Category: تربية وتعليم

  • بقلم/ خالد عزب..علم العمران الخلدوني في رؤية جديدة!

    علم العمران الخلدوني في رؤية جديدة!!

    صدر عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي كتاب «علم العمران الخلدوني وأثر الرؤية الكونية التوحيدية في صياغته: دراسة تحليلية للإنسان والمعرفة عند ابن خلدون»، للباحث الجزائري صالح بن طاهر مشوش. وقد اعتمد الباحث منهجية التزمت اتخاذ معارف الوحي مرجعية عليا في التحليل والتفسير، والتحقق من النتائج المتحصل عليها، ومناقشة بعض التفسيرات الواردة في الدراسات التي اعتنت بابن خلدون، ومن ثم قام الباحث عبر صفحات كتابه بما يلي: تحليل النصوص من وجهة نظر أصولية، ووفق فلسفة العلوم الإسلامية. الاستعانة ببعض العلماء والمدارس التي لها علاقة بعلم العمران لإجراء المقارنات، تفعيل الرؤية الكونية التوحيدية، وتطبيق معايير الوحي في نقد آراء الباحثين وتقويمها.

    ويذهب الدكتور صالح مشوش إلى إن الطبيعة المركبة التي يتميز بها موضوع علم العمران جعلت منه نسقاً معرفياً شاملاً يملك قابلية التموقع داخل نسق أصولية الفكر الإسلامي، وهي الخاصية التي وعاها ابن خلدون تماماً، لذا صرّح منذ البداية أن مسائل علم العمران تتقاسمها علوم أخرى من زوايا متقاربة، أو بما سماه «الجريان العرضي» الذي يمكن أن يفهم منه الجانب الوظيفي للقضايا، وليس مكانتها التي تحتلها في الهرم الفكري والمنطقي للمعرفة ذاتها، فتناوُل الفقهاء لقضية الكسب مثلاً، انصبَّ على استخراجهم الأحكام الشرعية، من وجوب وندب وحلال وحرام، الواقعة على حالات جزئية، بينما في علم العمران يصبح موقع قضية الكسب محوريًّا، لأنه يدخل في تشكيل أنماط الاجتماع من سلوك وتصور، وهي كلها مجالات يهتم بها علم العمران البشري. وتأكيداً على هذا الامتداد، ذكر ابن خلدون فئات من العلماء الذين يشاركونه من زوايا مختلفة في دراسة تلك المسائل على النحو التالي: الحكماء والعلماء في إثبات النبوة والتعاون بين البشر، والملك، والأصوليون في إثبات اللغات، وحاجة الناس إلى العبارة، أما الفقهاء، فكان اشتراكهم في علم العمران في تحليل الأحكام الشرعية بالنظر إلى المقاصد. وفي رأي ابن خلدون كل هذه المباحث تدور في فلك واحد وهو «المحافظة على العمران».

    ومن الأبواب المهمة التي تطرق لها مشوش وظائف العمران وهي الوظيفة الأصولية، أن المهمة العلمية التي حددها ابن خلدون لعلم العمران تتمثل في إنقاذ علم التاريخ من الثغرات المنهجية الناجمة عن الجهل، وعدم استيعاب المؤرخين طبيعة الخبر التاريخي في حقيقته وملابساته، إضافة إلى انتشار ممارسات أخرى مقصودة اتخذها المؤرخون وسيلة لتحقيق أغراضهم الشخصية بنقل أخبار معينة وتمريرها من دون تمحيص ونقد.

    الوظيفة العقدية، وهي الوظيفة التي تسقط كل التأويلات المادية والعلمانية التي كثيراً ما روجت لها المدارس الاستشراقية وأتباعها من الباحثين العرب الذين ألصقوا بها ألواناً من الفكر المادي، كالمادية الجدلية والنفعية والوضعية وغيرها من الفلسفات التي يقارن بها ابن خلدون بآباء هذه الاتجاهات الغربية، وهي التي لا تعبّر إلا عن أصحابها وثقافتهم العلمية والحضارية.

    وثمة عبارات كثيرة تزدحم بها نصوص المقدمة تحمل قيماً وتصورات عقائدية مركبة في جذور المعرفة عند ابن خلدون، تمثل النور الخفي الذي صاحب ابن خلدون في بحثه وتفكيره وكل ما قدمه من تفسيرات حول الإنسان والعمران. كما أنها شكلت الغاية من البيان حيث لم يقصر ابن خلدون في ربط الإنسان والعمران والمعرفة بالوحدانية، وإثبات هذه العلاقة وبيان وظيفتها في العمران البشري والمعرفة الإنسانية، وتعد من بين أهم إنجازات ابن خلدون، وإن كانت هذه النظرة لا تخصه وحده، بل عرفها جل علماء المسلمين الذين يؤمنون إيماناً راسخاً بأن العلم ما هو إلا وسيلة للتقرب إلى الله، بمعرفة أسرار خلائقه، وآياته التي تتجلى في كل مخلوقاته.

    وهناك الوظيفة العمرانية النابعة من أن المعرف والنتائج العلمية التي يقدمها علم العمران ليست مجردة، كالتي يسيطر عليها النسق الفلسفي اليوناني الذي انتقده ابن خلدون في مناسبات عديدة في المقدمة. إن علم العمران الخلدوني علم عملي، يتوجه إلى الواقع الذي يعيشه المسلم ليغيره وفق مبادئ الوحي اليقينية الثابتة.

    وللتأكيد على هذا المقصد، جعل ابن خلدون يوسع من نطاق نظرية الحسبة، حين شمل نقده أصنافاً كثيرة من الناس في المجتمع الإسلامي، مثل الحكام والعلماء والفقهاء. وظهور هذه النظرية في كتابات ابن خلدون يعد دليلاً واضحاً وقوياً على الوظيفة العملية التي يقوم بها علم العمران.

    وذهب مشوش إلى أن علم العمران لم يكن في معزل عن امتداد مبحث الاستخلاف، بل في إطاره حاول ابن خلدون أن يتحرك بمرجعية هذا المفهوم في المجال الحيوي والعملي، الذي يمثل أحوال الناس الفعلية، أفراداً وجماعات، ولهذا كانت أهمية مفهوم الاستخلاف عند ابن خلدون لا تقل عن مفهوم «العمران» الذي سمي به علمه الجديد. إن حضور عقيدة الاستخلاف في علم العمران، وهو الذي مكَّنَ لابن خلدون من تأسيس ذلك المنطق المتعالي المتميز الذي استطاع بواسطته الوصول إلى نتائج أقل ما يقال عنها إنها تعبر بدقة عن وضع المسلم، وظروف حياته السياسية، والاقتصادية، والعلمية في القرن الثامن الهجري.

    ونتيجة للدور الذي يلعبه مفهوم الاستخلاف في الفكر الخلدوني، كان وروده في نصوص «المقدمة» واضحاً، إذ كلما أراد ابن خلدون أن يبين دلالاته، رجع إلى نصوص الوحي، وهي الخطوة الأساسية التي جعلت من علم العمران ككل يبتعد عن الفكر الفلسفي المجرد، الذي يحمل في طياته الغموض، والتعقيد. وقد ظهر مفهوم الاستخلاف في المقدمة بدلالة الإرادة الإلهية في خلق الإنسان في أربع مناسبات، بينما جاءت كلمة «الاعتمار» القريبة في الدلالة من الاستخلاف، في أحد عشر موقعاً، أما مفهوم «الإصلاح» الذي ارتبط بموضوعات مختلفة، منها ما يختص بالنفس والدين والرعية والخلق والبشر ومزاج الدولة والعمال، فكان ظهوره في المقدمة إحدى عشرة مرة كذلك.

    وقد سعى الباحث وفق منهجيات متشابكة ومتداخلة، إلى تحقيق الأهداف الآتية:

    1- معرفة فلسفة المنهج وآلياته التي سلكها ابن خلدون، والتي كانت سبباً في حسن توظيف مصادر الوحي في تفسير ظواهر العمران المختلفة والمتغيرة.

    2- إحياء مفاهيم علم العمران في دراسة الإنسان والمجتمع، وتـفعيـلها في إطار نـظريـة معرفـيـة إسلاميـة تعمل على فهم الواقع العمراني المتغير وفق خصوصيات الأمة الإسلامية.

    3- تأكيد على أهمية الرؤية الكونية التوحيدية والبعد في الفكر العلمي الخلدوني، وضرورة مراعاة معاييرها في دراسة ظواهر العمران البشري واستخراج قوانينه، وترشيد عمليات التغيير والإصلاح اللازمة لتحسين أوضاع الأمة الإسلامية على المستويين الفردي والجماعي.

    4- عرض بعض جوانب من فكر ابن خلدون الإصلاحي والحيوي والذي تبدو الحاجة إليه ماسة وضرورية لعلاج مشكلات عملية تواجه المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر.

    بقلم/ خالد عزب

    المصدر / جريدة الحياة اللندنية

    ٩ فبراير ٢٠١٣

  • الكاتب “إبراهيم الحسينى” ..نص الفائز بالجائزة الأولى لمؤسسة ساويرس الثقافية “جنة وجحيم الحشاشين”

