دادا – الداداوية – الدادائية وكذلك الداديزم مسميات لحركة جريئة وخالدة وباقية بقاء الفن والأدب في حياة البشر وهي حركة شكلها وقاد فاعلياتها الشاعر الروماني تريستان تزارا (1896- 1963) في سويسرا احتاجا علي اندلاع الحرب العالمية الأولى.

تميزت هذه الحركة عن غيرها من المدارس الفنية والأدبية التي سبقتها بمحاولة التخلص من قيود المنطق المعتادة والعلاقات السببية في التفكير والتعبير وكان من مهمتها الكبرى التخلص من كل ما يعوق الحرية ويكبح جموح التلقائية في التعبير والإبداع الفنيين.

وعند الدادئيين أن ترسم ليس المهم أن تستخدم الريشة والخطوط والأصباغ بل عليك أن (تخربش- تشخبط بحسب تعبير الجميلة: نانسي) أي شخبط شخابيط وأرسم عل الحيط كما يروق لك أو كما عند الدادائيين أن تلصق صحيفة أو أعقاب سجائر أو أحذية قديمة مع خوذات عسكرية مهشمة أو علب مواد غذائية فارغة هذه لوحة.

والسؤال!! ما هي البواعث التي أدت إلى ظهور هذه الحركة النشطة والتي استقطبت حولها مظاهر الإعجاب والتشكيك ومواقف القبول والرفض.

الدادا والحرب العالمية الأولى

تتفق جميع المصادر التشكيلية عند رصدها لهذه الحركة أنها قامت أساسا كموقف احتجاج علي اندلاع الحرب العالمية الأولي، تلك الحرب التي أًهدرت فيها الطاقات البشرية وقُتل خلالها الرجال وقاسوا مصائبها وتشظي الرصاص في أجسادهم ثم ماتوا وهيل عليهم التراب أو غرزت علي بقايا عظامهم النصب حين يعثر رفاقهم علي جثث يدفنونها.

ففي أواخر عام 1914 كانت نوعية الحرب الدائرة قد تقررت واتخذت لها إطارا متميزا عن كل حرب سابقة، إذ اتضح أنها لم تعد حرب نصر حاسم سريع ولا قتال بضعة أسابيع أو شهور! كلا. لقد ظهر لكل قائد عسكري في أي هيئة أركان مشتركة في الحرب أنه يواجه حربا طويلة الأمد لا نصر فيها، فالخنادق لا تتزحزح وكل هجوم مباشر عليها مكتوب له بالفشل.

وككل حرب علي نطاق واسع قذفت إلى الخطوط الخلفية بشيئين أثنين من صنف البشر. أولهما حطام من يتحملون مشاق الطريق قبل أن يموتوا. وثانيهما فئات المشوهين وذوي العاهات الذين تقعدهم عن العمل. وكان النقص في خطوط القتال والمجهود المدني في حاجة إلى تعويض وهذا التعويض تمثل في البالغين الذين يُستدعون إلى الالتحاق بالجيش طالما توفر منهم ، بيد أن هؤلاء سرعان ما نزح عددهم لان آلة الحرب كانت تلوك القتلى فتحولت الأنظار إلى الصبيان وطُلب إليهم الانخراط في الجيش مرة باسم الدفاع عن شرف الوطن ومرة أخري بدعوة ضرورة الإخلاص للملك والتاج.

وبمثل هؤلاء الصبية وذوي العاهات ظلت الجيوش المتحاربة يتضخم عددها بإمدادات جديدة حتى عام 1916 ثم أخذت جميعا أما في الثبوت مع تدني مستوي العمر أو الانكماش التدريجي المحتوم ، كما نتج عن حاجة الجبهات إلى العتد أن أقيمت مصانع الذخيرة في مختلف أنحاء أوربا.. وطبيعي أن أصحاب المال هم الذين أقاموها طمعا في ازدياد ثرواتهم فكان من مصلحتهم أن يطول أمد الحرب ويستهلك الجنود ما تشتريه حكوماتهم وبمعني آخر صار من سياسة هؤلاء ترويج صناعة الموت والمتاجرة بالأرواح.

اثر هذا الوضع تحول اقتصاد أوربا إلى اقتصاد عسكري وظهر إلى الوجود أنظمة توائم ذلك. فالعمال اُقنعوا بالمعروف أو اُجبروا بالتهديد بالحبس أو الوصم بالخيانة العظمي بان يتحولوا إلى آلات في المجهود الحربي وطُلب منهم أن يتناسوا مستوي حياتهم العادية في أيام السلم وأن يغفلوا تماما عن طموحاتهم.

