كلمات للعام الجديد 2021 ..
وفي الأدب ما يسقط على وطني بوصفه سردا وشعرا وحالات ،
ففي أخر يوم من ظهر الخميس 31 كانون اول 2020 اودعكم ونودع بعضنا بعضا ، متوجها اليكم بكل آلامي وآمالي وبمحبتي وتحياتي والأمل بالغد ان يكون افضل ، وصراع الحياة وازمات الأوطان والغربة ، فنحن في غربة لسنوات مضت ، حيث تظل تجربة الغربة هي أقسى التجارب الحياتية التي يمر بها الإنسان في حياته ووطنه المازوم ، بما تذيقه من عذابات وهم وحزن ، وبما تخلفه في نفسه من لوعة وشوق وحنين إلى الأهل والوطن والأصحاب ، وملاعب الطفولة والذكريات .
لذلك ومن بوابة الادب وتجربة الغربة في الشعر العربي بشكل عام هي رافد مهم ، لما لها من خصوصية تميزها ، ولارتباطها وخصوصيتها بواقع اجتماعي وسياسي للوطن المأزوم .
وقد طالعت ذلك في تجربة جديدة للشاعر محمد الشحات في ديوانه تحت عنوان : «سيعود من بلد بعيد» لوصف وتوصيف حالة الغربة التي يحياها ولده المهاجر ، وحالة الغربة التي يحياها الأب بعيدا عن ابنه ، وما يشعر به هذا الأب تجاه ولده ، من شوق وحنين ، وعذاب وألم روحي ، كلما نبش الأب في صندوق الذكريات ، واستعاد طفولة الابن بدقائقها وتفاصيلها وبراءتها الأولى ليقول :
«ما زلت أخفي عنك كل ملامحي
بعض اضطرابي .. رجفة تأتي وترحل ..
كلما حاولت أن انجو بها .. كانت تحاصرني عيونك .. فانزويت بغرفة ..
أخفيت في أركانها خطواتك الأولى ..
وأول ما نطقت به .. وأنت تركت في جنباتها بعضا من الأوراق .. كنت حملتها في سلتين .. حتى إذا ما ازداد شوقي
كنت أرحل في غيابك بين بين» .
وعن صورة الوطن ..:
يستذكر الشاعر الأب كل تفاصيل الماضي ، في محاولات منه لمواساة روحه ، في لوحات متتابعة عبر نصوص الديوان ، ملتمسا العزاء لقلبه الذي ينازعه الشوق إلى ولده ، راسمًا له صورة الوطن بكلمات ناعمة قاسية .. :
«ماذا حملت من اغترابك؟ ..هل تركت على الطريق .. من البحار إلى البحار
صدى حنينك للوطن؟ .. وطرقت ذاكرة الزمن .. بعض الفطائر في انتظارك.. وجه أمك لم يزل يستقبل الليلات ..
بحثا عنك في قصص الطفولة»
ويقول بالوطن .. :
«تركت بلادك ورحلت .. فهل أثلجت الصدر؟ .. وهل بدلت تقاليدك؟ .. هل أدركت بأن جذورك .. حين تشدك سوف تعود؟ .. هل أكلتك الغربة؟» .
اما عن الذاتي والاجتماعي ومساءلة الوطن عما آلت إليه أحواله حتى فكر أبناؤه في الهجرة ، وأكرهوا على الاغتراب ، فعلى الرغم من ذاتية وخصوصية التجربة الشعرية في هذا الديوان ، إلا أنه في الوقت ذاته بمثابة سيرة ذاتية لمجتمع متشظٍّ ، محاصر بين مطرقة الظرف السياسي ، وسندان الظرف الاجتماعي ، وكلاهما أقسى من الآخر حيث نقرأ ذلك في كلماته .. :
«وطن لا نعرفه .. يسكن خلف عيون الأطفال .. فلا تعبأ حين تراهم .. وتقاوم ما تعرفه .. عن وطن .. كان يظللنا فنهيم به .. ما عاد يتيح لنا .. أن نسكن في معطفه» .
اللغة وسماتها في الشعر ، حيث تبتعد لغة الشاعر عن اللغة النمطية المكرورة ، من خلال شاعرية اللفظة ، وإشارية المعنى ، وإيحائية الصورة الشعرية ، مكونة أفقا جماليا مختلفا في بعده الإنساني الذي هو أساس تجربة الشاعر في هذا الديوان ، منطبعة بطابع إنساني حتى في رصدها للتحولات الاجتماعية التي أدت إلى حالة الاغتراب الذي يحياه الأب/ الشاعر/ والابن/المغترب/ معا ، كنموذج مصغر من حالة الاغتراب المجتمعي الذي يعيشه أبناء هذا الوطن ليرسم الحالة قائلا .. :
«كل الموانئ لم تعد تزهو بنا .. فاخفض غناءك وارتحل خلفي .. ودعنا .. لا تودعنا وترحل .. علنا نطفو فتحملنا الرياح .. فنشتهي أن ننتهي .. سحبا .. ونصبح قطرة .. تمضي إلى وطني .. فتنبت زهرة .. أو سنبلات» .
لذلك فربما اختلفت مستويات اللغة لدى محمد الشحات في هذا الديوان تبعا لاختلاف حقول الرؤى وحقول الدلالة ، ولكنها في النهاية لغة سلسة ، بعيدة عن التعقيد المعجمي ، وبعيدة عن الغموض المجاني والرمزية التي تستعصي على الأفهام وبساطة الملمات ليقول .. :
«أنا من بلاد .. لها ما لها .. ولي أن أهيم بها .. كنت أخفيتها في دمي .. هنا حين تمضي .. سيعرفك العابرون .. ولن تتمكن من أن ترى .. في الوجوه سوى .. رجفة النازحين .. فأغلقت عيني على ما كنت أحمله من بلادي» .
هذا واقع الاوطان المأزومة بابنائها وشعبها ، وجدت في ان تعليقا وشرحا قد يكون وافيا ، وقد استطيع من خلاله وما عكسته مضامينه ، أن اصور جزىء ولو بسيط من حالة وطني وابناء شعبي .
كل عام وانتم بخير ، وعام قادم ليكون مطلبنا عام جديد بخيره وعطائه ، عام يحمل في طياته نهوض امة وشعب ووطن ، فالشرف حتما سيكتمل ، والضمير حتما سيصحو ، ورجالات حتما ستعود لهم نشامتهم ونخوتهم ومواقفهم في الدفاع عن اوطانهم ، والبداية حتما سترسم معالم النهاية .. .
د.سليم الخراط
دمشق شام الياسمين في 31 كانون اول 2020 .
Hareer حرير
١٠ ديسمبر،2020م·
*أطفال بعمر الزهور (مؤسسة حرير) يزورون مدينة السلط للتوعية المجتمعية وتوزيع صناديق(صحتي أمانة )*
ايماناً من منظمة حرير الريادية للتنمية المجتمعية غير الربحية بدورها الوطني والمجتمعي والتنموي والريادي في تقديم الدعم التوعوي لفئات المجتمع المحلي كافة , ودورها في المسؤولية المجتمعية والعمل التطوّعي , ومنطلق رؤيتها ( معاً نستطيع أن نعمل ونحقق الكثير )
هذه المرة حملة حرير تختلف عن حملاتها السابقة , أطفال بعمر الورود أصيبوا بمرض السرطان يزرعون أمل وحياة في قلوب الاشخاص الطبيعين برسالة مفادها أنهم يستطيعون.
زارت حرير مدينة السلط بهدف التوعية المجتمعية وتوزيع صناديق (صحتي أمانة ) في وسط مدينة السلط , وتوعية المجتمع المحلي صحياً وتعليمياً وتربوياً بشأن التعامل مع فيروس كورونا وضرورة التباعد فيما بينهم , لضمان الصحة العامة للجميع , وقام أطفال حرير بالتوزيع بأنفسهم , لتعزيز دورهم التوعوي والمجتمعي ومشاركتهم بالتطوّع والعمل والعطاء المجتمعي , وقد أشادت الأوساط الرسمية والشعبية في مدينة السلط بالجهود التي تبذلها منظمة حرير الريادية , التي تسعى من خلال هذا الجهد الوطني , لتحقيق المصداقية والعطاء والانتماء من خلال جولاتها , والتأكيد على توجيهات جلالة سيدنا الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله باستخدام الكمامات وحماية جميع أفراد المجتمع , كما تأتي زيارات وجولات حرير لجميع مناطق مملكتنا الحبيبة لدعم جهود الدولة لمواجهة جائحة كورونا وضمان المحافظة على صحة أطفالنا ومجتمعنا الأردني , وثمنت وشكرت حرير جهود محافظة البلقاء ممثلة بجهاز الأمن العام بجميع تشكيلاته ودور الشرطة المجتمعية في المحافظة وجميع المتطوعين والمساهمين والداعمين والعاملين في هذه الحملة وتتقدم بجزيل الشكر للأطفال وذويهم على ثقتهم بحرير ومشاركتهم بهذه الحملة , كما لاقت جولات حرير في مدينة السلط استحسان الجهات المسؤولة وفرحة الأطفال بهذه المبادرة , والشكر والتقدير والترحيب من جميع الجهات التي زارتها حرير ودورها التوعوي والمجتمعي .