    النص الفائز بالجائزة الأولى لمؤسسة ساويرس الثقافية “جنة وجحيم الحشاشين”!!
    يعد “إبراهيم الحسينى” ، الفائز نصه الذى نتوقف عنده اليوم بالجائزة الأولى فى دورة عام 2012 لمسابقة مؤسسة ساويرس الثقافية ، واحدا من أبرز شباب الكتابة الدرامية للمسرح ، المنشغل كغيره من أبناء جيله بالتعبير السريع عن حركة الواقع الفوارة ، عبر نصوص تكتب مباشرة للعرض المسرحى ، وتتشكل ملامحها عادة أثناء الإعداد للعرض وخلال لقاءه بجمهوره ، غير أنه من قلائل جيله المهتم فى ذات الوقت بإتقان حرفته ككاتب درامى ، يعيد بناء الواقع المعيش فى صياغات جمالية ، تعبر عن اللحظة الساخنة ، لكنها تمتلك فى ذات الوقت القدرة على الخلود ، وبالتالى إمكانية تجاوزها للحظة إبداعها الزمنية ، لمخاطبة أزمنة أخرى قادمة .
    كما أن “الحسينى” مولع بقراءة التاريخ ، وإعادة قراءة الشخصيات التاريخية من منظور الواقع الراهن ، واعيا بأن الدراما في تصديها لأفعال الشخصيات في الماضي ، وإعادة صياغتها جماليا ، تعمل على تحضير التاريخ أمام متلقي اليوم ، فلا تتعامل مع الشخصيات التاريخية كأقنعة لشخصيات معاصرة ، يتخفى خلفها المبدع ليدلى برأيه في أحداث الواقع ، فالتخفي هنا هو نوع من المراوغة الفكرية قد يضطر إليها الفنان فى أزمنة البطش بالفكر ، أو لمجرد أن يُسقط المتلقي المعاصر همومه على صفحتها ، فهو نوع من المراوغة الفنية ، التي يجهد المتلقي نفسه وهو يعادل بين هذه الشخصية وتلك ، فيتم معها إفساد العمل الفني بأكمله 0
    الأصدقاء الثلاثة
    وهذا ما لا يفعله "الحسينى" ، خاصة فى نصه الفائز والمعنون ب (الحشاشين) أو (جنة الحشاشين) ، والمكتوب من عدة سنوات ، حيث يبحر نحو الماضى ، ليلتقط موقفا شديد الدلالة ، تشير بعض المراجع التاريخية له ، وأن أثيرت حول حقيقته الكثير من الشكوك ، حيث يلتقى ثلاثة من عصر واحد وتحت حكم الدولة السلجوقية فى أيام صباهم ، وهم "عمر الخيام" و"نظام الملك" و"الحسن الصباح" ، جاءوا للدنيا جميعا فى بدايات القرن الخامس الهجرى ، أواخر الحادي عشر الميلادى ، ورغم أن الوقائع التاريخية تقول بأن "نظام الملك" قد سبق زميليه للدنيا بنحو عشرين عاما ، غير أن "الحسينى" فضل الارتكاز على واقعة اللقاء بينهم فى مرحلة الصبا بمدينة نيسابور ، وأدار حدثه الدرامى على فكرة التفرق بينهم ثم اللقاء بعد نحو ثلاثين عاما فى مدينة أصفهان عاصمة الدولى السلجوقية ، وقد حقق كل منهم حلمه المتشابك مع حركة الواقع ومتغيراته ، فيصبح "الخيام" شاعرا فيلسوفا وعالما ذائع الصيت ، ويضحى "نظام الملك" وزير الدولة القوى فى عهد السلطان "ملك شاه" ، ويمسى "الصباح" أحد قادة الطائفة الإسماعيلية النزارية ، وأبرز مؤسسيها ، والتى عرفت تاريخيا باسم جماعة (الحشاشين) ، يهيمن بفكره على أتباعه ، ويحركهم ضد من يخالفه الرأى كما يشاء 0
    عبر مجموعة من اللوحات المتلاحقة ، والتى تحمل أحرف الأبجدية العربية الثماني والعشرين ، فضلا عن عناوين دالة كعناوين الفصول الروائية التى لا تمنح نفسها إلا لقارئ النص المطبوع ، تتحرك وقائع النص بداية بلوحة تحمل حرف الألف ، مقدمة صورة مرئية لسوق أصفهان حيث الخواء والأجولة الفارغة وأقدام ترتدى أحذية بأعناق طويلة ونعيق غربان وخنجر طائر يستقر بالحائط الذى ينام أسفله رجل عجوز ، أنها الافتتاحية القاتمة لمجتمع سوف يبدأ الحياة مع شعاع الشمس ، وتنتهي المسرحية بلوحة تحمل حرف الياء دون كلمات ، يدرك معها القارئ للنص أن المجتمع الذى تخلص فى النهاية من قلعة الموت والتطرف ، لم يتخلص بعد من صناع هذه القلعة وأفكارها ، وهو ما قد يثور بذهن المشاهد لعرض هذا النص وهو يخرج من المسرح مدركا أن المسرح لا يحل مشاكل الواقع بنهايات سعيدة مخدرة للعقول ، وإنما يثير هذه العقول لكى تتحرك لتحل مشاكلها بأيديها
    يبنى “الحسينى” نصه فى بنية درامية مسرحية تستفيد كثيرا من بنية الدراما السينمائية ، بتداخل دقيق للأنواع الفنية داخل بوتقة المسرح ، وهو أمر متكرر فى أكثر من نص له ، (مثل نصه الذى يقدم هذا الأسبوع بمسرح الغد بعنوان زنزانة لكل مواطن) ، حيث الانتقالات المكانية والزمنية سريعة ، والمواقف تصارع الحوار فى تقديم شخصيات العمل ، والكشف عن مضمون النص ، والاستعمال للموسيقى والأغانى ارتفاعا وانخفاضا للتنقل بين حوارات المجموعات المنفصلة بأحاسيسها وأفكارها داخل المشهد الواحد ، والتوظيف الذكى للإضاءة باستخدام أسلوبى (الزوم) والمزج للانتقال من مشهد لآخر ، حيث ينتقل من مشهد قتل رجلين من جماعة الحشاشين لإمام جامع أصفهان لرفضه الانصياع لأفكار الجماعة ، بتركيز بؤرة إضاءة (زوم أن) على خنجر وعمامة القاتل فى نهاية المشهد ، مازجا به المشهد التالى فى قصر السلطان بتوسيع بؤرة الإضاءة (زوم أوت) لنرى الخنجر والعمامة بيد الوزير “نظام الملك” بعد القبض على القاتل ، كما يستخدم الفلاش باك بصورة مكثفة للغاية ، مع استخدام شريط الصوت الذى يستدعى فى الذاكرة المتعبة أصوات الماضى فى نهاية مشهد يثار فيه الوزير “نظام الملك” من هيام جاريته “سارة” برجل يدعى “عمر الخيام” فتجاهد ذاكرته فى استدعائه من لاوعيه ، فيتصاعد فى فضاء المسرح صوت لثلاثة من الصبية وهم يرددون الالفابائية دون أن نراهم ، فيتذكره ، وفى المشهد التالى يعاود صوت الصبية فى الظهور كمسمع حوارى ، بينما نرى على المسرح دخول مادى للأصدقاء الثلاثة وهم كبارا ، مع استمرار المسمع الحوارى بينهم وهم أطفالا ، والمشهد كله يبدو أقرب للحلم أو اللقاء المتخيل بين الأصدقاء الثلاثة ، كما يبدو مشهدا سابقا أمام سور المدينة ، يدخل فيه “الصباح” بصورة خيالية على الجنود وهم ينفذون حكم الإعدام فى قاتل إمام مسجد أصفهان ، ويستأذن قائد الحرس بأن يكون له شرف قتل أحد أعداء السلطان ، رغم أنه من أتباعه 0
    لحظة تاريخية فاصلة
    ليس مهما فى هذا النص أن يكون الأصدقاء الثلاثة قد التقوا تاريخيا وهم صبية معا وتعارفوا ، أو حتى كانوا أصدقاء ، فللدراما منطقها الخاص ، وحضور التاريخ بفضاء المسرح فى الزمن الراهن ، لا يتطلب الالتزام المدرسى إلا بالوقائع الأساسية التى لا يمكن تغييرها ، ومن قبل تخيل “بيتر فايس” لقاء لم يحدث بين الزعيم الثورى “جان بول مارا” والماركيز “دى صاد” فى مسرحيتة الشهيرة ، ومن بعده تخيل الكاتب التونسى “إبراهيم بن عمر” فى مسرحيته (طواسين) التى قدمت فى مهرجان بغداد الأخير ، تخيل أن العالم أجتاحه طوفان مجهول ، ولم يبق على اليابسة ، وبداخل أحد الكهوف غير أربعة رجال هم “الحسين بن منصور الحلاج” و”شهاب الدين السهروردى” و”محيي الدين ابن عربى” “حامد بن قرمط” قادمين من القرون الرابع والخامس والسادس الهجريين 0 و”الحسينى” اقتنص فكرة لقاء الطفولة ، ليؤكد على أن إرادة الفرد تكمن فى حلمه صغيرا ، وتنمو بقدراته لتصل به إلى ما يود أن يكونه ، ولذا حلم الثلاثة بما يريدون أن يكونوا عليه ، ووصل كل واحد منهم لما حلم به ، وصاروا فى نفس الوقت أبرز قوى المجتمع الإسلامى فى الزمن القديم : قوة الحكم المتدثر بعباءة العدل والمحتوى لكل الأطياف والأعراق ، وقوة الثقافة المنفتحة على كل الأفكار والرؤى والجامعة العلم والشعر فى أرقى صورهما ، وقوة التطرف المتخفية فى أردية دينية لاغتيال كل مخالف لها ، واستدعاهم النص الدرامى ليطرح من خلالهم هموم اللحظة الراهنة ، وليناقش المتلقى عبر حركتهم داخل مجتمع النص ، وما قد يعرفهم عنهم فى التاريخ ، قضايا مجتمع التلقى الذى تشغله وتدور حول أدوار السلطة السياسية والثقافية والمعارضة فى المجتمع المضطرب والعالم الصاخب والأعداء المتربصون 0
    يلتقى الأصدقاء الثلاثة فى لحظة تاريخية يوحى بها النص ، عقب وفاة السلطان “ألب أرسلان” (تقريبا عام 1072) ، والتوترات تسرى فى أوصال المجتمع الإسلامى الكبير ، والتربصات العدائية تحيط به ، فشقيق الملك المتوفى “سليمان” ينازع ابنه “ملك شاه” الحكم ، وإمبراطور الروم “أرمانوس” الذى هزمه “أرسلان” ، يسعى للانتقام والحصول على القدس ، ممهدا لما للحروب الأوربية الكاثوليكية المعروفة بالحروب الصليبية على الشرق العربى الإسلامى 0 يلتقى الأصدقاء الثلاثة بقصر السلطان “ملك شاه” عقب وفاة السلطان “ألب أرسلان” عام 1072 ، بعد أن تفرقوا فى الحياة لثلاثة عقود ، وتبدأ رحلتهم فى الحياة بالتشابك المأسوى ، حيث يعين “الصباح” أمينا للقصر ، فيبدأ فى بذر بذور الفتنة داخله ، بين السلطان ووزيره الأول ، ويموت غيلة الأمير “أياس” شقيق “ملك شاه” بغرفته وتحت حراسة الجميع ، ويستدرج صديقيه إلى قصره المنيع (الموت) ، كاشفا عن حقد دفين بأعماقه قاده للبحث عنهما والعمل على إذلالهما ، انتقاما من ضحكهما عليه يوم خالف رأى أستاذه صغيرا ، فقام أستاذه بطرده وتجريسه ، وهو اليوم بحاجة لهما ، لكى يجمع سلطة المحارب وسلطة الحكمة لدى صديقيه إلى سلطة القوة والهيمنة القائمة على السمع والطاعة ، وتفضيل الأخرى على الدنيا 0 بينما يصرا هما ، ومعهما سلطان البلد على التخلص من “الحسن الصباح وجماعته ، حتى ينجحوا جميعا فى القضاء على قلعة الموت والطاعة العمياء ، غير أن الكاتب أصر كما أشرنا سابقا على أن يكون الانتصار على إحدى بؤر التطرف المعلنة فقط ، بينما تظل بقية البؤر الداخلية والخارجية قائمة ، ويظل “الصباح” يرتع بفكره الفاسد فى أرجاء الإمبراطورية الشاسعة وخارجها أيضا 0
    نص جميل ورائع ، مكتوب بلغة راقية دون تقعر ، ومصاغ فى بنية درامية محكمة ، وأن تطلبت مخرجا موهوبا وواعيا ، وإنتاجا يخرج هذا النص فى عرض ممتع ومفيد ومثير للوعى الصحيح 0
    بقلم/ د. حسن عطية
    المصدر/ جريدة مسرحنا
    2013/2/26
  • المعلم إدوار مانيه و «اختراع» الحداثة التشكيلية..- مشاركة: أسعد عرابي.

    إدوار مانيه و «اختراع» الحداثة التشكيلية!!
    أسعد عرابي
    ليست هذه المرة الأولى التي تكتشف فيها الأهمية الريادية للمعلم إدوارد مانيه من خلال تبشيره قبل نهاية القرن التاسع عشر، «بالانطباعية». شهدنا قبل فترة معرضاً باريسياً بانورامياً (متحف أورسي) يكشف صراحة هذا التحول النقدي والاعتراف المطلق، وذلك من خلال عنوان له مغزى: «مانيه مخترع الحداثة». يترسّخ هذا الاعتراف حاسماً للمرة الثانية، ولكن هذه المرة في لندن وفي معرض الأكاديمية الملكية للفنون من جديد: معرض بالغ العناية والتوثيق والاختصاص. هو معرض «مانيه وفن البورتريه» (الوجوه والوضعيات النصفية). تبدو استراتيجية المعرض مكملة للأول لأن عنصر الحداثة هنا يقع في علاقة الوجوه بالأرضية التي تحتشد فيها عناصر الحياة المعاصرة في عاصمة النور (منذ نهاية القرن التاسع عشر). بل إن المعرض يبدو رمزياً وكأنه ثمرة التحول الجديد للتعويض عن سوء فهم رؤيوية مانيه الحداثية، وتبشيرات لوحاته بقيم عصر جديد من التصوير.
    كنا تعرضنا في المرة السابقة إلى حشود معارض الانطباعيين على مستوى تظاهرات أوروبا وأميركا والعالم، وتعميق البحث في كل من روادها، حتى أصبح لكل فنان انطباعي ناقد مختص ومكتبة طباعية ملونة، وعلى رأس هؤلاء إدوار مانيه. هو الذي درس التصوير الإسباني خلال سنوات إقامته هناك، وحمل معه توليفاً جديداً يحمل بصمات وتراث معلمين إسبان كبار بمستوى فيلاسكس وفرانز هالز. وفي المقابل حمل منافسه كلود مونيه تأثيرات الفنان الإنكليزي تورنير لدرجة أن بعضهم يرى أن لهذا الأخير الفضل الأساس في رسم ملامح رؤيوية الانطباعية. إن مثل هذه التحولات على مستوى الرأي والتقويم تثبت (مع الوحدة الأوروبية) تراجع أسطوانة الانتماء المطلق للانطباعية إلى العصبية التشكيلية الباريسية. تبدو هنا فائدة المعارض البحثية الأوروبية التي تغوص في أصول هذه الحركة خارج احتكارية أو «مونوبولية» باريس.
    دعونا نتعقّب هذا التمحيص المتأمل ابتداءً من فارق تاريخ السيرة الفنية لمانيه مع مونيه منافسه على رأس المجموعة الانطباعية. يبدو مانيه أسبق عمراً من مونيه فقد ولد عام 1832 في باريس في حين ولد مونيه في جفرني عام 1840. توفي مانيه باكراً عام 1883 وتوفي مونيه معمراً عام 1926. نلاحظ أن أبرز أعمال مانيه تسبق نهاية القرن التاسع عشر في حين أهم أعمال مونيه ظهرت مع بداية القرن العشرين فمرحلة مناظر زهور النيفار في محترفه العامر بالبحيرات وهي الأهم توالدت ما بين 1900 و1926. وكانت لوحة مونيه «انطباع انعكاس الشمس» المبكرة هي التي أعطت الاسم الساخر للانطباعية من نقاد فترة الصالون الذي عرضت، فيه ما قاد عام 1874 لإقامة المعرض الانطباعي الأول في محترف نادار. هو الذي رفض مانيه المشاركة فيه لأنه كان أكبر عمراً من شبابه، على رغم علاقته الحميمة مع مونيه وديغا ورنوار وبخاصة موريزوت الفنانة الانطباعية الوحيدة التي ارتبط اسمها وأسلوبها بمانيه. كانت لوحة مانيه «الغداء على العشب» رفضت من الصالون الرسمي (هي المنجزة عام 1863 تلتها لوحة أولمبيا عام 1866).
    تألق مانيه محاطاً بأدباء ومفكري وفناني تلك الفترة المؤمنين بفنه، هو ما يفسّر دفاع الكاتب إميل زولا عنه في نص نقدي بليغ، اعتمده المعرض كأساس في تشخيص جوانب الحداثة لديه يقول عام 1867:
    «إن جرأة الموضوع بالنسبة إلى لوحة مانيه لا تعنيه، لأن الموضوع (الذي لا يرى الجمهور العريض اللوحة إلا من خلاله) ما هو إلا ذريعة للرسم والتصوير وفوران المادة الصباغية، فالنموذج العاري في اللوحة يمنح مانيه فرصة استحضار المعلمين الكبار ومتعة تصويرهم الجلد واللحم، أما الأفضلية هنا فهي للعلاقة الخلاقة الحداثية بين ألوان السطوح الأمامية وعلاقاتها مع الخلفيات، والتناقض الرهيف بين كتلة اللحم الكتيم المكوّر بالظل والنور والفضاءات المطوقة بألوان الخفة وفردوس الخضرة والغيم والسماء وغيرها».
    تقع في هذه الملاحظة الاستطرادية قوة أصالة تصوير مانيه التي فاتت النقاد، بل ووضعتهم في موقع الخصومة مع لوحاته وأفكاره، هو الذي صرّح ذات مرة بنزق: «من الذي يدعي أن الرسم يقتصر على تحديد الشكل في حين أن الفن برمته ما هو إلا تحويل الحياة المعيشة إلى رسم؟».
    تبدو وجوه المعرض وكأنّها تنقيبٌ دائم عن حقيقتها الإنسانيّة، لذا تبدو وكأنها اقتناص سريع لروح النموذج، قُسم المعرض إلى أربعة أقسام، يمثل الأول وجه زوجته (هي سوزان عازفة البيانو التي اقترن بها، وظلت نموذجه التصويري الأول)، هو القسم العائلي الحميم، أما الثاني فيرتبط بأصدقائه الفنانين بخاصة الرسامة الانطباعية موريزوت (زوجة أخيه)، ويرتبط كذلك بكلود مونيه.
    اختص القسم الثالث بالأدباء من معارفه من مثال بورتريه استيفان مالارميه الشاعر، ومجموعة وجوه إميل زولا وسواها. أما القسم الرابع فيتمثل بتصوير الشخصيات العامة المعروفة مثل كليمنصو ورشفور. يستمر المعرض حتى منتصف نيسان (أبريل) ويستحق السفر لجماله.
    المصدر / جريدة الحياة اللندنية
    بتاريخ/ الثلاثاء ٢٦ مارس ٢٠١٣
  • يوم قدم مسرح تافوكت العرض الرسمي للمسرحية الأمازيغية – أوسان صميدنين – بمعنى – الأيام الباردة .

