الإعلامية لـينـا أنطـون

مـقــــالـــي فــي الـعـــدد الـعـــاشــــــر مــن جريدة الحياة السورية
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-

سورية العشق الأبدي… والمجد السرمدي
معلولا تشعّ بطهر مريم…
تمثال سيدة السلام يعود لأرض الحب والوئام

بـقـلـــم رئيــس التـحــــريـر لـينـا أنـطــون
—————————————————

عندما تعانق السهول الجبال، وتشمخ هامات الرجال… عندما تتجذّر قامات السنديان بأدمة الأرض حيث الصخور بكل عنفوان وإباء تربض… عندما تلقي أشعة الشمس بأشعتها الدافئة الذهبية على أرض الأمجاد والحضارات منذ الأزلية، ناسجة معها أحلى وأبهى الحكايات السرمدية، فاعلم أنك في قلب العالم سورية…

نعم إنها سورية العشق الأبدي، والمجد السرمدي… وما بلدة معلولا الصخرية، المشرفة من علوها المهيب على ما دونها من مكان، مراقبةً مجرى التاريخ، وشاهدةً على حوادث الزمان، إلا حكاية من آلاف الحكايات وتاريخ يحكي العديد من الحقبات، مع جاراتها جبعدين وبخعة وغيرها… مما تجمعها الكنائس والجوامع جنباً إلى جنب، و يعيش فيها المسلمون والمسيحيون كإخوة متساوين في الحقوق والواجبات…

مـعــــلـولا… عبق التاريخ يملأ الأنفاس
======================

هنا في معلولا عبق التاريخ يملأ الأنفاس… عندما تدخلها عليك أن تجتاز ممراً جبلياً يشعرك وأنت تمضي فيه وكأنك تبحر إلى عالم آخر من الخيال والسحر، تطالعك الجدران الجبلية الشاهقة التي تحتضن المدينة بقصص وروايات، وتأخذك روعة البيوت المرتفعة بعضها فوق بعض طبقات طبقات، تتشبث بالصخور كما تتشبث بشواهق الشجر والصخر أعشاش الطيور، بيوت لا تعلو الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد، بحيث تحولت سطوح المنازل لما فوقها من بيوت إلى أروقة ومعابر، منحوتةً في الصخر وبين الكهوف والمغاور، فبدت هذه المساكن تعانق تلك الصخور، وتؤلف معها حكاية حبٍ وعشق ٍأزليّ عبر العصور…

أينما جلت بنظرك ترَ ذاك الجدار الصخري الشاهق، وتلك الكتل الصخرية الضخمة المعلقة على السفوح، المتدلية كعناقيد العنب، والغافية على كتف محبوبها, لا تريد أن تصحو من غفوتها, انصهرت معه كما الروح والجسد لا يفرق بينهما سوى الموت…

كلُّ شيءٍ في معلولا ينتمي إلى الماضي، ومع ذلك فإنه يعيش في قلب الحاضر، الأوابد والأحجار الضخمة، والمغارات المحفورة في الصخر، تحكي تاريخ آلاف السنين وحقباً من الدهر، منذ كانت فيه معلولا تتبع مملكة حمص في العهد الآرامي، إلى أن سميت باسم (سليوكوبوليس) في العهد الروماني، وحتى لعبت دوراً دينياً هاماً في العهد البيزنطي، عندما أصبحت – بدءاً من القرن الرابع – مركزاً لأسقفية استمرت حتى القرن السابع عشر الميلادي…

وإن فكرت أن تستنطق الأوابد والأحجار، تسألها عن تاريخها والحقب التي مرّت عليها، يباغتك صوت من أحد أهاليها لتدرك حينها أن التاريخ مازال هنا حيّاً ينطق باللغة الآرامية نفسها التي سادت الشرق الأدنى منذ القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي، وهي نفسها لغة السيد المسيح التي تكلّم بها وبشّر فيها بتعاليمه السماوية، وما زال يتكلمها سكان معلولا كلهم إلى يومنا هذا، مبقين ومحافظين على إرثٍ ثقافيٍّ اندثر من العالم منذ مئات السنين..

