يعاني الفن التشكيلي السوري من الظروف التي تعيشها سورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام كغيره من القطاعات الثقافية الأخرى حيث أغلقت العديد من صالات العرض الخاصة واقتصرت المعارض على ما تقيمه وزارة الثقافة كمعرضي الخريف والربيع السنويين بالإضافة إلى المعارض التي تستضيفها المراكز الثقافية.

ويعتبر قطاع الفنانين التشكيليين الشباب أكثر قطاعات هذا الفن تأثرا بالازمة في سورية نتيجة محدودية الفرص أمامه في عرض ودعم منتجه الفني خاصة أن أغلب الفنانين الشباب يحتاجون للرعاية والاهتمام والدعم في بداية مشوارهم الفني ليتمكنوا من تحديد وجهتهم التشكيلية وصوغ شخصيتهم الخاصة.

ولعل أكثر ما كان واضحا في تأثير الأزمة على الفنانين الشباب هو اقتراب مواضيع أعمالهم من الواقع اليومي المرير فصار الكثير منهم يتجه للتعبير عن ألم الإنسان السوري من خلال العمل الفني وبأساليب متنوعة.

واوضح الفنان فواز سلامة المتخصص برسم البورتريه أن العمل الفني ضمن الأزمة أخذ منحى مختلفا عن الفترة الماضية لدى أغلب الفنانين فصار أقرب للواقع ينقل ما نعيشه مبيناً أن لوحاته كانت وما زالت تعبر عن شخوص البيئة السورية المحلية ومن خلالها يحمل للمشاهد همه وحزنه.

بينما ترى النحاتة رنا حسين أن الأزمة أثرت على الفنان التشكيلي السوري فقط من حيث التحرك في عدد المشاركات فصارت الفرص اقل لتقديم التجارب والأعمال الفنية كون المعارض أصبحت محدودة بمعرضين سنويا لوزارة الثقافة معتبرة أن التفاؤل هو العنوان العريض لعمل أغلب الفنانين التشكيليين خاصة أن المستقبل الأفضل بدأت ترتسم ملامحه في الأفق.20140517-123430.jpg

وهنا تقفز للواجهة المعاناة المادية التي تكبل أغلب الفنانين الشباب بعد تخرجهم فالعمل في الفن التشكيلي يتطلب تكاليف مادية باهظة خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الخام اللازمة لتنفيذ أي عمل تشكيلي وهذا بحد بذاته خلق تحديا كبيرا أمام هؤلاء الشباب.

وقال الخزاف الشاب مصطفى أنطاكي إن الأزمة أثرت علينا كفنانين شباب بشكل كبير من ناحية ارتفاع أسعار المواد اللازمة للعمل الفني ما دفعني لاستخدام مواد أرخص وبسوية أقل من المطلوب أو استبدال الخامات المطلوبة بغيرها لمواءمة التكلفة مع الإمكانات المتوفرة للوصول إلى نتيجة مقبولة وغالباً ما كنت أوفق في هذه البدائل.

وبين أنه يحاول الاشتغال على فكرة النحت بالخزف لتقديم أفكار جديدة بتقنية مبتكرة وفي حال لاقت هذه التجربة إعجاب الناس والدعم المطلوب فإنه سيستمر فيها وإلا سيعود للعمل بتقنية الخزف التقليدي لافتا إلى أن انحسار فرص العرض أمام التشكيليين الشباب يدفعهم لإيجاد بدائل مثل الملتقيات والورشات الجماعية والعمل مع الجمعيات الأهلية في نشاطات اجتماعية فنية.

وقارنت الفنانة رهف مرتضى خريجة قسم التصوير الزيتي بين خريجي كليات الفنون الجميلة الذين عملوا قبل الأزمة وأتيحت لهم فرص أكبر ليقدموا أعمالهم للناس وبين الخريجين في هذه الفترة الذين يبحثون عن أي ملتقى أو مسابقة أو معرض لتقديم ما لديهم مؤكدة أن هذه الظروف لم توقف الفنانين الشباب عن العمل وسيظل التفاؤل هو الذي يشجعهم على الاستمرار.

