوم.
4. السيلفيوم هو نبات مجهول ومنقرض، لكن القدماء استخدموه بكثرة في الطب لمعالجة عدد كبير من الأمراض
نبات Ferula tingitana، وهو مشابه لنبات السيلفيوم. صورة: Wikimedia Commons
وفقاً
للوصف، يملك النبات جذوراً سميكة مغطاة بلحاء أسود، ويصل طوله إلى 48 سم،
أما ساق النبات فمجوفة. استخدمت المجتمعات القديمة نبات السيلفيوم البري
بشدة باعتباره وصفة طبية ودواءً فلكلوري. سُجل استخدام النبات في كثير من
المرات، وحسبما وصلنا من التاريخ، فيبدو أن القدماء استخدموا نبات
السيلفيوم لعلاج الحمى وعسر الهضم والثآليل والسعال. حتى أن (أبقراط)، أو
أبي الطب كما يُسمى، وصف النبات قائلاً: ”عندما تبرز الأحشاء وتتحرك ولا
تبقى في مكانها، افرك أفضل أنواع السيلفيوم على شكل قطع صغيرة وضعها على
مكان الألم على شكل ضمادة“. يُعتقد أن للسيلفيوم فائدة عند استخدامه كوسيلة
لمنع الحمل والإجهاض، ولوحظ أيضاً أن عدداً من النباتات التي تنتمي لنفس
الصنف قادرة على إحداث إجهاض بسبب خصائصها الإستروجينية.
بالرغم من
ذلكلا يُعرف اليوم ماهية ذاك النبات. وهناك اعتقادٌ شائع بأن السيلفيوم
ينتمي لجنس الكَلَخ من النباتات، والسيلفيوم أصبح منقرضاً حالياً، أو يصعب
تحديد مكانه بدقة على الأقل. لكن على أي حال، يقول علماء النباتات: ”بما
أننا لا نستطيع التعرّف على النبات بدقة، فلن نستطيع التأكّد من انقراضه أم
لا“.
أيضاً،
لا يُعرف السبب الذي أدى إلى انقراض هذا النبات. ووفقاً للعديد من
النظريات المختلفة، فقد تكون العوامل والظروف الطبيعية أدت إلى اختفاء تلك
النبتة القديمة، ظروفٌ مثل الحصاد المفرط الذي جعل التربة غير خصبة، أو
التغيرات الطبيعية في المناخ والهطول المطري والتصحر، أو مثلاً تزايد تربية
الحيوانات الداجنة في المنطقة.
5. ظلّت مقبرة جنكيز خان، مؤسس الإمبراطورية المغولية، سريةً وغير مكتشفة منذ 800 سنة وحتى يومنا هذا
نهر أونون، وهو المكان الذي وُلد فيه (جنكيز خان) وغالباً موقع دفنه أيضاً. صورة: Wikimedia Commons
كان
(جنكيز خان) قائداً أسطورياً وأول حاكم للإمبراطورية المغولية، وبالطبع،
كان مسؤولاً بشكل مباشر عن مقتل نحو 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.
لكن لكلّ شخص نهاية أكيدة، وهكذا توفي (جنكيز خان) في الثامن عشر من شهر
أغسطس عام 1227. يوجد ضريحٌ لـ (جنكيز خان) في الصين، ضمن منغوليا
الداخلية، ولكنه ليس إلا ضريحاً تذكارياً للزعيم المنغولي بُني في القرن
الماضي. أما قبر (جنكيز) الحقيقي فلا يزال لغزاً يحيّر العلماء والباحثين.
فلم يترك أي دليل أو علامة على موقع دفنه، ويعتقد البعض أنه دُفن في
منغوليا، بلده الأم.
لكن وفقاً للأساطير المنغولية، قتل مرافقوه
الذين أجروا مراسم الدفن جميع من كان حاضراً، سواءً كان بشراً أو حيوانياً،
حيث أمل حراس الزعيم المتوفي أن يبقى مكان دفنه سراً. وعند اكتمال بناء
المقبرة، قُتل أيضاً العبيد الذين أجروا عملية البناء، وحتى الجنود الذين
قتلوا أولئك العبيد، تعرضوا هم أنفسهم للقتل لاحقاً.
ولا تعتقدوا أن
قتل من رأى ضريح الزعيم هو الإجراء الوحيد الذي اتخذه الحراس المغول لحماية
قبر زعيمهم وإخفاء مكان الدفن عن الناس. فيُقال مثلاً أن (جنكيز خان) دُفن
في أحد الأنهار، مثلما دُفن (جلجامش) أو (ألاريك) –الأخير هو زعيم قوطي
نهب مدينة روما وأحرقها، ويُقال أن جميع من دفنه بعد وفاته قد قُتل حفاظاً
على سلامة قبره. بينما يدعي آخرون أن المغول استعانوا بالأحصنة كي تدوس على
موقع الدفن وتجعله غير مرئي، ثم زُرعت الأشجار فوق المقبرة.
وبصرف
النظر عن حقيقة ما حصل، بعد 50 عاماً من موت (جنكيز خان)، أي في فترة
المستكشف الإيطالي (ماركو بولو)، لم يكن المغول على دراية أبداً بموقع قبر
زعيمهم القديم. ولا توجد معلومات دقيقة حتى في الكتب التاريخية المغولية.
6.
مشروع مانهاتن الذي أُحيط بسرية تامة من طرف الولايات المتحدة، حتى أن
معظم من عمل على صنع القنبلة النووية لم يدركوا ما كانوا يفعلون
أول اختبار لانفجار القنبلة النووية. صورة: Jack W Aeby
مشروع
مانهاتن هو برنامج أبحاث وتنمية أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية خلال
فترة الحرب العالمية الثانية، ونتج عنه صنع السلاح النووي الذي أنهى الحرب
وغير سياسة العالم برمتها.
امتدت مدة المشروع منذ عام 1942 وحتى عام
1946، لكنه أُلغي بشكل رسمي في الخامس عشر من شهر أغسطس عام 1947، كان
الهدف من المشروع تصميم قنبلة نووية، وبمساعدة المملكة المتحدة وكندا، وتحت
قيادة (روبرت أوبنهايمر) باعتباره رئيس مختبر لوس ألاموس. اختُبرت أول
قنبلة نووية في السادس عشر من شهر يوليو عام 1945، وكان المشروع أيضاً
مسؤولاً عن تصنيع القنبلتين اللتين أُلقيتا على مدينتي هيروشيما وناغازاكي
اليابانيتين. وبالمجمل، بلغت تكلفة مشروع مانهاتن نحو ملياري دولار أمريكي
في تلك الفترة، أي ما يُعادل 31 مليار دولارٍ حالياً، وشارك أكثر من 130
ألف شخصٍ في هذا المشروع طيلة الأعوام التي كان نشطاً فيها.
بالرغم
من التكلفة الباهظة للمشروع والقوة العاملة الهائلة التي عملت عليه، كان
مشروعاً مانهاتن برنامجاً شديد السرية في الولايات المتحدة، ولم يعرف
حقيقته سوى عشرات الأشخاص في الولايات المتحدة بأكملها، ومن بين الذين
عملوا على المشروع، والبالغ عددهم 130 ألف شخص كما أوضحنا سابقاً، لم يكن
سوى ألف شخص على دراية بالهدف من المشروع، أو أنهم يعملون على صنع قنبلة
نووية.
كان إبقاء الأمر سراً ضرورة ملحة للسلطات الأمريكية، فإذا
فُضح المشروع، ستقوم قوات المحور –وبالتحديد، ألمانيا النازية –بتسريع
مشروعهم النووي الخاص، وربما تصنيع قنبلة نووية قبل الولايات المتحدة،
وتغيير تاريخ العالم بأكمله. في المقابل، كان الحفاظ على سرية المشروع
ضرورياً لحمايته من التخريب، إذ قد ترسل دول العدو عملاءها وجواسيسها ما قد
يضرّ بالخطة.