    “أوسان صميدنين” أو الأيام الباردة جديدة بالدار البيضاء!!

    يقدم مسرح تافوكت العرض الرسمي للمسرحية الأمازيغية – أوسان صميدنين – بمعنى – الأيام الباردة – من تأليف الأستاذ الصافي مومن علي و عمل على إقتباسها الفنان محمد بن سعود بينما تعود الدراماتورجيا و الإخراج إلى الفنان خالد بويشو. و ذلك يوم الخميس 11 أبريل 2013 على الساعة 7 و النصف مساء بالمركب الثقافي مولاي رشيد بمدينة الدار البيضاء.
      هذا و تجدر الإشارة أن العرض سيتم بحضور لجنة دعم إنتاج و ترويج الأعمال المسرحية التابعة لوزارة الثقافة برسم موسم 2012 / 2013 لأجل معاينة العرض و المرشح للإستفادة من دعم الوزارة هذا الموسم ، كما عملت الفرقة على تقديم العرض التجريبي للمسرحية إحتفاء باليوم العالمي للمسرح على الساعة 06 مساء بالمركب التربوي الحسن الثاني للشباب يوم الخميس 28 مارس 2013

      عن  مسرحية أوسان صميدنين / الأيام الباردة، كتب الأستاذ الصافي مومن علي 

    لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الكبير الذي تلعبه الشمس في حياة الإنسان…
    و لكن إذا ما إلتفت المرء حــواليه فسيكتشف لا محالة
    أن شمســا أو – شموسا – أخرى تملأ أيامه إشراقـا…
    و تمــده بالدفء و النور بسخـــــاء.. و في صمــت..
    و التي لولاها لأصبحت أيامه باردة و مظلمة..
    ويقول المخرج : خالد بويشو *
      إن جوهر البناء الدرامي في مسرحية ـ أوسان صميدنين ـ عبارة عن تساؤل قديم يتجدد بين الفينة و الأخرى و هو * من نكون ؟ و من نحن ؟
      إن الشمس تمثل الإنسانية عموما و الأمازيغية بشكل خاص بكل حمولتها التاريخية  و في البدء تبدو ساطعة إلا أنها مهمشة مع حفاظها على جوهرها. معية اختفائها  عن أبنائها و تركهم في الظلام . و السؤال هل هي من اختارت الغياب أم هم الذين غيبوها ؟
      إلا أن ما خشيت منه وقعــت فيه حين قرر البعض تقديم القرابين و البعض الآخر الرحيل للبحث عنها لدى الآخرين في حين أن جوهر دعوتها هو العمل على تصحيح الأوضاع بالدعوة إلى الوعــي بالذات أولا و أخيرا. و إعادة الاعتبار إليها لغة و ثقافة في كل مناحي الحياة بوطنها الأصل / الإنبعاث.
      المسرحية من تشخيص نجوم الدراما الأمازيغية :
    سناء بحاج – عبد الله التاجر – أبــو علي عبد العاليإدريس تامونتفاطمة أروهانمحمد الهوز – محمد بنسعـود 
      و يتكون الطاقم الفني و التقني للمسرحية من الفنانين :
    سينوغرافيا و ديكور * حسناء كوردان – عكاش كرم الهوس
    كلمات و ألحان * التاجر عبد الله
    الأكسسوارات * عبد اللطيف حسيني
    الملابــــــــس * رجاء بويشو
    تقنية الإضاءة و الصـوت * سهام فاطن
    المحافظـة العامة * عبد العزيز نسيب المسناوي
    الماكياج * فاطمة الزهراء أروهان

    رسومات الفنان الراحل ميلود عفيفي.
     
    المصدر مسرح دوت كوم ـ أول أبريل ـ 2013
  • يوم صدر العدد 65 من مجلة “طنجة الأدبية” والذي يضم بين دفتيه كالعادة مواد أدبية وثقافية..

    العدد 65 من مجلة “طنجة الأدبية” في الأكشاك
    صدر العدد 65 من مجلة “طنجة الأدبية” والذي يضم بين دفتيه كالعادة مواد أدبية وثقافية. إذ نجد به في صفحات “حوار العدد” حوارا مع الباحث خالد التوزاني أجراه معه المبارك الغروسي، وآخر مع المفكر والروائي الفرنسي باسكال بروكنر أجراه معه في باريس حميد زناز، وثالث في فقرة “ترجمة” مع بوب ديلان الذي حاوره سيرج كاجنسكي وترجم الحوار د.طارق غرماوي.
    وفي صفحات “مقالة” نقرأ مقالات : “دور التقويم التشخيصي في تطوير التعلم لدى المتعلمين لياسين عطار، “جدل الأدب بين الآلة الرقمية وإبداع الإنسان” لمصطفى هطي، “لماذا كتبت قصص “حبر على الهامش” لمبارك حسني، إضافة إلى دراسة عنونها صاحبها العربي الرودالي ب(” تجربة سرد ومشروع” سيرة ذات ذات قص..في تجربة إسماعيل البويحياوي).
    وفي صفحات إبداع نجد أشعارا وقصصا ونصوصا سردية ، من بينها القصص القصيرة “قارورة العطر” للقاصة التونسية سهام حمودة، “نجمة الحفل” للقاص رمشان إبراهيم بشير،”قصة خلق موكادور، مالم يذكره صاحب بدائع الزهور في وقائع الدهور” للقاص حسن الرموتي، “نزوح مدينة بلا روح” للقاص عبد الرحمان إكدير، “الانحدار من البداية” للقاص زكرياء أزنود، “أبله الحانة” لمحمد مفتوح وأشعار ” سيل الحب” لمريم كرودي، “ما أحيلاها سناء وقمرا” لعمر البقالي، “بلاد لاتضيق” لكمال كوكب و”لاوقت للأجزان” للشاعر المصري عماد القضاوي.
    الإضافة لهذه المواد تظل الأركان والزوايا الثابتة بالمجلة حاضرة، وفيها يكتب الدكتور عبد الكريم برشيد في عموده “أنا الموقع أعلاه” مقالا عنونه ب “المقام الوجودي في الاحتفال والاحتفالية” ، والدكتور نجيب العوفي في عموده “عوالم أدبية” عن”محمد الخمار الكنوني جمرة شعرية تحت رماد هسبريس”، و يونس إمغران في عموده “أوراق ممنوعة” عن “الإرهاب الذي ولد في فرنسا” ، فيما كتب أحمد القصوار عموده “بيت الحكمة” عن “الحروب السرية بين المثقفين” ، أما الدكتور فوزي عبد الغني فعنون عموده “فضاءات” لهذا العدد ب”الصناعة الرائية” فيما يستمر الدكتور أبو بكر العزاوي في الكتابة عن موضوعه الأثير “الاستدلال والحجاج في القرآن”.

     طنجة الأدبية (2018-02-02)

  • بقلم /ا.د شريف بهادر..كيفية ارتباط الرقص المصرى القديم بالمسرح و الدراما ..

    ارتباط الرقص المصرى القديم بالمسرح و الدراما

    الرجوع إلى قائمة المقالات

    أننا نملك دليلاَ مؤيداَ يرجع الى أوائل الألف الثانية قبل الميلاد, وهو لوحة كشف عنها فى إدفو لسنة 1922 خلال الحفائر التى قام بها المعهد الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة. وعلى هذه اللوحة منقوش إهداء إلى الإله حور من شخص يدعى “إمحب” وكان تابعا لممثل متجول وبعد سرد الدعوات المألوفة التى يتكفل بها غذاءه فى الدار الآخرة, نجد ممثل الميم (محاكاة إيمائية لحالات مجردة اشتقت هذه الكلمة من كلمة meme sis اليونانية ومعناها المحاكاة وتشير فى الأصل إلى مجموعات متجولة من الممثلين والمهرجين والبهلوانات الذين يعرضون فنونهم فى أماكن تجمع الجماهير فى الأسواق والميادين وفى أيام الأعياد وكان بعضهم موهوبا فى فن المحاكاة الإيماء وقد اتجهت تمثيلية الــmime فى العصر الحالى وخاصة فى فرنسا إلى الأداء الصامت على أيدى أعلام مثل جان لوى بادو ومارسيل مارسو.

    لقد قادتنا الشواهد والآدلة إلى أن مصر شهدت نوعين من الدراما هما : الحفلات الطقسية, والدراما الدينية وكانت الحفلات الطقسية  يقيمها الكهنة فى المعابد فقد انشأ الكهنة فى مصر القديمة مدارس لتعليم الرقص تابعة للمعابد- كما أن الرقص عند قدماء المصريين كان يوظف دراميا وذلك ما يمكن استنتاجه من استخدامه فى المسرحيات السرية حول البحيرة المقدسة فى قدس الأقداس بالمعابد ماسبقت به مصر بقيه دول العالم فى هذا المجال وكان ملامح الدراما فى المعابد ليس لها ملامح درامية إلا طريقة الاداء, وما بعد هذا فإيماءات وحركات شعائرية تصاحب المشاهد المسرحية فى تسلسلها وأقوال تضفى على هذه الطقوس ثوبا اسطوريا تصلح به لأن تكون دراما فكرية لا تقع العين فيها إلا على رموز ومثال ذلك حفل تتويج الملك يحمل إليه ساقية الخاص وهو بين حاشيته, وجبة قليله (وجبه خفيفة تقدم للملك) خلال الحفلات الطويلة يغالب بها جوعة إلى موعد تناول الطعام ويقدمها له ويقول إننى أقدم لك عينك ربها راضياَ فيقول رجال الحاشية راجين “ضعها فى وجهك”

    -أما المسرحية الدينية, فكانت شيئا آخر, فقد كانت مسرحية حقا بمدلولها الذى نعرفه اليوم, تحاكى فيها المحاكاة كلها أحداث الماضى بصورها, كما يعتمد فيها الأشخاص وحركات الرقص والحوار, وليس ثمه رموز يقصد بها إثارة إيحاءات معينة لهذا كانت عرضا مسرحيا لا عرضا طقسيا.

