عبد الباسط الصــوفي ــ حياته ومقتطفات من أعماله

عبد الباسط الصـوفي1931 ـ 1960
المهندس جورج فارس رباحية

في حيٍّ من أحياء حمص القديمة ( ضهر المغارة ) وُلِدَ عبد الباسط بن محمد أبي الخير الصوفي عام 1931 ، من أسرة ٍ أقرب مستوى إلى الفقر عُرِفَت بالتديّن والصلاح يقول المؤرّخون عنها( إنها انحدرت من عشيرة التركمان التي هاجرت من تركستان واستوطنت حمص حوالي سنة 1685 م . تلقّى علومه الإبتدائية في المدرسة الخيرية الأميرية ( المأمون حالياً ) ثم في مدرسة التجهيز فنال الشهادة المتوسطة عام 1946 والشهادة الثانوية عام 1950 ، عُيِّن بعدها مُعلِّماً في مدارس ريف المحافظة ومدرِّساً للغة العربيــة في متوسطة فيروزة . وفي عام 1952 انتسب إلى جامعة دمشق ونال الإجازة في الآداب عام 1956 . وفي أواخر دراسته الجامعية بدمشق عملَ مذيعاً في الإذاعة السورية ومشرفاً على القسم الأدبي فيها بتوصية إعجاب وتقدير من الشاعر الكبير ( بدوي الجبل ) الذي كان وزيراً في الحكومة السورية آنذاك . واصل بعد ذلك مهنته التدريسية في ثانويات دير الزور وحمص حتى شهر شباط 1960 حيث أوفدته وزارة التربية مع ثلاثة من زملائه إلى ( غينيا ) في بعثة تعليمية لتدريس اللغة العربية فقام بمهمته خير قيام ، لكنه أصيب بمرض عضال استعصى على الأطباء هناك مداواته فطلب إعادته إلى وطنه ولكن أمنيته لم تتحقق إذ تعذَر نقله وهو طريح الفراش وتألّم كثيراً ولم تتحمّل أعصابه المرهفة وضعه المرضي فمات منتحراً يوم الأربعاء في 20 تمــوز عام 1960 في ( كوناكري ) بالمستشفى الذي نقل إليه إثرَ إصابته بانهيار عصبي شديد سبقته عدة محاولات إنتحارية فاشلة ،ولم يُتِم الثلاثين ربيعاً من حياته ، ونقل جثمانه بحراً ودفن في مقبرة ( باب التركمان ) بعد شهرين من وفاته .
كان عبد الباسط الصوفي شاعراً عبقرياً ملهماً ، ويعتبر من شعراء الطليعة العربية في عصرنا الحديث ، رهيف الإحساس ، دقيق التصوير والملاحظة وطني التفكير، عربي النزعة ، إنساني نبيل ، رشيق العبارة ، يمتاز شعره بأنه يجمع بين أصـالة الشعر الكلاسيكي وتجديد
الشعر الحديث ويعبِّر تعبيراً عميقاً عن مأساة الضياع والتيه التي يعانيها الجيل العربي الجديد
في سعيه لتحقيق ذاته .
كانت ثقافته على الصعيد السياسي : مستقاة من مبادىء حزب البعث العربي الإشتراكي الذي انتمى إليه في فترة مبكِّرة من حياته وناضل ضمن صفوفه بشِعره الكفاحي الملتزم بقضايا الوطن والأمة العربية في صراعها ضد قوى الإتغلال والرجعية والإستعمار والصهيونية .
وعلى صعيد المناهج الدراسية : دخل شعره مناهج تدريس اللغة العربية مادة النصوص الأدبية في الصف الأول الإعدادي في كتاب ( القراءة الجديدة ) للعام الدراسي 1967 ـ 1968 وأورد له المؤلفون قصيدته ( هو الشعب) . كما دخل شعره في مقرر كتاب ( الباقة ) للصف الثالث الإعدادي للعام الدراسي 1969 ـ 1970 وأورد له المؤلفون قصيدته : (مدينتي )والتي ألقاها في المهرجان العربي للشِعر سنة 1959 نقتطف منها :
مدينتي ، لاتملكُ الذَرّهْ
مدينتي ، طيّبة ، حُرَّهْ
لاتصلب الإنسان في آلةٍ
أو تمضغ الأحقاد ، في فكره
مدينتي ، نبضات قيثارةٍ
حيناً ، وحيناً ضحكةٌ ثرّه
قديمة ، كالحب ، ميلادها
لما صحا دربُ الهوى مرّه
وعلى صعيد الغنــاء : فقد غنّى المطرب نجيب السرّاج له نشيد ( عربيٌّ أنت ) :