يشار الى أنّ مبادرة حرير ( صحتي أمانة ) تهدف لدعم جميع فئات وقطاعات المجتمع , من خلال التوعية وتعزيز أهمية المحافظة على الاجراءات الاحترازية الخاصة بالتباعد الجسدي وغسل اليدين وتعقيمها بشكل دوري , وتحقيق ذلك من خلال الصندوق التفاعلي (صحتي أمانة ) الذي يحتوي على أدوات ونشاطات تفاعلية للطفل , تعتمد على التفكير واللعب , ما يعزز شعور الطفل بالمسؤولية الصحية تجاه نفسه وبطريقة ايجابية .
وتطمح حرير من المؤسسات والأفراد دعم الحملة بهدف ايصال الصندوق لأكبرعدد ممكن من الأطفال في كل محافظات المملكة بشكل عام والمناطق الأقل حظاً بشكل خاص , للمحافظة على صحة جميع أفراد المجتمع في أردننا الحبيب .
الجاحظ أستاذ التوحيدي في “المختار من الصداقة والصديق”
صحيفة البعث 6-ديسمبر-2020 م.
اهتمّ الشعراء والناثرون في الأدب العربي القديم بموضوع الصداقة، وأُلّفت فيها كتب ورسائل، فاختار د. مهند سمير بيازيد مقتطفات من “المختار من الصداقة والصديق- لأبي حيان التوحيدي” ضمن سلسلة ثمرات العقول، الصادرة عن وزارة الثقافة –الهيئة العامة السورية للكتاب- وقد استُهل الكتيب بالتعريف بالتوحيدي، فهو أبو حيان علي بن محمد بن العباس التوحيدي أديب وفيلسوف ومتصوف، والأرجح أنه وُلد في بغداد دار السلام عام 310 هجرية، ونهل من علوم المعرفة والثقافة من “الوراقة” التي اتخذها مهنة له، فاطّلع على كثير من الكتب المؤلفة والمترجمة وكوّن ثقافة واسعة الموارد، شملت مختلف المعارف من علوم اللغة والدين والمباحث الفلسفية، وتفقه بعلوم اللغة العربية ولاسيما النحو، ورغم تعلّمه من أساتذة عصره إلا أن أستاذه الذي أثّر في أدبه وفكره وأخلاقه ولغته وأسلوبه هو الجاحظ، وخصّه برسالة سمّاها “تقريظ الجاحظ”.
اتهامه بالزندقة
حقّق التوحيدي شهرة كبيرة، فقيل عنه إنه أفضل كتّاب النثر العربي على الإطلاق لأهمية بلاغته المشرقة وأسلوبه الفذّ، وكانت كتبه تأريخاً وتوثيقاً للمرحلة التي عاش فيها على جميع الصعد الفكرية والعلمية والأدبية والاجتماعية والأخلاقية، اتُهم بالزندقة لكن نفى كثيرون هذا الاتهام مثل طبقات الشافعية، ودافع عنه محمد كرد علي، ومن أشهر آثاره بين كتاب ورسالة “البصائر والذخائر والإمتاع والمؤانسة والمقابسات وأخلاق الوزيرين والإشارات الإلهية”، وتوفي عام 414 هجرية.
الصداقة المثالية
وُلع التوحيدي بموضوع الصداقة ورافقته رسالة الصداقة والصديق طيلة حياته، إذ بدأها في سن الشباب وانتهى من تأليفها في أواخر حياته، وتضمّنت بعض القضايا الفلسفية والأخلاقية التي شغلت المفكرين في ذلك العصر، كإيمان الناس بالطوالع والنجوم وربط أعمال الإنسان وتصرفاته الدنيوية بحركات الأفلاك وغيرها، فعكست رسالة الصداقة والصديق شخصيته الذاتية، إذ عبّر فيها عن نوازعه الوجدانية والعاطفية وبدت شخصيته الموضوعية في التعبير عن مشكلات عصره، وبأسلوبه الفني المنمّق جمع ما قيل في الصداقة والصديق منذ عصور الجاهلية إلى نهاية القرن الرابع الهجري.
يستشفّ القارئ من الرسالة نظرة التوحيدي المتشائم البائس الباحث عن الصداقة بإطارها المثالي، ويرى أن الفضائل تساعد على تكوين الصداقة وحمايتها من صدمات الحياة وتشابك مصالحها، بينما ثمّة عناصر سلبية تفسد الصداقة مثل الخداع والالتواء والاحتجاج والرياء والعتب والهجر والخلاف وغيرها مما أطلق عليها التوحيدي “الآفات النفسية”.
التناقضات
تضمّنت الروائع من النثر والشعر في صفات الصديق عناوين شائقة تقوم على الوزن وأسرار البلاغة والتساؤلات والتناقضات، منها تأديب وتأنيب، والعاقل والجاهل، وأثقل الأشياء وأضرّها، وصديق وعد، والودّ والشر وغيرها الكثير، وفي تساؤله عن “أكرم الناس عشرة” ” قيل لأعرابي: من أكرم الناس عشرة؟..
قال: من إن قَرِب مَنَح، وإن بَعُد مدح، وإن ظلم صفح، وإن ضويق فسح، فمن ظفر به فقد أفلح ونجح”.
وما أورده التوحيدي مازال ماثلاً في حياتنا حتى الآن، فيصف صحبة الأخيار وصحبة الأشرار “صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرّت على النتن حملت نتناً، وإذا مرّت على الطيب حملت طيباً”.
وتعمّق بآداب جلوس الأصدقاء وحسن الإصغاء “قال أبو بكر: حق الجليس إذا دنا أن يُرحّب به، وإذا جلس أن يوسّع له، وإذا حدث أن يقبل عليه، وإذا عثر أن يقال، وإذا أنقص أن ينال، وإذا جهل أن يعلّم”.
نعيم الصداقة
والأجمل حينما وصف باختزال صفات الصديق “قيل لفيلسوف: من صديقك؟ قال: الذي إذا صرتُ إليه في حاجة وجدته أشدّ مسارعة إلى قضائها مني إلى طلبها منه”.
ويبدو أن كل ما دوّنه كان تمهيداً لتعريف صفات الصديق. “قيل لأعرابي: كيف ينبغي أن يكون الصديق؟ قال: مثل الروح لصاحبه، يحييه بالتنفس، ويمتعه بالحياة، ويريه من الدنيا نضارتها، ويوصل إليه نعيمها ولذتها”. وأتبع هذا المعنى باختيار الأشخاص الحسن وفق مخالطة الناس، “قال رجل من قريش: خالطوا الناس مخالطة إن غبتم حنّوا إليكم، وإن متّم بكوا عليكم”.
التخلي عن الحقد
وكما هو شائع بأن الإنسان تُعرف خصاله من سلوكياته، استحضر التوحيدي ما قاله عديّ بن زيد: عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه/ فإن القرين بالمقارن مقتدي
ومن الحكم البليغة التي اختارها ما أورده في قصر العمر مستحضراً ما قاله أفلاطون: عمر الدنيا أقصر من أن تطاع فيها الأحقاد.
وقد جمع التوحيدي بين التحذير والتنبّه والحكم في بعض الفقرات كما في العنوان الشائق المحرّض على التفكير “اتقاء ثلاثة” قال بعض السلف: “أحق الناس بأن يُتقى: العدو القوي والصديق المخادع والسلطان الغشوم”.
النكران والعتاب
ومن الأمور الحزينة التي تطرق إليها والتوحيدي نكران الصديق لصديقه وتبدّل وده والعتاب على البعد تاركاً الأيام أن تعلمه عن خسارته، كما في سوء الجزاء:
ستذكرني إذا جرّبت غيري/ وتعلم أنني لك كنتُ كنزا
بذلتُ لك الصفاء بكل ود/ وكنتُ كما هويت فصرت جبزا
وخصّ التوحيدي الودّ بدلالات عدة منها، الود والشر:
وما الود إلا عند من هو أهله/ وما الشر إلا عند من هو حامله
الأمان
ولخّص متغيرات الحياة بما أورده بأمور غير ثابتة يقال: “أمور ليست لها ثبات، منها: ظل الغمام، وخلّة الأشرار، وثناء الكذابين، والمال الكثير يرثه الأحمق، ومودة النساء”.
