Category: تربية وتعليم

  • يقلم/ د. محمد عبد الرحمن يونس.- مقاربات نقدية فى أهمية الاسطورة شعرا و فكرا ..

    مقاربات نقدية فى أهمية الاسطورة شعرا و فكرا !!

    توظيف الأسطورة في النص الشعري العربي المعاصر مسألة في غاية الأهمية، فما من شاعر عربي معاصر معروف إلا و استخدم الأسطورة في أعماله، و هناك حالات استثنائية و طفيفة لا يقاس عليها . إن الأسطورة تشكّل نظاماً خاصاً في بنية الخطاب الشعري العربي المعاصر، و قد يبدو هذا النظام عصيّاً على الضبط و التحديد، و ذلك لضبابية الرؤية المُراد طرحها في النص الشعري، و لكثافة الأسطورة نفسها غموضاً و تداخلاً مع حقول معرفيّة أخرى. فعندما نستحضر الأسطورة فإننا نستحضر التاريخ متداخلاً مع الميثولوجيا و الخرافة، و الحكاية الشعبية، و هنا يصعب علينا معرفة أوجهها كاملة، و ذلك لتناصّها مع هذه الحقول المعرفيّة الأخرى، فهل الأسطورة هي الخرافة أم هي التاريخ أم الفلكلور أم هي الحكاية الشعبية أم هي جزء مهم من اثنولوجيا وصفيّة، لاتزال بوصفها بنية معرفيّة عميقة، تتعلق بمعتقدات الشّعوب و روحانياتها و تقاليدها، تفعل فعلها في حياتنا المعاصرة ؟. إنّها مزيج من هذا و ذاك، و لذا فهي عصيّة على الضبط و التحديد. إنها رؤية متنامية متشعّبة في بنية الزمان التاريخي، و المكان الأثنوجرافي، و تصبح الأسطورة أحياناً تاريخاً و « كل أسطورة تروي تاريخاً ». على حد تعبير كلود ليفي شتراوس(1)

    وتصبح خرافة، و تداخلها مع الخرافة يزيدها تعمية و غموضاً، و التاريخ نفسه يصبح لدى جيل من الأجيال أسطورة. فبغض النظر عن كون شخصيتيْ شهرزاد و شهريار من التاريخ أو الأسطورة، فإنهما يبقيان في بنيتهما العامة جزءاً من السحر و الأسطورة و الخرافة و التاريخ و الميثولوجيا و الفكر و الفن في آن .

    وتاريخياً كانت الأسطورة هي ملاذ الإنسان الأول، للانتصار على خيباته، و لتخطي فواجعه، وسياسياً كانت محاولة لخلق بديل جديد، أكثر إشراقاً وجمالاً، إنها النافذة التي يرى الإنسان العربي من خلالها النورَ و الفرح، لأنها تخلق له حالة توازن نفسي مع محيطه و مجتمعه، فبوساطتها تتمّ عملية الحلم و التخيّل، و الاستذكار، فإذا كان الواقع فاسداً ظالماً، و مرّاً، و الإنسان فيه غير قادر على تحقيق أبسط متطلباته، نتيجة لسلطة هذا الواقع المدمِّرة إنسانياً وأخلاقياً، فالحلم و الثورة هما الوسيلتان الوحيدتان لتخطي هذا الواقع.

    ** لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع يمكنك تحميل هذا الملف كاملا pdf من خلال قسم التحميلات بالموقع …..

    المصدر/ حيفا لنا مجلة أدبية فكرية ثقافيه شهرية.

    الكاتب / د. محمد عبد الرحمن يونس.

    دكتور في الأدب والنقد اختصاصى اللغة العربية وآدابها.

  • بقلم / د. حسن عطية..هل تعبر الدراما عن الشخصية المصرية أم تؤثر فيها وتغيرها..

    هل تعبر الدراما عن الشخصية المصرية أم تؤثر فيها وتغيرها؟!!

    عندما شرعت في كتابة مقال العدد الماضي عن الكاتب الكبير “أسامة أنور عكاشة” قبيل رحيله عن دنيانا بأيام قليلة، كنت أتمني أن تصله كلماتي وهو سابح في لاوعيه بغرفة العناية المركزة، علها تشارك مع دعائنا وجهود الأطباء في منحه القوة لاسترداد وعيه والعودة لنا، كي يمنحنا القوة علي مواجهة الشدائد والمصاعب والفساد الذي ساد مجتمعنا، وصرنا نتحدث عنه كأمر عادي مثل حديثنا عن قمامة الشوارع، وارتباك المرور، والبطالة، والغربة وعدم الانتماء، وكل الآفات التي واجه “عكاشة” الكثير منها في أعماله المتدفقة بالوعي، والمثيرة لمتلقيها كي لا نتعامل معها باعتبارها أمراَ واقعاَ.

    ولم يتوقف أمر كتابة مقالي عن “عكاشة” قبيل رحيله الذي زلزلنا جميعاَ عند حد التمني في أن تصله كلماتي ليعرف أننا جميعاَ حوله وحول إبداعه المتميز، بل أيضاَ كان لدي الأمل في أن تمنحني هذه الكلمات القدرة علي ألا أري وطني غارقاَ في السواد، ومجتمعي ساقطاَ في الوهن، وعقل أهلي تقوده الغيبيات، ومصريتي ضعفت حتى أهينت في كل قطر عربي، وسحلت وعلقت علي أبواب المدن والقرى، خاصة وأنا أشارك في نفس الأسبوع الماضي في واحدة من حلقات النقاش الفكرية، ضمن مؤتمر (الشخصية المصرية في عالم متغير) الذي نظمه المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، فيما بين 23 و25 الماضيين، وأدارت حلقة النقاش بجدارة علمية راقية د. نسرين البغدادي أستاذ علم الاجتماع بالمركز، وشرفت خلالها بالجلوس إلى جوار الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، والكاتب المتألق بلال فضل، ود. أحمد مجدي حجازي نائب رئيس جامعة 6 أكتوبر، ود. سهير لطفي أستاذ علم الاجتماع أيضاَ بالمركز ود. سمير مرقص مدير مؤسسة المصري للحوار والمواطنة، وانطلق النقاش ارتكازاَ علي شهادات المتكلمين علي ما حدث للشخصية المصرية من تغيرات أبرزت جوانبها السلبية بصورة أضعفت من دورها القيادي داخل وخارج الوطن.

    نمط السلوك

    حرصت علي أن أنطلق في شهادتي المتواضعة علي تتبعي النقدي الممتد من أواخر ستينيات القرن الماضي للحركة الثقافية في حقل الدراما المرئية من مسرح وسينما وتليفزيون، منطلقاَ من نقطة وعي تري أن هذه الفنون المرئية، ككل الفنون الأخرى، لا تقف عند حد التعبير عما يحدث للواقع، فترصد ما هو سلبي وما هو إيجابي، وإنما هي مؤثرة في هذا الواقع، وتكاد أن تكون مشاركة فيما آل إليه، فالمبدع كمثقف، واع أو غير واع، لا ينقل ما يعيشه ويراه أو يقرأه في صفحات الحوادث، بل هو يختار ويعيد إنتاج ما أختاره في عمل فني يتأثر به جمهوره، إلى درجة تغيير سلوكه اليومي، ومن ثم شخصيته وعقله.

    والصورة المرئية ذات خطورة كبيرة في دعم أفكار التغيير في لا وعي المشاهد، فالأزياء التي تظهر بها البطلات علي شاشتي السينما والتليفزيون، تصبح موضة لدي فتياتنا، بغض النظر عن أجسامهن وواقع حياتهن، وعندما نقلت السينما المصرية في الأربعينيات والخمسينيات نمط البيت الأمريكي من الأفلام الغربية، بما فيها وجود بار بكل شقة، تحولت كل بيوتنا زمنذاك إلي بيوت أمريكية وأوروبية، بركن ما منها بار صغير، نضع فيه الكؤوس فارغة دونما استخدام، لكنها صارت جزءاَ من نمط سلوكنا، وعندما ركزت الدراما التليفزيونية سابقاَ علي ضرورة وجود مكتبة بديكورات شقة الشخصيات، حرص الجمهور العادي علي تخصيص مكان بشقته لمكتبة، حتى ولو وضع فيها كتب أولاده المدرسية.. غير أن الحالتين دفعتا المواطن لسلك سلوك ما، كان من الممكن تنمية الثاني منه، وربطه بمشروع مكتبة الأسرة، لتصبح للثقافة وجود فاعل في الشقة المصرية، لكن مصممي ديكورات شقتنا التليفزيونية اليوم أهملوا هذا التوجه، فغابت المكتبة عن بيوتنا.

    التعلم والمعرفة

    في المقابل عندما كتب د. “طه حسين” في سيرته الذاتية (الأيام) عن نشأته صبياَ فقيراَ، وصعوده من القرية إلى المدينة فأوروبا، حتى صار واحداَ من أهم مفكرينا وعميداَ للأدب العربي، عرفنا منه أن التعليم والمعرفة والثقافة هم سر تفوقه وصعوده الاجتماعي، وأكدت السينما والتليفزيون علي هذا الجانب في الفيلم والمسلسل اللذين أعدا عن هذه الرواية السيرية، كما صارت علي نهجه فيلم (بداية ونهاية) أوائل ستينيات القرن الماضي، والمعد عن رواية “نجيب محفوظ” الأربعينية، والتي صعد فيها من قاع المجتمع وبدرومه الأخ الثاني “حسين” بالتعليم المتوسط ليستقر به الحال في أسرة ميسورة الحال، وصعد الأخ الثالث “حسنين” بالتحاقه بالكلية الحربية ليصبح ضابطاَ مرموقاَ، بينما يسقط الأخ الأكبر “حسن” في البلطجة وبيع المخدرات بسبب عدم التعلم في بيئة فقيرة، كما تسقط أختهم “نفيسة” في الرذيلة بذات السبب المزدوج: الفقر وعدم التعلم مع غياب الجمال عنها، واستمرت السينما المصرية في تأكيد دور المهندس والطبيب علي الشاشة، ومجدت التعلم والكفاح في فيلم (النمر الأسود) للمخرج “عاطف سالم”، والذي قدم قصة كفاح الخراط المصري الأمي “محمد المصري” في ألمانيا في منتصف ثمانينات القرن الماضي، اعتماداَ علي مهارته وتفوقه العلمي في مجال العمل والملاكمة، ثم انقلبت عليه في أواخر التسعينيات في فيلم “همام في أمستردام” للمخرج “سعيد حامد”، والذي يقدم فيه شخصية الفتي الفقير “همام”، الباحث عن العيش الأفضل في أوروبا، فيسافر إلى هولندا بشهادته المتوسطة التي تساوي العدم، فينسف به الفيلم سمات العلم والتعلم والمعرفة التي لابد أن يغرسها الفن في وعي مشاهديه، ليؤكد علي سمات الفهلوة وشجاعة الشوارع والحانات لدرجة البلطجة.

    المواجهة

    وعندما قدم لنا “محفوظ عبد الرحمن” مسلسله المتميز في ثلاثة أجزاء (بوابة الحلواني) لم يكن يستدعي زمن الخديو “إسماعيل” في نهايات القرن التاسع عشر، بل كان يقرأ هذا التاريخ بعيون معاصرة، ويدفعنا دفعاَ لإعادة قراءة تاريخنا بصورة موضوعية واعية، تتفق مع توجه جيل من المؤرخين الشبان حمل اسم (المؤرخين الجدد)، كما أن صياغة “يسري الجندي” الحالية لمسلسله الجديد (سقوط الخلافة) لا تقف عند حد إعادة إنتاج وقائع سقوط الخلافة العثمانية، وإعلان تركيا الحديثة أوائل القرن العشرين، بل هو يقرأ الواقع الراهن علي خلفية أحداث الأمس، فينبه وعينا بضرورة فهم التفتت العربي الحالي في سياق الصراع مع الغرب، ويربط بذكاء بين عملية إسقاط السلطان “عبد الحميد”، نظراَ لرفضه المحاولات الصهيونية التي قام بها “هيرتزل” والمدعومة بقوة إنجليزية للضغط عليه للاعتراف باحتلال اليهود لأراض فلسطينية، وبذات محاولات الكيان الصهيوني اليوم المدعومة بدورها بقوة أمريكية للضغط علي العرب لعدم قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة.

    إنها الدراما الواعية عندما تتعامل مع التاريخ، والكاتب المنتبه لواقعه والمتصدي لمثالبه، والساعي لتوعية عقل مجتمعه، كي يعيد للشخصية المصرية سماتها الإيجابية وأوجهها المضيئة وقدرتها الفذة علي المواجهة والتصدي لكل صور الفساد والهزيمة، معيداَ لها ما طرحه “فتحي دياب” في مسلسله الجاري تنفيذه حالياَ بتوقيع المخرج “إسماعيل عبد الحافظ”من ضرورة استعاده (روح أكتوبر) التي صنعت نصر 1973، ثم خمدت بفعل ضربات التغييب والفكر الفاسد.

    بقلم / د. حسن عطية

    المصدر /باب دراما مرئية بمجلة أخبار النجوم العدد / 923

    10 يونيو 2010

  • بقلم / د. مصطفى يحيى..ظاهرة الاغتراب فى الفن التشكيلى فى البيئة المصرية ..

    ظاهرة الاغتراب فى الفن التشكيلى فى البيئة المصرية !!

    العمل الفنى رسالة ذات سمة خاصة موجهة من الفنان الإنسان الفرد إلى الآخرين.. فهو يحمى ويدرك أن لديه رسالة أو قيمة أو فكرة غير موجودة لدى الآخرين.. ويود أن يشاركوه حالته الوجدانية العاطفية ويضمهم إلى أفكاره وأحساسيه.. أو هو تركيز وتكثيف لمعاناة ذاتية يهدف صبغها بالمشاعية وإشراك الآخرين وعرضها بوسائله الاتصالية ومراياه العاكسة لواقعه كما يراه من حوله. أى أن الآخر وجوده أساسى لاتصال الفنان به عن طريق عمله الفنى – حيث لا يوجد فن، بدون جمهور.

    • ويعرف مونرو Monroe([1]) الفن بأنه كل نشاط يتضمن الفنون البصرية والموسيقية والأدبية والمسرحية؛ أى كل أنواع المهارة والإنتاج التى تنتج نوعاً من الخبرة الجمالية المشبعة من وجهة نظر الفنان، وتضمن هذه الخبرة، التعبير عن الخبرات الوجدانية الخاصة بالفنان وتوصيلها.

    ويؤكد د. سويف([2]) أن العمل الفنى رسالة موجهة من الأنا (المبدع) إلى الآخر (المتلقى) بقصد النوصل إلى ما يمكن أن نطلق عليه : حالة (النحن)؛ أى توجد الأنا والآخر فى حالة نفسية واحدة، تجمع بينهما وتزيل ما بينهما من فوارق واختلاف فى وجهات النظر والآراء والانفعالات.

    • فإنسان الكهوف البدائى لم تصل ألينا رسالته مكتوبة ولكن عثر عليها مرسومة على جدران كهفه الحجرى المظلم وملونة ووجدت أيضا تمائم تمثل دمى لنساء بدينات متشكلة بالحجر عرفت (بفينوس) العصر الحجرى. وقد عبرت تلك الرسومات عن نشاط الصيد وعراكه مع الغراب والحيوانات البرية وقد تعددت تفسيرات دافعه لرسوماته تلك؛ من ذلك: غزيرة الخوف من الحيوان.
    • فإنه حينما يرسمه فى وضع انهزام ستمكن منه عند ملاقاته فى الصباح، ولا سيما أنه تعمد رسمه والرماح موجهة إليه، ليكون ذلك تعويضاً نفسياً يجلب له الشجاعة ويذهب عنه الخوف. وهناك من ذهب إلى تفسيرات الرسومات بدافع الامتلاك، وأن الإنسان برسمه للحيوان سيمتلكه ويسيطر عليه، إذ الأصل لديه يماثل صورة الشىء كما كان يعتقد. ومازالت بعض القبائل تمارس السحر على صور الأشياء بقصد إيذائها أو السيطرة عليها وهناك تفسير ثالث بأن تلك الرسومات الجدارية الملونة رسمها الإنسان البدائى للتسلية، وبرؤيا جمالية يشعر بعدما ينتهى منها بسعادة ورضا…
    • ويرى الباحث – مع عدم إغفال قيمة الدوافع المفسرة لرسومات البدائى السابقة – أنه ربما استخدمت تلك الرسومات للإرشاد والتنبيه ونقل الخبرة منه إلى عشيرته بنوع الحيوان، وطرق الدفاع والهجوم، ويعد ذلك نوعاً من الإرشاد والفهرسة وتعرف على العالم من حوله حفظاً للخبرة برؤيا تراكمية مبسطة ونقلا لها.

    ** لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع يمكنك تحميل هذا الملف كاملا pdf من خلال الجزء الخاص بالتحميلات بالموقع …..

    بقلم / د. مصطفى يحيى

    المعهد العالى للنقد الفنى اكاديمية الفنون

  • بقلم/ ا. د مصطفى يحيى..الحضور و الغياب فى الفن التشكيلى من البدائى لعصر النهضة..