إن الطبيعة المنيعة لكهوف ومغاور معلولا، جذبت القديسين المسيحيين الذين لجؤوا إليها هرباً من الوثنية والاضطهاد الروماني الذي لاحقهم قبل أن تدين الإمبراطورية الرومانية بالمسيحية، لذلك لم يكن غريباً أن تضم معلولا العديد من الأديرة والكنائس القديمة، فهناك أوابد العديد من الأديرة والكنائس والمزارات والتي اندثر معظمها، وبقي بعضها الآخر قائماً يتحدى الزمن.. إنها هياكل معتّقة تختزن كل قداسة القرون، وكل أسرار السنون، وتعدّ من معالم الجذب الديني والسياحي، حيث كان السيّاح يتوافدون إليها بعضهم بقصد الحجّ، والبعض الآخر يرى أن الزيارة ثقافية دينية للتعرّف بمهد نشأة المسيحية.

معلولا الصبيّة الآرامية الحسناء… البلدة الأثرية الشمّاء
==============================

تلك الصبيّة الآرامية الحسناء، وليدة العنفوان والتاريخ والكبرياء، البلدة الأثرية الأسطورية الشمّاء، التي ما تزال تنطق بلغة السيد المسيح منفردة بذلك في العالم وكل الأرجاء، والغافية في أحضان جبال القلمون الجرداء، تلفها كعاشق يضمّ معشوقته بين ذراعيه ويأبى تركها للمتطفلين الغرباء، أولئك الإرهابيين الغزاة الذين باغتوها في ليلة ظلماء، استباحوا قداستها وانتهكوا حرمتها، فدمروا وسرقوا، ونهبوا وحرقوا، انتفض العاشق وأبى ترك معشوقته للمارقين الأعداء، استنهض الهمم واستنجد بالقمم، وساند أبطال الجيش العربي السوري العظماء، الذين حرروها من الأوغاد السفهاء، لتعود لحضن الوطن بكل أنفة وكبرياء…

الإرهاب لن يمحو تاريخنا
==============

في جولة تفقدية لمعلولا بعد تحريرها من الإرهاب والمجموعات الظلامية للاطلاع على آثار التخريب والتدمير التي لحقت بها على يد المجموعات الإرهابية، أكدّ السيد الرئيس بشار الأسد أن أفعال تلك المجموعات تدل على هويتها وهوية داعميها، وتعطي صورة واضحة عن مدى وحشيتها، خاصة أنها استهدفت البشر والحجر في آن معاً، معلناً أنه لا يمكن لأحد مهما بلغ إرهابه أن يمحو تاريخنا الإنساني والحضاري… مضيفاً أن معلولا ستبقى مع غيرها من المعالم الإنسانية والحضارية السورية صامدة في وجه همجية وظلامية كل من يستهدف الوطن…

وفد دعاة السلام يزور معلولا
================

وفي أواخر شهر أيار قام أعضاء وفد دعاة السلام المشارك في فعاليات المؤتمر الدولي “سورية إلى إعادة البناء” بزيارة معلولا، واطلعوا على أعمال التخريب التي لحقت بالكنائس والبلدة القديمة والأماكن الأثرية، جراء وحشية المجموعات المسلحة الإرهابية.
وأعرب أعضاء الوفد عن أسفهم لما شاهدوه من آثار دمار ونهب وسلب، في كنيستي دير مار تقلا ومار سركيس وباخوس، ومنازل المواطنين جراء إجرام التنظيمات الإرهابية، مستنكرين هذه الأعمال التي وصفوها بالوحشية وغير الإنسانية، وخاصة سرقة الأيقونات الدينية من دير مارتقلا بهدف طمس المعالم الأثرية الحضارية.
وأكد الأعضاء ضرورة أن تتحمل دول العالم المسؤولية، تجاه ما تتعرض له سورية، وإرث الحضارة البشرية، بسبب الأعمال الإرهابية الوحشية.

في أجواء فرح احتفالية… تمثال سيدة السلام إلى مكانه الأصلي
=====================================

بلفتة كريمة وتوجيه من السيد الرئيس بشار الأسد، وبحضور جماهيري ورسمي وديني، وفي يوم السبت بالثالث عشر من الشهر الجاري أعيد تمثال السيدة العذراء “سيدة السلام” إلى مكانه الأصلي في مدينة معلولا، إضافة إلى قطع أثرية أخرى كانت التنظيمات الإرهابية المسلحة قد استولت عليها، منها أجراس تاريخية وأيقونات دينية في أجواء فرح احتفالية.