عبد المجيد الحاج قاسم …رحلة الكتابة والحياة
شمس الجنوب novembre 23, 2020
أنا اليوم سعيد حقيقة للسعادة التي ملكت أستاذي وزميلي وصديقي عبد المجيد الحاج قاسم، سعادته الكبيرة بهذا الكتاب الذي منحه الثقة والإرادة، وسيمنحه المجد أيضا لأنه وثيقة ذات قيمة أدبية ونقدية وتاريخية عصيّة على النسيان.
الكاتب يعاني أحيانا من الوصول إلى الأفكار الجيدة التي تنصف الآخر، ولهذا ماذا يمكن أن
أقول عن سي عبد المجيد الذي شدّني إليه هذا الكتاب أكثر من سنة بين حديث الهاتف وزيارته في بيته وكرم ضيافة زوجته للاّنعيمة! أعتقد أن انسجام نمط حياته مع قناعاته وإيمانه ورؤيته للوجود جعلته يحظى باحترام الجميع له.
وأريد بهذا النص القصير أن أنقل عن نفسي وعن الكثيرين صورة وفاء وعرفان بالجميل لعاشق اللغة العربية، والمدرّس الرّاقي، والشيخ الإمام،والكاتب الذي توالت أمواج ابداعاته.
فله قلائد الياسمين، لأنه جدير بالتقدير وحياته مليئة بالعطاء والعمل والاجتهاد.
لا أستطيعتجاوز منطقة هذه الكلمات دون أن اّنوه بالتصوّر التكاملي الذي عاشه هذا الكتاب من “الفكرة” إلى “المنجز”. تجربة رائقة عاشها هذا الكتاب من التصميم الغرافيكي(غروب توب) إلى المطبعة(نوفا برنت) إلى جماليات الحروف العربية التي زيّن بها الفنان طارق عبيد الغلاف والصفحات الداخلية بأسلوبه الرشيق الفذ، مرورا بجهود باحثين أرّقوا أنفسهم وأضنوا تفكيرهم لتقديم شيء جديد… وهو عمل يستحقون عليه جميعا الشكر. وانتهاء بجذوة الصداقة الجديدة التي جمعتني بالطبيب الجراح أمين الحاج قاسم الذي تقاسمت معه رحلة هذا الكتاب خطوة خطوة، ومتابعة من د. جلال. ولأني عشت هذا الطقس الرائق، فإني لم أنسّق هذا الكتاب، بمعنى الجهد والتعب، ولكنّي استمتعت به أي استمتاع !
سي عبد المجيد الحاج قاسم مفخرة لجيل من التلاميذ والقراء والمستمعين والمشاهدين والكتاب…وإذا كانت مقولة “ملأ الدنيا وشغل الناس” تطلق على المتنبي وتصدق عليه، فإن مقولة “ملأ مدينة صفاقس وأفاد الناس” تصدق على سي عبد المجيد الحاج قاسم وتنطبق عليه.فاسمه تاريخ في ببليوغرافيا فن الشعر والرواية والسيرة وأدب الرحلة، واسمه مرجع في الدفاع عن اللغة العربية وقواعدها بالإذاعة والتلفزيون، وفي نشر سماحة القرآن الكريم بجامع اللخمي، وجمعية المحافظة على القران الكريم والأخلاق الفاضلة. وهو مرب مثالي لمن أخذوا عنه، في مقاعد الدراسة، ساهم في صقل القيم الجمالية والأخلاقية والمعرفية العميقة لديهم…
وهو إلى جانب ذلك، مثل قلّة من الناس الطيبين، بدا لي عن قرب وعشرة: ذهبي الفم، دائم الهدوء والابتسامة، يملك طوفانا من المعارف.
محمود التركي نجم عراقي شاب يأسر قلوب مئات الملايين
مطرب وملحن يتحدى بالغناء في زمن كورونا.
الخميس 2020/11/26
محمود التركي مطرب عراقي يعانق العالمية بعذابة الصوب في إنتاج جديد يأسر ملايين القلوب زمن الكورونا
في السنوات العشر الماضية اتضح للجمهور العربي أن هناك من كان يتحكّم، وبشكل مسبق، في الذوق الفني ويقوم بتصدير مطربين معينين دون سواهم، ولا يسمح للكثير من الشباب الموهوب فنيا بدخول الساحة الفنية الرئيسية، وهنا نقصد شركات الإنتاج المهيمنة والقنوات الفضائية المختصة ببث الأغاني المصورة ليلا نهارا، وأيضا الإذاعات التي تعتمد على الأموال المدفوعة من قبل وكلاء المطربين لبث أغانيهم دون غيرهم. ولكن مع الحرية المتاحة اليوم في عالم الإنترنت وظهور موقع اليوتيوب، شهدنا بروز مطربين ومغنين وموسيقيين، لم نكن نسمع بهم بسبب الهيمنة الإنتاجية التي تعتمد على الاحتكار الظالم.
الشاب العراقي المبدع محمود التركي هو إحدى نتائج معادلة اليوتيوب الإيجابية، حيث عرفه الجمهور من خلال الأغاني الناجحة وصوته العذب، هو مطرب وملحن من طراز خاص، استطاع الدخول إلى الساحة الفنية العربية بدرجتها الأولى خلال زمن قياسي مقارنة مع مطربين احتاجوا إلى سنوات طويلة لتحقيق ذلك.
التركي الذي يمتلك في رصيده أغاني بملايين المشاهدات، يمكن القول إنه سبق من تسيدوا عرش الأغنية العراقية لعقود طويلة، من فنانين كبار أمثال كاظم الساهر وسعدون جابر وحاتم العراقي وغيرهم، وهنا نتكلم عن تفاعل الجمهور وليس عن تاريخ الأسماء المذكورة الطويل.
عصر جديد
الجمهور العربي، وبعد زوال عصر الفيديو كليب التقليدي، يكتفي بصورة فوتوغرافية فقط لتكون الواجهة المرئية لأي أغنية ناجحة، وهذا ما يستعمله فنانو اليوم ومنهم التركي الذي يحصد إعجاب الناس عامة ببساطته الشديدة.
ولى عصر الألبومات، أو يكاد في عالمنا العربي، ونعيش الآن عصر الأغاني المنفردة وعدم الاستعراض بـ”الفيديو كليب”، الجمهور بات حرّا بما يعجبه ويكفيه الإنتاج الصوتي وليس بحاجة إلى الصورة المكلفة التي كانت شركات الإنتاج تستخدمها لاحتكار أي فنان متذرعة بالتكلفة العالية وأهميتها لترويج أي أغنية أو ألبوم غنائي.
أصبحنا نحن الجمهور العربي نكتفي بصورة فوتوغرافية فقط لتكون الواجهة المرئية لأي أغنية ناجحة، وهذا ما يستعمله فنانو اليوم، و منهم التركي الذي يحصد إعجاب الجمهور العربي عامة والخليجي والعراقي خاصة، في كل أغنية يصدرها، رغم البساطة الشديدة في الإنتاج.
أغنية التركي “تعال أشبعك حب” التي يرددها الصغير قبل الكبير، حطمت كل الأرقام القياسية، حتى أن شهرتها تجاوزت النطاق العربي، ورأينا مقاطع فيديو كثيرة لأشخاص من شرق آسيا يرددون كلماتها ويرقصون على أنغامها. أما عدد مشاهداتها على اليوتيوب فما يزال في ارتفاع مستمر متجاوزاً 611 مليون مشاهدة
بدايته الفنية كانت عام 2013 من خلال أغنية “ماعوفك” من كلمات الشاعر أمجد الطائي، وألحان حسن الجابري، صحيح أنها صورت على طريقة “الفيديو كليب”، لكنْ كان الإنتاج متواضعا والإخراج بسيطا أيضا. كان التركي يعلق على تلك الأغنية الكثير من الآمال، كونها أول عمل خاص له والإطلالة الرسمية الأولى على الجمهور، لكن آماله باءت بالفشل، لأن عمله ذلك لم يحقق المطلوب ولم يصل إلى عدد كافٍ من الجمهور، باختصار الأغنية لم تكن ”ضاربة“ كما يقال.
طموح الشباب الكبير الذي يمتلئ به التركي دعاه إلى الاستمرار والبحث عن ألحان أجمل تناسب ذوق الجمهور في ذلك الوقت، أغنيته الثانية كانت بعنوان “رحت زعلان” من كلمات علي بدر وألحان عبدالله البدر، بدت أكثر نجاحا وانتشارا على مستوى الجمهور العراقي، والعمل تم تصويره تحت إشراف المخرج والمنتج مصطفى العبدالله الذي أصبح منذ ذلك الوقت شريكا في نجاح التركي وتألقه. صورة الأغنية كانت أكثر جمالا من سابقتها، وتم عرضها على الكثير من الفضائيات العربية، وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل جيد.