أوردت
مجلة لايف في شهر أغسطس من عام 1945 أن أغلب الموظفين ”يعملون في الظلمات،
ويراقبون بحذر الأرقام والأزرار، بينما يجري تفاعلٌ غامض خلف تلك الجدران
الإسمنتية“. وبالفعل، يبدو أن نسبة كبيرة من الموظفين لم تدر ماهية هذا
المشروع، والسبب ربما أن الحكومة فرضت عقاباً بالسجن لمدة 10 أعوام على أي
شخص ينشر معلومات عن هذا النشاط السري.
7. الأميران الانجليزيان
اللذان سُجنا في البرج، وقُتلا على الأغلب. لكن حتى اليوم، لم يعرف أحدٌ من
قتلهما وما السبب وراء تلك الجريمة
الأميران (إدوارد) و(ريتشارد) في البرج، بريشة الفنان السير (جون إيفريت ميلاس). صورة: Wikimedia Commons
الأميران
في البرج هو مصطلح تاريخي انجليزي يُطلق على الملك (إدوارد الخامس)
و(ريتشارد) دوق يورك، وهما الابنان الوحيدان للملك (إدوارد الرابع) عقب
وفاته عام 1483. ووفقاً للتقليد الملكي الإنجليزي، وُضع الصبيان في البرج
ريثما يتوج (إدوارد) ملكاً، حيث كان عمره 12 عاماً، بينما كان (ريتشارد) في
التاسعة من عمره. وهكذا، أشرف عمهما (ريتشارد) دوق غلوسيستر على حمايتهما
والإشراف على إقامتهما. لكن في ظل غيابهما، استولى عمهما (ريتشارد) على
العرش، وادعى أن الأميرين هما نتاج زواجٍ غير شرعي، وبالتالي لا يحق لهما
المطالبة بالعرش. في الخامس والعشرين من شهر يونيو، نُصّب (ريتشارد) ملكاً
على انجلترا، وأصبح يُعرف بـ (ريتشارد الثالث)، في السادس من شهر يوليو.
لكن في تلك الفترة، أي بعد تنصيب (ريتشارد) ملكاً، اختفى الأميران ولم
يظهرا أبداً. يعتقد المؤرخون، والبريطانيون بشكل عام، أن الأميرين قُتلا
بناءً على أوامر عمهما، الملك الجديد لإنجلترا.
لكن بالرغم من ذلك،
لا توجد مصادر مستقلة ودقيقة وموثوقة تدعم هذا الادعاء، بصرف النظر عن
اختفائهما من التاريخ الإنجليزي بدون أي أثر. وإذا قُتل الأميران فعلاً،
فمن غير المعروف أيضاً من أمر بقتلهما، فالملك (ريتشارد الثالث) لم يكن
المستفيد الوحيد من اختفائهما، وهكذا، نشأت عدة نظريات في القرون اللاحقة
لتفسير مصيرهما. أشهر النظريات المتعلقة بالموضوع هي تفسير مقتلهما على يد
(ريتشارد الثالث) كي يحمي عرشه الجديد، لكن هناك نظريات أخرى تدعي مقتلهما
على يد (هنري ستافورد) دوق بكنغهام، والذي رغب بتولي عرش انجلترا بعد وفاة
(إدوارد الثالث). وقد يكون المسؤول عن الجريمة هو (هنري السابع)، وهو
المنتصر في الحرب الأهلية الإنجليزية ضد (ريتشارد الثالث)، فربما رغب
(هنري) بإزالة جميع منافسيه على العرش.
8. حلقة كولبر الجاسوسية
السرية جداً، والتي عملت خلال فترة حرب الاستقلال الأمريكية، وحصلت على
معلومات بالغة الأهمية خلال الحرب مع البريطانيين
الكولونيل (بنجامن تالمدج)، قائد حلقة كولبر، بصحبة ابنه (ويليام). صورة: Wikimedia Commons
هي
حلقة تجسس أنشأها (جورج واشنطن) في صيف عام 1778، أثناء احتلال
البريطانيين مدينة نيويورك خلال الحرب الثورية الأمريكية. كان الهدف منها
هو اختراق المدينة المحصنة والحصول على معلومات استخباراتية مهمة عن نشاط
الجيش البريطاني وتحركاته. نظم الرائد (بنجامين تولمادج) تلك الحلقة، ونقل
الجواسيس –أبرزهم (أبراهام وودهول) و(روبرت تاونسند) –المعلومات خارج مدينة
نيويورك والمناطق المحيطة بها، مخاطرين بأرواحهم وأرواح عائلاتهم.
كانت
حلقة كولبر مصدراً للكثير من المعلومات القيمة، والتي تعد سبباً رئيساً في
التغلب على البريطانيين. فمثلاً، استطاع الأمريكيون معرفة خطة البريطانيين
والمتمثلة بهجومٍ مفاجئٍ على القوات الفرنسية الواصلة حديثاً إلى نيوبورت
في رود آيلاند، وتحت قيادة الجنرال (روشامبو).
علم الأمريكان أيضاً
أن البريطانيين خططوا لتزوير العملة الأمريكية باستخدام أوراق الطباعة.
حاول الجنرال (ويليام ترايون) غزو كينيتيكت في شهر يوليو من عام 1779 ضمن
خطة تضليلية كي يدفع (جورج واشنطن) إلى تقسيم قواته لنصفين، وإرسال نصفها
لمحاربته. لكن الأمريكان علموا بذلك بفضل حلقة التجسس السرية. ويُقال أيضاً
أن حلقة كولبر السرية فضحت مخططاً لاغتيال (جورج واشنطن)، لكن ذلك غير
مؤكد.
9. تمثال بوذا الذهبي في تايلاند، والذي غُطي بالجص لحمايته
من السرقة عندما سقطت مملكة أيوثايا. فاختفى التمثال لـ 200 عام قبل أن
يظهر مجدداً
تمثال بوذا الذهبي في وات تريمت، في بانكوك. صورة: Wikimedia Commons
يُعرف
تمثال بوذا الذهبي هذا بـ (فرا فوتثا ماها سوانا باتيماكون)، وهو عبارة عن
تمثال وزنه نحو 5 أطنان ونصف، وموجود في معبد «وات ترايمت» في بانكوك في
تايلاند، ويصل ارتفاعه إلى 3 أمتارٍ و90 سم، أما عرضه فيتجاوز الـ 3 أمتار
بقليل، وبالإمكان تفكيكه إلى 9 أجزاء منفصلة.
يُعتقد
أن هذا التمثال الضخم صُنع في زمنٍ ما خلال القرنين الثالث عشر والرابع
عشر. من الواضح أن الأسلوب المعماري للتمثال ينتمي لزمن حكم سلالة سوكوتاي،
والتي استمرّت لقرنٍ بعد الزمن المتوقع لصنع التمثال، بينما تشير أدلة
تاريخية أخرى إلى صُنع التمثال في منتصف القرن الثامن عشر تقريباً.
بصرف
النظر عن الزمن الدقيق لإنشاء هذا التمثال، ما نود إعلامكم به هو أن 40
بالمئة من التمثال مصنوعٌ من الذهب الخالص، ويغطي الذهب نسبة 80 بالمئة من
التمثال بين منطقتي الذقن والجبهة، وشعر التمثال وزينة الرأس، والتي يبلغ
وزنهما 45 كلغ، مصنوعتان من ذهب نسبة نقاوته 99 بالمئة. بالتالي يتخطى سعر
هذا التمثال بأموال اليوم حاجز الـ 200 مليون دولار!
