أسطورة تموز وعشتار في الفكر العراقي القديم
اضغظ للحصول على الحجم الطبيعي للصورة

تحتل أسطورة تموز وعشتار مكان الصدارة في أدب العراق القديم لما فيها من عنصر الإثارة وأحداث جميلة، الأمر الذي أدى إلى كونها نواة لقصص شبيهة في أنحاء العالم القديم.

القصة بطلاها إلهة وإله: إينانا (عشتار) ودموزي (تموز)، اللذان انعكست أحداث حبهما على الأرض لتشكل الربيع وبقية الفصول، وعلى الرغم من طرافة هذه الأسطورة وروعتها، إلا أن أياً منا قد يسأل عن أسماء واضعيها. فلا يجد لذلك جواباً.
اضغظ للحصول على الحجم الطبيعي للصورة
عندما نتكلم عن أسطورة تموز وعشتار ينبغي أن لانفكر بوجود نصوص متتابعة متكاملة سهلة القراءة أو تعود كلياً لزمن واحد. ويمكننا إدراك المصاعب إذا ما عرفنا إنهم كانوا يكتبون على الطين، فقطعة الطين الواحدة لايمكنها أن تحتوي إلا على عدد محدود من الأسطر تكملها قطعة أخرى، وكثيراً ماتوجد قطع في متحف معين تكملها أخرى في متاحف متباعدة وعلى أي حال يمكننا اليوم أن نتتبع ومضة تلك الأسطورة في حياتنا.

ملخص الأسطورة:-
في الوقت الذي لم نجد فيه نصوصاً متتابعة عن أسطورة تموز وعشتار فإنه يمكن أن نضع تتابعاً لأحداثها كالآتي:
خفق قلب الراعي دموزي (تموز) عندما رأى إينانا (عشتار، كوكب الزهرة آلهة الحب والجمال) فما كان منه إلا توجه إلى (أتو، أوتو، شمش) إله الشمس أخيها طالباً يدها، وإذ يقتنع (أتو) بشخصيته فإنه يحاول إقناع شقيقته باستعراض لطيف قبل إخبارها بالموضوع مباشرة، على أي حال كانت إينانا تحب شخص آخر يدعي (أنكي-أمدو) الذي كان يمتهن الفلاحة، وحسب رأي الإلهة الجميلة فيه من البركة والمزايا (ما يجعل المخازن تتكدس بالحبوب)، أما انطباعها عن دموزي الراعي فيجسده قولها لأخيها (أتو):-
أنا، لا لن أتزوج من الراعي
وثيابه الخشنة لن أرتدي

كان دموزي يسرح بماشيته على ضفاف النهر عندما تسوقه الأحداث للتعرف على (أنكي-أمدو) غريمه، لقد ساورت للراعي الرغبة في الاعتداء على الفلاح وبدا عليه الغضب إلا أن (أنكي-أمدو) اخذ يهدئ من روع (دموزي) و عرض عليه أن يرعى ماشيته في حقوله، وهكذا أصبحا صديقين.
واخبر الراعي (دموزي) رفيقه الجديد بما هو عازم عليه وانه سيتزوج بإينانا وبطبيعة الفلاحين وعده بالحضور ويجلب ما يناسب الحفل الكريم.

اللقاء الساخن بين إينانا ودموزي أفاض مشاعر الاله بالقول:-
عندما كنت اغني مع اطلالة النور
آنذاك التقى بي، آنذاك التقى بي
سيدي كولي-أنا (دموزي) التقى بي
سيدي وضع يده بيدي

أثناء ذلك اللقاء المثير شعرت إينانا بمرور الوقت، وتبعاً لذلك خافت تقريع امها لها، لذا توجهت بالسؤال إلى عشيقها الجديد عن حيلة تخلصها مما هي في وبذكاء، فاجابها دموزي بذات العذر الذي تتذرع به الفتيات:-
قولي لها اخذتني صديقتي معها إلى الساحة العامة
ومتعتني هناك بالموسيقى والرقص
وغنت لي اغنيتها العذبة
وفي غمرة الفرح فات علي الوقت
بهذا العذر واجهي امك!!

ثم تذهب إينانا إلى والدتها لتخبرها بنبأ خطبة دموزي لها. ويبر الاخير بوعده، ويقصد دار إينانا ليدخلها بعد استعدادت خاصة.