الديو الغنائي في عالمنا العربي ليس رائجا كثيرا، ولكن منذ خمس سنوات تقريبا بتنا نشاهده كثيرا في الفن الخليجي ومن ضمنه العراقي، ولكن العبدالله أقدم على خوض مغامرة التريو الغنائي الذي نادرا ما نجده في الساحة العربية وهو منتشر أكثر في الغرب، زج العبدالله بالتركي في عمل رائع حقق الكثير من النجاح رفقة كل من وسام حلمي وياسر ماجد. العمل من كلمات الشاعر المتميز ضياء الميالي وألحان حسن الجابري.
التريو حقق انتشارا واسعا ومشاهدات بالملايين على موقع اليوتيوب، ويمكن القول إن بداية التعارف الحقيقي بين التركي والجمهور العربي كانت من خلال تلك الأغنية. ثم قدم التركي أول أغنية من ألحانه بعنوان “يمة حميد”، كتب كلماتها أحمد الميالي، وتخطى عدد مشاهداتها على اليوتيوب حاجز الـ50 مليون مشاهدة، وهي أغنية شعبية إيقاعية مهداة للجيش العراقي، وهذا الأمر غريب و قليل الحصول كون الأغاني الوطنية عادة لا تحقق النجاح الجماهيري الواسع.
لكن “يمة حميد” كانت قريبة بالكلمة واللحن من الشارع العراقي ولامست عاطفته المحبة للوطن، وفي الوقت نفسه هي أغنية راقصة مليئة بالفرح، وهي المحطة الفنية الثالثة في مسيرة التركي الفنية وكانت علامة ثابتة له؛ وضع قدميه على الساحة الفنية العراقية وأخبر الجميع بأن هناك نجما شابا قادما سوف يخطف الأضواء من الجميع.
اعتمدت الشركة المنتجة لأعمال التركي مبدأ الغزارة في إصدار الأغاني، خصوصا أن محمود يمتلك موهبة التلحين ويقوم بوضع ألحان أغلب أغانيه، وهذا الأمر يشكل راحة مادية وزمنية إنتاجية، إنْ كان ذلك للشركة المنتجة أو للفنان المغني، حيث إن أكبر معضلة للمطربين هي اختيار اللحن المناسب لصوتهم وللنوع الغنائي الذي يؤدونه، بينما نجد التركي من المطربين القلائل في العالم العربي الذين يمتلكون موهبة الغناء والتلحين، ونذكر على سبيل المثال بعض المطربين الأوائل في هذا المجال، منهم كاظم الساهر، والفنان المتكامل مروان خوري والمبدع زياد برجي و الرائع وليد الشامي أيضا.
ابن البصرة والعام الذهبي
ظاهرة التركي إحدى نتائج معادلة اليوتيوب الإيجابية. فقد عرفه الجمهور، مطربًا وملحنًا، من خلال تلك المنصة التي بثّت أغانيه بصورة مختلفة.
ولد التركي في الكويت عام 1992 وينحدر والداه من محافظة البصرة العراقية، التي عاد إليها محمود ببداية شبابه ليبدأ منها حلمه الفني، رغم أنه حلم في طفولته بأن يكون لاعبَ كرةِ قدمٍ، ولكن المجتمع المحيط بعائلته وأقربائه تنبه لصوته العذب، فشجعه الجميع على احتراف الغناء بدلا من احتراف كرة القدم في بلد مثل العراق تعاني فيه الرياضة بجميع ألعابها، بينما يتألق الفن العراقي في الساحة العربية ويتصاعد نجومه نحو القمة بسرعة، وهذا ما حققه التركي منذ بدايته.
يعتمد التركي على مبدأ “السهل الممتنع“ والابتعاد عن التصنّع الفني؛ يقول “أصبحنا في وقت مواقع التواصل الاجتماعي ومخاطبة الجمهور مباشرة دون وسيط أو تكلف، والإنتاج البسيط يوصل الأغنية الجميلة بطريقة سلسة، وهذا ما نعتمده. وهناك أغانٍ تم تسجيلها وتصويرها بشكل بسيط، وخلال يوم واحد فقط“. ويشير التركي إلى تلك الأغنية التي حققت انتشارا ونجاحا منقطعي النظير، وهي الديو الغنائي “راحتي النفسية” مع الفنان علي جاسم الذي قام بتلحينها وكتب الكلمات الشاعر عمار محمد. حصدت الأغنية حتى الآن حوالي 274 مليون مشاهدة، هذا الرقم الكبير يعني أن هناك جمهورا عربيا من مختلف الجنسيات أحب هذه الأغنية، وتعرّف على المغني الشاب المتألق محمود التركي الذي بدأ الحظ يستجيب لأغانيه فأخذت تحصد الشهرة الواسعة، “راحتي النفسية” تم إصدارها مطلع عام 2018 وتحديدا في الشهر الأول.
رصيد التركي من المشاهدات المليونية يجعله متقدّماً على من احتلوا عرش الأغنية العراقية قبله، مثل سعدون جابر وكاظم الساهر وغيرهما
بالنسبة إليه يُعدّ ذلك العام ذهبيًّا بامتياز؛ فالأغاني التي أصدرها وشارك بها كلها حصدت حب الجماهير، وخصوصا التريو الغنائي “تعال أشبعك حب”، الأغنية التي شغلت كل الوطن العربي ورددها الصغير قبل الكبير، وحطمت كل الأرقام القياسية وهي أغنية العام بالتأكيد، حتى أن شهرتها تجاوزت النطاق العربي، ورأينا مقاطع فيديو كثيرة لأشخاص من شرق آسيا يرددون كلمات الأغنية ويرقصون على أنغامها. عدد مشاهداتها مازال في ارتفاع مستمر ووصل إلى حوالي 611 مليون مشاهدة على اليوتيوب، وهي الأغنية الثانية عربيا بعدد المشاهدات بعد أغنية “المعلم” لـسعد لمجرد.
الصورة المقدمة بـ”تعال أشبعك حب” أقل من الحد المطلوب فنيا؛ تصوير بسيط جدا، وكأن كلاً من التركي والعبدالله والجاسم راهنوا على أنهم سوف يحطمون الأرقام القياسية بتحدي بساطة الإنتاج والتصوير المتواضع في غرفة صغيرة وهم يغنون أمام كاميرا ثابتة، ويبدو أن الثلاثة ربحوا الرهان وحصدوا أكثر بكثير مما توقعوه.
أصدر التركي في تلك الفترة المتسارعة أكثر من أغنية، وجميعها حققت ملايين المشاهدات، منها “شالع قلبي” التي حصدت حوالي 50 مليون مشاهدة، والديو الغنائي “كلش قطعت وياي” الذي ربح حوالي 70 مليون مشاهدة، وأيضا التريو الغنائي “بروحي” مع حمزة جلال وعلاء برهان.
التركي يلحن للكبار
لم يتراجع مستوى نجاح التركي بل استمر مع إصدار الأغاني الضاربة، واستطاع التعامل مع أشهر ملحني العراق والخليج العربي علي صابر الذي يتهافت عليه مغنو الوطن العربي من كل صوب ليتحصّلوا منه على لحن يحقق لهم الملايين من المشاهدات والشهرة المرجوة. صابر لحن للتركي أغنية في غاية الجمال، كتب كلماتها محمد الجبوري ووزعها الفنان عثمان عبود وحملت عنوان “ضمني ضمني”، وتمت مشاهدتها حوالي 151 مليون مرّة على اليوتيوب رغم أنها نُشرت كصوت فقط دون تصويرها على طريقة “الفيديو كليب”، وقد أظهر فيها التركي قدرات صوتية جديدة مليئة بالأحاسيس.
الأغنية التي يفخر التركي ببساطتها وبأنه قام بتصويرها خلال يوم واحد وحققت انتشارًا ونجاحًا منقطعي النظير، هي الديو الغنائي “راحتي النفسية” مع الفنان علي جاسم، والتي حصدت حتى الآن حوالي 274 مليون مشاهدة
التركي لا يفوّت الفرص السانحة لاختيار الشريك والعمل المناسبين؛ في العام الماضي قدم ديو رائع الجمال مع اسم عراقي شبابي ناجح جدا هو محمد سالم، بعنوان “الساعة خمسة”، وقد لحنه صابر، وتم تصويره تحت إدارة العبدالله المخرج الشريك لنجاحات التركي، وحقق انتشارا واسعا أيضا.