    الحضور و الغياب فى الفن التشكيلى من البدائى لعصر النهضة !!

    وصلت إلينا رسالة الإنسان البدائى مخربشة علي جدرانه الكهفية معبراَ عن نشاط القنص والقتال وبعض تماثيل حجرية متشكلة لدمي نسائية بها مبالغة في البدانة لمناطق الأنوثة والأمومة (فينوس العصر الحجري).

    فرسالة البدائى وصلت إلينا مرسومة ومتشكلة .. أى أن التعبير (الفني) المخطط والمتشكل سبق اللغة المدونة بعدة آلاف من السنين وإن كان هذا البدائى في تلك المرحلة لم يقصد أن ينتج فناَ بمفهومنا الحديث ولكن كانت له دافعية لإنتاج نشاط ما.

    وندرك أن النشاط الفني يحتوي داخل بنائه بالشكل البسيط رسالة ما .. ذات دلاله ورموز ومعان بلغة الفن أبدعها (الفنان) في مواجهة الآخر .. ليشاركه حالته الوجدانية تارة أو يكشف عوالم جديدة يري الآخر ذاته في مراياها الإبداعية العاكسة.

    أى أن العمل الفني عند إكتمال إبداعه تنتهي وصاية الفنان عليه ويتحول إلى كيان مستقل بذاته من خلال بنائه الإبداعي الداخلي ويحيا خاصة في مواجهة الآخر.

    ونتساءل علي مدي تاريخ الجنس البشري .. البدائي .. الحضاري القديم والتراثى والمعاصر والحديث وما بعد الحديث.

    هل الآخر حاضر أو غائب أو مغيب تجاه الأعمال الفنية التشكيلية وعلي أى مستوي.؟

    وهل الفنان كان ممارساَ حريته الإبداعية أثناء عملية الإبداع وماهي مساحة التفاعل وعلي أي مستوي ؟.

    الحضور: بمعني التواجد المادي والمعنوي والنفسي في مكان وزمان العمل الفني التشكيلي والمشاركة والتشارك بمستويات متعددة أى أن الدال يؤدي إلى دلالة فنية ما .. تتطابق مع معني أو علامة تصل ويتواصل بها هذا الآخر وتجد صدي لديه تاركة مساحة من التفاعل الذاتي الحر مع هذه الدلالة تختلف بإختلاف إنسانية وذاتية الآخر، أى أنه حاضر بوعيه الإنساني والفني بحرية التشارك والمشاركة أو الرفض أو النقد بمستويات متعددة .

    فالحضور له سمة التذوق الفني الإيجابي في الجمع بين حالتي الشعور واللاشعور في آن واحد أو كما يطلق عليها (الحالة الوجدانية الكاملة) .. أو كما ذكرها باش BARCH جروس GROSS التعاطف الوجداني الرمزي أو كما قال عنها الفيلسوف العربي (الغزالى) أنها حالة من النوم النشيط وعندما يتأمل المتلقي الآخر العمل الفني برؤيا جمالية وبنفس سمحة بعيدة عن التعصب أو المواقف والتفسيرات المسبقة والمحددة.

    ** لمزيد من المعلومات حول هذا المضوضوع يمكنك تحميل هذا الملف كاملا pdf من خلال الجزء الخاص بالتحميلات .بالموقع …..

    بقلم/ ا. د مصطفى يحيى

    رئيس قسم الفن التشكيلى

    بالمعهد العالى للنقد الفنى

    اكاديمية الفنون

  • بقلم : زينب عبد الرازق..يوم رحلت الكاتبة الناقدة المبدعة سناء فتح الله ..عاشقة المسرح والوطن…

    عاشقة المسرح والوطن….سناء فتح الله وداعا!!

    رحلت الكاتبة الناقدة المبدعة كنسمة الصباح ، الطيبة كأمهات الزمن الكريم … رحلت واحدة من اهم نقاد المسرح المصري المعاصر … الصامتة …. الصامدة …. الصابرة … الامينة .. الحقيقية .. الحنون ..الرقيقة .. الهادئة .. الوطنية … صاحبة المبادئ التي لا تتغير … عاشقة المسرح … المخلصة للقضية الفلسطينية بصدق …. الناقدة المناضلة في كتابتها …. الام الرءوم … تلميذة الكاتب الصحفي مصطفي امين … وزوجة الكاتب احمد بهجت … ووالدة الابن البار الشاعر محمد بهجت والمخرج خالد بهجت … صديقة العمر لنجوم دفعة 58 اول دفعة صحافة كلية الاداب سناء البيسي و صافيناز كاظم وزينب صادق وسامي متولي وبهيرة مختار … والحاصلة علي درجة الدبلوم في العلوم السياسية .

    ارتبطت مع القراء والمتخصصين بعالم المسرح منذ السبعينات في جريدة الاخبار بعنوان الساعة التاسعة بدأت حياتها العملية في قسم البحوث بأخبار اليوم .. سناء فتح الله الناقدة الصحفية الكبيرة كانت شديدة الاهتمام بكل ما له علاقة بالمسرح وفنونه وكانت دائما ترصد وتحلل القضايا المسرحية المختلفة وكانت شديدة الاهتمام بمسرح الهواة وكانت دائما مدافعة عن القضية الفلسطينية والمسجد الاقصي ومقاومة للسطو الصهيوني لكل ما هو عربي .

    لم ألتق بالكاتبة الكبيرة سناء فتح الله ، لكني فجعت بموتها الذي يكمل سلسلة موت الكبار الذي يمنحك وجودهم الامن والامان والصبر علي مرارات كثيرة هنا وهناك كلما جاء نبأ برحيل قامة إنسانية وفكرية من هذا العالم اشعر بمدي قسوته الايام ومدي صعوبة القادم وحجم الفقدان امس واليوم والغد كنت في بولندا وعلمت بخبر وفاة الكاتبة الكبيرة سناء فتح الله مصادفة … كنت ابحث عن ابني علي صفحات الفيس بوك وفجأة وقعت عيني علي قصيدة محمد بهجت وهو يرثي والدته ويرثي نفسه ويرثي ايضا كل من فقد امه توقفت كثيرا عند جملة : اخر حضن جميل .. اخر ايدين تسند وتشيل … اخر دعاء في صلاة الفجر .. وانفجر الالم بداخلي علي امي وعلي كل الامهات الراحلات .

    كتب الاستاذ هيكل للكاتب احمد بهجت معزيا : عزيزي احمد قلبي معك وقد عرفت ان سناء ودعت هذه الحياة وتركتنا فيها وذهبت ان الظروف لم تسعدني بلقاء هذه الزميلة والصديقة منذ سنوات طويلة لكنني مازلت اذكرها حين رأيتها لاول مرة شتبة حلوة قادمة إلي العمل في القسم الفني والثقافي في الاهرام مع زميلنا القديم كمال الملاخ ومع مجموعة الصفحة الاخيرة الفوارة بالحيوية والشباب في اهرام ذلك الزمان .

    مازلت اتذكر يوم جئت إلي بأمانة الزمالة تقول لي إنك وقعت في حبها وان بينكما مشروع زواج تحقق بالفعل وكنت احد حضوره وتجدد بالخلف وكنت ضمن الشهود وانا اعرفك إنسانا وفنانا مرهف الحس رقيق المشاعر واستطيع ان اتفهم الكثير من عواطفك ومشاعرك واجد فيما اعرف دواعي كثيرة للتعاطف معك .

    ولك ان تقبل مشاركة صديق يعرف قيمتك في لحظة حزن يعرف عمقها ” محمد حسنين هيكل ” .

    وكتبت صافي ناز كاظم : عن صديقة عمرها ” سناء فتح الله … هي ايوب من عصرنا ” ليس سهلا ان اتكلم عنها بصيغة فعل ماض انها سناء فتح الله المفعمة بالحيوية والنشاط والحماس والاقبال علي الحياة تزرع فيها وتسقي تبات الاخلاص والمحبة والصدق والامانة صديقتي في مشوار سنوات تعدت نصف القرن دراسة وعمل بحث عن افراح للوطن نختلف ونتفق ولا تهتز بيننا قيم الوفاء والشهامة والتراحم معا وقفت اقدامنا علي ارضية مشتركة ليست بها مساحة للتبرم من محن الزمن ومصائب الايام فشعارنا ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا شكوي ولا ندم فلا نأسف علي ما فاتنا بنعمة الحمد لله كثيرا حتي اخر مكالمة هاتفية معها قبل سبقها إلي لقائه سبحانه وحده لا شريك له ، كانت كلمات التسبيح بالشكر له وتحية السلام ولا إله إلا الله ، الندي المرطب لشفتيها والمعلق بلسانها فتغلبت علي محنة الابتلاء بالمرض وقهرت الآلام فكأنها وقد شربت كأس الرضي لم تمرض أبدا فطوبي لها صديقتي الوضيئة سناء فتح الله .

    وكتبت نعم ألباز : بعنوان كتبت سناء فتح الله …. والعناد في حب الوطن كتبت سناء فتح الله … خطت ونافست وأرسلت رسائلها الشديدة الصدق لترسي قواعد الحب بالمقدرة وليس كلمة جوفاء … كتبت سناء فتح الله والعناد علي سن القلم .. تنسج قطعة من فن الكتابة للإقناع بوجهة نظرها .. توثق ما تكتب كل القضايا لتغسل وجه الوطن من الزيف الذي أصبح قاعدة الفساد الذي أصبح قاعدة … قلم بمقدرة مغناطيسية علي التقاط القضايا وطرحها بمغناطيسية أخري لتجذب القارئ فينحاز معها للحق وتنقذه من بئر الفساد !!

    كتبت سناء فتح الله : حتى ذاب الجسد في الكتابة .. لم تفقد لياقتها الذهنية وقدرتها علي إحقاق الحق حتي أخر لحظة كانت تطلب من الله في صلواتها أن يكون عقلها أخر مرحلة من مراحل الرحيل وقد كان لها ما طلبت .. سبحانه وتعالي بقدر ما كان الهلاك الصحي بقدر ما منحها نعمة النظرة الثاقبة والواعية لكل ما حولها لم يسقط سيفها لحظة عند الدفاع عن قضاياها !!!

    كتبت سناء فتح الله : حياة كاملة ، شخوصا تعمل فيها بدأت التثقيف وطرح المعرفة .. كتبت مشهرة حكمها لكل القضايا التي تضعف الوطن !! كتبت سناء فتح الله من خلال جسد مفعم بالألم ولم يكن يعلم القراء أنها في هلاك صحي تعيشه منذ أعوام …. تقاتل بضراوة أكثر من علة لم تفقد ابتسامتها الطفولة المشرقة .

    سألتني قارئة مرة عن سناء فتح الله الناقدة المسرحية التي كانت تلقاها دائما في العوض المسرحية ولماذا اختفت ؟ أقنعت القارئة بأنها مجرد هدنة وان سناء ربما تحضر عروضا في أوقات مخالفة واقتنعت القارئة بأن كتابة سناء وقراءتها للنصوص وعرضها لما تقرأ كان يغري القارئ بالمشاهدة أو يحرضه علي الرفض … اختارت في يومياتها مبضع الجراح في قضايانا التي فاضت عن مساحة الأوراق كان أخر ما كتبت مقالها الذي غمست فيه القلم في دم القلب عن فلسطين !! ظلت فلسطين والخسة الإسرائيلية والتفاف العالم حول القاتل الإسرائيلي ظلت فلسطين في قلب سناء وعلي سن القلم .

    كان العناد عند سناء فتح الله تأكيدا لصناعة الكتابة وتلقائية الأدب والالتزام بقارئ ينتظر المشورة ليقف معها في طابور المطحونين والضعفاء تقف بجانبهم لتقوي العزيمة دائما ، اختلفنا كثيرا وكان الاتفاق بعد الخلاف قوة ضاربة في قضايا أمنا بها منذ صبانا في الجامعة لم تكن الصداقة حرة طليقة بيننا بل كان النقاش والتصفية أولا بأول ونصل للنقاء حينما رشحني السياسي الكبير منصور حسن لرئاسة تحرير مجلة حوار عام 1980 أرسل استأذنا عبد الوارث الدسوقي سناء فتح الله لتقنعني ، فقلت لها : ولماذا لا تتقلدين أنت المنصب ؟ ضحكت ضحكتها الطفولة وقالت : أنا زى السمكة وأخبار اليوم آلميه : مش ممكن أعيش براها !! طب ما أنا كمان كده ! ورفضت منطقي تماما وحكيت وقتها لوزير الإعلام السياسي منصور حسن عما قالته سناء فضحك وقال : والله منطق يمكن تصديقه ؟، واقنعتوها بنفس المنطق الذي صدرته لي سناء فتح الله .

    يتعذب القلم حتى لا اكتب ” كانت فإن مقدرتها علي الوجود شديدة القوة … اقتصرت علاقتنا علي التليفونات في السنوات الخمس الأخيرة .. إنا ليعطب في ركبتي وهي لمرضها ، فكنت انتظر سفرها إلي الساحل الشمالي وكان السفر قصة أخري يجري الاستعداد لها بدقة شديدة شهرا قبل السفر … أصررت هذ1ا العام أن ألقاها هناك … طلبتها الأربعاء لم ترد !! وكانت كثيرا لا ترد ، لكنها كانت تبادر وتطلبني فلم تطلب .. طلبتها الخميس فلم ترد !! ومساء الجمعة كان الخبر الزلزال رغم مرضها كانت قوية الحضور … رغم المعاناة كانت الضحكة الطفلة المزغردة هي المقدمة للمكالمة والنهاية أيضا … اكتب وكلما تذكرت أنها لم ترد أحث بخواء الحياة . محمد: عظم الله أجرك يا ابر الأبناء ولعلك ألان مثل الأم التي فقدت ابنها ، فقد تبادلتم المواقع حينما مرضت .. خالد …عوضك الله خيرا يا من كنت تنتظر رأيها في كل ما تفعل . إما الزوج والأخ العزيز احمد بهجت فلا أقول سوي صبرا والله المستعان .. وكتبت سناء فتح الله بنفسها النهاية التي كانت تصلي من اجلها ، إن يبقى عقلها واعيا لأخر لحظة . وكتب الابن محمد بهجت : كنت محظوظا بالاقتراب الشديد من الناقدة المسرحية الكبيرة سناء فتح الله التي رحلت عن عالمنا قبل أيام لأنني كنت ابنها الأصغر الملتصق بها والمرافق لها دائما في حضور العروض المسرحية ومهرجانات المسرح الجامعي والمدرسي والمسر ح الحر ونشاط الهواة في مختلف الإقليم والحقيقة إنني أدين لها بكل ما اعرفه عن عالم المسرح ، فقد علمتني منذ صغري آداب مشاهدة العروض المسرحية وكيفية تذوقها واكتشاف مواطن الجمال والقصور فيها .

    كما تعلمت منها آداب المناقشة وإبداء الرائ بشجاعة ووضوح دون إساءة لجهد الفنان المبدع حتى مع الاختلاف في الرائ وحتى بعهد إن أقعدها المرض علي كرسي متحرك لأكثر من خمس سنوات لم تتوقف عن متابعة الحركة المسرحية و والإسهام فيها لنشر الأبحاث والإصدارات والمنداة بضرورة الاهتمام بتنمية الذوق الفني من خلال المسرح المدرسي فرق الإقليم والهواة ، وفي تصوري إن الحركة النقدية في المسرح قد فقدت ركنا من أهم أركانها .

    الكاتبة الكبيرة سناء فتح الله رحمها الله أثرت الحركة النقدية المسرحية وعلمتنا كيف يكون الناقد منزها عن كل غرض وان يكون أمين مع القارئ وإلا يدخل مصالحهم الشخصية في عملهم … كانت تمتلك شجاعة نادرة في إبداء رائيها وكانت لها مواقفها التي لا تنسي في الوقوف بجوار الحق في هذا الزمان التي تشرفت بالكتابة فيه …

    أخر الإحزان ” إهداء إلي أمي وأستاذتي سناء فتح الله

    طابور يسلم أيد ورا أيد وناس تبص بحزن شديد وأنا اللي ثابت في مكاني ” يجعلها أخر إحزانك “

    ماهي أخر إحزانك يجعلها أخر مصا يبنا أخر ودعنا لحبيبنا أخدنا من الحلو نصيبنا والمر عارف عنواني

    يجعلها أخر حضن جميل أخر أيدين تسد وتشيل وعيون حنانها الصافي يسيل والقلب يفرح علشاني

    أخر لسان يصرخ بالحق وقلم ينزف كلمة لا أخر قمر لو غاب وانشق في الجنة هينور تاني

    أخر دعاء في صلاة الفجر أخر مليكه في ليلة القدر أخر سبب لنزول رحمة

    مش باقي غير الزيف والغدر وطفل عايش وحداني يجعلها أخر إحزاني

    ” محمد بهجت ”

    بقلم : زينب عبد الرازق

    المصدر : مجلة نصف الدنيا العدد : 1067

    23 يوليو 2010

  • بقلم / د. عبد الرحمن بن زيدان – نهاد صليحة .. تصدت لكل أشكال التجريب وفرقت بين السرعة المتأنية والتسريع المتهور

    نهاد صليحة .. تصدت لكل أشكال التجريب وفرقت بين السرعة المتأنية والتسريع المتهور!!