يُعتقد أن
التمثال نُقل من سوكوتاي إلى مملكة أيوثايا نحو العام 1403، وذلك قبل فترة
من دمار مملكة أيوثايا على يد بورما عام 1767. غُطي التمثال بطبقة سميكة من
الجص وقطعٍ من الزجاج الملوّن. وبالتالي، أصبح التمثال محمياً عن طريق هذا
التمويه، وبقي قائماً بين الآثار الأخرى لنحو 50 عام. ففي سنة 1805، وعقب
تأسيس مدينة بانكوك وجعلها عاصمة مملك تايلاند وبناء عددٍ من المعابد
الجديدة، طلب الملك (راما الأول) صوراً قديمة عن تمثال بودا كي يجمعها
ويوزعها. وخلال عهد (راما الثاني) –الممتد من عام 1824 وحتى عام 1851 –ظل
التمثال محافظاً على سرّه، ولكنه نُقل إلى معبد «وات تشوتانارام» في
بانكوك، ثم نُقل إلى معبد «وات ترايمت» عام 1935، ووُضع هناك تحت سقفٍ من
الصفيح جراء عدم توفر مساحة كافية له، حيث لم يدر الناس ما قيمة التمثال
حينها.
أخيراً، عام 1954، نُقل التمثال إلى مبنى صُمم خصيصاً
لاستيعاب حجمه الكبير، ولكن أثناء عملية النقل، سقط التمثال واقتُطع جزء من
الجص الذي كان يغلّف التمثال، فظهر الذهب أسفل الجزء المكسور. واليوم،
أُزيل الجص بالكامل عن التمثال الذهبي، وبعد 200 سنة من اختفاءه، أصبح
بإمكان الشعب التايلندي التعرّف على هذه المنحوتة الثمينة جداً.
10. العاشقان كليوبترا وأنطونيوس (مارك أنطوني)، ومكان دفنهما غير المعروف
كليوبترا. صورة: Wikimedia Commons
كانت
(كليوبترا السابعة) زوجة (مارك أنطوني)، وكان الأخير حاكم مملكة البطالمة
في مصر. عقب اغتيال (يوليوس قيصر)، تحالف (أنطونيوس) مع قائدين آخرين
ليشكلوا الحكم الثلاثي الثاني، وهكذا بدأت علاقة (كليوبترا) و(أنطونيوس).
نتج عن هذه العلاقة ثلاثة أولاد هم: أليكسندر هيليوس، وكليوبترا سيليني
الثانية، وبطليموس الثاني فيلادلفوس. وأدت إلى طلاق (أنطونيوس) من زوجته
شقيقة (أوكتافيان).
كان الطلاق إهانة كبيرة، بالإضافة إلى كون
الأولاد الحكام المستقبليين لمصر، ما أدى إلى اندلاع الحرب الأخيرة في
الجمهورية الرومانية، حيث انتصر (أوكتافيان) نصراً ساحقاً. وعندما هُزم
الأسطول البحري لمصر في معركة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد، غزا الروم مصر
خلال عام، وتبيّن لـ (أنطونيوس) و(كليوبترا) أن لا مفر من الهزيمة.
عندما
علمت (كليوبترا) بانتحار زوجها (أنطونيوس)، خشيت من إذلال العامة لها أو
سجنها، فأنهت حياتها هي الأخرى. يُشاع أن الطريقة التي استخدمتها
(كليوبترا) للانتحار هي عضة أفعى سامة.
سمح (أغسطس) بدفن الزوجين
المتوفين معاً، وفقاً لما نقله المؤرخان (بلوطرخس) و(سويتونيوس)، وسمح
أيضاً لأولادهما بالبقاء على قيد الحياة، على عكس ما حصل مع طفل (كليوبترا)
و(يوليوس قيصر).
ومع ذلك، لا يُعرف أبداً المكان الذي دُفن فيه
(أنطونيوس) وعشيقته، وبقي مكان الدفن سراً لنحو ألفي عام تقريباً، ولا نعرف
حتى إذا كان الإبقاء على مكان الدفن سراً أمرٌ مقصودٌ أم لا.
11.
الوصفة الأصلية لدجاج «كنتاكي فرايد تشيكن»، والذي وضعها هارلاند ساندرز،
وبقيت سراً لا يعلمه أحد، ومخفية في خزنة في مدينة لويسفيل
شعار (كنتاكي فرايد تشيكن). صورة: Wikipedia
صُممت
وصفة دجاج كنتاكي المقلي في ثلاثينيات القرن الماضي، وبلغت أفضل نسخة منها
بحلول شهر يوليو من عام 1940، حينها ابتكر (هارلاند ساندرز) الوصفة بناءً
على تزايد شعبية الدجاج المقلي الذي كان يقدمه في محطة للوقود في كوربن،
بولاية كنتاكي.
أزال
(ساندرز) عدة الوقود ضمن المحطة، وحولها إلى مطعمٍ وفندق صغير في أواخر
الثلاثينيات من القرن الماضي. بالطبع، ابتكر (ساندرز) عدداً من الإضافات
على تلك الوصفة، وغيّر عدة طرق مثل استخدام المقلاة، والتي استبدلها
بالتحمير العميق لأنه وجد أن القلي وفقاً لتلك الطريقة بطيء جداً، ورأى
(ساندرز) أن التحمير يعطي دجاجاً جافاً، لذا استخدم أخيراً الطبخ بالضغط
وقدم للعالم وجبته الشهيرة التي تتألف من 11 عشبة وبهاراً.
سوّق
الرجل لدجاجه المقلي في خمسينيات القرن الماضي تحت اسم «كنتاكي فرايد
تشيكن»، لكن (ساندرز) خشي من أن يقلّد أحدٌ ما وصفته السحرية. لذا وضع
سياسة شديدة للحفاظ على سرية وخصوصية الوصفة الأصلية.
فإحدى
الإجراءات التي اتبعها هي تقسيم عملية إنتاج الوصفة بين عدة مصانع ومزودين.
فمثلاً، يُنتج نصف الوصفة في مختبرات غريفيث قبل أن تُرسل إلى «مكورميك»،
وعندها يُضاف النصف الآخر. وبالإضافة لذلك، رفضت الشركة ترخيص تلك الوصفة،
فذلك يتطلب إعطاء تفاصيل دقيقة عن المكونات ويحد من ملكية تاريخ الصلاحية،
لذا لجأ (ساندرز) إلى السرية التامة كي يحافظ على شركته. واليوم، توجد نسخة
من الوصفة، لكنها محفوظة ضمن خزنة شديدة الحراسة في مقر شركة «كنتاكي
فرايد تشيكن» في لويسفيل، بالإضافة طبعاً إلى 11 قارورة تحوي الأعشاب
والبهار الضروري.
12. هوية جاك السفاح، القاتل المتسلسل الذي أرعب لندن وضاحيتها وايتشابل
صورة من صحيفة The Illustrated London News تُظهر صورة لشخصية مشتبه بكونها (جاك السفاح).
يُعرف
(جاك السفاح) باسم قاتل وايتشابل أيضاً، وهو قاتلٌ متسلسل مسؤول عن قتل 5
نساء على الأقل في منطقة وايتشابل في مدينة لندن عام 1888. كانت الضحايا
جميعهن من النساء اللواتي عملن في مهنة الدعارة، وعُثر عليهن مقتولات
وحناجرهن مقطوعة، بالإضافة أيضاً إلى تشويه أعضائهن التناسلية ووجههن، حتى
أن القاتل أزال أعضاءً داخلية من الجثة بعد موتها. ووفقاً للتفصيل الأخير
والمروّع، اعتقد الناس أن الرجل على دراية بالتشريح الطبي، وربما تلقى
تدريباً على كيفية إجراء العمليات الجراحية. يُعتقد أن القاتل توقف عن
جرائمه إما بسبب موته أو اعتقاله أو ربما هجرته خارج البلد، لكن تلك ليست
سوى تكهنات لا تملك أي موثوقية، ولا تزال هوية (جاك السفاح) مجهولة حتى
يومنا هذا. في المحصلة، اشتبهت السلطات بـ 100 شخص ربما يملكون علامات
أو سمات القاتل السفاح، من بينهم المحامي (مونتاغ جون دروت) والحلاقين
(سيويرن أنتونوفيت كيشوفسكي) و(آرون كومينسكي) –نُقل الأخير إلى مصح «كونلي
هاتش» للأمراض العقلية عام 1891 –وصانع الأحذية (جون بايزر).