    – وإنا نجد الكثير من الشواهد التى تتصل بمكان العروض المسرحية عند قدماء المصريين تشير إلى أن مكانها كان المعبد حيث كان الرقص أيضا فى المعابد ولقد عاش المسرح المصرى مرتبطا بالدين الذى كان مرتبطا بالرقص وملازما له ملازمة الظل لصاحبه.

    أن دراما الرقص كانت أقدر الاتصالات الجادة بين الناس سابقة الكلمات, والموسيقى وجميع الفنون الأخرى لأنها تؤكد أن حركة الرقص ارتبطت بالشعور الدرامى كأسس فى حضارتنا, وأن ينابيعها قديمة قدم الإنسان توجد فى العاطفة والإيقاع والتوصيل واذا نسى الراقصون أو الدراميون هذه الحقيقة فإنهم يخسرون كثيرا وفن الرقص هو أقدم هذه الوسائل وأكثرها مخاطبة مباشرة للشعور الدرامى وهو الوريث الخاص لتجارب الجسم والوعاء الذى يحتوى على حركة قام بها الانسان منذ خلقه.

       ثم انقضت العصور الطويلة وأصبح الرقص البسيط للأنسان المتوحش طقسا معقدا, يرتبط بكل فكرة,وبكل حس فى حياة الجماعة.

       وحوالى سنة(4000 قبل الميلاد) كانت تمثيليات راقصة كثيرة فى مصر وغيرها من بلاد العالم القديم, تستغرق أياما فى أدائها وكانت تفوق فى طولها وحماستها أى شئ مثلها مما تلاها وفى كل جزء من أجزاء العالم حل به الناس كانوا يتصلون بآلهتهم عن طريق الرقص, وكانوا يرون فى قصص جنسهم كل منها للآخر بالرقص والموسيقى والشعر .

       ويبدو أن الإنسان بلغ ذروة هذا التطور فى التراجيديات القديمة التى كانت تشمل مجموعات من المغنين والمرددين

     (chorus ) والراقصين.بقلم /ا.د شريف بهادر المصدر/ تاريخ الموسيقى و الغناء و الرقص

  • ” مشروع تشجيع الإدماج والدفاع عن حقوق العمال في وضعية إعاقة بالمغرب” شعار الاجتماع الاستراتيجي الأول من تنظيم مركز التضامن بشراكة مع المنتدى العربي للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة و الكونفدرالية الديموقراطية للشغل

    يونس العلوي / الرباط

    انعقدت  بمدينة الرباط خلال يومي 24/25 فبراير 2020 المحطة الثانية لاشغال الاجتماع الاستراتيجي الأول تحت شعار  ” مشروع  تشجيع الإدماج والدفاع عن حقوق العمال في وضعية إعاقة بالمغرب ” المنظم من طرف مركز التضامن بشراكة مع المنتدى العربي للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة و الكونفدرالية الديموقراطية للشغل

    اللقاء  يهدف بناء على تصريح دان كورك مدير برنامج مركز التضامن بشمال أفريقيا  إلى تعزيز قدرة النقابات  العمالية في المغرب خاصة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والإتحاد المغربي للشغل لتصبح منصة للدعوة لتحسين تطبيق التشريعات الدولية والوطنية للطبقة العمالية ذات الإعاقة والدفاع عن حقوقهم لتسهيل ولوجهم لاماكن الشغل وضمان أمانها مؤكدا في كلمته على ضرورة بناء الجسور بين النقابات ومؤسسات المجتمع المدني وذوي الإعاقة لتطوير استراتيجيات للتغلب على مجموعة من العراقيل التي تواجه شريحة العمال ذوي الإعاقة من أجل تحقيق عدالة اجتماعية.

    من جهتها أكدت الأستاذة سعيد واعيد عضوة المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، أن دور هذه الأخيرة كان و ما زال ممتدا في كل النسيج الاجتماعي و السياسي، و ضمن كافة الحركات حتى أصبح جزءا عضويا من الهوية، و ما تحقق من مكاسب مسّت أبسط العمال في معامل صغرى أو وحدات إنتاجية، إلى القطاع العام، إلى الحياة اليومية، هو أيضا جزء من النضال من أجل الحرية و الكرامة و القيم. واستمرار  النضال من أجل إقرار الحرية للجميع، و في كل المستويات، و تحقيق الديمقراطية، وصولا إلى مجتمع حر و متحرر و ديمقراطي تسوده العدالة و الاطمئنان.ويعتبر ملف الإعاقة من اهتمامات ك-د-ش .

    وكان الخبير المغربي أحمد برقية أمين عام المنتدى العربي للدفاع عن الأشخاص ذوي الإعاقة، قد أكد في عرضه على أهمية مشروع تعزيز دور النقابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتكون أكثر شمولاً وتمثيلا للعمال ذوي الإعاقة ، من أجل تحسين احترام حقوقهم والحصول على عمل لائق ،مؤكدا على أن السياق العام لهذا المشروع يدخل في لإطار تتويج لمسار من الاهتمام المشترك والتعاون بين مركز التضامن والمنتدى العربي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمركزيات النقابية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والإتحاد المغربي للشغل بشأن موضوع تحسين احترام حقوق العمال وحصولهم على عمل لائق ، ثم  نتائج وتوصيات الدراسة التي أنجزت حول الأجراء والموظفين ذوي الإعاقة بتعاون بين مركز التضامن والمنتدى العربي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمركزيات النقابية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والإتحاد المغربي للشغل .

    كما  استعراض الأستاذ أحمد برقية نتائج وتوصيات الدراسة الميدانية حول وضعية الشغيلة من ذوي الإعاقة في المغرب التي انجزت سنة 2017 والتي حثت على :

    – ضرورة العمل على تغيير المواقف السائدة حول الإعاقة والأشخاص في وضعية إعاقة في المجتمع المغربي والتي تحول في جزء كبير منها دون ولوج هؤلاء الأشخاص إلى الحق في الشغل وعدد من الحقوق الأخرى المرتبطة به مثل التطبيب والأدوات التعويضية والتغطية الصحية.

    – العمل على توعية الشغيلة في وضعية إعاقة بما تتضمنه المواثيق الدولية والاتفاقيات الملزمة وعدد من القوانين  الوطنية الجاري بها العمل من حقوق وتسهيلات وضمانات وتيسييرات مقبولة وحقها في الانتماء النقابي.

    – تفعيل جهاز الرقابة والتفتيش المنصوص عليه قانونيا لتوفير الحماية الضرورية  والتسهيلات اللازمة والمنصوص عليها بشكل صريح في مدونة الشغل وخاصة ما يتعلق بظروف العمل المادية والمعنوية لتحقيق اندماج فعلي ومنتج للأجير أو  الموظف في وضعية إعاقة.

    – تضمين الملف المطلبي النقابي لبعد الإعاقة بما يراعي شروط وظروف عمل الأجير أو الموظف في وضعية إعاقة وتحسينها على كل المستويات.

    – الدفاع عن مبدأ المساواة في الأجر والتكوين والتكوين المستمر والترقية بين جميع الأجراء والموظفين سواء كانوا في وضعية إعاقة أو لم يكونوا تجنبا لأي إقصاء أو تهميش.

    – تحفيز الجمعيات العاملة في مجال الاعاقة  على إعطاء أهمية خاصة إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومنها الحق في الشغل، مع التركيز بشكل خاص على وضعية الأجيرة أو الموظفة في وضعية إعاقة اعتبارا لما لذلك من أهمية خاصة.

    فيما حددت أهم الخلاصات التي توصلت إليها الدراسة ذات الصلة تحديدا بالمشروع :

    – 351 فردا بنسبة 58,4% يربطهم عقد غير محدد في حين ما يقارب خمس العينة (19,3%) يشتغل بدون عقد .

    – 337 فردا مبحوثا (بنسبة تفوق قليلا 56% يتقاضون أجرا يتجاوز الحد الأدنى القانوني. أما من يتقاضون أقل منه أو رفضوا الإجابة على السؤال فيمثلون قرابة خمس العينة بمجموع 120 فردا (بنسبة 19,9%) .

    – 197 فردا (بنسبة 32,8%) صرحوا بأنهم يتعرضون للعنف داخل فضاء العمل:. (25,8%) عنف معنوي  من مجموع العينة أما باقي أنواع العنف فقد توزعت بين ما هو اقتصادي بنسبة 25%، 12% عنف جسدي  6% عنف جنسي.

    – أكثر من نصف العينة بنسبة 50%، يصرحون بعدم الاستفادة من التكوين والتكوين المستمر .

    – 58,6% من أفراد العينة المبحوثة عبروا عن استفادتهم من الترقية مقابل 41,4% لا يستفيدون أو لم يستفيدوا مطلقا من هذا الحق.

    – يعلن 500 فرد أي 83,2% انهم يستفيدون من التغطية الاجتماعية.

    – 442 مستجوب (بنسبة 73,5%) يؤكدون عدم وجود أي مكان مخصص لتوقف سيارة خاصة لشخص في وضعية إعاقة.

    – أما بخصوص وسائل العمل فإن نصف العينة يصرح بأن هذه الوسائل إما متوفر جزئيا 41.8% أو منعدمة تماما 9%.

    –  تراوحت نسبة التقييم لمدى احترام المعايير والمواصفات المطلوبة في تهيئ فضاء العمل بين 27% من المبحوثين  عبروا عن نسبة رضا من 41% 60%   ،و 19% من أفراد العينة عبروا عن نسبة رضا من61% إلى 80% .

    – 36,4% عبروا عن رغبتهم في الانتماء النقابي في حين 44,2%  يرفضون الانتماء و16,3% لا يعطون أي جواب

    بعد ذلك انتقل الأستاذ أحمد برقية في عرضه إلى إبراز أهم المعطيات الرقمية الوطنية المتعلقة بموضوع الإعاقة والتشغيل من خلال مرجعيتين وطنيتين حديثتين هما:

    1- البحث الوطني الثاني حول الإعاقة 2014 والذي جاء فيه أن  معدل بطالة الأشخاص في وضعية إعاقة (خفيفة إلى عميقة جدا)يصل إلى  47,65%، أي 290000 شخصا وهو أربع مرات أعلى من  المعدل الوطني للبطالة الذي حدد في 106  %.

    2- الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014 الذي حدد نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة من الجنسين الذين يشتغلون لا يتعدى 13.1% من الأشخاص النشيطين .

    كما تمت الإشارة إلى التقرير العالمي حول الإعاقة الصادر عن منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي سنة 2011 في: الفقرة المعنونة ب “مشاركة اقتصادية أقل” بأن :”ذوي الإعاقة الأكثر تعرضا للبطالة، وهم بصفة عامة يحصلون على أجور أدنى عند تعيينهم وتوضح البيانات العالمية للمسح الصحي العالمي أن معدلات العمل والتوظيف أقل بين الرجال ذوي الإعاقة (53%) والنساء ذوات الإعاقة (20 (%عنها من الرجال بدون إعاقة (65%) والنساء بدون إعاقة (30%).

    ليعمل المشاركون في هذين اليومين من خلال أشغال المجموعات بعد الإطلاع على المعلومات والمعطيات الضرورية حول البرنامج هدفه وحول المشروع وأهدافه إلى صياغة وبلورة استراتيجية عمل ميداني منبثق من الأهداف التي حددت في تعزيز قدرات النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الإعاقة ، من أجل مراعاة بعد الإعاقة ومصالح العمال المعوقين وخاصة النساء ، ثم توعية النقابات والجمعيات ومن خلالها أعضاء النقابات لذوي الإعاقة في المغرب ، بالتحديات التي تواجهها الشغيلة من ذوي الإعاقة في أماكن العمل والوصول إليها ، والدور الذي يمكن أن تلعبه النقابات ومنظمات المجتمع المدني الأخرى في الدفاع عن حقوق هؤلاء العمال.

    وفي أخر هذا اللقاء  أكد السيد دان كورك مدير برنامج مركز التضامن على أن حجم المشروع سيكون أكبر مشروع خطة العمل التي أنجزها المشاركون مع ضرورة ربط الطموح مع الإمكانيات المتاحة والواقع الحالي.

  • وجهاً لوجه في ليبيا…سهام الدغاري وحنان علي كابو ..

    سهام الدغاري وحنان علي كابو في “ليبيا” وجها لوجه

    • الشعر لعنة إذا تلبست صاحبها لن تنسلخ عنه.
    • لم أكن أبداً أنتقائية في خياراتي لما أقرأ.
    • الجانب المبهج في طفولتي هو ذاته الجانب المبكي.
    • الوَحدة دفعتني للغوص في بطون الكتب والهروب من قسوتها.
    • أنظر لأكداس الكتب بشغف طفلة تنظر لأكوام من السكاكر.
    • لم أتقبل رحيل والدي المفاجيء وأردتُ توبيخه على موته المفاجيء.

    ***

    س: الطفولة ماء الشعر الذي ندعك به عجين اللغة فتنفتح أمامنا دواليب الكتابة الطرية وحكايات الجدات ومشاعرنا البكر، كيف عاشت سهام هذه المرحلة؟

    ج: أولاً دعيني أتوجه لك بجزيل الشكر وفائق العرفان لسعيك الدؤوب وهمتك العالية.

