مسؤول معايير التحرير فى «أسوشيتدبرس»
توماس كينت: المصداقية أهم من السبق في العمل الصحفى

حوار:عبير حسين

يشغل توماس كينت منصباً مهماً في وكالة أنباء «أسوشيتدبرس»، ولا يتوافر في أغلب مؤسساتنا الإعلامية العربية، فهو نائب مدير تحرير الوكالة المسؤول عن المعايير التحريرية. بمعنى آخر، هو مسؤول جودة الأخبار والصور التي تبثها الوكالة العريقة التي يزيد عمرها على قرن ونصف القرن. وكينت من أكثر المتحمسين لاستخدام التقنيات الحديثة في العمل الصحفي بدءاً من «المحرر الروبوت» وحتى الأنماط الحديثة من العمل الإخباري مثل Buzz feed وvice news وغيرها، ولا يرى أنها تشكل تهديداً لعمل الصحفيين الذين سيكون عليهم التفرغ للمهام الأكثر تعقيداً.

ويدافع كينت عن موقف وكالته المتحفظ على بث صور ومقاطع فيديو للمجازر، مؤكداً أنها تثير الفزع، ولا تعد سبقاً صحفياً في زمن أصبح الوصول فيه إلى هذه المقاطع سهلاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبالرغم من الانتقادات الكثيرة الموجهة لهذه الوسائل خاصة، واستخدامات الإنترنت عامة، يعارض الرقابة عليها ويعتبرها تهديداً لحرية الصحافة. «الخليج» التقت توماس كينت خلال مشاركته في فعاليات منتدى الإعلام العربي أخيراً في دبي، وكان الحوار التالي معه عن كثير من القضايا الإعلامية.

} «مسؤول جودة الأخبار» مهمة صعبة في وكالة أنباء عالمية، ولا تعرفها أغلب مؤسساتنا الإعلامية، فما مهام وظيفتك. وكيف تتأكد من دقة الخبر أو محتوى الصورة؟

– التحقق من جودة الأخبار والصور أحد أهم آليات العمل داخل «أسوشيتدبرس» لأنها تعني المصداقية التي نحرص على الحفاظ عليها كوكالة إخبارية عالمية واسعة الانتشار، وتحظى باحترام عالمي. ولدينا قسم كامل مختص بالتدقيق في كل ما تبثه الوكالة، ينقسم فيه فريق العمل إلى قسمين: الأول خاص بالأخبار، والثاني بالصور.
بالنسبة إلى الأخبار نتأكد من صحة الخبر أولاً من شبكة مراسلينا المنتشرة عبر أكثر من 100 مكتب حول العالم. ونستعين بالوسائل الحديثة، مثلاً نتابع بعض الحسابات الموثوق منها عبر «تويتر» وأغلبها لأشخاص عاديين لكن التجربة أثبتت أنهم جادون، وصادقون، وأحياناً نطلب منهم التواصل معنا لمتابعة ما يحدث، وعادة لانبث شيئاً إلا بعد التأكد من دقته.

} لكن هذه الدورة تستغرق وقتاً طويلاً في وقت يتنافس فيه الجميع على «السبق الصحفي».

– معك حق، وطبعاً نضع السبق الصحفي نصب أعيننا، لكنه ليس على حساب المصداقية أو المهنية. أما المشكلة الأهم التي تواجهنا فهي التأكد من دقة الصور، لأنها أصبحت «كارثة حقيقية»، فنحن نواجَه يومياً بكمّ هائل من الصور المزيفة، أو المصممة للتضليل. مثلاً، وردتنا صور قيل إنها لضحايا النزاع الدائر في أوكرانيا، وبعد التحقق منها اكتشفنا أنها تخص ضحايا لمافيا المخدرات في المكسيك قبل عامين.

والمشكلة أحياناً أننا نواجَه بالتضليل من وكالات أنباء رسمية تجري تعديلات على الصور لتناسب ما تريد الترويج له.

} وكيف تتأكدون عملياً من دقة الصور؟

– نستعين بالتقنيات الحديثة، فهناك برامج متطورة للغاية يمكنها الكشف بدقة عن تاريخ التقاط الصورة عبر تحليل مكوناتها، وأخرى يمكنها تحديد المكان الذي التقطت فيه الصور. إضافة إلى كفاءة المحررين الذين يمكنهم تحديد الصور المشكوك في صحتها.

وتبقى الصعوبة الأكبر في التحقق من دقة مقاطع الفيديو لذلك اختارت الوكالة عدم بث فيديوهات تنظيم «داعش» الإرهابي لعدم التأكد من صحتها.

} وما معياركم لنشر الصور ومقاطع الفيديو التي تصلكم؟

– لدينا معيار ثابت في اختيار الصور التي نبثها، وهي تلك التي تعكس الحدث، من دون إثارة الفزع، أو الحض على الانتقام، وكثيراً ما تصلنا صور لا ننشرها، لأنها تحمل أذى لمشاعر أهل الضحايا، خاصة في المجازر، والحروب، والنزاعات العرقية، لأننا لا نرى فائدة حقيقية لبث صور لتقطيع الرؤوس وأشلاء الجثث المبعثرة.

} ولكنكم تبثون صوراً لضحايا وجثث، فما المعيار الفاصل بين اللائق نشره من عدمه؟

– بالفعل ننشر صوراً لضحايا الكوارث الطبيعية، بل حصلت الوكالة على جائزة «بوليتزر» عن أفضل صورة صحفية وهي لإندونيسية تبكى بجوار جثث أطفالها الأربعة الذين قضوا نتيجة «تسونامي». هنا معيار النشر كان نقل صورة حقيقية ومؤلمة لآثار الكارثة الطبيعية، ولم يكن الهدف إظهار جثث الأطفال.