لكن
التخمينات المعاصرة ركّزت على مجموعة مختلفة كلياً من المشتبهين، مثل
(توماس هاين كاتبوش)، وهو طالب طبٍّ أُدخل إلى المصح العقلي عام 1891 جراء
معاناته إهلاساتٍ ناجمة عن إصابته بالسفلس. وهناك أيضاً (فريدريك بايلي
ديمنِغ)، والذي هاجر إلى أستراليا عام 1891 بعدما قتل عائلته كلها، وقبل
إعدامه شنقاً، كتب في دفتره خلال السجن أنه (جاك السفاح). لكن لا نعتقد أن
ذلك دليلٌ كافٍ.
13. كان شلل الرئيس الأمريكي (فرانكلن روزفلت) أمراً سرياً جداً! لدرجة أن زعماء أوروبا لم يعرفوا حتى بمرض الرئيس الأمريكي
الرئيس (روزفلت) مع ابنته وكلبه المفضل. صورة: Universal History Archive / Getty Images
كان
(فرانكلن دي. روزفلت) الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة
الأمريكية، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن الرئيس أُصيب بالشلل عام 1921،
أي عندما كان في التاسعة والثلاثين من عمره، فظهرت عليه الأعراض المرافقة
للشل مثل خللٍ في عمل المثانة والأمعاء، والخدر، وشلل دائمٍ في المنطقة
أسفل الخصر. شُخّص الرئيس وقتها بشلل الأطفال، لكن اليوم، تعتبر تلك
الأعراض مرافقة لمتلازمة غيلان باري التي تؤدي إلى اعتلال عصبي مناعي ذاتي.
وبالرغم
من كون الرئيس غير قادرٍ على الوقوف أو السير بدون عكازات، لكنه رفض أن
يسمح لتلك الإعاقة بتعطيل حياته الشخصية أو مسيرته المهنية، فتعلّم في
عشرينيات القرن الماضي السير لمسافات قصيرة بالاعتماد على حمالات معدنية
ثقيلة تبدو وكأنها تشبه الرُكبة الطبيعية، واعتمد أيضاً على عكاز ليساعده
في المشي. نتيجة هذا الصراع الشخصي المأساوي، أصبح (روزفلت) أول رئيس
للولايات المتحدة من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن لم يعلم أحدٌ حتى في
الولايات المتحدة بحالته.
استخدم الرئيس الكرسي المتحرك عندما كان
بعيداً عن العامة، وحرص جداً على عدم تشويه صورته أمام الناس. فعندما يظهر
أمام الكاميرات، يحيط به مساعدوه من الجهتين كي يتمكن من الوقوف. وفي حال
أراد إلقاء خطاب عام، يرتكز الرئيس على منضدة موضوعة على خشبة المسرح الذي
يلقي منه الخطاب، ويمسك بها الرئيس بشدة، فلا يستطيع تحريك يديه، ولهذا
السبب، اشتُهر (روزفلت) بإيماءة الرأس المشهورة التي استخدمها بدلاً من
تحريك اليدين. أما الخروج من السيارة، فتلك قضية أخرى: حيث كان مرافقوا
الرئيس يركنون السيارة في كراج (موقف) معزول كي يسمحوا للرئيس بالركوب
والنزول بسهولة.
14. موقع جزيرة أطلنطس الضائعة، والتي لم يعثر عليها –إن كانت حقيقية– بالرغم من إجراء مئات التحقيقات والاستكشافات
خريطة أطلانطس من عام 1669، لاحظ أنها تقع في منتصف المحيط الأطلنطي. صورة: Wikimedia Commons
أطلنطس
هي جزيرة خيالية ذُكرت في أعمال الفلاسفة الإغريق القدامى مثل (أفلاطون)،
حيث استخدمها (أفلاطون) كاستعارة لوصف الأمم المتعجرفة والمتكبرة، فجاء في
أعماله أن سكانها أغضبوا الآلهة فغرقت المدينة بأكملها داخل المحيط
الأطلنطي. من المؤكد أن القصة التي ذكرها (أفلاطون) خيالية تماماً، لكن
حديثه عن جزيرة غارقة تحت المحيط ألهم الكثير من الناس ودفعهم إلى الاعتقاد
حقاً بوجودها، ولو تاريخياً على الأقل. وبالإضافة لذلك، يُعرف عن
(أفلاطون) أن الكثير من استعاراته مأخوذة من قصص قديمة، بالتالي من المحتمل
أن تكون أطلنطس موجودة بالفعل، أو هذا ما اعتقده الناس.
تحدث
(إغناطيوس دونيلي) في كتابه «أطلنطس: العالم العتيق» عن تلك الحضارة
الغارقة، وارتأى أن الكثير من الحضارات القديمة دُمرت خلال الطوفان المذكور
في الكتب الدينية المقدسة. ونتجت عدة فرضيات لاحقة عندما بدأت حملات
الاستكشاف لمعرفة مصير تلك الجزيرة الغامضة، ووفقاً لأغلب تلك الفرضيات،
تقع أطلنطس في البحر المتوسط، واختفاء المدينة يعود إلى اندفاع بركاني حصل
إما في القرن السابع عشر أو السادس عشر قبل الميلاد. أدى هذا الثوران
البركاني إلى نشوء تسونامي ضخم دمّر الحضارة المينوسية التي نشأت على جزيرة
كريت، ويُعتقد أن أطلنطس هي إحدى ضحايا تلك الظواهر الطبيعية المدمرة.
كان
(توت عنخ آمون) فرعوناً مصرياً ينتمي للأسرة الـ 18 التي حكمت مصر. وُلد
(توت عنخ آمون) عام 1341 قبل الميلاد، وحكم البلاد خلال عصر المملكة
الجديدة بين عامي 1332 و1323 قبل الميلاد. اكتشف (هاورد كارتر) عام 1922
قبر الفرعون في حالة سليمة جداً، ما جذب اهتمام العالم إلى قصة هذا الفرعون
الشاب. وبالرغم من إجراء الأبحاث العلمية والأثرية لمدة قرن من الزمن، لا
يُعرف الكثير عن حياة (توت عنخ آمون)، ولا توجد سجلات تؤرخ ما حصل حين
وفاته. لكن بالنظر إلى حالة المقبرة، أوضح عالم الأحياء الدقيقة (رالف
ميتشل) أن الطلاء على الجدران يشير إلى دفن الفرعون قبل جفاف الطلاء، ما
يشير أيضاً إلى احتمال موته فجأة قبل اكتمال مقبرته.
يقترح البعض أن
(توت عنخ آمون) توفي جراء عملية اغتيال، لكن يشير آخرون أن موته كان
طبيعياً. فعُثر خلال إجراء فحص طبي حديث على مومياء الفرعون على بعض الأمور
المهمة: حيث عانى الرجل قبل وفاته من كسرٍ في الساق، وربما أدى ذلك إلى
التهابٍ مميت. وتشير الفحوصات الطبية أيضاً إلى وجود الملاريا ومرض كولر،
فربما لعبت تلك الأوبئة دوراً في وفاة الملك.