    ثانياً لقد وضعت إصبعك على الجرح بسؤالك هذا.. فمرحلة《الطفولة》وهنا أضع الكلمة بين قوسين لأهميتها في حياتي هي مرحلة مركبة بالنسبة لي فلقد عشتها بوجهيها الأبيض والأسود فالجانب المبهج في طفولتي هو ذاته الجانب المبكي حيث إنني كنت الابنة الوحيدة لأبوي فبالتالي كنت الطفلة المدللة جداً إلا أن هذا الدلال و الترفيه الذي عشته لم يمنع عني شبح الوحدة الجاثم فوق عالمي الصغير نظراً لافتقادي لوجود أخوة وأخوات في حياتي وظهر هذا جلياً في مسحة الحزن التي كست ملامحي منذ الصغر وإلى يومنا هذا ومن هنا أستطيع القول بأن الوحدة هي من دفعني للغوص في بطون الكتب وكان هذا كنوع من الهروب من حدة قسوتها؛ فصرتُ شغوفة بقراءة القصص والروايات ولم أكن أبداً أنتقائية في خياراتي لما أقرأ؛ بل كنت ألتهم أي شيء وكل شيء يقع تحت يدي سواء إن كان كتاب أو قصة جيب صغيرة أو حتى صحيفة مهملة في ركنٍ ما.. ومن هنا نما عندي هذا الهوس بالقراءة رغم أني إلى الأن لا أجيد فن الانتقاء عند شرائي للكتب.. فمثلاً عند دخولي لأي مكتبة أجدني أقف مشدوهة، أنظر لأكداس الكتب بشغف طفلة تنظر لأكوام من السكاكر وتود لو تلتهمها كلها.

    ***

    س: خطواتك الأولى في أرض الكتابة كيف كانت؟

    ج: بداياتي في الكتابة لم تكن مدروسة أو مخطط لها، دعينا نقول: إنها كانت محض هروب أيضاً.. كان هذا حين نزل خبر وفاة والدي كالصاعقة التي شقتني نصفين وكنت حينها لم أتجاوز عامي الرابع عشر.. لم أشعر بالحزن وقتها بقدر ما شعرت بالغضب… أردت أن أوبخه أو ألومه.. أو حتى أسأله لم رحل وتركني وحيدة وبالرغم من أن عقلي الغض كان يستوعب الموت والحياة والفقد إلا أني لم أتقبل هذا الرحيل المفاجيء على الإطلاق؛ فهربت للقلم والورقة.. وهذا كان أول لقاء حُر لي معهما… أقصد بعيداً عن أقلامي ودفاتري المدرسية.. ولنقل أن أولى كتاباتي كانت أبعد ما تكون عن النصوص الأدبية؛ بل كانت أقرب منها للخاطرة أو الفضفضة.

    ***

    س: ما الذي دفع بك لكتابة الشعر؟

    ج: أحببت الشعر منذ نعومة أظافري وكانت حصص القراءة والمحفوظات في المدرسة من أقرب الحصص لقلبي وبما أن حياتي كما سبق وأسلفت كانت منغلقة لحد كبير فلقد وجدت في الشعر المتنفس الأكبر.. الشعر قدر كما الجغرافيا تماما.. ينتقي صاحبه ويفاجأه.. صديق حانٍ يربت على كتفيك في المحن، ويواسيك في الأزمات، ويصعد بك مدارج الإلهام، ويأخذك إلى عوالم لا متناهية خارج حدود الجسد، ويعلو على الطين، ويسبح بك في مجرات خارج حدودك لتكتشف نفسك، وتتحاور مع الذات، مراتك الصافية ترى فيها واقعك لكن بصورة ثلاثية الأبعاد مضافا إليها البعد الرابع وهو الزمن.

    ***

    الحب تلك أكذوبة أخرى والشعر كيف وجدتِ رفقته؟

    الشعر لعنة إذا تلبست صاحبها لن تنسلخ عنه، ولن ينسلخ عنها أبداً ولكني أستطيع القول: بأني أجد في رفقته السلوى والمتعة رغم إنه مرهق ومنهك فولادة قصيدة ليس بالأمر اليسير أبداً.. الشعر كتابة خارج المألوف والاعتيادي.. ضوء في آخر النفق.. شمس تبدد ظلام كونكِ السوداوي.. قمر يسطع في سماء الكتابة.. روح تولد من العدم.. حروف تطرز جيد الكتابة المعتادة.. صورة فرّت من الإطار وتشظَّت في السماء نجوما.

    ***

    س: الشاعرة امرأة غير اعتيادية تدفع ثمن اقترافها للشعر فداحة عظيمة، ماذا فعل بك الشعر؟

    ج: الشعر أخذ مني الكثير كالوقت والجهد ولكنه أعطاني أكثر.. أعطاني هذا التجلي وهذا الشعور بالاسترخاء خصوصاً في اللحظات التي تلي ولادة كل نص.. الشعر يأخذكِ من عالم البشر الاعتياديين.. يلقي بكِ في متاهة كبرى.. يبحر بكِ في محيطات واسعة.. دوامة لا تنتهي من الشعور بالفرادنية والذات المتلبسة بالوحي، والملتبسة بالشك.. في الشعر لا يقين.. مع الشعر لا مكوث في حالة واحدة.. الشعر أردية وحالات شتى.. الشعر يأخذكِ منك إليكِ في حركة مكوكية شبيهة بحركة أجهزة الطرد المركزي في المفاعلات النووية أو الأجهزة الدوارة في مختبرات التحاليل الطبية.. يتشظى الشاعر معها وتتشظى الكلمات، وتتناسل الأفكار.. هذا ما فعله الشعر بي وبغيري على ما أعتقد.

    ***

    س: ماذا تدخرين لأوقات فراغك؟

    ج: رغم أنه لا فراغ لدي إلا أنه لو حدث مصادفة وحظيت ببعض الدقائق فهي حتما ستكون للقراءة أو الكتابة.. الشعر والكتابة الحقيقية ديكاتور مستبد ولكنه عادل.. الفراغ تيه.. والفراغ هراء ومرض إذا انفرد بصاحبه قتل الإبداع في داخله.

    ***

    ما لون الغياب؟

    ج: تباً للغياب ما أوقحه يأتي على كل الألوان ليترك في النفس هوة سحيقة تفيض بالمرارة.. الغياب معادل موضوعي للموت، الغياب فقدان للوجود وافتقاد للحياة.. الغياب موتٌ إراديٌّ ونفوق وانتحار على شواطيء النصوص.. الغياب انسحاب من الصراع ذاك الصراع الذي تقوم عليه الحياة.. فالحياة ديالكتيك متواصل تعقبه ولادة شرعية للنصوص المبتغاة، بينما الغياب إقرار بالهزيمة ورفع راية الاستسلام.

    ***

    س: الخيبة كرة لهبية تلهين بها والليل الذي يسكنكِ؟

    ج: أحاول القفز خارج حدوده..

    ***

    س: نصوصك تميزت بأنها سهلة ممتعة يسيرة وعميقة في آن واحد، كيف أمكنكِ ذلك؟

    ج: حين أبدأ بالكتابة لا أفكر إطلاقاً في الصورة التي سيكون عليها النص بعد اكتماله.. لذا لم ألجأ يوماً لتنميق كتاباتي وتكليلها بمفردات مركبة ومعقدة كالتي لم تعد سائدة في وقتنا هذا، كي أُلبس نصي ثوباً من الفخامة والعظمة… حين أشعر بحاجتي الملحة للبوح كل ما أفعله هو أن أتناول جهاز الموبايل وأكتب كيفما أتفق وبتلقائية وتجرد كبيرين.. كل شيء خارج الصِنعة والتصنُّع يعلن عن الجِدّة والطرافة وخرق للمعتاد والتقليديّ.. أنا شخص طبيعيّ يعيش الحياة كما هو يراها لا كما يراها لآخرون.. أنظر للبشر والحجر نظرة الشريك والرفيق لا علو ولا استعلاء..

    ***

    س: الحرب ماذا خلفت في ذاتك؟

    ج: رغم ابتعادي المتعمد عن المشهد السياسي في ليبيا وسائر الأقطار العربية غير أني أنزف من الداخل أسى ولوعة، ثقي أن الحروب لا تخلف سوى الدمار النفسي والمادي والمعنوي للجميع دون استثناء؛ حتى لأولئك المستفدين منها، هم يدفعون الثمن بشكل أو بآخر.. الحرب الوجه القبيح للإنسان.. صورة قابيل وهابيل المتكررة في كتاب الحياة.. والمستضعفون هم من يدفع الفاتورة كاملة.

    ***

    لم أسمع عن أي منشط ثقافي تشاركين فيه، لماذا؟

    ج: أولا ببساطة لأنني جبانة أخشى الظهور ولا أحبذه.. ربما هذا يرجع لانطوائيتي التي اكتسبتها في طفولتي.. ثانيا أعتقد جازمةً أنّ (النخبة نكبة)، والمثقفون حول العالم مؤدلجون وانحيازيون وسائرون في ركاب الساسة والاقتصاديين.. أعدكِ عندما يكون المثقف في طليعة الأمة قائدا ومنيرا لها ومستنيرا بأهدافها سأقرر يومها الانخراط في الأنشطة الثقافية.. مع إنني أشك أن يأتي هذا الزمان..

    ***

    س: تتواصلين مع تجارب الآخرين، لمن تحب أن تقرأ سهام؟

    ج: أقرأ لكل ذي حرف صادق ولابأس من ذكر بعض الأمثلة هنا سراج الدين الورفلي تستهويني زئبقية نصوصه ومرونتها فهي تفتح للمتلقي آفاق شاسعة للتأويل.. وأكرم اليسير أجد الحرف بين يديه مطاوعاً ليناً فهو يمتلك قدرة هائلة على تشكيل الحروف ونسج الكلمات بطريقة خلابة… له بصمة متفردة وأسلوب مغاير لكل الأصوات الموجودة على الساحة، وكثيراً ما استفزت قصائده قلمي.. ومصطفى جمعة صاحب الحرف النابض بالإحساس أتابعه بشغف فمع كتاباته أشعر بأن الحرف في يديه صار كائنًا حيًّا. وهذا على سبيل الذكر لا الحصر فهناك الكثير من الأصوات التي تشدني وبقوة.

    ***

    س: تجيدين كتابة القصيدة السردية التعبيرية ، هل حققت المصالحة بين الشعر والمتلقي؟

    ج: إلى حدٍ ما أستطيع أن أجيبك نعم، فللأسف الشديد فبالرغم من نجاح وجمال القصيدة السردية وبأنها فتحت آفاقًا أوسع وأرحب للشاعر والمتلقي معاً إلا أنه لازال هناك بعض النفور منها لدى الكثيرين.. الكتابة السردية عابرة للنوعية.. وغير مؤطرة بسياج أو حدود واضحة فهي نص مفتوح على فنون واسعة .. الحدود بينها وبين القصة القصيرة غير محكمة.. والحدود بينها وبين المشاهد الروائية غير واضحة.. والحدود بينها وبين قصيدة النثر شائكة.. والحدود بينها وبين فن السيناريو زائفة.. إلخ.

    ***

    س: كيف للشاعر أن يخلق جسوراً قوية وراسخة بين الشعر والمتلقي في زمن الحرب؟

    ج: الجسور الراسخة تنشأ في البيئة الطبيعية وتتجذر في التربة الثابتة.. التربة في أزمنة الحرب رخوة والبشر الذين يعيشون عليها سائلون.. الحرب تنزع العقلانية من الناس.. ويعيشون حياة البدو الرحل.. مشاعرهم مائعة.. ويقينهم سراب.. ومبادئهم قابلة للتبدل والتغيّر حسب مقتضيات الحياة المؤقتة.. فكيف تستطيعين بناء جسور في تربة كهذه.. هذا من المستحيلات.

    ***

    س: في نصك “انساب بين أناملك حريرا” تعابير شديدة البوح تحمل أقصى أشكال إبراز المكنونات النفسية ، نص إيروسي بامتياز ماذا تقول عنه سهام؟

    ج: هذا النص بالذات له حكاية كان قد طلب مني الأستاذ كريم عبد الله كتابة نص سردي لإضافته لكتاب صوت المرأة في القصيدة السردية التعبيرية والذي يتم طباعته في العراق ويضم عدد كبيرا من الأصوات النسوية.. فكتبت هذا النص على عجالة وأنا مفرغة من أي شعور أو انفعال .. فقط حاولت أن أستحث الخيال ليمدني بفكرة ما ولقد كان.

    ***

    س: قلمك يكتب الشعر ولا يستأنسه، هل كتابة الشعر تضاد؟

    ج: ليست تضاد ولكنها كما سبق وأخبرتك.. هي متعة ترهق الساعي لها.

    ***

    س: وليدك البكر “سهام في قلب الشمس” حدثيني عن نصوصه.