    بناء الجديد على انقاض القديم!!

    التزمت بتفكيك كل أشكال التشدد أثناء المقاربة النقدية

    مقاصد النقد وأهدافه في تلقى التجريب المسرحي لا يمكن إثارة موضوع النقد المسرحي المصري لمعرفة توجهاته الجديدة ومناحيه الأكثر حضوراً في نزوعه نحو الوصول إلى حالة التناغم مع حركية القراءة المبدعة للمسرح المصري، إلا بالتعرف على مستويات التفاعل المتبصر والواعي مع مدارس النقد الجديد في الغرب واستحضار تجاربه المتميزة في إنتاج الخطاب النقدي ومساهمته بكل إصرار وطموح فى ترجمة الحصيلة المعرفية لما وصل إليه الغرب من بدائل في الدرس النقدي ومناهجه وما بلغ اليه من معرفة بالنقد أثناء قراءة التجارب المسرحية وتقديم إشكالاتها بطرق سليمة تساعد على منح الدلالات المسرحية معانيها بثقافة القراءة والتحليل وتركيب قضايا الواقع بخطاب نقد له درايته وله علمه بالتجارب المسرحية وله معرفته الدقيقة بآخر صيحات وموجات التجريب المسرحي في هذا الغرب بكل ما ينطوي عليه من جديد وبكل ما يقدمه من نتائج يدبج أسسها وقواعدها بنظريات تصير – بعد تجريبها – ملكاً للثقافة العالمية ويقدمها كتجارب صارت لها قدرتها على فتح باب المعرفة على مصراعيه بكفايات تصل إلى مقاربة هذه التحول وقد صار يمثل العمر الإبداعي للطفرة النوعية التي راهنت بها الدكتورة نهاد صليحة فى هذا النقد – مع الجيل النابه الذى رافقها في مسيرتها – على الاندماج مع هذه الثقافة والتعرف على معانيها وفى الآن نفسه الانفصال عنها بعد ترجمتها الى فعل قرائي يجرب معرفته بمعرفتها في مقاربة التجريب المسرحي في العالم وفى مصر ويجرب ترجمة فهمه إلى حوار بين الثقافات والفنون وتاريخ نظريات المسرح القديمة التي ترفضها بعد الاطلاع على متحفيتها وتقبل منها المستحدثة التي تأخذ منها قوتها المعرفية لتغيير ما يمكن تغييره من ممارسات قرائية في تلقى العرض المسرحي.

    والقيمة الرمزية للناقدة نهاد صليحة في الاتصال بهذه المعرفة وفى هذا الانفصال عنها لا تتعلق بتأثيرها في العملية النقدية الأدبية، والفنية فى مصر فقط – بل يصل هذا التأثير إلى الوطن العربى، بحكم ما تحمله هذه القيمة من مظاهر البحث فى اشكاليات الفنون، وما ترسمه من أبعاد البعد الجديد والمغايرة للممارسة القرائية للمسرح، معها صارت فاعلة فى إنتاج معنى القراءة، والنقد ، والتلقى المسرحى مع كوكبة من العارفات بأصول هذا النقد ومصطلحاته، ومفاهىمها الجديدة فى مصر، من بينهن الناقدات فاطمة موسى، ومنحة البطراوى، وصافىناز كاظم وعبلة روينى، وآمال بكير، وسامية أسعد، وهدى وصفى، وسامية حبيب، وذلك بعد أن امتلكت مثلهن القدرة على تمثل فعالية أدوات التحليل و الفهم، فقدمت نظريات النقد إ لى المتلقى العربى، وضبطت آليات اشتغال بنيات ودلالات العملية المسرحية فى وجود النص والعرض أساساً، وفى كل مستويات الفرجة ومن هنا أصبحت هذه القيمة محفزاً معرفياً لها على إنجاز قراءة الجديد بجديد هذه الأدوات، وأصبحت تفصح عن ذكر أسرار العرض، وتبوح بما سكت عن ذكره النص المكتوب أو على وجه التحديد نص العرض، بجرأة قوامها تأسيس التوجه الجديد فى القراءة العارفة التى تعرف كيف تفهم، وكيف تقرأ، وكيف تسير مع انبساط هذا النص، أو وجوده فى منعرجات التركيبات النسقية التى تكون بنياته للوصول به إلى خارج حدود التنميط القسرى الذى يصادر منه شعريته فى التعبير والتصور والهدم ثم البناء وذلك بدعوى هدم كل الضرورات الملزمة للمتلقى القارئ الملزوم بإتباع القراءة النموذجية التى تعيد ما حبره قراء ونقاد آخرون فى خطاب النقد الذى لا يصل مستواه عند بعضهم إلى فهم البنيات العميقة فى الكتابة النصية بعلامات النص والفرجة ولا يقارب بمعرفته العميقة السياقات، ولا يدرك ضوابط الشروط الخاصة والعامة التى تحكم العملية الإبداعية التى تقبل مؤقتاً ما تستجمعه من معارف لتتمرد بعدها على هذه الثقافة اثناء توليد تصورات ومفاهيم أخرى تستجيب لطبيعة وظروف المبدع وظروف وملابسات الوضع الثقافى فى مصر. والناقدة نهاد صليحة بمثل هذه المعرفة الموروثة من ثقافتها العربية والمكتسبة عندها من الغرب وبفضل درايتها بأسرار لغة الترجمة وما تحمله من معارف وما تقدمه من أبحاث ومدارس وتيارات أدبية وفنية تريد أن تتصدى لكا أشكال التجريب العارم بجعل معرفتها وترجماتها قناة حقيقية تنقل بها المعرفة والمناهج وتعرف بشعريات النظريات المسرحية وتنقلها الى السياق الثقافى العربى وتقرب المتلقي المصري من خلاصات وتمظهرات التجريب المسرحي فى الغرب وبها تنوع معرفتها لتنوع خبرات هذا المتلقي ودرايته بأسرار اللعبة المسرحية وبها تسير بمعاني القراءة الى المفاهيم التى تدعمها بمرجعيات تغيب أثناء وبعد ممارسة فعل هذه القراءة وتوظفها فى تحريك رؤيتها وبنائها بالشكل السليم والمرن والفاهم أثناء القراءة حتى لا تصير هذه القراءة إعادة لما قيل أو تصير نظريات لا تتكلم عن النص أو قضايا المسرح العربى، بقدر ما تتكلم بما تقدمه هذه النظريات من أفكار بعيداً عن معنى العرض أو معنى الأطروحة العصية المراد فهمها وتوظيفها فى السياق العربى وهى المفارقة التى عملت على تجاوزها بعد أن أخذت من المعرفة والفهم ما به فعلت حيوية القراءة لأنها تعتبر هذه النظريات ومهما اختلفت مصادرها وتوجهاتها – عبارة عن مكتسبات تحفز على التفاعل بين الأفكار وتعدها وسيلة من بين وسائل المقاربة النقدية وليست غاية فى حد ذاتها وليست هدفاً محدداً لا يمكن التمسك بغيره من الأهداف هذه النظريات فى نظرها تمثل مفاتيح الابداع وليست اقفالاً للتخييل وهى فى نفس الآن تبقى عوامل مساعدة تعين على الكشف عن حياة المتخيل فى فنون هذا الابداع الفرجوى، وليس نظرية تحتل مكان هذه الحياة أو تصبح بديلاً عن شعرية الدراما أو تصير خلفاً لعوالمها. لأن الإبداع يبقى هو عالم التخييل والنظرية النقدية تبقى أدوات إجرائية تغادر قوتها الدلالية لتتحول الى شريك للإبداع فى إبداع ما خفى فى ذاته وفى علاماته.

    علمياً فالمعرفة بهذه المناهج – فى منظور الناقدة نهاد صليحة ليست موضع خلاف بين المشتغلين بالنقد لأنها المعرفة المزدهرة فى الحياة النقدية الجديدة بكل أبعادها وحيويتها فى فعالية التعامل مع النظرية النقدية بعد فهمها وتوظيفها لفهم معانى التجريب المسرحى وبتشغيلها أثناء تتبع حيوات العرض وعوالمه وجرأته كسرت كل القيود التى تطوق انطلاقة أبعاد العرض الدلالية أو تحول بين حريته وبين الافصاح عن معانيه، والتزمت بتفكيك كل أشكال التشدد أثناء المقاربة النقدية التى بنت عليها جرأتها أثناء المقاربات النقدية وأثناء بناء الجديد على أنقاض القديم وتشييد حديثها على حداثة البنيات والرؤى الحالمة أو الواقعية أو السريالية.

    بهذه المعرفة تميزت قراءة المسرح المصرى فى كتابها “المسرح بين النص والعرض” بمقاربة العرض المسرحى المصرى وفى كتابها “المسرح بين الحياة والفن” عملت على فك غموض معنى التجريب المسرحى فى بعديه النظرى والتطبيقى وضبطت حدود التفاعل فى هذا التجريب هل هى فى التميز والاختلاف أم فى التبعية والتقليد؟ وتطرقت إلى موضوع تجليات التجريب المسرحى فى صورته العربية وأثناء الحديث عن التجريب تناولت – بجرأة موضوع المسرح بين التهميش والتحريم وتناولت مسالة التجريب بين الحرية والتبعية ومسألة الجسد فى الواقع والمسرح بين الضحك والكوميديا والمسرح بين الأصالة والتجديد ومسألة ترجمة النص المسرحى وهى فى هذا التناول النقدى لإشكاليات المسرح والحياة تمنح للنقد المسرحى المصرى إمكانات قراءة معنى التصورات التى يقدمها النقد الجديد فى قراءة الواقع الثقافى والنقدى والسياسى والمؤسساتى فى مصر، كما أنها تحدد موضوع المسرح المصرى لتضعه فى مختبر التحليل النقدى لفهم العرض المسرحى المصرى الذى أثار النقاش حول بنياته ودلالاته التجريبية كما أنها أرادت الوصول بفهمها إلى ما يريد إبلاغه هذا العرض من قضايا مصرية تمثل القوة الدلالية الكامنة وراء قوته الدرامية التجريبية.

    فكيف يفصح العرض المصرى عن دلالاته فى مختبر التحليل النقدى عند الدكتورة نهاد صليحة؟

    وكيف تدافع الناقدة نهاد صليحة عن منهجها فى النقد أثناء قراءة العرض المسرحى دون التفريط فى أصول المسرح والدراما؟

    المسرح المصري فى مختبر نظرية العرض المسرحي تتمسك الناقدة نهاد صليحة بعرى القناعات المتمردة فى اختياراتها على مقاربة البعد الواحد فى النص أو العرض المسرحى وتثبت الذاتية والذوقية والمعرفة بأصول المسرح والدراما ونظرية العرض المسرحى وتدافع على أصول وقواعد المناهج الجديدة فى النقد وكانت كلما اقتربت من عمق هذه الاصول فى قراءة العرض المسرحى المصرى إلا وتريد أن تتريث فى تطبيق القواعد حرفياً أو تقليداً أو تمشياً مع موضة التجديد، دون مراعاة شرط التمثل والفهم لأن أزمنة النظريات الأدبية والنقدية فى هذا التريث موصولة الصلة الى خصوصيات ثقافية مصرية محددة تريد أن تطبع فهمها لهذه النظرية بميسمها الخاص وتطبق نظرية العرض المسرحى على قراءة العرض المسرحى برؤيتها الخاصة وترسم لأسلوبها معنى الاختلاف وتفرق بين السرعة المتأنية والتسرع المتهور فى تقبل واستقبال هذه المعرفة النظرية فتعطى لعنصر الزمن أهميته فى معرفة الضرويات التى يفرضها التاريخ العربى المحكوم بحتمية الخروج من أزمنة التخلف والمحكوم بالرهان على الحداثة ويتطلع الى زمن ما بعد الحداثة فى الإبداع تحقيقاً للتطور والتقدم المنشودين، تمشياً مع السرعة المتأنية المطلوبة التى لا تجافى هذه الضروريات ولا تعاديها ولا تقصيها.

    إن السرعة المتأنية عند الناقدة نهاد صليحة هى الرغبة فى الوصول إلى النتائج المرجوة من التطور بعد وضع الأسس المتينة للثقافة المرجوة للمجتمع العربى، وهذه السرعة تبقى رهينة الزمن وصيرورته ورهن التاريخ العربي حاضراً ومستقبلاً داخل السيرورة الثقافية العربية تقدماً أو انحساراً حفاظاً على الهوية، أو ذوبانها فى الآخر أما التسرع فهو محكوم عندها بغموض النتائج ولبس الزمن ومحكوم بعشوائية الاختيارات ومحكوم حتمياً بفشل التجربة التى تريد الوصول الى معانى التاريخ والحضارة بلهفة مجنونة ورغبة عمياء دون عقلانية متبصرة حكيمة تضبط إيقاع السير بهذه السرعة لالتحاق بالركب الحضاري الإنساني دون التفريط بهذا التسرع في الرهانات الحقيقية لبناء حداثة المستقبل العربي.

    إن عدم التغير فى الثقافة يصير بلا معنى حتى تصبح هذه الثقافة مبنية على اختيارات التسرع العشوائي، وتبقى حبيسة هذا المأزق، وتصبح بذلك نسخة لنسخ بدون أصل، فى حين أن ما تريده الناقدة نهاد صليحة من المسير الثقافى الحقيقي المصري هو الققافة الحيوية الجديدة بالمعنى الثقافى الذى يصون بأصله العربى أصالته الثقافية فى العالم المتحول، ويحافظ على هذا الأصل، ويطوره، دون إغراقه فى مستوردات نظرية جاهزة تنقضى فعاليتها بانقضاء تاريخ صلاحية استعمالها أثناء استخدام أصول غير الأصول العربية الثقافية.

    ومن فهمها لعمق العراك بين التيارات الفكرية العديدة التى تخترق مجال الثقافة المسرحية العربية فى الوطن العربي بهذه النظريات, ومن اعترافها بجدوى المحاولات المتعددة لكثير من النقاد، والمفكرين، والأدباء فى مصر، فى فرض دلالاتهم الخاصة على مفهوم ” الأصالة” فى علاقتها بقضية المعاصرة، وقضية التأثير الثقافى، أو ما تسميه بالغزو الثقافى فى ظل العولمة، أرادت أن تقدم موقفها من هذا التغير اعتمادا على التوكيد على أن المسرح بهذه الأصالة ، يبقي نشاطا جماعيا- أيضا- فى مرحلة الإعداد، والتنفيذ، وهو نشاط جماعى- أيضا- فى مرحلة التلقى ، لهذا وجدت أن قضية الأصالة تمثل المفتاح السحرى لفهم ما يدور فى الساحة المسرحية المصرية من أشكال تجريب كلها تسعى إلى ان تكون الضابط القوي للسرعة التى بها تصبح الأساليب العربية الحديثة جزء لا يتجزأ من نسيج مسرحى صميم ترقى به الإبداعية المصرية العربية فى مجال الدراما فكريا لتغدو فنا عالميا.

    وبين هذه السرعة المتبصرة التي تسير في الزمان وفى المكان، كسير ينمى القدرة على استشراف افاق التجربة الثقافية، والنقدية العربية، وبين التسرع الاستهلاكي الذى يغمض عيون المتلقي على رؤية الذات، وفهم الآخر، وإدراك نوعية العلاقات السائدة فى العالم، تريد الناقد نهاد صليحة، الوصول بالسرعة الواعية بقنوات التواصل إلى ضمان السير المعرفي السليم للوصول إلى أفق المعنى، أو بلوغ المعاني التي لا يصل إليها النقد المثقف، والتلقي المثقف، إلا بتوفر شرط المهارة، والحذق، والفهم، والقدرة على إنجاز معانى هذا الفهم في معانى النقد، وفهم معانى الخطابات والعلامات المتداخلة، والمتجاورة ، والمتقاطعة، التي تكون فى متخيل التجريب المسرحي القدرة الممكنة التي تتمرد على الواقع الفني، وتتمرد على الجماليات المحنطة، كما أحدثت ذلك الثورة الحداثية التي تحدث في المجتمع الثقافي والفني الغربي.

    وترى أن هذه السرعة في التحديث هي التي تصلح ما أفسده التكرار، وشوهه التقليد ، وحنطه الجمود الفكري، وقتلته الانغلاقية المميتة، ومعنى هذا أن التحديث هو الذى يهدم أركان كل ما قام على باطل، وهو ما لمسته في تمظهرات النقد المسرحي وتحولاته في مصر حين أكدت ذلك بقولها:( لقد بدأ النقد لمسرحي يصلح من مساره، ويجتهد فى تحليل العرض المسرح. بقدر اجتهاد فى تحليل النص- ويهتم بإبداع المخرج- وفناني العرض مثل اهتمامه بإبداع المؤلف، بل يرصد الجدل، والتراسل، والحوار بين النص والعرض، وما يثمره ذلك من تنوع، وثراء فى دلالات التجربة المسرحية وجوانبها الجمالية).