في النهاية، نجد أن
تاريخنا يعج بالأمور غير المكتشفة بعد، وهناك دائماً مجال للخيال البشري كي
يبدع قصصاً غريبة عما لا يعرفه أو يدركه. في المقابل، نجد أن بعض الأسرار
كانت تحمل في طياتها أموراً خطيرة، ربما كادت تؤدي إلى تغير العالم الذي
نعرفه بالكامل. ما رأيكم بأكثر تلك الأسرار أهمية؟ وما القصص والحوادث التي
أثارت فضولكم؟
في أوائل القرن الحادي والعشرين، كان المؤرخ الصيدلي (دبليو. إيه. جاكسون) بحاجة ماسة إلى مكانٍ يضع فيه العلقات، تلك حياة المؤرخ الصيدلي على ما يبدو… لذا اختار الرجل أخيراً إناءً مغطى بالشاش. في الصباح التالي، اكتشف (جاكسون)، والذي عمل سابقاً أمين متحف مدرسة مانشستر الطبية، أن 3 علقاتٍ وجدت طريقها خارج الإناء المغطى بالشاش واختفت تماماً. عثر الرجل على علقتين في غرفة الطعام، لكن الثالثة بقيت ضائعة حتى وجدها (جاكسون) بعد أسبوعين عن طريق المصادفة، ووجدها ترقد على منضدة البيانو، ولاحظ أيضاً أنها لا تزال على قيد الحياة بطريقة غريبة وعجيبة!
أدرك
(جاكسون) أن ما يحتاجه هو إناءٌ مناسب لحفظ العلقات. فعلى عكس المنتجات
الصيدلانية الأخرى، تستطيع العلقات الهرب بسهولة. لذا، بالعودة إلى
الصيادلة في القرن الثامن عشر، نجد أنهم ابتكروا أوانٍ خاصة لحفظ العلقات
داخلها وإبقائها على قيد الحياة.
استخدم البشر العلقات في عملية
الحجامة الطبية أو فصد الدم لأكثر من 2500 عام، وشهد القرن التاسع عشر ما
يُعرف بـ «هوس العلقات»، والذي اجتاح أوروبا وأمريكا. بدأت تلك القصة في
فرنسا، حيث تكلّم الضابط العسكري الطبي (فرانسوا جوزيف فيكتور بروسي)
بحماسٍ شديد عن الآثار الشفائية لفصد الدم، وبالتالي انتشرت موضة استخدام
العلقات من تلك الحادثة.
اعتقد الناس أن بإمكان العلقات شفاء جميع
الأمراض، من الصداع وحتى الهوس، وأصبح الطلب على العلقات شديداً. ففي فرنسا
لوحدها، استخدم الأطباء أكثر من مليار علقة في السنة لأسباب طبية، ونُقلت
أعداد ضخمة من العلقات –من 50 مليون وحتى 100 مليون علقة –عبر أوروبا كل
سنة. بالتالي، تعرّضت العلقات في أوروبا إلى الانقراض تقريباً بسبب الطلب
الجشع عليها.
إناء إنجليزي لحفظ العلقات يعود للفترة بين عامي 1831 و1859. صورة: Wellcome Collection
ومع
انتشار هذه الممارسة كالنار في الهشيم، لا بدّ من الاستفادة منها لأسباب
تجارية. لذا انتشرت في أوروبا وأمريكا أوانٍ للعلقات بتصاميم راقية وملفتة
للانتباه، وأصبحت أثاثاً يفاخر الصيادلة بعرضه. كانت تلك الأواني
السيراميكية المصنعة على طراز الروكوكو الفني تُطلى باليد، وتزيّن برسومات
فاخرة لا تعكس أبداً ما تحتويه بداخلها.
من وجهة نظر حديثة، من
المفترض أن تكون الصيدلية صحية ونظيفة وجيدة الإضاءة، بالتالي لا نجد أي
فائدة لأواني العلقات تلك. لكن الصيادلة الأمريكان لم يكونوا كذلك، بل
تأخروا كثيراً عن نظرائهم الأوروبيين من ناحية الخبرة والتكنولوجيا.
لذا،
في سعيهم وراء لفت انتباه واحترام الأوروبيين، حاول الصيادلة الأمريكيون
التميّز بأنفسهم عن المعالجين التقليديين، أو أولئك الذين يدعون العلاج
بطرق غريبة وعجيبة، وفقاً لما كتبه (جريغوري جاي. هيغبي). في عام 1852،
نشأت في أمريكا «جمعية الصيادلة الأمريكيين»، وأسست بذلك لمبدأ المهنية في
ممارسة الصيدلة في أمريكا، ووضعت معايير معينة كي يلتزم بها ممارسوا تلك
المهنة. وبدأت الصيدليات بالإعلان عن التراخيص ومعايير النظافة. وحاول
الصيادلة وضع واجهات على صيدلياتهم كي تجذب الانتباه والإعجاب. حيث قالت
(دايان وينت)، وهي مساعدة أمين متحف الطب والعلوم في معهد سميثسونيان:
”تزامن انتشار هوس العلقات مع ازدهار الصيدلة المهنية والمحترفة وانتشار
أساليب الإعلان الضخمة، عملت كل تلك الظروف معاً كي تخلق أواني العلقات
المزخرفة تلك“.
إناء للعلقات من تصنيع شركة (ألكوك).
ولإقناع
المارة بمدى جودة العقاقير الطبية والعلاجات الأخرى، ملأ الصيادلة نوافذ
صيدلياتهم بمجموعات متطابقة من الأواني السيراميكية المزخرفة، والتي احتوت
بداخلها أشياء كالتمر والعسل. لكن أبرز إناء كان هو إناء العلقات، والذي
يوضع في أوضح مكانٍ في الصيدلية. وكان الإناء دليلاً على نوعية تلك
الصيدلية، فكلما كان مزخرفاً، كانت الصيدلية أرقى وأرفع مكانةً.
من
الخارج، تبدو أواني العلقات الصيدلانية مثل أي إناء مزخرف قد يوجد في أي
منزل، لكن هناك تفصيلان معينان يميزانها عن الأواني العادية: أولاً، تملك
تلك الأواني ثقوباً مركبة لإمرار الهواء. وثانياً، يُكتب على تلك الأواني
كلمة «علقات» أو «LEECHES»، وبالأحرف الكبيرة طبعاً. صُنعت تلك الأواني
بكميات هائلة في بريطانيا، وذلك وفقاً لـ (رايتشل أندرسون) –وهي مساعدة
أمين متحف سميثسونيان. كانت أكثر الأواني زخرفة وتزييناً تصنع في
ستافوردشاير في انجلترا على يد شركة «صامويل ألكوك آند كو»، وتلك الأواني
الفاخرة التي تصنعها الشركة مرغوبة جداً من طرف جامعي التحف حديثاً. كانت
أواني «ألكوك» هائلة الحجم، وتجاوز ارتفاع الكثير منها ستين سنتمتراً.
أقلبت الصيدليات في القارتين الأوروبية والأمريكية الشمالية على شراء تلك
الأواني، لكنها كانت أكثر مبيعاً في أمريكا، حيث حاول الصيادلة دائماً
التباهي بما يملكون، وإثبات جدارتهم ربما.وصلت سعة بعض الأواني إلى 7 لترات ونصف! والأغرب من ذلك، أنها تتسع لنحو 250 علقة عندما يُملأ ثلثها فقط بالماء!
كانت
تلك الأواني الفاخرة والعملاقة تخلوا يومياً من العلقات، حيث أوضحت
(أندرسون) أن تلك العبوات لم تحفظ العلقات بداخلها لفترة طويلة. لذا اضطر
الصيادلة إلى إبقاء مخزونهم من العلقات في خزانات كبيرة، أو في أوانٍ مغلقة
ومربوطة بمشابك معدنية. أما تلك الأواني الفاخرة، فكانت فقط للعرض.