    ج: سهام في قلب الشمس جاء بعد مروري بتجربة عصيبة في هذا الأزرق، صدقاً لا أود تذكرها أو التحدث عنها بالرغم مني أني أعتبرها نقطة تحول في شخصيتي.. لذا لو شاء الله وقرأتِ هذا المنجز ستجدين أن معظم نصوصه تحمل طابع التحدي والاعتداد بالنفس أما البقية القليلة الباقية فهي نصوص تتناول العاطفة من عدة أوجه.

    ***

    س: تقفزين في انتقالات زمنية بين تفاصيل الحكاية تستثمرين عناصر اللغة حيث تتعدد معها مستويات الخطاب الشعري، من أين أتيتِ للشعر؟

    ج: من بيئة شعرية ومن حزن مقيم.. فوالدي رحمه الله كان شاعرًا شعبيًّا يهوى الشعر روايةً وتأليفاً وكان معظم ضيوفه الدائميْ التردد على بيتنا من الشعراء الشعبيين.. على سبيل المثال لا الحصر الشاعر عبد السلام الحر الذي كان صديقا مقرباً وقريبا لوالدي رحمهما الله وغفر لهما .. ناهيك عن رحيل والدي المبكر كما سبق وذكرت وأيضاً إحساسي العميق بالوحدة سببا لي حزناً كبيراً لا أظنه سيفارقني يوماً .

    ***

    س: ما الفائدة من أن تمارس الكلمات عادتها السرية؟ ما الفائدة من الشعر؟

    ج: أنا سألت ومثلك انتظر الإجابة.. أما عن الشعر فهو منفذ تتسلل منه الذات لتجوب عوالم وأكوانًا كما أن للشعر الدور الأكبر في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية من حيث كونه وعاءًا ثقافيًّا لاغنى لنا عنه، غير أني أرى بأن للشعر جانبا سلبيا لا يجب أن نهمله وهو ما يتعلق بالمدح والهجاء اللذين يعتبران من أهم أسباب إشعال الخلافات بين الناس.

    ***

    س: الشعر رفيق الحزن ماذا تقول سهام؟

    ج: نعم بشكل نسبي وليس مطلقًا .

    ***

    س: هل تؤرقك فكرة النص أم النص الشعري؟

    ج: نعم فغالباً ما تفر الفكرة من يدي لأجد قلمي يقودني لمسارب بعيدة كل البعد عما أردت قوله … لا أخفيك أحايين كثيرة أشعر بأن قلمي هو من يقودني.

    ***

    س: هل تعتمدين في نصوصك على السرد التعبيري؟ ماذا وجدتِ فيه؟

    لا … لم أعتمد السرد منهاجاً لنصوصي. سبق وأخبرتك بأني أكتب بتلقائية شديدة لذا حين أهم بالكتابة تنساب الكلمات تباعاً للدرجة التي أفقد فيها السيطرة على قلمي أحياناً ولا أعير أهمية لفكرة تحت أي جنس شعري سوف يُدرج نصي.

    ***

    س: هل يمكن القول بأن شبكة التواصل الاجتماعي سهلت التواصل بين الشاعر والمتلقي القاريء أم ظل الأمر كما هو عليه مجموعات نخبوية؟

    ج: لا أنكر بأن شبكات التواصل أتاحت للكثيرين الاطلاع والمتابعة غير أنه وللأسف الشديد لازالت النخبوية هي التي تسيطر.

    ***

    س: المشهد الثقافي كيف نراه بعيون وفكر سهام الدغاري؟

    ج: المشهد الثقافي الليبي تحديداً مثله مثل غيره من المشاهد الثقافية العربية في العقدين الأوليين من القرن الحادي والعشرين يقع تحت سطوة المحاباة والمجاملة والشللية وهذا ما يحد من أدائه لدوره على الوجه الأكمل.

    ***

    س: بعيداً عن الشعر كيف تقضي سهام وقتها؟

    ج: وقتي كله لأسرتي كأي أم تحاول أن تكون أماً مثالية وللقراءة التي أرى أني مقصرة تماماً في ممارستها خصوصاً في الآونة الأخيرة .

    ***

  • الكاتبة الليبية عائشة بازامة..- حاورتها: ريم العبدلي .

    عالم الثقافة تحاور الكاتبة الليبية عائشة بازامة

    • أحاسيسي تساوي الشعر والشعر في قلبي قصيدة
    • الشعر الحر أكثر إغراءً للبوح وأميل لكتابة الرواية
    • الثقافة المجتمعية السائدة مازالت مؤثرة في أدب المرأة

    حاورتها : ريم العبدلي| ليبيا

    ترى العالم من منطق الحكاية وتفهمه من زوايا متغيرة تنقل لنا كافة الأزمات بأبيات مختصرة متكاملة.. كتبت القصيدة والقصة القصيرة والرؤية وهزت كافة الأحداث بحروفها التي تعبر عن واقعنا وتصف لنا الأشياء الجميلة وكأنها فراشه تطير نحو الشمس كلماتها ذات معاني سامية ..عائشة أحمد بازامة أديبة وشاعرة وخبيرة إعلامية عضو رابطة الأدباء والكتاب سابقا – عضو نقابة الصحفيين سابقاوعضو جمعية العلماء الشباب مالطا وعضو رابطة قدامى المرشدات.. بدأت الكتابة على مجلة (ليبيا الحديثة) وصحيفة (الحقيقة) ونشرت في صحف (الجماهيرية) و (قورينا) و (برنيق) ومجلتي (الثقافة العربية) (الناقد) وترأست مهرجان إبداع المرأة الأول في بنغازي وحضرت العديد من المؤتمرات العربية والليبية الأدبية والشعرية وتحصلت على إفادة علمية من المؤتمر الأول للموارد الطبيعية ، سرت 1999م كما تحصلت على الكثير من شهادات التقدير وكرّمت من أمانة الإعلام ، ومن نقابة المعلمين وصدر لها ديوان (نور في نسيج الكلمات) عن دار البيان لرئيسها علي جابر لها خمس مخطوطات.

    ***

    س: أبرز المراحل التي تركت فيك أثرا عندما أمسكتِ بالقلم في بداياتك؟

    ج: أبي رحمة الله عليه كان كفيف البصر لكنه قارئ نهم للكتب.. فكنت منذ الصف الخامس قارئته وقرأت له أمهات الكتب، فتولدت لدي موهبة القراءة .. ثم تحول هذا المخزون إلى قلمي فكتبت غول مقال وكنت وقتها في الصف السادس ونشر في مجلة ليبيا الحديثة في صفحة الشاعر لطفي عبد اللطيف عام 1968م والأديب الصحفي السنوسي الهوني هو أول من مد لي يده ونشر مقال لي في صحيفة الحقيقة بعنوان (مشاكل شبابنا) عام 1970م وكذلك معلمي إبراهيم حسن خالد والمرحوم سليمان الضراط وقد دعموا موهبتي في المرحلة الإعدادية حتى فزت بالترتيب الثاني في الشعر في المهرجان الأدبي ثم توقفت فترة أواخر السبعينات عن النشر وكان الفضل لعودتي للنشر على الصحف الزميلان الأديبان خليفة أحواس، وسالم العبارعائلتي وزوجي وأبنائي هم محطات داعمة لمسيرتي بتعاونهم الدائم

    ***

    س: دائما تستوقفني كتاباتك لأتمعن فيها وقرأتها أكثر من مرة فأي الأشكال الشعرية أو القصصية تمنحك حرية البوح؟

    الشعر الحر رغم أني بدأت بالمقفى والموزون .. لكن الشعر الحر أكثر إغراءً للبوح وأميل لكتابة الرواية . لكن الوقت يطحنني ويسرقني منها.

    ***

    س: الأصوات النسائية سواء الشعرية أو القصصية برأيك هل تطورات أم إنها مازالت في الظل؟

    ج: الأصوات النسائية تأخذ مكانها المرموق في المشهد الأدبي.. لكنها تتراوح بين شقين لزمنين هناك أقلام تنجز، وهناك بين شد وجذب بين حداثة وتقليد.. عامل الثقافة المجتمعية السائدة لازال مؤثراً في بعض نصوص الأدب عند المرأة.

    ***

    س: الشاعرة عائشة بازامة لك نصيب الأسد من التنوع في كتاباتك فما هو الشئ الذي لم تكتبينه بعد ؟

    ج: الشئ الذي لم أكتبه بعد هو المقالة الأدبية الفلسفية.. أنا أقرأ كثيرًا في فلسفة الجمال الشعري، وفلسفة الإيمان، واللغة .. قد أفعل يوما ما وأتناول موضوعا يشغلني وهو علاقة اللغة بالأيدولوجيا.

    ***

    س: كيف تتمكنين من تحقيق معادلة التعبير عن أحاسيسك من خلال كتاباتك؟

    ج: أحاسيسي تساوي الشعر، والشعر في قلبي قصيدة، طيورها مهاجرة لها أجنحة عابرة، تعانق الأرض البعيدة كغصن كئيب ، أنحنى يقبل الأرض البعيدة… القصة في كتاباتي لحظة زمنية من ماضٍ غابر، أو عابر، أو آتي والمقالة هي عبارة عن بث واقع معاش.

    ***

    س: ماذا عن مشاركاتك ؟

    ج: شاركت في مهرجان هنا بنغازي .. ومهرجان عيد المرأة العالمي فقط بعد فبراير.

    ***

    س: ماذا لدى الأديبة والشاعرة عائشة بازامة بعد ؟

    ج: لدي مخطوطات لم تر النور منذ التسعينيات، وهي تؤرقني، وأحاول جاهدة أن أمنحها النور بطباعتها لتخرج للقارئ إذا كان هناك ثمة قارئ.

    ***

    س: ماهو الجديد التي ستخرجه لنا الأديبة والشاعرة عائشة بازامة؟

    ج: مقبلة على إكمال رواية فيها الكثير من سيرتي الذاتية.. أرجو أن أوفق في إكمالها.

    ***

    س: تم تكليفك بتأسيس جمعية الأدباء والفنانين لنشر قيم التسامح والمحبة على مستوي المنطقة الشرقية حدثيني عن هذا التكليف؟

    ج: فيما يخص تكليفي جمعية الأدباء والفنانين لنشر قيم التسامح، والمحبة، والسلام . حدثني عنها الفنان عز الدين محمد وكان بيننا تعاون لتلحين إحدى قصائدي.. وكنت قد سبق وسلمت هيأة الثقافة والإعلام ببنغازي عام 2015 تصوراً عن تكوين قافلة ثقافية مهمتها نشر الحب والسلام والتسامح بين المدن الليبية يقوم بها الأدباء والمثقفون والفنانون والإعلاميون ولهذا توافقت أراؤنا وأفكارنا .. فقرر الفنان عز الدين تحقيق هذه الجمعية فبدأت الفكرة في الظهور ونالت تأييدا واسع النظير من قبل أدباء وكتاب وفنانيين والآن المنضمون إليها كثيرون ونفتح المجال لكل راغب.. وكلفت من قبل مجلس الإدارة بمهام المنسق الثقافي في بنغازي وشرق ليبيا (برقة).

    ***

    كلمة نختم بها الحوار؟

    ج: سعيدة جداً باهتمامك سيدتي الرائعة ريم العبدلي، وبإطلالة قلمك وروحك الشفافة على شخصي ونصوصي. أرجو لك ولصحيفتك الموقرة كل تقدم وتوفيق لرفعة شأن الكلمة وقارئيها

  • الكاتبة والإذاعية الليبية عفاف عبد المحسن ..- حاورتها: ريم العبدلي .

    عالم الثقافة تحاور الكاتبة والإذاعية الليبية عفاف عبد المحسن

    حاورتها:- ريم العبدلي | ليبيا

    • الشعر حالة لا تأتي دائما ولا تأتي بسهولة.
    • من يكن ندا لي فميدان الكفاح يتسع لكثير من النجاحات.
    • نكتب لأننا بحاجة للنسيان أو للتذكر وفي كليهما استغاثة مخفية بالمتلقي.
    • الاختلاف لا يعني التقعر ولا الرمزية المفرطة ولا التعالي على القاريء.
    • الشعر عندي شريك وينسجم ضعفي مع قوته وهنا الاختلاف.
    • تستهويني قصيدة التفعيلة برشاقتها، والإعداد الإذاعي يعيدني للكتب والقراءة

    عفاف عبد المحسن صوت من الأصوات الإذاعية المتميزة في الوسط الإعلامي الليبيّ، وعندما يُسمَع تلتف حوله العقول والقلوب، وشخصية متميزة ومتنوعة الأداء والعطاء، كتبت الشعر والمسرح وقدمت العديد من البرامج، وتتلمذ على يديها الكثير، ولم تبخل على أحد بعطائها اللامحدود، صديقة الجميع، وجميله الطباع، ورصيدها حافل بالأعمال،عزيزي القاريء استمتع كثيرا بحوارها الذي ابتداناه:-

    ***

    س:  جميعا يعلم بأنك صاحبة مشوار طويل ومميز ولكن في بداية حورانا نحب أن نعرج معك عن بدايتك ومسيرتك الإعلامية والشعرية والقصصية؟ وهل انبثقت بداياتك الشعرية والقصصية  مع بدايتك الإعلامية؟

    ج: تحياتي لكم قبل البدء وشكرا لقلم صحفي ذاكرته من النقاء بحيث تظل تحمل هم الآخرين ربما غبار الحسد البشري أو عوامل الذاكرة السمكية لبعض المحيطين عمل على تعمد أو تناسي أو تساقط  ذكرهم كمؤثرين بأعمالهم وليس كأثر كان فعبر.. 