في العام الحالي، ورغم جائحة كورونا وامتناع الكثير من المطربين عن إصدار أغانٍ جديدة، قدم التركي مفاجأة لجمهوره، هي رائعة الملحن ميثم علاء الدين “تدرون شكلي” التي كتب كلماتها الشاعر رامي العبودي. علاء الدين أخذ التركي إلى مكان جديد كليا، فهذه الأغنية بالتحديد لا تشبه كل ما قدمه سابقا؛ اللحن هادئ ورائع جدا والتوزيع الموسيقي الذي وضعه علاء الدين بنفسه والكلمة الجميلة كل ذلك سوف يجعل هذه الأغنية خالدة وعلامة فارقة في مسيرة التركي الفنية، وسوف ينتبه إلى كل أغنية يقدمها في ما بعد. نسبة المشاهدات كبيرة جدا باعتبار الوقت القياسي الذي انتشرت فيه، فقد صدرت في شهر يونيو الماضي وحققت حتى كتابة هذه المقالة 56 مليون مشاهدة على موقع اليوتيوب.
وبعد ذلك التألق بدأ التركي بتقديم ألحان ناجحة لزملائه من الفنانين، مثل المبدع وليد الشامي المعروف بألحانه الجميلة وأغانيه الضاربة، لكنه اقتنع بلحن أغنية “انتهى المشوار” وهي تحقق النجاح الكبير في أيامنا هذه، كما أعلنت المغنية التونسية شيماء الهلالي عودتها إلى الساحة الفنية بلحن من توقيع التركي، وقال ماجد المهندس
في مقابلة تلفزيونية إنه أخذ لحنا جميلاً من المبدع محمود التركي. وقبل أيام قليلة قدم التركي ديو غنائيًّا فريدا من نوعه مع شريكه العبدالله بعنوان “اتحدى واحد”، تم تصويره في مدينة دبي وأخرجه الفنان اللبناني عادل سرحان، والأغنية لحنها المغني الواعد كرار شريف، وحققت في اليوم الأول فقط مليون مشاهدة.
يبحث بين ضجيج الحضارة عن أبجدية غائرة في عمق الزمن ..يرفع الحجر..ويطوع الحديد..ويستمر باحثاً عن طفل وليد..عن أمل ينبت بين الصخور مع أكمام الياسمين الدمشقي..متلهف لعبور الضفة الأخرى من الزمن..بعد أن أدماه الشوق..كي يمتطي سهابة البوح المعرفي..يطلق العنان لمخيلته..لأفكاره..لطموحاته المستقبلية..ليكتب أنشودة المطر..يغوص عبر أفقه البعيد العميق ليحمل على جناح السرمد بشائر للأطفال مزروعة بسنابل القمح الثقافي..فتعالو لنرحب معاً بضيفنا الأستاذ جابر أحمد..
–
لقد لبى نداء خفياً للثقافة والفكر ..كجرس هامس في وجدانه..متفتحاً على بسمة المعرفة والنور الحضاري الذي أضاء أمام أبصاره وبصائره..فتعاقد من بعد خبرة وتجربة وإنضوى وإنضبت بالعروة الوثقى من بعد عدة إمتحانات..فقد أشرقت شمسه الإجتماعية والعملية..وكذلك أشرق إذن وهج وجدانه الحيوي عبر مساحات الوطن وبشتى مشارب وتجارب الإنسان المثقف والمتوازن ظاهرة مع باطنه..يعمل أكثر مما يتكلم..وقد أضحى صديق الوسط الفني والفكري ..لا بل صديق كل منزل..محب للحياة ومعطاء بلا حدود وزمرته الإجتماعية مانح عام..شخصيته جذابه وقيادية..متعاون مع الكل ..كريم النفس والعطاء المادي..يحب منبته الفلاحي ويعتز به..مجادل ومحاور من الطراز الكبير..هاديء بنقاشه مرتب بأفكاره..يطرح إسلوب وفلسفة حياته بطريقة ذكيه كما النعاس في الجسد..فأحاط بعد التأمل بقضية كانت مدفونة في أعماقه ..في طيات الوجدان الذي مازال يتتالى عام بعد عام ..ويشرق نضارة وحيوية وشباباً..متسرباً إليه من أعاميق الوطن ..ومن منابعها الحضارية..من مناهج روحها الإنسانية..نابعة من أغوار التاريخ..منذ أشرق فيه الوجدان الحي المريد للخير العام لكل مواطن..ثم ما إنفكت الكلمة الطيبة والصور النموذجيه لسلوكه تتفاعل فيه مسخرة حياته بإرادة منه وبنعمة علوية تجذبه بخيوط معرفية ..عليها من أفكاره وفلسفته وكتاباته وأقلامه لطخات ومن صفحاته مطهر للجراح المعذبين والمحتاجين والفقراء..ومن زوايا رؤيته وأبواب علاقاته المتميزة مع الوسط المعرفي الثقافي والفني والأدبي في مدينتي حمص وحماه ..بل وبكل المحافظات السورية وخارج حدود الوطن عبر منصات التواصل الإجتماعي من خلال الشبكة العنكبوتية..فكانت كتاباته وتجاربه العملية والزراعية والأثرية والثقافية بمثابة نوافذ للبركة والمحبة والسلام لوجدان القاريء والطالب والمريد لتجربته وأدبه وفنه..وكأنما توافقت وجداناتنا بدون قواعد أو مطارحة على أننا لن ندرك ركب الحضارة إلا إذا تطهرنا في مطهر تتقطر عليه دموع المعرفة والعلم والفن والتكنلوجيا والثورة الرقمية..وعصر الأنترنت وعصر الصورة وعصر الديجيتال..والآن وقد تملكتني الهاجسة وإحتوتني المهمة في أقداسها فأغوص في طياتها مشتاقاً متلهفاً لأقدم شيئاً من مباهج الثقافة عند الأستاذ جابر أحمد..الذي يرسخ قدميه في الأرض الثقافية والزراعية والميكانيكية والأثرية..جاعلاً مصلحة الجماعة والمواطن فوق كل مصلحة والولاء الذي يكون في البدء عاطفة متوثبة يُطعّم بالفعل والعقل فيصبح ولاء واعياً..
بين جابر العامل والصنيعي ورئيس لورشة الصيانة في واحدة من كبيريات مصافي تكرير النفط..ومعاركته الحديد ومصارعة المحركات والتروربينات والمحولات وما شاكلها..وبين الإنسان الفلاح الذي تشرب القساوة والصلابة من الحديد ومن الأرض ومن الطبيعة فكانت بعض طباعة قاسية صلبة لا سيما أفكاره ومبادؤه ..فلا يساوم عليها..وبالرغم من ذلك يوجد داخل الفلاح والعامل جابر الإنسان الشاعر الذي يكتب الشعر برقة وعذوبة وجمالية نادرة..وكذلك الأب الحنون لثلاثة فتيات وشاب ..وجلهم درس وتخرج من الجامعة ويقدم للمجتمع الكثير من التجارب والخبرات الشابة التي ترفع لها القبعة..وأيضاً لمساتهم الفنية في فن التشكيل من الصبايا والشاب خليفة خريج الفنون الجميلة..ووراء الكواليس سيدة مدبرة منزل ومربية صمدت ووقفت في معظم الظروف الصعبة حتى كبرت وربت أبنائها أحسن تربية وكانوا خير الأبناء..إذن في إسرة فقيرة فلاحية ترعرع الأب الذي ورث عن والده عصارة أفكاره وتعطر بعرق جبينه ونال تعب ما يزيد عن أكثر من نصف قرن في رعاية بستان الفستق الحلبي ثم تابع الأستاذ الفلاح جابر المسيرة منذ ما ينيف على التسع وثلاثين عاماً في رعاية البستان وغيره من بعد والده حتى أضحى ينتج ويعطي الثمار الجيدة والتي تغطي حاجات الأسرة..فكل االتحية والتقدير ولإجلال لمن سبقوا الطيور بالبكور وأيقظوا الشمس من ثباتها.. . الناس الغلابة الطيبين وأصحاب المهن البسيطة الذين خرجوا مع بزوغ النجوم وإشراقة القمر أحياناً ومع ظلمة الليل أحياناً أخرى يتحسسوا الطرقات كما العميان.. أو كمن فقدوا البصر على خطى اللكس الكاز أو ضوء البطارية أو المشعل..ينتظروا و يترقبوا أن ينسلخ من الليل نهاراً لكي تشخص فيه أبصارهم طلباً وعفةً لرزق لا يسألوا الناس به الحافا وحاجة.. فكم تقوست ظهورهم وإنحنت هاماتهم في الحصاد والتعشيب وكأنها تحوم بدأب السعى فى البساتين والميادين تسعى ليلاً ونهاراً. لكنها أبدا حول نفسها لم تدور .. إنما تنشد لظهر الضنى إستقامة..