وأكد بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية والقدس للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام أن الاحتفال هو من أجل استعادة مسروقات لمدينة معلولا لها أهميتها ومدلولاتها الدينية والأثرية، أهمها تمثال السيدة العذراء وإعادته إلى مكانه الأصلي، وتمثال السيد المسيح البرونزي لدير مار تقلا الذي انتزعت أجزاء منه، مشيراً إلى أنه سيتم ترميمه في سورية، إضافة إلى ثلاثة أجراس وطبقين نحاسيين لدير القديسة تقلا، وجرن نحاسي للمعمودية، وأوانٍ للصلاة، وصلبان تمثل جزءاً من تراث معلولا الكبير، ونؤكد من خلالها، أن أبناء سورية، ورغم كل شيء، باقون في أرضهم، ومتمسكون بتاريخهم.

أجراس معلولا عادت لتقرع
================

ووجه الشكر لكل من سعى لإعادة المسروقات إلى معلولا في لبنان وسورية، منوهاً بالوقت نفسه بالجهود المبذولة من قبل وزارة الأوقاف، وبالخطوة غير المسبوقة التي أقدمت عليها لإشادة جامع يحمل اسم السيدة “مريم العذراء” في طرطوس؛ وإصدار وثيقة تشدد على حرية المعتقد والتفكير، مشدداً على ضرورة المحافظة على روابط المحبة بين السوريين، طالباً الرحمة للشهداء الذين سقطوا في معلولا من المدنيين والعسكريين والإعلاميين.

وأكد البطريرك لحام أن أجراس الكنائس ومآذن الجوامع في سورية ستظل تصدح بالدعوة إلى الحياة الجديدة لسورية، وإيصال صوتها وإيمان شعبها وصموده إلى العالم، وستبقى صوتاً مجلجلاً لكرامة الإنسان، واحترامه وقيمه، وفكره النير في مواجهة من ليس لديهم أي معنى للكرامة والقيم، لافتاً إلى أن أجراس معلولا عادت لتقرع وتدعو الناس إلى الصلاة والضمير الإنساني والتضامن والمصالحة والإيمان والرجاء والصبر.

إنجازات بوقت قياسي
=============

أشار محافظ ريف دمشق المهندس حسين مخلوف في تصريح للصحفيين إلى أن المحافظة دأبت على تأمين وإعادة كل ما يلزم لبلدة معلولا التاريخية بوقت قياسي، من تأهيل بنى تحتية، وخدمات الكهرباء والمياه والاتصالات، والصرف الصحي والصحة والتربية، ليتسنى لأهلها العودة إليها مجدداً لافتاً أن المحافظة تعكف حالياً على ترميم منازل المتضررين في المدينة، والتعويض عليهم بمبالغ مالية بعد أن تم الكشف عليها.

كما نوه مخلوف بالجهود الكبيرة التي قدمتها الأمانة السورية للتنمية، بدعم من السيدة أسماء الأسد، لإعادة تمثال السيدة العذراء إلى مكانه الطبيعي، كاشفاً أن هناك برنامج يتم العمل على إنجازه بالتنسيق والتعاون بين الأمانة ومحافظة ريف دمشق، لتزويد كل من يرى في نفسه القدرة على القيام بمشاريع متناهية الصغر في المدينة بقروض، وليتحول إلى معيل لمجتمعه بدلاً من أن يتلقى العون.

صمود سورية عزز مواقف الأصدقاء والحلفاء
========================

إلى ذلك أكد السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم أن صمود سورية عزز مواقف الأصدقاء والحلفاء، لأنها دافعت عن السيادة والكرامة، وتشبثت بالوحدة الوطنية، وأثبتت أنها منتصرة، ورفضت كل معاني الهيمنة والإرهاب الذي قادته قوى إقليمية ودولية، مشيراً إلى أن إعادة المسروق من تراثها اليوم تم بفعل تمسك أبنائها بأرضهم ووطنهم، وبفعل صمود محور المقاومة الذي هزم المحور الآخر الذي أراد تفتيت المنطقة على أسس مذهبية نصرة للكيان الصهيوني، ودفاعاً عن اندحاره المحتوم.

وأضاف السفير السوري في لبنان أن سورية اليوم في معلولا، كما في كل بقعة بسورية، تؤكد الرسالة التي عبر عنها أهالي هذه المدينة المقدسة، والتي تدل على أن حضارة سورية، ووحدة وقوة نسيجها، وتماسك شعبها، بقيادة قل نظيرها، استطاعت مواجهة كل الأخطار المركبة، والتي استخدمت فيها كل الأسلحة، مهنئاً معلولا باستعادة بعض من حضارتها، والذي ستعقبه احتفالات النصر على مستوى الوطن، لأن هذا الانتصار والصمود لسورية، يصب في رصيد فلسطين، وكل شرفاء العالم.