    هذا جعلها تتبنى بفهم عميق وموضوعى – نظريات التلقى المسرحى وشعرياته وتتبنى نظريات العرض المسرحى ومداراته وتعى الفروقات بين الممارسة النقدية التى كانت تركز على النص الأدبى الدرامى المكتوب وبين أشكال تلقى المسرح فى شعريات النظرية التواصلية وتدرك الفرق بين نقود كانت لا تعطى الأهمية للمكونات الأخرى للمسرح بعد إنجازه كنشاط إبداعى جماعى أثناء التواصل مع المتلقى كمكمل للعملية التواصلية وتلق يتبنى نظريات التلقى اعتماداً على رولان بارت وإيزر وياوس وباتريس بافيس وآن أوبيرسفيلد…

    وعلى الرغم من اختلاف منظور كل ناقد من هؤلاء فى تلقى بهاء وجماليات المسرح فإن التلقى المسرحى صار عالماً من العوالم التى تستدعى نوعاً جديداً من تلقى المسرح وصار محكوماً برد القيمة إلى بنيات النص وعلاماته والتفريق بين التلقى الضمنى والناقد المفترض والناقد المبدع الذى يشارك فى إبداع نص العرض بإبداع نص التلقى وفى هذا المضمار تتحدث الناقدة نهاد صليحة عن هذه الثورة التى حققها زمن التلقى الجديد فى أزمنة التلقى المسرحي العربي وتعتبره تجاوزاً لكل أشكال المقاربات النقدية فتقول : (إن التطرق إلى مناقشة التلقى يمثل فى تصوري مشروع ثورة ضد سلطوية المؤسسات الأدبية والفنية والنقدية والأكاديمية بل والسياسية والتراثية أيضاً أى المؤسسات التي تبنى فرضية ثبات المعنى وخلوده والتي يتسيد فيها النص الموروث الحقيقة التاريخية والتفاعلات الاجتماعية إنها ثورة تجادل الحق المطلق للمؤسسات فى إعطاء المعنى وتحديده وإرساء القيم، وتنقل هذا إلى المتلقى/ المواطن القابع فى ظلام تجهيل الهوية فى ساحات الفعل “المسرحى/ الاجتماعى” وذلك بغية أن يتحول من متفرج سلبى إلى مشارك فى صنع المعنى ومؤسس إيجابى “للعرض/ الفعل” معرفياً وجمالياً وإلى واضع القيمة فى نسبتها التاريخية المتحولة دوماً.

    وبهذا التوجه الجديد فى تلقى العرض المسرحى المصرى والعالمى أعلنت الناقدة نهاد صليحة عن أسباب تبنى هذا المسير الثورى وأعلنت عن كيفية تطبيقه على المسرح المصرى لتنتقل بتلقيها المبدع للعرض المسرحى إلى زمن التلقى المشارك فى إبداع هذا العرض اعتماداً على قراءة نصوص العديد من الكتاب الذين كانوا وراء تطوير أساليب تأصيل معانى المسرح المصرى مثل ألفريد فرج، ويوسف إدريس، ومحمود دياب، ورأفت الدويرى، وعبد العزيز حمودة، وفوزى فهمى، واعتمادا أيضا على نتاجات مبدعين لزمن العرض المسرحى تحدثت عنهم بحب ممزوج بقراءة عاشقة لتجاربهم فى كتابها “المسرح بين النص والعرض وقدمت قراءتها للنصوص التى تحولت بفضل إبداعاتهم إلى عروض خرجت على النمطية فى تطويق العمل الجماعى فى عمل المخرج وحده دون الالتفات الى جماعية العمل الفنى ومشاركة مختلف التخصصات التى تنسجم فى بنية نص العرض ومن بين هذه المسرحيات / العروض:

    تحت الأرض “تأليف محمد سلماوى وإخراج فهمى الخولى”.

    “ابن الكلب” تأليف عبد العزيز حمودة إخراج أحمد زكى.

    “دماء على ستار الكعبة” تأليف فاروق جويدة، إخراج هانى مطاوع.

    “الملك هو الملك” تأليف سعد الله ونوس، إخراج مراد منير.

    “عفريت لكل مواطن” تأليف لينين الرملى، إخراج محمد أبو داود.

    “أهلا يا بكوات” تأليف لينين الرملى، إخراج عصام السيد.

    “سالومى” تأليف محمد سلماوى، إخراج فهمى الخولى.

    “الغربان” تأليف محمد عنانى، إخراج كمال الدين حسين.

    “انقلاب” اعداد جلال الشرقاوى من خلال أشعار صلاح جاهين إخراج جلال الشرقاوى.

    “القاهرة 80” إعداد السيد طليب وسمير العصفوري، عن رواية “قتل الزعيم” للروائى نجيب محفوظ ، إخراج سمير العصفوري.

    “عصفور الجنة” تأليف بيومي قنديل، إخراج الدكتور محمد عبد المعطى.

    “أوبريت الشحاذين” إعداد عزت عبد الوهاب عن برتولد بريخت “أوبرا الثلاث بنسات” إخراج عبد الرحمن الشافعي.

    “الحادثة” تأليف لينين الرملي (عن رواية “جامع الفراشات” للكاتب البريطانى جون روبرت فاولز) إخراج عصام السيد.

    “سجن النساء” تأليف فتحية العسال إخراج الدكتور عادل هاشم.

    وأبانت الناقدة نهاد صليحة فى قراءتها لهذه العروض عن إلمام وإدراك عميقين لطبيعة التكوين الدلالي والعلاماتى والاجتماعي لهذه العروض، وكشفت عن عمق متابعة حيثية للتجربة المسرحية المصرية فى تجربة إبداع العرض المسرحي، ولم تتحدث فقط عن المؤلفين والمخرجين، بل تحدثت على العمل الجماعي الذى كان وراء إنجازه مصممو الديكور، ومؤلفو الموسيقى التصويرية الدرامية ومصممو الزى المسرحي ومصممو الرقصات وتحدثت عن مساهمة المؤسسة المنتجة للعرض، وأشارت إلى تاريخ ومكان تقديمه، وهى فى هذه القراءة المتفحصة الشاملة أرادت أن تكون وفيه للمناهج الذى اتبعته لتحقيق الأهداف التالية:

    تثوير مناهج النقد المسرحي وتحريرها من تبعيتها للأدب من خلال عملها التطبيقي.

    العمل بهذا التطبيق للمناهج الجديدة على تغيير مسيرات النقد العربي الحديث والدخول به فى أزمنة ما بعد الحداثة أو ما بعد البنيوية والتي ولد في رحمها النقد التفكيكى ونظرية التلقى أو ما تسميه الناقدة نظرية الاستقبال حسب الترجمة التي تقدمها للمصطلح.

    الدعوة الى عدم البقاء فى عزلة آمنة بعيدة عن الفكر النقدي المعاصر.

    وهى بهذا الإنجاز القرائي الإبداعي تكون قد وضعت سؤال المعرفة النقدية ووضعت هوية المجتمع المصري في سياق قرائي جديد مبررة هذا الاختيار بتبنى معان جديدة ترتبط برهانات جديدة تروم بها أن يمتلك النقد المسرحي العربى فهماً بديلاً عن الفهم السائد فى الممارسة النقدية تثويراً أولا لمستوى فهم الواقع المصري وثانياً يكون فهماً أكثر عمقاً لشعرية ودرامية الدراما أثناء تجريب أدوات إجرائية جديدة تكون أكثر فعالية فى المعرفة النقدية المبدعة وتكون أكثر قدرة على فهم إشكاليات التبعية وفهم تحولات المجتمع المصري.

    فما المفاهيم التي رصدتها الناقدة في خطابها النقدي حول التبعية والهوية والمجتمع المصري؟

    وكيف تبرز كفاياتها النقدية، ومهاراتها لإبراز معانى مصر فى صورة البناء الدرامي في علاقاته بالتجريب المسرحي وبالثقافة وبالتاريخ المصري؟

    المصدر/ جريدة مسرحنا

    العدد 95- بتاريخ 4 من مايو 2009

    بقلم / د. عبد الرحمن بن زيدان

    “المغرب”

  • تعرفوا على التجريب في سينوغرافيا العرض المسرحي..

    التجريب في سينوغرافيا العرض المسرحي !!

    توطئة

    المسرح التجريبي تقوم فكرة التجريب في المسرح على تجاوز ما هو مطروح من الأشكال المختلفة للمسرحية من حيث الشكل أو الرؤية؛ لكي تقدم لنا فكرة متقدمة عما هو موجود بالفعل، وكلمة تجريب مرتبطة بالتحديث وهذا الربط يفصل بين الأصيل والجديد، والتجريب يخاطب مختلف التيارات الفكرية والسياسية والعقائدية.

    التجريب في المسرح

    . ما سأذكره هنا قد يبدو من البديهيات. وهو كذلك، لكن ربط البديهيات بعضها ببعض أو بحولياتها المرحلية قد يوصلنا في أحايين كثيرة إلى نتائج جديدة.

    في الحياة، ثمة أفعال واعمال نمارسها على نحو تلقائي، من دون التفكير بتصنيفها أو تبويبها أو وضعها في خانة اصطلاحية معينة. من ذلك التجربة والتجريب فالتجريبية. ولذلك يمكن أن يشوب استخدامها نوع من الغموض في حال تحويلها الى مصطلح يراد منه مفهوم معين. مع ذلك ليس لنا أن ننسى ان معظم استخداماتنا للغة هي اصطلاحية في الأساس.

    رافق التجريب الإنسان منذ البدء، فهو غير قادر على العيش والتطور والتقدم من دون ممارسة التجريب. فالتجريب يشمل مناحي الحياة جميعاً من دوننسى ان معظم استخداماتنا للغة هي اصطلاحية في الأساس.

    ن أدنى شك. وقد أعد الناس التجريب من بديهيات الحياة، لذا قلما نراه يلتفت اليه بحث ودراسة، حتى أننا نعثر هنا وهناك على أمثال شعبية، وحكم تتناول أهمية التجريب في حياة الإنسان، والتعلم من نتائجه. فهناك مثل يقول: لا تعرف الشخص ما لم تجربه. مثل آخر يقول: التجربة أكبر برهان، وآخر يقول: الشيء المجرب خير من غير المجرب.. الخ.

    مع ذلك، تعد التجريبية والتجريب اليوم كمصطلحات اتخذت مفهوم مدرسة أو مذهب او اتجاه. ولدت كمصطلحات في رحم النهضة العلمية الاوروبية الحديثة، التي سرعان ما صاحبتها أو تلتها نهضة صناعية. كان للفلسفة دور أيضاً في تناولها، في الفترة نفسها تقريباً، اعتماداً على التجارب العلمية، وها هما ينتقلان الى مجال الفنون والآداب نوعاً ما، حيث أخذنا نسمع تكرار: تجريبي، تجريبية.. الى درجة أن أقيمت لها مهرجانات”آخر ما سمعنا به المهرجان المقام في القاهرة الخاص بالمسرح التجريبي “، مما يكشف عن مدى شيوع المصطلح في الآونة الأخيرة بين أروقة المسرح، ليس عندنا فقط بل عمّ المنطقة. غير أن الأمر تعدى الأبعاد المألوفة بحيث بات كل منتج/ عمل مسرحي يعد تجريبياً، أكان كوميدياً أم تراجيدياً، من دون محاولة للرجوع إلى المفهوم الأصل لهذا الاصطلاح أو للاصطلاحات العلمية والفلسفية له. فقد غدا التجريب تقليعة أو”مودة “ يتزين بها الجميع، رغم عدم وجود رابط يربط بين هذه الأعمال من بعيد أو قريب، سوى أنها عروض مسرحية تختلف عن بعضها البعض أسلوباً وتقنية، تنفيذاً أو توجهاً، وما الى ذلك، تماماً كما كان الحال عليه قبل ظهور هذا الاصطلاح/ التقليعة. وان دل هذا الأمر على شيء فإنه يدل على فقر في الابتكار أولاً، وجرياً على التقليد الأعمى بما يأتي به الآخر، وغياب النقد غير المقلد من دون تمحيص.
    لتوضيح ما نقصد اليه في هذا الشأن، نتناول بالشرح الموجز ثلاث كلمات ذات الصلة، علّنا نصل إلى مفاهيمها الأساسية، التي منها اشتقت هذه المصطلحات، وتبيان مدى قرب الصلة من عدمه، ومنهجية الاشتقاق من عشوائيته: التجربة، التجريب وأخيراً التجريبية.

    التجربة: يعادلها بالانكليزية experiment المأخوذة عن اللاتينية. يخبرنا المنجد في اللغة والاعلام، ط 27، ص84، تحت الجذر”جرب “: جَرَّبَ تجريباً وتجربة جَرّبّه: اختبره وامتحنه. كما يخبرنا لسان العرب، المجلد الأول، ص429 – 430، تحت الجذر”جرب “ أيضاً: وجَرَّبَ الرجل تجربة: اختبره، والتجربة من المصادر المجموعة.. المجَرّب: الذي قد جُرِّب في الأمور وعُرِفَ ما عنده.. ودراهم مجربة: موزونة. أما في الموسوعة الفلسفية”وضع لجنة من العلماء السوفيت، ترجمة سمير كرم “ ص109، نجد: التجربة experiment- بحث في الظواهر عن طريق التأثير الايجابي فيها بخلق ظروف جديدة تتفق مع الاهداف التي يسعى اليها الباحث، او عن طريق تغيير العملية في الاتجاه المطلوب، والتجربة جانب من الممارسة التاريخية الاجتماعية الانسانية، ومن ثم فهي مصدر للمعرفة ومعيار لصدق الفروض والنظريات. ولابد من التمييز بين الملاحظة البسيطة والتجربة الحقيقية.. ويتعين ان تتميز التجربة الحقيقية ايضاً عما يسمى”التجربة الذهنية “، وهي حجة منطقية عن المسار الذي تتخذه هذه الظاهرة او تلك.

    التجربة اذن فعالية انسانية متأصلة فيه منذ القدم، نختبر بها امكانية التحقق من شيء مفترض لا نعرف مديات صحته، لكن فرضية التجربة تؤملنا بالخير من نتائجها، في حال أتت النتائج صحيحة، من عدم صحته لكن فرضية التجربة تأملنا بالخير من نتائجها في حال أتت النتائج صحيحة، علماً بأن هناك من يمارس التجربة لأغراض يؤمل منها الخير لنفسه فقط، حتى وان جرّ ذلك شراً على الآخرين. والناس، كما قلنا، يمارسون جميعاً التجربة بهذا القدر او ذاك، بشكل مدروس او غير مدروس، او بشكل ارتجالي وربما تلقائي، بينما يمارسها في العلوم عن دراية ووعي وقصد.

    ونحن عادة ما نفيد من تجارب سابقة في توجهنا الى تجربة جديدة، لهذا لا تمثل التجربة اتجاهاً”فنياً، مذهبياً، مدرسياً وما الى ذلك “ يخص فئة دون أخرى، وبهذا فان التجربة في المسرح ليست بنت اليوم قطعاً. لقد كانت قائمة لدى الجميع منذ بدء المسرح ولغاية اليوم وغداً أيضاً.
    التجريب: هو اسم لفاعلية الفعل يجرب. نختبر به صلاحية او عدم صلاحية شيء، هذا الشيء يكون في الغالب الأعم معطى سلفاً او مفترض. وهو اسم فعل للتجربة، نقوم به باستمرار وبأشكال متنوعة، ذلك اننا نجرب صلاحية، ملاءمة، مطابقة، مواءمة، مناسبة.. هذا الشيء لشيء آخر، أو عدم.. الخ، فأنت تجرب هذا الزي، اللون، الكرسي، الحالة، الحركة، الإيماءة وما الى ذلك: هل هو مناسب، ملائم.. وهكذا دواليك، أم ليس.. وهكذا دواليك.

    معروف، بل من البديهي، ان التمارين المسرحية الجارية قبل الوصول الى يوم العرض هي عبارة عن تجريب في تجريب. هنا تجرّب الحركة، الإيقاع، طبقة الصوت، الإيماءة، العلاقة مع الممثل الآخر، مع البيئة الموجودة على خشبة المسرح أو حيز التمثيل، مع الإضاءة، المؤثرات الصوتية وغير ذلك مما تحتاجه الصور النهائية للعمل لتستكمل عناصرها. ليس، ولم يكن ثمة، تمرين يخلو من التجريب قديماً وحديثاً وآتياً.

    ليس غريباً بالطبع ان يبتعد المصطلح عن المفهوم الذي انطلق منه الى مديات قد تصل حد القطيعة عنه شكلياً في الأقل. ان كل اتفاقية سليمة او غير سليمة، نافعة أو غير نافعة، عقيمة وما الى ذلك انما تقوم على اصطلاح وليس على مفهوم – تدوم فاعلية هذا الاصطلاح دوام شروط وظروف قيامه بين ظهرانيها. على هذا الأساس تكون جميع المذاهب والاتجاهات والمدارس المسرحية اصطلاحية اكثر منها مفهومية، ولذلك نراها تبرز حيناً وتختفي حيناً آخر.