تتسم طبيعة المرأة بحبها للاستقرار والاحتفاظ بمن تحب، الا ان إينانا كانت تختلف على ما يبدو عن معظم النساء، فالنصوص السومرية والبابلية والآشورية للاسطورة توضح أنها تركت عالمها العلوي لتنزل إلى عالم رهيب، ولا علم لنا بالسبب الذي اقدمت من اجله على ذلك، ولكن ربما كان ذلك يعني ان الحياة لاتتكون من الجلوس في برج عاجي بل بتفاعل الاعلى بما هو ادنى.

إننا نفهم من السطور السومرية أن عشتار كانت على علم تام بما سيجري لها وهي تهبط إلى العالم الاسفل وذلك من خلال حوارها مع وزيرها (ننشوبر) الذي طلبت منه أن يقصد معابد الآلهة العظام ليخاطبها هناك إنليل (إله الهواء) بمدينة نفر، ننا (إله القمر) بمدينة اور، ثم إينكي (إله الحكمة) في مدينة اريدو، طالباً منهم حماية عشتار عند وجودها في ذلك العالم الاسفل وتلتف إلى وزيرها مؤكدة:- اذهب يا ننشوبر، ولاتهمل ما امرتك به.

ثم تصل الإلهة إلى القصر، إلى جبل اللازورد، وكان عليها ان تجتاز سبع بوابات تطيع كل منها امراً خاصاً يتعلق بما ترتدي من تاج واساور وغيرها، بل حتى مايسترها في الباب السابع. كما كان على إينانا ان لاتعترض فتلك نواميس العالم الاسفل.
عندما تجتاز عشتار الباب الاخير تقف وجها لوجه امام ملكة العالم السفلي ايرشكيكال، اختها التي كانت تجلس على العرش وامامها قضاتها السبعة، تقول الاسطورة:-
فصوبت نظراتها اليها، نظرات الموت ثم تحولت الفتاة العليلة إلى جثة هامدة
وعند وجودها في العالم السفلي، ولأنها إلهة الجنس فقد ألمت بالارض امور خطيرة. لقد ابتعد الثور عن انثاه وهجر الرجل زوجته، هذا ما تذكره نسخة آشورية.
بعدها يشرع وزيرها (ننشوبر) باستغاثة الآلة واحداً تلو الآخر حتى يصل إلى أنكي الذي يعمل ما يستطيع لإعادة الحياة إلى عشتار بطعام وماء الحياة.

تنهض عشتار بعد رش ماء الحياة ونثر طعام الحياة على جسدها إلا أن قضاة ايرشكيكال يضعون شرطاً لخروجها من عالمهم قائلين:- دعها تقدم شخصاً بديلاً عنها.
ثم تخرج عشتار من ذلك العالم الغريب وتصحبها الرهبة والخوف من الشياطين الذين صاحبوها، حيث ياخذون دموزي (تموز) بديلا عنها، فقد وجدوه عند شجرة التفاح، فامسك به الشياطين (فلم يعد الراعي يعزف الناي ولا المزمار).

يقول النص السومري:-
وهكذا اعطت إينانا المقدسة دموزي الراعي بايديهم

واخذ المسكين يستغيث رافعاً يديه إلى السماء صوب (أتو) إله الشمس قائلاً:-
أنا من يحمل السمن إلى بيت امك
انا من يحمل السمن إلى بين ننكال
فحول يدي إلى يدي افعى
وحول قدمي إلى قدمي افعى
ودعني اهرب من الشياطين ولا تدعهم يمسكونني

إلا أن هروب دموزي المؤقت لم يكن يغنيه عن المصير المحتم شيئاً، يقول النص السومري:
فألقوا القبض على دموزي في الحظيرة المقدسة للأغنام

ثم يقول النص السومري عن لسان دموزي الهائم في المروج:-
اقيمي المراثي، اقيمي المراثي
ايتها المروج، اقيمي المناحة، اقيمي العزاء

ثم يقول متأسياً على الربيع:-
ولتذرف عيناي الدموع على المروج مثل امي
ولتذرف عيناي الدموع على المروج مثل اختي الصغيرة.

الكاتب:الفنون الجميلة
مصدر النص : الحضارة والميثولوجيا في العراق القديم ـ ماجد عبدالله الشمس الطبعة الاولى صفحة 19-25

————————————————————–

من almooftah

اترك تعليقاً