عربيٌّ أنت أرضـاً وسما فاملأ الدنيا لهيبــاً ودمـا
وانطلق للشمس في آفاقها وامتطِ الريح وهات الأنجما
وعلى صعيد الجوائز الأدبية : نال جائزة مجلة الآداب الشعرية لعام 1960 عن ديوانه (أبيات ريفية ) هو الأثر الأول الذي ينشر للفقيد الذي كان بين إثنين وعشرين ديواناً قدمت للمسابقة .
والذي صدرَ في آذار 1961 عن دار الآداب ببيروت .
إن للفقيد مئات من القصائد الشعرية في مختلف الموضوعات بالإضافة إلى عشرات من المقالات الأدبية والإجتماعية المنشورة في مختلف المجلاّت والجرائد العربية .
كما أن وزارة الثقافة عملت على طبع ( آثار عبد الباسط الصوفي الشعرية والنثرية ) بتقديم من الدكتور إبراهيم كيلاني . وأن صديقه الأستاذ ممدوح سكاف أصدر كتاب ( عبد الباسط الصوفي الشاعر الرومانسي ) عام 1983 . وأيضا كان عبد الباسط الصوفي ضمن كتــاب
( الحركة الشعرية المعاصرة في حمص ) عام 1981 للأستاذ محمد غازي التدمري .
بالإضافة إلى كتب عديدة من تاريخية وأدبية دوَّنت حياته وأدبه .
وفي مقدمة من رثاه من الكتاب العرب السوريين : عادل أبوشنب حيث قال : ( كل ما بقي منك قصائد وذكريات زرعتها في صدور الذين عرفوك وأحبوك وعاشوا معك ضبابية شعرك… وها أنت قد ذهبت إلى حيث أردت ولكن لماذا لم تقل وداعاً يا عبد الباسط … لماذا مت بعيداً ؟ ) .
وكتب صديقه الأديب القاص ياسين رفاعية عنه : ( أصحيح أنشب الموت أظافره في حنجرتك العذبة وخنقها ياعبد … ياشاعري هل تحطّم القلم وانكسرت الريشة كما تكسر الرياح غصناً مورقاً ؟ ياعبد … يا شاعراً … عَبِدَ الحرف وأخلصَ له كيف هكذا تهجرنا بقسوة وتفارقنا بعنف ؟ ) .
وفي أوائل السبعينات من القرن الماضي هيّأ الأستاذ عبد الرحمن الحلبي لقاء إذاعي في المركز الثقافي العربي بحمص دار حول الشاعر الفقيد حياته وشعره اشترك فيه ممدوح سكاف ، شكري هلال ، عبد المعين الملوحي وغيرهم من الأدباء .
مقتطفات من أعمــــاله :
1 ـ كان عبد الباسط يعاني منذ يفاعته من شعور حاد بالوحدة وإحساس شديد بالعزلة وكان
متشائماً منطوياً على نفسه ، وتردّدت تعابير الموت والفناء في أكثر من قصيدة ورسالة
وقصة كتبها ، لقد تجمّعت كل الرؤى السوداوية ودفعته إلى الإنتحار البطيء في حمص
والإنتحار الصعب ( في كوناكري ) حيث ابتدأ خيط الرحيل الأبدي منذ اللحظــة التي
اصطدم فيها بحبه التعيس ووقفت التقاليد والأعراف في وجه تجربته ( العشيقة الأولى )
التي كانت سبباً في اضطراب حالته النفسية ونزوعه إلى الرحيل :
أنا راحلٌ والشوك ملء يدي آهٍ الشـوك عربدْ
أنا راحلٌ وغداً أعود وفي جبيني الشمس تُعقَدْ
سأهزُّ أغوار الفناء وأنثني أبداً مخلد
وأجوب أعماق الجحيم خطىً تمزق كل فرقد
صبحٌ يموت ، ووجه صبح في ضمير الليل يولد
2 ـ من قصيدة ( الزائر الغريب ) نظمها في مدينة كوناكري بتاريخ 21/أذار /1960 :
أنا .. فرح الأرض ، إنسانه ، شوقه السرمديْ
أنا .. في تدافع عشب ، وفي خفق صبحٍ ندي
أنا .. قد غمست حروفي ، بكل عروق الحياه
وبين ضلوعي لهيب إله ، وسر إله
3 ـ من قصيدة ( وطــن ) :
وعيتُك ، يا وطني ، في الضمير
صلاةً كأنك نجوى نبي
مع الطفل ، في مهده الشاعريِّ
مع الأمّ ، جاثيةً ، والأبِ
مع الفجر ، يغرقُ ، في صحوهِ
مع الشمسِ ، في كونها الأرحبِ
وعيتكَ في سنبل كالنضّارِ
وفي منجلٍ ، باردٍ ، أصلبِ
وفي كلّ أرضٍ ، مع القادحين
يشقون ، دربَ الغدِ المختبي