    نقول هذا لأننا نرى- وإن كنا عند البعض على خطأ في هذا – ان في اصطلاح التجريب والتجريبية المتداولة هذه الأيام بكثرة خطورة على المسرح نفسه، فالمسرح عمره كان تجريباً على تجريب، فإذا أردنا به أن نفيد تمييز عمل عن آخر، تيار عن آخر، فئة عن أخرى أو اتجاه مسرحي عن آخر.. نكون أوقعنا أنفسنا في شراك يصعب الفكاك منها، ذلك ان جميع الأعمال ستنتمي الى مذهب التجريبية حتى وان كانت واقعية او رمزية، تعبيرية او سريالية، او تكعيبية، بنيوية، تفكيكية، حداثوية وما بعد الحداثوي، صورية أو سينوغرافية وما الى ذلك، وقطار المسميات هذا قد يطول كثيراً. بهذا سيختلط الحابل بالنابل لدى المتلقي البسيط في الاقل، فلا نستطيع تمييز عمل عن آخر من هذه الناحية في القل. سنكون أشبه بمن يرتدي في الظاهر زياً موحداً، لكنه يخفي اختلافه عن الاخر اضماراً لنفسه.

    لقد أسهم النقد المتسرع في إشاعة مثل هذه الأخطاء التي جاءت إما تقليداً لما جرى في بلدان أخرى، أو خلو الوفاض من إمكانية إيجاد تسمية خاصة بالموجود، أو لعدم تمحيص جيد في ما نستقبله مما يفد إلينا.

    نوجز ما جاء باختصار شديد بأن هناك تجريباً دائماً في المسرح ولكن ليس هناك مسرح تجريبي وىخر غير تجريبي.(1)

    التجريب في السينوغرافيا المسرحية

    أندريه أنطوان

    النقل الفوتوغرافي

    يقترن اسم أندريه أنطوان المخرج والممثل الفرنسي بالواقعية الفوتوغرافية
    في المسرح الحديث. وساعدته روح العصر العلمي على اكتشافه لاتجاهاته الفنية وهو من مواليد القرن 19 ويحسب له اعترافه بفضل المؤلف. ولهذا كرس الكثير من وقته يبحث عن الكتاب الجدد أمثال إميل “زولا” و”إيسن” و”سترنربيرج” وغيرهم في مجال التأليف المسرحي. ولقد بهرت أنطوان أعمال زولا خاصة شخصياته المميزة ذات الملامح الطبيعية التي تعكس سمات وتفاصيل وملامح المجتمع الفرنسي في عصره.

    ومثل ساكس مينتجن كان أنطوان يسير على نفس الدرب الواقعي وان اختلف تفسيره.
    ولعل اصراره على اخراج العرض المسرحي داخل إطار من التفاصيل الظاهرة هو الذي حدا النقاد على وصفه بأنه المخرج الأول الذي تعمد نقل الصورة المطابقة للحياة اليومية لأول
    مرة على المسرح ولهذا كانت الطبيعية أسلوبه.

    أسس أنطوان المسرح الذي كان علامة في طريق تطور المسرح الفرنسي التي صنعها أنطوان بعد مشوار طويل من الكفاح والصبر.

    قنسطنتين استانسلافسكي

    على طريق الواقعية التي انتهجها جورج الثاني (ساكس مينتجن) كما يعرفه رجال المسرح كان استانسلافسكي يعمل هو الآخر في نفس الاتجاه الواقعي ولكن بتجريب جديد أو بأسلوب آخر.

    فبينما ينشد الأول الواقعية الخارجية، فقد ساعدت الظروف استانسلافسكي لكي يكتشف الواقعية بمفهومها الداخلي نتيجة لاهتمام العالم بالدراسات النفسية في فترة ما قبل أفول القرن 19 وبداية القرن العشرين.

    وشهرة استانسلافسكي ترتبط أساساً “بنظامه” Sytem في فن الأداء التمثيلي، هذا النظام الذي وضعه نتيجة خبرته الطويلة في مجال العمل المسرحي. ونظام استانسلافسكي نبع أصلاً من أعمال الكاتب المسرحي تشيكوف بعد أن تناولها استانسلافسكي بالاخراج أثناء عمله وكان قد أصابها الفشل من قبل. ثانياً ان النظام نبع أصلاً من تجارب كان حقلها مسرح الفن بموسكو وممثلون روسيون، لا شك تختلف طبيعتهم كبشر عن طبيعة غيرهم من الجنسيات الأخرى.

    وبرغم ادراك استانسلافسكي من أن مناهجه الأولى في الاخراج كانت مشوبة بعدم الاتزان الفني، إلا انه مع ذلك قد ابدع الكثير من عروضه الشهيرة مثل “طائر البحر”، و”الخال فانيا”، “بستان الكرز” لتشيكوف، و”عدو الشعب ” لابسن، “الأعماق السفلى”، لاستانسلافسكي.

    وبرغم جهود استانسلافسكي واخلاصه وتفانيه في أحكام الأعمال المسرحية التي أخرجها، فإنه لم يكن بقادر على الحكم على المسرحية ـ اي مسرحية بغض النظر عن احساسه بمظاهر عرضها.

    وعلى الرغم من نجاح استانسلافسكي باخراج اعمال تشيكوف الا ان هذا الأخير علق على اخراجه لطائر البحر بأنه احاط العرض بخوص الكتابة وبالافراط بتفاصيل الواقع ـ لا الواقعية التي لا علاقة لها بالمسرحية

    وثمة جرأة من استانسلافسكي اذا اراد أن يحقق شيئاً ابعد في فنون التجريب كانت حين أفتتح استوديو خاصا وعين له “ميهولد” احد تلاميذه ولكن سرعان ما أغلق الاستديو لعدم رضائه عن اعمال تلميذه ميرهولده.

    والمستقرئ لاعمال ستانسلافسكي عبر سنينه الطويلة في مجال الاخراج المسرحي يستطيع تصنيف تلك الأعمال الى مراحل جربها المخرج العظيم طوال رحلة المسرحية.
    1 ـ رحلة الأوبرات الرومانيتيكة، 2 ـ رحلة الميلودراما، 3 ـ الواقعية الخارجية، 4 ـ التجريب والتعبير الرمزي، 5 ـ الواقعية بمفهومها الرمزي.

    واقعية جديدة

    ويتواقل عباقرة المخرجين ماكس راينهاردت (النمسا) وباركر (انجلترا) وكوبوه (فرنسا) كل على حدة، واذا قدم ضدا الثالوث فلأنه نموذج مختلف لاسلوب واحد اختلفت فايذانه كما اختلفت تطبيقاته.
    وكانت واقعيتهم من نوع جديد ـ واقعية تحليلة فرضتها طبيعة الفن المسرحي.

    وابتدأ رحلة هذه الواقعية الجديدة قبيل بداية القرن العشرين بسنوات معدودة. ففي المانيا على وجه الخصوص ساعد مخرجو الواقعية مع تأكيد موقفه من مختلف الاختراعات الجديدة التي أسهمت في تسهيل تغيير المناظر الواقعية ذات الابهار الشديد فتوفرت للمسارح المنصات المتحركة ذات الأجنحة والمنصات الصاعدة والهابطة بفعل المحركات الهيدرولوجية، ثم كان اختراع السيكلورما الثابتة (القبة السماوية) المطلية بالمصيص. ولعل أول المبدعين في مجال الواقعية التي اعتمدت على الحرفية الميكانيكية الجديدة كان المخرج ماكس راينهاردت.
    اما جاك كوبوه Copecw وقد درس كتابات آبياوكريج، فلم يحد فيها شيئاً مما يتفق معها عليه. ولم يكن متعاطفاً مع حملة كريج من أجل التقليل من سلطان الكلمة المنطوقة. ورأى ان “آبيا” وغيره لم يتكبدوا الا المنذر اليسير من مشقة التفكير في الممثل والمسرحية. أما المخرج الوحيد الذي كانت آراؤه تقترب من آرائه فكان جرانفيل باركر المخرج الانكليزي.

    الاتجاهات المضادة للواقعية

    في روسيا السوفياتية في بداية القرن العشرين غلب الاتجاه السباس والايديولوجي بعد الثورة البلشفية على الحياة المسرحية متمثلاً في تطبيق (المسرحة) اسلوباً كما في اعمال ميرهولد والكسندر تايروف، وفي المانيا افترض التعبيرية ببوادر الالتزام كما سنرى خاصة في مسرح في ابتكارات جوردون كريج في انجلترا وآبيا في سويسرا.

    كان الاتجاه في روسيا لأشد المجربين وأكثرهم عمقاً واصالة في المسرح الحديث ويبدو ان رد الفعل لدى كوبوه اذ الواقعية لم يزد عن كونه معارضة معتدلة، اذا ما قومت بالقسوة التي اقصى بها كل أثر للواقعية من العروض المسرحية المقدمة على المسارح الثورية بعد الحرب العالمية الأولى في المانيا وروسيا.

    واعتبر المخرجون المسرح البورجوازي القديم ضرباً من الألاعيب الضخمة، وزودوا بوسائل الخداع والتدليس والتحايل التي لجأ اليها المخرجون. فسعوا الى التغرير بالنضارة الذين يشهدون اعمالهم حتى يعتقدوا أنهم يرون صوراً حية حقيقية تعرض امامهم على المسرح. وأعلن المخرج الروسي ميرهولد Mierhold ام الواجب المفروض على المخرجين هو أن يزيلوا وهم الواقعية.
    وفي غضون ذلك كان “ايرون بسكاتور” Piscator في المانيا يفرض بقوة وامتداداً، التمثيل اللافردي بالباس ممثليه ملابس خشنة ذات زوايا حادة مخالفة عمداً لخطوط الجسم البشري.

    حيث ظهر الممثلون اشبه ما يكونون بالانسان الآلي، Robot منهم بالبشر
    وجعل تايروف Tairov ممثليه يستخدمون ماكياجاً عجيباً مفرطاً في الغرابة تكون على يقين من انهم لن يشبهوا اي احد من الحياة الواقعية وبهذا يصبحون اشخاصاً متفردين في عيون النظارة.

    تجارب جديدة في السينوغرافيا ـ الديكور المشيد وهذا الديكور ينسب الى الكسندر تايروف ـ ديكور مشيد تجريدي Constructivist retting ـ صقالة نحيلة a gaunt scaffolding تسند بضع منصات مجردة على مستويات مختلفة. كان هذا تمجيداً للآلة وكانوا في هذا الوقت يلتفون ان يصبحوا أمة صناعية عظيمة.

    كان هذه لمحات التجريب المسرحي التي عمت روسيا بعد ثورتها الناجحة عام 1917.
    وكانت الثورة بالتجريب المسرحي ضاربة اطفالها في زيوع اوروبا منها تشيع الكثيرون من أبناء الوطن العربي وامتد هذا الجزر الى بلادنا وشاهدنا بعضاً من هذه الندرة في أعمال شاهدتها الستينات في القرن العشرين مثلاً “الفرافير” لكرم مطاوع “وأنت اللي قتلت الوحش” لجلال الشرقاوي والفول لأحمد زكي والتي زاوج فيها بين التجريد المسرحي واسلوب المسرح الشامل الذي كان جديداً على مصر لأول مرة والذي تبناه آنئذ ابناء الوطن العربي فن المبدعين والمفكرين.

    كريغ Craig

    الفنان البريطاني جوردون كريغ ـ ادار ظهره للواقعية وتخلص من نظام الأجنحة (الكواليس) وكافة الزوائد الأخرى من ستائر وقطع ديكور تقليدية، واستغنى عن المناظر المرسومة في عمق المسرح وغيرها اضواء الحافة وغيرها.

    وأحب أن اذكر ان كريغ حين لجأ الى نظام الغاء الحي واحلال العروسة الماريونيت بدلاً منه ـ اذكر انه كان مدفوعاً بالهجوم على نظام الممثل الذي استغل المسرح وخشبته لاستعراضاته ونرجسيته المفرطة.
    أفاد أدولف آبيا في الدرامات الموسيقية حتى قبل الحرب العالمية الأولى اخراج “حلم ليلة صيف” واخراج “هاملت لوليم شكسبير”.

    المخرجون التجريديون في فرنسا ابرزهم كوبوه وتلاميذه، لويس جوفيه Jovet وتشارلز ديلان Dullin ثم بتواف Pitoeff ومجموعة الكارتل أحدثوا ثورة في عالم المسرح وكانت تجريبية في أعلى مستوى…..(2)

    الهوامش

    1-عادل كوركيس-التجريب في المسرح بين المفهوم والمصطلح-اسم الصفحة: فنون-جريدة الصباح-13-11-2007-بغداد
    2- احمد زكي-التجريب في الاخراج المسرحي والسينوغرافيا-مجلة الفن للجميع-القاهرة-الاثنين, 28 سبتمبر, 2009

    المصدر/ الحوار المتمدن

    العدد: 2962 / بتاريخ – 2010 / 4 / 1 – 01:16

  • بقلم/ إبراهيم محمد حمزة..اسم الكتاب: مسرح صلاح عبد الصبور..المؤلف: دكتور أحمد مجاهد.

    صلاح عبد الصبور.. والوعى بسميولوجية المسرح!!

    اسم الكتاب: مسرح صلاح عبد الصبور

    المؤلف: دكتور أحمد مجاهد

    الناشر: هيئة قصور الثقافة – سلسلة “كتابات نقدية” أكتوبر 2001م ج1

    فى بحث يتميز بالجدية، قدم الناقد الدكتور أحمد مجاهد رؤية سيميولوجية عميقة، لمسرح صلاح عبد الصبور 1981- 1931 الذى قدم خمسة أعمال خالدة للمسرح هى “مأساة الحلاج 1964 ليلى والمجنون 1969 مسافر ليل 1969 الأميرة تنتظر 1970 بعد أن يموت الملك 1973م ورغم كثرة الدراسات القيمة التى درست مسرح عبد الصبور كدراسة وليد منير “المسرح الشعرى عند صلاح عبد الصبور كدراسة وليد منير “المسرح الشعرى عند صلاح عبد الصبور وأيضا المسرح الشعرى عند صلاح عبد الصبور، لنعيمة مراد، وهناك من درس اللون فى مسرح (صلاح عبد الصبور) الشعرى. دراسة سيميولوجية. وهو الباحث اليمنى إبراهيم محمد أبو طالب. وغيرهم الكثير، فإن هذه الدراسة تختص بالدراسة السيميولوجية للنص كاملاً.

    وعلم السيميولوجيا يدرس الأنظمة الرمزية فى كل الإشارات الدالة إذ نحن مع علم يهتم بوحدات ثلاث: الإشارات، الأيقونات، الرموز.. ومساحة علم عمل علم السيميولوجيا يمتد لكل نشاط إنسانى فى العلوم والآداب، ويتحقق التواصل السيميولوجى عبر عمليات ثلاث: الدال/صورة دهنية/ مرجع خارجى. ويرى الدكتور محمد عبد المطلب أن الاعتراف النقدي بالسيميولوجيا فى الثقافة العربية راجع أساسا إلى ركائزها اللغوية وبعدها الرمزي والإشاري.

    فإن عدنا لكتابنا وجدنا المؤلف فى المقدمة يحدثنا عن العلاقة بين الشعر والموسيقى، واصفاً واصفاً إياها بالعلاقة الجدلية الخصبة، فالشعر تكمن فيه الكثافة اللغوية والإشارية، كما تكمن فى المسرح كثافته السينمائية (العلاماتية) ، ولكن الخطاب المسرحى يحمل بجوار اللغة وسائط أخرى كالديكور والإضاءة والممثل والموسيقى وغيره..

    ففهم العمل المسرحى يكون بطريقتين مختلفتين: تفسير البنية الداخلية (التناول السيميوطيقى) والاخرى تتبع علاقة العمل الفنى بالإشارى.

    حول لعبة التأويل فى مأساة الحلاج:

    فى الفصل الأول وعنوانه “لعبة التأويل فى مأساة الحلاج” يتناول المؤلف المسرحية كاشفاً عن عمق اهتمام “عبد الصبور” بالأيقونة وكافة الأسس السيميولوجية فى العمل المسرحى، فمع افتتاح المسرحية نجد أيقونة الصليب (الساحة فى بغداد، فى عمق المشهد الأيمن، جذع شجرة فحسب، معلق عليه شيخ عجوز، تضىء مقدمة المسرح، يبرز ثلاثة من المتسكعين).

    وينبه الباحث أن إضاءة مقدمة المسرح بعيداً عن الديكور، هى إبراز سيميولوجى عكسى للأيقونة، حيث إن “فى التكوين التصويرى يصبح الشكل المعتم أكثر بروزا “إذا ما تضاد مع شكل صغير لامع”.

    وقد حرص الشاعر على تأكيد الدور الأيقونى للشجرة/ الصليب عبر ثلاثة محاور:

    التماثل فى النتيجة “القتل”

    التماثل فى الوظيفة “الصلب”

    التشابه فى شخصية القتيل. حيث يحرص الشاعر – صلاح عبد الصبور – على تأكيد ملامح المسيح على وجه الحلاج كقوله مثلا:

    “إلى .. إلى يا غرباء

    يا فقراء .. يا مرضى

    كسيرى القلب والاعضاء

    قد أنزلت مائدتى

    إلى إلى

    لنطعم كسرة من خبز مولانا وسيدنا

    ويؤكد الباحث ذلك باقتباس قول المسيح، فى إنجيل متى Lتعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم..)