    أما عن مشواري فسأستهل بشطرة من قصيدة كتبتها في 1998 واستهللت بها ديواني الأول وشوشات ( لماذا ؟ كلما يهفو الظلام إلى السنا ينأَ ؟) هكذا بداياتي لم تكن تلك السلسة فلم تكن كلية الاقتصاد اختياري إذ حلمت بطب الأسنان .. وتخرجت من جامعة قاريونس 1990 وكان السلس في الأمر تعييني حيث مناشطي الجامعية كتابة في صحيفة الجامعة ومجلة الكلية والأصابيح والأماسي الشعرية ومناشطي الجامعية الأخرى كما في المسرح الجامعي وبعض الأعمال الإذاعية المسموعة والمرئية التي ساهمت فيها قبل الانخراط رسميا أهلتني لأن أكون أمين مساعد الإعلام والثقافة بالفرع البلدي البركة وحينها الفاضلة نورية الشريف والفاضل المرحوم إبراهيم بكار قاموا بتعيين كل الجامعيين المصعدين لتلك المواقع ولم يعملوا بعد وهكذا حالفني الحظ لأن أنخرط رسميا في الثقافة والإعلام كموظفة تزامنا مع عام تخرجي من الجامعة بعد استكمال فترة تصعيدي .. وأقول ريم الأسرة هي المعول وهي المساند وهي القادرة على اكتشاف موهبة الطفل طالما هناك اهتمام وأسرتي الجميلة المتفاهمة المتفانية بكل أعضائها أب وأم وإخ كبير حنون وأخوات مساندات ومكتبة بيتنا العامرة بكل تصانيف الكتب وتنوع القراءات وخاصة القرآن الكريم بصوت أمي وأبي دائما كانت هي الأسس التقويمية والقيمية التي صقلتني وعلمتني وأخذ الجميع بيدي لأكون عفاف الآن الإذاعية والكاتبة الصحافية والشاعرة لأنهم آمنوا بقدراتي منحوني ثقتهم واستمديت  ثقتي منها وخرجت من عالمي الصغير للحياة وكلي أمل أن أكون شيئا أثرا وتأثيرا ولا أخذل أسرتي ونفسي.

    في الإذاعة تعثرت بعد أول دورة إذاعية رسميا انخرطت عبرها واجتزتها بامتياز ولم يشأ المسؤولون آنذاك تعييني في الإذاعة أسوة بزملائي لأسباب لا أرغب بسردها في هذا المقام كونها جارحة .. وجبر الله خاطري بعد ذاك بتعييني في الثقافة كما ذكرت سالفا وظللت متعاونة في العمل الإذاعي بألوانه جميعها إعدادا وتقديما ومشاركات تمثيلية باللغة العربية واللهجة الدارجة وحالفني الحظ أن اعمل مع جهابذة الثقافة والإذاعة وقامات فنية أحترمها وتعلمت منها الكثير .. عدا الأخبار لم أكن أحب أن أكون قارئة نشرة وكذا صوتي الصغير لا يتناسب معها . أما بالنسبة للشعر فقد كانت موهبة ربانية حباني بها الله مذ نعومة أظفاري حيث كتابات متعثرة تبكي لها أمي في بطاقات المعايدات بعيد الأم والأعياد المختلفة ويفرح بكتاباتي أبي الغالي الحنون ويشجعني على الاستزادة بالقراءات المتنوعة أخي وأستاذي الحبيب عبد الله عبد المحسن .. وكبرت والجميع ينادونني شاعرتنا حتى في المدرسة وأول فرحة شعرية حين فزت بالترتيب الأول وأنا في الصف الثاني الثانوي بقصيدة باللهجة (شعر محكي) كانت لليبيا الحبيبة وفي الصف الثالث الثانوي ذهبت بقصيدتي الفائزة على مستوى ( الجماهيرية ) ليبيا طرابلس وألقيتها على منبر صاحبني الخوف والارتباك وكانت بداية الجرأة للتلاقي مع جمهور كبير ثم في عيد الأرض الفلسطينية الشاعر أحمد بشير العيلة يستضيفني كشاعرة ألقي قصيدتي الوطنية الجريئة ( تفجيرات ثورة في زمن الثأر والطوفان ) في مدرج كلية الآداب بجامعة قاريونس وكم كبير من الأساتذة والشعراء يسمعني والفرحة تجاوزت حدود الأماكن يومها وأنا لم أكن طالبة جامعية بعد.

    أنا لم أكتب القصة بل كتبت للمسرح مسرحيتي الأولى باللغة العربية الأدبية الاجتماعية (تهاويم تعاريج) التي أخرجها للمسرح الوطني طرابلس الفنان المخرج عبد السلام التريكي وجسدها الفنانة هدى عبد اللطيف والإذاعي الفنان مروان الخطري وكان لها صداها الذي أوصلها للعرض على مسرح مدينة الدار البيضاء بالمغرب بعد عرضها ضمن مسرحيات ليالي سبها الثقافية .. ومسرحيتي الثانية التي بدأنا فعلا قراءات أولية فيها مع فريق العمل وهي (أزمة ثقة) وهي مسرحية شعرية باللهجة (شعر محكي وغنائي) وأخيرا بين يدي نص مسرحي (منيودراما – مسرحية الفرد الواحد) باللغة العربية بعنوان (كن بخير لأكون) وحقيقة بدأت هواية وموهبة كتابة الشعر والكتابة التعبيرية قبل فترة طويلة من موهبتي الإذاعية التي أحببتها قطعا وأنا أتطلع لأخوي أستاذي (عبد الله وعزيزه عبد المحسن).

    ***

    س: كيف توفّقين بين كافة الأنواع الكتابية وفي أي من تلك الحقول تجدين نفسك أكثر؟

    ج: الأمر حقا لا يستحق المعاناة فالشعر مثلا حالة لا تأتي دائما ولا تأتي بسهولة فهو ليس صنعة بل إحساس وهزة وجدانية يحركه الموقف أو الحالة أما الكتابة التعبيرية فتلك أيضا لها تواقيتها وحالاتها إذا دخلت في إطار عملي فسأحدد لها زمنها لإنجازها أما إذا كانت خاصة فتندرج تحت حالات الشعر أيضا ولأنني مسهبة جدا فأجدني في الكتابة الأدبية التعبيرية أكثر من القصائد أو النصوص الأدبية التي لا تحتمل الإطالة فجميل أن تكون الفكرة موجزة بشفافيتها وعذوبة الأحاسيس التي تندرج عبرها خاصة وأنني لا أكتب شعر مقفى بل تستهويني التفعيلة برشاقتها وتقبل الحالات الإنسانية المشابهة لحالتي الشعرية فيها..

    أما الكتابة الإذاعية فتلك تندمج بين الإعداد أي استقاء معلومات حسب نوعية البرنامج مع كتاباتي الخاصة لأصبغ لوني وتركيباتي الجملية التي تميزني كمعدة ولأنها عملي اليومي والرسمي فتلك في مصاف المهام اليومية التي أخصص لها معظم وقتي ولا أنكر أن الإعداد الإذاعي هو الذي يعيدني للكتب والقراءة وأنا مدينة له بذلك لأننا جميعا في ازدحامات التقنية والمهام الحياتية نبتعد عن القراءات المتعمقة اليومية التي كانت هي ديدننا وصديقنا وصاقلنا في المجال الإبداعي.

    ***

    س: مشوارك الإذاعي حافل ببرامج ولكن هناك بالتأكيد برنامج مقرب إليك؟

    ج: ريم برامج كونت في مجملها شخصية مميزة تقول للمستمع العادي والمتمعن والمتخصص هذه عفاف .. خاصة الثقافية ومسلسلات أيضا أحببتها كثيرا وصقلت موهبتي الإلقائية بتنوعها وهذا جيد للمذيع التنويع وعادة المسموعة المعلم الأجود لصوت المذيع وتلوينه الإلقائي ..من البرامج ذات الأهمية في مسيرتي وتعلمت فيها كثيرا وأنا حديثة عهد بالعمل الإذاعي (ما يكتبه المستمعون ) حيث كان إخراجه وتقديمه لشقيقي وأستاذي عبد الله عبد المحسن وكان يعمل بطريقة الأصوات حيث تقرأ الأعمال الإبداعية بصوتي تارة وأخرى بصوت عزيزة أو أسامة السحاتي وهدى صبري حسب الكاتبة أو الكاتب ويعده القاص سالم العبار وقد كون ملامح كثر من المبدعين اليوم على الساحة الأدبية والإعلامية عبر هذا البرنامج المهم تعلمت فيه كيف ألقي القصيد الوطني والعاطفي كيف أحكي سردا لحكايات وقصص وكيف أقرأ مقالا… وبرنامج قضايا اجتماعية كان يعده ويقدمه الزميل عز الدين بلاعو ومعه أيضا تعلمت كيف أجسد شخوص القضايا حكاية وبكاء وخوفا وفرحا وأشكره لأنه تخيرني للعمل معه في كثير من الحلقات وكان يخرجه الأستاذ الكبير رجب العريبي .. برنامج شباب شباب.. سهرة الليل الفسيح .. والسهرة التي استمرت أكثر من 20 عاما كل أربعاء أطل فيها على مستمعيني وظلت إلى اليوم في ذاكرتهم بكل تفاصيل فقراتها بداية أعدها لي أ. عبد الله عبد المحسن ثم تركني وإياها قائلا لي لقد تجاوزتِ يا بنت مدارجك بعد أن وضعتكِ على بداياتها وأوشكت أن تتجاوزي أستاذك (وكانت أحلى شهادة زادت ثقتي في نفسي وعملي الإبداعي من أستاذي شق روحي وعمري عبد الله عبد المحسن) لأرد عليه (العفو خويا العين ما تعلى ع الحاجب وأنا دايما في حاجتك يا سندي).

    حديثا علامتان فارقتان أحببتهما كثيرا هو برنامجي شمس نهارنا وتخيرت أن يكون (التيم – المقدمة) إحدى قصائدي المحكية والتي حفظها عن ظهر قلب معظم المتابعين لراديو الميعاد – وبرنامجي التنموي المهم مجتمعيا وتربويا وإنسانيا وأحبه لأنه يشبهني يشبه جانبا تربويا أموميا في روحي وقلبي (ارتقاء) تواصل لثلاث سنوات عبر دورات برامجية متكاملة وتوقف منذ عام تقريبا لظروف الإذاعة وفي خطتي العملية أن أعود به إن شاء الله قريبا .

    ومن المسلسلات العربية (المسرح وقضايا الإنسان) إعداد مسرحي وإخراج إذاعي للفاضل الكبير رحمه الله محمد بوشعالة  وسلسلة حكايات المسلاتي إخراج الأستاذ .عوض السمين وتأليف القاص الكبير محمد المسلاتي وتلك استمرت لسنوات في مواسم رمضانية بدأت باللغة العربية ثم استكملناها لسنوات.

    ***

    س: ماهي الصعوبات التي تواجهك؟

    ج: تعب كلها الحياة فلا أعجب إلا من راغب في ازدياد … تعودنا متاعب الحياة ولكن لا تعجبني الحروب الخفية والمنافسات غير الشريفة من يكن ندا لي فميدان الكفاح يتسع لكثير من النجاحات أما الإخفاقات التي تأتي نتيجة الفتن والدسائس تلك التي تكسر الخاطر قبل أن تكسر الخطو نحو الأمام والحمد لله تتكشف الصعاب المفتعلة فلا تصيبني إلا بطفيف الشظايا وأعود أصلب من السابق وأستمر .. وهكذا الحياة قالها لنا المولى عز وجل (وخلقنا الإنسان في كبد).

    ***

    س: ماهي مشاريعك القادمة؟

    ج: كثيرة هي المشاريع آمالا وأحلاما وخططا تحت قيد التنفيذ ولكن هل في العمر عمرا للمزيد .. لعل وعسى وتبقى مشاريعنا العملية قيد الأمل تحت عين الله الذي يقول للشيء كن فيكون سبحانه . عملي الإذاعي عبر أثير الوطنية المسموعة مستمر وهناك أعمال جديدة كتبتها وكالبرنامج التمثيلي يراع من ورع رمضان 2019 وأستمر بتجهيز حلقات جديدة كونه يستنفذ الوقت والمال أيضا لحاجتي الدائمة لقراءات تاريخية ودينية تعينني في التأليف اقتباسات وإعداد لبعض الجزئيات . كما أستمر مع شركة الهدف للكتاب الصوتي وهو تطبيق عبر اليوتيوب مع ثلة رائعة لأصوات قراء متمكنين ويفيدني جدا ثقافيا وليس ماديا وأشكر القائمين على الشركة لتخيري ضمن القراء المهندس والأستاذ الجامعي / أبوبكر المحجوب والمهندس هيثم الهنبلة.. وعملي التدريبي متواصل أيضا مع جهات مختلفة وأتمنى يصلح الله حال البلاد للبدء في تنفيذ ما توقف من مشاريع. 