1/7/2007 المهندس جورج فارس رباحية

المراجع والمصادر :
ــــــــــ
ـ أبيات ريفية : عبد الباسط الصوفي 1961
ـ آثار عبد الباسط الصوفي : وزارة الثقافة
ـ عبد الباسط الصوفي الشاعر الرومانسي : ممدوح سكاف 1983
ـ الحركة الشعرية المعاصرة : محمد غازي التدمري 1981
ـ نظرات في الأدب العربي الحديث : محمد غازي التدمري ـ كمال الغزي 1996
ـ تاريخ حمص الجزء 2 : منير الخوري أسعد 1984
ـ مواقع على الأنترنت : 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد الباسط الصوفي
من ويكيبيديا،
عبد الباسط الصوفي
ولد 1931
حمص، سوريا
توفى 20 يوليو 1960
كوناكري، غينيا
الجنسية سورية
المواطنة سورية
الحركة الأدبية رومنطيقية[1]
عبد الباسط بن محمد أبي الخير الصوفي (1931—1960) شاعر سوري من حمص.

حياته

ولد ودرس في مدينة حمص السورية. حصل على الشهادة الثانوية في 1950. بعد حصوله على الشهادة الثانوية تم تعيينه مدرساً فعمل في قرى محافظة حمص مدة سنتين، وفي سنة 1952 التحق بالمعهد العالي للمعلمين وحصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي في 1956، درّس بعدها اللغة العربية في مدارس محافظتي حمص ودير الزور حتى شباط 1960[2].

أوفدته وزارة التربية والتعليم لتدريس العربية في غينيا في 1960، وهناك أصيب بانهيار عصبي وقام بعدة محاولات انتحار، ومات في مستشفى في كوناكري في 20 يوليو 1960، ونُقل جثمانه بحراً إلى بلده حيث دفن بعد شهرين من وفاته[2].

أعماله

يصنف نتاجه ضمن الرومنطيقية[1]، ويوصف بالتشاؤم والانطواء والحزن[3]. صدر له ديوان شعر وحيد[4] «أبيات ريفية» عن دار الآداب بيروت في 1961[5].

كما أصدرت وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سوريا في سنة 1968 «آثار عبد الباسط الصوفي الشعرية والنثرية».[6]

من قصائده:[6]

«ليالي الحب» (مجلة النواعير – حماة – العدد 34 – أكتوبر 1947)
«مدينة العزب» (مجلة الثقافة – دمشق، نوفمبر 1958)
«سبوتنيك» (مجلة الآداب – بيروت – سبتمبر 1959)
«مأدبة للقمر» (مجلة الآداب – بيروت – نوفمبر 1959)
«فنجان قهوة» (مجلة الآداب – بيروت – ديسمبر 1959)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نماذج من أعمال الكاتب
طريق

يقولون

امرأة من بور سعيد

إلى حبيبته

أنا أبن الأرض

مكادي

 

 

رسالة عبد الباسط الصوفي إلى حبيبته – س- ومنها:‏

«عزيزتي – س- حينما تنطلق العاصفة من الأفق البعيد أو يسرع الراعي بقطيعه الى كهفه المظلم , تسرع نفسي كذلك الى كهفها السحيق وتنزوي في ركن بعيد تناجي أشباحها الثائرة .‏

حينما تنطلق العاصفة تختفي تحت أجنحتها ذكرياتي خائفة مذعورة , حاملة قصة حياتي الى الأجيال .. لقد حملت ذاتي أفتش لها عن وجود عميق وانطلقت باحثة عن الأبدية , هناك لم أجد في مخيلة الزمن إلا صورتك تنطبع على صفحات روحي فتملؤه كما تملأ الألحان أرواح الهائمين .‏

