بيتر سوفزنكي
ترجمة: ارمانوس احمد

على الرغم من كونه اخرج عدة أفلام الشهيرة مثل «ملوك الطريق»، «باريس، تكساس»، «أجنحة الرغبة» و «حتى نهاية العالم»، رسخ المخرج ويم ويندرس نفسه أيضا في وظيفة ثانية كمخرج افلام الوثائقية مع التركيز بشكل خاص على المساعي الفنية والناس الذين يقفون وراءها. على مر السنين، نظر ويندرس من خلال افلامه الى مواضيع متنوعة مثل حياة وأعمال مخرجي الافلام ومنهم نيكولاس راي في «البرق فوق الماء» وياسوجيرو أوزو في «طوكيو-جا»، مصمم الأزياء ياماموتو في «ملاحظات على المدن و ملابس «، تاريخ الموسيقى في الماضي والحاضر في «نادي بوينا فيستا الاجتماعي» و» قصيدة الى كولونيا: فيلم عن الروك اند رول» و» روح رجل» بالاضافة الى مصممة الرقصات بينا باوش في « بينا «. اما اخر افلامه الوئاثقية «ملح الأرض» المرشح لجائزة الأوسكار هذا العام كأفضل فيلم وثائقي، فيندرس وجه كاميرته على المصور سيباستياو سالغادو في فيلم رائع ومثير للاهتمام يراقب حياة هذا الرجل و اعماله و يعطينا لمحة عن حياة المصورين وعالم التصوير.
سالغادو المولود في البرازيل، درس الاقتصاد في شبابه وعمل في البنك الدولي في فرنسا بعد أن نفي من وطنه في عام 1969، قبل أن قرر أن يتخلى كل شيء من أجل متابعة مهنة التصوير الفوتوغرافي. بعد أول مشاريعه الكبيرة، و الذي هو عبارة عن سلسلة من الصور الفوتوغرافية في أمريكا الجنوبية و الذي سمح له اخيرا بالاقتراب من وطنه (منفاه سينتهي في نهاية المطاف في عام 1980)، بعد ذلك بدأ سلسلة من المشاريع الواسعة والذي استغل فيها ملاحظته الفنية و قدرته على خلق صور مذهلة لخلق الأعمال التي تعطي المشاهدين بصيص من الأمل وتريهم الإنسانية في وجه البؤس. صور سالجادو في فيلمه «العمال» أماكن ضخمة مثل منجم سييرا آبيلادا وعدد لا يحصى من الناس الذين يعملون على انتشال الذهب على أمل أن هذا العمل المنهك سيأتي بنتيجة في احد الايام كما صور فيه حقول النفط في الكويت التي تقع في أعقاب الصحراء. سلسلة «الساحل»، التي أنتجها بالاشتراك مع منظمة (أطباء بلا حدود)،يصورالمجاعة في إثيوبيا والرحلة من قبل العديد إلى ما كانوا يأملون أن تكون حياة أفضل في السودان. وفي فلمه «الخروج» نظر إلى محنة اللاجئين من رواندا ويوغوسلافيا والمتاعب التي واجهتهم في التسعينات.
بعد فيلمه «نظر الى قلب الظلام» عاد سالجادو متعبا إلى البرازيل لما تبقى من مزرعة عائلته المنكوبة بالجفاف بعدما كانت مزدهرة في الماضي وشرع في خطة إعادة زراعة وإحياء الأرض التي كان يطلق عليها اسم «معهد تيرا». احياء المزرعة ساعد ايضا في اخر مشاريعه الصورية والذي تعاون فيه مع ابنه جوليانو (والذي ساعد في اخراج هذا الفيلم) بعنوان «سفر التكوين» الذي اخذه من بابوا غينيا الجديدة الى سيبيريا إلى أراضي اخرى والناس الذين تمكنوا من الحفاظ على الطرق الطبيعية في مواجهة مسيرة الكوكب التي لا يمكن وقفها نحو الدمار.
احد التحديات التي يجب أن يواجهها أي مخرج فيلم وثائقي في صنع فيلم عن فنان في مجال معين هو معرفة وسيلة لتوجيه حرفية ذلك الشخص إلى انتاج سينمائي هادف وبقائه وفيا الى الطريقة التي ينفذ فيها الفنان العمل.
تمكن ويندرس من انجاز ذلك من خلال عدة خيارات فنية رائعة. التصوير السينمائي الأسود والأبيض (جوليانو سالجادو صور اللقطات الملونة) وهو الخيار الذي اتبعه في عدة اعمال بمهارة كبيرة على مر السنين، وخصوصا في عمله المذهل «أجنحة الرغبة»، استخدامه للاسود والابيض في هذه المرة بالتعاون مع المصور السينمائي هوغو باربير تذكرنا بالتأكيد بان العمل هو عن سالجادو لان ويندرس استخدم اساليبا مشابهة له، وخاصة من خلال أساليبه المتميزة في استخدام الضوء، الظل والفضاء معا. فيلم ويندرس يحتوي على فقرة رائعة يستخدم فيها اشهر صور سالجادو ويضمن فيها وجه سالجادو كجزء من تلك الاعمال عندما يتحدث عنها و عن ذكرياته في تصويرها.
هنالك بضعة مشاكل في»ملح الأرض». مثلا، في حين أن يتبنى قضية قوية للإنجازات الفنية التي لا يمكن إنكارها لسالجادو، فإنه لا يركز حقا في تفاصيل العملية التي يتبعها فلا يوجد شيء يتحدث عن التأثيرات التي اثرت في اسلوب تصويره أو العملية التي يتبناها في التقاط صوره. وعلى الرغم من أن بعض النقاد قد اتهموه بتحويل مآسي العالم الثالث إلى صور جذابة ليحدق بها الغربيين في المعارض الفنية، فليس هناك ما يتعلق بالتداعيات المعنوية والأخلاقية التي قد تنتج من وجود عمله هذا.
على الرغم من أن هذه التفاصيل لا تضر الفيلم ككل، فغيابها يترك فجوة صغيرة في وسط نواحي ايجابية لا يمكن إنكارها. وفي جزئه الأكبر، يعد فيلم «ملح الأرض» تكريما مذهلا بصريا ومؤثرا جداً لفنان عبقري من قبل اخر.

عن مجلة سينما العالمية

من almooftah

اترك تعليقاً