إناء انجليزي صيدلاني يعود للفترة بين عامي 1830 و1870. صورة: Wellcome Collection
داخل
تلك الأواني المهواة، كانت العلقات بحاجة دائمة إلى العناية الشديدة،
وفقاً لما أورده (جاكسون). فعلى الصيدلاني مثلاً تغيير المياه داخل الإناء
كل يومين في الصيف، ومرتين في الأسبوع في الشتاء، وعليه طبعاً أن يبقي
الإناء بعيداً عن أشعة الشمس. على الصيدلاني أيضاً تحريك العلقات داخل
الإناء، إما باستخدام مكنسة أو، في الحالات الصعبة، باستخدام اليدين. أوصى
الصيادلة أيضاً بوضع طبقة من الطحالب أو الحصى أسفل الإناء كي يساعدوا
الديدان الحلقية في طقسها الأسبوعي المتمثل بنزع قشرتها اللزجة.
وإن
حافظ الصيدلاني على الإناء بحالة جيدة، فقد تصل سعة بعض الأواني إلى 7
لترات ونصف! والأغرب من ذلك، أنها تتسع لنحو 250 علقة عندما يُملأ ثلثها
فقط بالماء! أما كيف أخرج الصيادلة تلك العلقات من الإناء، فهذا سرٌ عجيب.
حيث تقول (أندرسون): ”لم نعثر على أية أداة يُمكن أن تُستعمل ملقطاً
للعلقات“.
صورة: Medical Museum
تتطلب
الأواني الفاخرة علقات فاخرة، والتي تُعتبر ضرورية لسكان انجلترا في العصر
الفيكتوري كي يحافظوا على صحتهم. فحسبما اتضح، ليست جميع العلقات الطبية
مشابهة لبعضها. فالعلقات الأمريكية، كتلك الموجودة في المسيسيبي أو
بنسلفانيا، لم يكن استخدامها رائجاً، فلم تمتص العلقات الدم إلا إذا
أثارتها رائحته، ولم تستطع سوى امتصاص 30 مل لتر من الدم، وذلك وفقاً لما
جاء في وثيقة من عام 1881 عن زراعة العلقات، والتي نُشرت في مجلة «الأمريكي
العلمي». أما تلك العلقات المستوردة من السويد أو ألمانيا، فكانت قمة
الفخامة والرقي: كانت تلك العلقات قادرة على امتصاص 60 مل لتر من الدم
تقريباً، وكانت شرهة جداً لدرجة أنه لا حاجة لوضع طعمٍ كي تعض الجلد. في
أواخر العقد الأول من القرن التاسع عشر، بيُعت 100 علقة سويدية مقابل 5
دولارات –أي ما يُعادل 100 دولار اليوم.
رسم يصوّر (بروسي) وهو يلقّن الممرضة التعليمات اللازمة لإجراء عملية فصد الدم باستخدام العلقات. صورة: Wikimedia Commons
في
فصلي الربيع والخريف (وهما موسما العلقات الجديدة)، كان الصيادون يعبرون
المستنقعات ويغرسون العصا داخل الماء ليسحبوا العلقات من الرسابة الطينية.
وبعد لحظات من اصطيادها، تتمسك العلقات بأرجل الصيادين، ثم تُقشر تلك
العلقات. كان الصياد الماهر يجمع نحو 120 علقة في بضع ساعات فقط.
كانت
عملية تعليق العلق سهلة، لكنها كانت تستهلك الكثير من الوقت. كان المسؤول
عن العملية يجفف العلقات في كأسٍ من النبيذ، ثم يقلبها على المنطقة
المستهدفة. وعندما تشرب العلقة النبيذ، ستسقط على الفور. تحتاج العلقات إلى
عدة شهور كي تهضم وجبة الدم، لكن الطلب الهائل على العلقات دفع بالصيادلة
إلى إعادة استخدام تلك العلقات في وقت الحاجة. حيث قالت (أندرسون): ”كان
الصيادلة يجبرون العلقة على تقيء الدم بوضع الملح عليها“. وكما تتخيلون،
كانت العلقات المعاد استخدامها خطراً بيئياً، وأورد الصيادلة حوادث عديدة
نقلت فيها العلقات أمراضاً كالسفلس وحمى النفاس، وتلك التهاب يحدث عقب
الولادة.
صورة: Antique Medical Instruments
في
منتصف القرن التاسع عشر، وفي ذروة هوس العلقات، حاول المخترعون تحسين
أواني العلقات المزخرفة. أوضحت (أندرسون) بخصوص هذا الموضوع: ”وُجدت أحواض
ومستنبتات للعلقات، وصُممت أوانٍ خاصة أكبر بكثير وقادرة على احتواء مئات
ومئات العلقات، وكانت توضع على رفوف مثقوبة كي تتمكن العلقة من الاهتزاز
حول الثقب وتنظيف نفسها“.
واجه
الصيادلة وعامة الناس مشاكل كبيرة عند استخدام تلك العلقات. فقبل كل شيء،
كان مظهر تلك العلقات مقرفاً ومثيراً للاشمئزاز، وخاصة بالنسبة للأشخاص
الحساسين الذين واجهوا صعوبة في وضع هذا الكائن اللزج والبارد على جسدهم،
خاصة أن تلك العلقات قد توضع داخل أو حول الفم. وفي تلك الحالة أيضاً، قد
تزحف العلقات وتصل إلى تجاويف داخل الفم، ما يسبب حوادث خطيرة ومزعجة. أما
المشكلة الثانية، فتمثلت بكون العلقات لا ترغب بعضّ المريض أحياناً، فقد
يحاول المريض والصيدلاني جاهدين لجعل تلك العلقات تمتص الدم. وأخيراً،
التكلفة الباهظة لامتلك ذاك العدد الهائل من العلقات.
لذا، سُخّرت
تكنولوجيا القرن التاسع عشر لاستبدال العلقات الطبيعية بأخرى ميكانيكية
تعمل بنفس الطريقة. ومن هنا جاء اختراع العلقات الصناعية، وهي عبارة عن
أدوات معدنية تقلّد حركة فك العلقة وتملك شفرات حادة وصغيرة وشفاطاً يعمل
على امتصاص الدم. ووفقاً لـ (أندرسون)، اختُرعت تلك العلقات الصناعية لنفس
السبب الذي اختُرعت من أجله أواني العلقات: وهو جعل العملية بأكملها أقل
شناعة.
اضمحل الهوس التداوي بالعلقات مع نهاية القرن العشرين،
والأسباب لهذا الانحطاط كثيرة، أولها مثلاً هو الطلب الهائل وغير المنطقي
عليها. ولاحقاً، نمت شكوكٌ بخصوص نجاعة تلك العملية، واكتُشف لاحقاً أن سحب
كميات كبيرة من دم المريض ليس الطريقة الصحيحة لمعالجة جميع الأمراض. لكن
في العقود اللاحقة، عادت تلك الممارسة إلى الانتشار، لكن بشكل أخف بالطبع.
لكن على أي حال، تبقى تلك الأواني الفاخرة رمزاً جمالياً راقياً، ولا نعتقد
أن أحداً يرفض عرضها في منزله مثلاً، ولكن بدون العلقات بالطبع.
دبي ـ يعد قضاء عطلة رأس السنة في دبي فرصة للاستمتاع بالأجواء الاحتفالية التي تقيمها الإمارة بالمناسبة التي تفوقت فيها دبي خلال السنوات الأخيرة الماضية على الكثير من عواصم السياحة العالمية العريقة في هذا المجال، مثل باريس ونيويورك ولندن وغيرها.
وأبدت دبي بشكل خاص اهتماما كبيرا بالقطاع السياحي على مدى السنوات الماضية، حتى أصبحت ضمن أفضل وجهات السفر العالمية خلال عام 2019، وفق تقرير “يورومونيتور إنترناشيونال” لأفضل مئة مدينة سياحية على مستوى العالم لعام 2019.