والموظفون خضعوا لتعليمات الانضباط الرسمي ومجالس التأديب التي يعقبها قطع المرتبات إذا عاندوا والفلاحون أصبحوا مضطرين للعمل والقبول بتسعيرة الدولة. كل هذا لتزيد من أرباح الرأسماليين وتتضخم ولم تكتف الحرب العالمية الأولي بإبراز قضايا عسكرية وإستراتيجية واقتصادية بالغة الأهمية وإنما انتقلت إلى الميدان الاجتماعي أيضا. فقد واجهت الحكومات المتحاربة تموين عائلات الغائبين في الميدان والتعويض عن المشوهين العائدين علاوة علي تفشي الانحرافات الخلقية وشاع بين الناس التذمر الصريح بعدم الرضا وتمثل ذلك بشكل واضح في قيام الدادائية والاحتجاج علي ما يحدث بالفن المشاغب والأدب غير المألوف.

تريستان تزارا.. مرة أخري

عند اندلاع الحرب العالمية الأولى تنصل (تريستان تزارا) من أعباء التجنيد في الجيش الروماني وفر هاربا عبر الأودية والبحيرات والأحراش إلى أن وصل إلى سويسرا البلد المحايد في تلك الحرب واستقر به المقام في مدينة زيورخ وألتف حوله لفيف من صعاليك الفن والأدب المناوئين للحرب.

ابتكرها الشاعر الروماني ” تريستان تازارا”..وهي تمثل موقف رافض لفترة البلشفية في ألمانيا. و لكنها لاتعني مضمونا معينا..لأنها مجرد احتجاج فني ..فهي مثلا مجرد كولاج فني يجمع بين عناصر لا علاقة فيما بينها.
في اعقاب الحرب العالمية الأولى قامت حركة تمرد ضد كل مكان سائداً من عرف او تقاليد ، واخذت تنادي بعدم المبالة ، وبالتخليص الكامل من كل ما هو معروف من قيم ، سواء اكان ذلك في الادب ام في المسرح ام في الفنون التشكلية .
واتجه فنانو هذه الحركة الى جمع النفايات الملقاه في الشارع او صناديق القمامة مثل قصاصات الجرائدأوقطع الأقمشة البالية أوعلب الصفيح المهشمة .. ويعتبرونها هي الفن الذي ينبغي ان يسود .
وكان أول اجتماع لفناني وأدباء هذه الحركه في سويسرا عام 1916 م ، حيث تذاكروا الأوضاع المؤلمة التي نتجت عن الحرب ، ثم ارادوا اختيار اسم لهذه الحركة ، فأحضروا معجم (لاروس) الفرنسي ، وقام الشاعر “تريستان نزارا” بفتحه عشوائيا ، فكانت كلمة (دادا) التي تعني بالفرنسية : لعبة من الخشب على هيئة حصان ، وهكذا أصبحت هذه الكلمة اسما للحركة .
ويهدف الداديون الى مهاجمة القيم ، وتخريب الجماليات ، ومعادات الذين يحترمون الفن والجمال والابداع .. كما يهدفون الى السخرية من الفن ذاتة ، وعرض كل ما هوقبيح وغريب وعابث وغيرمعقول .
وتقول فلسفتهم : لابد من خلق فن يناقض الفن ذاتة ، واطلقو على فنهم هذا اسم “ضد الفن” واصبح شعارهم : كل شي يساوي لاشئ .. اذا : فلا شئ هو كل شئ

تعدد معاني كلمة: دادا

في لغة الشاعر تريستان تزارا الرومانية تعني: أجل.. أجل. وفي الفرنسية إشارة إلى لعبة من لعب الأطفال علي شكل حصان خشبي هزاز وتستعمل الكلمة في الألمانية للدلالة علي السذاجة والغفلة والإيطاليون يطلقونها علي زهرة النرد وأحيانا الأم. وفي بعض مناطق أفريقيا السوداء يسمون ذنب البقرة المقدسة: دادا. وفي الكثير من اللهجات العامية العربية تسمي المربية ومرضعة ولد غيرها :دادة.