و لم تكن إلا كما ترتيب لوحة مفاتيح الكي بورد بجهاز الحاسب أو المحمول..و بانسياب الحبر للقلم فيكون المداد بعز الشأن يحميه أبناؤه. وما قطرات عرقهم التى تنتحها جباههم فى سبيل السعي والعمل إلا كفيض أمل هانت له حبات تراب أو رمل اختلطت بطعامهم فانسلت لجوفهم وبطنهم فأفرزت لآلئ من أصلابهم سطعت بنور العلم والمعرفة والفن والأدب..فكانوا رواداً وقادة ومعلمين ومهندسين وجنود وضباط.. فتفسحت لهم المجالس أدباً وإعزازَ وإحتراماً.. بعد أن كادت أن تُهجر ديارهم لولا أن أٌضيئت بهم فنجا الجمع من فوق شفا النسيان والقتل والتهجير القسري والخراب والتهديم للأبنية والمنازل .. فإن مررت أوعبرت أمامهم فترفق فكفاهم أنهم بين رحى الحياة وأتون الحرب قد نازعوها بمشقة الأمانى وضآلة الحيلة ..ليعيدوا للأرض أمجادها وللحقول نشيدها. ولنعلم أن منهم من يخفى عنك أمجاده وبطولاته . أو سوف يخفى عنك أمجادا . ويبقى طيب الإلهام والقلب يدنو لمن صح فكره ويكافئ بالتوفيق من سابق بالعزم الاجتهاد وهرم الليالي أيام الحصاد والدراسة وتحصيل الحبوب وتجميع المحاصيل…ناهيك عن عزابات الأمهات في جمع وتحصيل وتأمين الماء للشرب والإغتسال..كل ذلك يذكرنا بأمجاد وتعب أجدادنا في تأمين لقمة العيش المجبولة بعرق جبينهم..ولا يفوتنا بأن ننوه للدور الذي يلعبه الأستاذ جابر في زيارات المواقع الأثرية والحفاظ على البيئة فهو من أصدقاء البيئة يتابع بشكل مستمر بنشاطه مع مجموعة من الزملاء من مثقفين وفنانين وأدباء ومفكرين ومصورين وغيرهم..ليكون لنشاطهم و لمسيرهم قيمة مضافة بحضور ضيف أو قامة وطنية ثقافية مع مجموعة من الشباب والشابات ليتعرفوا على تجاربهم وخبراتهم في الحياة.. الأستاذ جابر أحمد..معروف بنقاء وصفاء سريرته وإختاراته الثقافية والفنية والسياحية والأدبية..التي تحمل لوناً ملتزماً هادفاً بناءاً..فقد ظهر وسط جو ريفي بسيط طيب تفوحه منه رائحة الخبز والمحبة والصدق والإخلاص وإختلط فيه كل شيء بأي شيء ونجح جابر بتثقيف نفسه وساهم في تطوير زملائه وأفراد أسرته..وهو الذي يدين للمدرسة المادية فكرياً وللحضارة السورية في بلاد الشام..ومن ثم تنوعت ثقافته وعلاقاته بما يتلائم وروح العصر..ويحافظ في الوقت نفسه على أصالته وجذوره الريفية..فبعد أن أمضى من العمر عتياً في العمل في قسم الميكانيك في مصفاة حمص ..تفرغ كلياً للزراعة ولا سيما العناية بالفستق الحلبي..ويضاف إلى ذلك بأنه عاشق للآثار والأوابد التاريخية وقاريء وملم بالثقافة السياحية وبتاريخ الحضارات بالمنطقة العربية وفي سورية وبلاد الشام ومن ثم بحضارات الشعوب..فقد سبق وتعرفت عليه منذ ردح من الزمن عندما كان جاراً لي في الحي في مدينة حمص ..ثم باعدتنا الأيام وبعدها منذ سنوات تلاقينا ودخلنا معاً المعترك الثقافي الفني والأدبي..يضاف لذلك بأنه حاول تنقيب وبحث ودراسة في علم الآثار..وهو رياضي يحب المشي والمسير ودائم الترحال بين السهول والوديان والجبال مع مجموعة من الشبان والشّياب..ومن أجيال مختلفة..فهو بحق كان العامل الملتزم النشيط الذي يقوم بدوره على أحسن وجه..وهو الفلاح المجتهد الذي يسهر الليالي ليحافظ على جودة محاصيله..وما بين مطرقة الحياة وسندان الواقع يمارس طقوسة وهوسه الثقافي الفني والأدبية ويتابع الندوات والمحاضرات والمعارض من رسم ونحت وتصوير..وتربطه بالفنانين والأدباء والشعراء والمفكرين وشائج قربى فكرية ومحبة وإحترام..والحق أقول بأنه مثقف من العيار الثقيل أمضى من عمره قرابة النصف قرن من المطالعة والبحث بين بطون الكتب والمراجع.. كل ما أريد توضيحه بأنه قدر للأستاذ جابر أحمد ..بأن يكون متصالح مع نفسه ومع زملائه ومع أسرتك وظاهره يطابق باطنه..يعمل بصمت ولا يحب الظهور والثرثرة..مخلص بعمله وممارساته ..ووفي بعلاقاته مع أصدقائه..من هنا وجب علينا تسليط الضوء على قامة ثقافية وباحث أثري ومنقب عن المعلومات السياحية ومتفاني في تسليط الضوء على الأوابد والبلدات والمدن المنسية منها والمعروفة وبالتعريف بالقلاع والحصون وكافة الأماكن الأثرية والمرافق السياحية الجميلة في بلده سورية..فكل التحية والتقدير له ولجهوده في بناء صرح الثقافة..ولترفع له القبعة على ماقدمه ويقدمه لخدمة أبناء البلد ولا سيما جيل الشباب والشابات من علم ومعرفة وثقافة جمالية فنية وأدبية..فيها الخير والحق والجمال..وبذلك يصبح الإنسان المتألق جابر أحمد بين سندان الفكر والثقافة ومطرقة العمل والزراعة..
** المصور : فريد ظفور..- 25-11-2020م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــملحق مقالة الأستاذ جابر أحمد ــــــــــــــــــــــــ
نبذة مختصرة:
جابر أحمد
Jabber Ahmad
يعمل لدى مصفاة حمص
درس في معهد صناعي
يقيم في حمص
يتابعه ٨٣٤ شخصًا
Dr-waleed Shadoud
٢٤ أبريل ٢٠١٨ م ·
— مع Jabber Ahmad.
Dr-waleed Shadoud
٢٤ أبريل ٢٠١٨ م ·
— مع Jabber Ahmad وعبد الهادي شحادة.
Jabber Ahmad
١٢ أغسطس ٢٠١٧ م ·
لقاء مع الأستاذ الدكتور الطيب تيزيني
وذكريات عن الزمن الجميل
— مع طيب تيزيني.
Fareed Zaffour
٣١ ديسمبر ٢٠١٩ م ·
تمت المشاركة مع العامة
— مع Jabber Ahmad وNizar Ali Badr.في منزل النحات نبيه الحسن (أبو مهيار) في حمص ..
الأستاذ جابر أحمد مع الفنان عيسى زيدان – محمود الضاهر – نبيه الحسن.
يقول ٲحد الجنود :
صبي أقفل دراجته بالسلاسل على شجرة ليختبئ من ويلات الحرب العالمية الأولى عام 1914، أقفلها و لم يعد اليها بعد… .
،فما وجدت تلك الشجرة خياراً إلا أن تحتضن الدراجة و تنمو حولها محتفظةً بأحلام هذا الصبي إلى الأبد!
كل الاشياء حولنا نشعر بوفائها. ..مثل الحيوانات و النباتات إلا الانسان لا وفاء لا ضمير ولا إحساس …
لا يستطيع ٲن يحافظ على من يحب !!!
سيرة حياة سيلفيا بلاث.. موهبة استثنائية ونهاية مأساوية
ترجمة احمد الزبيدي
لم تعش الشاعرة سيلفيا بلاث حياة طويلة (1932 –1963) ومع ذلك فانها تعد من ايقونات الشعر الامريكي وكانت سيرة حياتها مصدرا للعديد من الدراسات والكتب التي تناولت مسيرتها الأبداعية
ورغم ان عالم اليوم يهيمن عليه نجوم الفن والرياضة، الذين تركز عليهم وسائل الإعلام .و ان هناك عدد قليل من الشعراء الذين يندرجون في فئة المشاهير. لكن الاستثناء من بينهم هي سيلفيا بلاث ، التي بدت ، بقصة شعرها الأشقر المثالية وابتسامتها العريضة وفساتينها ذات الخصر الضيق ، أقل شبهاً بالشعراء بل كانت قريبة الشبه من نجمة السينما دوريس داي.