منذ سنوات أربع بينما كنت أسير هارباً من نفسي , والوحشة المخفية تعصف بكياني الضعيف إذ برزت فتاة صغيرة نحيلة , تمشي بهدوء وفي وجهها الرقيق كل معاني الألم والشقاء .. نظرت إلي نظرة عابرة بريئة ثم تابعت طريقها .‏

لم أدر لماذا انحدرت دمعتان حارتان على وجهي الشاحب الصغير واضطربت نفسي لعل ذلك من تأثير الصدمة التي تلقيتها في ذلك اليوم , أو لعله منظر تلك الفتاة الغريبة .. أو لعله شيء مجهول لم أدر معناه أم لعله جميع هذه الأشياء … لا تصمت أيها الطائر سوف أفتح دوماً نافذتي .. لأسمع أناشيدك السحرية لا تطبقي أيتها الأزهار أجفانك بفتور , سوف أصلي وسوف تسيل صلاتي حلماً رائعاً بين أهدابك ينبض طيوفاً بيضاء , وها أنذا أسير اليك أيها الغدير .»…‏

امرأة من بور سعيد

خُذْ يا صغيري وامْضُغْ اللعناتِ ماتَ أبوك غيلة
لَبَني مَزَجْتُ به السمومَ ، ولم أكنْ يومًا بخيلة
فمُكَ البرئُ يغصُّ .. خُذْ ثديي سأُرْضِعُكَ البطولة
الوردُ يُنْبِتُ شوكَهُ .. وكذاك زَنْبقةُ الطفولة
طفلٌ ينامُ على الدموعِ مُهَدْهَدًا ، أنا لستُ أُمَّه
خُذْ يا صغيري ، واشربِ الأحقادَ والفُظْ كلَّ رحمه
لا تبكِ مذعورا .. تفجّر في يديَّ لظًى ونِقْمَة
خُذْ واعتصرْ مني اللهيبَ ، ففي ضلوعي حقدُ أُمَّةْ

يقولون:

هام، بأفريقيا، عاشق، في ضمير البحار، وغاب
يغلغل، في الأفق،
أسود كالقار، عريان، يلطم صدر العباب
يطير مع الوهم، تركض عيناه،
ينصل من سدفي الإهاب
أضاع، على الموج، أيامه،
فكان رحيلاً، بغير اياب
مكادي! أنا، والشراع الصديق، وقيثارتي:
غربة وارتحال
شددنا إلى البحر،
والبحر في الزرفة الأبدية، قبر الرجال
تميل بنا نزوات الرياح
بأنوائها، الصافرات الصخاب
شددنا.
عيوناً، وخفق شراع صديق، وقيثارة من عذاب
ف«سيزيف» من قبل، شد إلى الصخرة الجامدة
تسلق، يحمل أثقال خيبته الخالدة
مكادي! أنا بعض «سيزيف» بعض الذين كابده
فرغت على الزرقة الأبدية،
قلباً هشيماً وروحاً خراب
تسلقتها، لجة وعرة، وارتميت عليها،
عصيَّ الرغاب
مكادي! أنا بعض «سيزيف» بعض الذي جالده
يطاردني اليأس، دامي السياط، كما طارده
مكادي! هما: الصخر والعقم في لجتي الصاعده
هما الصخر والعلم،
هزها حقدها الزبدي
فثارت غضاب
منافقة، تكتم السخريات،
وتطفو، بزرق الصحارى، سراب
ودرب البحار، بأبعاده،
قديم المتاه، قديم الضلال
ركام سماء رمادية
وزحف ظلال، وراء ظلال
وليل البحار، بآباره السود
عمق تفجر نبع ضباب
مكادي! ترنحت، وانهدمت جبهتي الصامدة
وظلت عيوني، تحدق في العتمة الوافده
ولم يبق في الكأس، من قطرة واحده
أنا، والشراع، وقيثارتي غربة وارتحال
افتش عن وعلة، خبأتها أقاصي التلال
على جيدها، أتلعت كبرياء المروج، اختيال
وتفلت، فوق النسائم، مذعورة شاردة
أنا: وعلتي كل أيامها، وجل، أو دلال
ربيعية العشب، تعبق أنفاسها الراغدة
أفتش عن شهرزاد برونزية،
طوقتها كنوز البحار
مضمخة جسداً حر كالصيف،
جم الحنايا، لفيف الثمار
رخامية الصدر، في قبتي لذة، ناهدة
تصب عتيق لمأدبة واجدة
وتكنز، من كرز، شفتيها للهفة قبله
لوهلة حب، لومض لقاء، لرشفة تله
وسادتها الورد، في ألف ليلة حلم، وليلة
تخبئها الجزر النائيات،
وتغفو بها، لهفة وانتظار
بقرطين يرتجفان، بشلال شعر بهيم،
بضافي إزار،
بكسرة هدب، بأغوار عينين، عاشقتين
سراجين، زيتهما الحب، أعطى الهوى شعلتين
حكاياهما: غزل مسرف
طري الحروف، شجي الحوار
وتسألني كل أفريقيا، يا مكادي،
لم أنت تطوي البحار؟؟
أفتش عن شهر زادي!
وعن قطعة، من فؤادي!
أفتش عنك، مكادي!!
ڤڤڤ
مكادي! أيا جنة الحب، في الجزر الرافدة!
أيا عطش الراحلين إلى النبعة الباردة!
هبطت، إلى الجزر الحالمات
وغصت بعيداً.. وراء المحار
وقلبت عنك المرافئ،
أبحث، اسأل، انثر فيك النضار
وأغرقت ضوضاءها،
برخيص الخمور يسيل، بعنف الشجار
وألقيت كل شباكي
وألقي، عرائسة، البحر، بيضاً حزار
على أي أرض، يغني، مع الفجر، إنسانها؟
بأي الشواطئ، تكتظ في الشمس، ألوانها؟
توسدت عرش البحار؟
بأي محار
مكادي! بأي قرار؟
==========
29/5/1960م
لابي غينيا