وأشاد التقرير بأداء دبي السياحي، مشيرا إلى تسهيل الحصول على تأشيرة الدخول، فضلا عن تسهيل مواكبة عروض المتنزهات المقدمة للزوار.
وقالت يورومونيتور إنترناشيونال، إن “دبي التي جاءت في المركز السابع عالميا لأفضل مئة مدينة سياحية على مستوى العالم تواصل تصدرها للمنطقة في ما يتعلق بعدد السياح، فقد استقبلت 15.9 مليون سائح في 2018 و16.3 مليون سائح في 2019”.
وقال خبراء السياحة إن النشاط السياحي الذي تشهده دبي بمناسبة الاحتفالات برأس السنة الميلادية ينعكس على مختلف القطاعات الاقتصادية، بما فيها الفنادق والطيران والمطاعم والتجزئة والمواصلات وغيرها، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحدث حراكا اقتصاديّا غير مسبوق مع نهاية كل عام.
وتعتبر احتفالات وسط المدينة من أشهر الاحتفالات التي تقام في العالم بمناسبة بدء العام الجديد، وتبرز مجموعة منوعة من الحفلات الراقصة والعروض الموسيقية وما يوصف بأنه تجربة العمر المرتبطة بعروض الماء، والضوء والألعاب النارية. ولشدة الازدحام تتوافر شاشة عرضٍ طولها 210 أمتار تتيح للجمهور الحاضر فرصة مشاهدة العروض.
أجواء احتفالية وسهرات تلبي كل الأذواق وتجذب السيّاح من مختلف أنحاء العالم
وككل عام ستكون جزيرة النخلة ومنطقة الـ”جي بي أر” ومدينة الجميرا ومرسى دبي وفيستيفال سيتي، من المواقع الرائعة التي تحتضن فعاليات العام الجديد. وسيكون برج العرب، الذي يعد إحدى الوجهات الأكثر شعبية، واحدا من أروع الأماكن التي تستقبل العام الجديد بالعديد من الفعاليات والاحتفالات.
وتبدأ الاحتفالية المسائية في البرج بتقديم مشروبات مختلفة في البهو الأكثر ارتفاعا في العالم، ومن ثم الاستمتاع بمأدبة عشاء من أي مطعم من مطاعم الفندق، ثم الاستمتاع بعرض من الألعاب النارية.
وتتزامن احتفالات ليلة رأس السنة في برج خليفة هذا العام مع استضافة دبي للحدث الأبرز في العالم وهو إكسبو 2020 حيث تشتعل المفرقعات من طوابقه الـ150.
وتوفر مطاعم دبي المختلفة جلسات مريحة وإطلالات قريبة من مكان الاحتفال، منها مطاعم منطقة الـ”جي بي أر” ومدينة الجميرا ومرسى دبي، حيث يخصص كل عام لرواد هذه المطاعم برنامج احتفالي يستمتعون من خلاله بالألعاب الناريّة في مشهد يحبس الأنفاس، ويتضمّن قائمة الطعام المميزة ومأكولات شهيّة، إضافة إلى مطعم مِنت ليف أوف لندن الذي يوفر إطلالة رائعة ومميزة على برج خليفة والمنطقة المحيطة به، أين يمكن مشاهدة الألعاب النارية للبرج والنافورة الراقصة في أجواء احتفالية راقية بعيدا عن الزحام. أما مطعم هاكاسان فيستقبل العام الجديد بأناقة لافتة، حيث يجتمع ضيوف هاكاسان المطل على برج خليفة لتناول المأكولات الصينيّة المميّزة، إضافة إلى مطعم كارلوتشيوز بأسلوبه الإيطالي الأصيل.
متعة الصورة في الشتاء المشمس
وتسجل إمارة دبي زيادة مطردة في إقبال السياح من مختلف دول العالم، وتتربع السياحة الفرنسية والألمانية على قائمة نمو الوجهات الأوروبية الأكثر زيارة لدبي.
وبحسب بيانات دائرة السياحة في دبي، انتعشت حركة السياحة الفرنسية في الإمارة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري ليصل عددها إلى نحو 273 ألف زائر مقابل 247 ألف زائر بنهاية الفترة نفسها من العام الماضي، وبذلك يكون هذا العام قد سجّل نموّا بنسبة 10.5 بالمئة.
وبحسب تلك البيانات الرسمية، عززت فرنسا مكانتها في قائمة الدول من حيث عدد السياح الذين يزورون دبي، حيث احتلت المرتبة الحادية عشرة، وهي المرتبة التي استحوذت عليها منذ انطلاق العام الجاري 2019.
أما السياح الألمان فقد استحوذوا على المرتبة الثانية من حيث نسبة النمو ليصل عددهم إلى 392 ألف زائر، مقابل 388 ألف زائر في الفترة نفسها من العام الماضي بنسبة ارتفاع بلغت 1 بالمئة. وتعتبر ألمانيا من أهم الأسواق الأوروبية المصدرة للزوار إلى دبي، حيث تحتل المركز الثاني بعد المملكة المتحدة من حيث عدد الأوروبيين الذين يزورون دبي.
وتراجعت أعداد السياح من روسيا إلى دبي في تلك الفترة بنسبة 5.9 بالمئة لتصل إلى 433 ألف زائر، مقابل 460 ألف زائر في الفترة نفسها من العام الماضي.
وانخفضت أيضا أعداد الزوار من بريطانيا إلى دبي في تلك الفترة بنسبة 1.7 بالمئة لتصل إلى 851 ألف زائر، مقابل 866 ألف زائر في الفترة نفسها من عام 2018.
وتتوقع مؤسسات عالمية في تقارير حديثة أن تستمر دبي في جذب السياح الدوليين في الفترة المقبلة مع استهدافها جذب 20 مليون زائر من السياح الدوليين ورجال الأعمال، كل سنة، وذلك بداية من عام 2020. وتسعى دبي إلى ذلك من خلال توسيع دائرة العروض السياحية، واستضافة المزيد من الفعاليات التي توفر وسائل للترفيه، والأنشطة الرياضية والثقافية، وتحسين البنية التحتية السياحية، وجعلها أكثر قدرة على المنافسة من حيث السعر بالنسبة إلى الزبائن.
وقال تقرير صادر عن مؤسسة الإيكو نومست، وفقا لصحيفة العرب ، إن بعض الأنشطة الاقتصادية في الإمارة -مثل صناعة الطيران، والبنية التحتية، وقطاع التجزئة، والفنادق، والمطاعم- ستشهد انتعاشا كبيرا بالتزامن مع العدد المتزايد المتوقع من الزوار خلال عام معرض إكسبو العالمي 2020.
هل سمعت من قبل عن رهاب التردّد أو الفوبو؟ حسنًا، ربما يتبادر إلى ذهنك أنه شيء مُتعلّق بالتردّد في شراء شيء ما أو اختيار منتج على آخر واستغراق ذلك لوقت طويل، هنا أنت اقتربت كثيرًا.
التردد حين تكون القرارات بسيطةً، أو حين تكون الخيارات كلها مقبولةً علامة مميزة لحالةٍ تُعرف باسم “رُهاب الخوف من تفويت الخيار الأفضل” أو “فوبو”. وتحدث هذه الحالة أثناء القرارات البسيطة مثل ماذا تشاهد على التلفاز، أو ماذا تأكل على العشاء، وصولاً إلى قراراتٍ أكبر مثل قبول الوظيفة الجديدة أم لا.
قد يكون المثال الشائع على ذلك محاولة اتخاذ قرار بشأن ما تفعله ليلة الإجازة الأسبوعية. ولا شك أن الدعوة لقضاء وقتٍ مع زملاء العمل مناسبةٌ ومضمونة المتعة، لكن هناك حفلة أُخرى في الطرف الآخر من المدينة قد تكون أكثر إمتاعاً.