واليوم ، أصبح الكثير منا على دراية باهم محطات حياتها: وفاة والدها المحبوب عندما كانت في الثامنة من العمر ؛ وطموحها الذي لم تكن تحده حدود والمثابرة غير العادية التي كانت تتميز بها (في صيف عام 1950 ، الذي سبق دخولها الجامعة وبعد أكثر من 50 رفضًا ، قبلت مجلة (سبعة عشر الخاصة بالمراهقين والشباب )نشر قصتها القصيرة “والصيف لن يأتي مرة أخرى”) ؛ ومحاولتها الانتحار وهي طالبة في كلية سميث ؛و حصولها على منحة للدراسة في جامعة كامبريدج ، حيث قابلت الشاعر الوسيم تيد هيوز (“اللص الأسود الخاص بي” ، كما كانت تسميه) ، والذي تزوجته بعد فترة قصيرة ؛ثم ولادة طفليهما فريدا ونيكولاس ؛ وتفاني الزوجين لفنهم وثقتهما بموهبتهما ، تلاها علاقة هيوز الغرامية مع أمراة تدعى آسيا ويفيل واخيرا انتحار سيلفيا بلاث في شباط 1963 وهي في سن الثلاثين خلال ما اشتهر بأبرد شتاء في لندن في ذلك القرن.
قد يعتقد المرء أنه لا يوجد الكثير لإضافته عن سيرة حياتها ، بسبب سيل من الكتب التي تناولت هذه الشاعرة – ماكتبته هي عن حياتها ،والكتب التي تناولت سيرتها الذاتية ، ،و الدراسات النقدية ،و الرسائل ، والمجلات ،و الروايات – التي تم نشرها منذ انتحارها (وهو الشيء الوحيد الذي يعرفه بعض الناس عنها). في السنوات القليلة الماضية وحدها ، تم نشر مجلدين ضخمين من مراسلاتها وقام بتحليلها مجموعة كاملة من النقاد ومع ذلك ، حينما يتساءل المرء عما إذا كان من الممكن أن يكون هناك أي شيء جديد يمكن قوله ، يصدر كتاب “المذنب الأحمر: الحياة القصيرة والابداع المتوهج لسيلفيا بلاث” من تأليف الباحثة هيذر كلارك ،( Red Comet: The Short Life and Blazing Art of Sylvia Plath by Heather Clark) ، بحجمه الضخم الذي يفوق الألف صفحة .
في الواقع ، فانه مع ما يعانيه إرث سيلفيا بلاث من عدم الاهتمام ،وسيرة حياتها التي تم تحليلها كثيرًا مع مرور الأجيال المتعاقبة ، وبعد ان أصبحت اعمالها الادبية أكثر بعدًا عن التيار الثقافي السائد ، يبدو الآن ان هذه هي لحظة مناسبة لإحياء قصة حياتها ومحاولة جمع كل عناصرها معًا ، بدون أجندة مسبقة ، ويمكن للمرء العودة ، على سبيل المثال ، الى كتاب “شهرة مريرة”الذي آلفته الشاعرة الأميركية آن ستيفنسون وصدر عام 1989وتناول سيرة حياة سلفيا بلاث ايضا.
وكما أوضحت كلارك ، الأستاذة في جامعة هدرسفيلد في إنجلترا ، في مقدمتها المؤثرة والمثيرة للجدل لهذا الكتاب ، فإنها تعتقد أن “حياة بلاث قد تم ربطها بحياة ما بعد الموت “وتم تصويرها على أنها” كاهنة شعرمجنونة لا تزال تعيش معنا “. ، تبذل كلارك جهدًا كبيراً للنظر الى حياة سيلفيا بلاث بوضوح بالاعتماد على مواد غير منشورة من قبل ، بما في ذلك بعض من يومياتها ومذكراتها ، ومقتنيات أرشيفية واسعة ، و “سجلات الشرطة والمحكمة والمستشفى التي لم يتم تفحصها سابقًا” ، وذلك لإنقاذها من الكليشيهات المختصرة والقراءات المشوهة لاعمالها بسبب مأساة نهايتها. وكتبت تقول : “انني آمل في كتابي هذا أن أحرر بلاث من التعميمات الثقافية التي احاطت بها خلال الخمسين سنة الماضية وأن أعيد لها مكانتها المناسبة كواحدة من أهم الكتاب الأمريكيين في القرن العشرين.”
وتحقيق هذا الهدف الأخير هو مهمة شاقة لكاتبة سيرة حياة شخصية معينة ،حين تقوم بها نيابة عن تلك الشخصية وأتصور أنه لن يتفق الجميع معها حتى بعد قراءة هذا الكتاب المفصل الذي تضمن بحوثها الدقيقة التي قامت بها بلا كلل. ومع ذلك ، لا يمكن إنكار القوة الفكرية للكتاب ، وكذلك ، بنفس الأهمية ، متعة قراءته وسلاسته. فالمؤلفة كلارك كاتبة موفقة وناقدة بارزة لشعر بلاث ، على الرغم من أنها تميل من حين لآخر نحو الإفراط في السخاء في تقييمها لصورة معينة أو فاعلية قصيدة معينة.
ثم يجب الاشارة من جديد ،الى انه سيكون من المستحيل لعمل ضخم وشامل مثل هذا العمل ألا يحوي بعض العيوب. على الرغم من الدراسات التفصيلية والضخمة التي تضمنها الكتاب ، وهو ما تتميز به اعمال كلارك عادة ، إلا أن هناك عددًا قليلاً من الفصول التي لم تكن موفقة فيها – لا سيما مناقشات أعمال بلاث المبكرة ، حيث لا يبدو أي من تلك الفصول مميزا بشكل خاص ، وكذلك الفصول التي تناولت علاقاتها العاطفية قبل تعرفها على الشاعر تيد هيوز الذي سيصبح فيما بعد زوجها. ومن المدهش أيضًا عدم رغبة كلارك الغريبة في الاستعانة بكتب صدرت سابقا ، مثل “زوجها ..قصة زواج هيوز وبلاث ” من تأليف الكاتبة الامريكية ديان مدلبروك (صدر عام 2003) ، والذي كان أول كتاب يبحث في قصة زواج سيلفيا بلاث مع هيوز والذي كان مناسبا لكليهما في البداية (وإن كان ضارًا لهما في النهاية) . ومع ذلك ، فإن كتاب “المذنب الأحمر” (العنوان مأخوذ من قصيدة لسيلفيا بلاث بعنوان “اللدغات”) لا ينقصه الإبهار ، حيث ياخذ القارئ داخل مجاهيل قصة رويت كثيرًا ولكنها غير مألوفة و مثيرة للاهتمام والتي غالبًا ما كانت موضوعًا لجدالات حادة .
قسمت كلارك كتابها إلى ثلاثة أجزاء ، تناول كل منها فترة طويلة من حياة بلاث وينقسم بدوره إلى عدة فصول بعناوين رائعة (“يا إيكاروس”) أو تشير الى فكرة الكتاب (“احد الفصول عنوانه ما هي مشكلته”). على الرغم من أن والد بلاث كان مشهورا – أو ربما كان سيئ السمعة – كما صورته في قصيدتها المميزة ، “أبي” كشخص سيء الحظ ومستبد ، تلك القصيدة التي وصفتها الناقدة هيلين فيندلر ذات مرة بأنها كتبت في “نوبة غضب طفولية ” ، فهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها بشكل شخصية مشوشة و مشوهة من خلال المشهد النفسي والشاعري لابنته.
. كما قد يتوقع المرء من كتاب شامل مثل هذا الكتاب ، فانه محشو بحكايات لا تضيء أو توسع فهمنا للعديد من جوانب حياة بلاث ، وليس أقلها الإحساس باليأس الذي عاشته في الأشهر التي تلت ترك هيوز لها من أجل عشيقته حيث باتت تعيش بمفردها مع طفلين صغيرين في شقة في منزل قديم في لندن. لا يمكن للمرء ، بالنظر إلى كل نواحي حياتها التي عرضها الكتاب، أن يتيقن من ان سيلفيا بلاث كانت شخصية محبوبة بشكل خاص ، ومثيرة للإعجاب من نواح كثيرة وشجاعة بشكل غير عادي كما قد يتصورها البعض. تصفها احدى صديقاتها المقربات بانها كانت تطارد أدباء مؤثرين مثل الشاعر والناقد أ. ألفاريز ، الذي كانت تربطه بها علاقة قصيرة يكشف عنها الكتاب. (اعترف ألفاريز بأنه كانت لديه علاقة وثيقة مع بلاث لكنه ادعى دائمًا أنها كانت أفلاطونية). بدا أن لديها عدد قليل من الأصدقاء وكانت تصرفاتها الأنانية تنفر منها أولئك الذين كانت تأمل أن يكونوا عونا لها. فالكاتبة دوريس ليسينغ ، على سبيل المثال ، التي أهدت روايتها “الدفتر الذهبي” “إلى تيد وسيلفيا” ، “رفضت” ان تستقبل بلاث مرة اخرى عندما زارتها قبل شهر أو نحو ذلك من انتحارها ، “فقد ازعجها مديح سيلفيا لنفسها بشكل مبالغ به وحماقتها ، وطلبت من الصديقة المشتركة التي اصطحبتها معها “ألا تحضر سيلفيا معها مرة اخرى”.