طريق

رجفةٌ بين حنايا القبرِ، فلأُرسلْ صلاتي
وَلأَسِرْ، كالحُلُم الغارب، ولأَطْوِ حياتي
أذرع المجهولَ، واهي الخطو، دامي البَسَمات
ذاكَ صوتٌ، من خفيّ الغيب، من أعماق ذاتي
خضَّبَ اللحنَ، على ثغري، وأدمى نغماتي
تلك أقدامي تجوب العمرَ، يوماً بعد يومِ
ما رأتْ عينايَ؟ لا أدري، وما سطَّرَ حُلمي؟
أقطع الأوتارَ آهاتٍ، واستنزف إثمي
آهِ! لا أعلم، ما جهلي بدنياي وعلمي؟
أنا… لا شيءَ، ولا شيءَ سأحيا… عبدَ وهمي
عبثاً أنظر في الأعماق، لا أُبصر شَيَّا
والمدى الشاحبُ، ما مات رؤىً في مقلتيّا
هكذا أمضي مع الدهر، ولا أشكو المُضِيّا
أتخطّى الزمنَ الموغلَ إيقاعاً خفيّا
أنا… لا شيءَ، ولا شيءَ وجودُ الكون فيَّا

أنا ابن الأرض

غنّيتُ للفجرِ حتى انسابَ مُنْهَمِرا ورحتُ أنفضُ أَجفانَ الهوى صُوَرا
والأرضُ من أُفُقٍ تسعى إلى أُفقٍ يصحو لها الوَتَرُ الغافي، ولو سَكِرا
غنَّيتُ… واخضَلَّتِ الذكرى على شفتي وصَفَّق الهُدْبُ للحُلْمِ الذي خَطَرا
أختاه! أَيُّ شفاهي لم تَذُبْ نغماً وأيُّ جرحٍ عميقٍ لم يَعُدْ نضِرا
أصْفى من النورِ آلامي، ولو جُحِدَتْ ودمعتي بوركتْ: مجرىً، ومُنحَدرا
توسَّدَ الروحُ، في أفياءِ جنَّتهِ، يُسربلُ الكونَ، أَطياباً، وما شَعَرا
رَدَّ الليالي عذارى، وَهْوَ مصطفقٌ ولوَّنَ الشَّفَقَ المسفوحَ مدّكِرا
روحي صلاةٌ، إذا هامَ الحنينُ بها، تضوَّعَ الإثمُ غُفْراناً، وإن كَفَرا
أختاه! هذا فؤادي في ارتعاشتهِ كجدولِ الضَّوْءِ، أرخى نَبْعَهُ وَجَرى
قفي على طَلَلِ الماضي نودِّعُهُ عَفْوَ الهوى ينطوي من بعدنا خَبَرا
عَفْوَ القوافي، فَلَمْ يَصْمُتْ لها وترٌ إلاَّ وصُغتُ جراحاتي لها وَتَرا
قفي على طَلَلِ الماضي، لنا غَدُنا ينشقُّ من كَبِد الأيامِ منحسِرا
غدٌ رحيبُ المدى، من كلِّ بارقةٍ تهدهدُ اللّيْلَ، في أحداقنا، سَحَرا
غدٌ يغنّي له الأحرارُ ما طربوا وما تنادى الحمى فيهم وما زأرا
لا… لا تلومي: بلادي جنَّةٌ عَبَقَتْ رمالُها السُّمْرُ أمجاداً ومُفْتَخَرا
خَطَّتْ دروبُ العصورِ الهارباتِ دَماً وهزَّتِ الأَبَدَ المذعورَ، فانْفَطَرا