أندريه ماسون – Andre Masson

في منتصف السبعينات اكتسحت إحدى أغاني البوب الشعبية قوائم المبيعات لفترة طويلة وفي جميع أنحاء العالم أغنية تقوم علي ترديد كلمة واحدة فقط هي: دادا. مما دفع الفنان المصري الكوميدي الظريف: محمد عوض إلى إلباس هذه الأغنية كلمات مصرية تدور حول عربة رش المياه في الشوارع أثناء الصيف.

الملتقي الأول للدادائيين

تأسس هذا الملتقي تحت اسم: كاباريه فولتير ليسلي رواده ويقدم لهم أوجهًا من النشاطات الفنية والأدبية للسخرية من الحرب والنعرات القومية. ويعرض تاريخ هذه الحركة أيضا إلى رجل ينتمي إلى بلد المفكرين والشعراء والموسيقيين الكبار (ألمانيا) رجل طويل القامة بإفراط هزيل البنية اسمه: هوغوبال جاء إلى سويسرا عند نشوب الحرب العالمية الأولي مع صديقته: إيمي هينغز التي تجيد الغناء وإلقاء الشعر. أما هوغوبال نفسه فكان فيلسوفا وروائيا وشاعرا وصحفيا وصوفيا وهو في كلمتين (صعلوك مثقف) وعندما لاحت لهذا الصعلوك فكرة إنشاء هذا الملتقي أتصل بشخص يدعي: أفرايم يمتلك صالة ليلية باسم: مييري ليجعل منها: ماخور ثقافي إذا جاز التعبير. فلبي: أفرايم طلبه وعلي الفور ذهب هوغوبال إلى معارف له من الشلة الدادائية وأخذ يقول للواحد منها:

هل لي بلوحة أو صورة.. قصيدة أو منحوتة بهدف إقامة أول ملتقى يجمع شتاتنا نحن الصعاليك.

ولم يكتف بذلك بل قصد بعض دور الصحافة في زيورخ لينشروا له إعلانات بالمناسبة. وفي الخامس من شهر فبراير 1916 تم تدشين كاباريه فولتير واشتمل المعرض الأول علي أعمال من بيكاسو قام بجلبها له هانز آراب وتخلل ذلك أمسية روسية ألقيت فيها أشعار من بولنير وماكس جاكوب ورامبو وغيرهم.

فرنسيس باكون – Francis Bacon

وفي نفس العام صدر العدد الأول من مجلة: دادا وكان الشاعر تريستان تزارا رئيسا لتحريرها والمخرج الفني لصفحاتها وقد دعي للكتابة فيها كتاب وشعراء كبار من خارج سويسرا من أمثال أراغون – ايلوار – برايتون – سوبو.

وساهم في عروضها التشكيلية الموالية كل من بيكاسو -مودلياني- كاندنيسكي ولم تتوقف مجلة: دادا عن الصدور وكانت كعادتها تطبع بطريقة مشوهة.

في السابع من شهر مايو عام 1920 صدر العدد السابع ومن مقدمته نقتطف الفقرة التالية:

اصرفوا بأسنانكم.. اصرخوا.. اركلوني علي أسناني.. ثم ماذا!! لن أكف عن أن أنعتكم بأنصاف الموهوبين وبعد ثلاثة أشهر سوف نبيعكم أنا و أصدقائي صورا ببضعة فرنكات.

وهكذا راح الدالدئيون يواجهون العالم بكل ما يمكن أن يهزه من تخريب وافتعال الضجة والضحك علي الذقون والضحك فقط في غالب الأحيان، ناهيكم عن الغطرسة والإساءات والإهانات والفضائح الفاقعة والسخرية من ذواتهم ومن الآخرين.

جين أرب Jean Arp

وذات مرة أعلن الدادئيون في باريس عن بيان يتلى علي الناس في تاريخ معين وبدلا من هذا البيان قرأ : تزارا مقالا من صحيفة اختيرت بحسب الصدف بينما كان بول ايلوار و تيودور فرنكل يقرعان الأجراس.

قصيدة الصدفة

أو بالأحرى قصيدة من غير شاعر وكنموذج من هذا الشعر تناول: تزارا بضع مقالات من صحيفة يومية تافهة وقصها قصاصات صغيرة لا تزيد مساحة الواحدة منها عن معدل الحيز الذي تشغله الكلمة ثم وضع الكلمات المقطعة في كيس دقيق فارغ وخضها جيدا ثم تركتها تتناثر علي طاولة والترتيب أو اللاترتيب للكلمات سوف يؤلف برأي تزارا قصيدة من نظم الصدفة.