تعرض المؤلفة بأسلوبها المقنع رأيها الخاص حول العوامل التي أدت إلى ان تقرر بلاث قتل نفسها ، والتي تضمنت تناولها الأدوية المضادة للاكتئاب ومخاوف بلاث من دخول المستشفى وتلقي العلاج بالصدمات الكهربائية مرة أخرى (كما حدث في فترة سابقة. عندما حاولت الانتحار).
ومع ذلك ، يبقى لغزًا مفجعًا أن هذه المرأة المتقلبة المزاج (يبدو أن اكتئابها السريري الطويل قد تحول إلى اكتئاب ذهاني في أيامها الأخيرة) كانت قادرة أيضًا على إنتاج مجموعة من القصائد الشفافة الأخيرة في تلك الفترة القصيرة – قصائد مليئة بالغضب الشديد ولكنها تمتلك أيضًا سيطرة على المشاعر مذهلة للغاية. كانت بلاث نفسها تشعر ، أنها كتبت هذه القصائد “وهي على حافة الجنون” ، ولاحظت كلارك بذكاء أن “الحافة” ، آخر قصيدة كتبتها بلاث ، “تعطي انطباعًا غريبًا كما لو انها كتبتها بعد وفاتها”. ولكنها كانت تمتلك أيضًا “الإرادة الحديدية للعيش” ، حسب وصف سيلفيا بلاث لحالتها حينما زارتها احدى صديقاتها، ولكن الجميع كان يتمنى لو استمرت في امتلاك تلك الأرادة.
“كامل أشرفية”.. من أوائل الأطباء ورواد الحركة التعليمية في “سوريا”
ابن مفتي مدينة “حلب” عاين المرضى بالمجان ونشر “الكشفية” في مدارسها وأصبح وزيراً للإعلام
سناك سوري – عمرو مجدح
يقال إن للمدن ذاكرة لا تشبه ذاكرة البشر فهي لا تشيخ ولا تنسى وتظل تتذكر ملايين البشر الذين مروا على أسوارها تروي حكايات من عشقوا على أرضها ومن دفنوا في باطنها وتبكيهم، فكيف إذا كانت هذه المدينة “حلب” واحدة من أقدم المدن التي عرفها التاريخ إذا لم تكن الأقدم.
ومن أبناء مدينة الشهباء الذين أشرقوا مطلع القرن العشرين، كان الدكتور “كامل بك أشرفية” ابن مفتي “حلب” آنذاك “محمد أشرفية”، مازال الناس إلى يومنا يتذكرون عيادته في منطقة “بستان كل آب” التي خصص فيها يوماً أسبوعياً مجانياً لعلاج الفقراء.
كان “كامل أشرفية” ضمن الدفعة الأولى من طلاب المدرسة الطبية عام 1919 والتي تعرف اليوم بـ (كلية الطب – جامعة دمشق) والدفعة التي كانت تضم 48 طبيبا بدأوا دراستهم العلمية باللغة التركية وأنهوا السنة الأخيرة باللغة العربية.
التحق “أشرفية” بسلك التعليم وعين مديراً للمعارف بحلب مدة طويلة قبل انتقاله إلى “دمشق” مع الاستقلال، وتم تعيينه مفتشاً ثم أميناً عاما لوزارة المعارف.
كان من رواد الحركة التعليمية والتربوية في “سوريا”، ومن مؤسسي المنهج التعليمي الأول باللغة العربية للتعليم الإبتدائي ورفع من مستوى التعليم الجامعي فضلاً عن إلقائه محاضرات في الجامعة الأمريكية ببيروت وورد إسمه في العديد من المراجع منها كتاب يتناول “الحركة الكشفية في سوريا ” وعن تأسيسها في مدينة “حلب”.
تقول إحدى فقرات الكتاب: «عام ١٩٣٢ أخذت الكشفية في مدينة “حلب” بالإنتشار في معظم المدارس بفضل الدكتور “كامل بك أشرفية” أيام كان رئيساً للمعارف في الشهباء وله اليد الكبرى في بثها وتعميمها في المدارس الرسمية».
وذكره المحامي الدكتور “لطفي الحاج حسين” (البرلماني عن الجزيرة في أول مجلس نيابي سوري منتخب بعد الاستقلال) في كتابه “محطات في حياة السياسي والشاعر” قائلا: «بعد حصولي على البكالوريا وأهلية التعليم تقدمت بطلب إلى وزارة المعارف لتعيني معلما ولم يكن ذلك سهلا في تلك الظروف، إذ لابد من الصبر والانتظار لان هناك فقط شاغرا واحدا في محافظة دير الزور وعلى التحديد هناك شاغر في ناحية تل أبيض- الرقة على الحدود التركية السورية، وبفضل شخص له صلة متينة بالسيد كامل أشرفية أمين وزارة المعارف جرى تعيني في وظيفة معلم ابتدائي».
كما قال عنه الشيخ “مصطفى أحمد الزرقاء” فقيه سوري في كتاب (علماء ومفكرون عرفتهم): «عندما بلغت العشرين كنت أزاحم كبار الشيوخ من أقران والدي على حل المشكلات اللغوية، فيلجأون إلي كلما استشكلوا قاعدة أو معنى ليعلموا رأيي فيه وهذا مادعا مدير معارف حلب الدكتور كامل أشرفية بعد إحرازي التفوق في امتحان البكالوريا الأولى على طلاب سوريا، لأن يعرض علي أن أكون مدرسا للأدب العربي في أنطاكية التابعة لحلب آنذاك».
لم تخلُ كتب تاريخ حلب ومذكرات وسير ذاتية لشخصيات مثل الأديب “عبد السلام العجيلي” والسياسي “معروف الدواليبي” وغيرهم من ذكر اسمه.
وعن صداقته الوطيدة مع الرئيس السوري الأسبق “حسني الزعيم” الذي يعد قائد أول انقلاب عسكري في بلاد الشام والثاني عربيا بعد انقلاب “بكر صدقي” في العراق كتب المؤرخ السوري “شمس الدين العجلاني” ملمحا عن هذه الصداقة التي كانت سبب في زواج الزعيم فيقول نقلا عن لسان “نذير فنصة” صديق وعديل الرئيس الأسبق: «تزوج الزعيم من” نوران باقي” بعد أن التقى بها أثناء تواجده في حلب لزيارة صديق له وهو الدكتور كامل أشرفية والمقيم في الطبقة التي تعلو المنزل الذي تقيم فيه نوران مع والديها وأشقائها». والجدير بالذكر أن أشرفية أصبح وزيراً للإعلام في عهد حسني الزعيم.
يصف حفيد “كامل أشرفية” جده الدكتور الذي سمي تيمنا به قائلا: «كان ذواقا للفن ويعتبر من السميعة الحلبية التي تحكم على المطرب بالنجاح أو الفشل وكان بيته مفتوحا للجميع ويقيم صالونات أدبية تضم أدباء ومفكرين سوريا حيث أنه كان حريصا على اللغة العربية. كان أنيق المظهر يعتني بهندامه عناية فائقة ويتقن ثلاث لغات إلى جانب اللغة العربية وهي التركية والفرنسية والإنكليزية. تزوج من دمشق من عائلة الأصيل».
عام 1964 رحل الدكتور “كامل أشرفية” تاركا خلفه نقاطا مضيئة في تاريخ التعليم السوري وعلى الرغم من اسهاماته في مجال التعليم ودوره الرائد الذي يشهد عليه من عاصره وكذلك ما دونته الكتب إلا أنه لم يأخذ حقه في البحث وتسليط الضوء وفرد صفحات تبرز شخصيته وماقدمه بشكل خاص وهذا الحال مع العديد من الشخصيات المؤثرة في التاريخ السوري التي لم تأخذ حقها كما يجب متناسين أن على سواعدهم بنيت الأوطان.
من اليمين “كامل أشرفية” ، “بشير فنصة” رئيس تحرير ألف باء والأنباء ، “حسني الزعيم” رئيس الجمهورية الأسبق ، “كلوفيس مقصود” مراسل التايمز ومندوب الجامعة العربية في الامم المتحدة