ألم نشيِّدْ صُروحَ العزِّ شامخةً وَنَقْذِفِ الشُّهبَ، في آفاقِنا، زُمَرا؟
مواكبُ الشَّمْسِ سارتْ في معارجنا في كلِّ مُفْتَرَقٍ تبني لنا أَثَرا
لا… لا تلومي، أَنا من أمَّةٍ رقَصَتْ، على الجحيمِ، تضمُّ الجمرَ والشَّرَرا
ماذا دهى الوَطَنَ المذبوحَ، فاختلجتْ على الشِّفارِ، دماهُ الحُمْرُ واحتضَرا
يا لَلخمائلِ قفْراً في مراتِعِنا كالموتِ جرداءَ، لا ظلاً، ولا ثَمَرا
يا لَلنجومِ الزَّواهي غوِّرَتْ حلَكاً لا سامِرٌ، بَعْدَنَا، يشدوَ ولا سَمَرا
القدسُ، في قبضةِ الإجرامِ قد هُتِكَتْ والعهدُ، تحت يد السفّاح، قد نُحِرا
واستصرخَ المغربُ الدّامي فهلْ خفقتْ له المروءاتُ؟ والموتورُ، هل ثَأرا؟!
دنيا العروبةِ، صرعى، ترتمي مِزَقَاً لكلِّ مغتصِبٍ، إنْ جالَ، أو جَأَرا
فكلُّ باغٍ، على أشلائها، ثَمِلٌ وكلُّ مستعمرٍ، في بيتها، سَدَرا
ألقاكِ، يا أُختُ، في صحْوِ الشجونِ رضاً تباركَ الحزنُ، فينا، ضاحكاً عَطِرا
تمضي على لهَبِ الأحزانِ باسمةً جراحُنا، ودمانا الطيبُ إن نُشِرا
مأساتُنا، لو تعي الأيامُ، صارخةٌ حمراءُ، تنسج من آلامنا الظَّفَرا
سنحمل الجرحَ، لا نشكو به ألماً ولا نضيق، على أوهامه، وَطَرا
نُعدُّ، للثأرِ، راياتٍ مزغرِدةً ونلطُمُ الدَّهْرَ، والأنواءَ، والخَطَرا
إرادةُ الشعبِ، في أعماقِنا، قَدَرٌ وكم طلعنا، على أجيالنا، قَدَرا!
هي الحضاراتُ، فجَّرْنا منابعها من الصميم، فسالتْ.. بيننا نَهَرا
ألقاكِ، يا أختُ، فالدنيا بنا حلُمٌ، من الظلالِ الضوافي، بات مؤتزِرا
سننظمُ الصبحَ، بعدَ الصبحِ، مؤتلقاً ونغرس المجدَ، بعد المجد، مزدهرا
غداً، تُرَدُّ الأماني البيضُ مائجةً والدربُ يزخرُ بالوهج الذي زَخَرا
غداً، وسال فمي نجوى وقافيةً ورفَّ جفني على الألوان منتثرا
الشعر من كبدي نُعمى، مسلسلةٌ أو ثورةٌ جمحتْ، أو عاصفٌ طفَرا
أنا ابنُ أرضٍ على آبادها درجتْ قوافلُ الدهرِ وانساحَتْ بها ذِكَرا
فكلُّ شبرٍ، نسيجٌ من دمٍ ولظىً وكلُّ أفقٍ، نداءٌ ضجَّ واستَعَرا

من almooftah

اترك تعليقاً