    ويشير إلى نوعية جديدة من التناص فى العمل هو التناص مع النفس، فللشاعر قصيدة تحمل نفس الألفاظ فى ديوانه “أقول لكم” بعنوان “القديس”.

    التصدير .. وسبله:

    ويختار الباحث شخصية الشبلى فى المسرحية، ليدرس سبل التصدير المسرحى لها، والتصدير foregrounding.

    هو احتلال الممثل قمة التراتب الهرمى، حيث يجتذب الى شخصه معظم انتباه المشاهدين.

    وقد رصد سبلا لهذا التصدير لشخصية الشبلى – رغم أنه ليس الشخصية الاهم – من خلال مكان الدخول – مستلزمات الديكور – الديالوج – التناص – الموسيقى – المونولوج.

    وقد استطاع صلاح عبد الصبور ان يبقى على حضور الشخصية الأساسية “الحلاج” وألا يخرجه من بؤرة الاهتمام، لأن محتوى الخطاب موجه له.

    ويقترح الباحث إضافة أدوات تأشير جديده لما حدده “كير إيلاك” فى كتابة سيمياء المسرح والدراما بمجموعات (الضمائر/الظروف/أسماء الاشارة فيزيدها” مجاهد” مجموعات أخرى هى (أدوات النداء/ أسماء الإعلام، أسماء الأماكن والأيام والشهور.

    الراوي يصنع مسرحا

    فى الفصل الثانى الذى عنوانه المؤلف بــ “الراوى يصنع مسرحاً فى “مسافر ليل”، يفاجأ بأن “صلاح عبد الصبور” يحرص فى مقدمة “مسافر ليل” على تعطيل “سميأة” أبطاله الممثلين، بمعنى تسطيح ملامحهم المميزة، فالراوى (وجهة ممسوح بالسكينة الفاترة، صوته معدنى مبطن باللامبالاة الذكية) والراكب نموذج للإنسان بلا أبعاد “وعامل التذاكر” رجل مستير الوجه والجسم، عليه سيمياء البراءة، البراءة التى تثير الشبهة”.

    ثم يرى الباحث أن تعطيل “سميأة” الشكل هو فى حقيقته سميأة أعمق تهدف لخلق نموذج إنسانى عام.

    إن “عبد الصبور” يسعى لنوع من التجريد الحاد، يدعم ذلك عدم تحديد الشاعر للمكان (على أحد مقاعد العربة – فى ركن .. )

    ثم كان اختيار الشاعر للعربة المتحركة، دالاً موفقا من الناحية السيميولوجية، لأن الخداع الحركي مثل الحركة تماماً يفيد من الفارس إفادة كبيرة (الفارس farceهو المسرحية التي تتضمن مواقف التهريج والمرح المفرط بصورة قد تصل حد الابتذال كما جاء بمعجم مجدى وهبة).

    إن صلاح عبد الصبور يبدأ مسرحيته بعودة الإسكندر للحياة، مثلما يبدأ الطليعيون مسرحياتهم، بموقف غير واقعى، بل يستحسنون أن يكون مستحيلا، ولأن المسرح يستوعب كافة الفنون نجد دقة الشاعر فى استخدام دائرة الضوء، وتراجعها عن دورها بوصفها علامة مستقلة، لصالح ابراز العلامة المهيمنة وقد استخدم الشاعر آلية الإيقاع المصاحب لدخول عامل التذاكر قبل التصدير الضوئي.

    ويبدو عبد الصبور واعياً تماماً بالدور السينمائي لشخوصه، خاصة في شخصية “عشرى السترة” والتحول الوظيفى له من حاكمين قساة فى التاريخ العربى كالنعمان والحجاج، إلى “هرمان جورنج” الزعيم النازى قائد سلاح الطيران، إلى ليندون جونسون، حيث يتضافر هذا الاختيار للشخصيات مع الدلالات الرمزية لملابس “عشرى السترة وتحولاته من عامل تذاكر إلى حاكم مستبد، وعلى مستوى العبارات المنقولة يبدأها “عبد الصبور بتعبير” جوع قلبك يتبعك” تشير كما يقول دكتور مجاهد، لمعادلة عبد الصبور الممتدة “الجوع/ التجويع” باعتبار هذه المعادلة وسيلة من وسائل الحاكم لإحكام قبضته على شعبه، وكذلك عبارتا “علمهم الديمقراطية حتى لو اضطررت الى قتلهم جميعاً” وإنى أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها “حيث يمثلان معا اليد الأخرى الباطشة للحاكم المستبد فى دراما عبد الصبور .. إلخ.

    وتلعب المفارقة paradoxically دورا هاماً، بطرق عديدة منها اسم الشخصية :

    عامل التذاكر : قل لى ، ما اسمك؟

    الراكب: عبده

    عامل التذاكر: ليس اسمك عبده .. إنك تكذب

    الراكب: بل إنى عبده

    أقسم لك

    وأبى عبد الله، وابنى الاكبر يدعى عابد

    وابنى الاصغر عباد، واسم الاسرة عبدون

    المفارقة هنا تأتى من تقديم عامل التذاكر عدة أسماء لنفسه الإسكندر – زهوان – سلطان.

    أما الراكب فيقدم الحقيقة ، ورغم ذلك يرفضه العامل.

    كما يقدم شاعرنا المفارقة ويولدها بواسطة التناص الداخلى، بين ملامح شيئين مختلفين تماماً ، كالبطاقة والتذكرة مثلا، كما تتولد المفارقة بين الأقوال والأفعال.

    شعرية جسدية فى “الأميرة تنتظر”

    فى الفصل الثالث والذى يحتل نهاية الدراسة فى جزئها الأول يتناول مسرحية “الأميرة تنتظر” متناولاً الخطاب الشعرى المتمثل فى الإيماءة والأقنعة، والمعتمد على التمثيل داخل التمثيل. ومحاولا من خلال ذلك كشف دلالة العلاقات البنيوية بين الشخصيات، التقريب الزمنى والترميز المكانى والآليات الفنية الخاصة. ويبدو أن تيار “اللامعقول” قد صار لافتا لشاعرنا، بحيث وضع لواءه على مسرحيته للمرة الثانية بعد “مسافر ليل” وهنا ايضاً يبدأ الشاعر مسرحيته بشعور أسطورى غامض مخيف خانق، وإشارة العرض فى البداية أطول إشارات العروض فى كافة مسرحيات عبد الصبور، حيث يصف الشاعر الكوخ ومن فيه، كما يصف أحوال نساء الكوخ “الوصيفتان” ويتلاعب بالنور فى ذهابه وعودته، ويشير الشاعر بأن المرأتين تنتظران رجلا يعلمن أنه سيجىء يوما ما يلتقط الكاتب ما يسميه تهيؤ ساحة المسرح بما فيها من ديكور لفكرة الانتظار ولذلك فإن النور الذى يمتد من واجهة المسرح إلى عمقه، يضىء بابا “يتأرجح على لولبه، ليس مفتوحاً ولا مغلقاً” هنا يستخدم عبد الصبور الإضاءة المتحركة فى كشف مكونات الديكور الرئيسية وسط الضباب الضوئى.

    وهذا الباب ليس بابا عاديا بل هو باب مغرق فى الرمزية “سيميولوجيا سواء على مستوى الوضع (ليس مفتوحاً ولا مغلقا) أو الحركة (يتحرك على لولبه) أو الصوت (يصر صريراً متمزقاً) كل هذا يتضافر ليمنح المشاهد شعوراً بوطأة الانتظار…

    كما يوظف “عبد الصبور المائدة – من منظور علاماتى أو سيميولوجى، فالمائدة (عتيقة – بلا طراز – المقاعد حولها بلا إيقاع – رثة) كل ذلك يعطى إحساساً بعمق الزمن، وأول كلمات المسرحية تير إلى إهمال الزمن بشكل واضح:

    الوصيفة الاولى يستعجلنا الموت

    لكنا نتشبث بجبال العيش المبتوتة

    الوصيفة الثانية: ليس لنا أن نختار

    كلمات فى جملة

    وقد استخدم الشاعر “التغريب الزمنى” عبر إغفاله تحديد الأحداث واستخدامه تقويما خاصاً (خمسة عشر خريفاً/ خمسة عشر ظلاماً) مما يشير لحرص عبد الصبور على كسر الإيهام، وإيقاظ عقل المشاهد.

    وتتعدد آليات العبث فى الخطاب اللغوى، (تتزلقين من البهجة للحزن كما تتزلق السمكة فى الماء وتتوحد اللغة مع الفعل المسرحى الممثل (ينخرطن فى الضحك حتى يبكين)

    إن تقديم “عبد الصبور” للحدث يأتى مواربا بشكل شهية مشاهده أو قارئه، حيث يشير أربع مرات للحادث ولا يكشفه، ثم يشير للقادم فقط بضمير الغائب المستتر إمعانا فى التخفى، لأنه يجب النظر الى المقولات النحوية لا بصفتها المجردة ولكن باعتبارها ايقونات دالة “فيصرح شاعرنا للقارىء ببعض المعلومات عن القادم بحيث نعلم أن هذا القادم قد لوح للأميرة / المرأة بالحب، واقسم بان “ينبت فى بطنها طف، لا كل خريف يحيل خريفها ربيعاً، هنا يمنح الشاعر متلقيه بعض الإشارات التى تجعله يتمكن من مواصلة خلق العالم الدرامى التخييلى.

    قدم الباحث الدكتور/ أحمد مجاهد جهداً بيناً بلا شك فى قراءته السيميولوجية لمسرح صلاح عبد الصبور، ولم يشعر قارىء الدراسة بالتعسف فى استخدام منهج غربى على نص عربى لأسباب منها ثقافة صلاح عبد الصبور الموسوعية التى جعلته قادراً على منح نصه أبعاداً متعددة، ومستويات متفاوتة فى التلقى، تجعل السعى النقدى فى النص لذة لا تعادلها لذة سوى قراءة النص ذاته.

    المصدر/ جريدة مسرحنا

    العدد/38 – بتاريخ/ 9 فبراير 2009

    بقلم/ إبراهيم محمد حمزة

  • كتب:مصطفى رجب..عن أضواء على المسرح الإنجليزي .. كتاب للدكتورة نهاد صليحة !