} تجرب وكالتكم «المحرر الروبوت»، فكيف ترى التجربة؟ وما مدى الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها؟ وهل يكون بديلاً للمحررين؟

– لنتفق بداية على أنني من أكثر المؤيدين لاستخدام التقنيات الحديثة في عالم الصحافة، و«المحرر الروبوت» تجربة سبقت إليها «واشنطن بوست» وصحف أخرى، ولاتزال طور التجربة. والأخطاء واردة، سواء مع الروبوت أو المحررين البشر، لكنه لن يكون بديلاً عنهم في أي وقت، بالعكس أعتقد أنه سيكون فرصة لتركيزهم على مهام أكثر تعقيداً في المستقبل.

} ما تقييمك لوسائل الأخبار الحديثة المنتشرة مثل Buzz feed وvice news، وهل تراها تهديداً لعمل الوكالات الكبرى، خاصة أنها تحظى بجماهيرية واسعة؟

– نعم هذه الوكالات اليوم تحقق مليارات الدولارات، ولا يمكن إنكار نجاحها، وبالرغم من أنها بدأت ساخرة، تقدم اليوم قصصاً إخبارية جادة، واتجاهها العام هو اجتذاب شريحة من القراء صغار السن. وهناك تجارب أخرى ناجحة ستغير كثيراً من شكل الإعلام التقليدي مثل نظارات الواقع الافتراضي التي تضعك في صورة الحدث نفسه كما لو كنت جزءاً منه.

وهناك تجربة رائدة لشباب إيطاليين تعرف ب 15sec to truth، أو «15 ثانية نحو الحقيقة»، وهي محاولة لتقديم خبر سريع في 15 ثانية فقط، وهناك «كوميك بوك»، ومن يستخدم موسيقى الراب في التغطيات الإخبارية، ومن أشهر تجاربها «لعبة دارفور تحتضر» وهي تجربة أقرب إلى الألعاب الإلكترونية تحكى مأساة هذا الإقليم السوداني.

} كثر الحديث عن «المواطن الصحفي» وأهمية شبكات التواصل الاجتماعي في صناعة الخبر ونشره، وبالرغم من مثالبها المتعددة، هناك من يعتقد أنها تهديد حقيقي للصحافة التقليدية، فما رأيك؟

– لا أميل إلى إصدار أحكام قاطعة في هذا الصدد، فلكل أمر إيجابياته وسلبياته. اليوم لا يمكننا تجاهل أو إنكار أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، وأحياناً نتتبع حسابات معينة على «تويتر» تمدنا بحقيقة ما يحدث على الأرض في مواقع لا يمكن لمراسلينا الوصول إليها، لكن بالمقابل لا يمكنك الاعتماد تماماً على ما تنشره هذه المنصات.

نحن في الوكالة مثلاً لا نتناقل ما يكتب على «فيس بوك» وغيره من دون التثبت من مصداقيته أولاً. وهناك كثيرون يعرفون الاستخدام الصحيح لهذه الوسائل، لكن تبقى مسؤولية التحقق من صدق الخبر على من ينقله.
ومثال ذلك «تويتر» الذي يعد أسرع وسيلة لنشر الخبر، نحن كوكالة أنباء عالمية لا يمكننا البحث عن منافسته، لأننا نبحث عن المصداقية أولاً، ربما نبث خبر على نحو أبطأ من غيرنا، لكننا متأكدون بنسبة 99% من صحته.

} هل تتفق مع الآراء المتشائمة التي تحذر من نهاية الصحافة الورقية لمصلحة الرقمية؟

– لا أتفق مع هذه الآراء، وعموماً إذا اختفت الورقية فستبقى الصحافة موجودة لكن بشكل آخر، وبتقنية أخرى.

} عملت مراسلاً في مدن عدة حول العالم مثل سيدني، وموسكو، وبروكسل، وطهران، كيف يمكن للصحفي العمل بموضوعية اليوم وسط بيئة تعج بالصراعات والاختلافات الحادة في كل شيء مع تراجع القابلية لتقبل الآخر؟

– السؤال عن الموضوعية ليس سهلاً، لكن دعينا نتفق على أن العالم ليس مكاناً جيداً، وليس بمقدورنا إصدار أحكام جازمة على ما هو الصحيح مئة في المئة، لكن واجبنا المضي قدماً في تقديم ما نراه الأفضل بمعايير الأخلاق الإنسانية.

مثلاً، نحن في الولايات المتحدة تأتينا انتقادات من اليمين، واليسار، وخارج البلاد، ومهمتنا التعامل مع كل هذه الانتقادات بعقل منفتح، لكن بشرط عدم التأثير في النموذج الجيد الذي نجحنا في صناعته لمؤسستنا الإخبارية التي يزيد عمرها على 150 عاماً.

مسيرة حافلة

 

يتولى توماس كينت مسؤولية المعايير التحريرية في وكالة «اسوشيتدبرس»، ولعب دوراً رئيسياً في تنسيق الخدمات عبر منصات النص والصور والرسومات والإذاعة والانترنت، وصمم المقر الجديد للوسائط المتعددة في مبنى الوكالة بمدينة نيويورك.

عمل كينت مراسلاً للوكالة في سيدنى بأستراليا، ولدى منظمة حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل، ومدير مكتب الوكالة في موسكو، وقائد لفريق عملها في طهران.
شارك كينت لدورتين ضمن أعضاء هيئة المحلفين لجائزة «بوليتزر»، وهو حاصل على شهادة في الدراسات الروسية والشرق أوروبية من جامعة «ييل» الأمريكية، ودرس الصحافة في جامعة كولومبيا، وهو أستاذ زائر لمعهد هاريمان للشؤون الدولية والعامة.

من almooftah

اترك تعليقاً