ما هو رهاب التردّد أو الفوبو؟
الأشخاص المصابون برهاب “فوبو” سيمتنعون عن الالتزام على الأغلب، أو سيلتزمون بموعدٍ ثم يُلغونه.
يرى ماكغينيس وهو مقدم برنامج Fomo Sapiens وباحث درس تأثيرات رهاب الفوبو لسنوات عديدة، أن المشاعر هي جزءٌ بيولوجيٌ من هويتنا، لأن الطبيعة البشرية في كثير من الأحيان تجبرنا على انتظار الأفضل.
عانى ماكغينيس نفسه من رهابي “فومو” و”فوبو” حين صاغ المصطلحين في ورقته البحثية التي قدمها بكلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد منذ 15 عاماً.
ولا يعتقد ماكغينيس أن الفوبو حصري لدى الأفراد، إذ يرى أن الشركات الكبرى أيضاً يُمكن أن تتأثر به، فستجد الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات أعذاراً دائماً لعدم فعلها شيئاً ما، وكذلك الحال مع البلاد.
يقول: “وصلت إلى قناعةٍ مفادها أن الموقف المتعلق بالبريكست هو حالة فوبو، والفوبو هو عدم القدرة على اختيار خيارٍ من عدة خياراتٍ مقبولة النتائج، بمعنى أنه قد لا يُعجبك البريكست، لكن هناك العديد من الطرق المقبولة التي يُمكن تنظيمه بها، دون الوصول لحل الخروج دون اتفاقٍ”.مواضيع ذات علاقة
وأضاف “لكن في كل مرةٍ كانت تيريزا ماي تُقدم فيها اقتراحاً لمجلس العموم لم تكن تحصل على تصويتٍ بالموافقة عليه لأن كل أعضاء البرلمان كانوا ينتظرون الوصول لحل أفضل قليلاً”.
من أين يأتي الفوبو؟
يأتي الفوبو بالأساس من الخوف من التخلي، لكي تختار أمراً عليك أن تتخلى عن آخر، وبالتالي يتولد لديك شعور الخوف من الندم على الطريق غير المسلوك، فتفضل ألّا تختار من الأساس، تاركاً كل الخيارات متاحةً.
والأساس النفسي لهذه الحالة فسرها العلماء على أنه حين يتعلق الأمر باتخاذ القرارات فإنه يُمكن تقسيم الناس إلى قسمين: “المُبالغين” و”المُكتفين”.
والمُبالغون هم من يتخذون الخيارات بناءً على أقصى استفادةٍ مُترتبةٍ لاحقاً، بينما المُكتفون (وهو مصطلحٌ مشتقٌ من الاكتفاء صاغه الفائز بجائزة نوبل هيربرت سايمون سنة 1956) يعتمدون في الاختيار على معايير متواضعة.
وعلى سبيل المثال سيختار المُبالغ سيارةً أكبر مما يحتاج إليه فعلياً تحسباً لاحتياجه سيارةً أكبر في المستقبل، فيما سيختار المُكتفي على الأرجح سيارةً مناسبةً للوقت الراهن.
يضع المبالغون لأنفسهم معايير مرتفعةً ويُحبطون حين يفشلون في تحقيقها، ناظرين إلى ما فاتهم لا إلى ما حققوه.
ربما يكون أولئك الذين يُعانون من الفوبو إذاً مُبالغين أغرتهم التكنولوجيا المعاصرة أو تكون التكنولوجيا المعاصرة هي ما يُحول المزيد منا إلى مُبالغين. أو ربما فقط لا يرغب الناس في فعل نصف ما يقولون إنهم يرغبون في فعله.
وأياً ما كان التفسير، فإن تعريف ماكغينيس للظاهرة ومنحها اسماً هو أمرٌ مفصلي في تغيير ذلك السلوك، الذي يرى أنه “مدمر”.
لإثراء معرفة طفلك بالأمور العلميّة إليك هنا قائمة من أفضل الألعاب العلميّة المُخصّصة للأطفال، بدءًا من ألعاب STEM (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات) التي تعزز مهارات الأطفال الهندسية إلى الألعاب التطبيقية التي تكشف إبداع الطفل.
Anki Cozmo – لعبة روبوت تعليمية مرحة للأطفال
قد تكون هذه هي الهدية المثالية لمساعدة الطفل على أن يخطو إلى عالم البرمجة والأكواد. هذا الروبوت الحقيقي، اسمه “كوزمو”، لديه واجهة مناسبة للمبتدئين تتيح للأطفال (والكبار) برمجة الروبوت الخاص بهم على نحو إبداعي.
ثم يمكنهم تحدّي “كوزمو” في الألعاب أو استخدام وضع المستكشف، لرؤية الأشياء من منظوره باستخدام تطبيق Cozmo المجاني المتوافق مع أجهزة أندرويد وiOS.
Osmo – مجموعة أدوات العبقري الصغير لجهاز آيباد
تحتوي مجموعة أدوات العبقري الصغير لجهاز آيباد على كل ما يحتاجه الطفل لتجربة التعلم التطبيقي والمتعة الرقمية بخمس طرق وموضوعات مختلفة.
تتضمن المجموعة قاعدة Osmo، فضلاً عن 5 تطبيقات ألعاب (بالإضافة إلى المواد المطلوبة للعب تلك الألعاب)؛ لعبة الأشكال وأماكنها في التصميم (تُسمى Tangram)، لعبة حل المسائل/الفيزياء المبكرة (تُسمى Newton)، لعبة مهارات الرسم الإبداعية (تُسمى Masterpiece)، لعبة عد الأرقام/مكعبات النرد (تُسمى Numbers)، لعبة الحروف والتهجئة والمفردات اللغوية (تُسمى Words).
4M Solar System Planetarium
القبة السماوية للنظام الشمسي – نموذج للأفلاك والكواكب يتوهج في الظلام
تعد هذه اللعبة وسيلة ممتعة لتعليم الأطفال، من عمر 8 سنوات أو أكثر، عجائب نظامنا الشمسي، وتهتم اللعبة بالجوانب الثلاثة: التعليمي، والعمل اليدوي، والتزيين.
لا تحتاج أي بطاريات، مجرد تلوين وتعلُّم. تتضمن المجموعة: كواكب، ألواح مرسام، أقلام تلوين متوهجة، عيداناً، خيوطاً، مخططاً جدارياً يحتوي على معلومات، و10 مجموعات من الأسئلة الممتعة.
Dig a Dozen Dino Eggs Kit – مجموعة بيض الديناصور
هذه اللعبة رائعة لحفلات الأطفال أو أي عطلات داخل المنزل؛ يمكنك إخفاء 12 بيضة ديناصور ويتقمص الأطفال دور علماء الحفريات ويبحثون عنها.
وعندما يعثر أحدهم على بيضة، يمكنكم إخراج الديناصور من البيضة لاستكشاف تلك الكائنات القديمة، من تيرانوصور إلى دايلوفوصور وأنكيلوصور وغيرهم الكثير.
ثم بإمكان الأطفال مطابقة الديناصور مع البطاقة المناسبة التي تصف تاريخ وخصائص هذا الديناصور.
GIANT MICROBES – خلايا الدم
حتى لو كنت تخاف من منظر الدماء، فسوف تتمكن من التعامل مع خلايا الدم الغامضة في هذه اللعبة. وربما ستعشق البلازما، والصفائح الدموية وكل الخلايا الأخرى التي تجري في شراييننا.
تتضمن هذه المجموعة: خلية دم حمراء، وخلية دم بيضاء، وبلازما، وصفائح دموية وأجساماً مضادة.