    أضواء على المسرح الإنجليزي .. كتاب للدكتورة نهاد صليحة !
    مصطفى رجب
    الكتاب من أحدث إصدارات مكتبة الأسرة، والتي تصدرها الهيئة العامة للكتاب، والكتاب يتكون من بابين بعنوان «عصر شكسبير»، والباب الثاني بعنوان «من شكسبير إلى بايرون»، وقد جاء الكتاب في حوالي 240 صفحة والكتاب من تأليف د.نهاد صليحة.
    وقد حاولت المؤلفة اصطحاب القارئ في جولة مبتكرة في جنبات تاريخ المسرح الإنجليزي، جولة يتوقف عندها القارئ عند محطاته الرئيسية لنتأمل معالمها عن قرب ونلامس إبداعاتها الفنية ملامسة حميمة فهذا ليس كتاباً تقليدياً في تاريخ المسرح الإنجليزي، ترد فيه النصوص المسرحية كأسماء عابرة متلاحقة، لا تعني شيئاً للقارئ الذي لم يطلع عليها، ولا تبقى في الذاكرة طويلاً، بل هو محاولة لبناء صورة حية نابضة لحقيقة تاريخ المسرح العريق، طريق التحليل المفصل، الفني والفكري، لأهم التيارات والنصوص المسرحية التي شكلت ملامح كل محطة من محطاته.
    فهذا الكتاب لا يكتفي بعرض الهيكل العظمي لتاريخ المسرح الإنجليزي بل يحاول أن يتلمس جسده الحي ودماه الساخنة التي هي نصوصه الفنية… تلك النصوص التي كانت يوماً واندثر بعضها بينما لا يزال بعضها الآخر يحيا بيننا ويجدد ثيابه من عصر إلى عصر.
    الكوميديا الرومانسية قبل شكسبير
    وتعتبر المؤلفة أن جون ليلي (1554-1606) وروبرت جرين (-1560 1592) وجون بيل (1565-1591) الرواد الحقيقيين في مجال الكوميديا الرومانسية في إنجلترا- ذلك الشكل الفني التي تفردت به الدراما الإنجليزية عن غيرها والذي طوره ووصل به إلى مرحلة الاكتمال الكاتب العظيم شكسبير.
    والكوميديا الرومانسية تختلف اختلافاً كبيراً عن كوميديا النقد الاجتماعي أو كوميديا الأنماط الساخرة أو كوميديا المواقف الواقعية التي تقوم على المفارقات الضاحكة –تلك الأنواع التي تأثرت بالدرجة الأولى بالكوميديات الرومانية خاصة كوميديات تيرانس وبلاوتس.
    وسوف نحاول هنا أن نحدد الملامح الأساسية التي تميز الكوميديا الرومانسية وذلك من خلال عرض موجز لتاريخ ظهور بعض هذه الملامح الأساسية وأيضاً من خلال المناقشة التفصيلية لبعض أعمال الرواد السابق ذكرهم.
    وقد تبلورت الدراما الإنجليزية بشخصيتها المتفردة نتيجة لابتعادها عن الدين والكنيسة (كما حدث في أوروبا كلها) وامتزاجها بالتراث الأدبي الكلاسيكي من ناحية وبالتراث الأدبي الشعبي من ناحية أخرى. بدأ الانفصال عن الكنيسة عام 1210 عندما صدر قانون يحرم العروض المسرحية داخل الكنائس. ونتيجة لهذا انتقلت العروض المسرحية من الكنيسة إلى الساحات الشعبية أثناء المهرجانات والمناسبات الدينية.
    وامتزج العرض المسرحي الديني بالشارع وبدأت عناصر جديدة تزحف إليه مثل استخدام اللغة المحلية بدلاً من اللاتينية ومثل دخول بعض الشخصيات الواقعية والمشاهد الهزلية والتعليقات الساخرة على الأحداث الجارية إلى العرض.
    ولكن ربما كان عنصر الحبكة الثانوية ـ أو الحبكة الثانية في بعض الأحيان ـ هو أهم العناصر الدرامية الجديدة التي تبلورت في العروض شبه الدينية التي ميزت هذه الفترة. لقد وصف النقاد والمؤرخون هذه التركيبة الدرامية الجديدة: وهي وجود حبكة أساسية وإلى جوارها حبكة أخرى مساندة تثري أبعاد الحبكة الأولى وتوضحها وقد تعلق عليها أو تسخر منها ـ وصف النقاد هذه التركيبة الدرامية بأنها «شكل فتي تفردت به الدراما الإنجليزية في هذه الفترة وكان نبتاً محلياً صرفاً لا نجد له مقابلاً في الأشكال الدرامية التي ظهرت في أوروبا ولا في التراث الكلاسيكي الذي ظهر في عصر النهضة. وقد ظهرت ملامح التركيبة الدرامية الجديدة ربما لأول مرة في مسرحية الراعي الثاني وهي تنتمي إلى مجموعات المسرحيات التي كانت تعرض في مقاطعة ويكفيلد وتعرف باسم مجموعة أو دورة ويكفيلد.
    وعن طريق استخدام تلك التركيبة الدرامية الجديدة تمكن الكاتب المسرحي حينذاك من إعطاء الحدث الديني التاريخي الذي كان يشغل الحبكة الأساسية أبعاداً إنسانية واقعية معاصرة ولوناً محلياً يسهل التعاطف معه عن طريق الحبكة الثانوية المساندة بشخصيتها الواقعية ومشاهدها الهزلية بحيث لم يعد الحدث الديني التاريخي مهماً في حد ذاته وإنما في تأثيره في حياة الإنسان العادي المعاصر.
    إننا إذا حاولنا وصف مسرح جون ليلي في إيجاز نجده مسرحاً يقترب إلى حد كبير من الشعر في لغته المنمقة المتوازنة التي تحفل بالصور الفنية والمحسنات البديعية مما ينقص من دراميتها بعض الشيء. حيث إن كل الشخصيات تتكلم هذه اللغة دون استثناء. ولكنه مسرح أدخل الحب الرومانسي لأول مرة كأساس للصراع الدرامي المحلي ذي الحبكة الثنائية وابتعد عن الواقع وعمد إلى الأساطير الشعبية والكلاسيكية في استلهام موضوعاته وجوه شخصياته. وفي كل هذه الملامح ـ السلبي منها والإيجابي ـ نجد أن ليلي قد ساهم بدور كبير في بلورة الكوميديا الرومانسية كما نعرفها في أعمال شكسبير سواء في أشكالها الفجة كما نجدها في مسرحية واحدة بواحدة مثلاً أو في أبهى صورها كما نعرفها في مسرحية كما تهوى.
    فالكوميديا الرومانسية الإنجليزية كما نعرفها عند شكسبير ـ تلك الكوميديا التي تدور حول الحب بمعناه الرومانسي، والتي تعتمد في بنائها الدرامي على تركيبة الحبكات الثنائية أو المتعددة، وتتجاهل الوحدات الكلاسيكية الثلاث مع احتفاظها بالتقسيم الكلاسيكي إلى خمسة فصول مقسمة إلى مشاهد، والتي تتحقق لها الوحدة الفنية ليس عن طريق وحدة الحدث بالمعنى الأرسطي، وإنما عن طريق ترابط حبكاتها ترابطاً استعارياً يحقق لها وحدة شعرية شعورية- تلك الكوميديا التي تنهل بعمق من التراث الشعبي، والفولكلور الشفهي، والأدب الكلاسيكي على السواء والتي يؤهلها الأمراء والبسطاء وأبطال الأساطير والحواديت الشعبية والسحرة والجن على السواء ـ هذه الكوميديا لم تكن لتوجد لولا إنجازات هؤلاء الرواد الثلاثة مجتمعين.
    وإذا نظر القارئ نظرة سريعة إلى إنتاج المسرح في عصر الملكة إليزابيث الأولى، أي إلى المسرح في إنجلترا في الفترة من منتصف القرن السادس عشر وحتى بدايات القرن السابع عشر، سوف يدهش لكم التنوع والتجريب الذي احتوته هذه الفترة. فإلى جانب عدد هائل من التراجيديات المتنوعة، سيجد الكوميديا الرومانسية الشعبية (التي تحدثنا عنها في الجزء السابق)، وكوميديا الأمزجة التي تأثرت بنظريات بعلم النفس التي سادت ذلك العصر والتي برع فيها بن جونسون، والمسرحية السياسية الساخرة التي كانت عادة تنتهي بإلقاء كاتبها في السجن، وسيجد القارئ أيضاً الكوميديا الواقعية النقدية التي تهدف إلى إصلاح المجتمع ولكن إلى جانب هذا وذاك، ظهر في المسرح الإليزابيثي نوع من الكوميديا التي يمكن وصفها بأنها كوميديا واقعية حياديه… تلك التي تعرف باسم كوميدي المدينة. وهذا النوع من الكوميديا هو موضوع حديثنا الآن وسوف نتعرض فيه لكاتب بعينه هو توماس ميدلتون ولمسرحية بعينها هي أنه عالم مجنون يا سادة.
    1 – الواقعية الرومانسية:
    ارتبط ظهور الواقعية الرومانسية في المسرح الإنجليزي في أواخر عهد الملكة إليزابيث الأولى ( كما ذكرنا من قبل) ببزوغ الطبقة البرجوازية الجديدة من التجار والصناع وأرباب الحرف من ساكني المدينة. واستمرت الواقعية في الازدهار مع نفوذ هذه الطبقة في عصر الملك جيمس الأول الذي خلف إليزابيث على عرش إنجلترا إذ شجع هذا الملك نظام بيع حقوق احتكار بعض الصناعات والأنشطة التجارية مما جعل بعض أعيان هذه الطبقة العصامية البروتستانتية الجديدة قوة اقتصادية وسياسية فعالة تمكنت في عهد ابنه تشارلز الأول من قلب نظام الحكم وإعلان الجمهورية لفترة.
    وتولد من التيار الواقعي في المسرح آنذاك نوع جديد من التراجيديا الواقعية هو التراجيديا العائلية التي طرحت الهموم الأخلاقية للطبقة الجديدة وسنتعرض لها بعد قليل، كما نتج نوع من الكوميديا الواقعية هو كوميديا المدينة (وقد تعرضنا لها من قبل بالتفصيل). ورغم أن كتاب كوميديا المدينة قد ركزوا في تصويرهم لحياة أهل لندن على عنصر السخرية ـ بدرجات متفاوتة تتراوح بين النقد اللاذع والضحك المتسامح المتعاطف- من قيم الطبقة الجديدة، وأسلوب حياتها، وتطلعاتها، وتكالبها على المادة (كما رأينا في مسرحية أنه عالم مجنون يا سادة)، إلا أن عدداً من كتاب الكوميديا في هذه الفترة حاولوا غض الطرف عن كل مثالب الطبقة الجديدة، وجهدوا في الاحتفال بها وتمجيدها. وتجاهل هؤلاء مظاهر وأبعاد التوتر الاجتماعي والسياسي الذي نشأ عن ظهور هذه الطبقة، وطرحوا في كوميدياتهم صورة زائفة لمجتمع مثالي يسوده الوفاق وذلك بتصوير هذه الطبقة كعنصر متجانس مع العناصر القديمة في عالم يعمه الوئام والسلام الاجتماعي الذي كانوا يرمزون إليه دائماً في أعمالهم في احتفال ختامي أو وليمة يؤمها الملك وجميع طبقات الشعب، يأكلون ويشربون ويمرحون معاً دون حواجز أو فواصل.
    وإذا كان المسرح الشعبي الأوروبي في العصور الوسطى قد قام على دعائم التاريخ الديني، ونسج من قصص التكوين والأنبياء وأحداث الكتاب المقدس مسلسلات، والمسرحية المتصلة المتكاملة التي يطلق عليها حلقات أو دورات مسرحيات الأسرار (Mystery cycles) فإن المسرح الإنجليزي الجماهيري قد تعامل في مرحلته التالية مع التاريخ المكتوب القومي بنفس الحماس والإقبال ونجح في أن يترجم أحداث التاريخ المكتوب إلى صراعات وشخصيات وأحداث درامية وأن يخلق منها عالماً درامياً مسرحياً كامناً يموج بالدفء والحياة.
    القارئ لمسرحيات شكسبير يلمس من مجرد تصفّح أعماله الكاملة ولعه الشديد بالتاريخ عموماً، قديمه وحديثه، وبتاريخ إنجلترا الحديث بوجه خاص. فإلى جانب المسرحيات التي استوحى فيها التاريخ الروماني مثل يوليوس قيصر وأنطونيو وكليوباترا، وكورايولانوس، وترويلاس وكريسيدا، نجده يتناول في سلسلة متعاقبة من المسرحيات تاريخ إنجلترا الحديث بادئاً بحياة وموت الملك جون وماراً بسيرة ريتشارد الثاني والسادس، وسيرة هنري الرابع التي عالجها في جزأين، ثم سيرة هنري الخامس وسيرة هنري السادس التي تناولها في ثلاثة أجزا، ومنتهياً بعصر الملك هنري الثامن والد إليزابيث الأولى مليكة عصره.
    ربما كان عنصر الحبكة الثانوية ـ أو الحبكة الثانية في بعض الأحيان ـ هو أهم العناصر الدرامية الجديدة التي تبلورت في العروض شبه الدينية التي ميزت هذه الفترة. لقد وصف النقاد والمؤرخون هذه التركيبة الدرامية الجديدة: وهي وجود حبكة أساسية وإلى جوارها حبكة أخرى مساندة تثري أبعاد الحبكة الأولى
    2 – النظرية و الدرامية والنقدية.
    رغم دراية المؤلف الإليزابيثي بالقواعد الكلاسيكية التي استنها نقاد عصر النهضة مثل (أسكام)، (كاستلفترو)، (بوالو) وغيرهم إلا أنهم اختاروا أن يخرج عنها خضوعاً للذوق الجماهيري العام. فمؤلف المسرح في العصر الإليزابيثي وحتى عصر عودة الملكية لم يكن يكتب أدباً مسرحياً ليحفظه في الكتب.. بل كان يكتب نصاً للتمثيل والعرض.. وكان أشد ما يؤرقه هو انصراف الناس عنه، فقد كان هذا يعني خراب الديار ولهذا لم ينظر شكسبير إلى مسرحياته باعتبارها أعمالاً أدبية فلم يعنى بجمعها ونشرها ومراجعتها في حياته بعد أن اعتزل التمثيل وحياة المسرح.. وذلك رغم عنايته الفائقة بنشر ومراجعة سوناتاته وقصائده.. ولهذا السبب أيضاً كتب بن جونسون مسرحيتين على النهج الكلاسيكي هما سيجانوس وكاتيلين ليدفع عن نفسه تهمة السوقية المسرحية واتهم شكسبير ـ رغم إعجابه الشديد به ـ بالهمجية والتسيب في القصيدة التي رثاه فيها لأنه تجاهل القواعد الكلاسيكية.
    لقد كان المؤلف الإليزابيثي يأخذ من التراث الكلاسيكي ما يناسبه ويتجاهل ما لا يستسيغه الذوق الجماهيري العام.. فنجده يحتفظ بالتقسيم الذي اقترحه الروماني (هوراس) في قصيدته فن الشعر فيقسم المسرحية إلى خمسة فصول، ونجده يستلهم الروماني (سينيكا) بينما يرفض وحدات الزمان والمكان والحدث التي رشحها ودعا إليها الشاعر سير فيليب سيدني في مقال دفاع عن الشعر الذي ظهر في آخر سنوات القرن السادس عشر مفضلاً عليها سيولة الزمان والمكان وتنوعه، والحبكة الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية ـ كما فعل شكسبير في مسرحية حلم ليلة صيف. لقد مثّل المسرح في عصر شكسبير فضاءً تجريدياً رمزياً يتسع لجميع الأمكنة والأزمنة.. كان مثل مسرح العصور الوسطى الرمزي مسرح الحياة وتاريخ البشرية المادي والروحي… ولهذا تميزت نصوص العصر الإليزابيثي بالانتقالات السريعة في الزمان والمكان فكأننا بصدد نص سينمائي ويكفي أن نتذكر في هذا الصدد أن أحد فصول مسرحية أنطونيو وكليوباترا يحتوي على ما لا يقل عن سبعة عشر مشهداً تنتقل بنا في إيقاع لاهث لا تقدر عليه إلا الكاميرا السينمائية من مكان إلى مكان.
    كان المؤلف يستخدم اللغة في الإشارة إلى المكان والزمان ويخلق الإحساس به من خلال الوصف الإيحائي… وكان المتفرج يمتلك خيالاً نشطاً يقظاً مدرباً.. يشارك مشاركة إبداعية في إكمال عناصر الدراما والمنظر المسرحي.
    وتغير الحال في عصر عودة الملكية فوجدنا الكلاسيكية تغدو النظرية المهيمنة التي تحكم كافة جوانب النشاط المسرحي من تأليف وتمثيل ونقد، وكان الملك وحاشيته قد تشبعوا بهذه النظرة إبان هجرتهم الطويلة في فرنسا معقل المسرح الكلاسيكي آنذاك. كان قوام النظرية الكلاسيكية كما تبلورت في فرنسا على أيدي بوالو وغيره من النقاد هو: 1 – الالتزام بوحدات الزمان والمكان والحدث.
    2 – الالتزام بقواعد اللياقة التي تمنع مشاهد العنف أو القتل أو التعذيب إيماناً بأن ما يسمى بالجلال التراجيدي تنافى مع مثل هذه المشاهد.
    3 – الالتزام بعدم خلط الأنواع فلا يجوز خلط الكوميديا بالتراجيديا أو الشعر بالنثر.
    4 – الالتزام باللغة الخطابية البلاغية الرصينة المنمقة التي تسمى بالشخصيات الدرامية وترفعها فوق العامة.
    5 – الالتزام بالمواضيع الأخلاقية السامية وخاصة موضوع الصراع بين الحب والواجب الذي غدا محور تراجيديات هذه الفترة.
    وقد اختلف الدارسون في تحديد منابع كوميديا السلوك التي ظهرت في عصر عودة الملكية الذي بدأ عام 1660م حين استدعى البرلمان الإنجليزي الملك تشارلز الثاني من فرنسا ليخلف أباه على عرش البلاد بعد فشل الثورة الجمهورية فبينما يراها البعض رافداً مباشراً من المسرح الفرنسي وخاصة مسرح (موليير)، يعكس أسلوبه الدرامي، يؤكد البعض الآخر أنها نبت محلي إنجليزي صرف نشأ فجأة في ظل ظرف اجتماعي خاص هو عودة الملكية وحماية الملك وحاشيته والطبقة الأرستقراطية على المسرح.
    في دراسة قيمة عن كوميديا الأخلاق الانجليزية هاجم (آرثر شربو) طائفة النقاد الذين يصرون على رؤية مسرحيات (شريدان) و(جولد سميث) في إطار كوميديا الأخلاق مستندين إلى حجج واهية مثل وجود تشابه سطحي أو جزئي في بعض التفاصيل والشخصيات بين أعمالها وبعض كوميديات الأخلاق، متجاهلين الاختلاف الأساسي في المعالجة الدرامية والبناء والحالة الشعورية العامة. ويشترك مع (شربو) في رأيه هذا فريق من النقاد نذكر من بينهم ( و.ف.جلاواي) الذي يؤكد بشدة استقلال (جولد سميث) على الأقل استقلالاً تاماً عن كوميديا الأخلاق وعلى طرف النقيض من هذين الناقدين نجد ( إيرنست بن باوم ) ومعه (الأردايس نيكول) و ( ف.ت. وود)، و (جورج هنري نيتلتون) و (فريدريك س.بوز) على سبيل المثال لا الحصر ـ نجدهم جميعاً يؤكدون انتماء الكاتبين بصورة أو بأخرى وبدرجة قد تزيد أو تنقص إلى تراث كوميديا الأخلاق ـ ولا ينحصر الخلاف النقدي بين الفريقين في درجة انتماء الكاتبين إلى كوميديا الأخلاق أو استقلالهم عنها فقط بل يتخطى ذلك إلى القيمة الفنية أعمالهما تجد الفريق القائل بانتماء الكاتبين إلى التقاليد الفنية لكوميديا الأخلاق يدين أعمالهما فنياً إما لافتقارهم إلى العمق الإنساني أو لافتقادها الوحدة الشعورية ـ كما تقول (مسز أوليفانت) والناقد (بوز) أو لبنائها المفكك في رأي (نيكول)، أو لمبالغتهما السقيمة المفتعلة في رأي (آلان.س.داونار)، أو لافتقادها الجدة واعتمادها على الحيل التقليدية المعروفة ـ كما يرى (مارفن مدريك).
    لم ينتج شعراء الرومانسية الإنجليزية (وردسورث وكولريدج وشيلي وكيتس) إلا مجموعة ضئيلة من المسرحيات الفقيرة الفاشلة الميلودرامية الطابع. وفي نصوصهما القليلة هذه نلمح مجموعة من الظواهر تلح علينا في المسرحية تلو الأخرى ونستطيع أن نعزو إليها فشل هذه المسرحيات درامياً وفنياً. وأول هذه الظواهر هو الفصل التعسفي بين الميتافيزيقا والأخلاق من ناحية، وحركة الإنسان السياسية والاجتماعية في محطة التاريخ من ناحية أخرى، في كل مسرحية من المسرحيات التي سبق ذكرها نجد صراعاً فردياً أخلاقياً يطرحه الشاعر طرحاً تجريدياً ـ أي يجرده من بعده التاريخي والاجتماعي فينتفي الجدل المقنع بين الجانب الأخلاقي وحقيقة الفعل الإنساني ومحيطه، ولذلك عادة ما تفشل هذه المسرحيات في إقناع القارئ أو المشاهد بأهمية هذه التقلصات النفسية العنيفة لأبطالها. ونتيجة لهذا التجريد الذي ينبع من فصل الخلاق عن محيط الفعل التاريخي نجد هذه المسرحيات تعج بالمنولوجات الطويلة التي تحوي تأملات وتطرح قضايا لا تؤثر في مجرى الأحداث المعروضة، وهي أحداث تتسم في مجموعها بالعنف والرعب والقسوة، وتعج الشخصيات النمطية مثل الفتاة المظلومة والطاغية الشرير الأب العاجز العجوز.. وهلم جرا.
    أما الظاهرة الثانية التي تتكرر في هذه المسرحيات فهي جهامتها، وأخذها لنفسها مأخذ الجد الشديد، وغياب أي شعاع من الفكاهة أو الحس الساخر، فهي مسرحيات تطرح رؤيتها طرحاً أحادياً واثقاً يقترب من الدعاية ويرفض مبدأ الجدل المركب الذي لا تحيا الدراما من دونه، فالدراما تمثل في جوهرها رحلة استكشاف معرفية تكتسب دراميتها وموضوعيتها وصدقها من قدرة الفنان على إقامة اشتباك وجدل وصراع حقيقي بين رؤيته والرؤى المعارضة في محاولة للوصول إلى الرؤية المتكاملة، أما سياسة الإغفال المتعمد لكل النقائض فعادة ما تفرز فناً زائفاً ساذجاً.
    فالرؤية الجدلية هي ما نفتقده في المسرح الشعري الروماني في إنجلترا، ولهذا جاءت المسرحيات التي سبق ذكرها أقرب إلى الترجمة الحوارية لأفكار الشاعر وتأملاته منها إلى الدراما.
    ارتبط ظهور الواقعية الرومانسية في المسرح الإنجليزي في أواخر عهد الملكة إليزابيث الأولى ببزوغ الطبقة البرجوازية الجديدة من التجار والصناع وأرباب الحرف من ساكني المدينة. واستمرت الواقعية في الازدهار مع نفوذ هذه الطبقة في عصر الملك جيمس الأول الذي خلف إليزابيث على عرش إنجلترا إذ شجع هذا الملك نظام بيع حقوق احتكار بعض الصناعات والأنشطة التجارية
    وأما الظاهرة الثالثة فتتصل عضوياً بالظاهرتين السابقتين، فغياب التفاعل الجدلي مع الواقع يمثل انفصالاً نفسياً هروبياً يتجلى في أبلغ صوره في اللغة التي استخدمها هؤلاء الشعراء في مسرحياتهم، فهي لغة لا تنتمي إلى عصرهم بل تحاكي في مفرداتها وتراكيبها وصورها وإيقاعاتها لغة مسرحيات شكسبير فتبدو للقارئ في بعض الأحيان وكأنها محاكاة ساخرة للغة هذا الشاعر العظيم.
    إن مسرحيات بايرون تمثل رحلة بحث عن المعنى شكلت البناء الجدلي المركب الساخر الذي نلقاه في كل مسرحياته الثماني. أما الشعراء الرومانسيون فقد انطلقوا في كتاباتهم المسرحية من رؤى مثالية محددة كاملة التكوين بدرجة كبيرة لا تفسح مجالاً للجدل المركب الذي يمثل عصب الدراما.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    المصدر / مجلة الرافد / مايو 2010 .
  • بقلم:هويدا صالح ..كيف تبدو صورة المرأة في أدب نجيب محفوظ..