فوتوغرافيا دادائية

وفي مجال التصوير الفوتوغرافي كان أحد المصورين الدادئيين يقطع رحلة بين دوسلدورف وكولن في ألمانيا بان ثبت آلة التصوير في نافذة القطار وطفق يلتقط الصور كيفما أتفق كل خمس دقائق وشكل بترتيبها العشوائي فيما بعد أول معرض فوتوغرافي دادائي. وحصل مع الموسيقي ما هو افضع من قرع العلب المعدنية الفارغة والطلقات النارية الحية مكان الإيقاع والنباح والعويل بدل الغناء.

الفولغا يصب في بحر قزوين

أما الكتابة التلقائية فأطلق لها العنان العبثي والصدفة واللاوعي وحل اللانظام محل النظام واللامنطق مكان المنطق والعفوية والبراءة سدت المنافذ في وجه التزمت والتصنع. وفي الكتابة التلقائية أيضا ينبغي للمرء أن يكتب كما يقوده قلمه من غير أن يبحث عن الكلمات المناسبة أو الالتزام بقواعد النحو وتصريف الأفعال. وتعتبر رواية: الفولغا يصب في بحر قزوين للكاتب بيليناك رواية كولاجية إذ ادخل بين أحداثها نصوص قصيرة مقتطفة من الصحف وقصاصات الأخبار وعناوين الإعلانات وتخلي بذلك عن الواقعية الموضوعية ذات الخط الواضح لقاء بحث جمالي وفن يلعب علي مستويات مختلفة. والفنان الدادائي – بيكابيا يري:

أن الجمال يمكن أن يولد من اتحاد أشياء غير متوقعة أكثر من غيرها بشرط أن تكون اليد التي تجمعها يد فنان.

البيان الدادئي الأخير

في منتصف شهر مارس عام 1922 وبحضور أقطاب الدادائية القي تريستان تزارا كلمة البيان الأخير لهذه الحركة نورد منها أهم الفقرات المثيرة للتأمل:

إن دادا تشق طريقها وهي ماضية لا في التوسع بل من أجل تخريب ذاتها وهي لا تبغي أن تتوصل إلى نتيجة أو تكسب مجدا أو فائدة عبر جميع إرهاصاتها المقرفة فقد كفت نهائيا عن الكفاح لأنها تدرك أن ذلك لا يخدم غرضا ما.

كورت شوتير – Kurt Schwitter

توقف تزارا برهة وابتلع ريقه.. جال ببصره علي وجوه رفاقه من شراذم الثقافة المحبطة تنهد وواصل تلاوة البيان: إن دادا كانت حالتنا الذهنية الساخرة وكانت للرافضين من أمثالنا نقطة الارتكاز التي تلتقي عند نعم وعند لا وتحتوي كل المتناقضات السائدة ولان دادا كانت لا تؤمن بشيء فقد انتهت وانتهت لأنها لم تؤمن حتى بمبادئها.

ميشيل دوشامب

في أثناء هذا البيان كان: دونزيرغ يذرف ابتسامة ساخرة وهانز آراب يعبث بلسانه في شاربه الدقيق وكان هانز ريختر يتقيأ آهاته وجعا بين وقت وآخر.

ماكس إرنست – Max Ernest

والدادائية التي حملت مشعل: بروميثيوس لتشعل الحرائق في كل مكان كانت من أكثر الحركات الفنية انتقائية وكانت تكره أن تلبس ثوبا واحدا وتكره أن تلبس الثوب أكثر من يوم واحد.. كانت ضد كل حالة كانتها وتكونها وضد الفن ثم ضد الفن المضاد وضد الصدفة وضد الصدفة المضادة.

اندرية برايتون – Breton

ومن بين أنقاض وركام الصرح الدادائي المنهار انبثقت حركة أخري تولي زعامتها الشاعر الدادائي السابق: أندريه برايتون ليصبح وحده أكبر داعية للتجافي عن العقلانيات والمنطق والتنظيم مستجيبا لكل ما هو من الحلم واللاوعي والأشباح والطلاسم، والرموز وأطلق علي حركته الجديدة اسم: السريالية أو ما يعرف في لغتنا العربية بـ: (السمو واقعية) ليجعل منها وقفا علي المثقفين ولكن أي مثقفين.

إنهم المثقفون الذين تلاعبوا في مجريات حركة المد والجز وتصرفوا في عدد نبضات القلب و ألوان قوس قزح وما يستقر في مكنون العقل الباطن وسراديب الأحلام.

من almooftah

اترك تعليقاً