دم شهداء السادس من أيار ينتصر على السفاح جمال باشا

السفاح جمال باشا

جمال باشا السفاح:
ارتأت السلطة التركية، في ظل الظروف التي فرضتها الحرب العالمية الأولى، تعيين قائد كبير يفرض سلطته القوية على منطقة بلاد الشام ومصر التي كانت قد خضعت للإنكليز، فعينت عام 1915 والياً جديداً على سورية خلفاً للوالي خلوصي بك، هو أحمد جمال باشا الملقب بالسفاح.

وأحمد جمال باشا هو قائد عسكري عثماني ومن زعماء جمعية الاتحاد والترقي، ومن المشاركين في الانقلاب على السلطان عبد الحميد، وقد شغل منصب وزير الأشغال العامة وقائد البحرية العثمانية، قبل أن يصبح الحاكم المطلق في سورية وبلاد الشام.

وقد خطب جمال باشا أول قدومه إلى دمشق في النادي الشرقي عام 1914م قائلاً:
«يجب عليكم يا أبناء العرب أن تحيوا مكارم أخلاق العرب ومجدهم، منذ شروق أنوار الديانة الأحمدية، أحيوا شهامة العرب وآدابهم حتى التي وجدت قبل الإسلام، ودافعوا عنها بكل قواكم. واعملوا على ترقية العرب والعربية، جددوا مدنيتكم، قوموا قناتكم، كونوا رجالا كاملين».


السفاح على أحد مراكب البحرية العثمانية

إلا أن والي سورية الجديد، لم يكن في الحقيقة إلا مبغضاً للعرب، كارهاً لهم، وكان يبيت في نفسه نية الانتقام منهم ومن حركاتهم السياسية على الأخص، حالما تسنح له الفرصة.

وكانت مهمة جمال باشا الأساسية تجهيز حملة على مصر للقضاء على السيطرة البريطانية، إلا أنه قبض على زمام السلطة بيد من حديد، واعتمد سياسة البطش، وتلهى عن إعداد الحملة بالعمل على تعزيز سلطته وبسط سيطرته وإقصاء العناصر العربية عن مراكز الإدارة والقرار، وكان من جراء تأخره في إعداد الحملة أن وجد الخصم المصري فرصة ذهبية للاستعداد للدفاع عن نفسه.

وفي عام 1915 قاد جمال باشا الجيش الرابع التركي لعبور قناة السويس واحتلال مصر. وفي ليل 2 شباط 1915 اخترق صحراء سيناء التي كانت حينها تفتقر لطرق المواصلات فكانت القوات التركية تصل إلى القناة منهوكة القوى لتحصدها البوارج البريطانية الموجودة في القناة أو القوات البريطانية التي تتحصن على الضفة الغربية للقناة بمدافعها ورشاشاتها ومع أن بعض السرايا القليلة استطاعت اجتياز القناة إلا أن الهجوم فشل فشلاً ذريعاً ولم ينج من الجيش الرابع إلا القليل.


السفاح مع عدد من ضباطه

كان للفشل الذريع لهذه الحملة ومسؤولية جمال باشا المباشرة عن ذلك الفشل، وهو الحاكم العسكري المطلق على سورية، أن يصبح عصبي المزاج بشكل دائم، حاد الطباع، وصب جام غضبه على القيادات العربية العسكرية والمدنية التي حمّلها مسؤولية إخفاقه، فعمل على استبدال الكتائب العربية في بلاد الشام بكتائب غالبية جنودها من الأتراك، وفصل الضباط العرب البارزين من وظائفهم وأرسلهم إلى مناطق بعيدة، وأخذ باعتقال الزعماء الوطنيين والمفكرين العرب والتنكيل بهم وتعذيبهم حتى الموت، وقد كانت باكورة هؤلاء إعدام عدد من المناضلين بأحكام عرفية باطلة في عدد من المناسبات، ففي 21 آب من عام 1915 قام بإعدام 11 من المناضلين من مختلف مدن سورية ولبنان.

لقد أحلَّ جمال باشا السفاح الرعب في قلوب الناس بعصره لشدة قسوته وجبروته وكان يعمل بكدٍّ لاستلام زمام الأمور بهذه البقعة من العالم والانفصال عن تركيا آنذاك ولم يتراجع بحياته قط عن قرار أصدره لدرجة أنه في أحد الأيام أصدر حكمه على أحد الأشخاص المرموقين وابنه بالإعدام وتشفَّعت بهما أغلب دول العالم ورؤسائها فلم يقبل التراجع عن قراره ولشدة الضغوطات السياسية والدولية عليه قبِلَ أخيراً أن يُعدم واحد منهما الابن أو الأب، وأخيراً تمَّ إعدام الابن.


الإعدامات الجماعية التي أمر بتنفيذها السفاح

وقد ساق السفاح للمناضلين العرب مختلف التهم من التخابر مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية، إلى العمل على الانفصال عن الدولة العثمانية، وهو ما يقال أنه ما كان يسعى هو بنفسه إليه، وأخيراً توج عمله هذا بجريمته التي نفذها في السادس من أيار عام 1916، عندما أعدم 21 مناضلاً ومثقفاً عربياً في كل من بيروت ودمشق، بعد أن أحال ملفاتهم إلى محكمة العاليه العرفية، حيث أديرت المحاكمة بقسوة وظلم شديدين، وبدون أن تحقق أدنى معايير المحاكمات العادلة والقانونية، صامّاً أذنيه عن جميع المناشدات والتدخلات التي سعت لإطلاق سراحهم. وخصوصاً تلك التي أطلقها الشريف حسين بن علي شريف مكة، الذي أرسل البرقيات إلى السفاح وإلى السلطان وإلى الصدر الأعظم، وأوفد ابنه الأمير فيصل بن الحسين إلى دمشق، وقابل السفاح ثلاث مرات في مسعى لإيقاف حكم الإعدام دون جدوى، إذ أن السفاح كان قد عقد النية على تنفيذ مخططه الرهيب.


السفاح

بقي أحمد جمال باشا السفاح ممعنا في غيه، إلى أن شعرت الدولة العثمانية بنتائج سياسته الفظيعة فنقلته من سورية وعينت بدلا منه جمال باشا المرسيني الشهير بالصغير، وقد قتل في مدينة تبليسي عام 1921 على يد أرمني يدعى اسطفان زاغكيان، وقد روي عن طلعت بك زميل أحمد جمال في جرائمه أنه خاطب زميله هذا بقوله: «لو أنفقنا كل القروض التي أخذناها لستر شرورك وآثامك لما كفتنا».

من almooftah

اترك تعليقاً