احتفال شاسع وحضور واسع
=================

وكان المونسينيور ميشال فريفر ممثل عن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قد وصف الاحتفال بالعرس، وذلك بعد أن تمت إعادة موجودات معلولا إليها، مؤكداً أنهم أتوا من لبنان ليشاركوا معلولا التاريخ فرحتها.

وبدوره أكد المطران لوقا الخوري المعاون البطريركي لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس في دمشق، أهمية عودة هذه المسروقات إلى بلدة معلولا الأثرية العريقة، ما يدل على أن الشعب السوري لا يمكن أن يكسره الإرهاب، واحتفال اليوم خير دليل على ذلك، لأنه شعب يؤمن بالسلام والمحبة والعطاء، مبيناً أن إعادة المسروقات لمدينة القداسة والقديسين، يعطيها الأمل والرسوخ في أرضها، مؤكداً أنه لا أحد يستطيع أن يقتلعنا من أرضنا.

وفي تصريح لرئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي في لبنان النائب أسعد حردان، أوضح أن ما تمت استعادته يعيد إلى معلولا روحها وهويتها وأصالتها، بعدما انتزعها الجيش العربي السوري من براثن الظلاميين، الذين امتهنوا حرفة القتل والتدمير باسم الدين وهو منهم براء، منوهاً بتضحيات الجيش العربي السوري والمقاومة الذين افتدوا بدمائهم الأرض والعرض، ونذروا أنفسهم لتقديم أغلى ما يملكون، لحماية أرضهم والمحافظة على وطنهم.

إلى ذلك أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب اللبناني علي المقداد دعم المقاومة لسورية قيادة وشعباً، داعياً إلى ضرورة المحافظة على كل حبة تراب من سورية، البلد الذي قاوم الإسرائيلي والأمريكي، والذي سيبقى يقاوم على مدى الدهر، لأن الشعب السوري يرفض الاحتلال والرضوخ، والهيمنة والتكفير، مشدداً على أن هذه المدينة ستبقى أرض القداسة مهما حاول البعض أن يدنسها.

أما رجل الأعمال اللبناني حسان بشراوي والذي كان له دور في استعادة المسروقات فقد قال: “إن وجودنا في معلولا اليوم، هو من أجل أن نعيد إليها بعضاً من تراثها التاريخي العظيم، الذي دمرته التنظيمات الإرهابية المسلحة” مشيراً أن استرجاع المسروقات تم بالتعاون مع السفير السوري في لبنان والجيش اللبناني والمقاومة.
وفي تصريح للخوري إبراهيم نعمو قال: “جئنا من لبنان المقاوم، إلى سورية الكرامة، لنصلي إلى الله الواحد الأحد، ليرفع عنها هذه الأزمة، ويحبط كل المؤامرات التي تحاك ضدها، وينصر جيشها والمقاومة على التكفيريين والإرهابيين، وليعود السلام إلى جميع ربوعها، وتبقى أجراس الكنائس تقرع، ومآذن الجوامع تصدح”…
وكان قد حضر الاحتفالية عدد من أعضاء مجلس الشعب، وأمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في ريف دمشق، وأعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة، وفعاليات دينية وأهلية.

الجدير بالذكر أن أصل تسمية بلدة “معلولا” هي كلمة آرامية تعني المدخل، وجاءت هذه التسمية لوجودها ضمن شعب جبلي جميل، يقطع سلسلة جبال القلمون، كما تعني كلمة معلولا الآرامية المضيق، نسبة إلى ضيق الطريق الموصلة إليها، واسمها يعني المكان المرتفع ذو الهواء العليل حسب اللغة السريانية.

وهناك من يفسر معنى اسم المدينة أنه مرتبط بالأسطورة القديمة التي تروي قصة القديسة تقلا تلميذة بولس الرسول، التي هربت من قومها والتجأت إلى إحدى المغاور في جبل القلمون ونالت شهرة واسعة بعد أن استطاعت أن تشفي الكثير من المرضى من علل مستعصية، فأخذ المرضى يقصدون المدينة بغرض الشفاء، ومن هنا اقتبس اسم معلولا أي المكان الذي يقصده المعلولون.

من almooftah

اترك تعليقاً