الفنان إياد الحموي وجد في معارض وزارة الثقافة وما تقدمه من دعم مادي فرصة جيدة للفنانين الشباب وقال ان المعرض السنوي يشجع الشباب على العمل كما أن المردود المادي الذي يمكن أن يأتي في نهاية المعرض يعتبر داعما للفنانين الشباب مبيناً أن الفنانين الشباب ينتظرون أي فرصة للعمل وتقديم ما لديهم للناس.
ووافقته في الرأي النحاتة ديما سليمان لأن معرض الربيع يعطي دعما للفنانين الشباب ودفعة تشجيعية للأمام مشيرة الى أنها كفنانة شابة تخرجت حديثا يجب أن تكون مصرة على العمل وتقديم الإبداع لتطوير المجتمع رغم كل الصعوبات دون أن تؤثر الازمة وظروفها عليها.

وعن تأثير الأزمة على مواضيع الفنانين الشباب قال الفنان التشكيلي الشاب سامي الكور أن الفنان يمتلك حساسية عالية تجاه ما يحصل حوله فالأزمة خلقت دافعا اكبر للعمل وجعلت ريشته تحلق في عوالم مختلفة فالحياة حسب رأيه يجب ألا تتوقف ويجب عليه كفنان الاستمرار بالعمل.

وتحدث الكور عن أن الشعور الذي يختزنه بداخله من حزن وغضب وألم بات يظهر على لوحاته باشكال مختلفة كاختيار الموضوع واللون والفكرة.

أما الفنانة نيفين سيف فأشارت إلى أنها اختارت فكرة الموت في إحدى لوحاتها الأخيرة كانعكاس للازمة التي نعيشها ولما عاناه السوريون منذ ثلاث سنوات موضحة أنها جسدت الموت في لوحاتها على انه انتقال لحياة افضل واجمل وليس كما يعتقده البعض نهاية.

اما الفنانة خولة العبد الله فلا توافق زميلتها وبينت أن الأزمة جعلتها تعتمد في لوحاتها على تجسيد فكرة الأمل بالخلاص فأصبحت موضوعاتها أكثر تفاؤلا وألوانها أكثر فرحا املا بالخلاص من الازمة.

وأوضحت العبد الله أن الشعب السوري أرهق من تداعيات الازمة لذلك يجب على الفنان التشكيلي أن يلعب دورا مختلفا بإيقاظ الحياة في نفوس الناس وبعث الأمل من خلال لوحاته.

وتتفق معها الفنانة كارولين سمرجيان التي تعتبر أن المساحة البيضاء التي تمثلها اللوحة هي مسرح لتجسيد إحساسها وشعورها وهي تختار الألوان البراقة كالأصفر والبرتقالي لتجسد فكرة الأمل بالحياة التي لم ولن تنتهي لان الخلاص قريب.

ووصفت سمرجيان حالتها عندما ترسم حيث تنسى كل ما حولها من الم وتحاول أن تعكس الفرحة والابتسامة على لوحتها لتخرج من حالة الحزن وتجعل كل من يرى لوحاتها في حالة من التفاؤل.

أما الفنانة عزة حيدر التي تعتمد في موضوعاتها على ترك مساحة لخيال المتلقي لتفسير وتحليل ما يراه فأوضحت أنها أصبحت ميالة للهدوء والسكينة في أعمالها أكثر لإعطاء حالة من الراحة للمتلقي والتخفيف من شدة الضغط النفسي الذي نعانيه باختيار الألوان والموضوعات الهادئة مثل تجسيد الطبيعة.

ويظل الجهد الذي يبذله التشكيليون الشباب بصيغة ذاتية من دافع الإصرار على إثبات الذات والرغبة في الوصول إلى غايتهم كفنانين يريدون تقديم رؤيتهم وأفكارهم وموهبتهم للناس مرهونا بالفرص الحقيقية التي تتاح أمامهم وبالدعم الذي يجب أن يتلقوه من المؤسسات الرسمية والفعاليات الثقافية الأهلية ما يحتم على المعنيين بالشأن الثقافي إيلاء كل الجهود الممكنة لتوفير فرص العمل والاستمرار لهؤلاء الشباب لضمان تطورهم وتفعيل عملهم في المجتمع ما يعود بالفائدة على الوطن ككل.

صورة ‏خلدون الخن‏.
صورة ‏خلدون الخن‏.
 

من almooftah

اترك تعليقاً