    صورة المرأة في أدب نجيب محفوظ !

    هويدا صالح

    إن دراسة الصورة الروائية التي يرسمها الروائيون لفئة ما من فئات المجتمتع إنما تكشف الفضاء الإيديولوجي و الثقافي الذين يتموضع الكاتب و جمهوره بداخلهما و تعمل على ترجمته، فالصورة الروائية في بعديها الجمالي و الاجتماعي تحتاج إلى قراءة عميقة ومتأنية لأنها تنتمي إلى متخيل مجتمع ما، لأنها مجموعة من الأفكار المتعلقة بالفئة أو النمط الذي يسعى الروائي إلى تشكيله في الفضاء السردي عبر آليات التشكيل وفي إطار سيرورة ما هو أدبي و اجتماعي،فكل صورة تنبثق عن وعي الكاتب الذي هو بمثابة المحرك الحقيقي للأنماط التي يرسمها عبر تشكلاته السردية . كذلك تُعدُّ الصورة الروائية يمكن أن تشكل أيضا تعبيرا أدبيا النظام الثقافي في مجتمع ما ، من هنا يمكن اعتبارها تمثلا لواقع ثقافي من خلاله يترجم الفرد أو الجماعة التي تنتجها فضاءهما الاجتماعي، الثقافي، الإيديولوجي و التخييلي. لذا تُعتبر دراسة الصورة الروائية وسيلة لكشف الخطاب الثقافي للمجتمع الذي يمثله الروائي ، كما تعبر عن العادات والتقاليد والثقافة التي تحكم وعي الفرد في هذا المجتمع. وقد عالجت الدراسات النقدية تلك الصورة من خلال دراسة صورة المرأة في السرد أو صورة الفلاح أو المثقف وغيرها من تلك الصور الروائية .

    والبحث في صورة المرأة الرواية التي يصورها الكتاب الرجال تكشف لنا عن رؤية المجتمع الذكوري للمرأة ، ويعتبر نجيب محفوظ من الكتاب الذين عالجوا الصورة الروائية للمرأة ، لاتساع المساحة السردية ، فهو أكثر الروائيين العرب كتابة سردا روائيا وقصصيا .

    ولقد اتهم الكثير من النقاد نجيب محفوظ أنه حصر صورة المرأة في صورتين اثنتين : إما عاهرة تتكسب بجسدها ، وإما فاضلة رغم أنفها مقهورة من قبل المجتمع الذكوري ، واستدلوا على صورة العاهرة بروايات مثل : القاهرة الجديدة ، واللص والكلاب ، و وبداية ونهاية و زقاق المدق، أما صورة المرأة الفاضلة رغم أنفها المقهورة من المجتمع الذكوري في روايات مثل : السكرية وقصر الشوق وبين القصرين ، حديث الصبح والمساء و المرايا ، وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن نجيب محفوظ لأنه بتقديري لا يحتاج لدفاع ، فما تركه من تراث روائي متسع وممتد ومتنوع كفيل بأن يدافع عنه ،رغم أن النقاد ظلموه ظلما بينا حين اختصروا أعماله في مقولات نمطية سار عليها جميع النقاد دون أن نجد من يعيد قراءة كل هذا التراث الروائي الممتد ويقدم رؤية مغايرة لتلك المقولات النمطية .

    والباحثة ترى أن نجيب محفوظ عمد إلى كشف المجتمع الذكوري الذي يقصي المرأة ويقلل من شأنها ، ويحقرها ، فهو إما يشيؤها ويسلع جسدها ، ويجعل منها عاهرة رغم أنفها ، ويدفعها لأن تتعيش من جسدها نتيجة للأوضاع الاجتماعية القاهرة ، وإما يقهرها تحت وطأة الوصاية الذكورية التي تجعل من المرأة فاقدة للأهلية تحتاج طوال الوقت إلى حماية ووصاية المجتمع الذكوري .

    ركز نجيب محفوظ على صورة العاهرة في رواياته لسببين : الأول لأن الدعارة كانت منتشرة وموجودة ، ومعترف بها من قبل الحكومة فيما قبل ثورة يوليو ، والسبب الثاني رغبته في كشف المسكوت عنه في المجتمع الذكوري الذي يشيؤ المرأة ، ويسلعها ، فحين يقهرها تضطر إلى أن تسغل جسدها من أجل أن تعيش، وقد احتلت صورة العاهرة مساحات كبيرة من رواياته ، فنجدها في القاهرة الجديدة ، إحسان شحاتة طالبة معهد التربية، شديدة الفقر، تعيش في أسرة مثقلة بأعباء الحياة، يستغلها المجتمع الذي لا يعترف إلا بالثروة والنفوذ، تسوده المحسوبية والانتهازية وتحكمه البراجماتية القاسية، مجتمع ينتشر فيه الفساد السياسي والظلم الاجتماعي، يستغلها كأثنى ضعيفة ، فيدفعها لأن تبيع جسدها لذات المجتمع كي توفر لأخوتها الصغار حياة كريمة. كذلك نرى حميدة في زقاق المدق ، حيث غياب الوعي والفقر ، وحيث أن المرأة هي الحلقة الأضعف في المجتمع ، تسقط أيضا حميدة بنت أم حميدة ، ويجبرها المجتمع على استغلال جسدها كي تعيش ، ثم تأتي العاهرة أيضا في ” السمان والخريف ” حيث يستغل عيسى الدباغ المرأة العاهرة ، ثم يتركها وهي تحمل طفله ، ويتخلى عنها نهائيا ، كذلك تقع بطلة ” بداية ونهاية ” في شرك الرذيلة ، واستغلال جسد الأنثى نتيجة للظروف الاجتماعية القاهرة ، فلا تجد الأنثى الضعيفة إلا أن تلقي بجسدها في مياه النيل لتعفي أسرتها من هم عارها ، كذلك يصور المومس الفاضلة التي تقف بجانب بطل ” اللص والكلاب ” سعيد مهران ، حيث يتخلى عنه المجتمع ، ولا يجد من ينقذه إلا ” نور ” العاهرة التي أجبرها المجتمع لأن تبيع جسدها من أجل أن تعيش ، وقد حاول أن يفسر لنا سبب نـزوح نـور إلى القاهـرة ، وإلقـاء الـضوء عـلى حـياتـها الفـقيـرة المليئة بالمـشاكـل الاجتماعـية من خلال رصـد صـورة بيئتـها ، فالمياه الراكدة والهـرب .مما يعطي إشارة لحيـاة نـور قبل نزوحها للعاصمة بحـثا عـن الـرزق و التمتع بحياة كريمة شريفة :” وأفـرطـت فـي الشراب حتى دار رأسها واعترفت له بأن اسمها الحقيقي هو شلبية وقصت عليه نوادر من عهد البلينا ، الطفولة و المياه الراكدة والشباب و الهرب … كان أبي عمدة … كان خادم العمدة “( 1 )
    ورغم مهنة ” نور ” التي من المفترض أن تجعلها تقيم علاقات مع المجتمع إلا أنها تنأى بنفسها عن كل اتصال بالمجتمع المحيط ، ربما لأنها تخجل من مهنتها ، فهي لا تفعلها متعة ولا رغبة ، بل تفعلها من أجل سد حاجتها الضرورية من المال :”البيت الوحيد في الشارع ، تحته وكالة خشب ، ووراءه القرافة . لا يعرفني هناك أحد ، ولم يزرني فيه أحد ، ستكون أول رجل يدخله ، وشقتي في أعلى دور ” (2)

    أحبت ” نور ” سعيد مهران ، وحاولت أن تبعده عن دائرة الانتقام الرهيبة التي تجعله يقتل الأبرياء ، لكنها لم تستطع ، فقد سيطر عليه الانتقام ممن كان السبب فيما هو فيه ، وقد أحبها مهران ، ووثق فيها تماما ، ولم يخطر بباله أبدا أن تسلمه للشرطة طمعا في المكافأة، فإنـه كان يعـلم مدى حبها وإخلاصها له رغـم أنـها تبـيع جسدها وأعز ما تملك للرجال كل لحظة إلا أنـها لـم تفـكر فـي خـيانة سعيد مهران:” هل يمكن أن تلعب المكافأة الموعودة بقلب نور ؟ حقا تلوث دمه بسوء الظن لآخر قطرة ، و الخيانة في عينيه أضحت كرائحة الغبار في اليوم الخماسيني ولكن رغـم ذلـك كـله فـنور لـن تخـونه ، ولن تسلمه غلى البوليس طمعا في مكافأة ، فقد ضجـرت مـن المعاملات وتقدم العمر وباتت تحن إلى عاطفة إنسانية خالصة ” (3)
    ” لن يرى نور مرة أخرى ، وخنقه اليأس خنقا ،ودهمه حزن شديد الضراوة لا لأنه سيفقد عما قرييب مخبأه الأمن ولكن لأنه فقد قلبا وعطفا وأنسا ، وتمثلت لعينيه في الظـلمة بابتـسامتـها ودعـابتـها وتعـاستها فانعصر قلبه ، ودلت حاله على أنها كانت أشـد تـغلـغلا فـي نـفسه مـما تـصـور ، إنـها كانت جزءا لا يصح أن يتجزأ من حياته الممزقة المترنحة فوق الهاوية ، وأغمض عينيه في الظلام وأعترف اعترافا صامتا بأنه يحبها ، وأنه لايتردد في بذل النفس ليستردها سالمة”(4)
    يصف د. طه وادي صورة العاهرة عند نجيب محفوظ بأنها مغلفة بإطار إنساني مما يقترب بها من صورة المومس الفاضلة :”هكذا تلقانا صورة (البغي) في روايات نجيب محفوظ دائما مغلفة بإطار إنساني نبيل ، ليؤكد أن الظروف الاجتماعية مهما تعقدت ، لا تجتث كل ما هو إنسان في الإنسان ، وإنه لضرورات العيش الصعبة يأثم الجسد ،ولكن تظل الروح محتفظة بجوهرها ” (5)
    وقد أوردت فوزية العشماوي حديثا لنجيب محفوظ نشر في مجلة الهلال عام 1970 ، تحدث فيه عن رؤيته لهذه الفئة من النساء قائلا :” هناك منحرفات فاضلات ومنحرفات غير فاضلات و الواقع أن كثيرا من المنحرفات في رواياتي ، يرجع انحرافهن إلى أسباب اجتماعية ، المتهم وراءهن لـيس سلـوكهـن بـقدر ما هو المجتمع الذي يعشن فيه ، إن الغالبية العظمى منهن يرتكبن الإثم بسبب الفقر .. بسبب المجتمع ” (6).

    الصورة الثانية التي رسمها نجيب محفوظ للمرأة هي صورة إيحابية ، حيث صور نجيب محفوظ المرأة في صورة إيجابية ، فهي تناضل من أجل أن تحيا حياة كريمة مثل زهرة في “ميرامار ” التي ترفض أن يستغلها الرجال ، وتسعى لأن تغير مسار حياتها من فتاة ريفية بسيطة جاءت لتعمل خادمة في بنسيون وتتعرض للتحرض والاستغلال الذكوري ، لكنها تحافظ على نفسها ومن خلال التعليم تحاول تغيير حياتها ، كذلك صورة المرأة الإيجابية في نفس تلك الرواية تتجسد في المعلمة التي تدرس لزهرة ، فهي فتاة من الطبقة المتوسطة ، تعمل بالتدريس ، ولا تجد بأسا من أن تذهب للبنسيون لتعطي دروسا خصوصية لزهرة ، كذلك نجد في الثلاثية أكثر من نموذج يمثل صورة ‘إيجابية للمرأة ، فنجد عايدة شديد المتعلمة التي تعرف الكثير من اللغات ، والتي يقع في عشقها كمال عبد الجواد ، كما نجد وسوسن حمادة الصحفية التي ترصد الحراك الاجتماعي في المجتمع والتغيرات في البنية المجتمعية .

    كذلك من النماذج النسائية المحفوظية شخصية الست ” عين ” في رواية ” عصر الحب” الأرملة الغنية التي توجه مالها لفعل الخير ، والتي كان لها عظيم الأثر في محيطها الاجتماعي والتي تبرعت بمنزل كبير لبناء مستشفى يحمل اسمها حتى اليوم ( القصر العيني ) .

    وفي رواية ” السراب ” نجد رباب جبر الموظفة ظلت متمسكة بوظيفتها رغم كل الظروف وهذا تطور ملحوظ على واقع المرأة الاجتماعي . كما تقدم رواية ” الشحاذ ” صورة إيجابية للمرأة في شخصية زينب زوجة بطل الرواية الحمزاوي ، وهي فتاة مسيحية ، أحبت البطل فتزوجته و أسلمت وكانت وفية مخلصة لزوجها المحامي إخلاصا شديدا ، لكن البطل يتيه في طريق حياته حين يلتقي المومس وردة ويقيم معها علاقة ، فيضيع الرجل بين المرأتين مع أن الأولى بقيت على إخلاصها الأمر الذي زاد في تمزق البطل وتشتته. كذلك نجد إلهام في رواية ” الطريق ” تمثل صورة إيجابية للمرأة، فهي سكرتيرة الجريدة التي نشر فيها الإعلان الذي تضمن معلومات عن والده. ولا ينكر أحد تلك الصورة الإيجابية التي رسمها لسمارة بهجت بطلة “ثرثرة فوق النيل ” وهي صحفية شابة مهتمة بالمسرح ، لا تتعاطى الحشيش لذلك يقع عليها دور مهم في مراقبة ما يجري داخل العوامة لسببين هما الأول : أنها صحفية ، والثاني أنها بكامل يقظتها كونها غير واقعة تحت تأثير المخدرات .

    وسوف أركز على شخصية زهرة في رواية “ميرامار ” حيث رسم الشخصـية الريفية بكل صفاتها الـجسـدية و الأخلاقـيــة والشجـاعة و الجـرأة و الاعتـداد بالنفـس ،وقد استطاعت أن تـؤثـر فـي المتـواجدين حولها إما بالسلب أو الإيجاب،فنجده مـن خـلال الأحـداث يوضح لنا مدى قوة شـخصية زهـرة وشـجاعـتها وجـرأتـها ،فـهي لم يـغلبها أحـد مـهما كـانت منزلته ومهما كانت قـوته ، وهي تؤمـن بـأن الـشـرف هــو الـعـرض و الأرض والحرص علـيهما هو الحفاظ على حياة كريمة وسط المجتمع ، ومن خلال الفلاش باك يرصد لنا حادثة تؤكد ما يصرعليه طول الرواية بأن زهرة لاتخاف أحدا ولا تخشى أي إنسان يحاول أن يغتصب حقها فتحدث صديقها عامر وجدي:” أراد زوج أختي أن يأكلني فزرعت أرضي بنفسي !

    • الم يشق عليكي ذلك يا زهرة ؟
    • كلا ، إني قوية بحمد الله ، لم يغلبني احد في المعاملة لا في الحقل و لا في السوق “(7 )
      وحين هربت من القرية لـكي لا تـتزوج مـن الـرجـل الـعجـوز وعـلى الـرغم من توسلات أختها وإقـناع زوج أختها لها بالرجوع وموقف أهل القرية من هروبها إلا أنها ظـلت قـوية وشـجاعـة تقابل هذه المواقف بقوة وشجاعة ، وتصر على عدم الرجع :” لن أرجع و لو رجع الأموات .
      وهم زوج أختها بالكلام ولكنها بادرته : لا شأن لك بي ! (8 )

    كما رأينا أن نجيب محفوظ قدم صورة تفضح واقع المرأة المصرية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة ، حيث القهر الذكوري لها وتسليعها واستغلال جسدها .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    المراجع :

    1 – نجيب محفوظ ، اللص و الكلاب، دار القلم، 1973 ،ص 100.
    -2 ـ نفس المصدر،ص 58.
    3ـ نفس المصدر،ص 116.

    4 ـ المصدر السابق ، ص 126
    5 ـ طه وادي، صورة المرأة العربية في الرواية المعاصرة، مركز كتب الشرق الأوسط ،ص 302
    6 ـ فوزية العشماوي ، المرأة في أدب نجيب محفوظ ، مكتبة الأسرة 2005 ص 116 .

    7 – رواية ميرامار – نجيب محفوظ / دار الشروق 2005 ، ص 42 .
    8 – نفس المصدر ، ص 68.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    المصدر / موقع الحوار المتمدن