    ***

    س: هل الشعر يؤثر على حياة عفاف عبدالمحسن في تعاملاتها؟

    ج: إذا لم يكن مؤثرا ما كان مخاض القصيد بعض من الروح وبعض من حشاشة الفؤاد وبعض من تهاويم العقل وكثير من اختلاط المشاعر الإنسانية الدافعة لمعايشة الواقع بعد اكتمال رؤى الأخيلة بكامل إنسانيتنا.. كتبت يوما مقالا تحت عنوان (شيزوفرينيا الأدباء) ونشرت في صحيفة أخبار بنغازي وكانت حول حالات الانفصام التي يعيشها الكتاب والأدباء بين كتاباتهم في قصورهم العاجية المغلقة على قيم نبيلة راقية لا ترتقي لها مطلقا معيشتهم اليومية بين أسرهم والناس والوسط الأدبي يهلل بعبقرية هذا وثقافة ذاك بينما تتجزأ لديهم المبادئ وتتغير القيم التي ينظرون بها للناس من غير أسرهم وخاصتهم… ولم يكن نابعا هذا المقال الاستفزازي الذي ألب عليّ الوسط إلا من قناعتي أن أكون ذاتي تلك العفاف التي تكتب وتتضح شخصيتها وملامحها في أعمالها هي ذاتها عفاف المتعايشة يوميا حياتيا بين الناس وفي أسرتها أما الأقنعة فتلك تشوه العفوية والصفاء الحياتي في العلاقات الإنسانية.

    ***

    س: برامجك الإذاعية أضتفتِ لنا من خلالها الكثير .. فهل أضافت لك أيضا ما أضفته لنا؟

    ج: قطعا ومن كل بد.. يكفي أنها أهدتني أحب ما يرغب الإنسان امتلاكه (محبة وتقدير الناس) .. كما أتمنى أن كانت رسائل مجتمعية قيمية ترتقي بمن ترسل لهم وبذا تكون قد ثقلت من موازيني تحت عين الله سبحانه.. كشاهد لي لا.

    ***

    س: كيف يمكن لشاعر ان يصف عالما مختلفا؟

    ج: ياعزيزتي الإبداع كأي عمل آخر إذا وصفت به وأصبحت بين الناس يشار إليك بالبنان (مبدع) وأي عمل هو بحاجة لأدواته نعم أنا مع كل من يقول: إن الموهبة الربانية تصبغ صاحبها بهمهمات داخلية تحيل التخيل لديه جنة خصيبة من الصور غير الاعتيادية لكنه كي يصيغها جملا ممعنة عليه أن يمتلك الكلمات وتلك لا تأتي بالموهبة بل بالاستزادة في القراءة لآخرين كتبوا تجاربهم الحياتية قبلا شعرا وقصة ورواية وهما مجتمعيا وعمقا فلسفيا حكيما وحتى من كتبوها صورا عبر مجلات خفيفة الظل أو خاوية إلا من خبر في سطر واحد فكلها مجتمعة مخزون من المعاني والكلام الذي يتحد في لحظة المخاض مع الخيال ليكون إبداعا بشكل ما شعرا أو غيره ولكنه مميز مختلف.. الاختلاف لا يعني التقعر ولا الرمزية المفرطة ولا التعالي بالمرادفات على المتلقي بل ببساطة مستحيلة المحاكاة في الصورة المختارة ويحضرني قول للكاتب الكبير الجزائري (واسيني الاعرج): الكتابة ليست إكسسوارا حياتيا ولكنها رهان للدفاع عن النور في زمن استشرت ظلمته

    وهكذا الشاعر مختلف يكتب بفعل الحب المحرك للحواس فيدفعه هذا وذاك لكل الأفعال اللاحقة كاقتفاء الفراشات قبل أن تموت ذاوية عند مصباح منير اعتقدته يدفؤها فكان هلاكها عند عتباته أوباعتقاد غريب أن الكتابة التي ستولد من رحم معاناته داء جميل يصيب به عشاقا اعتقدوا أن لغة الجسد وحدها رابطهم اللانهائي فاكتشفوا أن التوق لرؤية المحب وعشرته والاختلاط به هو الدواء من داء التعشق.. الشعر عندي شريك ينسجم ضعفي مع قوته وهنا الاختلاف.

    ***

    س: الفضاء الإعلامي الآن كيف تصفه لنا عفاف عبدا لمحسن الإذاعية القديرة؟

    ج: سأتيمن بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة .. كنت ككل متذمر حزين أراه أصبح فراغا إعلايا وليس فضاء إعلاميا .. أي مفرغ من محتواه كرسالة للإخبار كما للتثقيف للترفيه كما للتوعية .. لأنني أرى شبه انهيار قيمي مهني في الفضاء الإعلامي وضياع واضح لمعناه ومضمونه المنفتح على الآخر ثقافيا وفي ذات الوقت المحتفظ بكينونته وهويته .. ولكن شيئا فشيئا ستعود كل تلك الملامح لإعلامنا حيث رفض الشارع بشكل واضح من قبل المتلقي الواعي والمربي الخائف على الجيل والأجيال القادمة والمتعلم الغيور على مجتمعه رفضوا كل تلك الترهات الدخيلة على إعلامنا بادعاءات التطوير المفتعل وبدأت صحوة لتصحيح مسار المجال الإعلامي بدء من تخير المهني الممتلك لأدواته وصولا للبرامج العقلانية الخادمة التوعوية حتى وإن كانت في قالب فكاهي فليست للإسفاف والتهريج .. سيعود فضاء له محتوى لا مجرد فراغ .

    ***

    س: قدمتِ العديد من ورش العمل للعديد من الإعلاميين والمهتمين حدثيني عن تلك الورش؟

    ج: أود قبلا القول إن الدورات التدريبية وورش العمل لا تفيد المتدرب بل إنها تفيد كثيرا المدرب وتعد بمثابة استزادة وتجديد مستمر لمعطياته العملية ومن الشباب والشابات المتدربين استفدت أيضا فتلاقح الأجيال مهم والعمل الإعلامي سواء خلف ناقل الصوت أو كتابة صحافية ورقية أو إليكترونية وحتى التلتدريب هي متعة كبيرة وثقة وراحة ضمير حينما تكون في إطار رسالة تنموية لله وللوطن بجانب الرزق والمعيشة .. وقد مارست العمل التدريبي منذ فترة بشكل غير رسمي من خلال الإذاعيين الجدد في 2007 بتدريبهم خلف المايك وإعطاء الملاحظات لهم حتى يتعدل أداءهم الإذاعي بألوانه إخباري أو برامجي .. والحمد لله تتلمذ كثر على يدي وهذا يبهجني كثيرا ولكهم أولادي وبناتي .. ومن ثم رسميا في 2013 بدأت مع الكابتن سمير عبود عبر شركة ليبيا الأولى للتدريب والتطوير والتنمية البشرية حيث استكملنا حملة سمير عبود الإنسانية تزامنا مع اعتزاله وكنت مستشارا إعلاميا للحملة ومن ثم ربطنا الأمر بالتدريب التنموي إذ كانت البلاد في 2013/2014 بحاجة ماسة لمثل تلك الدورات وتخبط كثير من المنخرطين في الإذاعات والصحف الجدد في عملهم مع أهمية الرسالة الإعلامية ودور السلطة الرابعة في إعادة تعديل الموازين بعد انهيار كثير من الأسس والقيم المهنية أكثر من المجتمعية .. واستمر العمل التدريبي وعدد من الجهات ايضا تعاونت معي حتى عام 2018 وتوقفت نظرا للظروف الدائرة في طرابلس هذه الفترة بإلغاء عدد من الدورات حيث المنخرطين من البيضاء وبنغازي والزاوية ولم يتسن لهم الحضور لطرابلس.

    ***

    س: حضرتك من الكاتبات المميزات في جانب كتابه الشعر في أنواع الشعر تفضلين؟ وماهي أقرب كتاباتك إليك؟

    ج: أكتب التفعيلة في العربية الفصحى، وأكتب المحكي في العربية اللهجة وحقيقة كتاباتي كلها قريبة لنفسي بلا مبالغة فالشعر إن لم يكن نابعا من جوف المشاعر الذاتية والإنسانية لمن يحيطون بي ومن لا أعرفهم لن يعني أي ملمح إنساني شفيف من روحي لأرواح كل من يقرأ لي الآن وبعد مائة عام. أحببت في المقالات الأدبية مجموعاتي (بين الفكر والقلم – أوراق تحترق – غدا يبدأ باكرا -ترانيم في محراب الوطن – رسائل على قارعة الشوق) وفي النصوص الأدبية (عواهن – أحايين).

    • عواهن: المئخاذ يتواكل ونحن نصدق أنه يتوكأ علينا لضعفه فنعطيه حصة المعطاء .. نظل نقول إن العطاء جُبل على هذا وسيموت بطبعه فلا ننصفه.
    • أحلامنا .. ترتقي مدارج الرؤى.. أشلاؤها تحت أقدام الواقع تهرس.. كونها هوت دون أن ندري تلقفتها أسنة أشواك الدروب .
    • أحايين: حين تبتر المقصلة الخديعة أسميها نقاء.. بعدها يتلبسنا طهر يؤنقنا بوضوح
    • حين تسافر الحقيقة حيث المجهول.. يودعها البعض عند محطة اللامبالاة.

    أما قصائدي المحكية فقريبة من روحي جدا قصيدة (متلاقيين) وقصيدة (أرياف في روح الوطن) ولاقت استحسانا كبيرا كونها تذاع بشكل مستمر على راديو الميعاد ومعظم المستمعين والرفاق يحفظونها وكانت لي تجربة جميلة مع الشاعر محمود إكنيش الفاخري أسميناها (بين العين والخاطر).

    • عفاف (العين) المشاعر في انصياع وفي تخاذل وف خنوع .. المحبة قيدتها وعودتها ع الخضوع.
    • محمود (الخاطر) المشاعر في تمرد ع الحواجز والقيود.. والمحبة مش مجرد همس وأشعار او وعود .
    • قصائدي العربية بين القديم والحديث عناوين محددة تقترب من روحي ( سؤال / لماذا / سيان / خسائر / قصيدة وحيدة / غياهب).

    (( لماذا ؟ ))

    لماذا كلما يهفو الظلام إلى السنا ينأ

    لماذا كلما لا مست إصباحا بإبهامي

    أمارس رقة الأنثى .. أجرجره إلى

    دنيا من النشوى

    يقهقه عمري النائم

    تجلجل رنة الفرحة

    وحين أفيق من حلمي

    أرى إصباحنا أمسى

    لماذا؟!

    (( غياهــب))

    أرسمني .. فتش في غيهب حلمك عني

    علبة ألوانك قوس قزح .. لا تفتحها

    أبعثني لونا لم يتكرر

    فوضى الفاقع تفجعني

    وشحوب الباهت

    يشعرني بالموت المحتوم

    وخليطها مألوف

    اقتفي أثر هيادب يثقلها الماس

    ابحث عن لوني .. في ظلة ليل شتوي

    في قلم رصاص

    في شفة الصبح الطالع إبهار

    في خفر الشمس المنسابة للبحر

    في تعب الليل المُسّْهَدِ

    يطرق باب الفجر

    حدد ملمح جسدي الحساس

    واحذر أن يخترق رصاصك قلبي

    ظلل أعماقيَ بالشفاف

    واظهر لون الخجل النازح عني كهتون

    أهدابي مرج مجنون

    شعري .. لونه بعطري العابق

    وأناملي .. لونها بالدافيء

    وجوارحي .. لونها بالصادق

    ومفاتني .. بالصارخ بالغاضب باللاهث بالمفتون

    أرسمنــي

    لا تبحث عن لوني بعيدا عني

    خذ لوني مني

    فيَّ الألوان جميعا

    مبعث سحري ..

    سر العبث بهذا الكون.

    ***

    س: كيف تختتم عفاف حوارها معنا وهل نسيت أن أعرج على ناحية ما تحبين ذكرها؟

    ج: حقيقة استوفيتني سبرا لغور ذهني بحوارك هذا زميلتي النشطة الدؤوبة وأردت فقط أن أقول نحن ياعزيزتي نكتب لأننا بحاجة للنسيان ربما وربما لأننا بحاجة للتذكر وفي كليهما استغاثة مخفية معلنة نحو من سيقرؤننا الآن أو بعد أن نموت فلنعبر تاركين أروع أثر .. فأنا أحب جدا قولا لشكسبير سأختم به حواري كتب  “لا تسمح للناس أن يسحبوك لعاصفتهم  اسحبهم أنت إلى هدوئك”.