مريم تبوح بأسرارها – الترجمة التشكيلية لرباعيات الخيام


قالت مريم متسائلة : ألا تلاحظ يا فتحي بوضوح أن جل الكتابات التشكيلية علي اختلاف مناهجها وموضوعاتها ، تتجاهل أو تغض الاهتمام فيما يتصل بتسليط الضوء والعناية بأعمال كبار الفنانين العرب التي تتصدر أغلفة الكتب والمجلات والرسومات الداخلية التي تمنح هذه المطبوعة أو تلك بعدا بصريا في غاية الأهمية .

فقلت : الصحافة الفنية وليست الثقافية مهتمة بأهل المغني والتمثيل ، فالمطربة أو المطرب من هؤلاء أو أولئك وهم كثر ، يطمس بصوته المشروخ وبشهرته المفتعلة جهود كاتب الكلمات والملحن والموزع الموسيقي ، ناهيك عن الممثلة أو الممثل الذي ينال وافر الأضواء والبريق والمال بينما لا نعرف إلا القليل عن مؤلف القصة وكاتب السيناريو والمخرج ؟

قالت : سأبوح لك في هذا الاتجاه بطرح ما أعتقد أنه من الموضوعات الجديدة بعيدا عن الموسيقي وفنون الدراما السينمائية منها أو المسلسلات الرمضانية المتشابهة والركيكة والمملة .

وأعني تحديدا موضوعات تشكيلية منها هذا البوح المكرس في قراءة مركزة تتناول التناغم بين ما تجود به قريحة الأديب وما تقوم بصياغته ريشة الفنان التشكيلي .

ومن دون أن أسالها قالت : لقد قمت منذ فترة يا فتحي – برصد وتحقيق سلسلة من هذه الموضوعات في محاولة مخلصة للاعتراف بجهود فنية عظيمة نمر عليها مرورا سريعا .

وعندما حاولت سؤالها ، رفعت يديها وقالت : من ذلك مثلا ( رباعيات الخيام ) التي حققها وترجمها إلي العربية في ربيع عام 1912 الأديب اللبناني الكبير : وديع البستاني ، وتم نشر هذه الرباعيات للمرة الثالثة عام 1969 عن دار المعارف بمصر وأسندت مهمة رسم الغلاف واللوحات الداخلية إلي الفنان : ( حسين أمين بيكار 1913 – 2002 ) . الذي تفرغ تماما من كافة التزاماته الفنية وشرع من جهته يبحث في الدراسات التي تناولت هذا الشاعر الفارسي العملاق (عمر الخيام ) المولود في نيسابور ما بين عامي 1025 – 1050 وتوفي بها عام 1123 .


الفنان : حسين بيكار – بريشته

وحين يود المرء يا فتحي – أن يكتب عن بيكار عليه أن يغلق كل المراجع التي تتخيل إمكان الاستعانة بها في تحرير موضوعه ، إذ عليه أن يفتح قلبه فقط ويدعه يتدفق بالحب وأن يشطب علي كل الألقاب والأوصاف من حجم الفنان الكبير و الفنان الرائد والفنان الإنسان وغيرها ، وعليه أن يتجاوز مناهج النقد وكذلك مداخل التعريف النمطية التي نعرفها .

فالفنان حسين بيكار ظل في تواضعه وزهده في غني عن هذا كله ، ويبقي لقب واحد كبير، خليق به ، وهو لقب : ( الأب ) للجميع في عالم الرسم والتلوين والنقد الفني والأخلاق الحميدة وحسين بيكار ومع كل ما أعطي من نصائح وتوجيهات وتعاليم أعطي أهم شئ الحب فقد كان له حضوره الإيجابي، وابتسامته الطيبة التي تزيل عن من يلتقي به أي ظلم أو إحباط أو تعثر أو ضيق أو غرور.

وعن دماثة أخلاقه قال الكاتب أحمد رجب بأسلوبه الأنيق والمتفرد : ( أستاذنا الكبير بيكار فنان مهذب جداً، إذا ألقى التحية على أحد قال له : من فضلك صباح الخير!! . ولم أره مرة واحدة إلا باسم الوجه. ولم أشاهده عمري فقد أعصابه مرة. ) .

بيكار الذي ولد عام 1913 في الإسكندرية ورحل عام 2002 عن عمر ناهز التسعين عاما ، مضي رقيقا خفيفا لا يحمل ضغينة لأحد ولا يحمل له أحد ضغينة ، حصل علي أرفع الجوائز وآخرها جائزة مبارك التي تبرع بقيمتها بالكامل لمرضي السرطان ، وظل وفيا لمحبته للناس ورافضا للصغائر وبعيدا عن صراعات الدنيا ، لهذا كان فنانا كبيرا بحق ، وعندما أسلم روحه الطاهرة نفذت أسرته وصيته الأخيرة : أن تتم مراسم الدفن في أضيق الحدود ، فقد كان حريصا علي أن يمضي إلي مقره الأخير في هدوء وبساطة .

فقلت لها : أتسمحين لي ولو علي نحو مختصر البوح بمعلومة بسيطة في تاريخ الفن التشكيلي الليبي المعاصر لها صلة مباشرة بالفنان : حسين بيكار . فأعتدلت مريم في جلستها وتأهبت لسماع ما سأقوله . فقلت : حينما كنت صبيا ( 12 – 14 سنة تقريبا ) كنت أتردد علي مكتبة : بوقيعقيص , وكنت مولعا بفن الرسم وبقراءة مجلة : سندباد التي يرسمها الفنان : بيكار . وكنت ، فقالت : كنت ماذا ؟

أجبتها قائلا : وكنت كذلك من هواة المراسلة وكنت أنتحل اسم : فتحي بيكار . مع من أراسلهم من فتيان وفتيات وجلهم كانوا من خارج ليبيا ، فقالت ولماذا لم تستمر مع هذا الاسم الجميل . فلذت بصمتي قليلا وقلت : سوء تقدير . فقالت فيما يشبه المواساة : واسم فتحي العريبي هو الآخر جميل ، ثم غمزتي بعينها اليمني وعضت شفتها السفلي وقالت هامسة : وعدستك مدهشة يا فتحي .. وفعلها يسلب الألباب .

الترجمة التشكيلية لرباعيات الخيام .. بريشة الفنان : حسين بيكار

البوح التالي بعنوان : جماعة إخوان الصفا


عن مخطوط :
مريم تبوح بأسرار – الترجمة التشكيلية لرباعيات الخيام
لـ : فتحي العريبي (*)
الصورة ملتقطة في بيروت 1975
بعدسة الفنان اللبناني : سمير إليوفيتش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
(*)- فنان تشكيلي – كاتب ليبي مستقل Freelance
رئيس تحرير مجلة – كراسي – http://www.kraassi.com/

خلاصة سيرته الفنية باللغتين العربية والإنجليزية
أولا : باللغة العربية: http://www.kraassi.com/sera_2.htm
ثانيا : باللغة الإنجليزية: http://www.kraassi.com/Biography.htm

من almooftah

اترك تعليقاً